ليس بوسع التاريخ ان يلغي الواقع الموضوعي
الدكتور حكمت حكيم
لست مؤرخا ان ادعم وجهة نظري بالوقائع التاريخية ، ولكن الذي يمكنني ان اؤكد عليه هو ان التاريخ يكتبه المنتصرين ، ولكن في كل مكان وزمان ينزوي الى جانب المنتصرين اناس اخرون يسطرون الحقائق التاريخية بشكل حيادي غير منحاز بعيدا عن اعين المتربصين ، وهؤلاء الذين كانوا يكتبون تلك الحقائق التاريخية غالبا ما كانوا يقتلون او يحرقون مع ما كتبوه اذا ما اكتشف امرهم ، ولكن في كل الاحوال ان الحقائق التاريخية كانت تظهر ولو بعد حين .
المهم في الامر ان علم التاريخ يمثل لنا ولغيرنا قاع البحر الذي يمكن العثور فيه على جوهر الحقائق التاريخية مهما حاول المحرفون ولكن مهما كانت تلك الحقائق التاريخية حيادية وموضوعية لم يكن بوسعها الغاء الواقع الموضوعي .
في الوقت الذي اتمنى على بعض الاخوان الذين يظهرون على فضائية اشور ان يتسموا بقليل من الواقعية والموضوعية ، وادعوهم مخلصا بعدم التجاوز على الرموز الدينية تحت حجة الحرص والتظاهر على وحدة شعبنا التي بدأ الحديث حولها في الاشهر الثلاثة الماضية ، وكأنما وحدة شعبنا كانت قبل ذلك بردا وسلاما وعلى افضل ما يكون !!!!!!!!!! ناسين او متناسين بأن احتكار تمثيل شعبنا الكلداني والاشوري والسرياني من قبل فصيل واحد هو تجسيد حي لسياسة الحزب الواحد والحزب القائد الذي لفظه التاريخ ، وفي ظل الظروف الديمقراطية التي يعيشها شعبنا لبناء العراق الديمقراطي الجديد .
ان غبطة البطريرك عما نوئيل الثالث دلي كونه بطريركا للكلدان في العراق والعالم اكد اكثر من مرة وفي اكثر من مناسبة بعدم استطاعته ان ينكر الحقائق التاريخية والواقع الموضوعي او يتجاوزهما من خلال تأكيداته بأنه كلداني ، ومشيرا بان الكلدان لايمثلهم الا ابنائهم ، وطالبا من مؤسسات الدولة العراقية بادراج اسم الكلدان في الدستور .
فهل التعبير عن الواقع الموضوعي يمثل انتهاكا لوحدة شعبنا ؟ واذا كان الامر بهذا الشكل كما يعتقده البعض فما بال هؤلاء الذين يكرسون وحدانية شعبنا ( بالاشوري ) دون غيره وذلك من خلال عشرات الرسائل التي ارسلت الى مؤسسات الدولة العراقية لتثبيت اسم الاشوريين في الدستور دون غيرهم وفي مقدمة تلك الرسائل الرسالة التي بعث بها المؤتمر الاشوري العام الذي عقد مؤتمره العام في بغداد في اوائل الشهر الثامن من هذا العام والذي طالب بادراج اسم الاشوريين فقط في مسودة الدستور مطالبة الرسالة المذكورة بأقامة فدرالية اشورية في سهل نينوى وتكون لغتها الرسمية ( اللغة الاشورية ).
وبنفس الاتجاه والمعنى كانت تعمل الحركة الديمقراطية الاشورية خلال الاشهر الثلاثة الماضية تارة تطالب بتثبيت الاسم المزدوج ( كلداشور ) وتارة اخرى بتثبيت اسم (الاشورية) في الدستور دون ان تشير الى اي تسمية اخرى ، اذا لماذا لاتجري الاشارة الى مثل هذه المواقف القومية المتزمتة وادانتها والتراجع عنها خدمة لوحدة شعبنا بدلا من شن هجوم اعلامي على غبطة البطريرك عما نوئيل الثالث دلي بسبب اعلانه كونه كلدانيا ويحترم كلدانيته وفي ذات الوقت وبنفس القدر يحترم كل من الاشوريين والسريان الذين ينظر اليهم كأبنائه .
يبدو ان مجرد اعلان من قبل اي شخص ما كونه كلدانيا جريمة لاتغتفر ، اما المواقف القومية المتزمتة التي تلغي وتنفي الاخر مسألة فيها نظر ، الم يكن من الاولى من قبل اؤلائك الذين يحتكرون وسائل اعلام الحركة الديمقراطية الاشورية ان يدينوا المواقف القومية المتزمتة مساهمة منها في تقريب وجهات نظرنا ولو خطوة واحدة الى الامام في الاتجاه الصحيح ؟ لا ان يغطوا رؤوسهم بالرمال معتقدين بانهم في الوقت الذي لايرون احدا ، فان الاخرين غير قادرين على رؤيتهم !!! .
ان الخطأ الفادح الذي وقع فيه بعض ممثلي الحركة القومية الاشورية في العراق يكمن في تحديد مواقفها وسياساتها على بعض الوقائع التاريخية الخلافية ، وجعلوا من تلك الوقائع حقائق مطلقة استندوا عليها وتشبثوا فيها من اجل تغيير الواقع الموضوعي للكلدان لا بل نفيه والغائه في كثير من الاحيان .
هذا في الوقت الذي نعلم جميعا بعدم وجود حقائق تاريخية مطلقة في اي علم من العلوم الاجتماعية , هذا الموقف من قبل بعض اخواننا ممثلي الحركة القومية الاشورية جعلهم يمارسون سياسات خاطئة وخطيرة بحق شعبنا دفعتهم الى اتخاذ مواقف غير سليمة من خلال العمل على الغاء الواقع الموضوعي لمكونات شعبنا المتمثلة بالكلدان والاشوريين والسريان .
ان المنطق يقودنا الى القول : اذا كان بوسع الوقائع التاريخية الغاء الواقع الموضوعي ، لأصبح من حقنا نحن الكلدان والاشوريين ان نطالب بالغاء التركيبة القومية والدينية للمجتمع العراقي باعتبارنا اصحاب الارض الاصليين وسكان وادي الرافدين منذ ما يقارب سبعة الاف عام ، وما عدانا جاءوا وسكنوا العراق في حقبات تاريخية لاحقة ، اذن هل يمكن لعاقل ان ينفي الواقع الموضوعي لتركيبة المجتمع العراقي الذي يتكون من العرب والاكراد والتركمان والكلدان والاشوريين والسريان والارمن والصابئة المندائيين والايزدية ؟
ان هذا الواقع الموضوعي لا يمكن لوقائع وحقائق التاريخ ان تلغيه او تغيره .
وبودي في هذا السياق ان اذكر اخواني الساسة الذين يقودون الحركة القومية الاشورية في العراق ان اقول لهم بان السياسة هي فن المساومة والتسوية ، وفن تحقيق الممكن وان التسوية ضرورية ومهمة كوسيلة للتراضي الاختياري ، هذا التراضي الذي يعتبر ارفع صورة من صور التفاهم في اي مجتمع متطور بعيدا عن عقلية الغاء الاخر وترسيخ ممارسة مبدأ الحزب الواحد والممثل الوحيد .
ان مثل هذه السياسات الحقت وتلحق اكبر الاضرار بشعبنا ولا يمكن لها ان توصلنا الى اي حل يهدف الى وحدة شعبنا الذي كان وما يزال الحلم الذي يصبو اليه الجميع.
وبودي في هذا السياق ان اشير الى بعض الملاحظات عساها تلقي اذانا صاغية ومخلصة لمواجهة الاستحقاقات القادمة كالاستفتاء على الدستور والعمل المشترك لخوض الانتخابات بقائمة موحدة تضم ممثلي ابناء شعبنا من كافة التنظيمات الكلدانية والاشورية والسريانية والشخصيات الديمقراطية المستقلة والملاحظات التي بودي الاشارة اليها هي الاتية ،
اولا : من المعروف بان الكلدان اليوم يمثلون كتلة سياسية واحدة والمتمثلة بالهيئة العليا لأتحاد القوى الكلدانية والتي تضم بين صفوفها كافة التنظيمات السياسية والجمعيات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني وكافة النوادي والجمعيات الخيرية اضافة الى شخصيات ديمقراطية مستقلة ، ولقد جرى خلال الاربعة اشهر الماضية منذ الاعلان عن قيام الهيئة العليا لأتحاد القوى الكلدانية عن تشكيل اكثر من عشرين فرعا لها في كافة انحاء العالم وما زال تشكيل مثل هذه الهيئات مستمرا كفروع للهيئة العليا لأتحاد القوى الكلدانية .
ثانيا : هناك عدد من المقومات والركائز التي تجعل من الكلدان قوة لايستهان بها ومن ابرز هذه المقومات يمكننا ايجازها بالاتي :
1- ان الكلدان في العراق يشكلون الغالبية العظمى من مسيحيي العراق وخارجه
2- وبحكم هذا العدد فأنهم يملكون اكثر الكفاءات الاكاديمية والعلمية في مختلف المجالات
3- تشكل القوة الاقتصادية الكبيرة التي يمتلكها الكلدان دعما كبيرا لهم داخل العراق وخارجه
4- واخيرا ان الركيزة الاساسية الاهم هي قوة الكنيسة المتمثلة بمجلس مطارنة الكلدان وغبطة البطريرك عما نوئيل الثالث دلي الذي يعتبر بطريركا على الكلدان والعالم حيث يحتل مكانا دينيا هاما وبارزا على المستوى الوطني والاقليمي والدولي .
ثالثا : ادعو مخلصا كافة ممثلي التنظيمات الاشورية والسريانية ، وقبل ذلك اتمنى عليهم ان يوحدوا صفوفهم والجلوس حول مائدة مستديرة لمناقشة الامور المتعلقة بوحدة شعبنا والعمل جميعا في هذا الظرف من اجل الخروج بقائمة موحدة لمواجهة الانتخابات القادمة ، كما ادعو في الوقت ذاته قواعد وكوادر وقيادات الاحزاب والتنظيمات الاشورية لتقييم واعادة النظر بسياساتها السابقة والحالية تجاه الكلدان وبعض العقد الاساسية لشعبنا العراقي والتعامل معها بشكل موضوعي وبناء بهدف الوصول الى قواسم مشتركة تضع الاساس المتين لوحدة شعبنا .
10/9/2005 [/b]