9
الأمراض الواردة في العهد الجديد وأهميتها التاريخية
تأليف الدكتور فيليب جرجس حردوMRCP
Gastroenterologist
لندن
مقدمة:
يخلق المرض بأنواعه مشاكل كثيرة للبشر, فهو يدخل الخوف والقلق لدى المصاب وأهله وخاصة اذا كان المرض معدياً, اومزمناً, اوخطيراً, أومشوها".
ويتعلق فهم الناس وتحليلهم لمسببات المرض بطبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه والمفاهيم والتقاليد السائدة في ذلك الوقت. ففي العصور القديمة - ولايزال في بعض أنحاء العالم - هناك اعتقادات خاطئة بأن الأمراض أسبابها أرواح شريرة أو قوى خارجية مسيطرة . ولهذا السبب وللحصول على الشفاء لجأت الشعوب القديمة الى السحرة والكهنة الذين مارسوا طقوسًا وممارسات هدفها كسب رضى الآلهة وطرد الشياطين والأرواح الشريرة.
وإذا عدنا الى عهد الكتاب المقدس ودرسنا هذا الموضوع, لوجدنا بأن يسـوع المسـيح والرسل عملوا عجائب كثيرة وشفوا امراضاً مختلفة سواء بشكل إفرادي أو جماعي. فقد وردت في انجيل متى خاصة قصص كثيرة عن ذلك حيث يقول: ))وجاء إليه جموعاً كثيرة ً منهم عرج ومشلولون وعمي وخرس واخرون كثيرون...(( ( متى 15 :30-31). وأيضا قيل عن يسوع المسيح: ))...فذاع صيته في سورية كلها. فحمل اليه الناس مرضاهم المعانين من الأمراض والأوجاع على اختلافها, والمسكونين بالشياطين, والمصروعين, والمشلولين, فشفاهم جميعاً فتبعه جموع كبيرة من منطقة الجليل والمدن العشر واورشليم واليهودية وما وراء الأردن)). (متى: 4: 23 –25). واستمر الرسل من بعد يسوع بهذه المهمة الخلاصية وشفوا المرضى في كل مكان تواجدوا فيه.
لذلك يمكن القول بان العهد الجديد هو وثيقة تاريخية مهمة وفريدة من نوعها حيث نتعرف من خلالها عن طبيعة الأمراض الشائعة في ذلك الوقت, وهذا ما لفت انتباهي كطبيب فقررت استعراضها وتصنيفها مع التعليق عليها من الناحية الطبية بناءً على خبرتي في هذا المجال وحسب قناعتي, وآمل أن اكون قد وفقت في ذلك.
آ. نظرة يسوع إلى ألأمراض:
إن معجزات سيدنا يسـوع المسيح أظهرت للناس سر الملكوت السماوي الذي جاء من أجله, ومن اجل خلاص البشرية فهو بعمله العجائبي هذا أراد اثارة اهتمام الناس لمهمته الخلاصية فشفى الكثير من المرضى والعلل, وحتى أنه أقام الموتى (لوقا 7: 11-17). وهذا بدوره ادى الى شهرته السريعة والواسعة في البلاد المقدسة كما ورد في انجيل لوقا: ((انه في كل مكان زاره اندفعت اليه الجموع من كل صوب حاملين مرضاهم وذاع صيته في كل مكان من المنطقة المجاورة)) (لوقا4: 37). وايضاً ذُكر في انجيل متى(...فاجابهم يسوع قائلاً: اذهبوا واخبروا يوحنا (المعمدان) بما تسمعون وترون, العمى يبصرون, والعرج يمشون, والبرص يطهرون, والصم يسمعون, والموتى يقومون, والمساكين يبشرون)). (متى 11: 1 – 6)
- شفاء المرضى كان عمله اليومي: على الاغلب كان شفاء المرضى قسطاً من عمل يسوع اليومي, حيث أنه عالج الكثيرين, ومن مختلف الأعمار, رجالاً ونساءً, بشكل افرادي او جماعي. ومن الملفت للانتباه ان يسوع في اكثر من مرة طلب من المعافى ان لا يخبر احداً, وربما فعل هذا تجنباً لخلق البلبلة في القرية او البلدة التي كان يزورها.
وحسب تصوري لو ان الرسل كتبوا عن كل حوادث الشفاء التي عملها يسوع لتحول الأنجيل الى مجلد ضخم يعج بالمعجزات فطغت على طابعه الديني. لذلك فانهم كتبوا عن شفاء الأمراض الشائعة مثل الشلل والبرص والصرع بشكل "شفاء جماعي" Group Healing ولجؤا الى ذكر الحالات الأقل شيوعاً بشكل افرادي كما سنرى فيما بعد.
- اسباب المرض: قلما تطرق يسـوع إلى مسببات المرض بشكل مباشر, وأعتقد أنه تقصد ذلك لكي يبقى على علاقة طيبة مع الناس البسطاء في ذلك العصر. وفي احدى المرات سأله تلاميذه عن أسباب العمى عند أحدهم, فيما اذا كان هذا ناجماً عن الخطيْة, فأجابهم: ((...لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر اعمال الله فيه)) (يوحنا 9: 3). جواباً قصيراً ولكنه عميق المحتوى.
- تعامله مع المرضى: لقد كان تعامل يسوع مع المرضى نابعاً من مبدا التحنن على المصاب, ومتميزاً بالبساطة, والتواضع, والعفوية, وبعيداً عن التمثيل والطقسية. انه قدم العلاج الشافي والفوري للمصابين بدون شروط او مقابل, فاذهل الجميع حتى انهم قالوا عنه: ((ما شوهد مثل هذا قط في اسرائيل)) (متى 9: 32 – 34).
ماذا نفهم بكلمة "الشفاء" الواردة في الانجيل؟ وهذا سؤال جدير بالذكر, لأن الطبيب البشري بعلمه يمكن ان يقدم لمريضه شفاءً جسدياً أو نفسياً, اما يسوع المسيح فهو "الطبيب الأسمى" الذي يشعر بالشفقة والتحنن على المرضى (متى20: 34) فيقدم له او لها "شفاءً كاملاً " Total Healing باعطائهم الشفاءالروحي* اي الخلاص*. والإ ثبات على ذلك هو ما ورد في اللآيات المقدسة, وبشكل مختصر وموجز اورد ما يلي: قال يسوع للمريض: يا بني قد غفرت لك خطاياك*. وفي حوادث شفاء اخرى كما سنرى فيما بعد ان المعافى نفسه يتبع يسوع (..وتبع يسوع*, ...وانطلقا يتبعا يسوع*, ... فأبصر وتبع يسوع*...الخ). ونحن نعرف حق المعرفة ان من يتبع يسوع يخلص. ولذا فلم يعد الإنسان المريض اوالمعاق في النظرة المسيحية الشخص المنبوذ الذي يتجنبه الناس فيعيش معزولا,ً بل صار جزءاً منه.
وبالرغم من قدرة يسوع المسيح على شفاء المرضى عن بعد لكنه غالباً ما تقصد التقرب من المريض ولمسه " بوضع اليد " Laying of the hand او" مسحه " بالزيت او الخمر او الطينة المصنوعة من التراب والثفل (متى 4: 23- 2).
وكان المسح بالزيت قديماً يستخدم لشفاء المرضى او رمزاً للفرح (ولاسيما المعطر) الذي دعي احياناً " زيت الفرح "( امثال 27 : 9 , اشعيا 61: 3) اما بولس الرسول فيقول عن يسوع المسيح: (... والذي قد مسحنا إنما هو الله, وهو ايضاً قد وضع ختمه علينا ووهبنا الروح القدس عربوناً في قلوبنا)) (كورنثس 1: 21- 22).
ومن ناحية اخرى فلم يرد في العهد الجديد كما في العهد القديم ذكراً لأستمال الأدوية ( راجع اشعيا1: 6 , ارميا 8: 22, حكمة 7: 20) وهذا ليس غريباً, لأن يسوع المسيح والرسل من بعده ارادوا ان يقدموا للمرضى علاجاً " ناجعاً وفورياً " Immediate Healing بقوة الروح القدس ليؤمن به الناس فيخلصون.
- واجباتنا نحو المرضى: ومن الواجبات النبيلة التي فرضها علينا يسوع هي زيارة المرضى بمختلف علاتهم (متى 25: 36) وهي ظاهرة تتميز بها كنيستنا وتقاليدنا العريقة. وفي نظري ان يسوع المسيح كان رائعاً في طلبه هذا حيث تعتبر زيارة المريض واهله عاملاً مسرعاً للشفاء النفسي والجسدي.
ب. نظرة الرسـل إلى ألأمراض:
لاشك بأن الرسل قد تعلموا الكثير من يسـوع المسـيح بطريقة تعامله مع المرضى, فهو عندما فارقهم أعطاهم سلطاناً لشفاء كل مرض وعلة وأوصاهم قائلاً: ((... المرضى اشفوا, والموتى اقيموا, والبرص طهروا, والشياطين اطردوا. مجاناً اخذتم فمجاناً أعطوا)) (متى 10: 1–8). فاتشر صيتهم في البلاد التي بشروا فيها بسرعة فائقة, والسلطان الذي ُمنح لهم شمل ايضاً قيامة الموتى واذكر هنا باختصار ما قاله بطرس الرسول للتلميذة المتوفاة: ((...يا طابيثا قومي! ففتحت عينيها ولما رات بطرس جلست, فمد يده اليها وساعدها على النهوض...)) .( اعمال 9: 36 –43)
وبلا شك فإن هذا يدل على استمرارية دعم يسوع المسيح للكنيسة مظهراً أن الروح القدس يعمل فيها.
I. الأمراض الواردة في الاناجيل الاربعة:
وهي الامراض التي شفاها يسوع وكانت متنوعة جداً فشملت أمراضاً عصبية, وانتانية
(مثل الحمى والجذام), وامرض العيون, والصمم, ومرض الكبد, والدم, والنفسية, والعظمية..الخ.
داء الصرع :
وهو مرضٌ قديمٌ ومعروف وله الكثير من الأسباب, و العلم الحديث بين لنا حقائق كثيرة تتعلق بهذا المرض و بمجال المعالجة لتخفيف معاناة المصابين به . وقد تردد ذكره كثيراً. ويبدو من خلال هذه الحوادث الكثيرة أن الصرع كان منتشراً في ذلك الزمن و بأعتقادي أن السبب كان انتاني ناجم عن الخمج بعوامل جرثومية (مثل التهاب السحايا السلي المزمن) او طفيلية عدة منها تناول اللحوم غير المطبوخة بشكل جيد كلحم الخنزير والبقر او كبد الأغنام الذي ما زال شائعا في بعض مناطق الشرق. بينما نجد ان اغلب اسباب الصرع في الوقت الحاضر غير معروف. اذكر بعض الحوادث التي وردت في الانجيل:
جاء في إنجيل مرقس وصف واضح لهجمة الصرع: ((...ولما وصلوا إلى باقي التلاميذ رأوا جمعا" عظيما" حولهم وبعض الكتبه يجادلونهم. وحالما رآه الجمع ذهلوا كلهم واسرعوا إليه يسلمون عليه. فسألهم فيم تجادلونهم فرد عليه واحد من الجمع قائلا" : يا معلم , أحضرت إليك ابني وبه روح أخرس , حيثما تملكه يصرعه, فيزبد ويصر باسنانه ويتيبس. وقد طلبت من تلاميذك أن يطردوه, فلم يقدروا. فأجابهم قائلا" :أيها الجيل غير المؤمن! إلى متى أبقى معكم ؟ إلى متى أحتملكم ؟ أحضروه إلي! فأحضروه إلى يسوع. فما إن رآه الروح, حتى صرع الصبي, فوقع على الأرض يتمرغ مزبدا". وسأل أباه: منذ متى يصيبه هذا ؟ فأجاب: منذ طفولته. وكثيرا" ما ألقاه في النار وفي الماء ليهلكه. ولكن إن كنت تقدر على شيء, فأشفق علينا وأعنا!. فقال له يسوع: بل إن كنت أنت تقدر أن تؤمن, فكل شيء مستطاع لدى المؤمنين!. فصرخ أبو الصبي في الحال: انا أومن, فأعن عدم إيماني. فلما رأى يسوع الجمع يركضون معا", زجر الروح النجس قائلا" له: أيها الروح الأخرس الأصم, إني آمرك, فأخرج منه ولاتعد تدخله بعد ! فصرخ الروح وصرع الصبي بشدة, ثم خرج. وصار الصبي كأنه ميت, حتى قال أكثر الجمع: ( إنه مات ! ) ولكن لمَا أمسكه يسوع بيده وأنهضه, نهض )). (مرقس 9 : 14 – 27). وقد تردد ذكر هذه المعجزة وربما لأهميتها في انجيلي متى (17: 14-18 ) ولوقا (9 : 37 - 343 )
وفي هذه القصة وصفاً رائعاً ومطابق تماماً لهجمة "الصرع الكبير" التي يعرفها الأطباء, فالمريض يصاب باختلاجات قد تكون عامة ويفيض الزبد من فمه ويطبق أسنانه بشدة, وقد يعض على اللسان ثم يصاب بنوبة من التشنج ( اليبس ) ثم يغيب عن الوعي لفترة قصيرة. كما ان هنالك ايضاً ملاحظة مثيرة في هذه القصة عن مخاطر الصرع حين روى الأب عن ابنه: انه وقع مراراً اثناء الهجمة في النار أو في الماء. وفي الحقيقة ان الأطباء ينصحون دوماً المصابين بالصرع بالابتعاد عن المناطق الخطيرة كالنار ومناطق المياه ليتجنبوا الاحتراق والغرق أثناء هجمة الصرع.
يسوع يشفي المرضى بشكل جماعي: (( فأحضروا إليه جميع السقماء والمصابين بأمراض وأوجاع مختلفة والمجانين والمصروعين والمفلوجين فشفاهم)) (متى4 : 24–25). وورد ايضاً (( وعند حلول المساء احضر اليه الناس كثيرين من المسكونين بالشياطين. فكان يطرد الشياطين بكلمة منه. وشفى المرضى جميعاً, لكي يتم ما قيل بلسان النبي اشعياء القا ئل: هو اخذ اسقامنا وحمل امراضنا)) (متى 7: 16 – 17).
الفالج ( الشلل ) :
· لقد وردت حوادث كثيرة عن شفاء المشلولين سواء عند البالغين او الأطفال. وفي اعتقادي أن أغلبها كان ناجم عن مرض شلل الأطفال الذي قلَ انشاره بسبب توفر اللقاح او امراض عصبية نادرة مجهولة السبب. ومن الحالات المذكورة:
· شفاء المخلع في كفرناحوم: ((... و جاءه بعضهم بمشلول يحمله أربعة رجال و لكنهم لم يقدروا أن يقتربوا اليه بسبب الزحام فنقبوا السقف فوق المكان الذي كان يسوع فيه حتى كشفوه ثم دلوا الفراش الذي كان المشلول راقداً عليه فلما رأى يسوع ايمانهم قال للمشلول : يا بني قد غفرت لك خطاياك ... قم و احمل فراشك و امش)). (مرقس2 : 1- 12). وهي حادثة طريفة وملفته للنظر حيث تعكس لنا شدة المرض وتأزمه.
· شفاء ابن القائد في كفر ناحوم: (( وحالما دخل يسوع مدينة كفرناحوم جاءه قائد مئة يتوسل اليه قائلاً: يا سيد ان ابني مشلول طريح الفراش في البيت يعاني أشد الآلام فقال له يسوع: سأذهب وأشفيه فأجاب قائد المئة: يا سيد أنا لا استحق ان تدخل تحت سقف بيتي انما قل كلمة فيشفي غلامي... ألحق اقول لكم لم اجد في احد من اسرائيل إيماناً عظيماً كهذا... ثم قال يسوع لقائد المئة: اذهب, ليكن لك ماآمنت بأن يكون!)). (متى 8 : 5-8). وهذه هي من احدى القصص الرائعة في الانجيل التي تربط قوة الأيمان بالشفاء.
· شفاء اليد اليابسة في يوم السبت: (( ثم انتقل من هناك ودخل مجمعهم, واذا هناك رجل يده يابسة ...فقال له: مد يدك فمدها فعادت سليمة كاليد الأخرى )) ( متى 12 : 9-13 ). مفهومي للتيبس هنا انها حالة عصبية على الاغلب.
· شفاء مشلول بيت حسدا: (( وكان بالقرب من باب الغنم في اورشليم بركة اسمها بالعبرية بيت حسدا, حولها خمس قاعات يرقد فيها جمع كبير من المرضى من عميان وعرج ومشلولين ينتظرون ان تتحرك مياه البركة لأن ملاكاً كان يأتي من حين لآخر الى البركة فيحرك مائها, فكان الذي ينزل اولا ًيشفى مهما كان مرضه. وكان عند البركة مريض منذ ثمان وثلاثين سنة...فسأله يسوع: اتريد ان تشفى؟ فاجابه المريض: يا سيد, ليس لي انسان يلقيني في البركة متى تحرك الماء... فقال له يسوع: قم احمل فراشك وامشي. وفي الحال شفي الرجل وحمل فراشه ومشى.)) (يوحنا 5: 1 – 9). وهذه القصة تؤكد مدى انتشار امراض العمى والشلل وترسم لنا صورة مفصلة عن ظاهرة عزل المعاقين وابعادهم عن المجتمع في ذلك الوقت كما سنرى فيم بعد.
الصمم :
و له الكثير من الأسباب أغلبها التهابي و يحدث أثناء الطفولة كالتهاب الأذن الوسطى المزمن الذي قل انتشارها بشكل كبير بعد توفر الصادات الحيوية. ومن هذه الحوادث اذكر :
· شفاء الأصم: ((فاحضروا اليه اصم معقود اللسان وتوسلوا اليه ان يضع يده عليه... ووضع اصبعه في اذني الرجل ولمس لسانه ورفع نظره الى السماء وتنهد وقال له بالسريانية "اففتاح" وفي الحال انفتحت اذناه وانحلت عقدة لسانه فتكلم)) (مرقس 7: 32-37).
· شفاء الأخرس الذي ادهش الفريسيين (متى 9: 31 – 34 )
العمى:
علمياً من الصعب تصنيف أسباب العمى في ذلك الزمن, ولكن أعتقد أن أغلبها كانت التهابية مثل مرض التراخوما الذي قل انتشاره الآن بسبب الصادات الحيوية الفعالة. واما السبب الاخرفيمكن ان يكون الساد ( المياه البيضاء ) وهي تكثف في العدسة التي تحدث مع تقدم العمر ومعالجتها هوالعمل الجراحي. أما السبب الولادي للعمى فهو غالباً انتان منتقل من الأم الحامل للجنين أو بسبب نقص الأكسجين للدماغ أثناء الولادة .
ورد في الإنجيل الكثير من حوادث إعادة البصر واذكر منها:
· شفاء الأعمى والاخرس: ((ثم احضر اليه رجل اعمى واخرس يسكنه شيطان, فشفاه حتى ابصر وتكلم. فدهش الجموع كلهم وقالوا: لعل هذا هو ابن داود!)). (متى 12: 22- 24)
· شفاء الأعميين: ((... واذا أعميان كانا جالسين على جانب الطريق وما أن سمعا أن يسوع يمر من هناك حتى صرخا: ارحمنا يا رب يا ابن داوود فتوقف يسوع ودعاهما اليه وسألهما: ماذا تريدان أن أفعل لكما؟ فأجاباه: أن تفتح لنا أعيننا يا رب فأخذته الشفقة عليهما ولمس أعينهما ففي الحال عادت أعينهما تبصر وانطلقا يتبعانه)) (متى 20 : 30-34).
· شفاء الأعمى منذ الولادة: ((... و فيما كان يسوع مارا رأى رجلاً أعمى منذ ولادته فسأله تلاميذه: يا معلم: من اخطىء هذا أم والداه حتى ولد أعمى ؟ فأجابهم يسوع : لا هو أخطىء ولا والداه لكن حتى تظهر فيه أعمال الله ... قال هذا وثفل في التراب وجبل من الثفل طيناً ثم وضعه على عيني الأعمى وقال له: اذهب اغتسل في بركة سلوام فذهب واغتسل فعاد بصيراًُ... ورفض اليهود ان يصدقوا أنه كان اعمى...الخ )) ( يوحنا 9 :1-7 ).
· شفاء الأعمى في بيت صيدا: ((... وجاءوا الى بلدة بيت صيدا فأحضر بعضهم اليه أعمى و توسلوا اليه أن يضع يده عليه فأمسك بيد الأعمى واقتاده الى خارج القرية وبعدها ثفل على عينيه ووضع يده عليه وسأله: هل ترى شيئاً ؟ فتطلع وقال أرى أناساً وكأنهم أشجار يمشون. فوضع يديه ثانيةً على عينيه فتطلع بانتباه وعاد صحيحاً ليرى كل شيء واضحاً)). (مرقس 8 : 22-26).
· شفاء برتيماوس الأعمى: ((... وساله يسوع: ماذا تريد ان افعل لك؟ فاجابه الأعمى: يا سيدي ان ابصر! فقال له يسوع: اذهب إيمانك قد شفاك فبالوقت أبصر وتبع يسوع في الطريق )) (مرقس10: 46-52).
· شفاء الأعمى في أريحا: (( ولما وصل الى جوار أريحا كان أحد العميان جالساً على جانب الطريق يستعطي فلما سمع مرور الجمع استخبر عما عسى أن يكون ذلك فقيل له: ان يسوع الناصري مارٌ من هناك فنادى قائلاً : يا يسوع ابن داوود : ارحمني ... فتوقف يسوع وأمر أن يؤتى به اليه فلما اقترب سأله : ماذا تريد أن أفعل لك ؟ فقال: يا رب أن ترد لي البصر . فقال له يسوع: ابصر ! ايمانك قد شفاك فللحال أبصر وتبعه وهو يمجد الله فلما رأى جميع الشعب ذلك سبحوا الله )). (لوقا 18 : 35 – 43) .
النزيف الدموي :
ورد ذكر المرأة التي أنفقت معيشتها على الأطباء و كان لديها نزيف مزمن: (( و كانت هناك امرأة مصابة بنزيف دموي منذ اثني عشر سنة و مع أنها كانت قد أنفقت كل ما تملكه اجراً لللأطباء فلم تتمكن من الشفاء على يد أحد فتقدمت الى يسوع من خلفه و لمست طرف ردائه ... فقال يسوع ان شخصا ما قد لمسني لأني شعرت أن قدرةً قد خرجت مني فلما رأت المرأة أن أمرها لم يكتم تقدمت مرتجفة معلنةً أمام جميع الناس لأي سبب لمسته و كيف نالت الشفاء في الحال فقال لها: يا ابنة ايمانك قد شفاك: اذهبي بسلام )) (لوقا 8 : 43-48). وفي اعتقادي أن هذه الحالة الفريدة هي على الأغلب عبارة عن وراثي نزيف مزمن ناجم عن نقص عوامل تخثر الدم أو اضطراب بعض الخلايا الدموية وربما كانت عبارة عن مرض ( فون ويلبراند ) و هو عبارة عن مرض وراثي يشبه الناعور ولكنه أخف وطأةً منه ويصيب الجنسين ( الناعور نادراً ما يصيب الإناث).
وهذه الحالة المصتعصية تذكرني بالامراض المزمنة والمجهولة السبب في وقتنا الحاضر والتي يصعب علاجها رغم التقدم العلمي الهائل. وليس من الغريب ان نرى بعض المرضى يتنقلون بين عيادات الأخصائين باحثين عن العلاج فيتكلفون مبالغ كثيرة. لكن يجب ان لا ننسى ان الأنسان يبقى معرضاً وفي أية وقت لبعض الأمراض التي ليس لها شفاء لا في عصرنا هذا او في المستقبل. وربما هناك حكمة الهية وسرعميق يصعب للعقل البشري المحدود ان يتفهمهما. فاذا تعمقنا في الكتاب المقدس فيمكن ان نجد فيه بعض التفسير لها كما ورد في (رومية 8: 17 -18) حيث يذكرنا بولص الرسول بان الآم الجسد لا تقاس بالمجد, واننا في تحملنا للمرض والألم الناجم عنه انما نشارك في الآم المسيح فنتحد معه, وكلما تقربنا من يسوع كلما كان تحملنا للآم الجسد اكبر. اذكر هنا حديث احد اقربائي – رحمه الله كان شماساً تقياً- الذي اصابه مرض السرطان العضال, قال لي في احدى المرات وبدون قلق او خوف: يا دكتور لا يكون لك فكر فإن ايماني قوي. وهذه حتماً ليست هي القصة الوحيدة التي صادفتها من خلال ممارستي الطبية الطويلة حيث وجدت ان الايمان هو عزاء كبير للمريض المتألم.
مرض الجذام (البرص) Leprosy
يشيع بين العامة الآن او أثناء قراءة الإنجيل استعمال كلمة البرص بمعنى البهق - وهو مرض يفقد فيه الإنسان الصباغ الجلدي فيبدو ناصع البياض وهو غير معدي- وهذا من أهم الأخطاء الشائعة لأن البرص في الحقيقة يعني مرض الجذام المخيف. واذكر حين ممارستي الطب في سوريا وخاصة في المناطق الريفية, كيف ان مرض البهق كان يخلق البلبلة والقلق لدى المريض واهله لأعتقادهم الخاطيء بأنه مرض البرص (الجذام) المعدي, وهذا غالباً ما يؤدي الى عزل المريض المصاب وتكتم اهله بالحديث عنه تحسباً للعواقب الأجتماعية. فقد قال لي مرة اهل المصاب: اذا عُرف ان احد افراد العائلة مصاب بالبهق فستعزل العائلة كلها ولن يتزاوجون منها! بينما الجذام (البرص) هو مرض انتاني سببه جرثومي (نادر الحدوث حالياً) وهو ايضاً يؤدي لتشكل بقع بيضاء فوق سطح الجلد في بداية المرض وقد يتطور ويشوه الأطراف والوجه. ولذا فقد عزل المصابين به قديماً في اماكن خاصة دعيت فيما بعد "بالمجذمة" لأنهم اعتبروا موبوئين. من هذه الحالات اذكر:
· شفاء رجل مصاب بالبرص: (( وجاءه رجل مصاب بالبرص يتوسل اليه فارتمى على ركبتيه أمامه وقال: ان أردت فأنت تقدر أن تطهرني! فتحنن يسوع ومد يده ولمسه قائلاً: اني أريد فاطهر. فلما تكلم زال البرص عنه وطهر)). (مرقس1 : 40-42) .
الشفاء الجماعي للبرص: ((وفيما هو صاعد الى أورشليم مر في وسط منطقتي السامرة والجليل ولدى دخوله لاحدى القرى لاقاه عشرة رجال مصابين بالبرص فوقفوا من بعيد ورفعوا الصوت قائلين: يا يسوع يا سيد ارحمنا! فرآهم وقال لهم: اذهبوا واعرضوا أنفسكم على الكهنة! وفيما كانوا ذاهبين طهروا))( لوقا 17: 1-19) و في اعتقادي ان عزل هؤلاء الناس بشكل جماعي في أطراف القرية يدل على ان مرض الجذام كان منتشرا في ذلك العصر.
الحمى :
كانت الأمراض الحموية { الجرثومية} ولا تزال واسعة الانتشار في البلدان النامية.
وقد وردت قصة واحدة وهي شفاء حماة سمعان بطرس: (( و كانت حماة سمعان طريحة الفراش تعاني من الحمى ففي الحال كلموا يسوع بشأنها فاقترب اليها و أمسك بيدها و انهضها فذهبت عنها الحمى حالاً و قامت تخدمهم )) (مرقس 1 : 29-31 ).
وقد تكون تلك الحالة الحمى التيفية او الملاريا او السل. وقد خف انتشارهم اليوم في حوض بلدان البحر الأبيض المتوسط .
الأمراض العقلية و النفسية :
وهي أمراض متعبة للأطباء نظراً لصعوبة العلاج وقد وصفت هذه الأمراض بالجنون وأدت بالمصاب إلى العزل عن المجتمع لاعتقادهم بدور الأواح الشريرة... في صنعها. ولن اتعرض الى التعليق على هذا الموضوع الشائك لانه خارج عن نطاق المقالة, وكما انني غير متمكن منه من الناحية اللاهوتية. من هذه الأمثلة التي وردت في هذا السياق :
· يسوع يطرد روحاً نجساً: (( وكان في مجمعهم رجل يسكنه روح نجس فصرخ وقال ما شأنك بنا يا يسوع الناصري؟ اجئت تهلكنا؟... فزجره يسوع قائلاً: اخرس واخرجْ منه. فطرح الروح النجس الرجل وصرخ صرخة عالية وخرج منه. فدهش الجميع...)) (مرقس 1 :21 –28)
· طرد الشياطي وغرق الخنازير: وهذه الحادثة هي مشهورة في الأنجيل حيث يلاقي يسوع رجلان تسكنهما الشياطين كانا خارجين من القبور, وهما شرسان جداً, فاخرج الشياطين منهم وارسله الى قطيع من الخنازير فغرقت في البحيرة. ( راجع متى 8: 28 - 34 و مرقس 5: 1- 20)
و يبدو أن وضع هؤلاء المرضى كان مأساوياً حيث رفض المجتمع الاختلاط معهم فسكنوا حول القبور. لكن سيدنا يسوع المسيح برهن للناس أنه جاء من اجل مختلف طبقات المجتمع وكل الامراض والعاهات فبحث عنهم وشفاهم جسمياً وروحيا فتجددت حياتهم.
الاستسقاء :
وذكرت حالة واحدة فقط وهي في انجيل لوقا حيث كتب:
(( وإذا أمامه انسان مصاب بالاستسقاء ... فأخذه و شفاه و صرفه)) (لوقا 14: 2– 6) .
وهو مرض خطير وله مسببات كثيرة, وأغلب الظن أن هذه الحالة كانت ناجمة عن تشمع الكبد بسبب فيروسي (Hepatitis B/C) وهذا المرض لا زال شائعاً في بلاد الشرق. أما
السبب الشائع لتشمع الكبد والاستسقاء في الدول المتقدمة فهو الكحول.
الحدب :
وهو مرض غير شائع واسبابه متعددة. وقد ورد ذكر حالة واحدة وهي شفاء المرأة الحدباء: (( ... واذا هناك امرأة كان قد سكنها روح فأمرضها طيلة ثماني عشر سنة و كانت حدباء لا تقدر أن تنتصب ابداً فلما رآها يسوع دعاها وقال لها: يا امرأة انت في حل من دائك! ووضع يديه عليها فعادت مستقيمة في الحال)) (لوقا 13: 10-13) .
و أعتقد أن السبب في هذه الحالة على الأغلب هو ترقق العظام الشيخي الذي يصيب الاناث بعد الدخول في سن اليأس ولكن من الممكن ايضاً أن يكون السبب داء بوت ( سل الفقرات ) الذي كان يعتبر من أهم أسباب الحدب في الماضي. وقد شاهدت حالات عديدة منها حين ممارستي القصيرة في الجزيرة في سوريا.
II. شفاء الامراض في اعمال الرسل:
حتماً كان الرسل فخورين بهذه "النعمة" التي سلمهم اياها معلمهم يسوع المسيح فعملوا العجائب التي اذهلت الجميع. والحق يقال ان هذه النعمة سلحتهم بالقوة والثقة والعزيمة والثبات في الايمان فنشروا المسيحية في كل المناطق. ومن العجائب التي قاموا بها :
بطرس الرسول يشفي كسيحاً فيدهش الناس في الهيكل. ((... وعند باب الهيكل الذي يسمى الباب الجميل, كان يجلس رجل كسيح منذ ولادته...فنظر اليه ملياً وقال له بطرس: لا فضة عندي ولا ذهب ولكن اعطيك ما عندي: باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش! وامسكه بيده اليمنى واقامه... وصار يقفز فرحاً ويسبح الله )). (اعمال 3: 1 - 10 )
· بطرس الرسول يشفي مشلولا في لدة: ((... ووجد هناك مشلولا اسمه إينياس مضت عليه ثماني سنوات وهو طريح الفراش. فقال له: يا اينياس , شفاك يسوع المسيح, قم رتب سريرك بنفسك! فقام في الحال ورآه سكان لدة وشارون جميعاً فرجعوا الى الرب)) (اعمال 9: 32- 35 )
بطرس الرسول يعمل العجائب: (( وكان الناس يحملون المرضى على فرشهم واسرتهم اى الشوارع لعل ظل بطرس يقع عل احد منهم فينال الشفاء. بل كانت الجموع من المدن والقرى المجاورة يأتون الى اورشليم حاملين المرضى والمعذبين بالارواح النجسة فكانوا جميعاً يبرأون)) (اعمال 5: 16- 17).
· بولس الرسول يجري معجزات خارقة ويبهر السحرة. (( وكان الله يجري معجزات خارقة على يد بولس, حتى صار الناس يأخذون المناديل او المآزر التي مست جسده ويضعوها على المرضى فتزول امراضهم وتخرج الأرواح الشريرة منهم... واخذ كثيرون من المشتغلين بالسحر يجمعون كتبهم ويحرقوها امام الجميع)) ( اعمال: 19 : 11-.2)
· فيليبس الرسول يشفي المرضى: ((...فذهب فيليبس الى مدينة في منطقة السامرة... وقد كان يأمر الأرواح النجسة فتصرخ بصوت عال وتخرج من المسكونين بها, كما شفى كثيرين من المشلولين والعرج فعمت الفرحة انحاء المدينة)). (اعمال:8: 4–8).
وقد استمر هذا العمل العجائبي في الكنيسة الاولى, وحيث نرى الرسول يعقوب يوصي المؤمنين بالاستمرار في ممارسة هذا السر - مسحة المرضى- حيث قال: (( ومن كان منكم مريضا فليستدع شيوخ الكنيسة, ليصلوا من أجله, ويدهنوه بزيت باسم الرب)). (يعقوب5: 14) . ولذا فقد استمر "سر مسح المرضى" في كنيستنا السريانية حيث يمسح الكاهن المريض بزيت مقدس لشفاء الآوجاع واعطاء المريض الصبر والاناة والقوة والثبات في الأيمان. وهنا أسرد جزئاً مما يردده الكاهن في هذا السياق حيث يقول: أيها الطبيب الحقيقي المملوءة كلمته كل شفاء والحاملة قوته كل عون لتوزعها على نفوس عبيده. أنت أيها الرب الاله اجعل في هذا الزيت شفاء" طافحا بالمنافع ليكون عوناً للموجعين, وسلواناً للمكتئبين, وراحة للمكروبين, وبلسماً للجروح...الخ.
واخيرً هناك ثلاث ملاحظات مميزة اود اعادة التذكير بهم لاهميتهم:
1. طريقة تعامل يسوع المسيح – الطبيب الاسمى- السمحاء مع المرضى حيث انه تحدث معهم وسمع الى شكاياتهم, ولمسهم, ومسحهم وشفاهم في الحال. وهذه هي بدون جدال الطريقة المثلى للتعامل مع المريض والتي يجب ان يتعلم منها كل طبيب في ممارسة عمله الأنساني.
2. حث يسوع المسيح المسيح للناس على زيارة المرضى (متى 25: 36) وتعزيتهم. وهذا هو واجب اجتماعي مقدس.
3. ان يسوع المسيح علمنا ان نتقبل المعاقين وذوي العاهات في المجتمع وان لا ننظر اليهم – كما في السابق - من باب الشفقة او الخوف بل بالمساوات والعدالة حيث ان امراضهم ليست هي ناجمةً عن الخطيْة (يوحنا 9: 3). كما انه حثنا حين مصادفتها بان نتأمل ونتذكر بأن حدوثها هو لكي نتذكر الله في اعماله (متى 25: 36) فنمجده على بركاته وخيراته وعطاياه.
**********************************************
انني تمتعت حقاً في كتابة هذا العرض السريع لللأمراض الواردة في العهد الجديد وآمل ان اكون قد توفقت في نظرتي وتحليلي للوقائع. كما انني اشكر زوجتي الدكتورة ماريا بحادي لأقتراحاتها وتشجيعها.
فيليب جرجس حردو
25.08.01
philiphardo@yahoo.com