عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - عبد الرحمن مصطفى

صفحات: [1]
1
معاً نحو دولة الامبراطور، تنفيذا لإرادة إمبراطور الدولة

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لا يبدو الأمر هيّنا حينما يتناول أي منا، الانحطاط الاخلاقي الذي وصلت اليه الزمر الارهابية وليس الجانب المتعلّق بالسلوك الوحشي لهذه التنظيمات وحده من يقف القلم عاجزا عند وصف ما يستبطن من بشاعة ، بل وهو الأهم، ما يشكله التمدد الجغرافي المعلن، او التمدد الخفي للأفكار المتطرفة من مخاطر جدية وسط عالم تكاد تختفي فيه المسافات بين جهاته الأربع بفعل وسائل التواصل والاتصال الحديثة، وبما تنطوي عليه هذه الوسائل من تقنيات ترجمة فورية تضاعف من الاثر الكارثي لعملية التفاعل السلبي بين بني البشر حيث لم يعد اختلاف اللغة عائقا في طريق أفراد هذه التنظيمات في مضمار سعيهم الجهيد لشيطنة عقول شريحة الشباب وتوظيف طاقاتها في الاتجاه المعاكس لما ينبغي ان تكون عليه.

لا جدال في ان هذه التنظيمات لم تفلح في تجنيد الملايين للعمل الارهابي، وهو بطبيعة الحال ما تتجنبه نتيجة لما يترتب على تجنيد كهذا من التزامات مادية وتبعات تنظيمية، بل ما تطمح اليه وهو الأهم لديها السعي بأقصى امكانياتها لديمومة حركة التجهيل في المجتمع وتكريس طُرق تفكير آنية مُجردة من الرحمة والأمل ومعبأة بالكراهية واليأس، تتحين الفرص لإنصاف نفسها عبر الانتقام من الآخر، دون وعي بحقيقة وجودها او ادراك لأحقية الآخر في الوجود.. والمراد بالنتيجة مقايضة دين الفرد والمجتمع بدنيا رجل الدين والسياسي الحاكم.

وهو ما يشير اليه أحد أبرز أئمة الضلال والتضليل في المنطقة المدعو الشيخ القرضاوي (مفتي الاخوان المتأسلمون)، حيث يقول بصريح العبارة :- " عندما نطلب عددا من الشباب للقتال (في سبيل الله) والتضحية بالنفس، نجد استعدادا كبيراً جداً، وعلى سبيل المثال نطلب 100 شخص يأتي أضعاف العدد، ولكن حينما نطلب منهم المساهمة في مشروع خيري او دراسة العلوم الدينية للعمل في مجال الدعوة الدينية (التكفيرية) قد يأتي اثنان أو واحد وفي معظم الأحيان لا يأتي أحد".

في حقيقة الأمر ان تصريحاً خطيرا كهذا يتطلب وقفة جادة من جميع الأطراف الدولية، ويستلزم دراسة مستفيضة أيضا، فليس الحاجة الفعلية التي يفرضها واقع بعض المجتمعات البشرية الميالة لتحديد النسل الى الاستعانة ببعضها البعض لتجديد الدماء الشابة أو لاشباع النقص في الايدي العاملة في البعض الآخر عبر فتح قنوات الهجرة تارة أو اللجوء الانساني والسياسي تارة أخرى، ليس هذا وحسب ما يمكن له أن يشكل تهديدا محتملا على الأمن العالمي فيما بعد، بل ما يجسده من خطر آني يتمثل في رواج هذه الأفكار الموبوءة وبقوة في صميم المجتمعات الإفتراضية للشبكة العنكبوتية، فضلاً عن ما يسهم به الضخ المعلوماتي التضليلي والتجهيلي المنتج للكراهية والتطرف من قبل قنوات البث الفضائي المرئي والمسموع التي أخذت على عاتقها مثل هذه المهام المشبوهة.

ليس من المبالغة بشئ، القول بأن العالم برمته كان قد اقتحم عصراً لم يكن قد أعدّ نفسه له كما يجب: أي افتقار المجتمعات للحصانة التي تمكنها من مجابهة تحديات العصر وتحفظها من الانزلاق في مجاهيل الآثار الجانبية للترياق المعرفي، ولا شك بأن الدولة بمفهومها الحديث هي الضحية الأولى المحتملة التي لن يتعدّاها الخطر أينما وجدت وإن تفاوتت فترات صمودها ما بين منطقة وأخرى.. وهو ما أدركته بعض الاطراف في المنطقة التي تناغمت مع الانحراف والتراجع القيمي أملا في قطف ثمار المأساة العالمية عبر اعداد نفسها لتجارب تاريخية استطاعت ان تحجز لنفسها موقعا عالميا فيما مضى وسط ظروف تبدو من حيث اطارها العام متشابهة الى حدّ كبير لما يجري اليوم في المنطقة والعالم..

ان الاشارة الى الدور التركي في هذا الاتجاه ليس بالأمر الجديد أو بالسبق الصحفي الذي يستحق الاشادة بجهد من يشير اليه، بل ولا يشكل مدعاة للإدانة أيضاً، طالما ان العالم يسير في هذا الاتجاه وأن الفرص التاريخية استحقاقا لمن يبصرها عن بُعد، الاّ ان حجم الأنانية التي تنطوي عليه هذه السياسة والجهد المتتالي المبذول من قبل العثمانيين الجدد لتسريع الوتائر التصاعدية للانهيارات الامنية في المنطقة والعالم، يشكل مثارا للأسف العميق بما يعكسه هذا الفعل من استغفال للإنسانية وامتطاءِ للتحالفات الدولية التي تحظى الدولة التركية بشرف عضويتها، وبما يبطنه مثل هذا السلوك المُشين من أنفاس ثأرية متجذرة في نفسية وعقلية الطبقة السياسية الراعية لهذا المشروع.

لا يمكن انكار (المُنجز) الذي حققته السياسة التركية في هذا الاتجاه وعلى الصُعد كافة، ولا مجال لتجاهل الشوط الذي قطعته في طريقها نحو بلوغ الهدف، مع ذلك كان للإحتراز الغربي سواءً التحالف الأمريكي أو حلف الناتو والمتعلّق في عدم الانجرار السريع نحو ميدان حرب العصابات الكفيلة باستنزاف الجيوش النظامية وضبط النفس العالي والتريث المسؤول الذي أبداه صناع القرار فيما يخص النزول البري الكبير في المنطقة، أثره الكبير في كبح الاندفاع التركي وتأجيل المراحل التدميرية المحتملة، اضافة الى ما نتج عن التريث من توفير الأجواء التي يتمكن معها المراقبون من فرز الأوراق التي يسعى العثمانيون الجدد لخلطها ومن ثم التتبع الدقيق لاتجاهات الخطر.

ويجدر القول هنا، بأن مع ما للحرية من قيمة انسانية عليا في حياة الشعوب، الا أن ممارسة الحرية في بيئة آمنة، هو من يشكل باعثا على ادراك تلك القيمة: أي ان سيادة القانون هو الرقعة الزمانية والمكانية التي ترسم عليها حدود الممارسة الانسانية الحرة، وهو الضمانة الأكيدة دون تحولها الى فوضى عارمة تبدد أمن المجتمعات، وتهدد حياة الانسان داخل هذه المجتمعات مع ما تكتسبه الحياة من أهمية استثنائية وموقع متقدم في سلّم الأولويات اذا ما قورنت بالحرية بمفهومها الذي نتناوله في سياق الموضوع .. وذلك للأسف، ما تتغافله السياسة التركية وتتجاوزه استخفافا في معرض تعاطيها مع حكومات ودول المنطقة، سواءً مع العراق او سوريا ولبنان، أو سياساتها المفضوحة والاستفزازية مع الحكومة المصرية برئاسة السيد عبد الفتاح السيسي، رغم أن طبيعة الأوضاع في تركيا، تجعل منها الأولى باعتماد التطبيقات التي تطلب من الآخرين مراعاتها وانتهاج مساراتها، مع ذلك فما نراه هو العكس تماما، فبالرغم من الإستقرار الأمني الذي تنعم به الدولة التركية الا أن الاجراءات التعسفية التي تستهدف حرية المواطن التركي قائمة على قدم وساق على اليد الحزب الحاكم.. ومع ان الموضوعية تقتضي ابراز دور الاعلام التركي المعارض والرافض للسياسة الاردوغانية رغم كونه يخوض النزال وحيدا في قبال الطبقة السياسية في البلاد.. ولا يمكن تفسير الغياب التام للاسناد السياسي المفترض ان يكون مرادفا للإعلام، الا بوجود اتفاق استراتيجي غير مُعلن لدى الاطراف السياسية في الدولة التركية على اختلاف توجهاتهم السياسية ومشاربهم الفكرية.. وهو ما تشي به ردود الأفعال المهادنة في معظم الأحوال والضعيفة أيضا بالمقارنة مع تاريخ التجربة الديمقراطية في تركيا الذي يجعل من اختطافها عصيا على طرف من الاطراف كالحزب الحاكم، أو على أقل تقدير ليس بالسهولة والانسيابية التي تجري بها المصادرة اليوم، والتي تثير الكثير من التساؤلات حول الموقف السياسي التركي المعارض ومدى اتساقه مع استراتيجية الحزب الحاكم والتزامه بالغايات المعلنة وحقيقة موقفه من التدخلات السافرة في شؤون دول المنطقة، بل والعابرة للقارات أيضاً.

ليس تنظيم الاخوان المسلمين وحده من يُعد فرس الرهان المُعلن للسياسة التركية، فقيادات التنظيم الاخواني الخاصة بكل بلد من بلدان المنطقة، بدءاً بالهارب المُدان طارق الهاشمي من العراق مرورا بقيادات التنظيم الاخواني السوري وليس انتهاءً بوجوه تنظيم الاخوان المنبوذ في مصر، تلقى جميعها الرعاية والاحتضان في أجنحة فنادق الدرجة الممتازة سواءا في أنقرة أو المطلة على مضيق البسفور في اسطنبول، وتحظى بالتذاكر المجانية المدفوعة الثمن من ايرادات نفط العراق وسوريا للتنقل بين الدوحة والخرطوم وأينما اقتضت الضرورة لتواجدهم ، ليس هذا وحسب، فذلك ماهو مُعلن بوضوح تام، بل ما بات معلنا هو الآخر التبني المفضوح للتنظيمات الارهابية من شاكلة (داعش وأخواتها)، وقد بدا ذلك جليا في انتهاك حُرمة الاراضي السورية بذريعة نقل رفات (سليمان شاه) حفيد مؤسس الدولة العثمانية، في ظلال قوة عسكرية تركية كبيرة نفذت ما أرادت دون انتظار لإذن بالدخول من الحكومة السورية ودون اشتباك يذكر مع التنظيمات الارهابية في ذهابها الآمن نحو العمق او في ايابها الأكثر أمنا نحو الاراضي التركية، وهو ما يُعد دليلا آخر على مدى التنسيق الكامل مع هذه التنظيمات التي أراقت مواطنين دول وأحرقت مواطنين دول أخرى، وهدمت قباب الأولياء، وعبثت بأضرحة الصالحين، ونبشت قبور الأنبياء والصحابة.. وما يؤكد صحة الدليل هو رغم تهديد داعش المسبق بنسف ضريح سليمان شاه الا أن داعش أو (تنظيم الدولة/ كما يحلو للحزب التركي الحاكم تسميته)، بقي طوال الفترة المنصرمة الحارس الأمين على ضريح الشاه سليمان الذي فر مدبرا نتيجة مطاردة المغول له، ليلقى حتفه غرقا في أعالي الفرات.. ولم يكتفي الدواعش بذلك، بل توّجوا حراستهم الأمينة للضريح، بنشر السيرة الذاتية لسليمان شاه وتسويقه الى الأذهان كأحد الأبطال التاريخيين الذين قرروا الزحف نحو القدس لتحريرها من الصليبيين آنذاك لو لم يلق حتفه في (نهر الفرات) الذي أعاق المهمة.!... ولم يقتصر هذا الوصف على الدواعش لتبرير تعاطفهم مع الضريح، أنما  هو (ما صرّح به نائب من نواب الحزب الحاكم لقناة الميادين) أيضا، في معرض تعليقه على الحادثة الذي لم يخلو من تأكيد على حق تركيا في اعادة دفن الرفات في الاراضي السورية مستقبلا، في الوقت الذي تقرره الحكومة التركية وفي المنطقة التي تراها مُناسبة.. ولا شك ان رفات ثمينة تختزل بين جنباتها أمجاد الماضي وأحلام المستقبل، ترقى الى ان تكون الذريعة المستقبلية لانتزاع (منطقة عازلة) من الأراضي السورية ينام فيها الشاه سليمان قرير العين محاطاً بالدواعش.

أخيرا وليس آخرا، لم يعد تغافل التهور التركي والعبث القطري ممكناً، ولا التسويق الكاريكاتوري للمشهد الداعشي مُقنعاً، فإن الظاهرة التي أشار لها مفتي الاخوان المسلمين الشيخ القرضاوي، والتي تم التطرق لها سلفا باتت تتسع بشكل قد يصعب احتوائه فيما بعد، خاصة مع الوضع الأمني المرشّح للإنهيار في اليمن نتيجة اصرار بعض دول المنطقة على وجه استهلكته الأحداث بما يستحيل معه التدوير السياسي كالرئيس المستقيل والمنتهية ولايته (عبد ربّه منصور)، وبما يمكن أن يسهم به انهيار اليمن من توسيع لدائرة الفعل الارهابي عبر توفير أرضية يجتمع عليها (تنظيم الشباب الارهابي في الصومال) مع (القاعدة وداعش في مدن اليمن الجنوبي).. ولما لذلك من آثار سلبية قد يتخذ معها تتابع وتسارع الأحداث شكلا يفوق الامكانيات المتاحة لإحتوائه..

 وأما القول فيما سبق، بأن مفهوم الدولة الحديثة هو الأكثر عرضة للإختلال، لا يقتصر على ما أفرزه وما يمكن ان يفرزه الواقع الأمني الهزيل في المنطقة من صراعات دموية مجتمعية في مناطق حيوية أو ما يمكن ان يسهم به الخطاب الديني المتطرف من استقطاب لأعداد أكبر من الفئة العمرية الشابة المتفاعلة مع مثيلتها على امتداد العالم عبر العالم الافتراضي والغير مستبعد لها ان تكون جزءا من واقع مجتمع آخر غير التي هي فيه اليوم.. كلا ليس هذا وحسب، وليس احتمالية زحف الارهاب نحو ضفاف الأطلسي الأفريقية مثلما حطّ رحاله على ضفاف المتوسط في ليبيا، ومع ان زحف كهذا ليس بالأمر المُحال ورغم خطورة ما ينطوي عليه تواجد كهذا فيما لو حصل، الاّ ان ما يستدعي الالتفات اليه أيضا، هو ان النزوع نحو الجريمة أمرا لا يكاد يخلو منه مجتمع على مر الأزمنة واختلاف الأمكنة، وطبيعة العصر الذي نعيش فيه تجعل من عدوى التمرد على القانون أسرع انتقالا وأشد فتكا، وأكبر تهديدا لسيادة القانون في كل زاوية من زوايا المعمورة.. فالإنسان هو ذات الكيان الذي تتجاذبه قوى الخير من جهة وقوى الشر من جهة أخرى ، ومثلما أدى تدني مستوى الوعي بشريحة الشباب في الشرق الأوسط الى توجيه طاقاتها نحو مناطق الموت والفناء، لا يُستبعد ان يشكل استمرار ذلك باعثا على تنامي العمل المافيوي وتناسل الجريمة المنظمة في أماكن أخرى من دول المنطقة أو مناطق أخرى من العالم بشكل يطرح نفسه رديفا للسلطات ان لم نقل بديلا لها، بما يشكله ذلك من تهديد خطير لمنظومة القيم الانسانية وتعريض أكيد للمنجز الفكري والحضاري البشري للضياع والفناء.. وما يدعو الى القلق هو إن حُلما امبراطوريا كالذي يدور في أذهان ساسة الحزب الحاكم في تركيا كان قد اختتم مشهد الأمس بمذابح الأرمن، لا يمكن له ان يرى النور اليوم الا على أنقاض الشريعة الابراهيمية السمحاء وأطلال الدولة المدنية.



2
جريمة دُبي وداء (الأنا) لدى الحاكم والمحكوم في المنطقة
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
تحت عنوان «القبض على شبح الريم في الإمارات» تناولت صحيفة القدس العربي في الر ابع من ديسمبر الحالي تحليلا أمنيّا حول موضوع يكتسب أهمية قصوى من حيث العمق والأبعاد التي يتمتع بها هذا الموضوع، فضلاً عن طريقة الطرح للموضوع من قبل رئاسة التحرير التي امتازت بالجرأة في نقد ما جاء على لسان السلطات الأمنية في الامارات حول عملية القاء القبض على "شبح الريم" امرأة (مواطنة إماراتية) تمكنت من تنفيذ جريمة قتل استهدفت (مواطنة أمريكية) مُدرّسة في حمامات المركز التجاري في ابوظبي، ثم محاولة تفجير منزل طبيب امريكي عبر زرعها قنبلة، وصفها البيان الحكومي (بدائية الصنع) في العاصمة الاماراتية بعيد تنفيذ الجريمة الاولى).. ان القول بجرأة النقد في وصفنا للموضوع، لا يعني التشكيك بما سيق من معلومات بالقدر الذي كان يعكس فيه التحليل الحُرص على الارتقاء في لغة الصياغة للخطاب الاعلامي الموجه الى الرأي العام، وعرض ما يتسنى من معلومات تتعلق بالحادث بشكل يمتاز فيه بأعلى درجات الدقة والموضوعية.. خصوصا عندما يكون الأمر متعلقاً بالقضايا الحسّاسة من النوع الذي يتداخل فيه الأمن الوطني للبلد مع العلاقات الدولية المتجهة نحو الخارج.

وزير الداخلية الإماراتي سيف بن زايد آل نهيّان بحسب تغريدة لوزارة الداخلية يصف فيه ما جرى بالقول:«نحن اليوم أمام جريمة بشعة لم نعهدها في الإمارات».. وقد كان تعبير السيد الوزير دقيقا، لكنه يبقى انشائيا مالم تُدرس وبشكل تفصيلي الأسباب التي أدّت اليها والوسائل الكفيلة بتحجيمها والحد من اتساعها بشكل قد تتحول معه هذه الحالة العابرة الى ظاهرة مجتمعية خاصة مع وجود تنظيمات سياسية اقليمية تسعى جاهدة لاحتضان وتنمية هذه النزعات العدائية في المنطقة.. ومن هذا المنطلق، تُعد  الاستفهامات التي أثارتها الصحيفة في تناولها الموضوع من مختلف الزوايا، جُهدا مكملا لأية خطوة تصحيحية جادة في هذا الإتجاه.. وخاصة الاستفهامات المتعلقة بهوية وجنس منفذ الجريمة (مواطنة إماراتية)، هوية ومهن الضحايا (مواطنين أمريكيين يمارسون وظائف مدنية ذات طابع انساني بحت)، نوعية الأسلحة المعتمدة في التنفيذ، مع الاصرار ولأكثر من مرة على انتقاء أهداف متماثلة.. وفقا لجميع هذه النقاط التي تم التطرق اليها، لا يمكن تصنيف الجريمة الأ في عداد جرائم (القتل على الهوية) وهو ما يصنف في لائحة الجرائم الارهابية.

ومما لا يختلف عليه الكثيرون، أن الصحيفة بما هي مستقلة، وفيما يمكن التصنيف لها ضمن (اعلام المهجر) من حيث مكان الطبع والاصدار، يمنحها الحرية في تناول الحدث بهذه الطريقة التي لا يُحتمل منها أكتساب أدنى درجات القبول لدى السلطات الإماراتية، بل نكون قد بالغنا عند التسليم بقبولهم بمثل هذا التحليل، لان طبيعة المشهد السياسي وطريقة تفكير القائمين عليه، ليس في الامارات وحدها بل في عموم المنطقة، لا يمكن لها الا أن ترى في هذا الطرح الاعلامي (نوعاً من أنواع التحريض والتدخل السافر من الصحيفة في اختصاصات لا تعنيها)..  أن جرأة الموقف التي يبديها اعلاميو المهجر، عند تحليل الأحداث الجارية في المنطقة، عادة ما تصطدم بمواقف حكومية تتراوح ما بين الاستهجان والتخوين عبر طرق عدة منها المباشرة أو من خلال الصحف الحكومية وأقلام السلطة في تلك البلاد .. أي كانت طبيعة الرد، وفيما يتعلق بما نحن بصدده، فأن السيد عبد الباري عطوان، رئيس تحرير الصحيفة، قد خاض في الموضوع بإسلوب لا يُفهم منه إلا التأكيد على علمية وتكامل المعلومة الأمنية كيما تكتسب ما تستحق من مصداقية لدى المعنيين بالشأن أو المراقبين والباحثين فالقضية بما تحمل من خطورة تقتضي التأني من قبل الجهات المختصة. أما فيما يخص الاستفهامات التي طرحها الكاتب في سياق التحليل، فتشكل اضافات قيمة لمسار التحقيق اذا ما أريد به الوصول الى الحقيقة، فما تم التطرق له يؤكد جواز الخطأ على طريقة التعاطي الأمني مع الجريمة والممكن له أن يقود القارئ او المستمع الى الشك مثبتا لرأيه، بما تبنىّ من وجهة نظر بالأدلة القادرة على الطعن في صحة المعلومة..  واذا كان رأي غير المختص الذي يعتمد على الخبرة الاعلامية والثقافة المتنوعة بهذه الدقة التي أنتجت نقاط مهمة جديرة بالاهتمام، فلا يمكن لنا حينئذ الا أن نتوقع المزيد من الثغرات ذات المردود السلبي في الخطاب المُساق من قبل السلطات الاماراتية، خاصة حينما تعاملت مع المشهد بهذه العجالة، وعندما استخفّت بقدراتها الأمنية قبل استخفافها بعقول الآخرين، وهو ما تجسّد في نشرها من على موقع وزارة الداخلية (دبي) مقطعا فيديويا يدين نفسه بنفسه. نعم، ليس المختصين وحسب، بل أدنى الخبرات الأمنية من الممكن لها أن تدرك وبوضوح عند مشاهدة المقطع الفيديوي، بأن منفذ الجريمة هو شخص (يمتلك نفوذا في مسرح الحدث) وأن طبيعة المشهد تضمنت عناصر(تمثيلية) للتغطية على الجريمة تداخلت مع ماهو (حقيقي)، فليس من الصعب ادراك أي من المشاهدين للفيديو، ما كانت عليه صيغة التعاطي التي سبقت التنفيذ فيما بين (مُنفذ الجريمة) و (رجال الأمن) في موقع الحادث، والتي عكست بوضوح أن تحركات وطريقة استجابة المعنيين بالأمن لهذه (الشخصية) كانت بمثابة (إمتثال للأوامر) ولا يُمكن على الإطلاق أن تكون (إجابة عن استفهام) ..! وحينئذ فإن الإستفهام الحقيقي تمثل في النقاط التي رفعتها صحيفة (القدس)، ليأتي المقطع الفيديوي حاملاً للإجابة إذا ما دُرست أبعاد الثواني المعدودة بدقة، ووظيفة كل عنصر من عناصر المشهد وطبيعة تفاعلها مع بعضها البعض لتخريج النهاية التي انفردت بها، شخصية الفاعل، التي لايوجد ما يقف حائلا دون احتمالية أن يعتقد المشاهد في أنها (ذكورية منقبة وأنوثة مُستعارة). والقول بأن المجرم شخص نافذ في الدولة، ومع وجود شواهد فيديوية على انتهاكات يندى لها جبين الانسانية وتضج منها السماء على يد شقيق حاكم دبي لم يقتص القانون منه، لا يلغي احتمالية الاختراق من دول الجوار في المنطقة اطلاقا وإخراج المشهد بهذه السذاجة للايقاع بدولة الامارات في منزلق خطير.. كل الاحتمالات واردة ومصلحة الجميع ان يكون التحقيق دوليا لتنال الشبكة الاجرامية ما تستحق من عقوبات رادعة تكون درسا لمن يجرؤ على جرائم تسئ للعلاقات الدولية بين الأمم. 

 ما تناولته (القدس العربي) من استفهامات وما ورد من تصورات أولية حول المقطع الفيديوي وما يمكن ان يتطرق له الغير يمكن له ان يشكل جهدا انسانيا لخدمة الحقيقة وحماية للأبرياء..  لكن وهو الأهم ، أن الموضوعية التي اتسم بها التحليل الأمني الذي اعتمدته الصحيفة ، كان قد انتهى الى انحياز واضح للمواطن في دول الإمارت خاصة ودول المنطقة بشكل عام، وخاصة عندما رسم الكاتب نقطة الشروع المثلى لدى من ينشد الحلول الحقيقية لمشاكل أمنية من هذا النوع، بل و لأية مشكلة مماثلة على الصُعد الأخرى. حين انتهى الى التأكيد على: (أن من الضروري تذكير السلطات السياسية هناك بأن أكثر الطرق أماناً لإبعاد بلدها عن قبضة الإرهاب هي تعزيز الحريات وحقوق التعبير وصيانة كرامات البشر ومنع أشكال الإقصاء السياسي، وهذا أضعف الإيمان).

لا يعني ذلك عدم وجود مشاكل أساسية أخرى في المنطقة، بل هناك ما هو مهم جدا أيضا، وما ينبغي الالتفات له على طول الخط، للحد من تراجع الحلول وعقلنة الطرف الذي يتمادى في الانتهاكات واستفزاز الآخر، فإن (التصعيد في مشكلة أخرى هو تعطيل للحل في المشكلة الأهم)، وكونها الأهم ينبع من بلوغها شوطا لا يجدي معه أي تأخير، ومن صعوبة تقدير حجم تداعياتها أو التحكم في الاتجاه الذي من الممكن أن تمتد اليه.

يتصدر شأن منطقة الشرق الأوسط لائحة الاهتمامات التي عادة ما يجسدها اعلاميو المهجر في آراء وطروحات تمتاز بالجرأة والوضوح والموضوعية التي تصل الى مستويات عالية يمكنها الاضافة للمتلقي بشكل تتباعد فيه المسافات ما بينها وبين وسائل الاعلام في المنطقة التي ما زالت تراوح في حدود ترويج الوقائع الرسمية وتسويق الذات أو الطرح الاعلامي الحذر في أحسن الظروف. ومن الطبيعي لواقع اعلامي تشتد فيه المنافسة المزمنة لنيل حُسن ظن صناع القرار في ظل التصاق تام للحُكام بكل ما يسهم في اشباع  شهوة السلطة، أن يتناغم فيه الاعلام بشكل غير مسؤول مع الأداء الرسمي الى الدرجة التي يصعب فيها بوجود الأصناف التقليدية المُعمّرة في كلا الجانبين الفصل بين المواقف اذا ماتعلق الأمر بالإستفهام عن (مَنْ يقودُ مَنْ) ومن هو المتسبب الفعلي في هذا الانحدار الطائفي والعرقي المُنتج للأزمات في المنطقة. ومن غير المستغرب أيضا، من السلطات النظر للإسلوب الاعلامي الجرئ الذي يتناول فيه اعلام المهجر قضايا المنطقة على أنه ضرب من ضروب الاستهداف المُبيّت والتآمر الخفي على أمن البلدان ومستقبل الشعوب.. في حين ان واقع الحال يؤكد العكس تماماً، وهو أن بقاء الحال على ما هو عليه لن يصب في مصلحة أي طرف من الأطراف في داخل هذه الدول، فضلا عن ما يمكن أن ينتج من تداعيات على الأطراف الخارجية المتداخلة مع الواقع هناك في المساحات التي تفرضها المصالح والعلاقات الدولية.

النظام الرسمي في المنطقة الذي تبنىّ ومنذ زمن بعيد منهج الترحيل للأزمات السياسية نحو الأزمنة والأمكنة الأخرى، المتعكز على الماكنة الاعلامية والمؤسسة الدينية في عملية الترغيب والأجهزة القمعية في الترهيب، أبى حد الجحود إدراك حقيقة أن بناء الانسان هو الباعث الحقيقي على نهوض الأمم للمضي بها نحو شواطئ الاستحقاق، ألا أنهم استعاضوا عن ذلك بأكوام الاسمنت في قلوب المدن التي تخفي خلفها أكوام من (الجهل والفقر والظلم)، وتعاموا معا عن الالتفات الى أن جرأة الطرح المقترنة بالمصداقية من قبل اعلام المهجر، الذي وإن تناول الجانب السياسي، ألا أن ذلك ليس بدافع التزاحم معهم للجلوس على مقاعد المسؤولية وكراسي الحكم  بقدر محاولة ابراز استحقاقات الواقع التي تؤهلهم للاستمرار في السلطة والتي لا تمتلك الطاقات الاعلامية المدجنة من حولهم جرأة تناولها أو تسليط الضوء عليها خشية فقدان امتيازاتهم الشخصية نتيجة سوء فهم حكومي أو تحريض من زميل لهم يتحين الفرص لإحتلال الموقع الدافئ الذي يشغله أقرانه في أحضان السلطة!.. وعلى العكس تماما من ذلك، حيث تغامر الطاقات الاعلامية في المهجر بعلاقاتها ومنافعها الخاصة مستنزفة الوقت والجهد لتأكيد حقيقة هامة تتصدر سُلم الأولويات السياسية، الحقيقة التي تنكرها وسائل اعلام المنطقة وتخفيها عن الحكومات والشعوب معا وهي (أن حرية الشعوب باتت مصدر قوة للحكومات وعامل استقرار للبلدان وليس العكس)  وإن اختزال ارادة تلك الشعوب في الارادات الملكية والمراسيم الأميرية وبيانات المجالس الثورية ، لن ينتج الا عن القاء كامل المسؤولية الدولية على عاتق الحكومات التي تفكر وتقرر بالنيابة عن شعوبها لما يتسب به ذلك من مصادرة للخيارات الحرة وتعطيل للارادة الانسانية في القاء المسؤولية الدولية الكاملة على هذا النوع من الحكومات عن أي اختلال في السلوك المجتمعي أو تطرف يقود الى جريمة من هذا النوع تنال فيه تلك الشعوب من مصالح وأرواح رعايا بقية الأمم.!! .

لاشك أن قيد الانتماء هو المنتج لهذا الكم الهائل من الوفاء للأوطان والانسان لدى النخب الاعلامية في المهجر هو الحافز الأكبر والدافع الأساسي للتواصل البناء مع الأوطان الأم في هذا الاتجاه.. والذي لو امتلك حكّامنا هامشا من مثله لما تطرفوا في حب ذواتهم وذويهم على حساب شعوبهم الى هذه الدرجة!.. التطرف الذي أنتج بدوره تطرفا في الكراهية لدى شعوبهم تجاه الآخر، وعلى وجه الخصوص ضد رعاة وداعمي أنظمتهم.. وما يجري اليوم في المنطقة بشكل عام قد لا يبدو دالاّ على هذا الاعتقاد (التطرف في الحب والكراهية الذي وقعت فيه الحكام والشعوب معا مع اختلاف وجهة الشعور)، ألا أن جريمة من هذا النوع من حيث هوية الجاني والقطيع الملتف حوله أو السائر في هذا الاتجاه بالمقارنة مع طبيعة مهام المستهدفين بالجرم الذي شهد اصرارا وتكرارا من قبل المجرم، وفي بلد ليس من المرجح فيه أيضا، أن تقف الدوافع المادية خلف هذا النوع من الممارسات العدائية. يمكن لهذه الأسباب مجتمعة أن تشير الى ما نعتقد من أن العلاقة بين الحكومات والشعوب في المنطقة، قد أصبحت علاقة أبراج عاجية ومصادرة قرار، وتطرف في تعظيم (الأنا ) الحاكمة على حساب حقوق المحكوم، أدى بالشعوب في المنطقة الى البحث عن وسائل يمكن معها ايجاد منفذا لتفريغ الكبت والعناء الذي تتسبب به ثقل الأنا الحاكمة على النفوس المتعاضدة مع آلة اعلامية ومؤسسة دينية لتكريس الفهم السطحي للمبادئ والقيم وتعميق الميل نحو سلوك طرق تنأى بها عن النقد والاقتراح أو ممارسة أي فعل أو قول يمكن أن يفهم منه تدخلا في اختصاصات حصرية بالذات الحاكمة.

أخيرا وليس آخرا، فإن كان هناك من مُتسع لإبداء الرأي الذاتي بعيداً عن الموضوعية، فلن أتردد من رفع اليد مُعلناً تأييدي التام للحكام في ادراتها للشعوب هناك، لأنه استسلام تام من الشعوب نفسها، وإنقياد أعمى يعكس حقها المشروع في التخلّي عن ارادتها الحرة التي وهبتها السماء، لتدخل أقفاص العبودية بنفسها وتغلق الأبواب عليها بأيديها، متخلية عن دين الله ومتعبدة بدين الحاكم تصديقا لإكذوبة تاريخية أطلقها الحكام أنفسهم وحُكما عُرفيا بات قانونا للحياة ينص بأن :" الناس على دين ملوكها".. ولكن قبل اليد لاعلان التأييد، تلزمنا بقايا الارادة الحرة التي لم نكن نتمكن من الاحتفاظ بها لولا الشعور العميق بالتقصير تجاه أنفسنا وقيمنا ومبادئنا المقترن بهامش الحرية الذي توفره بلدان المهجر المتعلق بعدم وجود تلك الحساسية المفرطة من (حرية التعبير أو جرأة القول) بشكل أو بآخر.. ما تبقى من ارادة حرة يلزمنا القول بأن "لكل عصر أدواته ووسائله الخاصة في الحُكم".. وما نحن عليه من ثورة معلوماتية ومعرفية تصاعدية الاتجاه، لا ينتج عن الاصرار على اعتماد الطرق القديمة الا التآكل التدريجي والإنهيار الحتمي المفاجئ لهذه الدول بحكامها والشعوب معاً، لتنتهي هذه العوائل الحاكمة طعما للضباع بعد أن أوصلت شعوبها الى مستوى من الكبت والاحتقان لا تفلح التعمية في ابقاء الحال على ما هو عليه، فكل يوم يمر من عُمر ثورة المعرفة الانسانية يزداد فيه صوت الفطرة قوة ووضوحاً في أعماق الانسانية على حدّ سواء. ووضع كالذي منطقتنا عليه لايمكن له الا أن يقود المنطقة الى المأساة وليس هناك من ضمانة في عدم الانحدار بالعالم في الاتجاه .. وهو ما لا نأمله بتاتا، فمع كل ما سبق من نقد لأساليب الحُكم الذي درجت عليه حكام المنطقة، الا أن الانصاف يقتضي منا عدم انكار وجود جوانب ايجابية تمتلك هذه العوائل حق الاعتزاز بها وتفرض على كل منصف أن لا يتمنى لكل عزيز قوم فيها وإن (طغى يوماً) أن ينتهي الى الذل المُهين (إن كان غافلا عن ما هو عليه، وممتلكا الاستعداد الكامل للانسجام مع حركة التاريخ ومتطلبات الزمن) عبر الالتفات الى ما انتهت اليه (القدس العربي) من مقترح في رأيها الذي لا يُبطن الا الخير للجميع رغم ما سبقه من استفهامات شكلت بما لحقها من اضافات في هذا المقال، ما يمكن وصفه بـ (طعنة في أقدام الغافلين).. أي كان الوصف الذي يصحّ اطلاقه عليها وأي كانت التسميات، فبالنتيجة، جور الأوطان لا يلغي مكانتها في النفوس وشحة الأهل لا ينفي كونهم كرام.. الفضاء الانساني يستوعب أضعاف ماعليه اليوم، اذا ما سعت أطرافه مجتمعة لتسديد الموقف وتوحيد مسيرة الأمم في اتجاه ادامة الوجود بعيدا عن مناطق الخطر، من هنا كانت (نقطة) البداية وقد دار ويدور حولها القصد، والله دائما من وراء القصد.

فيديو تنفيذ جريمة قتل المُعلّمة الأمريكية في الامارات
http://www.ankawa.org/vshare/view/6240/amarat/


3
هل يمتلك اردوغان ما يُدين به العالم، لماذا التكريم إذن؟
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

قد يتبادر الى أذهان البعض بأن اتخاذ موقف ما، يتناول الضرر الكبير الذي لحق الإنسان في المنطقة، هو (هذيان عاطفي ليس الا) في عالم تحكمه المصالح. أن اعتقادا كهذا هو خلط للاوراق وتزييف لمفهوم (المصالح). لأن الدفاع عن المصلحة محكوماً هو الآخر بشروط ومنبعثُ أصلا عن عاطفة صادقة تجاه (كيان معنوي أو مادي) يتجاوز الذات، سواء كان الكيان اجتماعيا أو سياسيا أو دينيا أو ما شابه. وفقا لذلك فإن لغة المصالح ليس هي من يحكم عالم اليوم ولا يمكن توصيف ما يجري من تفريط في حقوق الانسان ومن غياب لإخلاقيات الحرب وشروطها، ومن تفريط تام في شرف الخصومة، الا بأننا نعيش عالما تحكمه (الأنانية) التي اتخذت أبعادا أخرى تجاوزت به حدود شخصية الفرد الحاكم، لتلقي بظلالها على الشخصية المعنوية للمساحة الجغرافية الذي يحكم. وهو ليس بالأمر الجديد تاريخيا، لكنه الأخطر على الاطلاق مقارنة بطبيعة العصر الحالي.. وليس من المنصف حصر السياسة الأنانية بطرف دون سواه، ألا أن اقتران السياسة الأردوغانية بالضرر المتحقق الذي لحق بغيرها هو أكثر وضوحاً من بقية الأطراف، أما الضرر المتوقع فهو بلا شك أعظم، ولا يُمكن تصوره إلا على أساس مقدار ما يمكن أن تحدثه الأسلحة الفتاكة اليوم من مساحة تدميرية في العالم عندما يستمر الصمت لحين اكتمال الأجواء المشحونة بالعداء التي يختفي فيها صوت العقل وتلفظ الحكمة أنفاسها الأخيرة.

لم يكن السيد أردوغان ومنذ البدء مكترثاً بما يُمكن أن تفصح عنه الأحداث من خيوط دالة على شخصية المتسبب بالعبث الحاصل في المنطقة، وقد تحوّل عدم الاكتراث هذا الى إعلان تدريجي عن العلاقة بالتنظيم الارهابي العابث في المنطقة عبر فعلِ دراماتيكي جرى مؤخراً على الحدود مع سوريا في مدينة كوباني (عين العرب)، للحد من التراجع الخطير لقدرة التنظيم الارهابي على الإحتفاظ بالمواقع التي استولى عليها مسبقا. تمثل ذلك في سماح السلطات التركية لتنظيم (اللاّ دولة) الارهابي بإستخدام الأراضي التركية والالتفاف حول خطوط المواجهة لتنفيذ عمليات "انغماسية"/ كما وصفتها داعش) في عمق المدينة، عبر تسريب انتحاريين يقلون سيارات مفخخة، وإحداث اشتباكات سريعة خاطفة في مواقع متعددة عبر مجاميع قتالية (لا يُستبعد تسللها مُسبقا بذات الطريقة) تهدف من جانب، الى اثارة القلق وخلخلة المعنويات القتالية للقوات الكردية المرابضة على خطوط المواجهة والمؤدي بالضرورة من جانب آخر، الى معالجة التدني الواضح لمعنويات أفراد التنظيم الارهابي في ميادين الاشتباك. ورغم النفي المُتوقع سلفاً من سلطات الحزب الحاكم، الاّ أن وسائل الاعلام التركية ذكرت العكس عبر مصادر متعددة منهم شهود عيان أكدوا على أن مسار المركبات المفخخة بما فيها شاحنة أحدثت دمارا هائلا في المركز الطبي الحدودي كانت قد تجاوزت المعبر قادمة من الجانب التركي ومتجهة نحو الحدود السورية. وذهبت الصحافة التركية الى أبعد من تأكيد (مسارانطلاق المفخخات) في تصويرها الطريقة التي تعاطى بها الجيش التركي مع الموقف، عند نقلها عن شهود عيان .. إن القوات التركية المرابضة على الحدود «شوهدت تتراجع قليلا إلى الخلف إثر اندلاع الاشتباكات».

وفي قبال ذلك فما زال التدخل التركي المفضوح في ليبيا قائما على قدم وساق. وبشكل لم يسبقه اليه طرف آخر، فقد أجرى الممثل التركي الخاص في ليبيا (لقاءً علنيا) مع (الكيان الحكومي الموازي) في طرابلس هادفا لاضفاء الشرعية على أعمال التمرد والخروج عن القانون الذي يقوم به الاسلاميون المتطرفون هناك. ومثلما هي التبريرات السطحية المتناقضة التي تسوقها داعش لتبرير القتل، من مثل (الحمدلله الذي بعث محمد (ص) (بالسيف رحمة) للعالمين، على غرارها أعدّ الجانب التركي هذا اللقاء (دعما للسِلم في ليبيا)، وفي بيان له مؤخرا استنكر سعي الحكومة الليبية لفرض سلطة القانون (داعيا فيه الطرفين لتغليب لغة الحوار والتعاون مع جهود الأمم المتحدة) في محاولة منه لتسويق التجاوزات التركية الى الرأي العام بطريقة تصنفها في خانة الجهود التي تبذلها المنظمة الدولية، متجاهلا الاعتراف الدولي بالحكومة هناك ومشجعاً على استمرار تدفق الارهابيين الى ليبيا.. ولا شك بأن لقاءات سرية وقنوات اتصال قد سبقت هذا اللقاء العلني، وهو ما تؤكده اللقاءات السرية للقيادات الميدانية للإرهاب في مدينة درنة مع السفارة التركية ،كما ذكرت ذلك (بوابة الوسط الليبية)، رغم مبايعة هذه القيادات لقائد تنظيم داعش عبر رسالة (تنصّل كبيرهم عنها بعد افتضاح أمر اتصاله بالسفارة التركية).

لم يبدو الرئيس التركي من قبل مستخفاّ بالقانون الدولي كما هو عليه اليوم في هذه السلوكيات المتدرجة تماديا في الفعل الارهابي، ومحاولة اظهار قدرته على توجيه هذا الفعل دون خشية. ويأتي ذلك في وقت يصادر حرية التظاهر عبر استخدام الوسائل القمعية ضد الشعب التركي وكما حصل في ديار بكر عندما طالبه المتظاهرون بالتوقف عن دعم الارهاب،ليقابلهم بالحرص الشديد على دعم وشرعنة التمرد في الدول الأخرى لخلق كيانات موازية للحكومات بقوة السلاح، فكما عمل على ذلك في العراق وسوريا يستمر به الحال ليكررها في ليبيا تمهيدا لطعن الخاصرة المصرية ..  الأمر الذي يستدعي الحذر ويحتم دوراً أكبر من الأطراف الدولية عبر ممارسة الضغوط التي تحد من السعي الاردوغاني لجر العالم نحو الهاوية. فالصمت الدولي عن هذه الجرائم لن يزيده الا ايغالا في ايذاء الشعوب من حوله، خاصة مع التوافد الأخير لبعض الدول والذي لا يُفهم منه الا تزكية للحزب التركي الحاكم، سواء من قبل العواصم (الاسلامية) التي وجهت له الدعوة أو القيصر (الذي دخل مستنقع الأنانية من أوسع الضفاف) حينما زار الامبراطور الأكبر في قصره المتواضع لرفع سقف التبادلات التجارية والتطرق (الانتقائي) للكوارث الناجمة عن السياسات الأنانية للإمبراطور التي ألحقت الدمار في شعوب المنطقة أجمع.

لا يختلف اثنان على ان الحزب التركي الحاكم يقتات على الأزمات في المنطقة والعالم، ويسعى لإدامتها والحصاد المستمر منها.. وهو ما يبدو جليا في أجوبة داود أوغلو على الانتقادات اللاذعة من قبل المعارضة والصحافة التركية التي تنطوي على اشارات واضحة حول النمو الاقتصادي في فترة استثنائية دون الاشارة لمصادر الدخل القومي الاضافية، حيث يشير الى ان تركيا قد وصلت القمة في زمنهم وسددت جميع ديون الصندوق الدولي المترتبة على بلاده في فترة وجيزة فضلا عن بناء الجسور والمطارات، متناسيا التجاوزات القانونية في قمع التظاهرات وتشييد قصر اردوغان (القصر الأبيض) دون تراخيص قانونية كما جاء في اعتراف وزير العدل التركي، وسياسات استعداء الآخر، عبر ما تسبب به من أضرار جسيمة لدول المنطقة.

وفي حقيقة الأمر أن المأمول من الأمم المتحدة ممارسة دور جدي ازاء ما يحدث، فالعالم لا يطيق هذه الحماقات التي تتخذ منحىً تصاعديا كلما امتد الصمت المُطبق حيالها، هذه السلوكيات التي يقف الاعلام التركي المتميز بمصداقيته في صدارة الرافضين لها إدراكا منه للتداعيات المستقبلية الخطيرة. فلا يمكن لهذا الاصرار الا أن ينتج عن كارثة عالمية وخاصة بعد التكريم الذي حضى به من قبل الرئيس الروسي عبر الزيارة التي لم تأت قطعا دون تحضيرات مسبقة تعكس السعي المسبق من قبل اردوغان لافتتاح مزاد علني يرسو فيه (الموقف التركي) على من يدفع أكثر، وخاصة بعد أن أثبت قدرته على التوجيه الميداني للإرهاب وتجاوز التحالف الدولي والاستخفاف بما تفرضه عضوية الهيئات الدولية التي تحضى بها بلاده عندما أقدم على ادخال المفخخات عن طريق المعابر التركية علنا في حركة تعكس التمرد على القانون الدولي والتشجيع عليه، ولن يجر في حال اتخاذ الأمم المتحدة دور المتفرج الا لتأزيم العلاقات الدولية وتعقيد المشهد العالمي في زمن يختلف فيه العالم كثيرا من حيث حجم ونوع الأسلحة الفتاكة عن الزمن الذي عبثت به أسلافه من العثمانيين والسلاجقة عندما قرروا إذلال الشعوب وإمتطاء الأمم.


4
أردوغان من بغداد، دمشق الى أفريقيا تناقض الخطاب ووحدة الهدف
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
أن ما يدفعنا نحو الكتابة لأكثر من مرة في موضوع يكاد يكون متشابهاً، لا يعني على الاطلاق خلو الساحة من مواضيع أخرى تستحق الإفاضة بالرأي، ألاّ أن ما يشكّله الإرهاب في هذه المرحلة الخطيرة من تهديد للأمن العالمي للدول والشعوب يجعل من بقية المواضيع أقل خطرا من حيث امتلاك العالم لفسحة زمنية يتمكن من خلالها المعالجة البنّاءة والتعامل الأكثر عقلانية من قبله معها، ومن وضع مُستريح، لا يُعطي للقوى الارهابية فرصة لاستكمال مخططاتها التدميرية لأن مصدر قوة الارهاب في هذه المرحلة هو غفلة المجتمع الدولي وعجزه عن ترتيب الأولويات عند تصنيف الملفات بين ما هو (أهم) وما هو (مُهم). الأمر الذي يفرض في ذات الوقت على جميع الأطراف الدولية ابداء أكبر قدر من المرونة والابتعاد عن تأزيم المواقف اذا ما أرادت اثبات حسن نواياها لكي يتفرغ العالم لمحاربة الارهاب، فهناك من الشعوب المثخنة بالجراح وأخرى يكاد يكون مستقبل شعوبها على مهب الريح، ما يستحق توظيف جميع الأطراف لما تمتلك من قوة في طريق حماية الانسانية جمعاء من خطر الانزلاق نحو الهاوية، الهاوية التي تجر بعض الأطراف في المنطقة العالمِ برمته اليها!!.

ويبرز في هذا الصدد، الدور التركي العابث في المنطقة والساعي بوضوح لإستغفال الآخرين، ومثال أوضح على ذلك، الأدوار التي تقاسمها مؤخرا الرئيس التركي اردوغان مع رئيس الوزراء داود اوغلو حيث نقلت وسائل الاعلام عن كل منهما تصريحات متناقضة في غضون يوم واحد أو يومين فقط.

داود أوغلو وقبل توجهه الى العراق، كان قد صرّح بما يلي : "إن الخطوات التي تتخذ في المجال الأمني في العراق، مرتبطة بالخطوات التي تتخذ في نفس المجال في سوريا" .. وبالفعل وبعد وصول بغداد كان قد أكّد على (مواجهة الارهاب في كل من العراق وسوريا عبر رؤية مشتركة).. وبما يؤكد للجميع وفي كافة التصريحات الى التعاون الكامل لمواجهة الارهاب والارتباط الكامل بين الملفين الأمنيين في العراق وسوريا.

في حين، أن اردوغان وفي 20/11/2014  صرّح للصحافيين في مطار أنقرة وقبل التوجه في جولة الى أفريقيا ما هو مغاير ومتناقض تماما مع ما قاله رئيس وزرائه المتجه الى بغداد.. حيث يؤكد الرئيس التركي على أنه ليس بصدد توسيع التعاون مع التحالف الدولي في محاربة الارهاب في المنطقة، ويبرر ذلك بالقول  "أن التحالف لم ينفذ أية خطوة طلبناها".. وهي وعلى حد تعبير اردوغان اضافة الى المنطقة العازلة وحظر الطيران فإن المطلب الثالث والأهم "فصل العراق عن سوريا في استراتيجية الحرب على الارهاب".. وهو ما يعكس بأن الخطاب الموجه من قبل أنقرة الى بغداد، مختلف تماما عن الموجه من قبلهم الى أفريقيا..! علناَ وفي استغفال واضح للجميع.

لربما ان الحراك التركي في بغداد يبدو أكثر وضوحاً، فما الحراك الموازي الموجّه الى الجانب الأفريقي؟.. ذلك ما يتضح في ما يطرحه المثقفون والكًتّاب الليبيون، وما يعكسه بوضوح، الوضع في ليبيا الذي تحوّل الى إمارات في بعض أجزاء الدولة تسنّى لبعضها الخروج الكامل عن القانون واعلان البيعة من قبل البعض منها لتنظيم (داعش).. كما هو حال أجزاء من العاصمة طرابلس (أنصار الشريعة)، وكذلك (محافظة درنة) التي لا يفصلها سوى بضعة الاف من الكيلومترات عن أوربا والتي أعلنت عن تأسيسها لـ (ولاية برقة).. ويتفق الكتّاب الليبيون بمجملهم، على أن رعاة الارهاب اليوم وفي ليبيا على وجه الخصوص، هم من الدول التي تتمتع بعضوية الأمم المتحدة. أحمد الفيتوري في مقال له بعنوان (بنغازي رباية الذائح ومجلس الأمن).. المنشور في بوابة الوسط الليبية يقول "  لا تنفع انصاف الحلول في اطفاء الارهاب بل تزكيه، وقرار كهذا لا يكون الا حين تجفف منابع الارهاب، وأن تتوقف الدول الداعمة عن دعمه قبل أي تنفيذ للقرار، وكما أسلفنا الدول الداعمة عضوة في الأمم المتحدة وقد تكون زكت القرار في نفس اللحظة التي تقدم فيه العون للإرهاب. فهل ستتحول بنغازي من مدينة جبانة إلى مدينة تقبر الإرهاب".. وهو ما لم يكن مقتصرا على الفيتوري وبنغازي وحسب، بل ما يؤكد عليه مثقفو وكُتّاب المُدن الليبية الأخرى أيضاً عند الاشارة الى الدول الراعية للإرهاب. وما نشرته الوسط الليبية عن الدور المشبوه الذي تقوم به سفارات هذه الدول وفي مقدمتها السفارة التركية في تغذية العنف وادارة المشهد الدموي في ليبيا.

وفي هذا السياق لا يجب أن يقف الهجوم على البعثة الأميركية والذي قتل فيه السفير الأمريكي في ليبيا في الحادي عشر من سبتمبر 2012، مانعاً عن الاسهام في المعالجة للوضع الليبي، ولا أن يكون مناسبة لرمي القصور على هذا الطرف أو ذاك في مراكز صناعة القرار، طالما أن الارهاب أصلا كان قد أراد مسبقاً لهذا الحادث أن يصرف النظر عن الوضع الليبي وينقل عاصفة اللوم واللوم المتبادل الى دائرة صناعة القرار. فما يعكسه مسار الأحداث هو ان (هجمة بنغازي) ومن حيث طبيعة الهجمة وتاريخها والعناصر المستهدفة، كانت قد خطط لها بإمتياز من قبل الارهاب ورعاته من أجل اطلاق أيديهم في الشأن الليبي المجاور لأوربا، الذي عملوا بما يمتلكون من قوة على (إنضاجه) خلال الفترة المنصرمة التي تركزت فيها الأنظار على العراق وسوريا وحسب.!!، وهو ما يمكن أن يشكّل عنصر مفاجأة لا تملك معه أوربا ولا التحالف الدولي امكانية احتواء خطره فيما بعد اذا ما ترك الحال على ماهو عليه.!

قطعاً لسنا من يحدد هوية الجاني في (هجمة بنغازي)، ولا نقصد في هذا المقال تأكيد هوية طرف ما، وكل ما أردنا التأكيد عليه، أن بعض من حلفاء الأمس لم يعودوا صالحين لمهام محاربة الارهاب، لأنهم من حيث يعلمون أو لا يعلمون قد أصبحوا رعاة له ومتخادمين، إن لم نذهب في تقييمنا للموقف الى ما هو أبعد من ذلك. وهو ما يستدعي امتلاك شجاعة الاستعاضة بقوى يراد فصلها عنوة، في الوقت الذي، من الممكن لها ان تقدم شيئا أو تحقق انجازا على صعيد الواقع الميداني بما يلتقي وأهداف جهد التحالف الدولي في محاربة الارهاب.. وما يستدعي أيضاً تحسين القوى الكبرى لعلاقاتها في هذه المرحلة وتحصينها من التصدع لكي لا تنجرف الى مواقع سياسية وديبلوماسية تخدم بشكل أو بآخر الارهاب وتعطيه الفرصة لإيقاع الدمار بالعالم.. ولاشك ان اجتماع وزراء التحالف الدولي في بروكسل في الثالث من ديسمبر القادم، هو مناسبة مثلى لدراسة مسار الأحداث وتقييم إسهامات الأعضاء الحاليين للتحالف والاسهام المتوقع من أعضاء مُحتملين، وكذلك وهو ما لا يقل أهمية عمّا مضى والمرتبط كتفا على كتف، مع ما تقتضيه الضرورة في هذه المرحلة من توسيع لـ (جغرافيا المعالجة الاستراتيجية) لتشمل مناطق في أفريقيا تتصدرها ليبيا في الوقت الحاضر لما قطعت من شوط يستحق مجابهته عبر خطوات لا تتجاهل دعم القوى الوطنية الساعية الى تأكيد وحدة ليبيا وترسيخ قوة القانون في البلاد، ومتضمنة وبشكل أساسي لتفعيل الدور المصري في هذا الإتجاه، بالموازاة مع تفعيل دور الاطراف المُحتملة في الاتجاه الآخر.

لقد كان للدخول التدريجي على المشكلة أثره البالغ في تحقيق نتائج جيدة الى الآن، ومع كونها متواضعة الا أنها هامة في طريق محاربة الارهاب، حيث أن الانغماس التام في التفاصيل هنا أو هناك ومنذ البداية ، يصادر بلا شك فرصة الأطراف الرئيسية في فهم ومعالجة الأوضاع في ذات المنطقة (محل المعالجة) فضلا عن المناطق الأخرى التي لم يتناولها الجهد الدولي بعد، ويجعلها (الفرصة) في أيدي أطراف أخرى لا يستبعد منها توظيف الجهد في الاتجاه المعاكس، وللحديث في هذا المضمار (إن شاء الله) بقية.


5
التخادم التركي مع الارهاب في كوباني، الدوافع والأسباب
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لم يَعد الأمر رأياً قابلا للنقاش، بل هو حقيقة لا يكاد يختلف عليها اثنان إلا من كان منهم (داعشي الهوى)، وهو أن هذا التنظيم الإرهابي المسمىّ داعش ( بما انطوى عليه من فصائل بعثية وما إستند اليه من خبرات لعناصر النظام الصداّمي المُباد) كان قد سفك الدماء دون وجه حق وأفسد في الأرض بشكل لم يبق معه حجر أو شجر أو أرض أو سماء إلاّ وضجّت من خسّة أفعالهم، وشهدت على جرائمهم وتبرأت من ظلمهم. لكن وعلى الرغم من استهجان جميع مكونات المجتمع الدولي للجرائم الداعشية، وتصنيفهم في عداد التنظيمات المعادية للإنسانية ألاّ أن السياسة التوسعية للحزب الحاكم في تركيا ما زالت تتماهى بشكل وبآخر مع التوجهات والتحركات الداعشية، وعلى وجه الخصوص في منطقة (كوباني).

في حقيقة الأمر أن علاقة داعش بالحزب التركي الحاكم، أكبر من أن توصف بالتماهي، بل هي علاقة تخادمية لم تعد خافية على أحد، وإذا ما تعلّق الأمر بما جرى ويجري في كوباني فيمكن القول بأن الطرفين التركي/ الداعشي يلعبان أدورا تكاملية، خاصة وأن الهجوم على المدينة قد تزامن مع إطلاق سراح (الرهائن الأتراك) في حينه، ومع أستبسال مقاتلي قوات حماية الشعب الكردي رغم إمكانياتها التسليحية المتواضعة ومع تمكنها من إيقاف الزحف الداعشي، ومن ثم دحر المجاميع الارهابية من مواقع كانوا قد تمركزوا بها بعد أن حضت بإسناد جوي من قوات التحالف الدولي، ولكن الموقف يبقى عائما وغير محسوم على صعيد المعارك التي تدور رحاها في المدينة، فبالإضافة الى عدم تكافؤ القوى من حيث امتلاك تنظيم (داعش) لأسلحة تفتقر لها قوات حماية الشعب للأسلحة، فإن الموقف التركي مما يدور هو الآخر، ليس محايداً، وليس مراقباً لما يجري أيضاً، بل يمكن الجزم بأنه منحاز ومشارك، وهو ما يعلنه المسؤولون الأتراك دون تردد في نعتهم الحزب الديمقراطي الكردي السوري بـ (الإرهابي)، والأكثر خطرا من (داعش)، رغم انفتاح التحالف الدولي على هذا الحزب.

ينطلق الرئيس التركي في موقفه هذا من إعتقاده الراسخ في كونه (الأب الروحي) للحراك الجماهيري العربي (الربيع العربي)، و(الثورة السورية) بشكل أخص.. ومن الطبيعي أن يكون تبني الحزب للإدارة الذاتية للمناطق الكردية والإحتفاظ بمستوى من العلاقات مع نظام الحكم في دمشق فضلا عن ما يربط الحزب من علاقات سياسية متميزة مع حزب العمال الكردستاني وعدم انضمام وحدات حماية الشعب لـ (الجيش الحر) المؤتمِر بأوامر أنقرة ، تلك الأسباب وغيرها كافية للدفع بأنقرة الأردوغانية للتخادم مع تنظيم داعش. وفقا لما يشكله ذلك من تعارض مع توجهات الحزب التركي الحاكم الرامية الى استثمار الحدود السورية السائبة اليوم لتحقيق إمتيازات سياسية غداً.

ولا شك بأن لمنطقة (كوباني) أهمية استراتيجية لأنقرة على أكثر من صعيد، فمن الجانب السياسي: لا تستبعد أنقرة أن تتحوّل المدينة الى ملاذ آمن للمعارضة الكردية التركية ، لذلك  نرى اصرارا تركيّا على فعلِ استباقي تسعى أنقرة من خلاله على جعل المدينة محطة دائمية للمعارضة السورية، لديمومة الفعل المناهض للنظام السوري وفي نفس الوقت وأد تطلعات أكراد سوريا في الحُكم الذاتي.. أو على أقل تقدير خلق كيانات سياسية كردية موالية لأنقرة وترجيح كفتها على القوة السياسية السائدة في مدينة كوباني اليوم (الحزب الديمقراطي الكردي السوري).. ومن جانب آخر، يأتي عزم الحكومة العراقية على انشاء ميناء الفاو الكبير وإقتران ذلك بإعلان وزارة النقل العراقية عن النية لإحياء (مشروع سكة حديد بصرة/ بغداد/ برلين) الذي يربط الشرق بالغرب ليعطي لمدينة كوباني بُعداً اقتصاديا، مع وقوعها على مسار السكة الحديدية في المشروع المزمع إحياؤه ، مع الإشارة الى أن هذا المشروع كان حُلماً عثمانيا بذلت الدولة العثمانية في نهايات القرن التاسع عشر قصارى جهدها لإظهاره الى حيز الوجود. وعلى صعيد آخر، فالهاجس التاريخي له أكثر من نصيب في صدور العثمانيين الجدد، فقد كانت مدينة (كوباني) شاهداً تاريخيا على أحداث مضت، من حيث كونها احتضنت التجمع السكني الأول الذي إستوطن فيه الأرمن بعد استهدافهم من قبل الدولة العثمانية بمجازر الابادة الجماعية، ورغم هجرة معظم السكان الأرمن الى الاتحاد السوفيتي في عقد الستينات من القرن المنصرم، لكن السيطرة على المدينة وإزالة آثارها الحضارية وشواهدها التاريخية أسوة ببقية المدن التي وقعت بيد داعش أمراً يكتسب أهمية خاصة في السياسة الأردوغانية.

أن هذا التنظيم الارهابي الذي وجد الطريق أمامه سالكاً الى المُدن والقرى التي وقعت تحت سيطرته والذي اعتمد البشاعة سلاحاً أساسيا لبث الرعب وتحطيم معنويات الخصوم، كان قد اصطدم في مدينة كوباني بطراز خاص من المقاتلين الأفذاذ تتبارى في ساحات الوغى النساء مع الرجال للدفاع عن وجودها الانساني وحريتها في الحياة الحرة الكريمة. وبما يجعلنا مطمئنون مما يمكن أن تُسفر عنه المواجهة على الرغم من تفاوت القدرات التسليحية بين الطرفين، وبالرغم من وجود طرف اقليمي منحاز صوب الدواعش، ألا أن ما نخشى منه هو (أجندات الضد النوعي) التي سبق وأن حققت تركيا من خلالها اختراقات كبيرة في الصف الكردي نتيجة انخراط البعض  في الأنفاق الضيقة لهذه الأجندات، فليس من المبالغة القول، بأن الدماء الكردية التي أريقت بفعل كردي مضاد تنفيذا لأجندة الغير أو صراعا على مناطق النفوذ تكاد توازي مثيلتها المراقة على يد الأعداء، فاليوم وبعد أن ضاقت السُبل بداعش وأخواتها، وبعد أن فشلت السياسة الأردوغانية في استغفال العالم وانتزاع مناطق حدودية عازلة في العمق السوري أو تكريس أبويتها الروحية للربيع العربي في أنظار المجتمع الدولي والإقليمي لم يبق لديها سوى استنفار وتوجيه جهود الأطراف الكردية المتورطة في ملفات مشبوهة لمؤازرتها في تحقيق ما عجزت داعش عن تحقيقه عبر الالتفاف على ارادة أكراد سوريا بطريقة أو بأخرى.. خاصة وأن ملفات المتعاونين مع تنظيم داعش بدأت تطفو على السطح، وقد تضمنت اللائحة أسماء قيادات بارزة في الحزبين الكرديين (الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني)، ومن الطبيعي أن يكون لسكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني (فاضل مطني ميراني) حضوراً فاعلا في لوائح من هذا النوع، وكما في الرابط أدنى المقال.

ليس تثبيطاً للعزائم أو تشكيكا في المواقف عند التأكيد على خشية من هذا النوع، فالأحداث التاريخية البالغة المرارة ضمن (مسلسل الأخوة الأعداء) أكثر من أن تُعد وتُحصى، وتحاشيا لإثارة البعض ممن لديهم وجهات نظر متباينة حول تلك الأحداث، أقتصر الأمر في التأكيد مجددا على ما تعرضت له شخصيا من ظلم بعد أن بذلت ما بوسعي في المسار النضالي ضمن صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني، متنقلاً بين سجون البعث الصداّمي حتى انتهى بي المآل في سجن قصر النهاية السيئ الصيت ولمرتين، وبعد اللتيا والتي، كانت تكريمي عن ما أفنيت من عشرات السنين في دروب النضال وما فقدت من أملاك صودرت، وجنسية عراقية أُسقطت، هو محاولة اغتيال فقدت على إثرها نصف بدني.. وعلى يد مسؤول اللجنة المحلية للحزب الذي كرّست نصف عمري لخدمة القضية الكردية من خلاله.. أحد سقط المتاع يدعى جمال قاسم وبأوامر مباشرة من سكرتير الحزب فاضل مطني.. وقد تمت أدانة المجرم جمال قاسم من قبل القضاء الأمريكي وحوكم بالسجن المؤبد، وبعد أن أمضى جزءا من محكوميته وتعاقب الوفود من كل حدب وصوب لإقناعي بالتنازل عنه، تم له ذلك ليرحل على وجه السرعة الى ربوع اقليم كردستان العراق، ولتناط به مواقع مسؤولية أكبر بكثير من تحصيله العلمي وبعيدة كل البعُد عن مؤهلاته الاخلاقية، خاصة مع ارتكابه جريمة القتل العمد.. وقد كان التكريم الصادر من رئيس الاقليم لهذا المجرم استخفافا واضحا بمشاعر الضحية واستهتارا فاضحا بكل القيم الانسانية ودلالة أكيدة على التبني الكامل للفعل الارهابي ( فقد كانت الجريمة ذو دوافع سياسية وعلى أرض دولة مستقلة ذو سيادة لا يمتلكون حق اتخاذها مسرحا لتصفية الحسابات السياسية).

بمعنى آخر، ليس لأردوغان أن يستأسد بهذا الشكل على الشعب الكردي لو لم يكن مطمئنا لمواقف أطراف كردية نافذة، لا يستبعد أن تكون قد هوت في المزالق الداعشية من حيث تدري أو لاتدري، بما يجعل منها رهينة للموقف التركي.. خاصة مع ماهو متعارف عن هذه الأطراف من هواية متجذرة في نفوسهم تتمثل في القفز على الحبال. وعلى الرغم من إجادتها التامة لممارسة هذه اللعبة الخطيرة، ألا أن الوضع مختلف تماما هذه المرة، فالحبال الداعشية لزجة  لا يتسنى لمن يلامسها فكاك أطرافه وتكملة المسار بشكل طبيعي، ومع افتراض الافلات فلا بد من أن تترك أثراً يقض مضاجع المتورطين.. وبدليل ما يتسرب من تقارير رسمية او اعلامية عن تعاون أسماء بارزة مع الارهاب، التي تشير الى أن التعويل من قبل الاطراف المتضررة من الارهاب استنفار امكاناتها الذاتية بالدرجة الأولى ومن ثم التماس ما يمكن أن تحتاج اليه من الأطراف الدولية التي عقدت العزم على محاربة الارهاب ضمن استراتيجية ذو مراحل متدرجة تفرضها طبيعة المشكلة التي تواجه العالم والتي تتطلب إعتماد الجرأة الهادئة والتأني في الحسم، لن تتوقف بالتأكيد عند هلاك (الخليفة)، ولا تنتهي عند تحرير الأماكن التي سقطت بيد الارهابيين وأتاحت لهم الافصاح عن وجودهم العلني في تحدّ صارخ للقيم الانسانية والقانون الدولي، بل هي حرب ممتدة على الارهاب في الظلّ والعلن تستغرق من الوقت ما يفصل عالمنا المتناحر وحاضره المضطرب عن شواطئ الاستقرار والسلام.


جندي تركي يلتقط صورة مع افراد داعش في كوباني (صوت كردستان).
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=44117
السفارة الامريكية تنشر قائمة بأسماء شخصيات كوردية بارزه تعاونت مع داعش
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=44683
النهب على قدم وساق: خمسة فقط من القادة الكورد يمتلكون 200 مليار دولار
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=44563




6
أردوغان بين نهايتين، بلاط السلطنة أو خلف قضبان السجون
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
ليس من رجلٌ رشيدٌ حوله، كان قد حالَ دون إيغال الرئيس التركي الحالي في تعميق البئر التي حفرها بمؤازرة الأنظمة السياسية الوراثية لترويع شعوب المنطقة ومحاولة تركيع دول العالم، ولم يضع هؤلاء مجتمعون أية احتمالية لوقوع أي منهم لاحقاً فيها. فإن طبيعة وصدى الخطاب الأخير لأردوغان، يعكس بوضوح مدى عمق المأزق الذي وجد نفسه وحزبه، بل البلاد بأكملها منغمِسة وراكِسة فيه. مع ذلك، ما زلنا نأمل أن يستيقظ صوت العقل ليضع حدّاً لعبث حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي اتخذ من عباءة الاعتدال الديني وسيلة لخداع الشعب التركي وتضليل المخططين الاستراتيجيين الترك للوصول الى وضع يتمكن فيه من ممارسة الهيمنة والتطرف. فكما فعل وما زال يفعل ذلك في المنطقة، كذلك يتجه اليوم نحو الداخل التركي لمصادرة الحقوق المدنية والحريات الصحفية وتهديد السلم الأهلي.

وقبل ان نتناول ما صرّح به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نستذكر ما تعرّض له مراسل شبكة الـ (سي أن أن) الاخبارية الدولية إيفان واطسون من استهداف من قبل رجال الأمن التركي (المندسين بين المتظاهرين بالزي المدني) أثناء قيامه وعلى الهواء مباشرة بتغطية التوتر الذي كان قائما في حينه بين متظاهرين وافراد الأمن التركي في الذكرى الأولى للمظاهرات الكبرى التي جرت في اسطنبول 31 آيار الماضي. ورغم أن شخصية اعلامية تؤدي رسالتها على الهواء مباشرة ليست في محل اثبات للهوية، ألا أن إيفان نزولا عند طلبهم قدّم التخويل الرسمي من السلطات التركية المختصة، ومع ذلك وأمام الملايين من المشاهدين أنزلوا وبالقوة عدسة كاميرا النقل المباشر الى الأرض وإقتادوه عنوة بذريعة عدم حمله لجواز السفر في تلك الأثناء.. وقد أشرت في مقالات سابقة الى ما يتعرّض له الاعلام في تركيا من محاولات جادة للاستحواذ والمصادرة على يد الحزب الحاكم.

أن سبب تطرقنا لهذه الحادثة التي تعرض لها الاعلامي ايفان واطسون، المزاعم التي إدعاها الرئيس التركي في خطابه الأخير / السبت 11 اكتوبر، تشرين الأول 2014 .. الذي يرمي به التهم على الآخرين جزافا وفي كل الاتجاهات على أنهم كانوا وراء ما يجري من ردود أفعال جماهيرية غاضبة للتنديد برفض أنقرة تقديم مساعدة عسكرية لعين العرب (كوباني) التي باتت على وشك السقوط في أيدي تنظيم داعش وفاحش الارهابيين، فبعد أن تدرّج في ذكر خصومه التقليديين بدءً بحزب العمال ومروراً بنظام الأسد كان قد شمل في اتهاماته "وسائل الاعلام الدولية" التي عبّر عنها بالوصف "باتت معروفة"، "صحف ومجلات متعددة لكنها تتناول الشأن التركي بذات الوصف وكأنها (حسب تعبيره) "تدار من مركز واحد".. وهي عبارة عائمة تنطبق على كافة وسائل الاعلام الدولية التي يرى من خلالها العالم تفاصيل الأحداث بموضوعية ومهنية عالية في نقلها لجميع زوايا الحدث تاركة للقارئ والمشاهد رسم ما يراه من انطباع عما يجري.. واذا تمت مثل هذه القيود على الاعلام الدولي، فمن البديهي أن ينسحب ذلك على الاعلام الاقليمي أيضاً، فيسهل حينها تطويع الاعلام الداخلي التركي عبر الترهيب والترغيب.

لم يكتف اردوغان في ارسال الرسائل الى الاعلام الدولي وحسب، بل كان قد اعتمد أيضا خطابا متعدد الاتجاهات والمضامين عندما أردف بعد تخوينه الاعلام الدولي الى ما أشار له بـ (الكيان الموازي)، وبالعودة الى تصريحاته الأخيرة والنبرة الحادة التي شمل بها بعض الأطراف مؤخرا يمكن الوقوف على ما عنى به السيد اردوغان في الرمزية والغموض الذي بات مرافقاً للسياسة الخارجية في عهده بل امتد ليشمل الخطاب الموجه للخارج أيضاً.

 ومن ضمن هذه العبارات الغامضة التي ينطبق عليها المثل القائل (إياك أعني وإسمعي يا جارة)، تلك العبارة التي يقول فيها .. "يريدون ارجاع تركيا الى التسعينات، تركيا لن تعود الى التسعينات".. فهل بإمكان نظام الأسد المتأرجح والدولة السورية الممزقة التي بالكاد تؤمن لها امكانياتها في الحفاظ على صورة الدولة، هل بإمكانها التأثير في الداخل التركي؟.. أم بإمكان حزب العمال أن يعود الى سابق عهده وزعيمه أسير في زنازين الأمن الاردوغاني؟.. إذن لربما كان المقصود هو عدم العودة الى الاجراءات التعسفية التي كانت تمارسها السلطات التركية بحق أكراد تركيا؟.. لكن حتى هذا الاحتمال أي : التعاطف والحرص الذي تبطنه هذه العبارة  يصطدم بما تلاها من عبارات وما سبقها أيضا ، فقد سبق ذلك بالقول " إذا كان ابن إحدى الأسر الكردية يجول في الشوارع وبيده زجاجات حارقة، فإن أبويه أيضا مسؤولان عن ذلك".. وهو ما يعكس اجتهاد اردوغاني أمام النص القانوني بل و قبال النص القرآني أيضاً، والذي يؤكد على أن " لا تزر وازرة وزر أخرى". ويتنافى كذلك مع استعراض القوة الذي تضمنّته الفقرات التي تلت هذه العبارة ، فبعد أن نعت المتظاهرين بأقذع الأوصاف، وبالإرهاب جنح الى القول "  يريدون أن يثيروا غضب الأمة، ويطفحوا كيلها، ويدفعوا الشعب نحو النزول إلى الشارع لمواجهتهم، هذا هو مبتغاهم، وهذا هو الهدف الرئيسي من تلك الفخاخ التي ينصبونها".. فأين التعاطف إن كان المقصود هو تهديد الشعب بالشعب، وهل من المعقول الاستخفاف بنسبة من الشعب تحددها أقل التقديرات بـ 20% من الشعب التركي، ناهيك عن ما يمكن ان يشكله الانتماء الطائفي العلوي المتداخل مع الانتماء القومي الكردي، من امتداد طبيعي لبعضهما البعض، وإذا كان هذا هو المقصود، ألا يُعد تأليب أبناء الولاية التي ولد فيها ضد طائفة أخرى من الشعب هو الطائفية بعينها التي يتهم بها الآخرين، ثم بأي عنوان تم تهديد الشعب بالشعب بعنوانه الحزبي وهو لم يَعُد رئيساً للحزب أم بصفته رئيسا للجمهورية وهو المرجح كونه زار الولاية لإفتتاح مشاريع حكومية، وهو ما لا يسمح به القانون التركي فضلا عن القوانين الدولية؟

وأية اخلاق وقيم سياسية تسمح لصاحبها نعت زملاء ساسة في حزب تركي رسمي هو الحزب الديمقراطي الشعبي (الحزب الكردي الرئيسي في تركيا) الذي لاذنب لأعضائه سوى دعوة جماهير الحزب للتظاهر السلمي، لا يُستبعد اطلاقاً من قيام أفراد الأمن التركي المندسّة وسط المتظاهرين بأعمال الشغب لتشويه التظاهرات وإطلاق يد الدولة في الأفعال الاستباقية، الأمر ليس مستبعدا .. ألم يفعلها الأمن السري التركي أمام الملايين مع مراسل كبريات وسائل الاعلام الدولية الـ (سي أن أن) ايفان واطسون دون أن يرف لهم جفن.. كما فعلها تلامذة اردوغان من قبل أيضاً في مناطق اخرى، مثلما فعلها صدام من قبل في انتفاضة آذار 1991 عندما حرق أفراد الأمن والمخابرات جميع الدوائر، وملئوا أركان شوارع الجنوب العراقي بصور القيادات الايرانية ليرسخ انطباعا سيئاً لدى الحكومات الغربية عن الانتفاضة.

كل ما سبق يشير الى تناقض محتوى الخطاب السياسي للمسؤول الأول بالدولة التركية، ومن المُرجح ان يكون مقصودا، بل، حتى إن لم يكن كذلك فهو ينبئ في الحالتين عن شعور عميق بالتهديد الداخلي والخارجي نتيجة اهتزاز الثقة بينه وبين أطراف عدة، وخصوصا الدولية وقد أوصلته درجة اليقين في ان ترميمها ليس ممكنا إن لم نقل من وجهة نظره بات مستحيلاً، الى التأكيد على عناصر القوة كمقاومة استباقية لأي استهداف محتمل وفي مقدمة هذه العناصر (القاعدة الشعبية للحزب) وكذلك (المواقع الحساسة التي يشغلها الموالون للحزب). وانطلاقا من ذلك يكون المعنيون بالرسالة هم الأطراف الداخلية والخارجية معاً، بمعنى أن أردوغان كان قد عنى أيضا في عبارته (تركيا لن تعود الى التسعينات)، الى قرار حظر حزب الرفاه الذي كان اردوغان أحد قياداته الذين انتهى بهم المآل خلف القضبان في آخر تدخل عسكري ضد حكومة نجم الدين أربكان عام 1997. والغريب أن خطابه يعكس شعورا أكيدا لديه بأن وسائل الاعلام الدولي أكثر من أي طرف آخر وبما تمتلك من استقلالية وتواجد ميداني في مواقع الحدث يعزز مصداقيتها لدى القراء والمشاهدين والمستمعين، كانت السبب المباشر وراء قراءة أبعاد واتجاهات السياسة الاردوغانية وتحديد جغرافية المناطق المحرّمة التي سلكتها لتنفيذ أجندتها المشبوهة.. لذلك كان الخطاب عنيفاً ومُركزاً وخطيرا أيضا بما يبطن من تحريض لقوى التطرف تجاه المؤسسات الاعلامية الدولية العاملة في المناطق الساخنة.

أما عنصر القوة الآخر الخاص بإستحواذ الموالين للحزب الاردوغاني على الأماكن الحساسة في الدولة التركية يؤكد اردوغان في خطابه على أن " الذين دفعوا تلك البيادق إلى الخروج لم ينتبهوا إلى أن الدولة التركية، لم تعد تحكمها تلك الظروف، التي سادت قبل (15)، أو (20) عاماً خلت، فالقوات المسلحة التركية مجهزة تجهيزاً أفضل من أي وقت مضى، وتتسم باليقظة، والحيطة، وهي دوماً على أهبة الاستعداد، كما أن المؤسسات الأمنية تعمل بدقّة متناهية، وباتت تمتلك خبرات عالية"..

هل من المعقول ان يكون هذا موجها الى مدن تظاهرت سلمياً إثر دعوة أحد الأحزاب السياسية، تخلل حراكها أعمالا عنفية لا يٌستبعد أن تكون للحكومة التركية اليد الطولى للدفع في هذا الاتجاه؟..

أم هو تحذير الى العالم من قبل الرئيس التركي في خطابه الأخير كان يعني به: ان أنقرة ليست القاهرة وأن اردوغان ليس أربكان فهو يمتلك السلطة والشعب بيد وأقوى قوى الارهاب في اليد الاخرى.. .؟  ويبقى السؤال الأهم هل ستنتهي هذه الغطرسة الاردوغانية مع الشعب التركي والمنطقة والعالم، هل تنتهي بأوردوغان الى ما يحلم به من بلاط سلطاني أم خلف قضبان السجون كما هو الحال في تسعينات القرن المنصرم؟

خاصة وأن المسألة لم تعُد داخلية، فقد عمّ الأذى الأردوغاني معظم دول المنطقة في دعم وتشجيع قوى التطرف فيها، ويعكس ذلك عدم المبالاة بالقوانين الدولية فضلاً عن عدم التقيّد بالالتزامات التي تفرضها على بلاده العضوية التي تتمتّع بها في حلف الناتو، خاصة وأن معظم أعضاء هذا الحلف هم في حرب مفتوحة ضد الارهاب في العالم. ومن هناك بات لزاماً ليس على الصعيد الرسمي وحسب، بل جميع المنظمات الدولية ومنظمات حقوق الانسان العالمية والمنظمات الحقوقية على امتداد العالم المطالبة بإيقاف تركيا لدعمها المنظمات الارهابية وعلى رأسها داعش، سواء ما يتعلق منه بتوفير الممرات الآمنة لتصدير داعش للنفط العراقي الى الأسواق السوداء والذي يبلغ 17% من نفط العراق حسب تقديرات المختصين أو الاتجار بالنساء والأطفال في العراق وسوريا من قبل داعش كأحد مصادر التمويل لهذا التنظيم المشبوه.. وأن الأدلة التي نشرتها وسائل الاعلام حول تورط الحكومة التركية في دعم الارهاب هي أكثر من أن تُعد وتحصى، الأمر الذي يستلزم أيضاً تقديم ما أمكن من عون للمناطق التي يحاول الارهاب السيطرة عليها وعلى رأس تلك المناطق مدينة كوباني التي باتت بين فكي كماشة، داعش من جانب، وتركيا اردوغان من جانب آخر ، وكذلك الدعوة الى تقديم اردوغان ورموز حزبه الذين يحتلون المواقع الرسمية في الدولة التركية الى المحاكم الدولية لمواجهة الجزاء العادل، فإن اصراره على عدم التعاون مع الجهد الدولي بالضد من عدو مشترك للانسانية جمعاء، أو تبني الشروط التعجيزية التي يحاول من خلالها استغفال العالم لهو دليل كاف على أنه ليس على استعداد للتنازل عن هدف الوصول الى بلاط السلطنة بعد تمزيق المنطقة والعبث بأرواح وكرامة شعوبها ليكون فيما بعد في وضع يتمكن معه من تهديد العالم، هذا إن لم يكن أردوغان اليوم قد شكّل ويشكل بمواقفه السابحة عكس التيار تهديدا حقيقياً للدول والشعوب في جميع أنحاء العالم.

روابط ذو صلة بالموضوع :

تركيا تكشف لداعش الهجمات الأمريكية قبل وصول الطائرات
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=43426
أرسال ناقلات النفط من أربيل الى داعش
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=43444



7
الاستراتيجية الدولية للحرب على الارهاب، البداية والإتجاه .. (فيديو مهم)
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
مع كل ما أنتجته ماكنة الارهاب في الأوطان من خراب وتسببت به للأفراد والمجتمعات من شقاء ألاّ أن المشهد العام وعلى ماهو عليه من عُمق وعِظم في المأساة هو أقل سوءً مما يمكن أن يكون عليه الحال فيما لو استمرّ المجتمع الدولي في التغافل عن خطر الجماعات الارهابية التي إلتهمت المُدن تباعاُ وابتلعت القرى جـِماعاً ، وسيطرت على حقول النفط وخططّت لإستنساخ تجارب سياسية من حضيض التاريخ لبناء دول مفترضة في عالم اليوم، بعد أن كانت هذه الجماعات وحتى الأمس القريب فصائل سرية متناثرة لايملك عناصرها الجرأة على ازالة اللثام عن الوجوه، ويبالغ الكثير منهم في تضخيم صوته عند القاء الخُطب والبيانات خشية الظفر بهم من قبل السلطات. أما المناطق التي كانوا يتحركون فيها بحذر شديد احتراساً من الوقوع في دائرة الرصد للمخبر السرّي، تلك المناطق كانت تثير القلق والمخاوف لديهم قد أصبحت اليوم حاضنة آمنة وخزيناً بشريا احتياطيا آخذا بالتوسع والازدياد لرفد المعارك التي تخوضها داعش.

أن انكفاء الوجود الأمريكي من المنطقة، والفراغ النسبي للسلطة الذي أعقب أحداث الربيع العربي، عوامل بمفردها غير كافية لأنتاج ظاهرة عابرة للحدود بهذا الحجم وهذه السرعة كتنظيم داعش وما امتلكه من فعل مؤثر في الاتجاه السلبي تمكن من خلاله ازاحة الفرق العسكرية واحتواء الفصائل الارهابية الأخرى المتواجدة أصلا في المناطق التي زحف اليها هذا التنظيم الارهابي  داعش.. بلا شك أنها عوامل غير كافية ان لم تكن داعش جزءا من مخطط استراتيجي لطرف أو أطراف اقليمية ارتئت من خلاله تحقيق اغراض داخلية تتعلق بالإفلات من الاستحقاق الجماهيري في بالتغيير عبر توجيه الزحف نحو جبهات أخرى بديلة عن العواصم الآمنة، وأخرى خارجية ترتبط بإستثمار الغياب الدولي عن المنطقة لبناء منظومة سياسية يشكل فيها بناة هذه المنظومة نقطة الارتكاز وأصحاب القول الفصل فيها بما يحقق لهم مستوى من التوازن الأقليمي مع قوى أخرى أو يتيح لهم التفرد بالقوة الإقليمية. ومع ما ينطوي عليه هذا التوجه من استخدام للوسائل المبتذلة والعابثة بأمن شعوب المنطقة والعالم وما رافقه من استغفال للمجتمع الدولي بكافة مكوناته ألا أن الخشية لم تكن بالمستوى الرادع عن ارتكاب هذا الفعل كون الرهان لدى هذه الأطراف وكما كان شائعاً في وسائل الاعلام في حينه وفي الفترة التي سبقته ، كان الرهان مبنيا على الاعتقاد السائد بأن "السياسة الأمريكية في ظل ادارة أوباما جانحة للسلم، وأقصى ما يُمكن أن تقدم عليه هو الضربات المحدودة أو جمع المعلومات عبر الطائرات المُسيّرة دون طيّار".. وأن مصالح الأطراف الدولية بالنتيجة هي من يتحكم في توجيه مواقفها السياسية من الآخر، بعبارة أخرى، فرض سياسة الأمر الواقع على العالم طالما هناك اتفاق من حيث المبدأ، مُحكم الى حد ما بين القوى الرئيسية في المنطقة.. ولسنا هنا بصدد تقييم مشروعية الطموح ودواعي انطلاقه في أذهان أصحابه بقدر التأكيد على الخطورة المطلقة للوسائل التي اعتمدت للوصول الى الهدف.

ذلك هو ما يمكن أن تنطق به أدلة العقل المستقاة من واقع الحدث، فإن لم تكن داعش قد نزلت من السماء، فلا شك أن ما جرى تقف خلفه أطراف اقليمية على الأرض تحمل مثل هذه التصورات..وأن الذهول والارتباك الذي اعترى ردود الفعل على المستوى الدولي بعد الذي حدث من قبل داعش في العراق، كان قد مبدّدا للشكوك ومؤكدا على حقيقة أن ما حصل هو مخطط اقليمي بإمتياز أنتجته قوى المنطقة تأسيسا لشرق أوسط جديد (جغرافيا) وقديم (سياسيا) وبشكل معاكس لما كان يراد له تماماً.. وفي هذا السياق كان كثيرا ما يتردد في ذهني مشهدا يبحث عن تفسير أو بالأحرى توظيف لإستنتاج في حينه، كنت قد شاهدته في بداية الأحداث في أحد المقاطع الفيديوية للإصدرات الداعشية، لشاب داعشي رث الملبس وفقير الثقافة لايبدو عارفاً بمن هو سايكس ولا مدركا لما هو بيكو يعبر الحدود العراقية السورية مرددا عبارة (بأنفاس ثأرية) يبدو ان أحدا قد لقنه اياها "الحمدلله اليوم قد تحطمت والى الابد شواخص جريمة سايكس بيكو".. قاصداً الحدود بين الدولتين، العراق وسوريا ومعاهدة تقاسم النفوذ بين فرنسا وبريطانيا ومصادقة روسيا للمعاهدة عام 1916 بعد تهاوي كيان الامبراطورية العثمانية!!.
وفي هذا السياق نود القاء الضوء على الكيفية التي شكّل فيها التاريخ السياسي للمنطقة عاملا مساعدا وباعثا أساسيا لما يجري اليوم من أفعال متطرفة لجماعات متسربلة بشعارات دينية ترفعها زوراً، ومتمترسة خلف جدار اقليمي تشكلّه أطراف إلتقت مصالحها مرحلياً، ومع اختلاف الأجندة السياسية لهذه الأطراف الرئيسية الداعمة للإرهاب تبعاً للتراث السياسي/ الديني الذي يستند كل منهما إليه، ألاّ أنها تلتقي مرحليا في العراق وسوريا، بمعنى آخر أن الإرهاب في المنطقة لم يكن وليد اليوم، فقد جرت العادة من قبل السلطات السياسية في (الدولة الأموية، الدولة السلجوقية، الدولة العثمانية) على احتكار فكرة الإسلام الصحيح لأنفسهم، وقد نجحوا في فرض وجهات نظرهم الدينية (المذاهب السياسية) على المجتمع عن طريق القوة، بصفتها (الحقيقة الدينية المطلقة). وفي حقيقة الأمر، لا توجد علاقة صميمية بين الاسلام الحقيقي وهذه الخطابات التبريرية ذات الاهداف السياسية التي تدور حول محور التأسيس للذات والتفرد بالسلطة عبر العنف والتطرف الأعمى، أي أن العلاقة بين هؤلاء والاسلام المحمّدي لا تتعدّى المسمّيات من حيث العقيدة، والشكليات في الجانب العبادي، وهو بالضبط ما يجري اليوم في المنطقة خاصة مع وجود حواضن سياسية تشكل امتداد تاريخي لتلك النماذج الارهابية المندثرة أسهمت في تأسيس (الميكانيك المجتمعي) او الآلية الاجتماعية المرتبطة بتوليد الآيديلوجيا الداعية للإرهاب.

ومع أن الدين الاسلامي (المحمّدي) كان قد أعطى العقل أولوية، ألاّ أن الدين الذي يعتمده هؤلاء يكاد يختفي فيه هذا الدور مطلقاً أو ربما بشكل محدود مقتصر على الحالات التي لم تشملها السلطة (الدينية/ السياسية) في نصوص لا تلتقي في معظم الأحيان مع الاسلام الحقيقي الاّ من حيث الأساس التاريخي المحض. وهو السبب الرئيسي الذي اعتمدت عليه بعض الأنظمة السياسية في المنطقة في توسيع أرضية الآلية الاجتماعية أو (حواضن الارهاب) ، وما يؤسفنا قوله، هو أن بعض هذه الأنظمة كانت قد قطعت شوطاً طويلاً في بناء هذه الحواضن. ولربط ما يجري اليوم بالشواهد التاريخية السياسية التي أشرنا اليها، فلا يخفى على أي مُتابع بأن النظام السياسي في السعودية يشكل امتداداً للنهج الأموي (الدولة الأموية)، ويشكل النظام السياسي الاردوغاني في تركيا هو الآخر إمتدادا للنهج (السلجوقي/ العثماني). ويعود السبب في اختيار الدولتين لأسباب تتعلّق في الحرب الحالية على الارهاب، فإذا ما اسثنينا عناصر الأصقاع الأخرى حول العالم الآخذة بالتزايد أيضاً، فأن الأغلبية المطلقة من عناصر تنظيم داعش يعود في الأساس الى أصول سعودية/ تركية، مع الاشارة الى ان (نسبة العراقيين هي الأخرى تتصاعد بشكل مُلفت للنظر- ويبدو أن ذلك هو المعوّل عليه من قبل الأطراف الداعمة نسبة الى اناطتهم قيادة التنظيم بشخصية عراقية)، ويشير ذلك الى ان الميكانيك المجتمعي الخطير يعمل بشكل كبير بما يجعل من كل عنصر من هذه العناصر قنبلة موقوتة لا أحد يعلم من مكان وزمان وجنسية ضحيتها المقبلة.. وفي مقارنة بين استطلاعين للرأي العام السعودي الأول في عام 2009 أظهر ان 20 بالمئة من السعوديين يؤيدون تنظيم القاعدة، واستطلاع آخر جرى مؤخرا على جدران الفيس بوك أظهر ان 90% من المشاركين في الاستفتاء يؤيدون تنظيم داعش، من خلال الاستطلاعين يمكن بوضوح ادراك أهمية عامل الزمن في نمو هذه الظاهرة الخطيرة على الأمن والسلم العالمي. أما في تركيا فحكومة فالنهج الاردوغاني هو أيضا يسعى الى أقلمة وترويض المجتمع التركي مع تنظيم داعش لأغراض الهيمنة المستقبلية، وفي هذا السياق نتطرق الى تصريح القنصل التركي الذي اطلق سراحه مؤخرا بعد أن كان (مختطفا) من قبل تنظيم داعش، حيث يتساءل في هذا الصدد قائلا : " كيف لداعش أن يحتجزنا ونحن نرى عناصره في تركيا يأكلون ويتسوقون ويتلقون العلاج في مستشفيات بلادنا، لم يكن هذا دون علم الأجهزة الاستخباراتية في تركيا".. أي أن النظام السياسي في الدولتين ساعيان لخلق مجتمعات لا غرض لها من وجودها إلا الموت (قاتلا ومقتولاً في آن واحد).

والى اليوم، ومن بين دول المنطقة يكاد ينفرد الأردن في الإستجابة والانسجام التام مع الجهد الدولي في الالتفات الى داخل الدولة الأردنية وتأشير مناطق الخلل والاستعداد لتعديل قوانين او اصدار أخرى بما يؤكد ادراك المملكة الأردنية لطبيعة المهام الأساسية المأمول من دول المنطقة الإسهام بها، واستيعابها التام لطبيعة المرحلة المقبلة، وهو ليس بالمستغرب من المملكة الهاشمية، فالجميع يدرك طبيعة السياسة الرشيقة للمملكة التي سرعان ما تنتقل من مربع الى مربع آخر مضاد بسرعة الضوء. لكن الرشاقة هي الأخرى لا يُعوّل عليها كثيرا في الممرات الترابية الماطرة. مع ذلك لا توجد سياسة خارجية ينطبق عليها صفة الكمال ومع الانفتاح السياسي والحريات العامة والاستجابة السريعة والتفاعل الجاد مع الجهد الدولي من الممكن للأردن فيما لو اعتمد برامج توعوية لتقليل منسوب التطرف لدى بعض القبائل الاردنية، وعدم السماح لاستغلال الحريات الممنوحة من قبل دعاة التطرف، أن يشكل قدوة في المنطقة على طريق الاصلاح المنشود.

ولكن المستغرب أن دولاً كالسعودية وتركيا ما زالتا يعيشان خارج دائرة الزمان في طريقة تعاطيهما مع الأحداث، فالطرفان مازالا منهمكين في شؤون الدول الأخرى في المنطقة متجاهلين الالتزامات الداخلية والخارجية المتراكمة عليهما تجاه شعوبهما والمنطقة والعالم التي قد لا يتسع الوقت للإيفاء بها من قبل الطرفين.. فما كتبه مثقف السلطة عبد الرحمن الراشد يوم أمس الأول في صحيفة الشرق الأوسط وبعد أن أعلن بالنيابة عن الترك الموافقة على الانضمام للتحالف الدولي في مقال (تركيا مع التحالف)، أطلق لقلمه العنان في التبرير للتردد التركي بوصفه كان مناورة مع داعش، ثم بدا أكثر حرصا على مستقبل الاخوان المسلمين في المنطقة بنبرة مغايرة لما درجت عليه عادة الصحافة السعودية منذ زمن ليس بالقصير، بل ولحين ظهور هذا المقال كان كتاب الصحيفة قد سلكوا مختلف دروب التاريخ، وأضيق أزقة الجغرافيا بحثا عما يثبت براءة الوهابية من الارهاب وجلباً لأدلة الادانة لحركة الاخوان المسلمين في تأسيسها للتطرف والعنف في المنطقة.. والشئ الأهم في هذا الموضوع هو البشرى التي ساقها الراشد للأخوان المسلمين في سوريا قائلا : " أن من يركب قطار مواجهة «داعش» له حظ بأن تكون محطته الأخيرة دمشق"..في الوقت الذي لا يمتلك فيه مثل هذا الشخص المنتمي أصلا الى نظام سياسي متخلف يتصدر الدول المنتجة للارهاب حق تقييم الأنظمة السياسية في المنطقة.

وفي المقابل، أردوغان هو الآخر اعتلى منصة الاشتراط على التحالف الدولي لتهويل صورة السلطنة التركية أمام داعش بما يجعلها أكثر ثقة به وإذعانا لتوجيهاته بعد أن أثبت لهم بأن سوف ينتزع مطالب من هذا الحلف، كفيلة بإنشاء الدولة الاسلامية الداعشية وضامنة لانتزاع اعتراف قسري من دولة العالم كافة بها.. وهي بالفعل مطالب لو تم تحقيقها لأردوغان من قبل التحالف الدولي، فلا ضرورة بالأصل لأي تحرك دولي من هذا النوع اذا كان الهدف من تأصيل الوجود الطارئ للإرهاب وصيانة الميكانيك الاجتماعي المرتبط بتوليد أيديولوجيا الإرهاب....  فالشروط واضحة من حيث النوايا والأهداف فأن أهم ما تأمله الأطراف الراعية للإرهاب هو استغلال الجهد الدولي لأسقاط النظام السوري، وذلك هو مفتاح الحلول بالنسبة الى اردوغان بالذات، لأن ازاحة هذا النظام بالكيفية التي يرتئيها سوف تنتهي بإيصال الإخوان المسلمين (المؤتمرين بأوامر تركيا) الى السلطة في سوريا (كما نوّه الراشد في الشرق الأوسط) ولا تترك من خيار أمام جموع البعث السوري وعناصر الأجهزة الأمنية السورية بما تحمل من خبرات سوى اللحاق بالأشقاء البعثيين العراقيين الى صفوف التنظيم الارهابي داعش، حينها تكون دمشق هي من يؤصل لشرعية الوجود الداعشي وليس الطرف الساعي لاعادة الأجزاء المفقودة من البلاد.

ليس تكهنا إطلاقا، ولا تحاملا بكل تأكيد.. ألاّ انها الطريقة التي تفكر بها هذه الحكومات، والشراسة التي تدافع بها عن وجودها في السلطة  وإلا هل من غرض ايجابي من الممكن توقعه من المطالبة بإشراك الجيش التركي منفردا على الأرض السورية أو العراقية سوى خلط الأوراق واستباق الجهد الدولي لتحقيق مآرب تعرقل تنفيذ المهام التي لا تصب في مصلحة الجانب التركي..  وكذلك ما الغرض من المنطقة العازلة في ظروف تعد فيها تركيا الأكثر قوة والأشد التحاما بالقوى المناهضة لحكومتي العراق وسوريا، سوى استخدام هذه المناطق العازلة ملاذات آمنة للإرهابيين في حال اضطرارهم أو مناطق ايواء للقيادات الداعشية لايخشى على حياتهم فيها من الاستهداف الجوي،  أوساحات للتجمع والتدريب وإعادة التأهيل في حالة الانكسار، بل وملكية مضافة الى ممتلكات الباب العالي ليس بإستطاعة الحكومة العراقية ولا السورية استعادتها مستقبلاً.؟

ومالذي يعنيه اشتراط الاشراف التركي على المعونات الانسانية المقدمة من قبل التحالف الى سكان المناطق المتضررة من العمليات الحربية سوى ضمان مؤونة الدواعش واستغلال المساعدات الانسانية الدولية لتحسين صورة تركيا وتمكينها من اختراق المجتمعات الأخرى؟.

والأغرب والأهم : مالذي يعنيه اشتراط تركيا على التحالف الدولي / أن لا تتسبب الحرب الدولية في احداث أي ضرر للوضع السياسي في شمال العراق/.. (كردستان العراق) والمقصود هنا تحديدا سلطة السيد البارزاني بوصفه حليف استراتيجي تركي وأداة الضد النوعي والنافذة المشرعة للأتراك على الثروات العراقية لقاء أسعار تفضيلية وفي مقابل كونه السوق الاستهلاكية للبضائع التركية وفق أسعار فاحشة وخيالية ولا شك هناك ما هو أبعد، فعندما يكون الشريك من هذا النوع متعدد الأغراض والمنافع لا يمكن للسياسة الأردوغانية بما هو معروف عنها من أنانية وانحطاط وتسافل سوى الزج بهكذا شريك في مشاريع يُعد الافصاح عنها مدعوما بالأدلة، قاصما لظهر الآخر وهو سبيل تركيا الوحيد لضمان عدم انتقال الشريك للتأرجح في حبال أخرى دون إذن مسبق منها. وهو ما يتجسد في التلكؤ والتردد الذي رافق سلوك السلطة في الاقليم تجاه ما مرّ به أكراد سوريا ومدينة كوباني تحديداً.

ولا نقول ذلك دفاعاً عن النظام السوري، فالتعاون الأمني الرسمي (السعودي- السوري)، ريادي في هذا المجال وكان العراقيين أول ضحاياه وليس بغائب عن الأذهان.. ورغم كل هذا العداء لم يفصح الأسد عما يملك من وثائق عن الطرف السعودي الذي كان الأطباء الأمريكيون يبذلون قصارى جهودهم لتحسين صحته، وأجهزته الارهابية في الرياض منهمكة بتغرير السعوديين وغسل أدمغتهم وتوفير وسائل النقل ومرافقتهم الى مراكز تدريب الارهاب في سوريا لقتل جنود الحليف الأمريكي والعراقيين معاُ، (الرافضي والمُحتل)، لم يَعلن لأنهما معا من ذات الصنف، وهو ما يزيد السعودية اندفاعا كونها ترى في وجوده (تهديدا محتملا) قد يسئ لتحالفاتها الدولية وليس للجانب العقائدي وحسب، بل نحن على ثقة بأن الأطراف الرئيسية الدولية الداعمة للنظام السوري اليوم وخاصة روسيا سوف تصل الى نقطة لا يمكن معها الاستمرار في الدعم والاسناد، عندما تدرك، وستدرك قريبا بأن اعادة تأهيل نظام البعث السوري مهمة مستحيلة! فالتاريخ من الممكن أن يكرر نفسه اذا ما توفرت الشروط الذاتية والموضوعية للحدث، لكن عودة الزمن الى الوراء أمراً يتنافى مع السنن الكونية في هذه الحياة.. وهو ما نأمل أن يدركه الدكتور بشار الأسد نفسه، من أن وجوده في السلطة اليوم من الممكن توظيفه توظيفا ايجابيا في التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي حقيقي، بل والحث على التأسيس المماثل في المنطقة للإنطلاق نحو فضاء الحرية، بهذه الشعوب التي أصبحت أفرادها آلات لصناعة الموت وصهاريج جوالة معبئة بالكراهية والحقد الدفين على الآخر، ومن الممكن، لذات الوجود الذي يتمتع به الدكتور الأسد اليوم أن يكون تذكرة قد حجزها لنفسه بنفسه نحو مربع الهلاك الأكيد. فلا يختلف اثنان على أن بقاء الحال من المُحال.

فلابد من التأكيد على، والالتفات الى، ان هذه الحرب الدولية على الارهاب تبرز بوضوح، بأن العالم يعيش عصراً لا يمكن فيه الفصل بين المصالح والأساس القيمي الذي يجب أن تقوم عليه العلاقات والتوجهات الدولية مع والى بعضها البعض، وأن تجاهل مثل هذا الأمر هو من أوصل العالم اليوم الى هذه النقطة الحرجة. نعم للمصالح أهمية ألا أن أهميتها ناشئة من انسجامها مع القيم الانسانية المشتركة، وإلا فقد تعود المصلحة أو الثراء المادي بالنفع على أطراف محدودة ولزمن محدود، أما الثراء القيمي فيعود بالنفع على جميع من تأثر به على امتداد الأمكنة والعصور، والأهم على الاطلاق أن الخواء القيمي يشكل تهديدا لجميع ما يدركه من شعوب ودول ومصالح وقيم على حدّ سواء، وكما هو الحال الذي تجابهه البشرية اليوم نتيجة الترجيح المزمن للمصالح على القيم وإستثناء أطراف بعينها من التطبيقات القيمية السياسية أو الانسانية، سواءً ءأ كان الأمر متعلقاً بواجباتها تجاه شعوبها او الأخرى الضاربة عرض الجدار بأي التزام لها مع العالم، وهو الأمر الذي إن إستمّر كما هو عليه فمن المستبعد جدا لأي جهد دولي من هذا النوع أن يكون مُثمرا، فالتعامل مع النتائج دون معالجة حقيقية للأسباب هو العبث بعينه، ومع هذا التوقيت الحرج بالذات، يمكن الجزم بأن القوى الرئيسية في العالم لم تكن موفقة اطلاقا في تقدير حجم الخطر المحدق.. تقديم المصالح على القيم الانسانية والسياسية في العلاقات الدولية، وما ينتج عنه من ازدواجية للمعايير في التعاملات الدولية لن يسهم الاّ في اضعاف سلطة القانون الدولي التي أصبحت وبفعل التطور التقني والمعلوماتي أكثر ارتباطا وأشد تأثرا وتأثيرا بسلطة القانون الوطني والقومي في أي دولة من دول العالم.

وهو ما يفترض أن تأخذه الاستراتيجية الدولية بنظر الاعتبار.. فالمسؤوليته الإنسانية والاخلاقية تجاه هذه الكوكب الصغير الذي تضاءل حجمه وتدانت أطرافه بفعل ما أنجزه العقل البشري من وسائل التواصل وتقنيات الأتصال، تفرض على صُناع القرار توقع ومجابهة التحديات التي تفرزها الثورة المعلوماتية من تحولات سريعة لشرائح كبرى في اتجاه سلبي مغاير من شاكلة التنظيم الداعشي الذي اكتسب العالمية بين ليلة وضحاها، طارحا نفسه النموذج السياسي الأكمل ورافعا لشعار (جئناكم بالسيف) .. وقد فعلت الإدارة الأمريكية ما هو صائب في التأكيد على ان الرد سيكون استراتيجيا وشاملا لما يعكس من إدراك عميق وتقدير دقيق لخطورة الموقف. فما يمكن أن ينجزه العالم الحر بما يمتلك من قوة لمكافحة الإرهاب اليوم، ستقف نفس هذه القوة مكتوفة اليدين غداً حينما يقف الارهاب على قدميه وتتراوح الخيارات بين المساومة والتنازلات المفتوحة، بل ايذان بفقدان القانون الدولي لسلطته و القوة الدولية لشرعيتها عندما لا تتدخل ضد الأطراف التي تستخدم القوة لإخضاع الشعوب حول العالم، وتكون بذلك، قد فقدت قدرتها على صناعة السلام أيضا.!

إذن هي حرب من أجل السلام، فصحيح ان الحرب ليست الخيار الطبيعي للحياة، لكنها أيضا خيارا استثنائيا مشروعاً وضروريا حينما تكون الحرب ليست من أجل الحرب بل طريقاً أساسيا لصناعة السلام في العالم،  وإزاء هذا الحال سوف تدرك بعض القوى الدولية مستقبلاً، والمترددة اليوم في اتخاذ قرار الالتحاق والتفاعل الجدي مع هذا الجُهد الدولي بأنها لن تكون في مأمن من تداعيات فشل أي جهد دولي من هذا النوع في مرحلة حساسة كالتي نحن بصددها اليوم، ولم تكن موفقة في استيعاب حجم المخاطر والتحديات التي تواجه الأمن العالمي ومستقبل الشعوب على أكثر من صعيد وصعيد.

وفي ذات الوقت فالأطراف الدولية التي انطلقت لخوض المعركة مع الارهاب، أن تكون أكثر إدراكاً لطبيعة وحجم المعركة مع الارهاب التي لا يمكن أن يُستهان بها عبر افتراض سهولة انجاز فصولها أو تصور قِصر ما تستغرقه من زمن، أو الإعتقاد بوجود فائض قوة لدى أركان التحالف الحالي يُغني عن التحرك نحو الأطراف الدولية الممكن لها أن تلعب دورا ايجابيا في هذه الحرب.. ليس من المنطقي افتراض ذلك اطلاقا، وخاصة من يدرك بوضوح تشابك المواقف والأدوار في المنطقة، وازدواجية التعاطي المحتملة من اطراف غير متوقعة، فضلا عن طبيعة المهمة التي تقتضي أصلا، اشراك أطرافا، لدى مكونات المجتمع الدولي الكثير من الأدلة التي تشير أو تجزم  بتورطها أو تخادمها الرسمي مع التنظيمات الارهابية.

أن (غياب) التوازن الحقيقي بين المصالح والقيم (إزدواجية المعايير) في العلاقات الدولية، وما نتج عنه من (تغييب) للمُثل السياسية العليا عن المنطقة هما العاملان الأساسيّان في نمو الارهاب وإزدهار صناعته حول العالم. وأن المتضرر الأكبر من استمرار الغياب والتغييب فيما بعد هُما شعوب المنطقة والدول المتحضرة حصرا، لذلك كان من الممكن للتجربة العراقية أن تُعد إنجازا حضارياً أمريكياً عظيماً، وإسهاماً خلاّقاً في إرساء المُثل السياسية في الشرق الأوسط وتدعيم الأمن والإقتصاد العالميين فيما لو يتخادم استقتالا على افشالها كلا الطرفان المستفيدان من الغياب والتغييب. إذن هو العراق وترميم التجربة انطلاقا من أن (الفرد مصدر التنوع ) بعد أن فشل حُكم المكونات الاّ في اثراء طبقة النبلاء وتأصيل العمالة وإساءة توظيف الولاء.. فإن انشغال أمم الطوق العراقي الثلاث (العرب والفرس والترك) بالإستقطاب الطائفي والتدافع للإستيلاء على العراق والانطلاق منه نحو منصة النفوذ، وأمة رابعة تغذي الاستقطاب والتدافع لمزيد من الحضوة الدولية والتبييض لسجلاتها السوداء وتكريسا (للغياب والتغييب) والعبث في المنطقة وأملا بالإستيلاء على العراق أيضاً بعد انهاك هذه الأمم تحقيقا لنبوءة (من ثم الى)، ولكل أمة من هذه الأمم نبوءة دينية خاصة بها للإستيلاء على العالم انطلاقا من العراق.. فكان الارهاب وابتدأت المعركة، الفشل سيكون مُكلفاُ جداً ولا نريد الغوص به ولا يجب أن يكون احتمالاً، والتراجع يعني تقديم العالم الحر للمنجز الحضاري الانساني قربانا للإرهاب، وبالتالي الغوص بالإنسانية نحو الركود البيزنطي.. أما النجاح وهو ما نَصُرُّ عليه فله شروط منها، ماهو في طيات ما أسلفنا، وأهمها المقدمّات الصحيحة، ودون أدنى شك،  أن البداية الصحيحة في طريق الاصلاح الشامل الذي نرجوه من وراء هذه الحرب الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تكون من ترميم الأوضاع في العراق ، ومن يروم تحقيق المصلحة العامة للجنس البشري لا يحتاج أذناً من أحد.. وليس شعاراً بل هي الحقيقة: العراق ليس ملكاًَ لقومِ ولا لأمة على الاطلاق، ويقيناً سيخسر من يقول بغير ذلك بل يكذب من يدّعيه، فلم يكن ملكاً لأحد عدا ما أوهم البلهاء به أنفسهم، بل العراق هو كل الأقوام وكل الأمم وهو منصّة البشرية جمعاء للانطلاق نحو ضفاف الخير والسلام.. نعم، كان العراق وما زال وسيبقى كذلك.. وهو ما يجعلنا على يقين من كونه البداية الصحيحة المرشدة للإتجاه الصحيح.

الدواعش المرافقين لأردوغان يعتدون بالضرب على موظّف الأمم المتحدة :-
http://www.youtube.com/watch?v=QhOet76t3QQ


8
الذراع العثماني الضارب وخطر ابادة الكرد في سوريا

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

 هناك الكثير من المؤشرات الدالة على أن أوراق التوت سوف تتساقط تباعاً عن عورة الكثير من الأطراف في المنطقة سواءً أولئك المعتاشون على الأزمات وخلط الأوراق في انتزاعهم للمواقف الدولية الداعمة أو هؤلاء المتعكزون على الشعارات والمبادئ المفرّغة من مضامينها لتجريد شعوبهم من حقها في الديمقراطية والحياة الحرة الكريمة.. وكما يقال، رُبّ ضارة نافعة، فرغم ما حملته (داعش) من قباحة و نتن وفساد وإفساد، لكن، على أنقاضها يولد الأمل. فما داعش الاّ الوجه الأقبح في المنطقة الذي تشكلت ملامحه الهجينة نتيجة تلاقح أفعال أولئك وهؤلاء.

وليس استباقاً للأحداث أو إطلاقا للأحكام الجاهزة أو تبرئة لأطراف دون أخرى، ألا أن واقع الحال ومسار الأحداث ينطق صارخاً في تأكيد التواطئ التركي مع تنظيم داعش الارهابي وخاصة في عملية مجابهة داعش لأكراد سوريا وإعاقة وصول الناجين منهم الى أماكن آمنة بعد الهجمات العدوانية الشرسة التي شنها التنظيم الارهابي على القرى والأحياء السكنية في كوباني، بل والضغط على حلفائها من بقية الكرد في النأي بأنفسهم عن الصراع الدائر بين داعش وأكراد سوريا.. وإذا ما أدركنا بأن العامل الطائفي الذي تنطلق منه السياسة التركية في تحديد كيفية التعاطي مع أكراد سوريا، بالإضافة للعامل القومي الذي يشكل صداعا مزمنا للساسة الأتراك خاصة وأن القيادات السياسية لهذه الأحزاب الكردية التي تستهدفها داعش اليوم  لم تكن قد وصلت الى ما هي عليه عبر الوراثة لتطمح بإيصال سلالتها فيما بعد الى ذات الموقع وهو ما يجعلها بلا شك، في منأى عن الانخراط في مسلسل التنازلات المفتوحة التي تريدها تركيا من الآخر، هذه العوامل وغيرها تجعل من غير المستبعد أن يكون التواطئ التركي مع داعش ازاء اكراد سوريا مُتفقا عليه كشرط مسبق ضمن اطار عملية اطلاق سراح الرهائن الأتراك مؤخرا، والتي لم تفصح القيادة التركية عن تفاصيلها سوى نفيها المطلق عن ان تكون قد رضخت نتيجة ذلك لإبتزاز مادي أو ما شاكل..! إذن، ماذا كان البديل؟.

أن ذلك أقصى ما يمكن أن نتوقعه في هذا الشأن ازاء هذا "السلوك التركي الغامض" (حسب وصف الإندبندنت) .. والعابث في نفس الوقت في مشاعر أسر الضحايا الذين لقوا حتفهم على يد مجرمي داعش، ونقول ذلك تحاشيا لإستباق الأحداث وإلا فإن رؤيتنا في موضوع الرهائن قد أشرنا لها في مقالات سابقة عن أنها لا تتعدى عن كونها مسرحية سمجة لإستغفال مكونات المجتمع الدولي، وها نحن نرى بأن تطور الأحداث جعل من أردوغان ونهجه السياسي الامبراطوري رهينة حقيقية بيد داعش اليوم.. وإن حاول إبداء العكس إعلامياً فقط.

ليس ككل مرّة، فقد ذهبت داعش في ندائها الأخير بعيدا متجاوزة كل الحدود في شرعنتها قتل المدنيين من جميع الدول المتحالفة وفي أي مكان وبأية طريقة من إطلاق الرصاص حتى دسّ السُم للمدنيين العزّل .. وتلك هي أدنى مستويات الانحطاط الاخلاقي والسقوط القيمي، ولا يمكن ازاء هذا الحال استمرار تركيا في هذا النهج الغامض المُربك للجهود الدولية الموجهة لإيقاف الزحف الشرّير وإنهاء وجود الشر المطلق المتمثل في داعش.. فإن استمرار اغلاق الحدود بوجه اللاجئين الكرد من النساء والأطفال والشيوخ واستقبالهم من قبل القوات الأمنية التركية بالقنابل المسّيلة للدموع وخراطيم المياه لا يعني سوى ان داعش تُمثل الذراع العثماني الضارب لمشروع امبراطورية "تركيا الجديدة" الذي وعد به اردوغان شعوب المنطقة.. وما يؤكد مثل هذا التصور، أن الصحيفة التي أصدرها تنظيم داعش، تحمل اسم (دابق) وهو ذات الاسم الذي قرر التنظيم الارهابي اطلاقه على (الفضائية) المراد اطلاقها لتكون ناطقة بإسم «دولة الخلافة» المزعومة، نظرا لما يحمله هذا الاسم (دابق) من رمزية تاريخية كبرى، فهو اسم المعركة التي انتصر فيها العثمانيون ومهّدت لإحتلالهم العراق وبلاد الشام لأكثر من أربعة قرون، فضلا عن كونها (دابق) منطلقاً لـ(الجيوش الإسلامية) لقتال الروم والسيطرة على العالم. 

والحال كذلك، فإن الوقوف في صفوف المتفرجين تجاه معاناة الشعب السوري وسكان مدينة «كوباني» أو المدن الأخرى فيما لو تعرضت لذات الحال، لا يعكس الفاعلية والتخطيط المسبق المفترض ان يكون عليه التحالف الدولي، فهي تداعيات ينبغي أن تكون محسوبة، سواء استخدام الغاز الكيمياوي (غاز الكلور) ضد الجيش العراقي من قبل داعش في الفلوجة أو إحتمال ارتكاب تنظيم داعش لجريمة ابادة جماعية للكرد في مدينة  «كوباني»  أو مناطق أخرى بالتعاون مع أطراف مؤيدة لها.. وفي هذا الخصوص نضم أصواتنا الى أي صوت شريف في دعوة دول الجوار وحكومة العراق خصوصا لتقديم ما يمكنها من مساعدات انسانية للشعب السوري وأكراد سوريا خصوصا العالقون منهم بين ارهاب داعش ورحمة المعابر التركية.  فإن داعش قد بدأت تشعر اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بجدية التوجه الدولي الذي الذي يحمل معه بداية نهايتها وزوال أثرها من المنطقة والعالم، مهما طال أمد المعركة، لذلك تحاول جاهدة إرباك الجهد الدولي بأي طريقة ممكنة، ومن مصلحة العراق في أن يكون أول الفاعلين في امتصاص زخم أزمات انسانية من هذا النوع، ودعوة المنظمات الانسانية لتكون مستعدة لذلك، لكي لا تكون مثل هذه الأزمات سببا في اطالة عمر الدواعش.

فيديو عناصر داعش تتجول علنا في اسطنبول
https://www.youtube.com/watch?v=3f5-TM-67Gg
.

9
قراءة في التصريحات الأمريكية الأخيرة حول المعركة مع الارهاب

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

في حقيقة الأمر تكاد تكون الخطوات والتصريحات الأمريكية وخاصة المتعلقة بالبيت الأبيض والخارجية الأمريكية، أكثر من مطمئنة ومعبّرة عن سلامة المنهج المتّبّع لمحاربة الارهاب في المنطقة، ويأتي تأكيد الرئيس الأمريكي الأخير حول عدم التدخل البري لينهى التكهّنات التي أثارها رئيس أركان الجيش، الجنرال مارتن ديمبسي، حين قال في جلسة استماع لمجلس الشيوخ أن المعارك المستقبلية في العراق قد تتطلب وجود قوات أميركية على الأرض.. ويعيدنا تأكيد السيد أوباما الى تصريح السيدة سوزان رايس وهو الأهم في هذا المضمار حين أكدّت على أن الأنجاز المتوقع من الولايات المتحدة تحقيقه يعتمد وبشكل اساسي على وجود شركاء فاعلين على الأرض.

ولا شك بأن المعني بالشراكة الفاعلة هنا جميع القوى المؤثرة في المنطقة ممن لها القدرة على الاسهام الايجابي في الحرب على الارهاب وكُل من موقعه في التوظيف الايجابي لما يتمتع به من نفوذ سياسي هنا وهناك وضبط ايقاع التصريحات الرسمية وحركة الاعلام الحكومي في المنطقة بما يخدم التوجه الدولي الأخير دون محاولة من هذا الطرف أو ذاك تسخير هذا الجهد لأهدافه ومطامحه الخاصة..  وبالدرجة الأولى فإن المعنيين بالشراكة الفاعلة في هذه المرحلة بالذات، هم الأطراف الرسمية المباشرة في ساحات المواجهة مع داعش، ذات التأثير الكبير في تعبيد طريق المواجهة واستنفار عوامل القوة على الأرض لكي تلعب أدوارا مكملة مع الجهد الدولي الذي اتخذ على عاتقه توفير الاسناد الجوي اللازم للتحركات القتالية الميدانية فضلا عن الدعم على الصُعد الأخرى فيما بعد والذي تتطلبّه الحرب الشاملة على الارهاب من ارتقاء بدرجة الوعي المجتمعي ومحاصرة الحواضن عبر مشاريع أخرى قد تكتسب طابعاً ينأى بها عن أن تكون متضمنة للجانب القتالي، بقدر اتخاذها أشكالا وأنماطاً أخرى تحد من احتضان المنطقة لهذه التنظيمات المتطرفة ذات الفكر التكفيري والسلوك اللا إنساني الأهوج.

وقد سبق تصريح السيدة رايس، تصريحاُ أدلى به وزير الخارجية الأمريكية السيد كيري في (10 أيلول 2014)، قال فيه .." أن العراق لم يطلب قوات أميركية أو قوات أخرى على الأرض ولا يريد هذه القوات، وأن الرئيس الأميركي باراك أوباما وقادة الدول الأخرى تخلصوا من فكرة انخراط قواتهم في قتال مباشر".. وبذلك يكون قد أعطى صورة واضحة عن طبيعة الحراك المستقبلي، وأجابة مبكرة عن حدود الأدوار الاقليمية التي من الممكن أن تلعبها دول المنطقة، في نظرة واقعية للأمور لم يشأ من خلالها تعطيل الأدوار المهمة التي من الممكن أن تؤديها الاطراف الأساسية ذات الشأن المباشر في ساحات المجابهة عند إيلاء مهمة المجابهة مع الارهاب لأطراف ثانوية لن يخلو استعدادها للانخراط في هذا الاتجاه من دوافع طائفية كان الجزء الأكبر من تلك الدوافع الأساس الفكري الذي تعكزت عليه لسنين طوال التنظيمات الارهابية نفسها التي تُعد الهدف الرئيسي في المواجهة.

 بالإضافة الى ذلك أيضاً، فقد كانت السياسة الخارجية الأمريكية أكثر وضوحا في مؤتمر باريس وفي تنويه السيد كيري وبشكل لا مغالطة فيه، على أن الجهد الدولي أكبر بكثير من مسألة الانجرار أو التوظيف لمصلحة محور ما، في المنطقة، على حساب مصلحة محور آخر، بقدر التأكيد على ان الارهاب يشكل تهديدا لجميع دول المنطقة وان استهداف الجزء المحسوب على محور ما، هو بالنتيجة مُلزم للبقية في الكف عن توفير الذرائع التي يتمكّن من خلالها منظروا الفكر السلفي (الجهادي) من استنهاض قوى ارهابية اخرى للعبث بأمن المنطقة والعالم.. وقد اتضح ذلك في رفض السيد وزير الخارجية، الزج بالسياسة الأمريكية الى مرحلة من الشد والجذب مع إيران، حين قال للصحفيين في مقر إقامة السفير الأميركي في باريس .. « لن أخوض في الشد والجذب. لا أريد أن أفعل ذلك، بصراحة لا أعتقد أنه أمر بنّاء » ..  وهو بالفعل ليس بالأمر البنّاء الخوض في أمور هي من أبجديات السياسة الخارجية للدول، وفي ذات الوقت الذي يعكس فيه التصريح، حقيقة عدم الاستغناء عن أي دور ايجابي من الممكن ان يقدمه أي طرف من الأطرف، ألا أن ما يعكسه بوضوح أيضا، هو أن الأمر ليس استغناءً، بالقدر الذي  يبدو فيه أكثر تعلّقاً بالمفاضلة ما بين الدور الأساسي الذي من الممكن أن تقدمه الأهالي في المناطق التي يتواجد بها التنظيم الارهابي المستهدف والذي يحتل الأولوية في هذه المرحلة بالمقارنة مع التعطيل الممكن ان يصاب به هذا الدور في حال اشراك أطراف لا تُعد (محايدة) في نظر العنصر الشعبي الاساسي المراد استقطابه واستثمار جهده في المعركة ضد الارهاب، وهو مالا يختلف عليه اثنان في المرحلة الأولى.. بل وما ينطبق هو الآخر على مكونات عراقية أخرى لا تتفق تماما مع اناطة دور عسكري لأطراف عربية على الأرض في مناطق المجابهة مع داعش.

في كل الأحوال، أن السياسة الخارجية الأمريكية تسعى جاهدة اليوم، الى عدم الافراط الذي قد يتسبب في اثارة الشكوك والمخاوف لدى الأطراف الرسمية في المنطقة، وعدم التفريط أيضاً بما يمكن أن يمنح التنظيمات الارهابية وعلى رأسها (داعش) الأمل بالحياة والقدرة على المزيد من التعبئة لأهدافها الخطيرة.. وهو ما ينبغي على الأطراف الجادة في المنطقة انتهاج ذات الفعل أيضاً، ففي معركة دولية من هذا النوع ضد خطر شامل يستهدف الأمن العالمي، أن لا يَبني الشركاء سياساتهم على أساس ما يمكن أن تدر عليهم هذه المعركة من مكاسب سياسية أو ما يمكن ان تحققه لهم من نمو في النفوذ الاقليمي هنا او هناك على حساب طرف اقليمي آخر، خاصة أولئك الذين يُفترض بأن تشكّل لديهم الحرب على الارهاب مبدأً وقيمةً اخلاقية وانسانية تستدعي الدعم والمساندة، فكما هو ليس بخاف على أحد، أن أقل ما يمكن أن تدر هذه الحرب على الجميع من ثمار، هو أن تكون الأجيال الانسانية في مأمن من خطر مؤكد يتهدد حاضرهم ومستقبلهم. خاصة وأن من غير المستبعد، إن تُرك لهذا الشر المطلق المزيد من حرية حركة الاستثمار في تجارة الخراب والعبث، من أن ينال بالنتيجة خطره الجميع، وأن ينتشر ما بين ليلة وضحاها كأنتشار النار في الهشيم في كل الاتجاهات ليحط الرحال في أي مدينة يُريد من مدن العالم... فما ينبغي أن يدركه الجميع، إن تصدّي الولايات المتحدة لا يعني بأنها وحدها المستهدفة وحسب، بل يكاد ينطبق على حراكها الوصف حتى اللحظة و اذا ما خلُصت النوايا بأنها و(دون مبالغة) تتحرك في هذا الاتجاه بالنيابة عن ضمير العالم، ومن يرى العكس من ذلك، فهو حُر، ولا نملك سوى تذكيره بأن الحقيقة ليست حُكرا على فصيلِ من البشر دون سواهُم، وليست مُلكاً لأحد.!

10
الجعفري والدبلوماسية العراقية، النجاح هو الخيار الأوحد
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

يعود بنا الظرف الحالي الى ما سبق وأن حظى به الشعب العراقي من دعم دولي (أمريكي تحديداً) قبل عقد من الزمن، عندما آلت الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها في 2003 ، الإستجابة لتطلعات العراقيين في الخلاص من نظام صدام الدكتاتوري الذي  بلغت به البشاعة الى الحد الذي شرعن فيه قطع صيوانات الاُذن وأطراف الألسن ومضى به الاستهتار الى درجة المروق عن القوانين والأعراف الدولية والعبث بأمن المنطقة والعالم.. وكما شهد العراق مسبقا، كذلك هو الحال اليوم، حيال تنظيم داعش الذي لا يتقن سوى مهنة قطع الرقاب وإدارة أسواق الجواري والإماء..  فالادارة الأمريكية التي نأت بنفسها قليلا عن الشأن العراقي تعود بقوة اليوم، بل تبدو أكثر تفهمّاً لحقيقة ما يمر به العراق وأعمق إدراكاً لما يُمكن أن يُنتجه الانكفاء عن المنطقة من تداعيات على الأمن الإقليمي والعالمي.. والحقيقة أن ما يُعنى بهذا التوجه الراهن وما ينبغي أن يعني لنا كذلك، ليس بأقل من كونه بداية مرحلة أولى من استراتيجية شاملة ينبغي الاستثمار بها من قبل الطرفين على جميع الصُعد ذات الاهتمام المشترك، ومما لا جدال فيه هو ان العراق خاصة وعلى الجانب الأمني، والإقتصادي أيضاً، هو أحوج من أي وقت مضى لجهد دولي استراتيجي مُساند يضع حدّا لنزيف الدم والمال العراقي ويكبح جماح التدخلات الاقليمية السلبية في الشأن العراقي في الحد من توريد الإرهاب والإسهام  في تحريك عجلة الاقتصاد بما يمكن له النهوض بالقطاعات الأخرى الصناعية والزراعية الى جانب القطاع النفطي لإنتشال العراق من الواقع الاستهلاكي البائس الذي كرّسته دول الجوار ودول آسيوية أخرى بذلت وما زالت تبذل قصارى جهدها لتعطيل القطاعات الانتاجية الصناعية عبر استخدام نفوذها لمنع سن القوانين الفاعلة في هذا الاطار وتكريس العوامل الكفيلة بجعل كلفة الانتاج الوطني أعلى من المستورد، ومن جانب آخر تبني سياسات انهاك القطاع الزراعي عبر التلاعب والعبث بالمصالح المائية رغبة منها في الاحتفاظ بالعراق سوقاً إستهلاكية مفتوحة للسلع البائرة ومكبّا للنفايات والبضائع التي يكاد أن ينتهي مفعولها أو هي بالأصل منتهية المفعول، كجزء من الفاتورة التي ينبغي على العراق دفعها نتيجة التطبيقات الديمقراطية والنظام السياسي في العراق الجديد.


وتبرز في سياق التوجه الدولي الجديد، الأهمية القصوى لما يُمكن أن ينجزه العراق في هذا الصدد لتطوير وإدامة الفعل الخارجي الايجابي والتقليل مما هو سلبي منه، عن طريق ميدان العمل الدبلوماسي وبما ينطوي عليه هذا الميدان من مجالات تتجاوز التمثيل السياسي البروتوكولي والتفاوض والخدمات القنصلية الى ماهو أبعد من ذلك ليشتمل أيضاً على المجالات الاقتصادية والتقنية والثقافية والأمنية، والإجتماعية. وكنت قد أشرت في االمقال السابق الى الإخفاقات التي رافقت أداء الدبلوماسية العراقية على مدى عقد من الزمن، فضلاً عما إنتهى اليه الحال مؤخرا من تراجع كبير في مستوى التفاعل الدولي مع الشأن العراقي. وهو أمر متوقع الحدوث مع القصور الواضح في السياسة الخارجية للعراق نتيجة ضعف الديبلوماسية التي تعد الأداة الأساسية لتنفيذ السياسة الموجهة نحو الخارج.. فبالإضافة الى غياب النهج الواضح والاستراتيجية البناءة للديبلوماسية العراقية، لعبت الاختلالات الوظيفية دورا سلبيا أيضاً. ومما هو لم يعد خافيا، وخاصة على عراقيي الخارج، أن المياديين الديبلوماسية العراقية كانت قد أصبحت ملاذا لأبناء المسؤولين وأقاربهم، وأوكارا للبطالة المقنعة، وأبواباً مفتوحة للإنفاق والصرف المقنن.. ودون أدنى شك، كان من الطبيعي أن يؤثر ذلك سلبا على السياسة الخارجية للعراق، وأن يذهب بالأمور بعيداُ عن أولوياتها في تحقيق التعاون الدولي المنشود، بل وعدم انصاف العراق في المحافل الدولية أيضا، كما اتضح ذلك في القرار الأممي 2170 الذي تبناه مجلس الأمن الدولي بموجب الفصل السابع ضد (داعش) والذي تضمن إدراج أسماء ستة قياديين إسلاميين متطرفين، من الكويت والسعودية ودول أخرى جميعهم من الناشطين على الساحة السورية فقط، في حين لم يتطرق القرار الى أي من قادة الارهاب الداعشي في العراق رغم أن جرائم دواعش البعث الصدّامي في العراق أذهلت شعوب العالم في قسوة الفعل وحفلات الاعدام الجماعية!.. وبما ترك السؤال الجماهيري دون اجابة : هل كانت الدبلوماسية العراقية وممثلو العراق في الأمم المتحدة نيام أم متواطئون أم هُم هناك للسياحة؟.

بالإضافة الى ما سبق، فهناك جانب من جوانب السياسة الخارجية والمتعلّق بدبلوماسية المسار الأول، الخاص برئاسة مجلس الوزراء، في مرحلة ما  لم يكن الأداء في هذا المجال فاعلا بما فيه الكفاية، سواءاً في عدم اتخاذ القرار بوضع حدّ  لتدنّي الأداء الدبلوماسي أو فيما اتخذت فيه من قرارات تسببت هي الآخرى في خلق فجوة في علاقات العراق الدولية، (مع الجانب الأمريكي خاصة) ويعود ذلك (كما أسلفت في المقال السابق/ المالكي، القدرات القيادية والإستهداف المضاد) الى طبيعة الظروف المحيطة بصانع القرار وقيود نظام المحاصصة البغيضة التي كبّلت القرار العراقي.

أما اليوم، و مع اسناد مهام وزارة الخارجية العراقية الى د. ابراهيم الجعفري، بالتزامن مع التوجه الدولي الجديد والاصرار المُعلن من قبل الولايات المتحدة على تشكيل ائتلاف دولي لمواجهة الارهاب الداعشي في العراق والمنطقة، واستعدادها الكبير لإعادة بناء المؤسسة العسكرية للدولة العراقية بطرق مهنية سليمة.. أي: مع هذه المستجدات على الساحة الدولية ووجود رئيس التحالف الوطني (الكتلة السياسية الأكبر) السيد الجعفري على رأس الدبلوماسية العراقية أصبح من الضروري الآن وأكثر من أي وقت مضى بناء استرتيجية دبلوماسية تتضمن نهجاً فعّالاً أكثر ادراكاً لمستوى المخاطر المحتملة وحجم التحديات الممكنة، وينأى (هذا النهج) بالعراق بعيدا عن سياسة المحاور الاقليمية المتضادة، ويسعى الى ضخ دماء جديدة في ميدان العمل الدبلوماسي العراقي الى جانب الإرتقاء في أداء الموظفين في ملحقيات السفارات والقنصليات العراقية ليكونوا أكثر قدرة على التواصل والتفاعل مع المؤسسات داخل الوطن والمعنية بالشأن الذي تختص به الملحقية في الرعاية والتطوير.

ومما لا يمكن إغفاله في هذا الصدد، هو أن الوسائل الثقافية من الأدوات المهمة لتنفيذ السياسة الخارجية والتواصل مع الشعوب، الأمر الذي يستدعي توثيق الصلة بالعراقيين في المهجر، فقد تسببا كل من النظام الصداّمي الدكتاتوري مسبقاً، والإرهاب فيما بعد، الذي يشكل والى حد كبير امتدادا لذلك النظام المباد في هجرة العقول العراقية ورأس المال العراقي وصفوة المبدعين في مختلف العلوم والفنون والأدب، الأمر الذي يستلزم الالتفات الحقيقي لهذا الجانب في السياسة الخارجية والدبلوماسية المراد لها ان تكون في عهد الجعفري والحكومة الجديدة في العراق. فضلاً عن ذلك وكما هو متفق عليه أن في اطار بناء العلاقات التعاونية والدبلوماسية بين الدول تعد (جماعات الضغط) من أهم الأدوات المؤثرة في السياسة الخارجية، الاّ أننا وطوال الفترة المنصرمة، (الاّ ما ندر) لم نلمس أو نسمع عن تبني وزارة الخارجية لبرنامج عمل يصب في هذا الاتجاه.

أن التوجه العالمي الجديد في محاربة الارهاب، والإصرار الأمريكي على النظر الى التحول الديمقراطي كأحد أهم وسائل مكافحة الارهاب والمتجسد فيما تبديه الادارة الأمريكية اليوم من حرص أكيد على حماية ورعاية النظام السياسي الديمقراطي في العراق والذي تأكد استهدافه من القوى الارهابية في المنطقة وعلى رأسها تلك المسماة (داعش) والتي تريد ان تقيم على أنقاض هذا النظام، نظام لصناعة الموت ودولة لإنتاج الخوف لن يكون العالم بمأمن من شرورها فيما لو تباطئ عن اجهاض مخططاتها في المهد.. أي : إزاء هذا الأمر، العراق مطالب هو الآخر بالتعاون المفتوح  مع الجهد الدولي والشروع من جانبه في اصلاح شامل عبر خطوات منهجية مدروسة للعديد من الجوانب والقطاعات. ومثلما يرى الكثيرون ونحن منهم بأن المؤسسة العسكرية في العراق بحاجة الى اعادة بناء وتجهيز وتسليح  يتطلب الاستعانة بالخبرات الدولية والدول الكبرى المؤهلة في هذا الجانب خاصة عندما تكون اعادة الهيكلة للجيش العراقي مقترنة بالتخلي وبشكل نهائي عن تجزئة الملف الأمني مناطقيا الذي حاول البعض الترويج له والذي يحمل من المخاطر مالا يسعنا اختزاله في سطور، فنحن كما نرى أهمية ما سبق، نرى كذلك، بأن للديبلوماسية العراقية أثر كبير في تعبيد الطريق وتنسيق الجهود والمواقف وتقريب وجهات النظر بين مكونات المجتمع الدولي وهو ما يتطلّب أن تكون وزارة الخارجية العراقية بمستوى الموقف وأن تؤرخ هي الأخرى عبر تكامل الحراك مع الحكومة العراقية وتناسق الخطى مع الجهد الدولي لمرحلة تاريخية مهمة تمثل استراتيجية دولية جديدة تطلق لنفسها العنان ايذانا بالحرب الشاملة على الإرهاب.. ومما تُحتم الضرورة الاشارة له هو أن يكون الحراك العراقي الرسمي وغير الرسمي والدبلوماسي منه خاصة متحررا بالكامل من المخاوف والشكوك في التناغم والتناسق مع الحراك الدولي، (المخاوف والشكوك) التي قد تثيرها بعض الأطراف الاقليمية أو يدفع اليها الغموض الذي يرافق بعض الخطوات الدولية في المراحل الأولى من الاستراتيجية والتي لا تستوجبها الضرورة وحسب بل هي ضرورة في حد ذاتها.. ونحن على ثقة بأن العِبرة التاريخية تقتضي من الساسة المعنيين في بناء الدولة العراقية عدم التسبب في خسارة فرصة تاريخية أخرى يحظى بها العراق، سواءً في التخلّف أو حتى ((الإستباق)) .. فالإستباق أيضا لايقل خطورة عن التخلّف، وهي وسيلة أخرى لتفويت الفرصة على العراق، والتاريخ كما يعلم الجميع لا يرحم ، وليس مبررا أبدا، ولا شفيعاً بالمطُللق، أمام الأجيال القادمة القول..(( نستميحكم العذر فـ "المرء عدو ما يجهل")).

مقالات ذو صلة :
جمهورية (الدواعش) وسُلّم الصعود الى الهاوية
http://www.kurdistanpost.com/view.asp?id=ae82e1fb


11
المالكي: القدرات القيادية وشراسة الاستهداف المضاد
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

العراق والرسائل الدموية التي مضى على تدفقها المستمر ما يزيد على عقد من الزمن، الواضحة الاصرار على عدم الاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي في البلاد، لا تدع مجالاً للشك حول حقيقة ان الوضع الذي كان وما يزال عليه العراق هو وضع استثنائي بإمتياز، وإزاء حال كهذا، فمن الطبيعي أن تقترن فاعلية الإجراءات والمعالجات وجدواها بمدى تناسبها مع طبيعة المرحلة وظروفها الاستثنائية. ومن هذا المنطلق عمدت القوات الأمريكية في العراق ما بعد التغيير 2003 ولحين انسحابها نهاية عام 2011، الى مساندة الحكومات العراقية المتعاقبة في تنفيذ الاجراءات الأمنية والعسكرية الهادفة لتحرير المناطق والمدن التي سيطر عليها الإرهابيون والخارجون عن القانون أو في مداهمة أوكار التطرف وحواضن الارهاب. وفيما بعد، أي السنتين الأخيرتين تحديدا، فإن الحاجة أكبر لاعتماد النهج الاستثنائي من قبل حكومة المالكي في أية مواحهة جرت مع الارهاب، وأكثر شرعية من أي وقت مضى، خاصة مع الفراغ الذي نجم عن الانسحاب الكلي للقوات الأمريكية في العراق.

وفي حال التسليم بإستثنائية الوضع في أي مكان وليس في العراق وحسب، فليس من المنصف حينها اعتماد النظريات الجاهزة عند تقييم الاداء المرحلي للحكومة، بل يتطلب ذلك نهجاً يتسع لتناول تفاصيل الواقع دون اجحاف، وبما يعني رسم صورة الواقع العراقي الذي تولىّ فيها السيد المالكي الحُكم والإحاطة بأكبر قدر ممكن من الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية لتلك الصورة، ودلالات وآثار تلكم الأبعاد وما نتج عنها من صراعات والقوى المحرّكة لذلك. ولاشك أن التقييم بهذه المنهجية المُشار اليها يتطلّب دراسات تفصيلية من غير الممكن إيجازها في مقالِ أو بحثِ ،  ولكن، مثلما أشرت في المقالات السابقة لبعض الجوانب والأطراف السياسية، لابد من الإشارة الى بعض آخر من الأمور المهمة التي لعبت دوراً كبيرا في عرقلة الأداء الحكومي تتعلق بمطالب تعجيزية في أغلب الأحيان.. فرغم أن السلطات الثلاث في الدولة قادرة على استيعاب كافة المكونات، ألا أن المتعذّر إن لم يكن هو المستحيل بعينه، أن تكون كافة المكونات والقوى السياسية على خط شروع واحد رؤوساً للدولة.. ولا يتعلّق الأمر كما هو سائد بأزمة الثقة بين المكونات العراقية، أنما يعود للتنشئة السياسية الموروثة للطبقة السياسية الحالية التي إمتهنت العمل السياسي لتمثيل هذه المكونات في مرحلة ما بعد التغيير 2003، والتي ما فتأت تنظر الى دستور الدولة والقوانين المشتقة من الأحكام الدستورية على أنها قرار ات وبيانات انقلابية تدور في فلك التوافقات والمحاصصة والأمزجة أسوة بما كانت تجري عليه الأمور في مجالس القيادات الثورية.!، ويأتي ارتهان معظم القوى السياسية العراقية للخارج الاقليمي المحكوم بالإرادات الملكية والأميرية والسلطانية ليكرّس هذه النظرة الدونية للقانون العراقي، وليجعل من كل محاولة من الدولة لتثبيت سلطة القانون وبسط نفوذها على أراضيها يُعد استبدادا وخروجاً عن المألوف.. أما الشق الآخر من هذه التنشئة البغيضة يكمن في النظر الى الدولة على أنها السلطة التنفيذية وحسب، أما بقية السلطات فهي ثانوية من حيث النظرة المجتمعية و (أقل بكثير) من الطاقات الكامنة في شخصية رؤساء الكتل السياسية.. لذلك وبإستخفاف بالغ أدّى أحد الساسة العراقيين ( رئيس وزراء سابق ورئيس كتلة في البرلمان)  اليمين الدستورية كعضو مجلس نواب بعد54 يوم على أول جلسة. بل كانت وما زالت تصريحاته تتمحور حول التهديد بالإنتقال الى (صفوف المعارضة) في حال عدم تفصيل منصب رسمي تنفيذي داخل الدولة يليق بمكانته السياسية، ولا يقصد بالمعارضة للحكومة العراقية من داخل البرلمان، بل معارضة العملية السياسية جملة وتفصيلا!

وينبغي الاشارة هنا الى المفارقة في التجربة السياسية التي تعكس بأن الشعب العراقي إذا ما قورن بالطبقة السياسية في العراق، بدا أكثر التزاماً في تأدية ما يتعلّق به من دور لإدامة المسار الديمقراطي، وأسرع استجابة لتطوير نفسه مع الواقع الجديد، وأشد إعتزازا بخياراته السياسية، وذلك ما أكدته انتخابات 2014، عندما أصدر أحد المراجع الأربعة الكبار فتوى بتحريم انتخاب المالكي، وكان الرد من قبل الشعب حاسماً وواضحا في عدم الانجرار الى ما أستدرج له في عام 2005.. ليس هذا وحسب، بل ما أن أخذ الكُتّاب والمثقفين الوطنيين العراقيين على عاتقهم إشعار الرأي العام بخطر المحاصصة وآثارها الكارثية على المصلحة العامة والأداء الحكومي، حتى دب الشعور الشعبي الرافض لها في أوساط الشرائح المختلفة، ومن هذا المنطلق، لم تلقى دعوة التحريم أذناً صاغية عندما تسلّح السيد المالكي بشعار الأغلبية السياسية عند خوضه غمار المنافسة الانتخابية الأخيرة.

وهو عين الواقع، فقد كان اعتماد نظام المحاصصة في النظام السياسي الحديث في العراق بمثابة تسليم دفة أمور الدولة العراقية المراد تشييدها بيد حفاري قبرها، وبما جعل من الحكومات المتتالية التي خضعت لهذا النظام، تخطو نحو مراكز القرار حاملة بذور اخفاقها، وأسباب انحطاط أدائها معها.. ولسنا بصدد الدفاع عن السيد المالكي رغم الجزم بعدم وجود البديل الأنسب لإدارة المرحلة إذا ما إقترن الأمر بالخبرة المتراكمة والبرنامج التصحيحي  والإستحقاق الدستوري الذي يؤهله لذلك، ولا لتبرير ما يعتقده البعض إخفاقاً في أداء حكومته، فلا شك أن الحركة في نطاق المسؤولية المحاطة بقيود المحاصصة لا يتوقع منها أن تسفر عن انجاز بمستوى الطموح، بل نسعى ما أمكن لتثبيت الحقائق والتذكير بها بما لذلك من آثار إيجابية تُسهم في تطوير الواقع السياسي وترتقي بالوعي الجماهيري ليكون أكثر حذرا من مصائد المدارس التجهيلية ومطبّات الطبقة السياسية التي حصرت مهامها الوظيفية في تصيّد العثرات الحكومية للترويج لشخوصها وأحزابها وانتهاج التصعيد للوقوف على منصة المدافعين (الأشاوس) عن الطوائف والأعراق، إعتقاداً منهم بأن فشل أو إفشال الآخر يُعد إنجازاً يُعتد ويُحتفى به وهو ما دأبت عليه معظم القوى السياسية في التعكز على المؤاخذات دون أن يكون لها أي دور ايجابي في اطار المسؤولية التي أسندت لها، ان لم تكن قد أسهمت سلبيا.

ومن جملة المؤاخذات التي يثيرها البعض على أداء حكومة المالكي، ما يخص علاقة العراق بالمحيط الاقليمي والدولي، وفي هذا السياق ينبغي تقييم الدور الذي لعبته الديبلوماسية الرسمية وغير الرسمية في عرقلة مسار العلاقات الدولية للعراق في فترتي حكومة المالكي ما قبل وبعد الانسحاب الأمريكي نهاية العام 2011.  وفي هذا الصدد يكاد يتفق جميع المراقبين على فشل الديبلوماسية العراقية المتمثلة في وزارة الخارجية العراقية التي يديرها السيد هوشيار زيباري في تقريب وجهات النظر أو تبديد مخاوف دول الجوار ذات المواقف السلبية المسبقة من النظام السياسي الجديد في العراق أو حتى التقليل من اندفاعها المستميت لتوريد الارهاب الى العراق طوال الفترة الماضية. وعند تناول المحطات الرئيسية والمهمة في عمل وزارة الخارجية العراقية، يلمس الجميع وبوضوح تقاعسا وتفريطاً كبيرين في العديد من القضايا التي تخص الشأن العراقي، وعلى سبيل المثال، بالمقارنة مع الاندفاع الواضح للوفد الأمريكي في الأمم المتحدة والسعي الحثيث للمندوبة الأمريكية آنذاك سوزان رايس لإخراج العراق من البند السابع، كنا نرى في مقابل ذلك، تثاقل أوضح من قبل وزارة الخارجية في هذا الاتجاه وبما دعا بعض الجهات الاعلامية النظر الى تلك الخطوات المتثاقلة بأنها نوع من أنواع  (التواطئ) مع اللوبي الكويتي داخل الأمم المتحدة وإصطفاف واضح مع الديبلوماسية الكويتية على حساب المصلحة العراقية. وخاصة عندما تكرر الفشل الديبلوماسي الرسمي في ادارة أزمة ميناء مبارك التي تمكّن فيها الاصرار الكويتي من حسم الموقف .

كما تعكس التصريحات الأخيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الى وسائل الاعلام والتي وصف بها حكومة المالكي بـ (الظلم والدكتاتورية) تعكس حقيقة وجود مهام أخرى يُرجّح أن تكون (تعطيلية - تضليلية) دأب السيد زيباري على تأديتها طوال الفترة السابقة!.. وإلا فمن غير المعقول أصلاً أن يكون السيد الوزير قد عبأ الجهد الوزاري بإتجاه تأدية دور تكاملي مع حكومة بهذا الوصف (ظالمة وديكتاتورية)، وإن لم يكن الأمر كذلك، فلا يتعدى الهدف من وجوده على رأس الوزارة أبعد من ممارسة هواية السياحة والاصطياف وحسب.

والى جانب الدبلوماسية العراقية الرسمية، فقد لعبت الديبلوماسية غير الرسمية المتمثلة في علاقات رؤساء الكتل والأحزاب السياسية بالأطراف الخارجية أدوارا سلبية في تشوية الأداء الحكومي للسيد المالكي لدى العواصم الاقليمية المعبأة بالأصل ضد النظام السياسي الجديد والساعية لإضعاف واقصاء العناصر الفاعلة والمؤثرة ومساندة الجهات الفوضوية والعابثة. فالسعودية كنموذج بارز في هذا المجال ، سخية العطاء ومفتوحة الأحضان للسيد رافع العيساوي والسيد عمار الحكيم والسيد مقتدى وغيرهم وتمتنع في ذات الوقت من مصافحة يد المالكي التي امتدت اليها مراراً، وقد تمثل ذلك بالرفض لزيارة تقدم بها السيد المالكي لزيارة الرياض عام 2008، وكذلك الرفض لطلب السيد المالكي اللقاء بالملك السعودي على هامش القمة العربية 21 في العام 2009 ، في الوقت الذي أبدى ملك السعودية الرغبة الكبيرة للتصالح مع القذافي على هامش القمة، مع ان القذافي سبق وأن مسح بالملك السعودي البلاط وعلى رؤوس الأشهاد وشاشات التلفزة وهو مالم يسبق أن صدر ما يماثله من طرف رسمي عراقي، إذن المسألة أبعد من أن تكون شخصية وأقرب الى كونها متعلقة في الرفض السعودي المطلق للنهج المتبع من قبل المالكي في محاربته التطرف والإرهاب حتى وأن كان في داخل المكون الذي ينتمي اليه .. وبذلك يأتي الرفض السعودي ليؤكد بأن النبرة التناغمية التي تتبناها وسائل الاعلام المدعومة سعوديا لمغازلة الغرب في مكافحتها للإرهاب (اعلاميا) لا تعكس حقيقة ما يجري في أروقة المؤسسة الدينية التكفيرية ودهاليز القصور الملكية من دعم ورعاية استثنائية للأنشطة الارهابية في المنطقة.

وعند التطرق الى العلاقة مع الجانب التركي، فلم يكن أمام السيد المالكي أو أية شخصية أخرى تتبوأ هذا المنصب سوى العمل على صيانة المصلحة الوطنية والحرص على التداعيات الخطيرة التي تسببت بها السياسة الأنانية للحزب الحاكم في تركيا تجاه العراق..

أن خسارة تركيا الى ما كانت تطمح اليه من نفوذ في دول الربيع العربي، لا يبرر لتركيا الاستدارة للإستثمار في الشأن العراقي لإستغلال ثرواته وانتهاك سيادته واتخاذه منطلقاً للسباق على النفوذ الاقليمي مع ايران.. فقد أفصحت الأحداث مؤخرا عن خطوات تركية سابقة كانت عصية على الدلالة والفهم ، ومن ضمنها انتهاك وزير الخارجية التركي أوغلو لسيادة العراق في زيارته الى كركوك عام 2012  من دون علم وموافقة الحكومة العراقية ودون اللجوء الى القنوات الرسمية والدبلوماسية، ومن ثم تصريحات رئيس الجمهورية عبدالله غل بخصوص شراء النفط العراقي وابتداعه لمصطلحات تنسب الثروات العراقية الى الطوائف والأعراق ويتعامل بها على أن العراق أو على الأقل أجزاءً منه في طريقها للإلتحاق بتركيا وبما ينفي الحاجة الى التقيد بالأعراف الدولية بين الدولتين (من وجهة نظر العثمانيين الجدد) .. حيث يقول الرئيس التركي في تصريحه :" أن ما تقوم به تركيا من شراء وتخزين لـ (النفط الكردي) لا يتعارض مع (الدستور العراقي)".. وبذلك يكون الحزب الحاكم في تركيا قد نصّب نفسه بديلا عن المحكمة الدستورية العراقية في تفسير النصوص وشرعنة الطائفية الاقتصادية في العراق.

وذلك ما يجعلنا نتوقع  اطلالة مسؤول ايراني فيما بعد يسعى هو الآخر لتسويق مصطلح (النفط الشيعي)، ونود الاشارة في هذا السياق الى الحقيقة التي يغمض البعض عينيه عنها: وهي أن السياسة الايرانية التي نجحت في دعم مصالح مكونات شيعية هنا وهناك في المنطقة أي :(التوظيف الميليشياوي للإمتدادات المذهبية) غير مثمرة في العراق وما يجعلها كذلك هو اختلاف النسبة العددية للمكون الشيعي في العراق عن ماهي عليه نسبة المكونات الشيعية في بقية المناطق الأخرى، وبما ينتج عن هذه السياسة من عرقلة للجهد العراقي الشيعي الموجّه لبناء دولة مدنية وفق نظام ديمقراطي تشكل النسبة العددية لهم فيه على أدنى تقدير ضمانة من أن لا يتعرّضوا للظلم مجددا.. ولا يقتصر الأمر عند حدود إهدار فرصة المكوّن وتعطيل دوره في بناء بلده، بل يعطي الفرصة للقوى الاقليمية الأخرى بالتكالب على العراق أيضاً وهو ما حصل ويحصل منذ التغيير والى اليوم.. ما يهمّنا في الأمر هل كانت هناك من قصدية أو ادراك مسبق لدى الساسة الايرانيون بالنتائج الكارثية الممكن أن تتسبب بها السياسة الايرانية المعتمدة في التعامل مع العراق .. والجواب على ذلك يبدو جليّا في الموقف الايراني السلبي من استحقاق السيد المالكي، في مرحلة توفرت له فيها الظروف للتحرر من قيود المحاصصة وكسر طوق الحلقة المفرغة التي ما فتأ العراق يدور فيها على مدى عقد من الزمن.. فلا  يعكس الاصطفاف الايراني الأخير بوجه وضع الدولة العراقية على المسار الصحيح سوى خشية ايران من إزدواجية الهوية القومية للمذهب في حال قيام دولة مستقرة على هذه الشاكلة في العراق وبما يجعل من الواقع الشيعي بيئة طاردة للاستثمار السياسي في الجانب الميليشياوي.. رغم ادراك القادة الايرانيين بأن هذا النوع من الاستثمار وحتى مع الاعتقاد بسلامة الغايات يشكل وسيلة اغراء تحفز الآخرين للإستثمار في مجال الارهاب أيضا وتمكنهم من شرعنة الفهم الخاطئ للنصوص الدينية واسقاطها في مواضع تسئ لما رصدته تلك النصوص من قيمة عليا للإنسان في كل زمان ومكان. وبذلك لايمكن للمسؤولية عن النتائج المترتبة على ذلك الا ان تكون مشتركة بين جميع الاطراف.

أن ما جرى من اندفاع لتجريد السيد المالكي من استحقاقه لايعكس سوى حقيقة واحدة وهي وجود توافق ضمني أو التقاء مصالح قومية لأطراف اقليمية على تعطيل العراق ونهب ثرواته وهو ليس بالأمر الجديد.. لكن الجديد في الأمر هو استدراج الجهد الأمريكي مجددا لتهديم ما أقدم الأمريكيون أنفسهم على وضع حجر الأساس له في العام 2003.  وقد بات ذلك جليا في الطريقة الالتوائية التي أقدموا عليها في التضليل والتجييش السياسي للغرب والادارة الامريكية على وجه الخصوص لإزاحة المالكي عن استحقاقه الدستوري ادراكا من هذه الأطراف لما يمكن أن تشكلّه الجماهيرية المتنامية والتوجهات الوطنية من انتكاسة للمشاريع الطائفية وما تسهم به من ادامة للمسار الديمقراطي والحياة الدستورية في العراق.
وفي ليلة القبض على الديمقراطية تحديدا، والتي شُحنت فيها المشاعر الاقليمية في وقت متأخر جداً بعد منتصف ليلة الحادي عشر من اب فجر يوم الاثنين (كانت الذريعة والكذبة الكبرى) التي دار صداها أرجاء العالم، هي (محاصرة قوات تابعة للسيد المالكي للقصر الرئاسي بالعجلات المدرعة وبما يعرض حياة الرئيس العراقي فؤاد معصوم لخطر أكثر من محتمل، نتيجة توجيه الاوامر للقطعات العسكرية بالانتشار في العاصمة والسيطرة على المناطق الاستراتيجية تمهيدا لإنقلاب عسكري من المحتمل ان يعلن عن تفاصيله عبر قناة العراقية صباح الغد ..

وإضافة لما تتسبب به في العراق من بداية نهاية تجربة (العراق الجديد) وازاحة أبرز من يمكن ان يعوّل عليه في ادامة مسارها ، فقد كانت "حدثاً تاريخيا" كما وصفها أوغلو.. وفرصة تاريخية لتسويق الحزب الاردوغاني الحاكم بانه الحارس الامين لديمقراطية الشرق الأوسط وصمام أمانها الأوحد، وبما تنطوي عليه هذه الفذلكة السياسية من تعبئة استباقية دولية لتزكية القرارات التي يطمح اردوغان لتمريرها في البرلمان التركي مستقبلا والقاضية بتوسيع صلاحية الرئيس التركي وتشديد قبضة الحزب الحاكم على مقاليد الامور لإكمال فصول رحلة العبور نحو ضفاف السلطنة، مع الحرص طبعا على التقاط الصور مع كل ما يشير الى شخصية كمال أتاتورك باعتباره جزء من الفلكلور الشعبي الذي يزيّن المشهد ويبدد مخاوف الغرب من التحول التدريجي الخفي نحو (تركيا الجديدة).. وكما فعل الاخوان المتأسلمون مع شارع الهرم في شراء بعض الحانات بدلا من اغلاق الشارع مرة واحدة ليختلط حينها الصفير بالتكبير، كذلك يفعل الحزب الحاكم في تركيا مع المؤسسات الاعلامية والصحف التي لم ينجح في تجنيدها او تحييدها على اقل تقدير.
نعم كانت الفرصة ثمينة أناطت (تركيا الجديدة) مهمة اشعال فتيل الأزمة برئاسة كردستان لتفتعل انقرة اضطراب استثنائي على الخط الساخن مع البيت الأبيض فيضطرب هو الآخر وتضطرب معه كل القصور الرئاسية في العالم. في حين وصف الاعلام التركي بمهنية عالية وموضوعية متميزة الحدث، بما جاء على صفحات صحيفة ديلي حرييت التركية من تعبير قالت فيه : ان "هذا الامر جاء بعد ان صرح المالكي بانه سيرفع شكوى قانونية ضد الرئيس فؤاد معصوم لارتكابه خرق دستوري واضح، متهما اياه بانه تجاهل تكليفه بتشكيل الحكومة باعتباره زعيم الكتلة الاكبر متجاوزا الموعد المحدد للتكليف وهو العاشر من شهر اب".. وهو ما حدث بالضبط.. لكن، في تقديري لربما كانت هناك مسرحية من هذا النوع،  فمع النفوذ الذي تتمتع به القوى السياسية وتعدد المواقع التي تشرف عليها قوات تابعة لها، فإن تكليف قوة أمنية لتمثيل هذا الدور ليس مستبعداً، ومن الممكن أيضاً ان يكون هناك قوة رسمية فعلا، لكنها تواجدت كإجراء أمني احترازي للحيلولة دون استغلال الخلاف من قبل البعض لتوجيه اعتداء ما وتفجير الوضع الداخلي في العراق..  أي كان الأمر فمن جملة ما تعنيه ردود الفعل السريعة ان للرئيس العراقي فؤاد معصوم دور أساسي في مستقبل الأحداث متفق معه وعليه مسبقا، ومن الصعب تعويض الدور في حال اصرار المالكي على اعتماد السبل القانونية ومن ثم كسب القضية كخطوة أولى لإزاحة الرئيس عن المنصب.. والحال كذلك، فمن الطبيعي أن يكون الحسم غبر قابل للتأجيل ويستحق المغامرة.

وإلاّ مالذي جعل من مجرد النية في ممارسة الحق القانوني (انقلابا) رغم ان الاعلان عن النية كان قد تضمّن تأكيدا مسبقا من قبل المالكي أمام الجماهير العراقية على الإلتزام الكامل بما يمكن أن تقرره المحكمة الدستورية العليا في هذه الشكوى.؟ .إذن لا يُمكن وصف ما جرى سوى انه انقلاب (تركي/..) على الحياة الدستورية في العراق.

ولا شك بأن الاسناد الأمريكي المبالغ به للمزاعم التركية هو الآخر لم يأت من فراغ ، وانما نتيجة تراكمات سابقة، وما نعتقده ان أهم ما يمكن ان يكون شاخصا في ذهنية صانع القرار الامريكي تجاه الحكومة العراقية في تلك الأثناء: هو ما تسببت به المزايدات السياسية للشركاء والحرص الأكيد للخصوم السياسيين على الدفع بحكومة المالكي الى اتخاذ قرار الرفض للوجود الرمزي الأمريكي والامتناع عن منح الحصانة التي طلبها الأمريكيون للكوادر التدريبية والاستشارية أبان فترة الانسحاب، وهو ما أظهر العراق وحكومة العراق بموقف قد يبدو بالمقاييس النمطية للتفكير بأنه (موقف وطني) لكنه في الحقيقة، وكما نعتقد لم يكن في مصلحة الوطن وبدلالة مسار الأحداث وتداعياتها الخطيرة، ما مضى منها وماهو آت، وأبسط ما يمكن أن يُستدل به، هو أن القوة الجوية العراقية والمنظومة الدفاعية العسكرية  كان من الممكن لها بوجود (المدربين والمستشارين الأمريكيين) أن تكون قد قطعت اليوم شوطا لا بأس به في التدريب والتسليح، تبعا لما يمكن ان يشكله الوجود الامريكي الرمزي في العراق من دافع للتعجيل في عقد وتنفيذ الصفقات وعامل اطمئنان لتوريد التقنية العسكرية الحديثة للعراق، إضافة الى امور ايجابية يصعب حصرها هنا. وعلى الجانب الآخر، ومن وجهة نظرنا أيضا، فقد تسبب مثل هذا الرفض والحدية في التعامل، في خيبة أمل كبيرة لدى الأمريكيين لما انطوت عليه البداية (الإستراتيجية) من سلوك هو أقرب الى فض الشراكة بين الدولتين وليس التأسيس لها، فضلا عن عدم ابداء المسؤولية اللازمة تجاه مصلحة البلدين والتجاهل الرسمي التام للتضحيات المادية والمعنوية التي بذلها الطرفان لإعتماد النظام الديمقراطي في دولة فتية ما زالت تحتاج الكثير للوصول الى مرحلة تتمكن فيها من الدفاع عن نفسها بنفسها... ومن جانب الشركاء التعطيليون فقد كان الرفض بهذه الطريقة إيقاعاً لحكومة المالكي في الفخ وبضمنهم الساسة الشيعة الذين كانوا يخشون من أن يؤدي تأسيس من هذا النوع الى توطيد سلطة المالكي أكثر.

 نعم لم يكن القرار صائبا مع الاعتقاد بأن المسؤولية تضامنية في هذا الشأن ولا تتحمل حكومة المالكي وحدها سوء تقدير الموقف، لكن فيما يخص الحكومة العراقية فقد كانت مرحلة تتطلب الحذر الشديد من تجزئة الموقف أو اسقاط العواطف والشعارات الحماسية على قرارات ذو علاقة مباشرة بالمصالح العليا للبلد واستراتيجية بناء الدولة الحديثة، وتقييم الخطوات على أساس المتوقع من النتائج، عندئذ فقط كان من الممكن اعتماد قرارا يستبطن شيئا من الحكمة.

 كما كان من الممكن أيضا، استثمار دور العراقيين في الخارج، وفي الولايات المتحدة تحديدا لبناء لوبي ضاغط لإدامة مصالح العراق وإسناد حكومته. ومثل هذه الخطوة كان من الممكن ان تكون بديلا عن الأجواء السائدة اليوم، التي تسبب قرار الرفض في ايجاد أرضية خصبة  للكيدية السياسية والدعاية المضادة للحكومة والدولة العراقية من قبل الأطراف المختلفة وعلى رأسها الجهات السياسية التي فقدت حظوظها لدى واشنطن بعد التغيير 2003.. وبالفعل فقد حظى الخصوم السياسيون وأعداء الديمقراطية مجددا بهامش من القدرة على لفت الأنظار والنفاذ بمزاعمهم وتنازلاتهم المفتوحة الى مناطق لم يكونوا يحلموا بالوصول اليها مجددا.

وقد أسهم الاخوة الاعداء في التأسيس لواقع العراق الحالي ، فما زال الاندفاع الكبير والتواجد الاعلامي المكثف لساسة المجلس الأعلى الرافض لأي تواجد رمزي وأية حصانة للأمريكيين، وكذلك حركة التيار المقتدائي والصخب الذي يرافق المكان الذي يتواجدون فيه وبما عرف عنهم من حرص لتقديم انفسهم كمقاومين، والمواقف الانفعالية والتشكيكية وما انطوت عليه من اندفاع عشوائي ما زال ماثلا في الأذهان. وقد رافق تلك المواقف الارتجالية، موقف أكثر انتهازية محسوب بدقة فائقة من رئيس القائمة العراقية وهو ما صرّح به مؤخرا عبر قناة البغدادية قائلا ما نصّه " كان السيد المالكي قد دعانا لإيضاح وجهة نظرنا بخصوص بقاء الأمريكيين ومنح الحصانة للمجاميع الاستشارية المتبقية وكان جوابنا له:  القرار قراركم فإن قبلتم التمديد ومنح الحصانة قبلنا ذلك وأيدناه، وإن رفضتم رفضنا معكم ذلك"، وهو كلام حق يُراد به باطل، فلا يُعد ذلك تجسيدا للثقة المطلقة من قبل د.علاوي بالقرارات التي تتخذها حكومة المالكي، أبدا وعلى الاطلاق، والقضية المراد بها رأي الآخر ليست اجتماعية تحتمل مجاراة الآخر وتستلزم احيانا وضع الثقة فيه، بل وبما يمتلك د. علاوي من علاقات اقليمية ومع السعودية خاصة، لايمكن إلا التصور بأن الخطط الكيدية للحالتين مكتملة، وأقرب ما يمكن ان يتبادر الى الذهن هو أن الموافقة تعني تهيئة الأجواء لسحب الثقة من حكومة المالكي ، ومن ثم تشكيل حكومة أخرى ليس مستبعدا منها الركون الى صيغة تفاهمية أخرى مع الأمريكيين أو اعطاء ضمانات من نوع آخر، ومن الطبيعي ان يكون علاوي قد اوصل في حينه اشارات ايجابية مبكرة للأمريكيين في هذا الخصوص، واشارات سلبية الى المالكي عبر الخصوم لتشويش الموقف، والهدف أساساً الوصول بالمالكي الى نقطة اللاعودة دوليا وتجريد حكومته من أي دعم أمريكي مستقبلي محتمل، بعد ان وقع في فخ التصنيف على انه قد تسبب مرتين في تعطيل الاتفاق الاستراتيجي وتفريغ البنود الاساسية من محتواها مرتين، نعم هذا بالضبط ما يُحتمل أن يسفر عنه الجواب السعودي الذي نطق به د. أياد علاوي من نتائج أو يكون بالفعل هو ما قد نتج .. وفي تقديري كان الامريكيون في حينه أكثر ثقة في قدرة المالكي على الوفاء في التزامات العراق ومن الممكن لهم استخدام نفوذهم السياسي لعرقلة سحب الثقة عنه في حال الموافقة.. على أية حال، وحتى مع صحة الافتراض، فالسيد المالكي يمتلك كامل الحق في الاعتزاز بوجوده الرسمي والسير بحذر شديد في حقول ألغام المحاصصة، حتى مع تسبب الحذر المبالغ به باتخاذ قرار لم يكن مناسبا.

بشكل عام، أثبتت الأحداث فيما بعد، وبما لا يقبل الشك بأن قرار رفض التواجد الرمزي للمدربين والمستشارين والاصرار على عدم منح الحصانة لهم ((لم يكن موفقاً))، وقد كتبت في حينه مقالا في الرابط اسفل المقال بعنوان ( منح الحصانة للأمريكيين خطوة لا بد منها) ولم يلتفت لمثل هذه الآراء سوى قصار النظر الذين ساقوا التهم جزافا لمن تبنى آراء من هذا النوع، وبما يؤكد ان القرار بالموافقة على الحصانة كان يتطلّب شجاعة استثنائية من قبل الحكومة العراقية ، مع ذلك فإن وجود بعض القوى السياسية الدافعة الى الخلف قصداً، او المرتهنة في قرارها الى الخارج، والهادفة وما زالت تهدف الى فك الارتباط بين النظام السياسي في العراق والدعم الأمريكي، والى جانب هؤلاء أيضا أطراف سياسية أخرى تسببت البلادة السياسية والنزعة الثأرية في تعطيل قدرتهم على تحديد حجم المخاطر وإدراك مستوى التحديات بدليل ما أطلقه السيد مقتدى والسيد عمار في مؤتمر صحفي عُقد مؤخراً من وصف لما جرى من ازاحة عن الاستحقاق الدستوري بتسميتها (صولة تغيير المالكي)، تلميحاً لما أقدمت عليه الحكومة من صولة على الخارجين عن القانون وبما يوكد ان النزعة الثأرية والإنتقامية والمصالح الشخصية هي القوة التي يتحرك وفق تأثيراتها هؤلاء .. فالسيد عمار الحكيم الذي يتباكى اليوم على (مظلومية البعثيين) التي تسبب بها المالكي (حسب مزاعم الحكيم)، الذي كان طوال الفترة الماضية والى ما قبل أسابيع، يعتمد وبشكل أساسي في الحرب الاعلامية على الحكومة عبارة  (أن المالكي قد احتضن البعثيين بطريقة تهدد الوجود الشيعي، وأن مكتبه قد اصبح الملجأ الآمن لكبار البعثيين)..

ألا يعكس الانتقال المفاجئ للخطاب الاعلامي الى خانة الضد، استخفافا بعقول العراقيين وتأكيداً على ان الغايات في نظره تبرر الوسائل مهما كانت درجة الخسة والدناءة التي تنطوي عليها الوسيلة المنتقاة؟ فما زالت عبارة ربط البعث بالمالكي ونهج التجني وبشكل مفضوح يتصدر واجهة المواقع الاعلامية التابعة للمجلس بدءً بموقع براثا ومرورا في صفحة عزيز كاظم علوان وليس انتهاءً بـ (أحداث سوق الشيوخ).. وهو في الحقيقة/ الفهم المغلوط للسلطة، دون ادراك منهم الى ان السلطة في العراق تمر اليوم في مرحلة لا تضيف الى من يحظى بها أي شئ، بل هي بأمس الحاجة الى من يضيف اليها الكثير، وان الثقة بالقدرات التي يتمكن من خلالها المالكي الاضافة الى محيط المسؤولية الذي جُرّد منه هو من يضعنا اليوم في موقف الدفاع عن استحقاقه الانتخابي. 

وقبل الختام، يجدر التذكير مرة أخرى، بأن تركيا الاردوغانية ومن يدور في فلكها اليوم، كانوا الأكثر استهدافا للحكومة العراقية والأدق تنسيقا للمواقف التضليلية والأكبر قدرة على التجييش والاستدارج للآخر نحو استعداء طائفة وتقريب أخرى وتشويه صورة حزب واعلاء شأن حزب آخر. ومن هذا المنطلق لم يكن حريّا بالديمقراطيات الغربية العريقة الانجراف خلف الجموح التركي الذي يعكس وبشكل واضح ما تستبطنه الاستراتيجية التركية من رغبة عميقة في تعويض النقص الذي أضحى ملازما لشخصية السياسي التركي نتيجة الرفض المطلق لتوسلات الترك بالانضمام الى الاتحاد الاوربي، وليس لائقا بعراقة هذه الأنظمة احتضان  الصلف السياسي التركي الذي يعتقد بأن جميع الوسائل مباحة لقطع ما يفصلهم من مسافات عن الهدف بما فيه التنصل التدريجي عن النظام الديمقراطي في الحكم والاتجاه نحو النظم السلطانية الاستبدادية. فمن بين مايمكن ان يشير اليه التحرك التركي الأخير تجاه العراق، هو ان استمرار (العراق الجديد) على ما هو عليه من نظام سياسي ديمقراطي قد يشكل حجر عثرة في طريق ما أطلق عليه الحزب الحاكم (تركيا الجديدة) وهو ما يشير اليه النزوع الاردوغاني نحو الفردية وبما لم يعد خافيا على أحد، فضلا عما هم عليه بعض الاطراف التي تعلن عن خشيتها من دكتاتورية محتملة في العراق، في الوقت التي أمضت فيه ذات الأطراف التي تعلن عن ذلك فترة زمنية في الحكم تصل الى 20 سنة وأكثر، ومثل هذه المؤشرات الواضحة وحدها كافية لإثبات بطلان الادعاء وفضح زيف النوايا، بل وأكثر من دالة على عدم امتلاك هذا النوع أية أهلية للوقوف في صفوف المدافعين عن الديمقراطية، وأكثر من ذلك، وهو الأهم، أن توفر الشروط الموضوعية التي اذا ما اقترنت يما يتمتع به المالكي من خبرة وجدية سيشكل حتما نقطة تحول مفصلية لمصلحة دولة العراق في حلقة الصراع مع مشاريع الهيمنة الاقليمية والمخططات الارهابية لدول الجوار، وبما يجعل من الاستهداف الأخير، استهدافاً لمرحلة عراقية وليس لشخص بعينه طالما ان المستهدف هو الرجل الأكثر شرعية والأشد عزما والأنسب خبرة للمرحلة التي نحن بصددها اليوم، ومن ثم لايمكن ان يشكل الاصطفاف الغربي بشكل عام والأمريكي تحديدا مع السطو على الاستحقاق الانتخابي للسيد المالكي، إلا كونه استخفافاً بحاكمية الدستور وتفريطاً بالقيم الديمقراطية.. ولا يعني ذلك أن الغرب والادارة الامريكية لا تعي حقيقة من تتعامل معه من هؤلاء و تسعى جاهدة لتصحيح ما يمكن أن يصنّف في خانة الخطأ حين ادراكها الحقائق، كلا بالتأكيد، فالمكابرة والاصرار على المراوحة في خانة الفشل هي سمة مشتركة بين الادارات الامريكية الأخيرة التي تعاطت عن قرب مع الشأن العراقي.
 
مقال سابق ذو علاقة مباشرة بالموضوع : منح الحصانة للأمريكيين خطوة لابد منها

http://www.kurdistanpost.com/view.asp?id=93215644


12
من هو القاتل الحقيقي للصحفي الأمريكي والعراقيين في سبايكر؟
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

تعكس ردّة الفعل الرسمية حيال مقتل الصحفي الأمريكي، شعوراً عالياً بالمسؤولية من قبل ادارة الرئيس أوباما تجاه مواطنيها، أسهمت في تخفبف وطأة الألم التي انتابت عموم الشعب الأمريكي من جراء فظاعة المشهد الدموي الذي لقي به الصحفي الأمريكي جيمس فولي حتفه على يد العصابات التكفيرية الداعشية. ولم يقتصر الأثر الإيجابي للتفاعل الجاد مع الموقف عند حدود أمريكا الفيدرالية وحسب، بل يكاد إعلان الادارة الأمريكية عن عزمها على تبنّي ستراتيجية دولية شاملة على غرار (تحالف الراغبين) لقطع رأس داعش، قد إمتد ليعطي جرعة من الأمل أيضاً، لضحايا داعش في العراق والمنطقة، بما يُجسّد لهم هذا التوجه الجديد للإدارة الأمريكية من بصيص ضياء في نهاية النفق.

لقد عكس الفعل الاجرامي للتنظيمات الإرهابية، أو ما سُمّي من قبل الدواعش "رسالة الى أمريكا"، مساومة واضحة على القيم الانسانية وحركة مارقة تستهدف بالنتيجة ليّ عنق الإرادة الدولية وإرجاع عقارب الساعة الى الوراء، وهو بالفعل ما ينبغي وضع ستراتيجية دولية للمواجهة الشاملة مع هذا الفعل الارهابي المتنامي، فلا يقود التجاهل أو الرضوخ الى الإبتزاز المالي والسياسي سوى الدفع بالمجتمع الدولي الى طريق التنازلات المفتوحة وانهيار القانون الدولي والقيم الانسانية على حدٍ سواء.!

في الحقيقة، لا يمكن تغطية هذا الموضوع المتشعب بما يستحق في مقال عابر، لذلك وطلبا للايجاز ما أمكن، أتناول أحد جوانب الموضوع، وعلى وجه الخصوص، العراق بما يفترض أن يشكلّه من مرتكز أساسي في نجاح أو فشل أية ستراتيجية من شأنها النهوض بالواقع السائد في المنطقة، فمن الطبيعي أن يكون للدولة العراقية الاتحادية الفيدرالية دور أساسي يعتمد على مدى تماسكها وقدرتها على فرض سلطة القانون على أراضيها بما تمتلك من أدوات تحقق لها ذلك.!.. وهو ما يفترض أن تكون قد عملت عليه أمريكا منذ 2003، ولكن حسابات الحقل لم تكن متطابقة مع حسابات البيدر، لأسباب يطول شرحها، وهو ما يستدعي من صنّاع القرار في الادارة الأمريكية، المراجعة الشاملة وإعادة الحسابات بشكل تستطيع معه رسم مقدّمات صحيحة للوصول الى النتائج المتوخاة.

 وبطبيعة الحال، يتطلب الأخذ بنظر الاعتبار وجهات النظر المختلفة حيال ما يجري فما يشهده العراق اليوم من تفنن غير مسبوق في صياغة الأكاذيب وإبتداع الطرق التضليلية قد يوقع الجميع في مدارات الحلقة المفرغة. وعلى سبيل المثال، فيما يخص علاقة البعث الصدّامي بتنظيم داعش، أو ان كان هناك فرق ما بين داعش والمجلس العسكري لثوار العشائر؟.

والجواب هنا، لا يعني بأني أفترض في المقابل عدم الإلمام بالأجوبة، ألا أنها وجهة نظر أبذل ما يسع المقام للإشارة الى ما يدل عليها.. وبمنتهى الصراحة بالنسبة لي لا أجد أي فرق بين هؤلاء جميعاً، واليقين لديّّ ان المجلس العسكري لثوار العشائر هو من ذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي من الوريد الى الوريد ووضع رأسه فوق صدره.. وان كان المسمى داعش!، فهما وجهان لعملة واحدة.. والخطاب الأخير للإرهابي المجرم عزة ابراهيم الدوري (منتصف تموز 2014) خير ما يدل على ذلك، فبعد ان أثنى على جميع الفصائل المسلحة التي يُنسب للدوري قيادتها والمنضوية اليوم تحت اطار ما يسمى "المجلس العسكري لثوار العشائر"، ختم المجرم المطلوب دوليا خطابه الأخير، بما هو نصّه :" وفي طليعة هؤلاء جميعا أبطال وفرسان القاعدة والدولة الإسلامية، فلهم منّي تحية خاصة ملؤها الاعتزاز والتقدير"...(أنتهى الاقتباس).

 فهل هناك من فرق يذكر بين الطرفين؟..  أما اذا استشهد البعض بما يبرزه الاعلام من خلافات فهي مفتعلة تطلبتها مصلحة الدول التي تحتضن عزة الدوري ولا أساس لها على أرض الواقع، وخاصة بعد أن فشلت الدول الداعمة في انتزاع اعتراف دولي بمنظمة داعش كفصيل سياسي معارض، وبعد أن تم ادراجها على قائمة المنظمات الارهابية وفيما بعد أدرجت تحد البند السابع من قبل الأمم المتحدة بالإجماع.. وهو ما يتطلب تقديم الدواعش ومموليهم وحواضنهم وعلماء السوء المتخصصين بالإفتاء للإرهاب، وهي مسؤولية إنسانية جماعية لا تخص جهة بذاتها او دولة بعينها وأنما تخص ضمائر الأحرار في كل العالم.

ودليل آخر أكثر تجسيدا للعلاقة المصيرية بين الطرفين هو تصريح اللواء ذنون يونس في 18 حزيران الماضي والذي يقول فيه: "  نينوى بجميع مدنها بيد الثوار بعد تحرير تلعفر ومطارها.وهدفنا الوصول الى بعقوبة عاصمة ديالى،والجهد الهندسي للثوار سيعيد تشغيل مصفاة بيجي لتزويد المحطاة بالوقود  ".. وما زال هذا العنصر الصدّامي ومنذ تلك الفترة في تصريحات متتالية ومتواصلة من قلب الموصل عبر قناة التغيير والرافدين وقنوات أخرى.. فهل الموصل بيد داعش أم بيد من وصفهم بالثوار، وعلام تُلقى مسؤولية قتل وتشريد الأقليات العراقية في الموصل؟.. إذا استعصى الجواب على ذلك، فاللواء ذنون يونس أعلن ومن قلب الموصل، وفي اليوم الذي سيطرت به داعش على قاعدة سبايكر، ومن قناة التغيير وبالصوت والصورة كما في الرابط أدناه يعلن عن تفاصيل الموقف ويؤكد سيطرة الثوار على القاعدة الجوية، ويؤكد أيضا، وقوع أكثر من 400 عسكري من الضباط والجنود أسرى بيد المجلس العسكري لثوار العشائر، ويًعد العالم بالحفاظ على أرواحهم..وهنا يتبادر الى الذهن السؤال ، إذا كان هناك من فرق بين ما يسمى بـ  (الثوار) وداعش،  فكيف وصل هؤلاء الأسرى الى يد داعش، لتقيم حفلات الاعدام الجماعية والمقابر الجماعية؟.. ومن أين لهذا اللواء الافلام الفيديوية التي خص بها وسائل الاعلام وقناة التغيير تحديدا والتي تظهر الأسر الجماعي للجنود العراقيين من قبل مجاميع ترفع رايات داعش.. فمن أسقط فاعدة سبايكر داعش أم الثوار؟ .. ألا يُنبئك الحال بأن داعش والثوار هم ذراعان لإخطبوط واحد يلعبون أدوارا مكملة لبعضها البعض؟ 

وفي البيان الأخير للمجلس العسكري قبل يومين استنكر ما جرى في ديالى، وهو من صُنع أحد أذرع هذه التنظيمات الارهابية الإخطبوطية  نفسها ، ونفى المجلس وبشكل استباقي ان تكون الحكومة العراقية الجديدة قادرة عن حفظ دم العراقيين او رفع الظلم عنهم طارحاً نفسه البديل الأوحد لهذه المهمة .. ولا ندري كيف ترتضي داعش له أن يكون البديل ان لم يكن الطرفان على وفاق أكثر من تام، بل ان لم يكونا وجهان لعملة واحدة؟. ومما لا ينبغي تجاوزه هنا،  فإن للإرهاب حواضن سياسية موجودة في الدولة العراقية وخصوصا في السلطة التشريعية وسيماهم في تصريحاتهم الملغومة ووجوههم الكالحة من أثر الخيانة والفجور.

.. إذن من ذبح الصحفي الأمريكي جيمس فولي، ومن نفذ جريمة الابادة الجماعية بحق العراقيين في قاعدة سبايكر..  أليس دواعش البعث أو بعث الدواعش!.. خاصة وان والمعلومات التي رشحت تؤكد أن نجل المجرم سبعاوي ابراهيم الحسن متورط  وبشكل أساسي في تلك المجزرة المروعة!.

أخيرا وليس آخراًُ، رغم ما نُجابه به من تجاهل تام مع نكتُب، وهي حالة عامة يعاني منها الكتّاب العراقيين الذين لا يُجيدون التزلف والتسلّق وركوب الأمواج، لكننا لن نتوقف عن قول ما نعتقد، او نكُف عن التحذير مما يُخشى منه، طالما ان القوة المحرّكة للقلم والمستندة الى بوصلة الضمير الوطني والانساني لا تتحكم في مسارها اتجاه التيارات والرياح والأمواج الدافعة والشائعات أو حتى العقل الجمعي.. فقد أشرنا قبل أشهر في مقال سابق بعنوان " الدولة السائبة ومطامح المنظمة السرية في العراق".. أن طبيعة العمل الارهابي في العراق يمتاز عن غيره في الأماكن الأخرى بأمور كثيرة تجعل من هذه المجاميع أكثر انتاجاً للعنف والخراب وأقرب من غيرها الى أهدافها عندما تتاح لها الفرصة. حيث يعلم الجميع بأن المجاميع الارهابية وعلى مستوى القيادات ذات العقول المشبعة بفكر البعث الصدّامي التدميري تمتلك خبرات متراكمة نتيجة وجودها في السلطة عقود من الزمن واكتسابها مهارات قتالية ومخابراتية واعلامية تمكنها من استقطاب عناصر ارهابية من البلدان الأخرى واختراق المؤسسات الأمنية العراقية وإفساد العمل الوظيفي عبر الهامش الذي تحققه ما تسمى بـ (الشراكة الوطنية/ التعطيلية) التي تجعل الأبواب مشرعة بوجه عناصرهم التخريبية الهادفة الى تعطيل النظام السياسي الجديد في العراق والعودة بالدكتاتورية مجددا الى أحضان السلطة، فضلا عما تحققه هذه الشراكة من تمويل ذاتي عبر تكريس ظاهرة الفساد الاداري وتجديد أنماطها.. وبالنتيجة يمكننا القول بأن العمل الارهابي في العراق هو عمل (منظمة سرية/ البعث الصدّامي) تستند الى نمط من التفكير الشمولي ذو الصبغة الاستراتيجية التي توظف أي شئ لخدمة هدف الإمساك بالسلطة مجدداً"... فلا فرق على أرض الواقع ما بين أيتام البعث الصدّامي والدواعش..!. ولا فكاك بينهما أو انهيار في علاقاتهما لأن (استراتيجية العودة)  تقوم على مرتكز أساسي ..( فجّر وإنحر وإسبق وتذمّر!..)..  وأمر كهذا يحتاج الى أدوار (سياسية واعلامية وإجرامية) متكاملة.. وهو ما يقوم به اليوم الإخطبوط الداعشي في العراق..!

الروابط مع الإشارة الى أن اللواء ذنون يونس ما زال وحتى ليلة البارحة على قناة التغيير يتحدث بذات النبرة التعبوية من الموصل، فهل هو داعشي أم من (ثوار العشائر) .. ؟ :-

الدولة السائبة ومطامح المنظمة السرية في العراق (مقال ذو صلة بالموضوع/ دنيا الوطن).
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2014/06/03/331805.html

تصريح اللواء ذنون يونس في 30 يونيو حزيران الماضي حول سيطرة ما يسمى (الثوار) على قاعدة سبايكر
https://ar-ar.facebook.com/IraqiRevolutionPoliticalCouncil/posts/540469292726328

تصريح اللواء ذنون يونس في 18 حزيران الماضي حول سيطرة ما يسمى (الثوار) حسب إدعائه على الموصل
https://www.facebook.com/revofallujah/posts/845142585515677

13
غياب المالكي وإطلالة رؤوس الشر من نوافذ الديمقراطية
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لقد بدأ الاعلام الداعشي وبشكل مبكر ترديد عبارة " حكومة العبادي الصفوية"، التي بدأت تأخذ محلّها من الواجهات الاعلامية لما يسمى بـ "الاعلام المساند للثورة" المدعوم من جهات معادية للعراق، رغم ان الحكومة الجديدة لم تتشكّل بعد، الأمر الذي يدفعنا الى اتخاذ الحيطة من التطرّق الى ما يُعد انسياقا خلف هذه الأطراف في اطار دفاعنا عن العراق ونقاط القوة فيه، وخصوصا لما كنا وما زلنا ننظر من خلاله الى السيد نوري كامل المالكي كأحد أبرز تلك النقاط، فضلا عن ثقتنا الكبيرة في المواقف التي يتخذها الرجل طبقا لحقائق تفصيلية قد لا نكون ملمّين بالكثير من جوانبها، ومن بين تلك المواقف دعوته الصريحة لمسانديه بالوقوف مع الحكومة العراقية الجديدة التي ما زالت تحث الخطى الى التشكّل وسط تحديات كبيرة ومتعددة ، لم يشأ السيد المالكي لنفسه ولا لمسانديه ان يكونوا تحديا مضافا آخر بوجه التشكل أو عقبةً في طريق سلاسة الأداء فيما بعد، وهو الموقف الذي اخترنا ان نكون عليه أيضا.

ورغم أن السيد المالكي كان واثقا من أدواته القانونية والدستورية، ألا انه وكما اتضح في خطابه الأخير بأنه على يقين أيضا بوجود أطراف على أهبة الاستعداد لإستغلال الموقف بالضد من العملية السياسية والمسار الديمقراطي، فما كان من طريق أمامه سوى تكريس المفاهيم الديمقراطية عبر ترسيخ مفهوم التداول السلمي للسلطة كجرعة أولية للدفع بالأمور الى الأمام بدلا من التقهقر الى الخلف نحو الأساليب الديكتاتورية.. وهي خطوة أراد أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم التاريخية وخصوصا من اندفع عشوائيا لركوب الموجة المضادة للمالكي دون ادراك منه لما تنطوي عليه النوايا من سوء يُقصد به النظام السياسي الديمقراطي في نهاية المطاف.

وهو ما يتضح اليوم في ثنايا الخطاب المعادي الموجّه نحو حكومة في طور التشكيل (والذي أشرنا مسبقا لما يمكن ان يكون عليه) وما يقابل هذا الخطاب أيضا من استهداف لحكومة مضت دون ان تنال استحقاقها، ويشكل الامعان في استهدافها ضربة استباقية لأية حكومة جديدة أو أية شخصية تتصدى للمسؤولية في هذا الاطار.. بعبارة اخرى، يشهد الوضع في المناطق الساخنة اليوم ارباكاً كبيراً يجد فيه الكثيرون ممن تعاونوا مع الحكومة العراقية السابقة لمحاربة الارهاب في موقف لا يحسدون عليه وبالتالي هو ما يرجّح موقف حواضن الارهاب على مواقف الصحوات ويضعهم في زاوية ضيقة قد تتسبب في تشريدهم وتصفيتهم بطرق بشعة، وهو ما جرى للبعض منهم.. خاصة وان بعض الدول الداعمة للارهاب هي الأخرى دخلت على خط تأييد الحكومة الجديدة  أملا في حماية الحواضن في هذه المناطق، وذلك ما يمكن ان يتسبب في تعقيد مهمة الحكومة القادمة على الجانب الأمني وليس تسهيلها او دعمها كما يعتقد البعض.

وللأسف نرى اليوم الكثير من الامور وهي تجري بالضد من مصلحة العراق والعملية السياسية في العراق، فبدلا من المطالبة بمحاكمة رؤوس حواضن الارهاب في المناطق الساخنة، يلمس الجميع اتجاها لرفع الغطاء القانوني وايقاف الدعم المادي عن الجهات المحاربة له كالصحوات على سبيل المثال التي باتت مكشوفة الظهر ومهددة على أكثر من صعيد.

في حين ونتيجة استهداف حكومة المالكي بالطريقة التي رأيناها جميعاً، والتي يسعى البعض للدفع بتصعيد الخطوات التي تستهدف شخص المالكي وبما يمكن ان ينتج عنها من اضعاف لأي شخصية تتصدى لمسؤولية رئاسة مجلس الوزراء، وذلك ما يبدو جليا في المحاولات الحثيثة لتعقيد مهام رئيس مجلس الوزراء المكلف بتشكيل الوزارة عبر الزج بمطالب أطراف محرمة دستوريا كـ (قيادات البعث الصدامي المُهان) والتي يرى البعض في مشاركتها ومن أمثال المُدان طارق الهاشمي ضمانة لعدم التقسيم والحرب الأهلية في العراق.. وذلك ما يتضح ايضا فيما نقلته بعض وسائل الاعلام التي تحدثت عن (ورقة تفاوضية) أرسلها المجرم الهارب عزة الدوري الى رئيس مجلس النواب سليم الجبوري والمتضمنة لشروطهم الاساسية التي يسبق تنفيذها عملية اشتراكهم بالحكومة القادمة.. وبما يعني ان الغاء الدستور العراقي بات هو الضمانة المثلى لعدم وقوع الحرب الاهلية والتقسيم.. وأضحى كل من حكم وفقا لهذا الدستور مطلوبا للقانون ..  ولا ندري عن اي قانون يتحدث هؤلاء؟ .. لا شك انهم يتحدثون عن قرارات مجلس قيادة الثورة التي يحلمون بتطبيقها مجددا في العراق!.

أن ما يجعلنا اليوم في موقف مساند للحكومة الجديدة ليس تلبية لنداء المالكي وحسب، بل هي الحرب الممتدة التي ابتدأت على المالكي وبانت ملامح استهدافها للحكومة الجديدة.. والممتدة دون شك الى تحجيم جميع الأطراف المساندة لتطبيق القانون بالضد من الارهاب في الفترة السابقة والتي من الممكن لها أن تشكل سندا للحكومة الجديدة في الطريق لتحقيق الأمن والاستقرار.


14
جمهورية (الدواعش) وسُلّم الصعود الى الهاوية


عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

قبل أن نتطرّق الى مايمكن أن يعكس آرائنا عند الإجابة على السؤال الأهم في هذه المرحلة وهو ..(ما هي داعش؟) بما ينطوي عليه السؤال من إجابات ضمنية نسعى من خلالها الى تبديد علامات الاستفهام الأخرى المتعلقة بمن يقف خلف داعش أو الأكثر إستفادة أو تضررا من إحتمالية أن يتحقق (لا سامح الله) شعارهم الشهير(باقية وتتمدد) ؟.
 
قبل الخوض فيما سبق، تجدر الاشارة الى روح المسؤولية العالية التي رافقت التعاطي مع الحدث، والتي أكدتها النظرة الأبوية للمرجعية العليا، والاجراءات الحكومية التي اتسمت بالسرعة والشجاعة وحُسن إختيار الوسائل اللازمة في مجابهة المشكلة والبراعة في إمتصاص آثار الصدمة التي أسفر عنها سقوط الموصل بيد الإرهابيين، وما أسفر عنه الحدث من سقوط لأوراق التوت عما يمكن أن يُطلق عليها بالدواعش السياسيين الذين أخذوا على عاتقهم تنفيذ الشق المعنوي من المعركة والتفنن في الحرب النفسية الموجهة ضد دولة العراق التاريخية.

نعم، أن الصرامة المتسمة بالإنضباط العالي للنفس والجرأة المقترنة بالهدوء والتناغم الجديد لقوى التحالف الوطني والتناظر الدقيق والتنظيم الأكثر خفاءً لكل ما يُمكن أن يثير الفُرقة بين أبناء المجتمع العراقي، كانت العناوين البارزة، والأهم من هذا وذاك هو أن المنهج والمنظور السياسي الذي يحدد طرق التعاطي مع المستجدّات لم يعد جزئيا أو إنتقائيا أو سلوكاَ فرديّا أو فئويّاً، فقد أسهم دخول المرجعية العليا على خط الأزمة وممارسة الدور الأبوي الذي استدعته جسامة التحدي الى إرساء أسس جديدة تحدد ملامح إنطلاقة وطنية تضع التضحيات المبذولة في إطارها الصحيح بعد أن أصبحت سلاحا بيد الجناة لتمزيق المجتمع العراقي وتعبئة بعضه ضد البعض الآخر، وتوجيه الدماء النازفة لأكثر من عقد من الزمن بإتجاه تُصان بها وحدة العراق أرضاً وشعبا وثروات وتحفظ ببذلها القيم العليا والمقدّسات التي شاء الله لهذا الجيل العراقي أن يكون مؤتمناً عليها، والتي تواجه اليوم تهديدا خطيرا يمس جوهر الكينونة والوجود العراقي، بما ينطوي عليه من إرث تاريخي وأجيال معاصرة و مستقبل منشود.

لم يعد مصدر الخطر مبهما بعد أن أعلن العدو عن نفسه وبعد أن توّهم بأن الحواضن السياسية قد أنجزت مهامها بالشكل الذي يمّكنه من إنتزاع القلادة التي تزّين جيد التاريخ، ونثر ما رُصّعت به من مجوهرات وأحجار كريمة في جيوب الزُناة، أي تمزيق العراق وتحويل رجال العراق من العرب والكرد والتركمان والشبك والكلدوآشوريين ومن مسلمين سُنّة وشيعة وصابئة ومسيحيين،  الى موالي وغلمان ورعايا للتاج الإمبراطوي وتحويل حرائره الى جواري في قصور السلاطين.
نعم أن جميع المؤشرات ومعطيات الواقع تشير الى أن داعش تحمل مشروعا يتمحور بالدرجة الأساس حول ذبح العراق وشعب العراق من الوريد الى الوريد، فهو (مشروع سياسي يستمد أسباب وجوده بشكل أساسي من التحالف بين الدين والقبيلة سعى ومن خلال أطراف نافذة الى تكريس الشعور بالمظلومية لدى أبناء السُنة من القيادات السياسية في كل من العراق والشام بوصفها (قيادات شيعية)، وللمشروع أهداف متعددة تصبّ بالنتيجة في مصلحة الطرف أو الأطراف الداعمة، ويتماهى بشكل كبير مع بدايات إنشاء مملكة آل سعود في توظيف العصبية القبلية لتغذية التطرف الديني الهادف الى إنشاء كيان سياسي ينطبق عليه وصف الدولة) .

وبالنظر الى إتجاهات زحف هذا التنظيم وإنتشاره الحالي الذي تعكسه الخريطة في (أسفل المقال) والمنشورة على صفحات وسائل الاعلام العالمية وعدد مراكز البحوث المتخصصة يرى بأن مناطق تواجده تعكس بُعداً (إقتصاديا) هائلا يجعل منها دولة ذو اقتصاد متين يتمثل في سيطرتها على مناطق غنية بالنفط وسيطرتها على ممرات تصدير النفط الى منافذ التصدير، فضلا عن موقعها ذو الأهمية الإستراتيجية في وضع يدها على ممرات المياه المتجهة الى (المناطق الشيعية).. ويتضح من الخريطة أيضا أهميتها الإجتماعية والدينية ذو المآرب السياسية من حيث الفصل التام بين أكراد العراق وأكراد سوريا وجعل أكراد سوريا في معقلا كبيرا يحيطه الأتراك والدواعش لاإطلالة لهم على منفذ بري أو بحري أو جوي دون إذن مسبق، وهو ما ينطبق على أكراد العراق الذين سوف تتقلص مساحة الجغرافيا الحالية في المحافظات العراقية الثلاث بعد إلحاق المناطق التي تمثّل مناطق تواجد وإختباء ونقاط انطلاق الحزب العمال الكردستاني في النضال المرير لإنتزاع حرية الكرد والإنسان الكردي في تركيا.
ذلك وغيره ما يمكن إستنتاجه عند النظر الى الخطوط البيضاء المرسومة على خريطتي كل من سوريا والعراق والتي تشير الى مناطق انتشار هذه المنظمة الارهابية المسمّاة داعش.

أن هذا المشروع الخطير يثير العديد من الأسئلة المتعلّقة بهوية الداعمين له، والمشرفين عليه خاصة وأن الخبراء الأمنيين يتفقون على أن طبيعة التخطيط الإستراتيجي لهذه المنظمة وطرق التنسيق بين فصائلها المترامية الأطراف وسيل المعلومات المخابراتية المتوفرة التي تحتاجها قيادات التنظيم في رسم الخطط التكتيكية في المواجهة مع الجيوش النظامية والقدرة على الإحتفاظ بالأرض، ذلك وغيره يؤكد بما لايقبل الشك بوجود داعم أساسي لا يقل عن أن يكون دولة وليس من المبالغة بشئ القول بأكثر من دولة، فضلاً عن الحواضن السياسية والأمنية والإجتماعية ذات الجهد المحلي.

المهمّة من الصعوبة بالنسبة لداعش، ما تنطبق عليها الإستحالة لولا نجاح الداعم الرئيسي لهذه المنظمة في توظيف نظرية الضد النوعي للإنتماءات (الوطنية) أو (القومية) وكذلك (المذهبية) ، وعلى سبيل المثال أن معظم إصدارات هذا التنظيم الموجهة للتعبئة وتأكيد قُبح العدو ورفع معنويات أفراد التنظيم تعتمد بالدرجة الأساس على المادة الاعلامية التي تنتجها القنوات الإعلامية (الشيعية) المعارضة للحكومة العراقية، والخطاب المعارض غير المدروس الذي نتمنى أن نسمع ما يسهم بتفويت الفرصة لإثبات حُسن النوايا، ولقناة البغدادية حصة الأسد في تلك الإصدرات الاعلامية التعبوية وتحديداً (برنامج الساعة الفاشلة).

بعد سيطرة منظمة داعش الارهابية على المناطق الحيوية الواقعة ضمن حدود الدولة المرسومة سلفاً، أصبح إسقاط الحكومة السورية ليس من أولوياتها بل من مصلحتها إستمرار الصراع وإستنزاف قدرات الأطراف الأخرى، ويعني فيما يعنيه، بأن مقاتلة داعش لن يتسبب بالضرر المباشر إلا للرعاة الحقيقيين لهذه الدواب اللاهثة خلف السراب.

أن المرحلة من الخطر ما يدعو الجميع الى الالتفات والإسهام كل من موقعه في صد الهجمة والخطر المحدق بالعراق، فأن ذلك واجب الجميع، ألا أن البعض وممن تسبب في تكريس الواقع السلبي الذي أعان الداعشيين على إختراق الواقع العراقي والتمدد في مسامات نسيج المجتمع العراقي ، فإن كان ما فعله عن غير قصد، فالإلتحام بالإرادة الشعبية هو خير دليل على حٌسن النوايا ، وأما الحياد فلربما له ما يبرر صمته.. ولكن الإصرار على عرقلة الأداء الحكومي والمساومة على وحدة العراق يُعد سبب أكثر من كاف للحد من تحركاته المغرضة وإيقاف سيل الإشاعات والتحريض المبرمج المدفوع الثمن، وإلا هل هناك من تفسير لما ورد في بيان أسامة النجيفي من عبارات وتهديدات يضع نفسه قيّما على مصير العراق؟.. وليهدد الحكومة بالقول.. " أننا اذ نخوض معركتنا المصيرية وربما الأخيرة من اجل وحدة العراق"..  فهل يصُح لمسؤول عراقي ورئيس إحدى السلطات في البلد تخيير الحكومة ما بين إفساح المجال لداعش إكمال ما تبقى من مراحل خطتها وبين المساومة على وحدة العراق!!، وفي حقيقة الأمر لن يقتنع النجيفي ولا سلاطين الدولة العثمانية ولا قرود داعش بأحد الخيارين، بل كليهما معاً، لأن لا قيام لجمهورية الدواعش الا على أنقاض العراق.. ولا قيام لجمهورية العراق بوجود (أئمة) الضلال من الدواعش.. فلا بديل ولا مناص، من أن نجعل من صعودهم على أكتاف أم الربيعين لإجتثاث هويتها، صعودا الى الهاوية.

خارطة الكيان الداعشي والأماكن التي يفرض الداعشيون سيطرتهم عليها





15
حزب تركي: اسلحة "داعش" في العراق وسوريا ارسلت من قبل "اردوغان":
 

 
واخ – متابعة
كشف رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي كمال كيلشدار اوغلو، اليوم السبت، إن الاسلحة التي بين ايدي داعش ارسلت من قبل رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، داعيا وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو الى الاستقالة.
وقال أغلو في حديث لصحيفة "جمهوريت التركية" إن "ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجه الأسلحة التي أرسلها له أردوغان بالشاحنات إلى المواطنين الأتراك حاليا"، في إشارة إلى اختطاف التنظيم لموظفي القنصلية التركية في مدينة الموصل.
وأضاف ان حكومة أردوغان "كانت تدعم جبهة النصرة وتؤمن لها السلاح والذخيرة قبل فترة قصيرة بينما اعلنتها تنظيما إرهابيا فجأة" مبينا أنه وجه هذه الاتهامات إلى أحمد داود اوغلو وزير الخارجية في حكومة أردوغان خلال اللقاء به أمس و"دعاه للاستقالة".
في سياق آخر أكد النائب عن حزب الشعب الجمهوري التركي محمد علي أديب أوغلو أن تنظيم داعش على علاقة وثيقة بالحكومة التركية حيث يقوم ببيعه النفط الذي يسرقه من سوريا في حين أشار الصحفي التركي تولجا شاردان إلى وجود آلاف الأتراك يقاتلون في صفوف هذا التنظيم.
وقال شاردان في مقال نشرته صحيفة "ميلليت التركية" أن ما يسمى تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" في سوريا والعراق يضم نحو "ثلاثة آلاف تركي إضافة إلى عدد كبير من المقاتلين من فنلندا وفرنسا والجزائر وألمانيا ودول البلقان".
وأضاف شاردان إن "قيادة التنظيم تمنح الأتراك صفة (الأمير) وإن التقارير التي أعدتها أجهزة الأمن التركية تفيد بدخول العديد من الأتراك إلى سوريا والعراق بطرق غير شرعية للانضمام إلى صفوف داعش"، مؤكدا أن هؤلاء "تلقوا التدريب في معسكرات تنظيم القاعدة بأفغانستان وباكستان".
ولفت الصحفي التركي إلى أن "المازوت الذي يقوم بسرقته من سوريا وبيعه في تركيا يعد مصدر دخل مهم للتنظيم".
إلى ذلك، قال النائب أديب أوغلو في تصريح نشرته صحيفة "جمهوريت" التركية، إن تنظيم "دولة الإسلام في العراق والشام" يضخ النفط عبر خط أنابيب سرية تمتد إلى اسكندرون وغازي عنتاب وأورفا ومدينة كيليس ويبيعة لحكومة أردوغان ما يدر أرباحا تقدر بـ 800 مليون دولار".
وحذر النائب أديب من "خطورة تعاون حكومة حزب العدالة والتنمية مع هذا التنظيم الذي يهدد العالم برمته".
ولفت أديب أوغلو إلى قدوم العناصر المسلحة من أوروبا وروسيا ودول آسيا والشيشان ودول مختلفة إلى سوريا والعراق عبر تركيا مشيرا إلى أن "حوالي ألف تركي يساعدون تلك العناصر المسلحة للعبور إلى سوريا والعراق لينضموا إلى صفوف الإرهابيين"، مؤكدا أن "عمليات نقل هؤلاء إلى سوريا لا يمكن أن تتم من دون علم جهاز الاستخبارات التركية".


16
الموصل.. نزيف الدم وثلاثية المؤامرة!
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

كان من الممكن أن تمر دولة مصر بما هو أسوأ مما حدث ويحدث في العراق لتنشطر وتتشظى وتصبح عبئا كارثيا على المنطقة والعالم لولا إلتحام ضمائر أحرار قادتها مع آمال وتطلعات الجماهير، ولولا الاستشعار المبكر لحجم الكارثة واليقين المطلق لمن تصدّى للحسم بعدالة الموقف.. وهو ما ينبغي أن يحدث في العراق اليوم (بطريقة ما) لكي لا تنفجر الأوضاع بشكل يخرج بالأمور عن السيطرة، وخاصة بعد أنتقال الصراع مع الإرهاب من مرحلة تعطيل الأداء الى مرحلة تفكيك الدولة لتحويلها الى كانتونات تحكمها عوائل مسمّاة سلفاً تدين بالولاء لأطراف خارجية سرعان ما تجنح بعد اتمام الهدف المشترك (انهيار الدولة) الى التدافع والتناحر على مناطق النفوذ والثروة ليكون الانسان العراقي القاطن في هذه المقاطعات المتناحرة وقودا لحرب من الصعب تحديد أمدها أو قياس تداعياتها.. تتمثل مقدمات الخطر المحتمل في السقوط المفاجئ والمريع لمدينة الموصل.




وتكاد تتفق أراء المراقبين على أن محور (السلاجقة الجدد ) المتمثل في الخط (التركي- القطري)- وعائلة النجيفي (محافظ الموصل و رئيس مجلس النواب) – وكذلك حلفاء أردوغان من القوى الكردية (البارزاني) يقفون بمسافات متباينة كُلّ حسب ما أنيطت به من مهام لإتمام عملية الانهيار المفاجئ.




ليس من الصعب ادراك الأدوار القذرة التي أسهم بها كل من أسامة النجيفي للتمهيد لما حدث في الموصل، فقد بدا اثيل النجيفي أكثر جرأة في الإفصاح عن دوره في تعبئة أبناء المدينة واستغلال موقعه الوظيفي في منع من تصل اليه سلطته من الدفاع عن المحافظة وتكرار المطالبة في الإقليم والدعوات المتدرجة في الإستفزاز للسلطة ، وفي المقابل كان الدور المناط بأخيه أسامة النجيفي مختلفا ، ومعنيّا بالدرجة الأساس في إدامة الزخم المعارض للمالكي من قبل القوى الشيعية، والتغطية على تصريحات أثيل النجيفي بتصريحات تبدو مختلفة قليلا لكنها استدراك مقصود لكلام أخيه دون الإشارة له ، لكي تعطي الرسائل الاعلامية ثمارها وتصل الى أصحابها دون أن تثير شكوك الجهات الرسمية والمتابعين أو تلفت الأنظار الى أنها تأسيس مقصود أو إعداد مسبق من أخيه لأحداث لاحقة.




وما زاد الأمر تشويشا هو أن التصريحات المناوئة والهدّامة أصبحت سمة مشتركة ما بين الأعداء الفعليين (الإرهابيين) والخصوم السياسيين على حدّ سواء ولم تكن مقتصرة على الثنائي النجيفي فقط، فالنائب بهاء الأعرجي لايعتقد هو الآخر بوجود عقيدة سليمة لدى الجيش الحالي بل نفى وجودها بالمطلق بما يعني أنهم (مرتزقة) وفي المقابل يمتدح الأعرجي علنا العقيدة القتالية للجيش في زمن المقبور صدام، رغم أنها كانت ترتكز على مقولة واحدة هي "اذا قال صدام قال العراق"، تلك العقيدة الفاسدة التي غزا بها الكويت، وأخمد بها إنتفاضة آذار، وجفف بها الأهوار، وقتل فيها ما قتل من أنفس بريئة في حلبجة بالأسلحة المحرمة دوليا، وحارب بها ايران ثمانية أعوام).. فالعقيدة في نظرهم لا تصُح إلا حين تضرّج كل يوم بـ(الدماء) وليست المستندة على حُسن الجوار والتعايش المشترك ومحاربة الإرهاب.. وقد أردف أثيل النجيفي تصريح الأعرجي بماهو أخطر في وصفه لسقوط الموصل في 9/6/2014 عبر قناة البغدادية وبعد أن نعتَ الجيش والصحوات بالمرتزقة قال ما نصّه .. " أن الذي يحدث الان هو ان الارهاب له قضية- صحيح انها دموية لكنها قضية- واجه بها شعباً لا يحمل قضية ولا يعتز بهويته".. والنجيفي أثيل لم يكن غافلا عندما قال ذلك، فلديه من الإلمام ما يميز به مفردة (قضية) والمستمدة من كلمة قضاء بما يمثل من صور العدالة الانسانية، فالإقرار بوجود قضية لجهة ما، هو بالضرورة إقرارا بعدالتها وبذلك يكون (الإرهاب عادلا) حسب نظرية النجيفي .. وهو يقصد ما أعلن بدليل  تصريح سبقه بيوم نشر في شفق نيوز 8/6/2014 قال فيه ما نصه : " رؤيتنا في الإرهاب تنطلق من فهمنا لمذهبنا السني وسياسة المالكي تفتقر للحكمة ".. وقد إستدرك فيما بعد بعبارات غامضة لكنه أوصل رسائل الترحيب بوضوح، وما يعنينا هنا هل هو المالكي المقصود في الحرب الشعواء المنبعثة من أفواه الخصوم كإنبعاث العفن من أجساد الدواب النافقة أم الدولة العراقية؟ ، بلى أن إزاحة المالكي خطوة تمهد لما هو أكبر.. وليس ذلك تكهنّا مني، بل ما قاله أثيل النجيفي في البغدادية لبرنامج الساعة الفاشلة والموجود على صفحاتها أسوة ببقية التصريحات وكان ذلك في 12/5/2014 حيث قال ما نصّه "الخطأ في هيكلية الدولة التي اعطت القيادة العامة للقوات المسلحة بيد شخص واحد، وكذلك عدم استقلال القضاء، لذا ارجوا من العراقيين ان لا يفكروا فقط باستبدال السيد رئيس الوزراء، وانما عليهم التفكير في تفكيك هذه المنظومة التي ادت الى خلق الانفرادية في السلطة"..) .. التصريح على درجة من الوضوح لايحتاج معها الى تفسير، وذلك ما تُريد محاور الشر على اختلاف مشاربها أن تصل اليه.




إذن الهدف هو (تفكيك الدولة العراقية) الذي انتقل الساعون لأجله والعاملين عليه، من مرحلة التعطيل الى مرحلة التفكيك الفعلي للدولة العراقية بإسقاطهم أم الربيعين، التي سقطت بسقوطها السريع والمفاجئ هيبة الدولة في نفوس الناس، يحتاج من بغداد فعلاً سريعا ومفاجئاً قبل أن تتكرر المأساة في العاصمة، فما جرى لا يتعدى أن يكون تمريناً لهذا الغرض، ورغم فشله في سامراء ألا أنهم وجدوه في الموصل أسهل بكثير مما كانوا يعتقدون!.. فالمحاور وأن اختلفت تجتمع على هذا الهدف، وعلى سبيل المثال، فالمحور الأموي والمحور السلجوقي يختلفون في جميع الأماكن الأخرى لكنهم متفقين في العراق طالما أنيط بأزلام البعث الصدّامي مهام التنسيق بينهما، وتعبئة المغفّلين لهما.




أن القادم أسوأ إن لم تكن القرارات بمستوى اللحظة وبجسامة الحدث، فالتحديات التي تعكسها الوقائع، وبما تشكّل من مخاطر على العراق وشعب العراق، لم يعد تجاهلها أو تأجيل قرار الحسم فيها ممكناً.. فالعدو من القُبح واللؤم والخسة والغدر والقسوة ما يثير حفيظة الضباع إن قارنتها به.. وليس مستبعدا أن يرتكبوا جرائم كبرى للوصول الى مبتغاهم. فكم من الجرائم أرتكبت بحق المواطنين العراقيين من الشبك؟.. وكم من شباب وشيوخ ونساء التركمان أريقت دمائهم؟ .. وهو حال العراقيين جميعا، لكن التركمان الذين ملأت الأفق مناشداتهم!.. وتناثرت في أرض الشتات ودول اللجوء عوائلهم،  كان و مازال التجاهل غير المسؤول لهذه المناشدات الإنسانية هو سيد الموقف، وكانوا وما زالوا يدفعون الفاتورة الكبرى .. منذ عقد والحال هكذا، لكن وعندما تقتضي المصلحة (السلجوقية) ويحين وقت التمهيد لإعلان (ولاية الموصل)، لن يتردد أحد أي من الدواعش من إرتكاب جريمة إبادة جماعية لهم بطرق غير مألوفة لفسح الطريق أمام غزو عسكري تركي بذريعة (حماية التركمان) وبشكل مماثل لما جرى في (جزيرة قبرص) للسير في جنائز ضحاياهم وسلب هذه الشريحة المناضلة من شعب العراق التي شهدت بتضحياتها الجبال والأهوار معاُ، سلبها تاريخها النضالي في العراق وجردها في سجل الممتلكات القومية للباب العالي.. ليس علماً بالغيب، ولا إدعاءا للكهانة عند القول بذلك، لكن المؤشرات والمستجدات على أرض الواقع العراقي ومسار الأحداث قياسا بتاريخ الأطراف الأخرى وما ينطوي عليه من أطماع وبشاعة وتكفير، يؤكد مثل هذه التوقعات ويبقي أبواب الإحتمالات السيئة مفتوحة على مصراعيها.. وغزو (شمال) قبرص لأغراض إقتصادية وأهداف استراتيجية وقائية، مع كونها تحمل عضوية مماثلة لتركيا في حلف شمال الأطلسي هو مثال واضح على ذلك، وإرتكاب القادة الترك للمجازر بحق مواطنيهم الأرمن والآشوريين والسريان هو مثال آخر أكثر وضوحاُ.. ولا تقتصر مثل هذه التوقعات على (محور السلاجقة الجدد)، بل تاريخ و بشاعة محاور الشر الأخرى تشير الى ماهو أبعد من ذلك.. وكما يقول المثل الشائع "المال السائب يُعلّم السرقة"، فالدولة السائبة هي الأخرى تُعلّم جيرانها الغزو، فكيف إن كانت محاور الشر الفاتكة بالعراق اليوم قد ورثوا الولع بالغزو، والغدر بالأخ والصديق اذا ضعُف من السلالات التي انحدروا منها!.




فاليوم وبعد استهانة الطبقة السياسية الحالية بالنظام السياسي الجديد والاستخفاف بالتجربة الديمقراطية المتمثل في عدم الاعتراف بما أفرزته الإنتخابات من نتائج لم تكن لصالحهم وخروقاتهم المتكررة للدستور ودعواتهم العلنية للتمرد المقترنة بالمماطلة في اتخاذ القرار النيابي الحاسم بوجه الإرهاب لصيانة حياة الشعب والحفاظ على سيادة وكرامة الدولة، وبعد أن جرّدوا المواقع السياسية العليا في الدولة من قدرتها على الفعل المؤثر، فلم يتبقى في الدولة العراقية من شواهد دالة على السيادة سوى الجيش العراقي وقد بات مستهدفا من قبل السياسيين وقنواتهم الاعلامية لتجريده من قدرة الدفاع حتى عن نفسه، ولم يبقى لعنوان المسؤولية الأول في الدولة العراقية من توصيف قادر على الفعل سوى (القائد العام للقوات المسلّحة) فالمسؤولية التاريخية والإنسانية والوطنية الملقاة على عاتق السيد المالكي اليوم تستدعي قرارات شجاعة وحاسمة تُلزم الجميع بمسؤولياتها، وتُعيد للحياة الدستورية وللتجربة الديمقراطية مضامينها الحقيقية بالإسراع في تشكيل حكومة الأغلبية السياسية القادرة على إسناد المؤسسة العسكرية وتنمية قدراتها و تعزيز معنوياتها، وعدم الاستجابة يؤول الى فقدان الطبقة السياسية لحصانتها وشرعيتها، ففي اللحظات الحرجة التي تُنتهك فيها سيادة الأوطان وتُهدد فيها حياة الشعوب لا يبقى أمام من تصدى بإرادته لتقلد المسؤولية في النُظم الديمقراطية من خيار سوى الأداء الإستثنائي الحاسم والمتلاحم مع رأس السلطة التنفيذية في البلاد، وما عداه فإن الديمقراطية التي وصل من خلالها الى موقع المسؤولية تنتزع منه شرعيته وتتصنفه في خانة الحنث باليمين الدستورية الذي يُعد خيانة عظمى .. ومن جانب آخر فإن الدول التي تعتز بهويتها وتحترم حياة أبنائها تُعلن حالة الطوارئ على أثر كارثة طبيعية أو إطلاقة مدفع من إحدى دول الجوار ، أما سقوط مُدن بأكملها بنسائها ورجالها وأطفالها بيد الإرهابيين فهو أمر غير قابل للجدل.. فحالة الطوارئ مادة دستورية وتعطيلها عندما يكون الوطن بحاجة ماسة لها يعد انتهاكا للدستور وهو ما يصنّف في عداد الخيانة العظمى أيضاً.. فالديمقراطية والدستور نفسه يلزم الآخر بتعطيل العمل به في الظروف الاستثنائية ، وهي بالنتيجة مسؤولية السلطة التنفيذية ومجلس الرئاسة في تقدير حجم المخاطر واستنفار كل عناصر القوة التي تمتلكها الدولة للحفاظ على هيبتها وتماسكها وحياة مواطنيها بما في ذلك تفعيل الشق الأمني من الاتفاقيات الدولية التي يرتبط بها العراق مع الدول الحليفة، وممارسة كل محظور تستدعيه الضرورة، فذلك ما تتفق عليه القوانين الوضعية وقوانين السماء وخاصة عندما يكون الأمر متعلقا بإيقاف نزيف دماء الأبرياء.



17
انتاج الأعراف الدستورية في العراق.. الحكيم إنموذجاً

عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
يعكس موقف الجبهة السياسية المعارضة لتولّي السيد المالكي رئاسة الحكومة الجديدة، وعلى اختلاف دوافع أطراف الجبهة ، رغبة عميقة ممتزجة بسبق الاصرار والترصد على تكريس واقع (المحاصصة) كنهج أساسي تعتمد عليه المؤسسة الحكومية العراقية في ادارتها للسلطة، وبما يُفضي الى الزامية التطبيق لهذا النهج القميئ حينما تُسهم الوزارات المتعاقبة بتثبيت أسسه في العقل السياسي الجمعي ليُصبح فيما بعد، وبالتدريج  قاعدةً سياسية وعرفاً دستورياً غير قابل للترك والتعطيل.

المثير في الأمر هو أن جميع أطراف الجبهة المضادة (ممّن يعض اليوم على مفهوم المحاصصة بالنواجز)، كانوا قد أفردوا مساحات واسعة لـ (شعار التغيير) كجزء من خطابهم الاعلامي وبرامجهم الانتخابية للتناغم مع وعي المواطن العراقي والتواؤم مع تطلعاته المستقبلية ، خاصة وأن إخفاقات المراحل السابقة كانت قد ولّدت لدى المواطن العراقي إدراكاً تامّاً بأن المحاصصة، وبجميع أشكالها (الحزبية والطائفية والعرقية) كانت قد جرّدت التجربة الديمقراطية في العراق من قدرتها على تعزيز نفسها أو المساهمة في تحفيز النمو الاقتصادي.. فقد خلقت المحاصصة مناخات موبوءة وبيئة خصبة للفساد المالي والاداري يصعب معها ايجاد جهاز وظيفي قادر على ممارسة وتحقيق عملية التنمية الاقتصادية، فضلا عن اسهام المحاصصة في تقويض الاستقرار الأمني نتيجة لتجزئة الملفات الحساسة بين أطراف أثبتت التجربة عدم وجود أي اتساق في النهج السياسي لهؤلاء (الشركاء) مع الحكومة المكلّفة بإدارة السلطة التنفيذية في البلاد.

ما يمكن إدراكه اليوم وبشكل واضح، هو أن الحراك السياسي المضاد الذي تتبناه هذه الجبهة المعارضة كان قد اختزل ما رُفع من شعارات للتغيير في مواقف نمطية مناوئة لاتستند الى أساس دستوري، وتهدف الى السعي لمصادرة الاستحقاق الانتخابي للكتلة الأكبر (دولة القانون)، ومن ثم المحاولة لسلبها حقاّ حصرياً يتمثل في حرية اختيار مرشّحها لرئاسة الحكومة العراقية القادمة من خلال اشتراطات تحمل صفة الاجتهاد الشخصي مقابل النص الدستوريعلى أمل إكتساب ذلك الاجتهاد الشرعية بتصنيفه عُرفا دستورياُ في المراحل اللاحقة.

ذلك في الحقيقة ما تسعى اليه جميع أطراف الجبهة المعارضة للولاية الثالثة للسيد المالكي، ألا أن آمال جميع هذه الأطراف باتت معقودة على بعض مكوّنات التحالف الوطني ممّن يشتركون مع بقية الأطراف في عملية انتاج الأعراف الدستورية (التعطيلية)، التي تتحرك في نطاق عقدة النقص التي تشكّلت بنسب متفاوتة لدى هذه الأطراف، فضلا عن الخشية من دخول نفق (سن اليأس السياسي) التي بدأت تراود الكثير منهم نتيجة المنجز الانتخابي لدولة القانون على الصعيد الوطني، والحضور الدولي والاقليمي الفعّال للدولة العراقية الذي أسهمت حكومة السيد المالكي في رسم معالمه المستقلة بالموازاة مع سعيها الدؤوب للإرتقاء بهذا الحضور لما يعزز المصالح الوطنية ويعمّق ثقة المجتمع الدولي بالعراق الجديد.

وقد بات واضحاً للعيان بأن المجلس الاسلامي الأعلى، وعلى وجه التحديد السيد عمّار الحكيم (زعيم المجلس) قد تصدّر السرب المغرّد خارج الدستور، رافعاً لواء المحاصصة بوجه (مبدأ المواطنة الحقّة) الذي تسعى حكومة الأغلبية السياسية الى إقراره: المبدأ الذي يحتضن المكونّات العراقية بطريقة تُعيد للفرد والإنسان داخل هذه المكونّات مكانته الإعتبارية ، وللكفاءات المواقع الوظيفية المستحقة لها،  بطريقة عابرة للوصاية الحزبية التي تفرضها المحاصصة بمنحها الأحزاب السياسية حق التمثيل القسري والوصاية على الفرد العراقي داخل هذه المكوّنّات حتى وإن لم يكن قد أدلى لهم بصوته..!

ودون أدنى شك، وإنطلاقاً من قوة المعايير المعتمدة في تشكيل الحكومة، تُعد حكومة الأغلبية السياسية الأكثر تجسيدا للشراكة الوطنية والأصوب تمثيلاً للمكونّات من (حكومة المحاصصة )، أو "شراكة الأقوياء" التي يدعو لها ويصر عليها الفريق المقابل، فالشعب ليس بحاجة الى (شراكة الأقوياء) بقدر الحاجة الى (شراكة الأكفاء) التي تعتمد معيار الكفاءة وإتساق النهج السياسي لضمان فريق عمل ذو رؤى موحّدة وجهود متناسقة وتكاملية، حينها فقط يمكننا التحدث عن وجود قيادة قوية واضحة المعالم وقادرة على الانجاز، وذلك هو التفسير الأدق لمفهوم القوة عندما يتعلق الأمر بمفهوم السلطة وادارة مؤسسات الدولة.

ولكن، من أين للسيد عمّار الحكيم وللمجلس الأعلى، الإعتقاد بذلك، خاصة وهم الساعون ومنذ البدء لإيقاع القطيعة النفسية والعملية بين مكونّات الشعب العراقي بنهجهم الإعتزالي المتجسد في مشروع "إقليم الوسط والجنوب الشيعي"، الذي أسقطته الجماهير العراقية.. ليس هذا وحسب، بل إيقاع ذات القطيعة بين المكونات السياسية (الشيعية)، ولسنا هنا بصدد السرد التاريخي للأحداث التي تحمل بين طيّاتها الكثير من العبر والعديد من الإدانات، والتي تثير الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام بوجه من وضعوا ثقتهم في طروحات السيد عمار الحكيم المفتقرة الى الدراية والحكمة. 

حيث لم يتوانى السيد المالكي يوما في ايضاح ما يجابه العراق من تحدّيات، لإحاطة الشعب العراقي علماً بمجريات الأمور، وإستنهاض بقايا الضمير الوطني لدى الفرقاء السياسيين، ولكن وللأسف.. لقد أسمعت لو ناديت حيّا .. ولكن لا حياة لمن تنادي!..
ففي وصفه للمحاولات الارهابية التي طالت مدينتي سامراء والموصل، أكّد السيد المالكي بأنها محاولات دائبة وسعي داعشي حثيث لإثارة الفتنة الطائفية، وفك الخناق عن الإرهابيين في الأنبار واحتلال موطأ قدم في مناطق أخرى.. ولكن تلاحم القوى الأمنية وقف حائلا دون تحقيق الدواعش لأهدافهم..

والغريب أن القوى السياسية منهمكة في تكذيب هذا الخبر وتشويه هذه الجهة أو تلك دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه القوات المسلحة التي بذلت دمائها في سبيل الدفاع عن أمن الوطن والمواطن!.

وبما يثير التساؤلات لدى المخلصين من أبناء الوطن.. أليس من حق القوات الأمنية العراقية التي تضع أرواحها على أكفها في مجابهة الإرهاب، أن تحضى بتلاحم سياسي وموقف داعم للجهد الحكومي بدلا من تهافت (سياسيو الساعة التاسعة) على قناة البغدادية التي خرجت عن موضوعيتها وبدت أكثر تطرفاً في شخصنتها للأمور وأشد تزمتاً في تبنيها المفردات التي لايقرها الضمير الوطني ولا يستسيغها الذوق العام..؟

وختاما، أن الأعراف الدستورية وكما هو دارج ومتعارف عليه، تتكون نتيجة انتهاج السلطات التنفيذية سوابق سياسية تأتي لإتمام نقص دستوري ويسهم التكرار المتتابع لهذه العادة السياسية في جعلها قاعدة قانونية وعرف دستوري حينما تكون مكملة لنقص وشديدة الوضوح بما لايقبل معها التأويل. ألا أن ما يصدر اليوم من محاولات حثيثة للسيد عمار الحكيم لـ (دسترة المحاصصة) وإكسائها رداء (العفة) والعرف الدستوري، وذات الحال ينطبق على تحديد رئاسة مجلس الوزراء بفترتين رئاسيتين.. وكلا الأمرين لا يمكن تصنيفهما في خانة النقص الدستوري بل يمكننا القول بأنهما يشكلان معا تجاوزا فاضحاً للدستور العراقي، هذا من جانب، ومن جانب آخر فالسيد الحكيم لايمتلك أية صفة رسمية تؤهله لإرساء أسس الأعراف الدستورية في البلاد.. لذا فأنه من الحكمة أن يتحدّث كُلّ منّا حسب وزنه، ورحم الله أمرءِ لجمَ نفسه عن السعي للظهور بطلاً على حساب المصلحة العامة وأمن الأبرياء..!



18
حكومة الشراكة والتفاوض مع الداعشيين في الفلوجة !
عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

الفلوجة: إسم لمدينة عراقية اقترن اسمها بالتمرد والخروج عن القانون وتبني الأساليب الارهابية منذ التغيير عام 2003 والى اليوم، ولاشك أن البعض ينظر الى الأمر نظرة معاكسة يرى فيها، أن في ذلك الإقتران، إضافات ايجابية لتاريخ هذه المدينة وعلامات فارقة تميزها عن بقية المدن، إنطلاقاً من كونها مدينة (مقاومة)!. والأخذ بهذه النظرة يُعد تقزيما لتاريخ المُدن العراقية الأخرى لما فيه من حصر لمعاني (البطولة والاستبسال) في بقعة جغرافية معينة وتجريد بقية البقاع العراقية منها. مع ذلك، في المقابل أيضا، فأن الصاق صفة الارهاب بها وتعميمه على جميع أفرادها هو تجنّي كبير على تاريخ هذه المدينة الذي إمتزج فيه هذا وذاك، إبتداء من قتل المقاولين الأمريكيين الأربعة في 2004 وسحل جثثهم في الشوارع ومن ثم حرقها وتعليقها في أطراف أحد الجسور في مدينة الفلوجة (وقد كتبت في حينها مقالاً بعنوان "إغتيال الانسانية في الفلوجة " في الأول من نيسان 2004 وقد نشر في حينه في موقع بوابة العراق)، ولم يكن في الحسبان أن يحدث ماهو أبشع اليوم، وهو أن يلعب الداعشيون في الفلوجة كرة القدم برؤوس عدد من أبناء قواتنا المسلحة الذين وقعوا أسرى في أيديهم.!

في حقيقة الأمر، ومثلما هو العراق فيما مضى، عندما تم ترشيحه من قبل أطراف رسمية (أعرابية) في الممالك الوراثية بالإتفاق مع النظام الصدّامي  ليكون البوابة الشرقية لـ (القومية/ الأمة العربية الكارتونية) قبال عدو خارجي، وليخوض حرباً طاحنة أنهكت الشعبين العراقي والأيراني وسالت على أثرها أنهارا من الدماء، ولم يحصد نظام صدام المقبور ومن وقف خلفه في تلك الحرب سوى الندامة والخذلان..  كذلك الفلوجة اليوم، فقد أسهمت العوامل الجغرافية والديموغرافية لهذه المدينة في إختيارها منذ ما قبل التغيير 2003، بوابة شرقية لـ (الطائفة).

وتُعد مدينة الفلوجة، أحد أقضية محافظة الأنبار، وهي المدينة أو القضاء الأقرب والمحادي الى العاصمة العراقية من بين الأقضية الثمانية الأخرى التي تتشكل منها المحافظة، حيث لاتفصل هذا القضاء عن مدينة بغداد سوى 60 كيلو متراً. وإضافة الى العامل الجغرافي، فالديموغرافيا هي الأخرى إقترنت كعامل مساعد في الاختيار، من حيث أحادية الانتماء القومي والمذهبي (السني)، وتعددية الإنتماء القبلي (وبما يشكل امتدادا لمعظم عشائر الأنبار)، يضاف الى ذلك فقد إحتل عدد كبير من أبناء هذه المدينة مواقع وظيفية في النظام السابق وتحديدا في المؤسستين الأمنية والعسكرية إكتسبوا من خلالها خبرات من الممكن تسخيرها في انتاج العنف، فضلا عن الطبيعة المحافظة والميول الدينية لهذه المدينة التي امتازت بكثرة المساجد، هي الأخرى كانت قد شكّلت مادة أولية لإنتاج التطرّف عندما اختلطت تلك الميول بالولاء الأعمى لحزب البعث الصدّامي وبعد التحالف بين القاعدة والبعث الصدّامي المنهار.

من هذا المنطلق، ومنذ أن تأكد عزم وجدية الولايات المتحدة في اسقاط الصنم في بغداد، وقع الإختيار على هذه المدينة العراقية المبتلاة بالدواعش اليوم لتكون (بوابة شرقية)، فقد عملت بعض الدول العربية بالإتفاق مع نظام صدّام على دخول المدينة ومنذ عام 2002 من خلال المشاريع ذات الصبغة الانسانية والاجتماعية للتغطية على أهدافها المخابراتية والتخريبية، وقد صدرت التعليمات الحزبية آنذاك ومنذ البدء الى قيادات البعث المنهار بالتجمع في تلك المدينة عند وقوع المحظور: (سقوط الصنم)،  لذلك أصبحت الفلوجة حاضنة للإرهاب بضوء أخضر من نفر ضال من أبنائها نصّب نفسه قيّما على المدينة، ومن بعض شيوخ العشائر الذين ارتبطوا بالأجندات الخارجية الهادفة لإسقاط التجربة الديمقراطية في العراق والعودة بالعملية السياسية الى زمن الديكتاتورية المقبورة.

ولقد أشرت في المقال السابق (الدولة السائبة ومطامح المنظمة السرية) الى أن الهدف الرئيسي للإرهاب في العراق هو إنتزاع اعتراف يؤهله للتفاوض مع الحكومة والاستمرار في حُكم المناطق التي وقعت تحت سيطرته وبطريقة تسمح له بالتمدد التدريجي والهيمنة على مناطق أكبر.. وذلك ليس سرّا فهو ما يطرحه ويعمل عليه وبشكل علني أعضاء مجلس النواب من مخلفات (الشراكة التعطيلية). حيث دعى النائب طلال الزوبعي حكومة المالكي الى التفاوض مع القوى الارهابية التي رفعت السلاح بوجه الدولة واستباحت دماء العراقيين.(دون أدنى حياء)

حيث ينطلق السيد النائب الزوبعي من نظرية يقول فيها للحكومة العراقية ما نصّه .. " أن المنطق والعقل والتحدث ضمن أطار الواقع هو التعامل مع الطرف القوي الذي يمتلك زمام الأرض في أزمة الأنبار والحوار مع الأقوياء وليس مع الطرف الضعيف :( ويقصد بالطرف الضعيف الصحوات)".. وعندما رد مقدم البرنامج ولكن من يسيطر اليوم على الأرض لايمتلك شرعية ويقصد بذلك (داعش/ الفلوجة) .. فكان رد السيد النائب " الشرعية تولّدها القوة على الأرض وليس القانون المكتوب على صفحات الورق".

بهذه العقلية يفكر اللاهثون خلف الشراكة (التعطيلية)، وإذا كان الزوبعي أكثر جرأة وقد قالها علنا، فالبقية يخفون ماهو أعظم. فهل يتحمّل العراق أربعة سنين أخرى من الشراكة التعطيلية أم يلتفت الحريصون على البلاد والعباد الى ضرورة الأغلبية السياسية التي أقل ما يمكن أن يتحقق عنها، عدم إجبار الحكومة على التفاوض مع الإرهاب المقيت في المراحل القادمة؟.

رابط لقاء النائب طلال الزوبعي في قناة دجلة
http://www.youtube.com/watch?v=wnImZPnN4DE#t=2739







19
الدولة السائبة ومطامح المنظمة السرية في العراق
عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

تخوض الحكومة العراقية، والقوات المسلحة تحديداً، حربا مفتوحة ضد المجاميع الارهابية التي استطاعت أن تؤسس لها موطأ قدم في إحدى مُدن العراق ساعية لتوسيع رقعة سيطرتها وإستنساخ تجربة الفلوجة في مدن عراقية أخرى لفرض أمر واقع جديد على الأرض يتيح لها انتزاع اعتراف داخلي أو خارجي يؤهلها لفرض شروطها التي من غير المستبعد أن تتخذ في بادئ الأمر طابعاً سياسيا تتمكن معه تكريس واقع (الدولة السائبة) في المشهد السياسي العراقي كخطوة أولى في مسار اجتثاث التجربة الديمقراطية والحياة الدستورية من المشهد السياسي في العراق.

في هذا السياق، وبالموازاة مع حراك المجاميع الارهابية، اتخذ الفرقاء السياسيون من شعار (لا للولاية الثالثة) المرفوع بوجه السيد المالكي، غطاءً لرفع سقف المطالب والمزايدة على الثوابت الوطنية وانتهاك حُرمة الدستور، وبما يُعد تخادماً سياسيا واضحاً بين الحراكين ( الإرهابي والمعارض)، يؤكد هذا التخادمَ الصمتُ المطبق لهذه القوى السياسية حيال جرائم الارهابيين والتجاهل التام لجهود وتضحيات القوات العراقية المسلحة في المعركة التي تخوضها ضد الارهاب اليوم.

أن ذلك ما يمكن أن يعسكه واقع الحال وليس اجتهاداً بقصد التشكيك بالولاءات الوطنية لهذه القوى التي يمكن أن يصنفها ذات الواقع الى صنفين، إحداها (مغفّلة) والأخرى (متغافلة) حينما يتعلق الأمر بمدى إدراكها لمستوى التخادم، وطبيعة الخدمات والدعم المعنوي الذي تقدّمه قوى المعارضة السياسية اليوم للمجاميع الإرهابية بإصرارها على ارتكاب الخروقات الدستورية وخلط الأوراق والتقديم والتأخير في سلّم أولويات العمل الوطني والتطبيق الديمقراطي في هذه المرحلة.

حينما نتحدث عن الارهاب، فذلك يفرض على الجميع أن يكونوا بمستوى المسؤولية في المواقف المعلنة وغير المعلنة في الحرب على هذه الظاهرة، وبما يفرض موقفاً موحدا على الجميع بصرف النظر عن حجم الخلافات والإختلافات وأطوال المسافات التي تفصل هذه القوى عن السلطة الوطنية المنوط بها ادارة ملف المعركة مع الارهابيين.

 وتكتسب مثل هذه المواقف للفرقاء في العراق أهمية خاصة، وذلك لأن طبيعة العمل الارهابي في العراق يمتاز عن غيره في الأماكن الأخرى بأمور كثيرة تجعل من هذه المجاميع أكثر انتاجاً للعنف والخراب وأقرب من غيرها الى أهدافها عندما تتاح لها الفرصة. حيث يعلم الجميع بأن المجاميع الارهابية وعلى مستوى القيادات ذات العقول المشبعة بفكر البعث الصدّامي التدميري تمتلك خبرات متراكمة نتيجة وجودها في السلطة عقود من الزمن واكتسابها مهارات قتالية ومخابراتية واعلامية تمكنها من استقطاب عناصر ارهابية من البلدان الأخرى واختراق المؤسسات الأمنية العراقية وإفساد العمل الوظيفي عبر الهامش الذي تحققه ما تسمى بـ (الشراكة الوطنية/ التعطيلية) التي تجعل الأبواب مشرعة بوجه عناصرهم التخريبية الهادفة الى تعطيل النظام السياسي الجديد في العراق والعودة بالدكتاتورية مجددا الى أحضان السلطة، فضلا عما تحققه هذه الشراكة من تمويل ذاتي عبر تكريس ظاهرة الفساد الاداري وتجديد أنماطها.. وبالنتيجة يمكننا القول بأن العمل الارهابي في العراق هو عمل (منظمة سرية/ البعث الصدّامي) تستند الى نمط من التفكير الشمولي ذو الصبغة الاستراتيجية التي توظف أي شئ لخدمة هدف الإمساك بالسلطة مجدداً.

لذلك وإستنادا الى حقيقة ما سبق، من الممكن لأي منا توظيف الاحتمالات للوصول الى استنتاج بخصوص المواقف المتذبذبة والمزدوجة للقوى السياسية المعارضة للحكومة حيال ظاهرة الارهاب والموقف من حكومة السيد المالكي، وقد أشرنا سلفا الى التصنيفين (القوى المغفلة والقوى المتغافلة)، ولربما يصح أيضا تقسيم (القوى المتغافلة) الى قسمين: القسم الأول الذي يتحرك تبعا لأطماعه التي تلتقي هي الأخرى على الأمد المتوسط أو البعيد مع استراتيجية الارهاب في العراق، فضلا عما تقدمه الأطراف الخارجية التي تشكل مرجعية للطرفين من رسائل اطمئنان، الأمر الذي يحفز هذا القسم من المتغافلين الى تكييف المواقف بشكل تخادمي يحقق نقاط التقاء استراتيجي في مرحلة لاحقة مع الإرهاب. أما القسم الثاني منهم، فمن الممكن إرجاع تخادمهم مع الارهاب الى المخاوف التي يفرضها وجود محل سكناهم ومصالحهم في المناطق الساخنة التي يهيمن عليها الارهاب، مع الاشارة الى عدم امكانية تعميم الحُكم، فهناك من سكنة هذه المناطق وقد وقف ويقف اليوم علنا ضد الارهاب.

على أية حال، هذا فيما يخص القوى المتغافلة، ولكن مالا يمكن أن تجد له جواباً وما لا ينطبق عليه احتمالاً تعزى اليه الدوافع وراء التخادم مع الارهاب هم الصنف الآخر، وهي (القوى المغفّلة) التي تتجاهل هذه الهجمة الشرسة على العراق منشغلة في رفع لواء المعارضة للولاية الثالثة للسيد المالكي،رغم أنهما معا ًمن ذات التحالف المعني بشكل أساسي بالحفاظ على التطبيقات الدستورية والحياة الديمقراطية في العراق. ومع ذلك فهو يتخادم من حيث لايدري مع الارهاب ولربما يوضع في موضع المتمرد الأول على الدستور برفضه الولاية الثالثة التي يقرها الدستور العراقي، ولا ندري ان كانت هناك ضرورة تاريخية تحتّم مثل هذا الموقف (تعطيل مادة دستورية) أم أن القضية بمجملها نزولا عند رغبة المتغافلين، إن كانت الضرورة قد استدعت فمن حقنا معرفة (ماهية الضرورة)، أما إن كان الجواب هو الثاني، فقد يصح الوصف بالمغفلين، لأن مثل هذا الأمر هو مطلب تمهيدي لأمور أكبر فأكبر، يفتح باب التنازلات على مصراعيها، ولن تتوقف المطالب عند حدود التنازل عن الولاية الثالثة للمالكي، أنما هي نقطة الانتقال من مسار الدولة السائبة (الذي تسببت المحاصصة في تكريسه) الى النقطة الأولى في طريق التأسيس لدولة المنظمة السرية!.. والعكس بالعكس فإن نجاح مشروع حكومة الأغلبية السياسية، فلا شك بأنه سوف يغلق تباعاً، أبواب جهنم المفتوحة على العراقيين منذ أكثر من عقد من الزمن.


20
هل يرضخ الإقطاع السياسي في العراق لحكومة الأغلبية ؟
عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

بعد أن بدأت ملامح المرحلة القادمة بالتشكّل عبر ما ترشّح من نتائج أولية للإنتخابات، تبيّن للجميع بأن حكومة الأغلبية السياسية التي نوّه عنها السيد المالكي سوف تفرض نفسها على أرض الواقع السياسي العراقي، الأمر الذي أثار حفيظة (رواد المحاصصة)، وفي مقدمتهم رئيس اقليم كردستان العراق، فقد وفّرت حكومة المحاصصة الطائفية والتوافقات السياسية أجواءًا لم يكن يحلم بها في داخل وخارج الاقليم، مثلما وفّرت للمحيطين به والفاسدين من حوله، حصانة قانونية جعلتهم بمنأى عن العقاب ومهما كان نوع وجنس الجريمة المرتكبة من قبل المجرمين.

وعلى الصعيد الخارجي فقد وفرت المحاصصة الطائفية والعرقية للأطراف المحلية ورؤساء الأحزاب الاقطاعية مكانة خارجية جعلت من دوائر التشريفات في الدول الأخرى استقبال رواد المحاصصة وفق بروتوكولات هي بالأساس خاصة برؤساء الدول، حيث يًفرش لأي منهم البساط الأحمر كما يكرّم أحدهم بأرفع الأوسمة والنياشين من قبل رؤساء وملوك الدول الأخرى، في استخفاف مقصود بالسلطات الحقيقية للدولة العراقية.

أما على الصعيد الداخلي فالحديث يبدأ ولا ينتهي، فقد كرّست المحاصصة كل أنواع الفساد نتيجة الحصانة الاستثنائية التي توفرها لأشخاص معينين، فتجعل منهم ومن أفراد عوائلهم والملتفون حولهم أسياداً فوق القانون. وعلى سبيل المثال فإن في اقليم كردستان العراق والى اليوم لم يتم سجن أو محاسبة أي مسؤول في الاقليم بسبب قضايا الفساد وجرائم القتل وانتهاك الأعراض، ولم يكن اطلاق سراح محافظ السليمانية السابق دانا احمد مجيد وإسقاط التهم الموجهة ضدّه سوى نكسة أخرى في طريق محاسبة الفاسدين في الاقليم، نتيجة الفهم المغلوط والتأويل السياسي للقول القرآني " عفا الله عمّا سلف"، والذي يعني لدى (قادة المحاصصة) ومنهم رئيس الاقليم، بأن الجرائم البشعة التي يرتكبها المقربون منهم قد سقطت بالتقادم الزمني وحسب شريعة الغاب المحاصصاتية.

أن ما توفرّه المحاصصة من صلاحيات مفتوحة، أدّت برئاسة الاقليم وعلى طول الخط، منذ زمن بعيد والى اليوم للتستر على القتلة والسراّق والمفسدين، وعلى رأس هؤلاء، المدعو فاضل مطني ميراني، المعروف بعمالته للمخابرات الصدّامية وإجتماعاته السرية مع رموز النظام السابق ومنذ السبعينات وذلك ما أكدته في حينه التقارير الأمنية للحزب الديمقراطي الكردستاني، ومنها ماكنت أنا شخصياً قد اطلعت عليه، وبشهادة السيد شكيب عقراوي الذي اطلّع هو الآخر على الأنشطة المشبوهة التي كانت تجمع فاضل المطني مع اجهزة المخابرات البعثو- صدامية والتي نتج عنها فيما بعد، الاغتيالات المتلاحقة وجرائم السرقة والاغتصاب، التي أشرف عليها المجرم فاضل مطني ميراني شخصياً، وليس آخرها التخطيط والاشراف على عملية محاولة اغتيالي بالاشتراك مع مسؤول الشبكات التجسسية للبعث في امريكا المدعو (بلال عبد الواحد عباس) عام 1989 ، وقد انتهك فاضل المطني بهذه الجريمة القانون الدولي بتنفيذه جريمة ارهابية على أراض دولة مستقلة عظمى لمصلحة حكومة صدام المارقة على المجتمع الدولي والتي جعلت من أفراد الحزب الديمقراطي الكردستاني منفذون للجرائم، ومرتزقة صغار لديها يحققون مخططاتها الرامية الى اسكات الصوت الكردي الحر المعارض للنظام الصدّامي المقبور.


لا شكّ بأن من يأمن الحساب سوف يتمادى بإرتكاب الجرائم وإساءة الأدب، وذلك ما فعله المجرم فاضل مطني ميراني الذي شكّل في عام 1992 ، مافيا في الاقليم اقتصرت مهامها على تصفية المعارضين لنظام البعث الصدّامي، ومنهم الأديب عبد الرؤوف عقراوي، والحاكم تحسين زاخولي والدكتور نافع عقراوي وآخرين من أمثال علي كوخي وغيره من الأسماء التي يصعب حصرها، فضلا عن إقدام فاضل المطني على تسليم ما يقارب 137 معارضا الى المخابرات الصدامية في 31 آب عام 1996 حينما استعان رئيس الاقليم الحالي بالجحافل الصداّمية (المتواضعة/ على حد تعبير رئيس الاقليم) لضرب الاتحاد الوطني الكردستاني، وأبرز هؤلاء الذين تم تسليمهم لحكومة صدّام من جماعة الدكتور علاّوي، وهما الشيخ أبو عمر الزوبعي (عضو حركة الوفاق) والدكتور علاء مكي (مسؤول قسم الاعلام في حركة الوفاق) ولا يتسع المقام لذكر بقية الأسماء، والسؤال الذي يطرح نفسه، مالذي فعله د. علاوي في الدفاع عن المغدورين من أعضاء حركته؟.

أن حكم الأغلبية السياسية الذي نادى وينادي به رئيس مجلس الوزراء السيد نوري كامل المالكي، كبديل عن المحاصصة الطائفية والتوافقات العرقية هو بداية النهاية للحُكم المطلق الذي تمتّع به رؤساء الاقطاع السياسي، وأفضل الطرق وأسرعها لسيادة القانون وسريانه على الجميع دون فرق بين عراقي وآخر. لذلك نرى بأن رؤساء الكتل الاقطاعية والأحزاب العائلية هم أشد المعارضين لهذه الطريقة في الحُكم والتي ان قُدّر لها التطبيق لأتخذنا الخطوة الأولى في بناء الدولة المدنية ولأصبحت امتيازات الاقطاع السياسي في مهبّ الريح.








 

21
فتوى الشيخ النجفي ومقامرة شركاء المالكي بمستقبل العراق؟
عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

مع اقتراب لحظات الحسم الديمقراطي واشتداد المنافسة، يلمس المتابع لتصريحات وسلوكيات الكتل التي وضعت نفسها في قبال الحكومة كقوى (معارضة)، الإبتعاد التام عن قواعد المنافسة الإنتخابية التي أقرها الدستور والقوانين وأكدت وما زالت تؤكد عليها المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، في حين ذهب البعض بعيدا عن حدود اللياقة والذوق والأعراف الإجتماعية في الحرب الكلامية والإمعان بإنتهاج سياسة التشويش والتسقيط وشحن الأجواء الإنتخابية بالدعايات المغرضة الهادفة لخلط الأوراق وإرباك المشهد الانتخابي في محاولة بائسة للتأثير على خيارات الناخب ومصادرة ارادته.

لكن الناخب العراقي مدرك لحقيقة، أن جميع الأطراف المناوئة لرئيس الحكومة العراقية هم بالأصل شركاء أساسيون في الحكم، ومسؤولون تضامنيا عن طبيعة الأداء الحكومي في الفترة الماضية، وحتى عند التسليم بأن هذه الكتل السياسية لم تكن قد احتلت المواقع الوزارية المهمة، وكانت قد اتخذت ومنذ وقت مبكر موقع (المعارضة)، فالحكومة والمعارضة في النظم الديمقراطية ليسوا أعداءًا بل شركاء في الوطن حتى وان لم يكونوا كذلك في السلطة، وينبغي أن تشكل المصلحة الوطنية البوصلة التي تضبط أداء وتفاعل كل منهما تجاه الآخر. عندئذٍ يمكننا القول بأن مثل هذه المعارضة مؤهلة لتولي المسؤولية في حال أسفرت نتائج الانتخابات عن تغيير في موازين القوى السياسية لصالح المعارضة.

ألا أننا وعلى العكس مما سبق، نرى استخفافاً واضحاً من قبل تلك الكتل بالمصلحة الوطنية وتبديداً عبثياً للجهد الوطني، فعلى الرغم من أن العراق يخوض اليوم، ومنذ سنين طوال حربا شرسة ضد الإرهاب، ومع تمكن هذه القوى الارهابية من التوغل والعبث في احدى المدن العراقية (الفلوجة)، ألا أن تلك القوى السياسية المسماة مجازاً بـ (المعارضة) لم تبدي قدرا من المسؤولية الوطنية والاخلاقية في تعاطيها مع المعركة المصيرية التي تخوضها الحكومة العراقية برئاسة السيد المالكي ضد الإرهاب، إن لم نقل هي أكثر تناغما مع القوى الارهابية في فتح جبهات ساخنة أخرى وأشد تجاهلا للخطر المحدق بالعراق من قبل الإرهابيين (الدواعش)، وأكثر اصرارا على إضعاف الموقف الحكومي وخلخلة معنويات القوى المسلحة عبر استهداف قائدها العام بالأراجيف والشائعات لحسابات انتخابية زائلة وعلى حساب أمن الوطن والمواطن، وكأن المعركة مع الارهاب هي معركة المالكي وحسب وليست قضية وطنية بل ودولية/ انسانية، تعاني منها أكثر الدول تطورا واستقراراً..!.

ليس هذا وحسب، بل أن آخر ما أفرزته الهيستريا الاعلامية: هو أن الماكنة الانتخابية لخصوم السيد المالكي كانوا قد نسبوا فتوى تحريم (إنتخاب المالكي) لسماحة المرجع الشيخ بشير النجفي (دام ظلّه)، رغم أن حديث الشيخ كان شاملا في نقد أداء كل مواقع المسؤولية (بضمنها المواقع الوزارية للشركاء والتواجد العقيم لمعظم أعضاء البرلمان)، فالمرجع (دام ظلّه)، أدلى بما يعتمل في صدورنا جميعا بالدعوة الى المشاركة الفاعلة بالإنتخابات واختيار المرشح الأصلح أملاً في التغيير نحو الأفضل، ومن غير المنطقي أن يصدر منه (أطال الله بقاؤه) فتوى بهذا المعنى المحرّف الذي تم تصويره من قبل المتصيدين في الماء العكر، لأن في (التحريم) وببساطة مصادرة لإرادة الناخب العراقي، ومعارضة لفتوى سابقة لاختيار (الأصلح) التي أقرها المراجع العظام وتأكيدهم الوقوف على مسافة واحدة من الجميع.

ومن ثم أن الفترة الحقيقية التي امتلكت فيها حكومة السيد المالكي القرار الوطني كانت قد ابتدأت في "يوم الوفاء" 31 كانون الأول 2011: تاريخ دخول العراق مرحلة التحرر الوطني بعد انسحاب القوات الأمريكية المحتلة بفضل الجهود التفاوضية لحكومة السيد المالكي التي تكللت بمنجز تاريخي لم يكن ليحدث لولا الأداء السياسي المتزن الذي وفّق بين المسؤولية تجاه ما أفرزه المسار التفاوضي من التزامات مع الجانب الأمريكي وبين إلتحام الحكومة مع سقف التطلعّات الوطنية للشعب العراقي الطامحة لنيل سيادة العراق الكاملة على أرضه وثرواته. ورغم هذا المنجز التاريخي ألا أن (خصوم المالكي) كانوا يشككون في نجاح القوات الأمنية ويراهنون على الانهيارات القاتلة نكاية بالسيد المالكي، ومع ذلك  فقد تجاوزت الحكومة برئاسته الفترة العصيبة الماضية التي تقاذفتها مطرقة الإرهاب من جهة وسندان الشركاء السياسيين الساعين لوضع العصيّ في عجلة الأداء الحكومي من جهة أخرى.

ولا نريد هنا الانتقاص من أحد منافسي السيد المالكي، ألا أن الكتل المنافسة ومرشحوها لا يدركون تمام الادراك تعقيدات الوضع الداخلي والاقليمي والدولي الراهن، فالوضع الإقليمي والتجديد لأردوغان المتجه بنفوذ بلاده جنوباً بعد إستحالة انضمام بلاده الى الاتحاد الأوربي، والنزاع المسلح في سوريا وما يرافقه من غيوم داكنة سوداء غطّت سماء المنطقة وألقت بظلالها على الوضع الأمني في العراق حتى باتت احدى المدن العراقية (الفلوجة) رهينة بيد القوى الارهابية (داعش)، وكذلك رأس المال السعودي المتدفق الى العراق لإزاحة المالكي، طمعاً في بديل لا يقوى على رفض الاملاء السعودي وليس ميّالا الى تعامل النِد للنِد، التي تعيد للعراق دوره الهام في المنطقة، خاصة وأن حكومة السيد المالكي كانت قد نجحت في الثبات وعدم الانزلاق في سياسة المحاور الإقليمية معززة بذلك ثقة المجتمع الدولي بالسياسة الخارجية للعراق. أما الوضع الدولي وسياسة الاستقطاب والرغبة الجامحة للروس في تأمين نفوذ سياسي واقتصادي يعزز مصالحها في هذه المنطقة الحيوية فهو يعقد الأمور أكثر.

وكذلك الشأن الداخلي، فالأمن في المرحلة القادمة سوف يكون الفيصل في وجود العراق كدولة قادرة على الاستفادة من ثرواتها وتنمية قطاعاتها الاقتصادية المختلفة، خاصة وأن الاتجاه الاردوغاني (الكونفيدرالي/ القبلي) نحو البلد والذي لايخلو من نبرة التحدي، له من يأتمر بأوامره من ساسة العراق. وكذلك الأجندة السعودية الطامحة الى دور الصدارة، هي الأخرى لها من ينفذ مفردات أجندتها، ويسعى لتعزيز نفوذها السياسي في العراق على حساب تعطيل التجربة الديمقراطية وضرب العملية السياسية وتقوية بؤر الارهاب.

وفي نظرة سريعة لطبيعة وقوة شخصية الأطراف المطروحة من قبل الكتل السياسية الأخرى كمنافسين للسيد المالكي ومن شاكلة (علي دواي، وباقر صولاغ) وأمثالهما، يدرك المراقب وبسهولة بأن موقع رئاسة الوزارة لبلد كالعراق، وفي ظرف كالذي نحن فيه، هو أكبر بكثير من امكانية وخبرات وقدرة الأشخاص المطروحين اليوم من قبل الكتل السياسية الأخرى، وخاصة تلك التي بدأت تثار حولها الشكوك نتيجة تصدّر قوائمها شخصية تطلق على نفسها (وكما في الرابط التالي).. "شيخ البعثيين" والمقصود هنا الرفيق حسن العلوي وموقع الصدارة في كتلة الأحرار.. وأخرى هي كتلة المواطن التي فتحت أبوابها لشخصية أساءت للمرجعية الدينية في تصريحاتها الأمر الذي حمل دولة القانون الى طردها من القائمة، وهو النائب حسين الأسدي الذي وجد أبواب كتلة المجلس الأعلى مفتوحة على مصراعيها (رغم تطاوله على المرجعية واستنكار صولاغ لتصريحاته).. كما في الرابط أسفل المقال.

أن هؤلاء ليسوا معارضة بدليل حجم اندفاعهم غير المحسوب والمضاد للسيد المالكي والذي يعكس أدوارهم الخفية المغرضة في تعطيل الأداء الحكومي مسبقاً، بل حتى وان انطبق عليهم وصف (المعارضة) فإن سلوكياتهم الانتخابية تؤكد عدم أهليتهم لإدارة الدولة أو النهوض بالعراق، فكل ما يملك هؤلاء هو قول " سنفعل، وسوف نفعل".. دون ادراك لخطورة المرحلة وتعقيدات الوضع الإقليمي والدولي.. في حين أن الخبرة المتراكمة لحكومة السيد المالكي ومع تأكيدها على التوجه المستقبلي نحو حكومة الأغلبية السياسية قد أوصل رسالة إطمئنان للناخب العراقي، تقول "سنكمل ما شرعنا في انجازه وسننجز المزيد".

مرشح كتلة الأحرار حسن العلوي يصف نفسه "شيخ البعثيين"
http://www.youtube.com/watch?v=iUjYc7hAeSE
مسلسل النفاق السياسي وكيف تغيرت جلود القوم بين ليلة وضحاها
https://www.facebook.com/photo.php?v=271057993055038





22
هل نجح خصوم المالكي في طرح البديل؟
عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

تشهد الساحة السياسية في العراق تصاعدا تدريجيا في حدة المنافسة السياسية مع اقتراب الانتخابات البرلمانية التي لا يفصلنا عنها سوى أيام معدودة، ومع الكم الهائل للكتل والإئتلافات السياسية والإختلافات الجوهرية بين أطرافها الأساسية ألا أن هذه المجاميع بالمجمل استطاعت ومن خلال رفعها لشعار التغيير، أن تحرز مقاربة مشتركة في التعاطي مع مستقبل الأحداث، وفي ذات الوقت ونتيجة الموقف من الولاية الثالثة للسيد المالكي تشكّلت على أرض الواقع زاويتين للرؤية والنظر الى ماهية واتجاه التغيير، الأولى الرؤية الخاصة بالأحزاب والكتل السياسية المنافسة للحكومة، والثانية، الرؤية التي جسّدت فيها حكومة السيد المالكي رغبتها في التغيير أسوة ببقية الشركاء(الفرقاء)، ولاشك أن فهم تفاصيل الموقف لكل منهما يعطي الفرصة للمراقب لإدراك مستوى فعالية البرامج السياسية المطروحة من قبل كل من الحكومة وما يطلقون على أنفسهم بـ (المعارضة)، ومدى إمكانية تطبيق تلك البرامج على أرض الواقع من قبل الطرفين.

وقبل الدخول في التفاصيل، أبدأ بالتنويه الى أن مستوى الأداء الحكومي للفترتين الرئاسيتين المنصرمتين، لم يكن بمستوى الطموح مقارنة بالإمكانيات المتاحة في العراق، وذلك ما صرّح به السيد المالكي مرارا، في إشارة منه الى العصي التي يضعها الشركاء في دولاب الأداء الحكومي، لهذا إنطلق من هذه النقطة في تشكيل رؤيته الخاصة بالتغيير المستقبلي المنشود كبرنامج انتخابي، متقدماً على منافسيه في عمق الفهم ووضوح الرؤية، وبغض النظر عن فاعلية رؤيته ألا أنها تنطوي على قيمة إصلاحية تشكل ضرورة تغافلها (الفريق المعارض) الذي أبقى نظرته للتغيير حبيسة الفهم المجتزئ والسطحي للديمقراطية بإقتصاره على عدم السماح للتجديد للسيد المالكي الى ولاية ثالثة بوصفها ، وحسب فهمهم "تمهيدا للدكتاتورية"!.

أن الدوران في حلقة الشخصنة عند النظر الى التغيير المستقبلي يترك انطباعاً لدى المتابعين بأن برامج وشعارات الفريق المناوئ للحكومة تفتقر للرؤية المتكاملة، ولا تتعدى عن كونها (بضاعة انتخابية للإستهلاك المحلي)، تعكس نهم وشراهة الآخر للسلطة، وتجسد في ذات الوقت حلولا ترقيعية أقرب الى التغيير الفوضوي بدلا من التغيير الفعّال. فالوعي هو الأصل في التأسيس للتغيير الإيجابي الذي يضع حدا للإرباك الذي يعيشه اليوم، الناخب والمرشّح العراقي على حدّ سواء، ويجنب البلد الإنقسامات السياسية والإجتماعية التي قد تقود الى تشظي الوطن العراقي.

أن طرح السيد المالكي لمفهوم "الأغلبية السياسية" كنهج مستقبلي لإدارة البلد، لايخلو من الجرأة والوضوح، لأنه يحتوي على مضامين إصلاحية حقيقية خالية من المجاملة مقارنة ببرامج المنافسين له. وإذا جاز وصف المتنافسين بالفرسان السياسيين فالأولى بهم إختيار الجواد الأنسب للوصول الى الهدف، بمعنى آخر، أن تحديد الآليات الممكن اعتمادها في إحداث التغيير هي الأصل في القدرة على الإنجاز، وإيصال سفينة العراق الى ضفاف الأمان.
كما  أن طرح "الأغلبية السياسية" يعكس جرأة كبيرة في مواجهة الخلل ورغبة جادة في التغيير الجذري الى حد ما، من حيث كونها الضربة القاضية للمحاصصة الطائفية والعرقية السياسية. مع ذلك، فالنظام السياسي البرلماني برمته لم يثبت قدرته على النهوض بالواقع السياسي العراقي، خاصة وأن الإقطاعيات السياسية ما فتأت تسهم في تعطيل مسار البناء المؤسسي الذي يستلزمه التحول الديمقراطي المنشود. حيث أن التفويض الذي يحصل عليه المرشح لرئاسة الوزراء في النظام البرلماني يخضع بالنتيجة لأمزجة رؤساء الكتل السياسية بمعزل عن أعضاء البرلمان الذين وضع الشعب ثقته بهم، ولا شك أن التفويض يقترن بشروط تعزز الإستحقاقات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية للإقطاعيين الجدد.

اسلوب المحاصصة والتوافقات السياسية هو نتيجة طبيعية لتطبيق النظام البرلماني في ديمقراطية ناشئة يحتضنها مجتمع تتقاسم النفوذ فيه زعامات (قبلية)، وأخرى (دينية/سياسية) نصّبت نفسها فوق مؤسسات المجتمع المدني أو بديلا عنها، ونداً لمؤسسات الدولة ومحتكرا لها، نتيجة التفويض المشروط الذي يصل بموجبه المرشح الى منصب رئاسة (مجلس الوزراء) في العراق. ويعكس مثل هذا الأمر، حاجة العملية السياسية في العراق الى ماهو أبعد مما طرحه السيد المالكي، أي: الى تعديلات دستورية أساسية وعلى رأسها إقرار النظام الرئاسي كمنهج للحكم؟

ومن المستبعد أن يدعو أي من الإقطاعيين الجدد الى ذلك!، فإن للدستور صنمية مماثلة لأصنام التمر في الجاهلية التي كانت تعبد في السراء وتؤكل من قبل عابدوها عند خواء البطون.. وبدليل أن الأساس الذي تنطلق منه هذه الكتل في فهم التغيير على أنه سباقا لخلافة المالكي وتعطيلا للولاية الثالثة، رغم أن مثل هذا الفهم يتعارض مع الدستور العراقي الذي حدد التجديد لرئيس الجمهورية مرتين وترك رئاسة الوزراء مفتوحة، و "الأصل في الأشياء الإباحة حتى يدل الدليل" وليس العكس، وبما يعني مخالفة برلمان الإقطاع السياسي في سن قانون معارض للدستور.

ليس إستهدافاً لشخصية معينة قطعا، قدر الإعتراض على أساليب إدارة الحُكم والنهج المتبع في تأويل المصطلحات، فالفهم للإسلوب الفيدرالي في النظام الإداري على أنه أنشاء أمارة قبلية أو طائفية في بقاع دولة حديثة يراد لها أن تبنى في العراق، أو النظر الى (التغيير) على أنه تغيير الآخر بدلا من رسم آليات العمل السياسي الضامنة لنجاح المسؤول القادم سواءً أكان رئيس الوزراء الحالي أو غيره.

كما، وليس دفاعا عن المالكي، فالرجل كان قد طالب مسبقا، وبشكل علني بالتحول الى النظام الرئاسي الذي يمنح المسؤول الأول في الدولة العراقية تفويضا شعبيا مباشراً يتيح له ممارسة مهامه دون ضغوط وإشكالات سياسية. ورغم عدم تطرق السيد المالكي لهذا المطلب في برنامجه الانتخابي، ألا أن تضمين برنامجه السياسي لـ "حكومة الأغلبية السياسية" ، هو خطوة اصلاحية لطبيعة نظام الحكم القادم وتصحيحا لخلل بُنيوي في ادارة الحكم، قد يخدمه شخصيا أو يخدم غيره مستقبلا، طالما أن الحديث عن هوية رئيس مجلس الوزراء العراقي القادم أمر مقترن بنتائج الإنتخابات القادمة.

وختاما، أن من يسعى للإصلاح والتغيير الحقيقي، فليطرح بديلا قادرا على حفظ استقلالية كل سلطة من السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، والقضائية)، وإحلال التناصح والتكامل بين هذه السلطات، بدلا من التناحر والمناكفات، وبقاء الحال على ما هو عليه سوف يعزز من وجود الإرهاب والفساد في مفاصل الدولة ويعطّل النمو الاقتصادي ومن جهة أخرى سوف يثبّت أركان زعامة الإقطاع السياسي المتنافي مع التحول الديمقراطي المنشود. والى اليوم يكاد ينفرد المالكي في جرأة الطرح السياسي وتناول الحلول الجذرية في الأمور المصيرية بعيدا عن المجاملات السياسية على حساب المصالح العليا، ولا ندري فلربما تخفي الأيام المتبقية على الانتخابات طرحا جادا يرقى بصاحبه للتصنيف في خانة البديل.

23
علماء الدين بين الأمس واليوم
عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

أن تأريخ الحضارة الاسلامية ومنذ بداية نشر الدعوة والى اليوم، كان للعلماء الفضل في تنشئة المجتمع ومحاصرة بؤر التوتر وتحصين الفرد والجماعة من الانزلاق في مهاوي الفتن، وهؤلاء هم علماء الأمة الحقيقيون والذين يمكن وصفهم بـ " ورثة الأنبياء"، وهم العلماء الربّانيون الذين يراد لهم ومنهم قيادة الأمة وتوحيد أبنائها ونشر السلام والأمان في ربوع البلدان التي يقطنونها.

وقد كان للعلماء الحقيقيين دورا كبيرا في توحيد المجتمع على الرغم من الانتماءات القومية المتعددة لأفراده، وكذلك تعدد المدارس والمذاهب الفقهية أيضاً، فقد كان وجودهم يشكل صمام الأمان للمجتمع، فضلا عن الاعتراف المتبادل بفضل وعلم نظرائهما من العلماء تاركين التناحر والتنافر خلف ظهورهما، ولا شك ان مثل هذا التعايش والأنسجام للنخب كان قد إنعكس بالنتيجة على عامة المجتمع، بغض النظر عن الاختلافات التي رافقت وجود المجتمعات.

أن الاختلاف هو من السنن الكونية التي تسهم في الاثراء المعرفي للأمم، فقد كان وما زال الاختلاف قائما في الأديان والمعتقدات والمذاهب والآراء والملل والنِحل تبعا للحكمة الالهية البالغة والنافذة ، حيث يقول تعالى في كتابه الكريم " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ، وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ"..(هود 118). وقد أكّد الإسلام أيضا على أن الإكراه لايتفق مع الإيمان، كما في قوله تعالى "لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"..(البقرة 256)..  فوضوح الدلائل وجلاء البراهين كافية لتكوين بيّنة صريحة عن حقيقة النجاة أو الهلاك.

أما اليوم، وفي زمن الفتن المتلاحقة، فقد فشل معظم العلماء فشلاً ذريعا في مقاومة الفتن، بل أسهم الكثير منهم في تغذيتها من خلال الدفع بالشباب في متاهات العنف والكراهية ومجاهيل التطرف الأعمى تحت لواء الإرهاب،  وقد تحوّل دور الكثير منهم من صمّامات أمان في المجتمع الى صواعق انفجار تمسك بأطرافها أيدي حًكّام الضلالة وسلاطين السوء أو أطراف خارجية مشبوهة تمتلك امكانية التأزيم والتفجير في الزمان والمكان الذي يخدم مصالحها واستراتيجياتها المرسومة سلفاً.

لقد أصبح معظم علماء الدين شركاء في سفك الدماء في البلدان العربية والاسلامية ودول العالم الأخرى،إلا ما ندر، وبشكل تسافل فيه الخطاب الاعلامي والديني لهؤلاء حتى أصبح فيه الإسلام في واد، والمسلمون في واد آخر. فقد كثرت الرؤى وتباينت الآراء في قضايا حسّاسة ومصيرية حتى بات التهوّر والهرج سيداً الموقف، وقد سُخّرت وللأسف واردات الذهب الأسود في بعض دول الخليج لتغذية الصراعات في المنطقة وتحويل مواطن الاختلاف بين المسلمين الى خلافات جذرية حادّة مدعاة الى تورط البعض بدم البعض الآخر، وكما هو الحال في العراق وعلى وجه الخصوص نشاطات داعش الإرهابية المدعومة من تلك الدول، والتي لم يسلم منها حتى الأطفال، حيث أدخلوهم في آتون الإرهاب من خلال تعليمهم الذبح من الوريد الى الوريد.

وقد رأينا كيف دفع ويدفع علماء السوء ومشايخ التكفير وسياسيو الفتنة اليوم الوضع العراقي بهذا الإتجاه، فقد أصبح الدم العراقي رخيصا وفقا لفتاوى القرضاوي وعلماء الوهابية التي أريد لها أن تتحوّل من نظام حُكم وراثي أو غطاء سياسي رديف الى مذهب ديني لإثارة الفتن وإحباط التجارب الديمقراطية في المنطقة.

وأي كانت سلوكيات هؤلاء المشايخ وسلاطينهم ومع خذلانهم للإسلام، ألا اننا نرى الإقبال عليه اليوم في الغرب يزداد بوتائر متصاعدة حتى بات مثل هذا الحال مؤرقا للأطراف الأخرى. ولن يضر الدين شيئا فإن ارتقى المسلمون الى المستوى الحضاري والقيم الانسانية للإسلام فسوف ينالوا احترام العالم لهم، أما إن انحطّ المشايخ والسلاطين الى مستوى البهائم أو أضلّ سبيلا، فذلك لن يضر الإسلام شيئاً، لأن للدين ربُ يحميه.
روابط ذات صلة في المقال:-
1- البدع التكفيرية المستحدثة، القرضاوي أمرا للإستحداث:
http://www.qanon302.net/in-focus/2013/12/25/7912
2- إنقذوا الطفولة في العراق من براثن الارهاب
http://www.qanon302.net/in-focus/2014/02/17/12391
3- الأنشطة التدميرية للإرهاب في العراق.. مَن المسؤول؟
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=26118




24
صناعة الجوع، الى أين؟
عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لم تكن وليدة اليوم، لكن هذه الأشكال الباهتة من الفنون ومنها فن صناعة الجوع باتت الأكثر رواجا في عالمنا المعاصر وفي بلدان الشرق عموما، وخصوصا في (شرق أوسطنا الكبير). وكما ان للفنون والصناعات الأخرى نجوم ومروجون وخطط وستراتيجيات ورجال اعمال، فقد أضحى لصناعة الجوع هي الأخرى كوادرها ومخططوها ومختصوها.

وانطلاقا من كون هذا النوع من الفن الشاذ كفيل بتغييب الوعي الانساني وتكبيل القدرات الابداعية وتشويش الفكر، لذلك أضحى وسيلة أساسية بيد الساسة ورجال المال وبعض الحكومات والممالك لتحقيق مآربهم الخسيسة، حتى لم تَعُد السياسة "فن الممكن" كما هو شائع بل أضحت فن (صناعة الجوع) في معظم الأحوال.

يقول الله تعالى .. "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" (19) سورة الذاريات، ليصف في قوله المحسنين ويحثهم فيه على مد يد العون للفقراء، لكن ما نراه على أرض الواقع الآن، هو أن الإنتهازيين والمفسدين والمفخخين قد أصبحوا أصحاب الحظوة في أموال الساسة وصُنّاع القرار، وخزائن بيوت المال كونهم أدوات لتكريس الفقر والموت والجهل والخراب.

فالجوع وما أدراك ما الجوع، حيث ربط الرسول الأكرم (ص) وفي أكثر من حديث نبوي شريف، ربط الفقر بالكُفر، فإستعاذ بربه من كليهما.. كما ويصف الامام علي (ع) الفقر بالموت الأكبر، ويقول لو كان الفقر رجُلاً لقتلته.. والقبر خير من الفقر.!

 ففي 25 آذار 2014 وفي حادثة لم يتوقف عندها الكثيرون لما تحمل من دلالات انسانية، وبما أسهمت به رؤوس الأموال الخليجية والعطايا السخية للمجاميع الارهابية في تشريد اللاجئة مريم وأطفالها الأربعة من وطنها الأم سوريا، والتي وقعت مع اطفالها في حبائل الجوع الذي لا يرحم، وبعد ان سيطر عليها  الشعور باليأس التام ازاء عجزها عن تأمين أرغفة الخُبز لأطفالها، لم تجد سوى اضرام النار في نفسها أمام مركز المفوضية العليا للاجئين في مدينة طرابلس اللبنانية من  اجل لفت الأنظار الى ما يعانيه أطفالها الأربعة الذين ظلّوا ولثلاثة ايام متتالية وهم يتضورون جوعاً أمام عيون الأم التي كانت تصرخ قبل اقدامها على اضرام النار قائلة .. " آتي الى هنا منذ ثلاثة ايام للحصول على مساعدات مع أولادي الأربعة، وفي كل مرة يقولون لي ان اعود في اليوم التالي، فأعود فارغة"، كانت تصرخ بذلك قبل حرق نفسها، وحتى بعد اضرام النار ودخولها المستشفى لم تُنسها ألسنة اللهب التي أكلت جسدها بطون أطفالها الخاوية فقد بقيت متمتمة بعبارة .." صدري يؤلمني ولكن ليس لدينا طعام"..  وكأن معروف الرصافي حينما قال قصيدته (الأرملة المرضعة) كان قد تنبأ بما سيحصل لمريم، حينما قال:

لقِيتُها لَيْتَنِـي مَا كُنْتُ أَلْقَاهَـا === تَمْشِي وَقَدْ أَثْقَلَ الإمْلاقُ مَمْشَاهَـــــــــا
أَثْوَابُـهَا رَثَّـةٌ والرِّجْلُ حَافِيَـةٌ === وَالدَّمْعُ تَذْرِفُهُ في الخَدِّ عَيْنَاهَـــــــــــــا
بَكَتْ مِنَ الفَقْرِ فَاحْمَرَّتْ مَدَامِعُهَا === وَاصْفَرَّ كَالوَرْسِ مِنْ جُوعٍ مُحَيَّاهَـا
المَوْتُ أَفْجَعَهَـا وَالفَقْرُ أَوْجَعَهَا === وَالهَمُّ أَنْحَلَهَا وَالغَمُّ أَضْنَاهَـــــــــــــــا
فَمَنْظَرُ الحُزْنِ مَشْهُودٌ بِمَنْظَرِهَـا === وَالبُؤْسُ مَرْآهُ مَقْرُونٌ بِمَرْآهَـــــــــا

في مثال آخر، ومثلما هي مريم فقد اختلطت شكوى رجل (پيشمرگه سابق) لم تُبكه مراحل الكفاح أبان التصدي لأعتى الديكتاتوريات المتمثلة في نظام البعث الصدّامي ولم تؤرقه تلك الليالي الطوال على سفوح الجبال أو موجات البرد القارس ولم تخيفه صدى الكهوف وسموم الأفاعي والعقارب ولا قصف المدافع والطائرات من قبل الأعداء، ولكنه قد اختلط نحيبه اليوم بالدمع المنهمر من عينيه شاكيا الفقر والجوع بعد أن ذاق الحرمان نتيجة عدم صرف السلطات في اقليم كردستان لراتبه الذي يشكّل مصدر رزقه الوحيد بعد بلغ من العمر ما بلغ، حيث لم تترك له ايام النضال فرص نيل الشهادات الجامعية، ولم يترك له ايمانه بقضية شعبه العمالة والتزلف لنظام صدّام للإثراء على حساب أبناء شعبه المضطهد كما فعل البعض، حيث يقول في الفيديو المرفق في أدناه وهو يتأوه باكيا ويترنّح في مجاهيل العوز والحرمان.

لم أكن قد استلمت راتبا لفترة طويلة مضت كان آخرها في الفترة التي سبقت الانتخابات المحلية الماضية (ولا شك ان ذلك الراتب لم يكن اعترافا بالإستحقاق قدر كونه دعاية للانتخابات من قبل السلطات الحاكمة في الاقليم)، ثم يعقّب (أسوة بقصة مريم) .. " سوف أعدم نفسي"، يقول ذلك وهو يفتح محفظة نقوده، ويقسم بأغلظ الإيمان بأنه "لا يملك ديناراً واحد"، ومن ثم يبكي مستصرخا  ضمائر المسؤولين في الاقليم بالقول "قبل أيام اقترضت خمسة دنانير" لسد حاجتي أسوة بما مضى، فهل تريدوننا "أن نمتهن التسوّل في الأسواق لكي نعيش".

وهنا سؤال يطرح نفسه: إذا كان وكما يدعي المسؤولون بأن خزينة الاقليم خاوية بسبب عدم صرف الحكومة المركزية لحصة الإقليم، فأين واردات النفط المصدّر من الاقليم الى الخارج يوميا؟ وأين واردات الكمارك و مداخيل الضرائب الأخرى؟.. وأين أرباح الاستثمارات الأجنبية ؟ فضلا عن أن الأمر ليس بالجديد، فإن معاناة الپيشمرگه الحقيقيين وكوادر الحزب القدامى، هي قديمة فكانوا ولا زالوا مركونين على الرفوف وعوائلهم تواجه شظف العيش ولم يقبضوا سوى الوعود الكاذبة والشعارات الرنّانة التي يرفعها المسؤولين لخداع الناس والتي لاتسمن ولا تُغني من جوع.

ولا بأس من إستذكار نفسي هنا، فبعد نضال مماثل لأكثر من 35 عام، ومن رحلة بين ربايا الجبال وسجون الطاغية، مازلت لا أملك مترا واحدا في الوطن، ولم يُصرف لي حقاً تقاعديا، علما أن أحد الذين كانوا يعملون تحت أمرتي هو الآن بدرجة لواء في الأسايش العامة تبعا لمعيار الانتقائية المعتمد الآن..  حقا هنا نقول اذا كان هناك من تليق به مهنة التسول فهم الانتهازيون والقتلة ممن تسلّقوا على أكتاف الآخرين، وممن تركوا شعوبهم عرضة للجوع الكافر، بل الجوع ليس كافرا وحسب، أنما هو ابو الكفار.. وكما قال الشاعر مظفر النواب:
لا تلم الكافر في هذا الزمن الكافر
فالجوع ابو الكفار
انا في صف الجوع الكافر
ما دام الصف الاخر يسجد من ثقل الاوزار

ومن بين ثنايا القصّتين، نقول: ويلُ للقاسية قلوبهم، والذين تجرّدوا من الرحمة والشفقة على بني جلدتهم، بل على بني جنسهم.. فإن معظم المسؤولين اليوم وكذلك أغلب صنّاع القرار وأغلبية الحكومات، لايفكرّون سوى بمستقبل عوائلهم وكراسيهم، من جهة، ومن جهة أخرى منهمكين في تمويل العمليات التي تهدف الى إدامة وجودهم في السلطة حتى وأن أدى ذلك الى الخراب وصناعة الجوع، وحرق الأخضر واليابس.

إن هذا الفن وصناعة التجويع ومهما طالت فسوف تنقلب على أصحابها في نهاية المطاف، فلربما إكتفت مريم بحرق نفسها، وإكتفى رجل الپيشمرگه بالبكاء، ألا أن الشواهد التاريخية تقول وعلى لسان رمز اليقظة في الضمير الانساني أبا ذر الغفاري " عجبت لمن لايجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه"، إذن يا ممولو العمليات الارهابية كفى قتلاً، ويا صنّاع الجوع والمترفون حذاري من غضب المسحوقين، فإنه إن انفجر، فلن يبقي لكم وجودا ولا يذر.

الرابط: أحد أفراد البيشمركة من شدة غضبة يبكي لعدم صرف حكومة أقليم كوردستان لرواتبهم (عن صحيفة صوت كردستان)
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=NQ5kYXr9BSk








25
الأمن وحقوق الانسان بين زمنين، الدكتاتورية وديمقراطية العراق الجديد
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
بادئ ذي بدء، أن من الثوابت الأساسية غير القابلة للجدل هو دعمنا الكامل لأي جهد رسمي أو غير رسمي في محاربة الارهاب، وما النقد الذي نتوجه به للأساليب والوسائل المعتمدة في محاربة الارهاب أنما يأتي في اطار السعي الدؤوب لتأصيل الجهد الأمني بإرجاعه الى اصوله المهنية والاخلاقية وبما يتفق مع القيم المجتمعية ويسهم في تعزيز وحماية حقوق الانسان في العراق، خاصة وان عنوان الأمم الحديثة هو تحضّر أفراد مؤسساتها الأمنية و رقيّ الوسائل والأساليب المعتمدة في إرساء الأمن ومكافحة الجريمة على اختلاف دوافعها. 

تاريخيا، أما حقبة البعث فقد حلّ القمع محل المشاركة السياسية بعد ان تحول النظام السياسي آنذاك الى مجموعة ارهابية مارقة على القوانين الدولية منهمكة في ارسال الرسائل التي تكرّس الخوف في نفوس الناس لتؤكد هيمنتها وقوتها عبر المقابر الجماعية وحفلات الاعدام الجماعي التي لم تسلم منها حتى النساء والأطفال وعلى سبيل المثال الشهيدة بنت الهدى (آمنة حيدر الصدر)، والمناضلة الكردية ليلى قاسم وأسماء كثيرة أخرى.

فأن ظاهرة المحاكم الصورية وانتزاع الاعتراف بالقوة كانت ظاهرة ممنهجة تتبناها الاجهزة الأمنية البعثية يستخدم فيها العنف كوسيلة وحيدة للتعامل مع المتهم على نمط رجال العصابات، ومما يدعو للأسف استمرار هذه الظاهرة المقيتة الى مرحلة ما بعد التغيير 2003، بل ومع النساء في تحدّ فاضح للقيم المجتمعية وكما في المقطع الفيديوي الذي نشرته (هيومن رايتس واتش) والذي يعكس دناءة وخسة الأساليب التحقيقية المعتمدة في السجون العراقية اليوم.

والشئ بالشئ يُذكر، فمن تجربتي الشخصية أستعرض حالتين مررت خلالهما:

 الأولى كنت فيها ضحية في أحد أسوأ سجون البعث صيتاً والمتخصصة في اجراء التحقيقات السياسية وعمليات التعذيب والقتل غير المُعلن والمسمىّ بـ «قصر النهاية»، حيث تعرّضت فيه لأقسى أنواع التعذيب على يد جلاوزة البعث وبإشراف مباشر من مهندس القمع «ناظم گزار»، ومع ذلك فإن سياط البعث وظلام زنازينهم وقيودهم الحديدية لم تسفر عن كشف أسرار كانت في صدري، أطلق سراحي بعدها بالتبادل مع ضباط كبار كانوا أسرى لدى قيادة الثورة الكردية وبالتدخل الشخصي للسيد مسعود البارزاني.

أما الحالة الثانية فهي على العكس تماما حيث كنت فيها أحد المسؤولين الأساسيين لجهاز الپاراستن «جهاز مخابرات الثورة الكردية»، وقد كنا نتوصّل الى أدق المعلومات من المتهم عبر فرضيات التحقيق المستندة على اسس علمية تراعى فيها إنسانية الفرد وكرامته، تارة عبر الأسئلة الايحائية وتارة أخرى البحث عن وقائع دالة مرتبطة بالقضية محل الاستجواب أو الاستدراج النفسي عبر ايقاظ عنصر الخير في كيان المتهم، فالحفاظ على سلامة ارادة المتهم هو السبيل الوحيد للوصول الى معلومات صحيحة والعكس بالعكس. وعلى سبيل المثال.. في عام 1973 أرسل ناظم گزار أحد الاشخاص في مهمة تجسسية الى گلاله (مركز قيادة الثورة الكردية آنذاك)  ويدعى «جيشي مطلگ الفرحان» وقد سبق وصوله معلومات عنه لذلك سهّلنا عملية مروره وتحركاته للتعرف على الشخص المكلّف بالتنسيق معه. وعندما حانت لحظة القبض عليه، تصدّيت للتحقيق معه، مستخدما ماتمت الاشارة له من اساليب علمية ونفسية تحفيزية حتىّ تركته بمفرده في مكتبي بعد ان اعطيته أوراق وقلم وطلبت منه ان يقول بملئ ارادته ما يمكن ان يدفعنا لمساعدته واطلاق سراحه .

 عندما انهى الكتابة كان السطر الأول في اعترافه قد نصّ على ما يلي حرفيا (" سوف أغسل عاري وأريح ضميري بتدوين كل مالدي من معلومات وبما كُلفت به وما طلبه ناظم كزار مني") ومن ثم استرسل ليقول معلومات لم نكن على علم بها، معلومات صحيحة اسهمت في حماية ابرياء والقاء الضوء على عمالة قيادات من احزاب اخرى كانت متجحفلة مع القيادة الكردية في الثورة ضد نظام البعث.. وفعلا تم اطلاق سراحه بأمر من السيد مسعود البارزاني، بعد مجئ والده مسترحما القيادة لإطلاق سراح ولده.

أسرد هذا الموقف للمقارنة بين وسائل واساليب الحالتين ونتائج كل منهما، وكيف ان ظاهرة التحقيق العشوائي المعتمدة على العنف كانت قد امتدت من زمن البعث وللأسف الى ما بعد التغيير وخاصة في فترة حكومة السيد المالكي. ولا نقول ذلك تجنيا بل هذا ما أثبتته الوقائع والمنظمات الدولية وكما هو في الفيديو أدناه.
 
وليس المنظمات الدولية وحدها من أقرّت بذلك، ففي الخطاب الاسبوعي الأخير للسيد المالكي، (اتهم السيد المالكي فيه علنا نقاط التفتيش الأمنية بالإساءة للمواطن وعرقلة حركة السير، وقد عزا السيد المالكي ذلك الى ان البعض منهم يسعى الى خلق فجوة بين الحكومة والمواطن) .. والسؤال الذي يطرح نفسه أين كان المالكي من مبدأ النقد الذاتي الذي لايمكن ان يُفسّر الا انه دعاية انتخابية و نوعاً من التنصل عن المسؤولية خاصة وان حكومة المالكي قد تجاهلت اصوات الخيرين لثمان سنين خلت متمسكا برجل لايعرف ألف باء الأمن كوكيل أقدم لأهم وزارة تعنى بحياة الناس كـ (عدنان الأسدي).؟

أن الثقة بين المواطن والحكومة قد اهتزت بشكل لايمكن أن تعود الى وضعها الطبيعي، وأن هذه الاساليب والمعالجات العشوائية كانت قد خلقت بيئة حاضنة للإرهاب والجريمة المنظمة في العراق، وعطّلت الجهد الشعبي الوقائي في محاربة الارهاب، وأساءت للأحكام الصادرة من القضاء العراقي.

لقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة مجلس الأمن الدولي يوم أمس، من "خطورة التحديات السياسية والأمنية في العراق التي ما لم يتم التصدي لها سريعاً قد تؤدي إلى آثار مدمرة ودائمة بالنسبة لاستقرار البلد على المدى الطويل"... ان هذه التحذيرات ناقصة وغير جادة مالم تدرك المنظمة الدولية بأن الحكومة العراقية تستغل علاقاتها الدولية لتأمين نفسها بالدرجة الأساس دون شعبها وان السياسة الأمنية للحكومة قد اصبحت عبئاً كبيرا على الشعب العراقي.

كما ان هذه التصريحات الدولية لا تُعد ذي جدوى بل هي استساغة للخراب الذي يتعرض له العراق، مالم تسهم المنظمة الدولية في اشغال مساحة اكبر في الحفاظ على فرصة العراقيين الأخيرة بالتغيير عبر انتخابات نزيهة قادرة على الاتيان بحكومة تضع حدا للاستخفاف بحياة وكرامة العراقيين، ومالم تأخذ المرجعيات الدينية على عاتقها دورا ميدانيا عبر ممثليها في المحافظات في الاشراف المباشر على الانتخابات عبر آلية تحد من استغلال الحكومة لنفوذها الرسمي في المؤسسات المدنية والعسكرية. فالوقاية خير من العلاج، هذا ان كان العلاج ممكنا فيما لو تكررت ذات الوجوه في مواقع المسؤولية لأربع سنين قادمة.


فيديو يوضح اساليب انتزاع الاعترافات عبر الاغتصاب الجنسي
 http://www.youtube.com/watch?v=ThGzNkBbz4U



26
نزاهة الانتخابات، الحل الامثل للازمات المتراكمة

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لقد بات الانفلات الامني ظاهرة دامت لأكثر من عقد من الزمن وقد اصبح الارهاب المقيت في كثير من الأحيان هو صاحب المبادرة والمتحكم في اختيار الزمان والمكان والسبب هو الأخطاء الفاحشة في عملية معالجة الارهاب، فان طرق المعالجة لازالت احادية لاتسير بشكل متواز مع ضرورات أخرى منها ماهو سياسي وآخر قانوني واجتماعي.
واصبح للحزبية الضيقة دوراً سلبياً ترك آثاره على الوضع في العراق  خاصة وان "كل حزب بما لديهم فرحون"، متناسين هموم الشعب العراقي وخاصة ضحايا الارهاب والفقراء والمسحوقين والأرامل والأمهات الثكالى، كما أصبحت الحزبية وسيلة للتسلط على الحكم بعد استعمال الكلمات المعسولة لخداع الناخبين وإعطائهم وعود كاذبة ومنها انهم سوف يطبقون نظرية (سيد القوم خادمهم).. ولكن بعد الجلوس على كرسي الحكم يكون كرسيهم كرسي النسيان للوعود لذلك نرى عدم الاكتراث بمشاكل المظلومين وقد ثبت لأبناء الشعب بان هؤلاء الحكام ظاهرهم رحمة وباطنهم ويل وعذاب وسرقة وملئ الجيوب والبنوك الخاصة بهم وبأفراد عوائلهم وأقاربهم بالمال الحرام.

ومثل هذا الأمر كان قد خلق فجوة كبيرة بين المسؤولين والمجتمع، في حين ان تعبئة المجتمع العراقي بوجه الارهاب هو الخطوة الاولى في سُلّم المعالجات، وليس التعبئة وحسب بل تحصين المجتمع أيضا، ويحتاج ذلك الى الفرز وبدقة بين ما هو منخرط في الانشطة الارهابية وبين الأبرياء، بل لا بأس من اقرار قانون عفو عمّن غرر بهم ورفعوا السلاح والكف عن ملاحقتهم شرط تسليم اسلحتهم والعودة للصف الوطني، وكما حصل في الدول ذات الظروف المتشابهة مع الظرف العراقي.

ان الجانب الاهم في المعادلة هو عدم الاسهام في تكريس الشعور بالظلم من قبل الآخر خاصة عندما يأخذ الأمر طابعا طائفيا يسهم في توفير الحواضن للارهاب، وكذلك السعي لاعادة المفصولين الى وظائفهم للتقليل من جيش العاطلين، فالعاطلون عن العمل هم أيضا معرّضون للاستغلال والتجنيد من قبل الارهابيين بسبب حاجتهم اليومية للمال.. ويُسهم الفقر والحاجة ايضا في خلق بيئة حاضنة ومتعاونة مع الارهاب. وأمثلة على ذلك، لقد رأينا كيف يستغل الارهاب الفقر والعوز والحرمان الذي يعاني منه الشعب لتجنيد البعض ضد البعض الآخر حتى وان كان من نفس الطائفة او العرق.. وكما حدث قبل فترة في مدينة الصدر بعد اعتراف الفاعل بالجُرم المشهود.

ويمكننا القول، ان ايادي خفية اجنبية تحرك بعض الاحزاب السياسية ليزيدوا في النار حطبا. فقد أوغل البعض في الاسهام بإلهاب الوضع العراقي وزيادة الاحتقان الطائفي وخلق الازمات وقد بات الناخب العراقي على علم شبه تام في نوعية الكتل السياسية المرشحة للانتخابات وأفراد قوائمها وقد جاء ذلك من خبرة الشعب بتاريخ هؤلاء بعد ان منحهم أكثر من فرصة لإثبات قدراتهم في الوقت الذي لم يثبتوا سوى الفشل الذريع وعلى كافة الصعد السياسية والامنية.

أن الرغبة بالتغيير تتصاعد يوما بعد آخر لدى عموم الشعب العراقي، والصدمة الكبرى التي قد يتعرض لها الناخب العراقي هي مسألة نزاهة الانتخابات، خاصة وان بعض رجال الدين ومؤسسات المجتمع المدني وبعض القوى السياسية قد حذروا من مغبة التلاعب في نتائج الانتخابات المقبلة، بل والغريب هناك اطراف مسؤولة في المفوضية العليا للانتخابات كانت قد حذرت هي الاخرى من ذلك.. بذلك يمكننا القول بأن من يحاول اللعب وتزوير نتائج الانتخابات القادمة وبأي طريقة كانت سوف يقدم خدمة كبيرة لأعداء العراق وعلى رأسهم الإرهاب، وستكون مثل هذه المحاولات ان وجدت (محاولات التزوير)، المسمار الأخير في نعش العملية السياسية في العراق، وعلى العكس تماما فيما لو تحققت النزاهة فقد تكون بداية الحل للأزمات المتراكمة السياسية والأمنية وربما الاقتصادية أيضاً. ولم يعد يفصلنا سوى فترة زمنية قصيرة عن الانتخابات، ليتأكد للجميع صحة ما قلنا وما ذهبنا اليه.

.


27
المصالحة الوطنية علاجا لضرب الارهاب

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

تتصاعد الانهيارات الأمنية في البلد رغم الزخم العسكري الكبير والمحدود الفاعلية الذي لجأت اليه الحكومة في معالجة الارهاب، حيث تعود محدودية فاعليته الى ان المعالجة الامنية لا ينبغي ان تقتصر على سياسة الردع المسلّح وحسب، خاصة وان الارهاب يسعى هو الآخر الى جر الحكومة الى هذا الاسلوب الخطير الذي تنتج عنه تداعيات أخطر تثير الانقسام المجتمعي وتتجه بالبلاد صوب الحرب الأهلية وبذلك تكون الحكومة العراقية نفسها قد أسهمت في خلق بيئة حاضنة للارهاب بدلا من تضييق مساحات وجوده في العراق.

يكاد يتفق الجميع على ان الجهد الاستخباري ما زال ليس بمستوى الطموح في اطار المعركة مع الارهاب في العراق بل تدنىّ الى وتائر تشكل تهديدا خطيرا على الأمن والسلم الاجتماعي معا، ، والأسباب معروفة أهمها فشل الحكومة في اشراك المواطن كطرف رئيسي في النظرية الأمنية، بل على العكس فقد رأينا في الفترة الأخيرة حدوث فجوة كبيرة ليس من السهل ردمها بعد جنوح الحكومة الى المعالجات العشوائية غير العلمية، خاصة وان المؤسسة الأمنية أصلا وكما ينصح بذلك القريب والبعيد لازالت بأمس الحاجة الى الاصلاح واعادة الهيكلة على أسس وطنية تحكمها الكفاءة بعيدا عن الولاءات الشخصية والمحاصصة الحزبية، وذلك مالم يحصل الى اليوم.

فلا زالت الكوادر الأمنية ذات الخبرة الكبيرة في هذا المجال مركونة على رفوف الاقصاء، ولا زالت الاجتهادات الشخصية لصانع القرار ومستشاريه هي المعيار الاساسي في التعيين وملأ الشواغر في المناصب ، وعادة ما يثير الكثيرون عدم دستورية المناصب الأمنية والعسكرية العليا حيث لم تعرض أسماء شاغليها على ممثلي الشعب في البرلمان العراقي وفقا للدستور. ليس هذا وحسب بل يرفض الكثير من الجنرالات الحضور للبرلمان للإستجواب والمساءلة الهادفة الى حث المسؤوليين الأمنيين على الارتقاء بمهامهم الوظيفية.

ويعني مثل هذا الأمر بأن العلاقة بين المؤسسة الأمنية والمؤسسة التشريعية هي ليست على مايرام، وذلك على الصعيد الرسمي الذي ينسحب في نفس الوقت على الصعيد الشعبي الذي يرى نفسه في واد والحكومة ومؤسساتها الامنية في واد آخر.

في الحقيقة يصعب التكهن في مسار الحكومة الاتحادية والى أين هي سائرة بالعراق خاصة مع (تناحر السلطات) الذي يعكسه تصريح رئيس الوزراء السيد نوري المالكي المتمثل في الطلب من المحكمة الاتحادية اعتبار مجلس النواب العراقي مؤسسة (لم تعد شرعية)، بشكل أصبحت فيه المحكمة الاتحادية (بُعبُع ديمقراطي) وخرافة تستخدم لإخافة وابتلاع كل من لاينسجم مع رأي الحكومة العراقية أشخاص أو مؤسسات، ولربما حتى مكونات عراقية في المستقبل القريب، فليس من المستغرب ان تصدر المحكمة غدا قرارا بتجريم اقليم أو محافظة ليتم غزوها بطريقة بربرية وبغطاء قانوني من المحكمة الاتحادية.

ليس الأمر بالمستغرب فما يشهده العراق من قرارات ارتجالية في معالجة الأزمات، وماشهده الاقليم من قطع لأرزاق موظفيه ومحتاجيه على يد الحكومة العراقية التي ذهبت برفقة مستشاريها الى تعميم خلافها مع حكومة الاقليم لينال الشعب الكردي حصارا اقتصاديا بطريقة لا تبدو مسؤولة وبعيدة كل البُعد عن القيم الوطنية واستحقاقات وحدة المجتمع العراقي.

يحصل كل ذلك في الوقت الذي يحارب فيه العراقيون الارهاب الذي ينخر في قلب الوطن العراقي والذي يحتاج الى تقريب وجهات النظر وتوحيد الصف الوطني ورفع وتيرة الشعور بالمسؤولية لدى المواطن العراقي ليندفع الى الانخراط في العملية الامنية ومحاربة الارهاب كل من موقعه ومن ثم التضييق على حواضنه داخل المجتمع العراقي. فالشق الأمني هو جزء من المصالحة الوطنية وليس العكس، ألا ان مانراه اليوم هو تعثر ان لم نقل جمود مسار المصالحة، بل تراجعها بشكل خطير من الممكن ان تتعرّض معه الثوابت الوطنية للتفكك والانهيار ويعرّض السلم الاجتماعي والوطني لهزّات عنيفة يكون المستفيد الأول منها هو الإرهاب، والإرهاب فقط.

لقد أدركت بعض القوى السياسية وبشكل مبكر أستحقاقات العملية الديمقراطية في العراق، ومدى أهمية الفرز بين الشعب والارهاب وبناء دولة المواطنة، ومازال البعض من تلك القوى يؤكد وبشكل كبير على أهمية المصالحة في تحقيق الاستقرار الأمني، وعلى سبيل المثال ائتلاف الوطنية (239) بقيادة الدكتور اياد علاوي الذي جعل من المصالحة الوطنية مطلبا اساسيا في برنامجه الانتخابي ادراكا منه لأهمية ما تشكله المصالحة في توحيد المجتمع العراقي وهزيمة الارهاب من خلال اشراك الفرد والمجتمع في النظرية الامنية بدلا من اقتصارها على العسكرة ومنهجية الفتل الرسمي للعضلات وحسب.

28
إنقذوا الطفولة في العراق من براثن الارهاب

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

يُعد الارهاب بما يتبنى من وسائل عنفية لتحقيق اجندة سياسية، وبما يُنتج من خوف وفزع وهلع في نفوس الأبرياء، التحدي الأكبر لمستقبل الشعوب في المنطقة والعالم، خاصة اذا ما أدركنا بأن الطفولة الصانعة لمستقبل الأمم هي الأكثر تضررا بفعل الإرهاب من أي شريحة أخرى. وبالاضافة للتحديات المادية التي تواجه هذه الشريحة، هناك استهداف آخر وتحديات فكرية ومعنوية أخرى لاتقل خطرا عن مثيلتها المادية وإن كانت مترابطة ومتصلة التأثير مع بعضها البعض.

لقد خلفت العمليات الارهابية ملايين الضحايا، وبما جعل تأثيرها السلبي على مسار العائلة العراقية التي هي نواة المجتمع، تأثيرا قياسيا لايمكن تجاهله وغض النظر عنه، لما تتركه هذه العمليات من ظروف اقتصادية واجتماعية قاهرة بسبب الفقر والعوز والحرمان الذي تتعرض له الأسرة العراقية نتيجة فقدان ربّ الأسرة ومُعيلها الأوحد في أغلب الأحيان، وعلى وجه الخصوص شريحة الأطفال التي تمثل العدد الأكبر داخل الأسرة بشكل عام.

وقد بلغ عدد الأيتام في العراق بسبب العنف والارهاب أرقاما مذهلة توصف بأنها تعادل عدد نفوس خمسة دول صغيرة من دول المنطقة، حيث قدّرت منظمة الأمم المتحدة (اليونسيف) عدد الأيتام في العراق بأكثر من 5 ملايين و 700 ألف طفل حتى عام 2006، وليس من المستبعد أن يكون الرقم قد تجاوز السبعة ملايين يتيم اليوم.

وتواجه الطفولة في العراق، وشريحة الأيتام بشكل خاص اهمالا يبرره بعض المسؤولين بأن هذه المشكلة تفوق قدرات الدولة العراقية، في الوقت الذي يتبارى فيه البرلمانيون والمسؤولون الحكوميون لإقرار امتيازاتهم ورواتبهم التقاعدية على حساب ضحايا الارهاب في المجتمع العراقي.

في حقيقة الأمر أن التنصّل عن المسؤولية تجاه هذه الفئة الواسعة من المجتمع العراقي هو العنوان الأبرز للمرحلة وبما يفاقم المشكلة وآثارها المستقبلية، فمن الممكن أن تكون هذه الشريحة مادة خام لتغذية العنف والعنف المضاد اذا ما تم تجاهلها واهمالها بالشكل الذي هو عليه اليوم، وتركها عرضة للجهات التي تحاول تأجيج الجانب الثأري في شخصية الطفل، فقد سعت المنظمات الارهابية لفتح مراكز التدريب للأطفال وكما هو الحال مع "جيش الطفولة" الذي أنشئ في افغانستان، حيث تستخدم المسدسات والرشاشات في المراحل الاولى ومن ثم التدريب على عمليات زرع العبوات ونسف المباني لتمضي مراحل التدريب الى تخريج أخطر الارهابيين في العالم. ولم تنحصر هذه التجربة هناك، بل امتدت مؤخرا الى سوريا أيضا تحت عنوان "أشبال الزرقاوي"، وليس من المستغرب أن تمتد الى العراق في حال التمادي في ظلم وتجاهل أيتام العراق وتركهم عرضة لإستغلال المجاميع الارهابية وعصابات الجريمة المنظّمة.

لقد كان لتسييس الدين أثرا كبيرا في بروز مثل هذه الاتجاهات الخطيرة في مجتمعاتنا حتى بات فصل الدين عن السياسة ضرورة قصوى لصيانة حُرمة الدين في هذه المرحلة، خاصة بعد أن أصبحت السياسة مهنة مجردة من القيم النضالية والنتاج الفكري تدور حول محور الطائفية والعرقية والمنافع الشخصية بمعزل عن الأبعاد الانسانية والحقائق الموضوعية ومكارم الاخلاق. عندئذٍ وبالعودة الى موضوع المقال فالمناهج الدراسية هي الأخرى كفيلة في بناء شخصية الطفل في اطار التطلعات المستقبلية لشكل المجتمع المراد انتاجه مستقبلا، وليس وزرارة التربية وحسب، بل كل الوزارات مسؤولة هي الأخرى في انتاج شخصية الطفولة السليمة وبما فيها وزارة التخطيط والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية بتقييد عملية استيراد لُعب الأطفال التي تجذّر مفاهيم العُنف وتعزز نزعته في شخصية الطفل، وللأسف فإن الأسواق العراقية تكاد تكون غارقة بألعاب من هذا النوع اليوم.

أن احتمالية الجنوح للجريمة لدى فئة الأيتام والأطفال منهم خاصة، وإمكانية استغلالهم من قبل الجماعات المتطرفة هي أكبر بكثير من احتمالية توظيف هذه الشريحة لبناء مستقبل العراق، خاصة مع وجود هذا النوع من السياسيين الفاسدين في المراكز الادارية المؤثرة اليوم، ومع اقرار أطراف حكومية بعدم قدرة الدولة على استيعاب ومعالجة هذه المشكلة الخطيرة، الأمر الذي يستدعي الدعم الدولي لمنظمات المجتمع المدني في العراق المتخصصة في هذا المجال، بل وتشكيل جمعية انسانية للسلم والتكافل تأخذ على عاتقها وبشكل أساسي تنظيم عمل المؤسسات المتخصصة في الدعم المادي والبناء الفكري لشريحة الأيتام وفئة الطفولة العراقية التي تشكل ذخيرة الغد وعماد المستقبل.

مقطع فيديوي عن استباحة الطفولة في افغانستان (التطرف الأسباب والنتائج)
http://youtu.be/6OcA4csWEQA

29
التخادم بين الفساد والإرهاب، الوطنية هي الحل

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
يُعد الفساد الاداري والمالي، وفي العراق خاصة أحد أهم مصادر تمويل الأنشطة المشبوهة، وخاصة النشاطات ذو الصبغة الإرهابية التي تستخدم العنف لتحقيق أغراض سياسية. ويدخل الفساد كعامل مباشر في إنعاش هذه الأنشطة أو بشكل غير مباشر عندما يسهم في تعطيل آليات كبح الإرهاب داخل الدولة.

وقبل الخوض في تفاصيل العلاقة المتبادلة والتخادم الخفي والمُعلن بين الطرفين، نتناول الحزبية والتحزب وما نتج عنها من محاصصة طائفية وعرقية كان قد أسهم في مضاعفة نسب الفساد الاداري والمالي وتعطيل عملية استشعار المسؤول الأمني لواجباته الوطنية والانسانية والتركيز على المنافع الشخصية والفئوية فقط والتي تتنافى مع دواعي المحافظة على الاستقرار داخل المجتمع.

وفي العراق بالذات، قد أصبحت الحزبية وسيلة للحصول على المناصب الادراية، والمناصب هي الأخرى قد أضحت وسيلة للتسلط وملئ الجيوب ومنصّة لإطلاق الوعود العرقوبية الكاذبة وخداع الناس، خاصة عندما يتخذ المسؤول من الطائفية السياسية وسيلة لترميم مصالحه الحزبية وتوسيع سلطاته ومن ثم هدم البنية الاساسية للمجتمع بدلا من التصدي لكل ما يثير الانقسام والفتنة بين أفراده ومكونّاته.

ان الترابط السلبي الوثيق بين الحزبية والفساد كان قد أسهم في نمو الارهاب، حيث تتجه النفوس الضعيفة الواقعة تحت وطأة الفقر وثقل الظلم ومطرقة البطالة نحو الفعل الارهابي المنظّم في معظم الأحيان، من حيث تشكّل الحاجة دافعا لذلك، أو أن يكون هؤلاء في أحسن الأحوال حواضن خائنة وملاذات آمنة للإرهابيين، حيث يؤدي الشعور بالغُبن والإحباط والوقوع تحت طائلة ماسلف من فقر وظلم الى ترجيح كفة الانتماء الفرعي على حساب الولاء الوطني والإنساني.

فلا ننسى بان التحزب والفساد الاداري يؤديان بالنتيجة الى تغييب الوعي الوطني والاساءة للعاطفة الصادقة تجاه البلاد ومن ثم اضمحلال القيمة الوطنية لصالح النزعة الطائفية والعرقية وربما القبلية أيضاً، ليتجسّد ذلك في فعل مساند للإرهاب سواءً من خلال توفير الحواضن او اندماج الأفرد في شبكات الارهاب المنظّم.

ومن هنا تقع على عاتق من يتصدى للمواقع الادارية في الدولة، جزء كبير من المسؤولية يتمثل في استثارة غيرة المواطن على قيمه وثوابته ومبادئه السياسية المنبثقة من التجربة الديمقراطية، وعلى عاتق المسؤول تقع أيضا انطلاقا من القول المأثور (سيّد القوم خادمهم) مهمة بناء قواعد الثقة مع الشرائح الوطنية داخل الدولة وكذلك تعزيز الشعور الوطني في نفوس افراد الشعب عندما يكون المسؤول مؤهلا للإقتداء بأقواله وأفعاله.

لكل مجتمع ثوابت ينبغي أن تنسجم حالة الوعي المراد تكريسها داخل المجتمع مع هذه الثوابت التي يتمكّن من خلالها مواطنو الدولة من تحقيق حالة من التعايش السلمي التي سبق وأن حققتها لفترات طويلة مضت.. ومع التطرق الى المجتمع العراقي كأحد الأمثلة على هذه المجتمعات ينبئنا واقع الحال بأن المسؤولين القابعون في الأبراج العاجية هم في واد والطبقات المسحوقة والمظلومة والتي تشكل الأغلبية الساحقة هم في واد آخر أي: (وادي النسيان). والفساد الناتج عن التحزب والمحاصصة الطائفية والعرقية في الحُكم، يضاف اليه الارهاب الذي يضرب بأطنابه في الواقع العراقي منذ أكثر من عقد من الزمن، تقتصر نزعة كل منهما على اجهاض الدولة الوطنية والمشروع الوطني لصالح المشروع الطائفي أو (دولة الخلافة المزعومة)، وما بين نقطة الشروع ولحظة تحقيق الهدف يدفع المواطن العراقي الثمن غاليا من وقته وأمنه ورزقه وحياته أيضاً، ومن ثم تصبح الدولة رويدا رويدا عِرضة للتلاشي، وتغدو سفينة الوطن برمّتها عرضة للغرق والإنهيار.

حيث تشكّل عملية تفعيل الانتماء الوطني والانساني دافعا للتطور والابتكار والابداع والاعمار والبناء، في الوقت الذي يؤدي تفعيل مادون ذلك من انتماءات قبلية وطائفية وعرقية الى تعطيل ما سبق، بل قد يكون مثل هذا التفعيل السلبي دافعا للحروب واثارة الضغائن والفتن ومدعاة للتخلف والإنحطاط على مستوى الأفراد والمجتمعات معاً.. إذن فالعودة الى الوطنية هي الحل.




30
المعالجات الجادة والتلازم العضوي بين الأمن والإقتصاد

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
ندرك جميعا بأن الأمن والإقتصاد مطلبان رئيسيان يطلبهما كل مواطن عراقي ، بل كل إنسان على وجه البسيطة، ويوضح القرآن الكريم هذه العلاقة في قوله (تعالى) : "فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" (سورة قريش 4)، ألا أننا وللأسف الشديد وكلما إستيقظنا تــُطالعنا وسائل الاعلام المقروءة والمرئية بأخبار العراق المؤلمة المتمثلة في حصاد أرواح المواطنين الأبرياء بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة التي يرتديها الإرهابيون من كلا الجنسين، أو عبر الاختطاف للحصول على المال، أو الاغتيالات عبر الكواتم للأشخاص الذين يواجهون الارهاب وممن أصبح غير مرغوب بهم من قبل الدول الممولة للإرهاب. حتى امتد الاستهداف الى الصحفيين ورجال الاعلام الذين لايملكون سوى القلم سلاحا والكلمة ذخيرة، فكانت ولا زالت حرباً مفتوحة على الشعب العراقي بكافة أطيافه وأجناسه من قبل الإرهابيين والحواضن التي توفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الارهابية... فالى متى يستمر مثل هذا الحال، ومن المسؤول عن ذلك؟

أن كثير من الكتاب قد كتبوا مقالات ودراسات قيمة حول هذا الموضوع وكل حسب درايته، ولي الشرف أن أكون أحدهم، فقد وُضعت العديد من المعالجات الأمنية المستقاة من الظروف المماثلة لما يمر به العراق اليوم، ألا أننا ومثلما نأسف على وقوع الفعل الإرهابي، كذلك تـَنتابُنا مشاعر الأسى حينما لانجد أذنا صاغية للمعالجات المطروحة، لكن ومع ذلك فإن الضربات المتتالية الأخيرة والحالية الموجهة من قبل الحكومة الوطنية لفصائل الإرهاب المقيت تعتبر حالة جديدة وبداية جادة لما تشكله من تجسيد لارادة الشعب وبما يجعل منها مطلبا شعبيا أخذت الحكومة على عاتقها تنفيذ مفردات هذا المطلب المتعلق بإقتلاع جذور الارهاب في أي مكان وزاوية من زوايا العراق.

ومع ذلك، بالعودة الى ماسلف، أعيد التأكيد على العلاقة العضوية بين الأمن والإقتصاد والتي يؤكدها القرآن الكريم في مواضع عدة، منها أيضا دعاء سيدنا ابراهيم عليه السلام، المتمثل في قوله تعالى " وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ" (البقرة 126 )، ويبدو الارتباط جليا بين المفهومين (الأمن والإقتصاد).. وبالنظر الى الظروف التي يمر بها العراق فيمكننا القول بأن المجتمع العراقي قد انقسم الى طبقتين، طبقة غنية جدا تنعم بالثراء الفاحش اليوم رغم أنهم بالأمس القريب كانوا حفاة عراة فأصبحوا بين ليلة وضحاها من أصحاب الملايين نتيجة النفوذ الحزبي والسياسي الذي أسهمت المحاصصة الطائفية والعرقية في تكريسه داخل الواقع السياسي في العراق. ويقابل هذه الطبقة، طبقة مسحوقة تصل الى 6 ملايين عراقي ممن يعيشون تحت خط الفقر (وفقا لإحصائيات بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" 2013) ، ناهيك عن مستوى البطالة الذي وصل الى 16 % وفقا لتقارير وزارة التخطيط العراقية في عام 2012 والتي تضاعفت في العام الذي تلاه نتيجة للتردي الكبير في الوضع الأمني.

ويؤكد ما سبق ضرورة وضع سياسات شاملة تسهم بإنتشال العراقيين من الفقر وتطوير وسائل عيش مستدامة وفرص عمل لجميع العراقيين بالتزامن مع مساعي الحكومة لمواجهة التحديات الأمنية. ولكن أيضا هل يكفي وضع السياسات الاقتصادية وحسب، دون وجود ادارة كفوءة لتنفيذ تلك السياسات الاقتصادية، كلا بالتأكيد خاصة وأن كلا القطاعين الأمني والإقتصادي المرتبطان عضويا يعانيان في نفس الوقت من الافتقار الى عنصر الكفاءة، رغم أن الكفاءة شرط أساسي في نجاح التنفيذ والتطبيق حيث قال الله (تعالى) على لسان سيدنا يوسف (عليه السلام): "اجْعَلْنِى عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّى حَفِيظٌ عَلِيمٌ " (يوسف 55). فالنزاهة والكفاءة هما شرطان أساسيان يجب أخذهما بنظر الاعتبار لتحقيق الغايات المنشودة والنهوض بالأمن والإقتصاد معا على حد سواء.

لاشك أننا مع الجهد الحكومي لضرب الإرهاب في كل زمان ومكان، فقد أكدنا في مقالات سابقة على ضرورة الضرب بيد من حديد والقضاء على الملاذات الآمنة للإرهاب وتجفيف منابعه وفضح الممولين له والمشجعين عليه، ولازلنا عند هذا الرأي، ألا أننا وحرصا منا على أن لاتكون المعالجة مرحلية، وأن لايكون المنجز الأمني المتحقق من هذه الضربات الفعالة والجهد الحكومي المبذول عرضة للتآكل والتلاشي، فلا بد من الأخذ بنظر الاعتبار ما أشرنا اليه من ترابط عضوي بين الأمن والإقتصاد في التخطيط، كما في سورة قريش، والترابط الآخر بين النزاهة والكفاءة كما تنص على ذلك سورة يوسف، ذلك ما نود التأكيد عليه فنحن أولى بإتباع ارشادات القرآن الكريم الذي يؤكد على التلازم العضوي الوثيق بين الأمن والإقتصاد للقضاء على الإرهابين في العراق من الجذور بمضاعفة الجهود لإسقاط أقنعتهم، وتعرية ادعاءاتهم الدينية وليكونوا نسيا منسيّا.

31
البدع التكفيرية المستحدثة، القرضاوي أميرا للإستحداث
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لقد تم كتابة الكثير من المقالات والتحليلات ووضعت العديد من المعالجات حول الارهاب المقيت من قبل الاقلام الحرة وقد تم فضح الدول الممولة للإرهاب في المنطقة بالأموال والأسلحة الفتاكة وكذلك فضح الحواضن التي توفر ملاذات آمنة للعناصر الارهابية والتي مهدت لهم طرق اختراق الأجهزة الأمنية، وقد طلبنا في مقالات سابقة ولا زلنا ككل المراقبين السياسيين الحكومة العراقية الضرب بيد من حديد لأولئك الخونة الذين يسهلون طرق دخول الارهابيين للأماكن التي يتم استهدافها.

أن الارهاب فجيعة كبيرة وبلية سرطانية وان المفخخات الشيطانية والأحزمة الناسفة والعبوات اللاصقة، وقد استحدث بعض علماء السوء هذا الاسلوب الدموي لقتل الأبرياء على يد المنظمات الارهابية الحاملة لأسماء شتى من مثل (داعش- جبهة النصرة - انصار الشريعة ولواء كذا والخ) وهؤلاء جميعا من حملة الأفكار التكفيرية والتخريبية وأنهم الفاسدون في الأرض والفاسقون وأكلة قلوب وأكباد البشر، ولم يكتفوا بهذه الأفعال الشنيعة من قتل للأبرياء شيوخا ونساءاً وأطفالا وهدم لدور وأماكن العبادة وحسب ، بل استحدث لهم علماء السوء من أمثال القرضاوي والعرعور وبقية العلماء الموتورون قد استحدثوا لهم جهاد المناكحة لإستقطاب الشباب للإنخراط في الأنشطة الارهابية وليكونوا وقودا بعد تفجير انفسهم حتى في بيوت الله في عملية انتحارية لقتل العلماء الذين كانوا ينادون بالإعتدال والوسطية كما حدث للشهيد السعيد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي (رحمه الله).

لقد جعلوا علماء السوء من الحلال حراما ومن الحرام حلالا رغم أنهم ممن لادين لهم بل هم ألد أعداء الدين الاسلامي الحنيف الذين أهلكوا الحرث والنسل ودمروا البنى التحتية للدول التي عبثوا فيها اضافة الى قتلهم الأبرياء في كل من العراق وسوريا بذريعة السعي لتطبيق الشريعة الاسلامية.. مع أن واقع الحال المتجسد في سلوكياتهم يعكس مدى الانحطاط الفكري والاخلاقي الذي تعاني منه هذه المجاميع الارهابية وعلى رأسها التنظيم المسمى بـ (دولة العراق والشام الاسلامية).. ولا يمكن وصف طروحاتهم الدينية سوى انها دين جديد لايمت الى الاسلام بصلة تم استحداثه من قبل القرضاوي ومن لف لفه من شذاذ الآفاق ممن يقتلون الناس وهم ينادون بأعلى أصواتهم بعبارة (الله أكبر) دون أن يدركوا معنى هذه العبارة.

وأمام هذا الوضع تقفز الى الأذهان أسئلة ينبغي على الدول الممولة للإرهاب في المنطقة الاجابة عليها ، فالضمير العالمي يسأل ويقول .. أين الانسانية إزاء القتل العشوائي وهدم دور العبادة وإزاء التطهير الاثني لسكان المنطقة من الأخوة المسيحيين والإيزيديين الذي استهدفوا بالذبح والتهجير؟ وإزاء الاستهداف الجماعي للشيعة؟ على يد حاملي الأفكار الأموية الارهابية المقيتة.

هنا ينبغي الاشارة الى ان في 22 ديسيمبر 2013 وفي موقف أميركي لافت للنظر دعت واشنطن في بيان لوزارة الخارجية الأميركية دول المنطقة إلى اتخاذ إجراءات عملية لمراقبة تمويل وتجنيد تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابيتين. كما دعا البيان إلى منع تسرب المرتزقة الأجانب إلى الداخل السوري لأنهم يتسللون لاحقاً إلى العراق ويقومون بتفجيرات انتحارية ضد المدنيين الأبرياء. ويعكس مثل هذا البيان تفهما دوليا كبيرا لمدى الخطر الذي تشكله هذه المجاميع الارهابية التي تسعى وبدعم تركيا وبعض دول الخليج  لملأ الفراغ الذي أحدثته ثورات الربيع العربي في المنطقة. وكما لايخفى على الجميع فإن حكومة اردوغان وحزب العدالة والتنمية التركي كان قد جعل من تركيا، دولة ممولة وداعمة للإرهاب في المنطقة وعلى وجه الخصوص لهاتين المنظمتين الارهابيتين (داعش والنصرة) تدريبا وتمويلا لإرسالهم فيما بعد الى كل من العراق وسوريا تحت ذريعة نشر الديمقراطية في الوقت الذي تراجعت فيه التطبيقات الديمقراطية وبشكل ملحوظ في الداخل التركي وفي ظل حكم حزب العدالة والتنمية الحاكم. وبما ينطبق عليهم القول القرآني (َأتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ).. البقرة 44.

فكما هو معلوم للجميع العداء المتأصل في نفوس الحكومات التركية تجاه الأكراد وخاصة تجاه المنادين منهم بالحرية ووحدة الموقف ومحاربة العمالة والارتزاق.. وضرب المظاهرة السلمية للأكراد في  22/12/2013 بالأسلحة وخراطيم المياه هو خير دليل على ذلك العداء وانعدام الحرية في تركيا. وقد حاولت الحكومة التركية تصدير عدائها للأكراد الى الدول الأخرى التي تتمتع فيها بنفوذ سياسي، فقد صرّح رئيس ما يسمى بـ (الإئتلاف السوري المعارض) أحمد الجربا الذي يتخذ من تركيا مقر له ، قائلا بالحرف الواحد من قلب مدينة أربيل في اقليم كردستان العراق بأنه أي الجربا "لا يقبل بحكم ذاتي لأكراد سوريا".. وهي لهجة تعبر بشكل مباشر عن التوجه السياسي التركي. وما يؤسفنا أن مثل هذا التصريح لم يجابه بردة فعل تستنكر هذا القول الصادر من معارض يناضل من فنادق الدرجة الأولى في اسطنبول وقطر، وليس له وزن سياسي داخل سوريا لكي يتفوه بهذه التصريحات التي هي أكبر من حجم الجربا ومن لف لفه من الداعمين له سياسيا وماليا.

ختاما نقول الجربا وأردوغان وأمثالهما والمنظمات الإرهابية التابعة لهما والمؤتمرة بأوامرهما ماهي الا ظواهر مستحدثة أسهمت العقول المتخلفة من شاكلة القرضاوي في استحداثها والترويج لها في المنطقة حتى بات القرضاوي أميرا لهذا الإستحداث بإمتياز. وكما قال الرسول (ص) : إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

روابط ذو علاقة بالموضوع:
الائتلاف السوري لبارزاني: لن نقبل بحكم ذاتي لاكراد سوريا http://sotkurdistan.info/index.php?option=com_k2&view=item&id=33483
قناة رووداو الفضائية المقربة من حزب البارزاني لا تطلق صفة الإرهاب على (داعش)
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=31593
"كشف أسماء عملاء قطر في سوريا" من بينهم عبدالباسط سيدا
http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=33168
"جيش الإسلام" يقطع رؤوس المسلمين في عدرا السورية
http://www.mepanorama.com/388912





32
الارهاب والتدافعات السياسية وأثرهما على الأداء الحكومي

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا


تُعد الصراعات السياسية والمناكفات أحد الأسباب الرئيسية في ادامة الفوضى المنتشرة واستمرار الارهاب المتنامي في مدن العراق، فكلما ارتفعت حدة الصراعات أعطت جرعة منشطة جديدة للارهاب ليمارس الانشطة التدميرية، وفتحت ثغرات اكبر لإختراق المؤسسة الأمنية في العراق.. وبلا شك تتحمّل القوى المشاركة في الحُكم المسؤولية القانونية والاخلاقية مرتين: الأولى الجزء التضامني كونهم شركاء في ادارة الدولة، والثانية ما تسببه المناكفات السياسية والتشهير العلني المغرض من عرقلة للعمل الحكومي واعاقة للجهد الرسمي المبذول.

 وفي حقيقة الأمر، ليست شجاعة الاعتراف بالخطأ وحدها الغائبة عن المشهد السياسي للشركاء، بل يضاف لها ايضاً، الأساليب الالتوائية التي يرومون من خلالها ايقاع اللوم مباشرة على دولة رئيس الوزراء شخصيا الذي يعمل قدر استطاعته لايصال السفينة العراقية الى شاطئ الاستقرار الامني والخدمي، ليقفوا هم بالنتيجة في الصف المناوئ للجهد الحكومي وجهد الدولة العراقية من حيث يعلمون أو لايعلمون.

وان مثل هذا السلوك المتسم بالعدوانية المتأصلة في نفوس الشركاء السياسيين والذي رافق الأمد الطويل للشراكة كان الشعب بالدرجة الاولى هو الضحية الأكبر لهذه السلوكيات السياسية التي تسببت في دفع الفواتير المتتالية من نزيف الدم المتواصل للأبرياء، وبالمقابل فالحكومة العراقية تجد نفسها هي الاخرى في موقف لايحسد عليه خاصة مع الجهود الجبارة المبذولة لمحاربة الارهاب والنهوض بالواقع الخدمي ألا أن هذه الجهود عادة ما تصطدم بصخرة الخصومة السياسية المفتعلة من قبل الشركاء قبل ان تجد طريقها لمجابهة الفعل العدواني للارهاب. الى الدرجة التي يمكن معها القول، بأن افشال الجهد الحكومي بات قاسما مشتركا بين الشركاء والاعداء على حد سواء.

لقد تم لأغلب هذه الاطراف السياسية ما أرادوا من خلافة للنظام الصداّمي المقبور ورغم انهم في عهد سياسي ديمقراطي جديد ألا ان التعامل مع الحكومة العراقية لايبدو مختلفا كثيرا من حيث التسقيط السياسي والنيل من الاداء بدلاً من الاسهام في تصويب الخلل الذي هم جزء أساسي فيه ومنه. فان الفساد الاداري والمالي يضرب بأطنابه في وزارات يشغلها افراد من هؤلاء الشركاء حيث لا يشكل شخص رئيس الوزراء سوى صوتا واحدا داخل مجلس الوزراء الذي يشغل الغالبية العظمى من مسؤولياته افراد متحزبون لهذه الكتل السياسية التي تقف اليوم حجر عثرة في طريق الاداء الحكومي نكاية بشخص السيد المالكي لاغير.

ان الأمثلة أكثر من أن تعد وتحصى على عرقلة الاداء الحكومي، فإن النائب السابق لرئيس الجمهورية طارق الهاشمي ومسؤوليته عن التخطيط والتنفيذ للعديد من العمليات الارهابية بصورة علنية غير خافية على احد والادانة القضائية ليست ببعيد عن أذهان العراقيين أيضا، وكذلك وزير الدفاع العراقي السابق عبد القادر العبيدي واختلاس الاموال الطائلة من وزارة الدفاع العراقية وتسويقه العقود المزيفة ، وكذلك جريمة مصرف الزوية وتورط نائب رئيس الجمهوية السابق من المجلس الاعلى، اضافة الى نواب كتلة الاحرار ومذكرات التوقيف الصادرة بحقهم بسبب فسادهم الاداري الذي أزكم الانوف .. وهناك الكثير من الأمثلة التي لم تجد طريقها الى الاستنكار من قبل هذه الكتل السياسية التي تدعي النزاهة والحرص على مستقبل الشعب العراقي والمتطلعة لتطبيق الشريعة الاسلامية وهم سارقون!.

من الملاحظ ، وفي عقب كل عملية ارهابية تودي بحياة وممتلكات العراقيين، يهرع اعضاء وممثلي هذه الكتل الى شاشات التلفزة و وسائل الاعلام الاخرى لإلقاء اللوم على الحكومة وتوجيه النقد الحاد للأجهزة الأمنية حتى قبل الادانة او استنكار الافعال الارهابية التي لن تسمعها منهم الا في المحيط الضيق و ذيل اللقاءات او يتم تجاوزها في اغلب الاحيان بالمطلق. حتى اسهمت هذه القوى السياسية في الدفع بالرأي العام في هذا الاتجاه : أي النظر الى العمليات الارهابية على انها كوارث طبيعية يومية تتحمل الحكومة وحدها عملية التقصيرفي اتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة لتفاديها، وبذلك تكون هذه القوى قد جرّدت الحكومة العراقية من الغطاء السياسي والاعلامي الذي تحتاج له في مواجهاتها اليومية مع الارهاب.

أما التنظيمات الارهابية فقد وصل الانحطاط الاخلاقي بها، حدا لايوصف . حيث وبالإضافة الى القتل العشوائي للأبرياء على ايدي شذاذ الآفاق فالإساءات المتعمدة للدين قد وصلت حدا لايطاق، فمن جهاد النكاح الى الشذوذ الجنسي الذي تترجمه علب الفياغرا المتناثرة في الأماكن التي تسيطر عليها الاجهزة الأمنية .. ومع ذلك فان الماكنات الاعلامية للقوى السياسية الشريكة في الحُكم تتحين الفرص لتصيد أخطاء الحكومة والأجهزة الأمنية ، بدلا من السعي لفضح الارهاب وتعبئة الجهود الشعبية في معركة الدولة العراقية مع المجاميع الارهابية المنحدرة نحو العراق من كل حدب وصوب. 

إن المستويات الشعبية سواء على الصعيد الاسلامي والمسيحي أو القوميات والمذاهب قد نسجت وبشكل عفوي و ذاتي قدر كبير من التلاحم والتآزر في علاقة بعضها مع البعض الآخر، نتيجة الشعور المشترك في بأن الجميع هدف للخطر الارهابي القادم من وراء الحدود بحثا عن حواضن ومفاقس للتفريخ . لكن ورغم ذلك فان بعض القوى السياسية من حملة الأجندات لا زالت تنفخ سمومها كالأفاعي في جسد الدولة العراقية  وبالذات في الجسد الحكومي بدافع التشفي والتدافع نحو المصالح الحزبية والشخصية.










33
حكومة السيد المالكي والدور السلبي للشركاء
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

أن فهم الظروف التي رافقت عمر حكومة السيد المالكي هو شرط جوهري للوصول الى تشخبص دقيق ونتائج صحيحة عند تقييم الأداء!.  والسؤال الذي يفرض ذاته ما هي نسبة إسهام الشركاء في تحقيق ما إنتهى إليـه حال الحكومة من نجاح (كما يعتقد المؤيدون) أو فشـل (كما يزعم الخصوم)؟.

لقد أسهمت الأحزاب و منذ البدء في عرقلة عمل الدولة والحكومة والتأسيس للخلل الاداري حينما حطّت رحالها في أبنية الدولة والسيطرة قسرا على المؤسسات الحكومية لإتخاذها مقرات للعمل السياسي عند سقوط النظام الصدامي . إضافة الى ابتكار هذه الأحزاب لوزارات اتحادية جديدة وفرضها على رئاسة الوزراء ترضية لكياناتهم السياسية، الأمر الذي أدى بالنتيجة الى زحف خفي للصلاحيات بشكل أفقي من مقر مجلس رئاسة الوزراء الى المقرات الحزبية لرؤساء الكيانات السياسية وهو أمر هام وخطير لابد من الإلتفات له عند تقييم مجمل الأداء الحكومي.

وكما جاءت عملية إقرار الدستور العراقي في 15 تشرين الأول 2005 ، تتويجا للتغيير وبداية للحياة الدستورية في العراق، ونقلة نوعية في النظام الإداري من المركزية الشديدة الى اللامركزية، ولكن في ذات الوقت فأن حجر الزاوية في إنجاح هذه النقلة يكمن في الرغبة السياسية الصادقة ويؤسفنا القول، بأن الرغبة كانت مفقودة لدى معظم الشركاء الأساسيين في الحُكم.  وذلك مايمكن تشخيصه في جنوح الكتل السياسية الى اعتماد (مبدأ المحاصصة)، والذي شكّل هو الآخر عبئاً أثقل كاهل النظام السياسي والإداري وأدى الى خلط الأوراق في تحديد المسؤول الرئيسي عن القصور والتقصير في واقع الأداء الرسمي.

مع ذلك، تنص فقرات المادة 122 من الدستور على أن المحافُظ هو : الرئيس التنفيذي الاعلى في المحافظة، وأن مجلس المحافظة لا يخضع لسيطرة أو اشراف اية وزارة او اية جهة غير مرتبطة بوزارة، وله ماليةٌ مستقلة. فهل نجحت المستويات المحلية التي تتعامل مع الجمهور بشكل مباشر في النهوض بالواقع الاداري والخدمي للمدن والاستفادة من التطبيقات اللامركزية في النظام السياسي الجديد؟

في الحقيقة هناك تجاهل كبير للفشل الخطير الذي رافق أداء السلطات المحلية في المحافظات العراقية ، ففي النظم اللامركزية تُعد هذه السلطات هي المسؤولة أولاً أمام الجماهير على صعيدي التنفيذ والتخطيط ، ألا أن الإتجاه العام في التقييم اليوم، يكاد ينصب على مجلس رئاسة الوزراء في محاولة مفضوحة من قبل الأحزاب ومؤسساتها الاعلامية لترحيل القصور والتقصير من مستوياته المحلية وتجميعها في بوتقة رئاسة الوزراء وكأننا بصدد تقييم نظام مركزي بحت.

أن الهدف من اللامركزية ان يتم التأسيس لنهضة مشتركة تقود الجميع لمستقبل آمن وزاهر، وبدلا من ذلك، فقد أدّت الى التقوقع في معازل حزبية منغلقة، اتضح في تركيز رؤساء الكيانات السياسية على الولاء الحزبي وتعظيم فرص انتخاب أفراد ليس لديهم مايؤهلهم من الكفاءة لخدمة المواطنين. ومن ثم الإسهام في انتاج أجهزة تخطيط ورقابة (مجالس محافظات) عاجزة عن صياغة الخطط واعتماد البرامج القادرة على مواجهة المشاكل الخدمية الملحة التي تعاني منها المدن والوحدات الادارية.  وقد شهدنا معاً كيف أعادت العديد من السلطات المحلية في المحافظات الأموال المخصصة لها في الموازنة الى خزينة الدولة العراقية لعجزها وتعثرها في انشاء مشاريع تنموية مثل محطات مياه الشرب وشبكات الصرف الصحي والأبنية الخدمية والحكومية.

وفيما يخص الواقع التشريعي في مجلس النواب فلا زالت الإزدواجية في القوانين وتداخل التشريعات الى اليوم قائمة، فالقوانين المعمول بها الى اليوم وبشهادة ذوي الاختصاص لم ترتقي في نصوصها الى المستوى التي هي عليه نصوص الدستور العراقي، بل لازالت الكثير من القوانين التي سنّها النظام الدكتاتوي السابق معمول بها الى اليوم، وما زالت الدورات البرلمانية تعتمد ترحيل الكثير من المهام الى الدورات التي تليها. وقد أربك مثل هذا الحال عمل الادارات الجديدة وتسبب في تداخل الصلاحيّات أيضاُ، فضلا عن تعطيل الدور المفترض للقطاع الخاص في تعزيز التحول الديمقراطي المنشود.

هذا فيما يخص جزء بسيط من العوامل الداخلية، ولا يخفى على الجميع العوامل الخارجية (الإقليمية) التي تسعى جاهدة لإفشال التجربة الديمقراطية في العراق تارة عن طريق، تغذية نزعات التشدد العرقي والطائفي،  وأخرى عبر الدعم اللوجستي للمجاميع الارهابية التي تنفذ الأجندات الارهابية والسياسية لتلك الدول بالتعاون مع زمر البعث الحالمة بالعودة الى سدة الحكم. والجدير بالإشارة ان الكتل السياسية التي جعلت من التوافق نهجا سياسيا لحل الكثير من القضايا ألا أنها الى اليوم فشلت في التوافق على موقف موحد ونية مشتركة في دعم المؤسسة الأمنيةّ في العراق!.

أن التحولات الديمقراطية في حياة الأمم ليس بالأمر اليسير، والعراق ليس استثناءً ، وكذلك القيادات السياسية التي تتصدّى في هذه المراحل، فهي أيضا لاتمتلك حلولا سحرية لكل المشكلات، بل لابد من توافر المتطلبات والشروط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية اللازمة لإحداث هذه التحولات. ويكفي الاشارة الى أن أي منجز عمراني (ملاعب ومطارات وجامعات) أو ثقافي (مؤتمرات ومهرجانات) وأمني (القضاء على الميليشيات) وغيرها قد تحقق في عهد السيد المالكي في ظل هشاشة بنية الشركاء السياسيين، أي في ظل التحديات الداخلية الجسيمة، والتحديات الخارجية الأكثر جسامة، (خاصة مع ادراج المجتمع الدولي ومجلس الأمن ما يجري في العراق من تفجيرات على لائحة جرائم الإبادة الجماعية).


34
أكراد سوريا بين مطرقة الأعداء وسندان الـ كوردايه تى
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لقد تباينت ردود الفعل تجاه الادارة الذاتية التي اعلنت عنها القيادة الكردية في شمال شرقي سوريا / غرب كوردستان، والتي اعلن عنها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي : أكبر الأحزاب الكردية المسيطرة على الوضع الداخلي بالمناطق الكردية، حيث جاء تأسيس هذه الادارة الذاتية من أجل الإشراف على شؤون المواطنين وإدارة حياتهم وحمايتهم من المجموعات الإرهابية التابعة لتنظيمات "القاعدة" المتمثلة في دولة العراق والشام الاسلامية وجبهة النصرة وغيرهما.

وكما هو معلن عنه، ان حزب الاتحاد الديمقراطي بقيادة المناضل صالح مسلم  كان قد شكّل قوات عسكرية تحت اسم لجان الحماية الشعبية أخذت على عاتقها محاربة القوى الإسلامية المتطرفة (داعش وأخواتها) ، وفي نفس الوقت العمل على تنظيم الوضع الأمني الداخلي في المناطق الكردية.

رغم هذه الخطوات التنظيمية التي تهدف الى بث الحياة في المنطقة والمحافظة على البنية التحتية والحد من حالات القتل والتدمير والتشريد التي تتعرض لها بقية المناطق السورية ألا ان ردود الفعل من أطراف عدة لم تكن مبررة أو مفهومة وخاصة تلك التي صدرت ومازالت تصدر من أطراف كردية..!

فقد يبدو الحال مفهوما بالنسبة الى فصائل ما يسمى الائتلاف السوري (الكارتوني) المعارض الذي اتسم موقفه بالطعن المسبق بهذه الخطوة، خاصة حينما وصف الائتلاف المعارض (الادارة الذاتية) بانها «تنظيم معادي للثورة السورية» .. اضافة الى اوصاف اخرى للتقليل من شأن هذا الحزب المناضل الذي اسس هذه الادارة... ولا غرابة من ذلك،  فالأمر لم يعد خافيا على جميع المراقبين في العالم من أن الائتلاف السوري  (الكارتوني) المعارض قد بات مكروها في الارض وفي السماء، فما الائتلاف سوى افراد يمثلون انفسهم ومصالحهم ، اتكاليون يريدون من اوربا واسطنبول والسعودية وقطر ايصالهم الى دفة الحكم  بالتدخل العسكري الأجنبي الذي أصبح مرفوضا من كل دول العالم. هذا الائتلاف الذي لم يستطع كسب اعتراف به حتى من قبل المعارضة الداخلية في سوريا.

وبالنتيجة، فان موقف الائتلاف السوري من حزب الاتحاد الديمقراطي ليس مستغربا ولكن المستغرب هو الانقسام الكردي- الكردي تجاه الادارة الذاتية المستحدثة فقد لاقت وللأسف استهجانا وتهجما على حزب الاتحاد الديمقراطي من قبل قادة كردستان العراق، الى الدرجة التي اتهمها البعض علنا وخاصة رئيس الاقليم  بأن ما يفعله الحزب في غرب كردستان/ شمال شرقي سوريا " ليست ثورة".. وبأن حراكهم يجري بالتنسيق مع القيادة السورية ولا يعدو عن كونه "سعي للتفرد بالسلطة" في المناطق الكردية داخل سوريا.

في الحقيقة ان هذا الكلام الصادر من اقليم كردستان العراق يحمل في طيّاته نبرة مجاملة واضحة للجانب التركي وعلى حساب الاخوة المناضلين في غرب كردستان، بل لايختلف اثنان بأن مثل هذا الوصف يصب بالنتيجة في مصلحة اعداء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي : أي ضد مصلحة الـ كوردايه تى الحقيقية ، لا لشئ سوى ان هذا الحزب كان وما زال رافضا للهيمنة التركية على قراراته السياسية ولأنه انبرى ببسالة ومنذ البداية الى اليوم للتنظيمات الارهابية وقد تجسد ذلك في ضبطهم الحدود والسيطرة على المعابر، وبالتالي فقد منعوا تدفق الارهابيين من الشيشان وافغانستان وليبيا عن طريق تركيا الى سوريا..  وقد قدم هذا الحزب تضحيات كبيرة في مواجهته التنظيمات الارهابية..  ولأن الحزب يسعى وكما صرّح احد قادته مؤخرا الى اعتماد السُبل الديمقراطية لتشكيل أول حكومة محلية تدير شؤون مناطقهم من خلال انتخابات حرة تضم كافة التنظيمات الكردية (النظيفة) وبالاعتماد على الامكانات الذاتية بعيدا عن هيمنة اي طرف خارجي حتى وان كان الطرف (كوردستانيا)، في تأكيد منهم على استقلالية قرارهم السياسي وارادتهم الحرة في رسم مستقبلهم بما يجنبهم الاصطفافات الاقليمية والتصادم المستقبلي مع الدولة السورية.

 فلا شك أن البقاء للأصلح، وان الهزيمة والزوال هي نصيب الارهاب والانظمة التي ترفد الارهاب بأسباب الحياة ، فالمسؤولية التاريخية تقع بكاملها على عاتق الدول الممولة والداعمة لهم ماليا ولوجستيا والمزودة لهم بالاسلحة المدمرة. فمهما تعالت لهجة العداء وتُهم التخوين ضد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي فإننا واثقون من أنه على الطريق الصحيح طالما ان الحزب وقيادته لم ينخرطوا في الاجندات الاقليمية المشبوهة التي لم ينتج عنها سوى الدمار والخراب والقتل المبرمج ضد المدنيين.

ختاماً.... ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، ففي هذه الايام التي تعيش بها الامة الاسلامية مأساة الطف التي استشهد بها سيد الشهداء الامام الحسين (ع) .. كان اسم سيد الشهداء يرعب الارهابيين ويقض مضاجعهم..  فقد نقلت (السي أن أن) الاخبارية خبرا، اشارت فيه الى ان الارهابيين وصلوا مرحلة من التخبط بدءوا معها في ذبح بعضهم البعض.. حيث تم ذبح احد افراد حركة “أحرار الشام” ويُدعى “محمد مروش” حينما أصيب أثناء القتال وكان يردد تحت تأثير المخدر (البنج) ما كان يسمعه من المقاتلين الذين كان يحاربهم، شعارات (يا حسين ، يا حسين) وهو في حالة اللاشعور ، فظن عناصر تنظيم “الدولة” أنه شيعي عراقي، فقطعوا رأسه وجالوا به في أنحاء حلب ليتبين فيما بعد انه ارهابي مثلهم..

فلم عن (سي ان ان) يوضح دور تركيا في دعم الارهاب.. وكيف يحتشد جهاديو العالم في تركيا قبل التوجه الى سوريا
http://arabic.cnn.com/video/#/video/middle_east/2013/11/04/syria.borders.jihadist.cnn
ظنا منهم بأنه شيعي عراقي : "الدولة الإسلامية" بسوريا "تذبح" أحد مقاتليها بالخطأ
http://arabic.cnn.com/2013/syria.2011/11/15/al_qaeda_linked_rebels_mistakenly_behad_fellow_fighter_rebel_group_says/index.html



35
الصراحة والتحليل السياسي العميق في خطاب السيد المالكي الأخير

عبد الرحمن ابو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

في الاحتفالية التي أقامتها هيئة النزاهة يوم أمس الأحد 27/10/2013، في بغداد،  أشار السيد رئيس الوزراء الى أمور مهمة تعد نقطة الإنطلاق في اطار المعالجات الجادة للفساد الاداري التي لايمكن بدونها تحقيق تقدما على جبهة محاربة الفساد والارهاب في العراق.. حيث تطرق سيادته لذلك بالقول.. أن "الفساد اعطى للمعارضين بابا للدعاية الانتخابية والدعاية المضادة للحكومة والتي استغلت بشكل سيء وستنعكس على نتائج الانتخابات المقبلة والتي ستكون سيئة هي الاخرى".

حيث يُدرك القارئ لهذه العبارة، والمتمعن في مفرداتها مدى العلاقة بين الفساد الاداري والفساد السياسي الذي تسعى بعض القوى السياسية في الساحة العراقية الى تكريسه لما له من علاقة مباشرة بمصالحهم الحزبية ومكاسبهم الشخصية. كما يصل القارئ معها الى حجم الخطورة التي يشكلها مفهوم المحاصصة الطائفية والعرقية عندما يُتخذ منه معيارا لتحقيق الشراكة الوطنية كبديل عن الأغلبية السياسية وخاصة في المراحل الأولى من عمر بناء الدول الحديثة.

وكما هو معلوم فإن الفساد السياسي عبارة عن سوء استغلال للثقة والصلاحيات التي يمتلكها شركاء العملية السياسية وسوء استغلال مصادر الدولة من قبلهم نتيجة وجودهم الخفي والمعلن في مفاصل السلطة وبما يضع اللوم في نهاية المطاف على الوجوه المباشرة والبارزة في الحكومة أي : على شخص رئيس الحكومة دون غيره، خاصة مع انضمام هؤلاء الشركاء الى جوقة المطبلين والمنتقدين لحالات الفساد الاداري داخل الدولة العراقية دون الالتفات الى الادوار السلبية التي يماسونها من خلف المشهد لعرقلة الاداء الحكومي وتضليل الرأي العام عن حقيقة وجودهم السلبي داخل السلطة.

وعلى حد تعبير ما جاء على لسان دولة رئيس الوزراء، وهو الأقرب للحقيقة فان وجود الشركاء طوال هذه الفترة قد شكل " بابا للدعاية الانتخابية والدعاية المضادة للحكومة".. أي ان الشراكة المبنية على مبدأ المحاصصة تشكل بذورا للفشل في أرضية أي حكومة تتشكل على هذا الأساس في المستقبل، حيث لا يشكّل المنجز الحكومي ومهما كان حجمه شيئا يُذكر امام الماكنة الاعلامية للدعاية المضادة للشركاء.

وقد رأينا خلال الفترة المنصرمة هذا النوع من التعطيل الحكومي، تمثل في مناوئة المشاريع الكبرى داخل مجلس النواب وتسريب الوثائق الحكومية الى وسائل الاعلام، والتواجد المكثف للشركاء على شاشات التلفزة لتوجية الانتقادات وتكريس التفسيرات المغلوطة واساءة النوايا بأي خطوة حكومية في أي اتجاه كانت.

ليس هذه الخطوات وحسب، كانت قد تركت اثرها السئ على الوضع الأمني الذي يشهد تراجعا كبيرا على الساحة العراقية، وعلى الفساد الاداي الذي ضرب بأطنابه في مفاصل الدولة العراقية وأجهزتها الحكومية وحتى الأمنية منها.. فهناك ماهو لايقل تأثيرا عن ذلك و المتمثل في المال السياسي المتدفق من الخارج والمنح المالية الضخمة من الدول الاقليمية الى القوى السياسية العراقية والتي لايشك عاقلا في انها مصحوبة بشروط وتقابلها تنازلات على حساب المصلحة الوطنية العليا للعراق.

على العكس من الاستثمار الاقتصادي ذو المردود الايجابي على الوضع العراقي فقد استخدم المال العربي والاجنبي للاستثمار السياسي على الساحة العراقية ، الأمر الذي ترك أثره السلبي على كافة الأصعدة، فقد أسهم المال السياسي القادم من الخارج الى تكريس الفساد الاداري في العراق، ومن ثم أصبح الفساد السياسي والفساد الاداري شريانين رئيسين يغذيان الفعل الارهابي في العراق، يهدفان بالنتيجة الى اسقاط النظام السياسي الجديد أو على الأقل لـَيْ عُنق الديمقراطية في العراق وتسخيرها للحراك السياسي الاقليمي لدول المنطقة، والاتخاذ من الوضع العراقي ورقة تفاوضية في يد بعض قوى المنطقة لتغذية نفوذها الاقليمي.

لذلك فقد وضع رئيس الوزراء العراقي النقاط على الحروف بصراحة متناهية، سواء في تأكيده على حالات الابتزاز التي تمارسها بعض وسائل الاعلام الممولة من الخارج والمحسوبة على العراق، أو في اشارته الى تبعية بعض شركاء العملية السياسية للمال السياسي الاقليمي الذي كرّس بدوره الفساد الاداري، ليشكلا معا : (الفساد السياسي والآخر الاداري بوجود المحاصصة)، رافدان أساسيان لتغذية وديمومة الارهاب في العراق.


وعلى سبيل المثال لا الحصر هذا الخبر المتعلق بالموضوع : (النزاهة النيابية): نجهل مصير المنح المالية للعراق ومنها 5 مليارات دولار خصصتها الكويت لاعمار المساجد السنية آنذاك.
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=31930



36
الى متى يدفع العراقيون ضريبة الارهاب؟

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لقد نال موضوع الارهاب حيز كبير من الدراسات والبحوث التي تناولته من جوانب عدة، وأسوة بالكثير من الكتّاب والمحللين ، كنا قد تناولنا موضوع الإرهاب في العديد من المقالات السابقة سعياً منا مع الجميع لتخفيف موجة العنف التي تضرب العراق يوميا وبشكل أعمى.  وليس هذا وحسب، بل مما يجدر ذكره والتركيز عليه هو أن هذا العنف المنظّم ذو الغايات السياسية المسمى بالإرهاب، لم يقتصر أثر السلبي وأضراره المادية على الاخلال بالنظام العام وأمن المجتمع، بل امتد ليكون حرباً على القيم من خلال الإساءة المتعمدة لتطبيق المفاهيم الدينية، وخاصة الاسلامية منها وبالتالي إعطاء الذرائع تلو الأخرى للطعن بالإسلام وإثارة الشبهات حول المسلمين على امتداد العالم.

أن الارهابيين سواء من خلال سعيهم لتحقيق المكاسب السياسية في سياق مواجهتهم الداخلية مع السلطات السياسية وقتلهم من يختلف معهم في الدين والمذهب، أو في مواجهتهم الخارجية الهادفة لإبتزاز دولة من الدول لمصلحة دولة أخرى، سعوا في الحالتين الى التفسير الخاطئ للقيم الاسلامية وسوء تطبيق المناهج الدينية بإستخدامهم طرق مواجهة بربرية وأساليب همجية لاتقيم معها وزنا لجميع المعاهدات والاعراف والمواثيق الدولية المعتمدة في الحروب بغية جر الأطراف الحكومية الى استخدام وسائل القمع العشوائي واثارة السلطات الامنية لتكون عامل ضغط اضافي على المدنيين الذين هم بالأساس هدفا لعملياتهم الارهابية .. ويقصد من ذلك تحطيم روابط الثقة بين المواطن والسلطة من جهة، وبين المواطنين أنفسهم من جهة أخرى، ومن ثم جر شعوب البلدان المستهدفة (العراق خاصة) الى مستنقعات الفوضى الأمنية وآتون الحرب الأهلية.

حيث يعد العراق على رأس البلدان المستهدفة بمثل هذه السيناريوهات الارهابية الخبيثة، خاصة وان بعض دول الجوار لاتخفي تذمرها من العملية السياسية في العراق من شاكلة بعض ممالك الخليج الوراثية التي لم تُعلن يوما شجبها لما يجري من قتل عشوائي للشيوخ والأطفال والنساء وحرق للمساجد والكنائس ودور العبادة الاخرى، بل لاتخفي هذه الدول في معظم الاحيان تعاطفها مع الأنشطة التخريبية التي يُجريها الارهاب على الساحة العراقية. لذلك فقد بات لزاماً على كل من يحمل ذرة من ضمير انساني حي التفكير بشكل جدي بمفاتيح الحلول التي من الممكن لها ان تضع حدا لمسلسل العنف المستمر. ومن هذا المنطلق نلفت أنظار السادة المسؤولين الى مقترحات اضافية الى جانب ما سبق أن تطرقنا له في المقالات السابقة:

أولاً: استنفار دور المؤسسات العلمية والصروح الجامعية وخاصة اقسام العلوم الانسانية وتشكيل لجان علمية لدراسة الحالات الارهابية ومطالعة ملفات التحقيقات الأمنية لاقتراح الطرق والقوانين الوقائية والعلاجية ذو الطابع الاجتماعي والاقتصادي لمنع تغلغل أعمق للإرهاب في المجتمع العراقي، ويتطلّب ذلك تنسيق عال المستوى بين السلطتين التنفيذية التشريعية وهذه اللجان العلمية.

ثانيا: تحفيز وسائل الاعلام المرئي والمسموع والمقروء على الانخراط في عملية محاربة الارهاب من خلال قيام وزارة الثقافة بحملات دعائية مكثفة ومواد اعلانية متنوعة في هذه الوسائل الاعلامية لقاء مبالغ مالية ترصد لهذا الغرض وبشكل مستمر، وفرض عقوبات مدنية على الوسائل الاعلامية غير المتعاونة والمثيرة للفتنة. والجدير بالذكر، هناك فتاوى مهمة صدرت مؤخرا من المرجعيات الدينية لمحاربة الطائفية ألا أنها لم تأخذ ما تستحق من ترويج كاف في الوسط الاعلامي.

ثالثا: وعلى غرار الوسط العلمي في النقطة الأولى، تشكيل لجنة علمائية دينية (دائمة الانعقاد) من ممثلين عن المذاهب والأديان على هيئة (مجلس إفتاء وطني) يختص بإصدار الفتاوى الدينية المشتركة المناهضة للطائفية والارهاب، يضم بين صفوفه ممثلين عن مجالس العشائر العراقية ليكونوا حلقة الوصل بين المجلس والمجتمع، إضافة الى ممثل دائم داخل المجلس عن كلِّ من السلطات الثلاث على حدة : (التنفيذية والتشريعية والقضائية).

رابعا: تحذير دول الجوار بواسطة مجلس الافتاء الوطني من مغبة الاستمرار في دعم الارهاب في العراق بأي شكل من الأشكال بما في ذلك التعاون والتنسيق لمراقبة الحدود المشتركة وبخلافه قد يعود بالضرر على العلاقات الديبلوماسية والتجارية بين العراق والآخرين والتي قد تصل الى التعليق أو القطع الكامل لمثل هذه العلاقات.

خامسا : اجراء تغييرات اساسية في مواقع القادة الأمنيين وتطبيق خطط ممارسة المسؤولية من المواقع الدنيا، فان ممارسة الادارة من قبل المسؤول الاعلى للموقع الأدنى سوف يعطيه صورة كاملة عن ماهية واحتياجات ومواقع الضعف في هرم المسؤولية الذي يعمل في نطاقه الجميع.

هذا وهناك نقاط أخرى منها ما يتعلق بالفساد لا يتسع المقام لإدراجها سوف نتناولها بالتفصيل في مقالات قادمة إن شاء الله.











37
خطر الفتنة الطائفية وغياب المعالجات الجادة
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

تناول الكثير من الكتّاب والمثقفين العراقيين موضوع الطائفية من حيث البعد التاريخي وآثارها السياسية والإجتماعية، وقد نال هذا الموضوع اهتمام المنظمات الدولية أيضا، نتيجة افرازاته السلبية اليومية التي تلقي بظلالها على أرواح الشعب العراقي، ألا أن غياب الجدية والتضامنية عن المعالجات كان قد أسهم في امتداد الوباء الطائفي من الساحة السياسية الى ساحات عديدة أخرى، حتى شد الرحال الى بعض دول المنطقة في نهاية المطاف.

فرغم الاهتمام المتزايد بالموضوع الطائفي ألا أنه، وفي العراق خاصة يزداد الحس الطائفي تجذرا وينحى يوما بعد آخر بإتجاهات أكثر خطورة، خاصة عندما اتسعت آثاره من النطاق السياسي الى العمق المجتمعي كقضايا التهجير على الهوية التي جعلت وحدة المجتمع العراقي على كف عفريت، أو تلك التي خرج على أثرها نفر ضال معلنا فتح أسواق الخلافات العقائدية على أرصفة الشوارع العراقية.

ولا يمكن ايجاد تفسير لذلك دون الاعتراف بان مكافحة الوباء الطائفي لازالت بطيئة يتآكل على أثرها كل انجاز متحقق في هذا المجال، إن لم نقل لازالت مراوحة في الاطار النظري في بعض المواقع نتيجة الأثر السلبي للعامل الخارجي الذي يغذي أصل المشكلة الطائفية في العراق، فضلا عن العامل الداخلي المتمثل بوجود اطراف سياسية داخلية باتت أسارى الطرح الطائفي بوصفه ضمانة للبقاء في السلطة، أو تلكؤ بعض الأطراف داخل المجتمع العراقي عن أداء دورها كما يجب!.

وليس من المبالغة بشئ القول بأن الطبقة السياسية في العراق، باتت في معظم الأحيان جزءاً من المشكلة وبما يجعل التعويل عليها في اطفاء الحرائق الطائفية تكريسا للدوران في الحلقة المفرغة، فلربما يلعب فيه بعض السياسيين الوطنيين  دورا غير مباشر ألا ان الأدوار الأساسية هي تلك التي ينبغي أن تقوم بها المؤسسة الدينية اضافة لمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والاعلامية، فالتكامل بين أدوار هذه الأطراف هو الكفيل الضامن برسم المعالجات الجادة التي تكمن أبجديتها في خلق رأي عام مناوئ للطائفية وطارد لها من العراق.

مما يجدر الاشارة اليه في هذا المضمار، التحرك الجدي الأخير للمرجعية الدينية في النجف الأشرف المتمثلة في السيد السيستاني وتحريمه الإساءة للرموز الدينية للطوائف والأديان الأخرى، والذي سحب البساط من الكثير ممن نصّبوا انفسهم (حماة للمذاهب والأديان)، وكذلك ما رافقه من موقف واضح أيضا من السيد مقتدى الصدر في ذات المجال، وما قابله من تحرك جدي من الشيخ خالد الملاّ وآخرين .. ولكن هل ينتهى دور المؤسسة الدينية في العراق عند هذا الحد؟

ليس رغبة منا بالتسميات المذهبية لكننا نضطر احيانا القول بأن معظم علماء الشيعة هم داخل العراق مما يجعلهم أكثر تماسا واستجابة للحدث، وكذلك النزر القليل من علماء (السُنة)، لكن عددا لايستهان به من علماء السنة يتخذون من عواصم دول الجوار منصّات اعلامية دون الاقتراب والتفاعل مع نظرائهم الشيعة للإسهام في تحقيق نتائج ايجابية تحفظ أرواح العراقيين وتحقن الدم العراقي المراق. فإن عملية اخماد الفتنة الطائفية تعتمد بشكل أساسي على مدى انسجام الطرفين الأساسيين في المؤسسة الدينية مع بعضهما البعض (الشيعة و السُنة) ، ومدى قرب وتفاعل أحدهما مع الآخر، وهذا بلا أدنى شك هو من صميم مسؤولية الطرفين وليست مسؤولية طرف دون سواه.

ومن جانب آخر، فالمثقف العراقي لم يستطع هو الآخر، بناء نمطا من العلاقة مع المؤسسة الدينية تكفل التأسيس لفعالية جماهيرية تؤدي الى مكافحة الوباء الطائفي المستشري في الساحة العراقية مكافحة فعالة، بل على عكس المثقف المصري الذي استطاع نسج علاقة متميزة مع علماء الأزهر لإيقاف المد الطائفي في المجتمع المصري في وقت الأزمة، وجدنا المثقف العراقي منطويا حول نفسه، مبالغا في استقلاليته دون الانفتاح على بقية الفعاليات سواء السياسية منها أو الدينية.

كما نرى في المقابل، المؤسسة الدينية في العراق كانت وما زالت أقرب الى السياسي العراقي منه الى المثقف العراقي، ولا شك بأن غياب علاقة مجتمعية من هذا النوع أدى الى تبديد طاقة المثقف العراقي بدلا من استثمارها في الاتجاه الصحيح، حتى انتقلت وفي حالات عدة حمى الطائفية الى الساحة الثقافية العراقية نفسها في معظم الأحيان. فمن الطبيعي القول بأن المعالجة التي تستثني قصدا، أو يتخلف عنها تقصيرا أي من هذه الأطراف الأساسية : هي معالجات لا ترقى الى أن تكتسب صفة الجدية، فضلا عن أن يُرتجى منها اصلاح الخلل. فمسؤولية ايقاف المد الطائفي بوصفه السماد العضوي للإرهاب، هي مسؤولية تضامنية تطال الجميع، لاتقوى عليها بمفردها جهة،  ولا يعفى من تبعات مسؤوليتها أحد.
ختاما : نهنئ الجميع بمناسبة عيد الأضحى المبارك .. وكل عام والإنسانية بخير



38
أعاصير العُنف وسدود التنسيق الأمني بين المركز والاقليم

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

تشير موجة التفجيرات التي طالت المواقع الحساسة في أربيل مؤخرا والمتمثلة في وزارة الداخلية ومديرية الاسايش الى ان اقليم كردستان العراق لم يعُد في منأى عن الضربات الارهابية التي يجوب دوي انفجاراتها بقية مدن العراق بشكل عشوائي يوميا، وليس مجافاة للحقيقة القول بأن ما حصل في الاقليم هو شظية من شظايا الحرب الأهلية الدائرة على الأراضي السورية والتي اتخذت منحىً آخر في نهاية المطاف بعد أن باتت الحركات المتطرفة تشكّل الجزء الأكبر مما كان يسمى بـ (المعارضة السورية)، وخاصة بعد الانشقاقات الأخيرة التي رجّحت كفة الحركات المتطرفة على حساب الحركات الوطنية داخل المعارضة المسلحة السورية.

رغم ان السلطات المحلية في الاقليم قد أعلنت مرارا طلب العون من المجتمع الدولي والحكومة العراقية أزاء مسألة النزوح الجماعي من المناطق السورية نحو الاقليم ألا أن سلطة الاقليم لم تخطو خطوات عملية مبكرة لتأمين المناطق الحدودية مع منطقة الجوار الملتهبة : (ضبط الحدود)، بل على العكس، كانت قد (فتحت الحدود على مصراعيها) وتعاملت ومنذ البداية مع انفلات الوضع الأمني على الحدود مع سورية بطريقة لم تكن حذرة ومسؤولة، بمعنى آخر، فقد كان توسيع منطقة النفوذ السياسي هو الزاوية الوحيدة التي نظرت من خلالها سلطة الاقليم للأحداث من حولها الأمر الذي تسبب في اتساع دائرة الطموح السياسي دون دراسة متأنية لما يجري على أرض الواقع، وبالتالي تم اغفال عملية وضع الخطط الكفيلة بتلافي الأضرار الجانبية والقادرة على مجابهة المتغيرات المحتمل حدوثها في ساحة الصراع السوري.  سواء ما تعلق فيما بعد، بالاشتباكات بين أكراد سورية والحركات الارهابية، أو المتعلق منها بفشل المفاوضات بين حزب العمال الكردستاني والحكومة الاردوغانية بسبب تنصل الحكومة التركية عن وعودها المتفق عليها من قبل الطرفين.

بعبارة أخرى، بمعزل عن التدخلات الارتجالية من قبل سلطة الاقليم على خط الأزمة السورية، فان السلطات في الاقليم كانت قد تناولت ملف النزوح رغم ما ينطوي عليه من محاذير (لاتقبل التأجيل)، كانت قد تناولته بشكل نظري/ اعلامي مع الحكومة المركزية والمنظمات الدولية لم يتعدى أروقة وسائل الاعلام، فقد كان التركيز من قبل سلطة الاقليم وطوال هذه الفترة على ملفات أخرى (قابلة للتأجيل)، من حيث عدم تماسها المباشر مع حياة الفرد في اقليم كردستان العراق إذا ما قورنت بالأضرار التي من الممكن أن ينجم عنها التدفق العشوائي من المناطق السورية الى الإقليم. وبالإضافة الى شكلية الطرح فإن السلطة في الاقليم أساسا قد أدخلت نفسها في مرحلة العجز الرسمي عن ايجاد حل حقيقي لمعضلة النزوح التي أدت فيما بعد نتيجة افتقارها الى الضبط والتنظيم أن تشكّل ثغرة أمنية يتم من خلالها تمرير الأسلحة والعناصر الارهابية المسلحة أيضا.

لقد أدى الخلل الأمني المشار اليه الى ايقاظ الخلايا النائمة التابعة للحركات السلفية داخل الاقليم والتي لم تكن تمتلك الامكانيات اللازمة لإختراق الاجهزة الأمنية داخل الاقليم فيما سبق، لكنها إستطاعت أن تكون حاضنة لما تم تمريره من أسلحة وعناصر ارهابية الى الاقليم خلال الفترة المنصرمة، فقد أشارت وسائل الإعلام الى أن سيارات الإسعاف التي استخدمت في العملية الارهابية في أربيل، هي ممن تم الاستيلاء عليها من قبل الجماعات المسلحة التابعة للقاعدة في كل من الموصل وكركوك وطوز خورماتو، وبالنتيجة لم يكن باستطاعة العناصر الارهابية المتدفقة تنفيذ فعلها الاجرامي دون وجود حواضن لها داخل الاقليم.

فيما مضى كانت الضربات التي سبقت الأخيرة والتي تم على أثرها تحجيم وجود التنظيمات الارهابية داخل الاقليم، كانت قد تمت في اليوم الأول من أيام عيد الأضحى المبارك في الأول من شباط 2004 ، وكنت قد كتبت في حينه مقال بهذا الشأن بعنوان (الإرهاب ربيب الشيطان) تكوّن من جزئين. في الحقيقة ومما يستوجب الاشارة له، ان المعالجات الأمنية كانت ناجعة في حينه أدّت الى إنهاء فعلهم الارهابي حتى عام 2007 حين استهدفوا مقر وزارة الداخلية.. ألا أنهم عادوا لإستهداف الاقليم مجددا، يوم الأحد الفائت بطريقة لاتخلو من التحدي تمثلت في طبيعة الأهداف الحكومية التي تعرّضت للإستهداف وحجم الفعل الارهابي ودقة التنفيذ. الأمر الذي يتطلب فعلا مضاعفا من قبل الجهات المختصة لمنع ذلك من التكرار.

كما ان اتساع حجم الفعل الارهابي الأخير وما يرافقه من أوضاع سياسية لا زالت معلّقة داخل الاقليم وملفات أخرى مع الحكومة المركزية لم تُحسم بشكل قطعي الى الآن ، يتطلّب أن تتخذ المعالجة الأمنية هذه المرّة، طابع الحذر والابتعاد عن توظيف المعالجات لإثارة الخصوم ونيل المكاسب على حساب الفرقاء في داخل وخارج الاقليم. فالوضع الأمني والسياسي المحيط بهذه العملية الأخيرة يختلف اختلافا جذريا عن سابقاتها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، مما يستدعي التنازلات المتبادلة للوصول الى درجة من التوافق مع الفرقاء السياسيين. وبالمقابل الارتقاء بدرجة التعاون والتنسيق الأمني بين اربيل وبغداد والقفز على الخلافات وإعادة ترتيب الأولويات التي تحكم العلاقة بين الطرفين.

ليكن حقن الدم العراقي وارساء الأمن في الاقليم وبقية المحافظات العراقية هو الهم المشترك من خلال وضع استراتيجية أمنية مشتركة تُرسم من خلالها آلية فعالة لمجابهة الارهاب في الداخل وتكفل حصانة الحدود العراقية من خطر موجات التطرف المرشحة الى الانتشار أكثر في العراق والمنطقة بزمن قياسي قد يكون كانتشار النار في الهشيم أو هو أسرع. نسأل الله الشفاء للجرحى والرحمة على أرواح ضحايا الارهاب في عموم العراق، و رَحمَ الله مِنَ الأحياءَ مَنْ إعتَبَر.



 

39
صناعة الفساد في العراق

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

تدخل الظروف الزمانية والمكانية عاملا أساسيا في تحديد العقويات المترتبة على الأفعال الجُرمية بمختلف أنواعها، وقد يتضح ذلك فيما تحتويه النصوص القانونية من حدود دنيا وحدود قصوى للعقوبة. وفيما يتعلّق بالفساد ومع عِظم ما يتركه من آثار إجتماعية وإقتصادية في الأماكن الأخرى ألا أنه في العراق، بالإضافة الى ما يمكن أن يسهم به من تعطيل للنمو الإقتصادي وتفكيك للعلاقات الاجتماعية، للفساد آثار مدمّرة أخرى أيضا، تتجاوز ذلك بكثير نتيجة لما يمكن وصفه أي (الفساد في العراق) بأنه السماد العضوي الكفيل بتوفير تربة خصبة لنمو وديمومة الفعل الإرهابي الذي أبتلي به العراق لما يقارب عقد من الزمن والى اليوم.

وتستلزم تلك الآثار الاستثنائية التي يتركها الفساد في العراق، معالجات أكثر من جادة وعقوبات هي الأخرى إستثنائية أيضا.

لقد بات واضحا بأن دخول المحاصصة كمعيار أساسي لتشكيل الإدارة في العراق، شكّل بحد ذاته سببا رئيسيا في استفحال ظاهرة الفساد في مفاصل الدولة العراقية  خاصة مع عدم اتساق النهج السياسي لمعظم اصحاب المناصب الادارية مع واقع التجربة الديمقراطية ، أو افتقار البعض الآخر منهم للقدرات الادارية اللازمة لملأ حيز المسؤولية الملقاة على عاتق المرشح أو الشاغل لهذا المنصب أو ذاك.

أمرا كهذا جعل من الادارة في العراق فريسة للتحزب السياسي خاصة مع بقاء هوية الاقتصاد العراقي عائمة بين الأنظمة الاقتصادية الأساسية في العالم سواء الأنظمة الاشتراكية منها أو أنظمة الاقتصاد الحُر، كما أسهم مفهوم (الهوية العائمة للإقتصاد) هو الآخر في تعميق الاختلالات الادارية وتكريس ظاهرة الفساد الاداري التي أصبحت سر ديمومة الارهاب في العراق بما خلّفت من ثغرات استطاع صنّاع الارهاب التغلغل من خلالها الى عمق المنظومة الأمنية وإختراق أجهزتها ودوائرها الاستخبارية في معظم الأحيان.

بعد عقد من الزمن وعند مقارنة وضع الدولة العراقية لما قبل التغيير 2003 بما هو عليه الآن، فيمكن القول بأن العراق كدولة قد انتقل من نهج القبضة الحديدية ومفهوم (الدولة المارقة) الى ما يراد تكريسه اليوم، وبما يمكن وصفه بمفهوم (الدولة السائبة)، القابعة بين فكي كماشة الإرهاب والفساد.

ومما يثير الأسف أن العراق في حربه المفتوحة على الارهاب (المتخادم مع الفساد) لم يستطع الى اليوم وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء ما يتعرّض له الشعب العراقي من قتل يومي على أيدي المجاميع الارهابية المدعومة من دول معلومة ومشخّصة من قبل الجميع (الممالك الوراثية في المنطقة). في المقابل وعلى الجبهة الأخرى فالحرب على الفساد لا زالت تفتقر الى آليات إصلاحية واضحة وفعالة لقهر بؤر الفساد، إن لم نقُل بأن مثل هذه الحرب ما زالت مؤجلة الى إشعار آخر لإحتمالية أن يطال الشروع بها مسؤولين كبار داخل الدولة العراقية و وجوه بارزة داخل النخب السياسية.

 ولا شك أن التأجيل المستمر للحرب على الفساد رغم آثاره الخطيرة ومع افتقار الساحة القانونية لإجراءات رادعة تتناسب مع الآثار الظرفية الزمانية والمكانية للفساد في العراق ، سوف يتضاعف معها قوة الفعل الإهابي ويسهم كذلك بالتدريج في اضعاف الآليات المؤسسية لمكافحته. وذلك ما حصل بالفعل، فقد أضحت الأطراف والجهات الرسمية التي أوكل لها القانون مهمة التصدي للفساد سواء الرقابية أو التشريعية بل والتنفيذية يجسدّون اليوم أقبح جوانب المشكلة بما يمكن القول بأنهم المعرقل الأساسي لإحداث الإصلاح الاداري الشامل القادر على تجفيف المنبع الحقيقي للإرهاب، المتمثل في الصناعة الرائجة للفساد التي لم تعد مقتصرة على الموظفين الحكوميين الصغار والقواعد الدنيا في هرم السلطة بل تدرّجت لتحضى هذه الصناعة المشبوهة (صناعة الفساد) برعاية خاصة جدا من مسؤولين كبار في رأس هرم الدولة العراقية.

أخيرا وليس آخرا، أن الحرب على الفساد تستلزم بالدرجة الأساس وجود ادارة فعالة ومؤسسة سياسية فاعلة، وليس من السهل إيجاد هذا وذاك للنهوض بالواقع المأساوي في العراق دون استبعاد آلية المحاصصة الحزبية في الاختيار، و دون وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لقطع دابر الفساد والإرهاب على حدّ سواء.







40
المجتمع العراقي والقضاء بين مطرقة الارهاب وسندان الفساد
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
رغم العناوين والشعارات الدينية البراقة التي ترفعها قوى الارهاب في المنطقة ألا أن طبيعة الأجندات التي تحملها هذه القوى باتت مكشوفة للجميع، خاصة مع الهمجية المتزايدة للمتطرفين المتمثلة بالإمعان في القتل العشوائي للأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد.  وما زالت همجية هذه القوى الارهابية تتنامى بفعل دعم الأذرع الإخطبوطية التي احتلت مواقع وظيفية مرموقة داخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في العراق والزاحفة بأذرعها أيضا نحو السلطة القضائية، خصوصا، بعد أن تراجع تدريجيا مستوى الرفض المجتمعي لهذه الفصائل التي ظاهرها الدين والتديّن وباطنها الكفر والتكفير.

من الطبيعي للمجتمع العراقي في هذه الحالة أن لا يؤدي دوره المطلوب في رفض هذا الكائن الغريب الدخيل على جسده المتماسك، خاصة بعد أن فقدت الدولة جزءا كبيرا من حصانتها لصالح الحواضن الرسمية للإرهاب المتمثلة في عناوين باتت بارزة داخل دوائرصناعة القرار. فليس بخاف على أحد، المطالبات العلنية لبعض القوى السياسية والشخصيات البرلمانية بالعفو عن المُدان قضائيا المجرم طارق الهاشمي، رغم الحكم القضائي الصادر في حقّه، ورغم ماهو معروف عنه والى اليوم من محاولات حثيثة لتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي من خلال الخطاب الطائفي المقيت المعتمد من قبله، الخطاب الذي يعد الدعامة الأساسية للأعمال الارهابية في العراق. بعبارة أخرى، لم يكتف البعض بالسماح للإرهاب في اختراق السلطتين التشريعية والتنفيذية بل لازال السعي حثيثا من قبلهم للتدخل في عمل السلطة القضائية أيضاً.

ولم يقتصر الحال على سعي الارهاب وحده لتعطيل فعالية القضاء العراقي، بل يسعى الحليف الستراتيجي للارهاب وهو (الفساد) يسعى كذلك لتحييد سلطة القضاء العراقي التي أصبحت مستهدفة من قبل الحليفين الرئيسيين (الفساد والإرهاب) بعد أن تمكنا من اختراق السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وليس عملية الهروب الجماعي للإرهابيين من سجني أبو غريب والتاجي وحدها ما يمكن وصفها بمحاولة لتقزيم وتفريغ قرارات القضاء العراقي من فعاليتها ومحتواها، بل أباطرة الفساد داخل الدولة هم أيضا سائرون تجاه هذا المسعى بتسهيل عملية خروج الفاسدين من العراق نحو دول أخرى ينعمون فيها بالثراء الفاحش وأموال السحت المسروقة من قوت المواطن العراقي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، رغم وجود الوثائق والأدلة الدامغة عن فساد وزير الدفاع السابق عبد القادر العبيدي، والتي عرضتها وسائل الاعلام على الملأ وتحدثت بها لجان النزاهة وأوساط رسمية من داخل وزارة الدفاع العراقية، لكن الرجل (عبد القادر العبيدي) دخل أبواب السلطة مسؤولا حافيا وخرج من أصحاب العقارات الفخمة والأرصدة الكبرى مستثمرا كبيرا خارج العراق يتمتع بالأموال المسروقة دون أن يرف له جفن، ودون أن تُقدم أي من الأدلة الموجودة لدى الجهات المعنية ضده الى ساحات القضاء العراقي.. هنا من حق المواطن العراقي أن يتساءل قائلا:  ألا يُعد ذلك تحييدا للقضاء والسكوت عن تلك الأدلة شيطنة خرساء؟.

في حين، ورغم أن الأداء الرسمي في اقليم كردستان العراق ليس بالحالة المثالية التي يمكن القياس عليها، فهي الأخرى تشترك الى حد ما مع الأداء المركزي في عدم منح الفرصة كاملة للأكفاء والمستقلين لأخذ أدوارهم في ادارة مواقع المسؤولية، رغم ما سبق، ألا ان سلطة الاقليم وإن أخفقت الى حد ما في محاربة الفساد ألا أنها نجحت الى حدّ بعيد في ارساء الأمن في الإقليم، لأسباب عدة لايتسع المقام لتفصيلها، لكن ما يهمّنا منها هو أنك من السهل أن تجد أذنا صاغية تستوعب الآراء الخاصة بالوضع الأمني في الاقليم، وبما يُشعر الآخر بأن آرائه لم تذهب هباءً منثورا، وعلى سبيل المثال وعندما تعرّض مقرّي الحزبين الحاكمين لتفجيرارهابي في أول أيام عيد الأضحى سنة 2004 في أربيل، كنت أحد من كتب عن ذلك الحادث الذي ذهب ضحيته الكثير من الضحايا، وقد كان مقالا على جزئين بعنوان "الإرهاب ربيب الشيطان"، تضمّن بعض الآراء والمعالجات، وبصراحة والحق يقال، رغم ان السلطات في الاقليم تصُم آذانها عن الكثير من الامور الخاصة بالسياسة والإدارة، ألا أنني والكثير من الكُتاب العراقيين لمسنا في حينه تفاعلا ايجابيا كبيرا من قبل سلطة الاقليم مع الآراء المطروحة حول الحادث الى الدرجة التي شكّل معها ذلك التفاعل الرسمي مع آراء المتابعين جدارا واقيا للإقليم من الإرهاب، فقد سارعت السلطات الى استثمار ذلك السيل العارم من الآراء المتراوحة بين الاستنكار والمعالجة في عملية إشراك المجتمع الكردي لمحاربة الإرهاب قبل أن يقع المجتمع نفسه فريسة للقوى الارهابية.

ألا أن الحال في بقية أنحاء العراق يكاد يبدو مختلفا فقد بات المجتمع نفسه غير قادر على ممانعة الارهاب نتيجة التآكل الكبير في هيبة وحصانة الدولة العراقية، حتى بات مجبرا في بعض المحافظات العراقية  على دفع الأتاوات الى المجاميع الارهابية (كما نشرت وسائل الاعلام عن الحال في الموصل الحدباء)، والذي لانتمنى لمثل هذا الحال (دفع الأتاوات الى الارهاب) أن يمتد الى بقية أنحاء المجتمع بل والى ساحة القضاء العراقي لاسامح الله.


41
الانتخابات المبكرة في العراق خطوة استباقية تجاه الحل
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

يعيش العراق اليوم حالة من التراجع الأمني الخطير، يقابلها تصاعد تدريجي لمعدلاّت التذمر الجماهيري في المدن العراقية، حيث يتفق المراقبون للشأن العراقي على أن أطراف عدة، داخلية وخارجية تسعى مع بدء العد التنازلي لموعد الإنتخابات البرلمانية في العراق الى تكريس حالة الانفلات الأمني وتغذية عملية المنافسة السياسية التي انحدرت مبكرا بإتخاذها شكلا من أشكال التسقيط السياسي، وبما يشير الى انها ستنحدر أكثر بشكل يصعب السيطرة عليه ليس بين الكتل السياسية المختلفة وحسب ، بل ما يمكن أن يمتد الى داخل الكتل السياسية نفسها بما يجعلها عرضة لمزيد من الانشقاقات كلما ازداد سعير الحرب الاعلامية، وكلما شعر البعض بتناقص الرصيد الجماهيري للكتلة التي ينتمي إليها.

ومع هذه الحالة المحتملة وسط ما تعيشه المنطقة من عدم استقرار أمني وسياسي تكون فترة ما يقارب العام المتبقية على موعد الانتخابات كافية جدا لإحداث مفاجآت غير سارة، ناهيك عما يمكن أن يسفر عنه الحال من تأجيل لموعدها الأساسي في منتصف عام 2014 لأسباب قد يتداخل فيها الأمني بالسياسي وتنحرف على أثرها العملية السياسية عن مسارها بشكل خطير إن لم نقل انهيارها بالكامل.

إتسمت المعالجات السياسية والأمنية في العراق ومنذ 2003 والى اليوم، بأنها عادة ما تتخذ في أعقاب الأحداث أو في يتم الانتباه لها في الوقت الضائع، ويأتي ما نطرحه اليوم في هذا المقال كخطوة مبكرة لوضع العملية السياسية على الطريق الصحيح وتحصينها من الإختطاف الذي تخطط له قوى عديدة في المنطقة وتمهّد لها الطريق قوى أخرى من الداخل.

لا شك أن الحكومة العراقية ومنذ أشهر عديدة تقبع في زاوية الدفاع عن النفس، الموقع الذي لايتيح لها توفير الحماية لشعبها، ولسنا هنا للتقليل من شأن جهة أو التبرير لجهة أخرى فالظروف الأمنية والإدارية وما يحيطها من أعمال ارهابية وفساد اداري تجعل من هذا الأداء الحكومي نتيجة متوقعة وطبيعية، بل غير الطبيعي هو أن تقوم الحكومة، أية حكومة بواجباتها بشكل كامل وسط هذا الظروف.

 ألا أن ما ينقص هذه الحكومة هو، وكما عبّر عن ذلك ممثل المرجعية الدينية العليا سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في خطبة الجمعة 16/8/ 2013 ، (" ما ينقصها هو شجاعة الاعتراف بالقصور أو التقصير")، فقد تطرّق سماحته الى حالات من الإخفاق الإداري والأمني في الدول الأخرى التي سرعان ما يتنتج عنها من استقالة للمسؤول الأول في هذه الدولة أو تلك، ألا أن الحال اليوم في العراق يجابه من قبل المسؤول العراقي باللاّ مبالاة وعدم الإكتراث.. لذلك أنهى سماحته الحديث بالقول " ان كانت بعض الجهات تخشى خسارة رصيدها الجماهيري وشعبيتها فانها عاجلا ام اجلا ستخسر هذا الرصيد اضافة الى خسارتها الاكبر والمتمثلة بحساب الله تعالى").

دون أدنى شك، أن خطاب المرجعية الدينية هو الأكثر تعبيرا عن الواقع العراقي في تأشيرها على مناطق الخلل وإستشرافها للمستقبل السياسي في البلد، فالحكومة التي قد تبدو غير مستسيغة لهذا التأشير والإستشراف هي المعنية الأكبر في هذا التشخيص، بل والمستفيدة الأكبر منه، خاصة وأن بقاء الحكومة بهذا الشكل ومع ما يُطبخ لها في كواليس العواصم الإقليمية من مخططات تصعيدية خطيرة للأشهر التي تسبق الإنتخابات البرلمانية، لن يؤدي سوى الى الإستنزاف التدريجي لرصيدها الشعبي وعن القفز المتتالي من مركب الحكومة في فترة قياسية قد يقوم بها مسؤولين كبار وإنفضاض مفاجئ للحلفاء السياسيين عندما تصل الأمور الى طريق مسدود وعندما تبتعد أكثر مما هي عليه الآن عن تطلّعات جماهيرها، أي السقوط الحتمي المفاجئ الذي قد يلقي بظلاله على مجمل العملية السياسية الديمقراطية في العراق التي كانت ولا زالت تشكّل تهديدا للأنظمة الوراثية في المنطقة.

لقد دعت الحكومة العراقية مرارا الى "حكومة الأغلبية السياسية"، كونها تعتقد بأن طبيعة الشراكة الحالية بما هي عليه اليوم من عدم تناسق وإتساق سياسي تعيق الأداء الحكومي في الكثير من المفاصل وتحد من قدرتها على الإنجاز كما أسهمت مثل هذه الشراكة على تغذية العملية التخادمية بين الفساد والإرهاب.. ومثل هذا الأمر ليس إدعاءاً بل لا يخلو من الصحة .. ومن هنا ننطلق في دعوتنا للإنتخابات المبكرة المسبوقة بتحالفات وطنية عابرة للطوائف والأعراق، أي تأتي كخطوة استباقية لتحاشي الكمائن التي تخطط دول الجوار لنصبها والعمل عليها للفترة المتبقية التي تقارب العام أو ربما تمتد لأكثر من ذلك، وكذلك الرغبة في أنتاج حكومة منسجمة مع نفسها قادرة على صناعة القرار في أقرب وقت ممكن.

فقد لمس وسمع الكثيرون منا بوادر بعض المخططات سواء المتعلقة منها بالهروب الجماعي للإرهابيين من السجون أو التخطيط لإنتاج مسلسل الانشقاق المتتالي للديبلوماسيين العراقيين عن الحكومة، أو دعم وتشجيع الأصوات الداعية لتدويل بعض القضايا الداخلية العراقية، أو التفجيرات التي بدأت تطال المنطقة الخضراء، أو غيرها الكثير ممّن لاينبغي أن يكون خافيا على حكومة يُفترض بها قد أقامت خلال هذه الفترة مراكز دراسات لتحليل الواقع السياسي وإستشراف التداعيات المستقبلية المحتملة تجنبا للمفاجآت المريرة التي واجهتها الأنظمة السياسية في المنطقة.

لقد طرحنا في مقال سابق حلولا منها (جمعية الإنقاذ الوطني) ونطرح هنا مسألة (الإنتخابات المبكرة)، وما يهمّنا في الطرحين تحصين التجربة الديمقراطية من الإختطاف، فضلا عما يمكن أن ينتج عنه الإستقرار السياسي في بغداد وما يسفر عنه وضع العملية الديمقراطية في مسارها الصحيح من تأثير ايجابي على الوضع في اقليم كردستان الذي سيتحرّك هو الآخر في هذا الإتجاه، والعكس بالعكس قطعاً.

ختاما نود التأكيد هنا،  بأن شخص المسؤول ليس من ثوابتنا فما يمكن أن نستحسن منه طبيعة الأداء اليوم، لا نجد ما يمنعنا من انتقاده غدا على سوء الأداء، أو حتى التحذير بقسوة من التداعيات السلبية المستقبلية لهذا الأداء والتي تمس ثوابتنا المحصورة في الوطن والإنسان العراقي والتجربة الديمقراطية التي تحول دون تسلّط الطغاة والبعث من جديد على رقاب الشعب العراقي. ولذلك نقدنا وننتقد الأداء الحكومي في بغداد وحذرنا ونحذّر من التداعيات الخطيرة إنطلاقا من حُرصنا على الثوابت وإقتداءً بما سبقتنا المرجعية الدينية العليا الى تشخيصه والتحذير منه. وذات الحال ينطبق على الإنتقادات التي توجهنا بها الى أداء السلطات في إقليم كردستان العراق فالهدف هو محاربة الارهاب والفساد والدعوة للتمسك بالإتجاه الصحيح وليس كما يحاول البعض ممن تربّى في أحضان البعث سابقا ويعتلي (المناصب الحزبية) العليا في الاقليم اليوم، يحاول اتهامنا بالعمالة للمالكي أحيانا ولغيره أحياناً أخرى بهدف اسكات أصواتنا التي لن تسكت أو كسر أقلامنا التي لا ولن تُكسر طالما هي حرة لا يسودها أو يحرّكها سوى صوت الحق وصوت الضمير.






42
الفساد والارهاب صنوان يهددان الديمقراطية و يوجبان التغيير
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
أكدّت كل الرسالات السماوية على محاربة الفساد بجميع أشكاله وأنماطه ، فقد جعلت السماء من السعي في الأرض فسادا بمثابة الحرب على الله (تبارك وتعالى) ورسوله (ص)، كما دعت الحُكام الى حُكم شعوبهم بالعدل، وحذّرت من أن الحكومات الاستبدادية ومهما طال بها المقام فمآلها ومصيرها الى الزوال والإنهيار المفاجئ.

وفي نظرة سريعة الى نظام الحُكم في العراق ومنذ سقوط الصنم عام 2003 على يد قوات التحالف بقيادة أمريكا والى اليوم، نلاحظ انتشار الفساد بشكل لامثيل له في العالم وبما جعل من القواعد الفاسدة حاضنة أساسية تمد الارهاب بأسباب الحياة. وخاصة عندما يدور الحديث عن بلد مثل العراق، والذي يكاد أن يكون الأغنى في المنطقة بما يمتلك من موارد اقتصادية وثروة بشرية وثقل جيوسياسي على صعيد الإقليمي والعالمي.

فما عدا المواسم الانتخابية التي نرى فيها المسؤول العراقي متملقا ومنتحلا لصفة (خادم الشعب)، نرى ذات الشخص متنصلا عن وعوده، أصماّ أبكماً حال وصوله الى كرسي المسؤولية وكرسي الحٌكم الذي يُصبح بمثابة (كرسي النسيان) الذي سرعان ما يتسبب في ذهاب الوعود الانتخابية التي أطلقها المرشح أدراج الرياح.

وقد بدا نهج التخادم بين الفساد والإرهاب جليا في المرحلة الأخيرة، حيث ألقى كل منهم بظلاله على الآخر مما حدا بالقيادات الدينية والمجتمعية والثقافية الانتقال من مرحلة التلميح الى التصريح علنا. فقد حذّرت المرجعية الدينية مؤخرا الحكومة من خطورة ما يجري من اختلالات أمنية وادارية عميقة لا يلمس الشعب العراقي أية نوايا صادقة للحلول الجذرية الجادة من قبل الحكومة لإصلاحها، سيما وأن الهمّ الأكبر للمسؤول العراقي قد بات محصورا في الدفاع عن موقعه الوظيفي بوصفه (طابو مسجل في دائرة الشهر العقاري)، دفاعا مستميتا يتيح له البقاء في موقع المسؤولية لأطول فترة ممكنة للحفاظ على إمتيازاته وجمع ما أمكن من المال السُحت لإيداعها في البنوك الإقليمية والأوربية والأمريكية.

فلم يعد خفيا ما يجري من عملية تخادمية بين الفساد والإرهاب، حيث يتم تسريب الأموال العراقية الى الخارج من قبل المسؤولين في نفس الوقت الذي يجري فيه استقطاب الإرهابيين الى الداخل من قبل أطراف أخرى، ومن الطبيعي في هذه الحالات أن يغض أحدهما الطرف عن الآخر ويشكلون غطاءً لبعضهم البعض وبما يسهّل عملية اختراق المواقع الأمنية الحساسة من قبل عناصر (البعث والقاعدة)، وخاصة مع اصرار الحكومة العراقية على استمرار ذات الوجوه دون ضخ دماء جديدة كفوءة في الأجهزة الأمنية. وجراء هذا الوضع المتسبب في ارباك الجانب الأمني والسياسي، ومع عدم وجود اصلاحات جذرية يكون الشعب العراقي هو الضحية والخاسر الأكبر نتيجة هذه العملية التخادمية بين كل من الفساد والارهاب.

وأن المناشدات المتتالية من القوى العراقية الشعبية والدينية للحكومة العراقية، والتي تحث فيها الحكومة على الشروع بالإصلاح لم تحضى تلك المناشدات وللأسف سوى بالتجاهل المطلق، بل الأدهى أن بعض الاطراف في كلا السلطتين التشريعية والتنفيذية باتت أكثر جرأة على الإفصاح عن تخادمها مع الإرهاب، وقد تجسّد ذلك في مواقفها المناهضة لأي نقد شعبي أو تشخيص للخلل حتى إن كان موجه لهم من قبل المرجعية الدينية العليا في العراق. حتى يمكننا القول بأن الفساد المتجسد في الأطراف الحكومية والإرهاب المتمثل في (البعث والقاعدة) يتقاسمان اليوم السلطة في العراق ، مع تقدّم واضح في قوة الارهابيين الذين امتلكوا زمام المبادرة بأيدييهم سواء ما يتعلق منه بتوقيت التنفيذ أو جغرافية الفعل الارهابي.

وفي مقابل هذا التعنت والفساد الرسمي من جهة، وتصاعد وتيرة الفعل الارهابي وتزايد فرص بقاءه من جهة أخرى، ومن أجل الحفاظ على ما تبقى من أمل في الإصلاح الأمني والإداري، فقد أصبحت الحاجة ملّحة والضرورة في أقصى درجاتها لتأسيس ما يمكن الاشارة لها بـ (جمعية الانقاذ الوطني) لترميم ماهو موجود اليوم قبل أن ينهار وبشكل مفاجئ بناء الدولة بالكامل على رؤوس الشعب الذي عانى ما عانى بسبب الفساد والإرهاب الآخذين بالإزدياد. وعلى أن تأخذ هذه الجمعية على عاتقها خطوات سريعة تتمثل في.
 
أولا: تقوية وترميم الجبهة الداخلية من خلال إبعاد الفاسدين والمفسدين عن الساحة السياسية وضخ دماء جديدة بالتنسيق المباشر مع المرجعية الدينية والقوى المجتمعية والقوى السياسية المستقلة.

ثانيا: تنقية وتسمية الوزارات الأمنية من العناصر المشبوهة والفاسدة التي تشكل بتواجدها حواضن رسمية للإرهاب، مع الحفاظ الكامل على وحدة المف الأمني بالإعتماد على الكفاءات المستقلة بعيدا عن المحاصصة الحزبية.

ثالثا: تطوير الجهد الاستخباري، من خلال تشكيل لجان أمنية خاصة من الكوادر المتخصصة والخبراء الوطنيين لتنقية الأجهزة الاستخبارية وتسمية رؤساء جدد لتطوير عملها بما يؤهلها للفعل الإستباقي لمنع الجرائم السياسية والعمليات الارهابية.

رابعا: محاربة الآفات الثلاثة ( الجهل والفقر والظلم)، ويتم ذلك من خلال:

أ-  الإصلاح الاقتصادي : الاصلاحات الجذرية في قطاع الانتاج الصناعي والزراعي والتجاري وتقنين عملية الاستيراد لحماية الانتاج الوطني، وإرساء أسس المعالجة الفورية لإحتياجات الطبقة المتعففة في المجتمع من الأرامل والأيتام والعجزة والعاطلين عن العمل وعوائل ضحايا الارهاب.

ب: تشكيل لجان خاصة لمحاربة الفساد ومتابعة ملفات سرقة المال العام ومحاسبة المفسدين من مسؤولي الدولة وانزال أشد العقوبات بمن تثبت التهم الموجهة لهم، على أن يسبق ذلك إصلاح قضائي بالإضافة الى ما سبق يتبنى أيضا، مراجعة مظلومية الأبرياء في السجون العراقية، وتنفيذ الأحكام المعطّلة والمعلّقة بحق الإرهابيين والفاسدين.


43
الأنشطة التدميرية للإرهاب في العراق.. مَن المسؤول؟
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
بعد سقوط النظام الصدّامي 2003 بوصفه أحد أركان الإرهاب الأساسية في المنطقة، هبّت وهاجت القوى الارهابية في المنطقة هيجاناً كبيرا بعد فقدان الحليف الرئيسي المتمثل في نظام البعث الصدّامي. حيث بدأ المجرم بن لادن آنذاك بتعبئة وتنمية الميول الارهابية لدى شرائح واسعة من المسلمين، مستخدما أمواله الخاصة مضافا لها الهبات المادية والتبرعات الضخمة التي تصل اليه من دول البترودولار الخليجية. حيث استثمر المتعفّن بن لادن هذه الأموال في شراء ذمم الكثير من حملة الشهادات العلمية وعلماء السوء من وعّاظ السلاطين للمساهمة في الحملات التحريضية والأنشطة التعبوية للدفع بالشباب المسلم للإنخراط فيما أطلقوا عليه لواء وطريق (الجهاد) على الساحة العراقية ثأرا للنظام البعثي المقبور.

وقد كان ولا زال العاطلين عن العمل والجهلاء هم الأكثر عرضة لغسيل الأدمغة الذي تمارسه هذه القوى الارهابية، ولا زال الفقراء هم الأكثر استجابة للتجنيد والانخراط في هذه المشاريع الارهابية المشبوهة، خاصة بعد التلويح لعوائلهم بالمال الحرام والتلويح للإنتحاريين أنفسهم بالحور العِين وجنّات النعيم التي لا تنال (كما يدّعون) الا بالتكبير ثم التفجير ثم التدمير.

منذ ذلك الحين والى اليوم، تزداد الأمور سوءًا في العراق وعلى صعيد الجانب الأمني تحديدا.. خاصة  مع الهجوم المسلح الذي حدث يوم أمس (22 تموز/ 2013 ) على سجني أبو غريب والتاجي في العراق لتهريب سجناء من تنظيم القاعدة والذي أدى الى فرار 500 سجين غالبيتهم ينتمون لهذا التنظيم الارهابي اللئيم. فضلا عن التفجيرات الارهابية التي طالت المقاهي والمطاعم والأسواق الشعبية والقتل العشوائي الذي بث الرعب والهلع في الشارع البغدادي وكذلك شمال وجنوب بغداد.

ويمكننا ازاء هذا الانفلات الأمني المتواصل في العراق، القول بأن المسؤولية تتحملها أطراف عدة ، وتتقاسمها بشكل أساسي كل من القوى المجتمعية الدينية والأخرى الجهات الرسمية الحكومية أيضا.

فرغم أن الأنشطة التدميرية قد طالت كل الأطراف والأطياف العراقية بما فيها المساجد السُنية وكما حصل في محافظة ديالى مسجد (أبو بكر الصديق) في العراق، ناهيك عن وقوع رجال دين (سُنة ) كبار من أمثال الشهيد البوطي في سورية وإختطاف جثامين صحابة رسول الله (ص)، ألا أن الجهات الدينية في العراق والمنطقة على صعيد المؤسسات ومنابر الجمعة وغيرها لازالت محدودة الأثر في فضح القوى الإرهابية، وقاصرة عن تأليب الرأي العام بالضد من هذه الأنشطة.

 وبلا أدنى شك إن مثل هذه القصور سيؤدي الى تداعيات عدة منها إعطاء الشرعية بشكل غير مباشر للإرهاب ومن ثم شلّ يد الحكومة العراقية وحكومات المنطقة في مواجهته ، خاصة عندما تصبح خطوات المعالجة الأمنية للدولة محاطة بالشبهات، والتي من السهل لأي جهة أعلامية أو سياسية مغرضة التشكيك بتلك الخطوات الحكومية وإكساءها صبغة الطائفية.. وذلك ما تسبب به الخطاب المتذبذب والضعيف من قبل المؤسسة الدينية في العراق في مواجهتها للإرهاب، والذي أعطى ويعطي الفرصة للأطراف المغرضة لتحريف الحقائق وإثارة الرأي العام ضد الحكومة ولمصلحة الإرهاب سواء في العراق أو بعض دول الجوار أيضا.

أما في الطرف الآخر من المعادلة الأمنية في العراق، تتحمل بعض الجهات الرسمية والحكومية مسؤولية بقاء البنية التحتية للمنظومة الأمنية في البلد دون تطوير، بل يمكننا القول تآكل هذه البنية نتيجة بقاء نفس الوجوه في مواقع حسّاسة ومهمة جدا رغم الفشل المتواصل والتراجع الأمني الخطير. والى الدرجة التي يمكننا معها القول بأن بعض مواقع المسؤولية أصبحت (طابو صِرف) وحق حصري لتلك الشخصيات الحكومية رغم عدم إلمامهم في متطلبّات وتقنيات تلك المناصب الأمنية.   

حيث تمكّن الإرهاب وخلال العقد الأخير من تطوير أساليبه وتنويع قدراته والارتقاء في التقنيات المستخدمة في القتل، وخير مثال على ذلك، ما أشارت له وسائل الاعلام من وصول عبوات ناسفة جديدة عن طريق تركيا تسمى (العين السحرية).. مرسلة الى التنظيمات الإرهابية التابعة للقاعدة في العراق. ناهيك عن طرق الإقتحام الحديثة والخطط الجديدة لتفادي الوقوع في أيدي السلطات، فضلا عن إختراقهم للأجهزة الأمنية، وعلى العكس تماما مما يجب أن يحصل.. بل أن واقع الحال الأمني يشير الى أن القوى الإرهابية تمكنت من إستدراج القوى الأمنية وفتح ثغرات مقصودة لها داخل البنية الإرهابية من أجل تمرير المعلومات الوهمية للحكومة وتشتيت جهودها في أوقات تنفيذ العمليات الارهابية.

لا أريد أن أطيل أكثر من ذلك، رغم أن في النفس صولات وجولات، لكن مايهمّنا قوله بإختصار شديد، أن المؤسسة الدينية في العراق بشكل عام، وعلى وجه الخصوص شمال بغداد لم تنجح في بلورة رأي عام ديني ضد الإرهاب بل على العكس إستطاع الإرهاب تطويع الدين أكثر من أي وقت مضى لأنشطته التخريبية مما أدى الى إتساع الحواضن الشعبية للإرهاب.

 وفي المقابل فإن المؤسسة الحكومية هي الأخرى عجزت عن تطوير نفسها  بشكل تستطيع من خلاله مواكبة الأحداث ومجاراة الفعل الإرهابي المؤثر.. فالمسؤولون الأمنيون لا زالوا أنفسهم في ذات المواقع يقفون حائلا دون وصول أي كفاءة أمنية جديدة الى منصة القرار الأمني ويشكلون من حيث يعلمون أو لايعلمون حواضن رسمية للإرهاب. ولا زالت المحاصصة هي المعيار في اشغال المواقع الأمنية.. ولا زال الإصرار قائم على تغييب اي استراتيجية حقيقية للمعالجة تتكفل في التغيير المستمر في المناصب الامنية الحساسة واشراك الخبراء والكوادر ذات الإختصاص.. لازال كل شئ على ماهو عليه، رغم أن الضحية بالنتيجة هو الشعب، وليس الشعب وحده بل الدولة العراقية المعرّضة للإنهيار.

خبر ذو صلة بالموضوع : 100 مليون دينار شهرياً أتاوات القاعدة في الموصل لتمويل عملياتها الإرهابية
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=26059


44
عصر الشعوب ما بين ثورة الإستحقاق وإستحقاق الثورة
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
عصر الإنترنت بما إنطوى عليه من تدفق سريع للمعلومات، وبما أسهم فيه من إرتقاء بمستوى وعي الشعوب، وتعزيز الاستقلال الفكري للفرد داخل المجتمعات، خلق مزاجا عاما أكثر ميلاً للتجديد، وأشدّ عزوفا عن التقليد، سواء الأمور المتعلقة بطبيعة النظم السياسية والإجتماعية أو الأخرى المتعلّقة بالجوانب العقائدية في بعض الأحيان.

وحتى الدول الكبرى التي رفدت هذه الثورة المعلوماتية بأسباب الحياة، تحث الخطى جاهدة اليوم للإيفاء بإستحقاقات هذه الثورة، ومع ذلك تجد نفسها أمام تحديّات ومستجدّات لم تكن قد كيّفت نفسها لها بالشكل المطلوب على أكثر من صعيد.

في قبال هذا الحراك، نجد بعض الحكومات أو القوى ذات الثقل الإجتماعي والديني في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، ما زالت تدفن رأسها في الرمال تجاه استحقاقات المرحلة التي فرضتها هذه الثورة المعلوماتية التاريخية، ويسعى البعض الآخر منها الى مجابهة النهوض الفكري والحراك الثوري بالأساليب النمطية والطرق التقليدية والدفع بالمواجهة نحو العنف والتصعيد في محاولة للإلتفاف على ثورة الإستحقاق بطرق آنية عبر المواجهة أو بطرق استباقية تهدف لتعطيل المسار أو تغيير الإتجاه نحو أماكن أخرى.

في العصر الحاضر الذي بلغت فيه المعارف الإنسانية أوجهاً متعددة باتت في متناول الجميع، من البديهي أن تترك أثرا واضحاً على العقل البشري تجعله أكثر تحررا من القوالب الموروثة وتحفزّه الى تجريب زوايا جديدة يلقي من خلالها بنظره تجاه ما حوله ليختار بالنتيجة ما يطمئن الى صحّته أو يتدرّج حد الرفض للنهج المفتقر للصواب.

ومع التدرج في مستوى الوعي تزداد حاجة الفرد الى الحرية، وبما يجعل منها قيمة أساسية في الحياة اليومية يضطر للدفاع عنها ليس من خلال الوقوف بوجه الحاكم السياسي وحسب، بل قد يجد نفسه في مواجهة روابط إجتماعية ودينية كانت وحتى وقت قريب خطّا أحمر. وعلى سبيل المثال الرسالة التي جسّدت تخطئة عبد الرحمن القرضاوي لأبيه رجل الدين يوسف القرضاوي والتي نشرتها العديد من وسائل الإعلام، فرغم ما بذله من جهد واضح في انتقاء المفردات والمبالغة في اللياقة تحاشيا من وصم الآخرين له بـ (العقوق) وتجنباً لإثارة المغفّلين من أتباع رجل الدين القرضاوي الأب، وخاصة ممّن، لم يدركوا الى اليوم ما تنطوي عليه الحُرية من قيمة أساسية للوجود أو أدركوا ذلك ولم يهتدوا الى الأساليب المثلى لإكتسابها..

إدراك نجل القرضاوي لإستحقاق العصر وتطلعات الجيل المعاصر أدى به الى القفز على الحاجز الإجتماعي الأسري والرمزية الدينية لأبيه، ومن ثم مخاطبته بصيغة المواطن الذي يخاطب مواطناً مصريا آخر بطريقة مهذّبة ولإفهامه بأن الفتاوى والمواقف التي تبنّاها تنُم عن عدم قدرته على إستيعاب رؤية الجيل الحالي، والمقصود هنا الأب.

ومع أن مضمون الرسالة ينطوي على جانبين، الأول ما أشرنا إليه سلفاً، والثاني هو أن الآثار الكارثية لفتاوى القرضاوي الأب والنتائج التدميرية التي أسفرت عن تلك الفتاوى لم تكن مقصودة من قبله (هذا ما حاول الإبن تصويره للأخرين)، بل تسبب إختلاف وجهات النظر بين جيلين مختلفين بالتسبب فيما حصل، بالإضافة الى عدم بذل الأب الجهد الكافي الذي يمكنه من إستيعاب الرؤية المعاصرة.

أي كان الحال قصورا أو تقصيراُ متعمّدا، جهلا أوتجاهلا، بالنتيجة أن القرضاوي (مع ما تسببت به فتاواه من خراب وتدمير لبلدان المنطقة)، ألا أنه كان مُباشرا في فتاواه وآرائه التي زعم بها دعم (حرية الشعوب). ومروّجا بشكل مباشر أيضا، في استخفافه بما يشكله السلام من قيمة موازية للحرية، تمثل ذلك بما صدر عنه من فتاوى دفعت شعوب المنطقة الى إعتماد أساليب العُنف كطريق لنيل الحرية.

لم يكن خافيا على الجميع من ان القرضاوي في جميع حركاته وسكناته كان قد جسّد توجه الأنظمة الخليجية المشرفة على برمجة هذا (الرمز الديني) بما جعل منه (روبوت ناطق) يعكس رغباتهم ويجسّد طريقة التعاطي غير المسؤول، بل المُغرض لتلك الأطراف مع الأحداث، والهادف الى حَرف الحراك الثوري عن المسار السلمي الطبيعي.

فقد انطلقت الثورة المصرية الأولى 25 كانون الثاني 2011، من ميادين الثورة المعلوماتية (الفيس بوك) لتنتقل بشكل سلمي منتظم الى أرض الواقع في (ميدان التحرير) وبشكلٍ أدرك معه الشعب المصري بأن لا معنى  للحرية التي تنتجها هذه الميادين ان لم تكن مقترنة بالسلام، فإن السلام هو الضمانة الوحيدة لإستمرارها وإستثمار أجواءها كما ينبغي، كما يشكّل الحصانة المثلى لإستقلالية الثورة بما يجعل من النهوض الشعبي فيما بعد خيارا قائما، وقرارا يمتلك الشعب وحده حق اتخاذه في أجواء السلام.

لكن الأنظمة الخليجية أدركت الأمر بشكل دفع بها الى فصل الحرية عن السلام في ثورات شعبية مماثلة في المنطقة بطريقة تمكنت معها من مصادرة خيار تلك الشعوب وفسح المجال للقوى الإرهابية للإلتحاق في ركب ثوراتها.

أما تركيا فهي الأخرى دخلت على خط تلك الأنظمة الداعمة للعنف وعلى وجه الخصوص في الحالة السورية، فرغم أن دخولها لم يمنع من امتداد لهيب الغضب الشعبي الى العمق التركي، ألا أن حكومة أردوغان تمكنت من استخدام الملف السوري وسيلة لتعزيز نفوذها السياسي الداخلي وتحييد المؤسسة العسكرية العسكرية تماماُ، بتصويرها للتدخل بأنه ضرورة تقتضيها مصلحة الأمن القومي التركي، بل إنجازا لايمكن تحقيقه من قبل القوى العلمانية التركية. بما يشكله هذا التدخل من حرب استباقية على حزب العمال الكردستاني في عمق دول الجوار، ولا شك بأن مهمة من هذا النوع تهدف لتحجيم نفوذ هذا الحزب وتقزيم طموحاته تستلزم تأشيرة دخول متمثلة في العنوان الإسلامي للحزب الأردوغاني الحاكم وذلك ما تفتقر له القوى العلمانية التركية.

ويمكننا القول: ان طريقة حُكم الرئيس المصري المخلوع مرسي لاتختلف من حيث الجوهر مع النهج الأرودغاني في الحكم وإن اختلفت في الإسلوب. فالجوهر يكاد يكون واحدا سواءً المتعلق منه في الأدوار التكاملية مع الأنظمة الوراثية الهادفة لزعزعة أمن المنطقة أو في إبتزاز الفرقاء السياسيين داخل العملية السياسية في البلد. الإسلوب كان مختلفاً، فالتجربة الأردوغانية في الحكم، أتاحت له فرصة فهم طبيعة السلطة بشكل أكبر، ومكّنته من إدراك حقيقة التحديّات التي تشكل أولوية في الواقع السياسي التركي بشكل عام والتي تشكل قاسما مشتركا للقوى المؤثرة القادرة على عرقلة الطموحات الأردوغانية.


وعلى العكس من الإسلوب الإخواني الميّال للسرعة والخشونة والضغط من الداخل الى الخارج، بدا المطبخ الأردوغاني ميّالا لإستخدام النار الهادئة واعتماد الضغط العكسي (من الخارج الى الداخل).. وكما أشرت مسبقا الى الملفّ السوري والتأشيرة الإسلامية التي تفتقرلها القوى العلمانية، والتي من خلالها استطاعت الحكومة الأردوغانية اختراق الملف السوري واستقطاب قوى المعارضة وتجنيد أطرافها المهمة بما يضمن لها تحقيق نتائج مماثلة لما تم انجازه في مناطق أخرى من المنطقة.

على سبيل المثال، أسفرالتخادم بين أطراف مؤثرة في اقليم كردستان العراق وحكومة أنقرة عن مظاهرة كردية أمام القنصلية التركية في اربيل بتاريخ 17/6/ 2013 ، أعلنت تضامن الشعب الكردي مع حكومة اردوغان، وبما يصح مغه القول بأن تلك التظاهرة قد منحت موقع الريادة في انجاز تاريخي غيرمسبوق في نظر الشعب الكردي والقوى السياسية، تأكدت الريادة من خلال الشعارات المرفوعة والقائلة :-  (الشعب الكردي لن ينسى جميل أردوغان) و (اردوغان هو صديق الشعب الكردي)..

ومن الطبيعي جدا لهذه المظاهرة وبما تضمنت من شعارات أن تُعد ورقة ضغط بيد الحكومة لتحييد المؤسسة العسكرية بالكامل وحصر القوى العلمانية في زاوية تجعل من دعوة أتباعها للإلتحاق بالتظاهرات الجارية في الشارع التركي والمناهضة لحكومة أردوغان خطوة غير مضمونة النتائج بما تحمله من تضاد مع المصلحة القوميىة لتركيا يتمثل فيما يمكن تفسيره إعاقة للمسار الأردوغاني القومي الهادف لتقزيم العدو التقليدي (حزب العمال الكردستاني).
أو بمت يمكن اعتباره استهداف مع سبق الإصرار والترصد لخطط حكومة اردوغان التي أثبتت فعاليتها في (ترويض الشعب الكردي)، ذلك بالطبع ما تتركه شعارات التظاهرة من إنطباع في أذهان الساسة الترك.

وفي توظيف مماثل للتدخل الخارجي الهادف لتعزيز نفوذ حكومة اردوغان في الواقع السياسي التركي، نشرت وسائل الإعلام تاريخ 5/7/2013 خبر قيام (لواء التوحيد) التابع للجيش السوري الحر بإختطاف أربعين مواطنا كرديا في مدينة حريتان التابعة الى ريف حلب، أظهرت الصور المنشورة آثار التعذيب الجسدي فضلا عن الإهانات والتعذيب النفسي وفقا لما أشار له إثنان ممن أطلق سراحهما فيما بعد، وهما المختطفان  مسعود قوجو(27 عاماً) و شيار هورو(17 عاماً )، بأن الهدف من الإختطاف والتعذيب هو السعي لإنتزاع معلومات عن أماكن تواجد حزب العمال الكردستاني بتكليف مباشر لمقاتلي اللواء من الإستخبارات التركية. (حسبما يوضح الخبر أسفل المقال). ولم يؤدي هذا الخبر الى أي رد فعل شعبي أو رسمي في حدود اقليم كردستان العراق لإستنكار هذه الجريمة، وإذا ما أضفنا لها جريمة اغتيال العالم الكردي الجليل فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وبتحريض مباشر من القرضاوي (العربي الأصل)، فمن غير المستبعد أيضا، أن يكون لحكومة اردوغان يد في دفع القرضاوي للتحريض أو المساهمة في تخطيط العملية أو التنفيذ المباشر.

 ومع ما رافق هذه الجرائم من صمت شعبي و رسمي في اقليم كردستان العراق يصح حينها القول بأن لأردوغان الحق في الإدعاء أمام الفرقاء السياسيين (العلمانيين الأتراك) بعملية تطويعه للرأي العام الشعبي في الإقليم. في الحقيقة أن انجازا كهذا يجعل من الخصوم السياسيين أقزاما عند مقارنة المكتسبات السياسية والأمنية التي حصدتها حكومة أردوغان للأمة التركية في ظل العباءة الإسلامية مع ما أنجزته الأحزاب الأخرى.

أما العامل الإقتصادي فحدّث ولا حرج، فلم تستطع أي حكومة تركية أخرى في التاريخ الحديث تحقيق ما حققته حكومة اردوغان من مكاسب اقتصادية على حساب العراق، سواء ما حصل عليه من كميات هائلة من النفط بأسعار رمزية، أو على صعيد الأسواق العراقية التي أصبحت مكبّا للنفايات التركية. ويعود الفضل للإختراق الكبير للواقع العراقي الذي حققته السياسة الأردوغانية الى تدخلاتها في مختلف مجالات الحياة وفي كافة مناطق العراق. وليس لغة الأرقام وحدها من تتحدث الى الخصوم السياسيين في الداخل بالنيابة عن اردوغان ، بل لغة الأشرطة التلفزيونية التي تٌظهر الجماهير العراقية في ساحات التظاهر (شمال بغداد) حاملة لصور القائد اردوغان هي الأخرى تُسهم في تعزيز النفوذ السياسي الداخلي للحكومة الأردوغانية، ناهيك عمّن يطلقون على أنفسهم رموز المعارضة العراقية القاطنين في الأجنحة الفاخرة لفنادق اسطنبول، والمنهمكين في رصد كل ما هو سلبي عن العراق لتمريره الى وسائل الإعلام وإبرازه عبر المؤتمرات المتلاحقة التي ترعاها الحكومة الأردوغانية.

أن الرجل يُؤكد وبالأدلة يوما بعد آخر للخصوم السياسيين في الداخل التركي بأن مصلحة الأمة التركية تقتضي منهم مساندته، سواء من خلال استهجان الممارسات الديمقراطية المناهضة لحكومته في الداخل التركي والحد من رقعة الإحتجاجات، أومن خلال، مؤازرته في هدفه لتعطيل الديمقراطية في دول الجوار مع الحفاظ على هامش من الفوضى يمكنّ  تركيا من اختراق تلك الدول.

يوما بعد آخر : يثبت اردوغان للقوى السياسية الأخرى وبالدليل القاطع قدرته على الإنسياب الخفي وسط الأمواج المتلاطمة. بدليل ما تفتقت عنه عبقريته وأثمرت عنه مساعيه من جعل اسطنبول واحة لصناعة القرار الإقليمي و ورشة لصناعة قادة المنطقة.. فقد جادت سماء اسطنبول على المنطقة ببزوغ نجم سياسي جديد رئيسا للإئتلاف السوري المعارض، استقبلته العواصم الخليجية بـ (الهلاهل) وهزّت عواصم الغرب رؤوسها استحساناُ للخيار..

فقد كان رئيس الإئتلاف مرشّحا بالأصب من قبل الدول الخليجية ليتمكن أردوغان فيما بعد من تمريره.. الرئيس الجديد أحمد الجربا : شخصية قبلية تنسجم مع مخططات التصعيد المستقبلي في المنطقة حيث يمتلك عقلية قبلية بشعة ومشبعة حد اللعنة بالمفاهيم الصحراوية التي تنظر الى البقاء استحقاقا للأقوى والغزو هو الآلية المثلى لنيل ذلك الإستحقاق. ويرى في التحدث عن الأقلام والكتب وثورة المعلومات انفصاما خطيرا عن الواقع .. وقد جسّد ذلك في مقابلة له مع قناة العربية في كانون الثاني (يناير) 2013، قال فيها ("ان النظام السوري قوي بسلاحه متسائلا ‘هذه الترسانة القوية كيف نجابهها؟ بالاقلام؟ علينا ان ناتي بالسلاح… وهذا ما نفعله").

ليس هذه العقلية وحدها من أوصلته الى رئاسة الإئتلاف بل بما يحمل من إمتداد قبلي في العراق (قبيلة شـُمّر) وفي الدول الخليجية كذلك، الإمتداد الذي يؤكد صلاحية الجربا للاستخدام  في مرحلة ما وراء سورية أو على الأقل ضمان استنفار الحس القبلي في العراق ودول الخليج، وإعلان المشروع القبلي البديل خاصة  بعد أن اصدرت الثورةالمصرية شهادة وفاة المشروع الطائفي في المنطقة.

ختاماً.. السيل الجارف للمعارف الإنسانية والتدفق الهائل للمعلومات أضحى الفيصل في صياغة النُظم السياسية والإجتماعية وفي نمو عقيدة وضمور أخرى. وأمسى البقاء إستحقاقاً للأصلح، وبات معه السلام توأماً للحرية أيضا، فلا قيمة للحرية التي لا تعتمد سلاح العصر في حراكها الثوري، أي لا تعتمد السلام سلاحا أوحد.

رمضان كريم وكل عام والجميع بخيــر

عبد الرحمن يوسف القرضاوي يكتب رسالة لوالده ( عفوا أبى الحبيب ... مرسى لا شرعية له )
 www.albidapress.net/press/news.php?action=view&id=29222
اربعون مختطفاً كردياً لدى لواء التوحيد لواء التوحيد التابع للجيش الحر
http://www.kurdistan24.net/kurdistan-news/949-2013-07-06-01-04-36.html
احمد الجربا الرئيس الجديد للائتلاف السوري شيخ عشيرة وساع نشيط لتسليح المعارضة
http://www.alquds.co.uk/?p=61096






45
مصر تنتفض.."البطالة الجهادية" ويوم الحشد الكبير (فيديو مرفق)

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
لا يخفى على شعب مصر ما يجري اليوم في العراق من  إرهاب أعمى ما زال عاصفا بكل مناحي الحياة منذ  أكثر من عقد من الزمن. ولم تشفع الثروات الهائلة أو العمق التاريخي في كبح جماح غرائز القتل المتفاعلة في كيان الحلف (السلفي/ البعثوصدّامي). وليس من المبالغة بشئ القول، أن القيادات العراقية كانت قد عمِلت ولا زالت تعمل بأحسن ما في وسعها لإيقاف نزيف الدم العراقي، ألا أن الحسم لم يكن مبكرا منذ البداية، الأمر الذي جعل المسألة أكثر تعقيداً والتحالف الإرهابي أكثر تماسكاً .. وذلك ما لانتمناه لمصر الآمنة ، بل نتمنى الحسم المبكر لملفات الحلف الإرهابي (الإخواني/ السلفي) الجاثم على صدور الأحرار في مصر اليوم.

تسبب ما أسلفت في رُجحان كفة الميزان نحو الاتجاه السلفي المتطرف المدعوم من الأنظمة الوراثية. ولا شك بـأن التواني في حسم الأمور في الحالة المصرية قد يُسهم في زيادة ذلك الرجحان، خاصة وأن ما يجري اليوم، سواء في العراق أو مصر والمنطقة، لايمكن بأي حال من الأحوال أن يخرج عن كونه أجندة  ارهابية تتبنّاها الأنظمة الوراثية في دول الخليج!

 خاصة وأن التجربة العراقية لم تعُد الباعث الوحيد على قلق الأنظمة الوراثية، بل شكّل الربيع العربي عاملا مضافا لتكريس ذلك القلق الذي بلغ درجاته القصوى نتيجة اقتحام موجة الإستياء الشعبي حدود مجلس التعاون الخليجي بإتجاه البحرين ثم المنطقة الشرقية، وبالمقابل أيضا، لم يكن شيعة الخليج وحدهم من إنتفض، بل تسبب الحماس اليمني في إلهاب مشاعر الشباب السعوديين السُنة الذين قاموا بالحملات عبر مواقع التواصل الإجتماعي مطالبين بالثورة ضد حكام آل سعود.

تصاعدت حينها أجراس الخطر في العواصم الخليجية، الأمر الذي دفع بالملك عبدالله الى رشوة الشعب السعودي بالمليارات لتهدئة النفوس/ وكان له ذلك،  لكن ورغم ما تحقق من هدوء بفضل الرشوة، ألا أنها كانت (عقوق للتاج) وشدخ في كبرياء الملوك لم تألفه الأنظمة الوراثية، بل وسابقة خطيرة قادرة على إعادة انتاج نفسها والتشظي في أرجاء الممالك الوراثية الأخرى.

أدى بالنتيجة وكما تشي الأحداث، الى الإتفاق الضمني بين دول المجلس على تعزيز "السلطة الدينية" (الوهابية) في عموم دول مجلس التعاون الخليجي وتوحيد مرجعيتها ودعم حلفاء الوهابية في بقية الدول العربية. والشروع بما أطلق عليه من قبل مشايخ السلفية بـ " مشروع البطالة الجهادية".

 والى اليوم، تكاد تكون الكويت، الإمارة الأكثر جرأة في الإفصاح عن النهج الجديد قولاً وفعلاً، تجلّى ذلك في الحراك السلفي التحريضي الحثيث تحت أنظار ومسامع السلطات الكويتية، حيث لم يشهد الشارع الكويتي من قبل، خطابا تعبويا يحرض الشباب الكويتي ضد الطائفة الشيعية على لسان رجل القاعدة في الخليج (شافي العجمي).

 والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو التصريح الذي أدلى به وزير الداخلية الكويتي أحمد ال حمود، الذي هدد فيه  أفراد الجالية المصرية في الكويت بالطرد من البلاد في حال الإقدام على أية فعالية يُفهم منها التضامن مع (يوم الحشد الكبير) المُطالب بإزاحة الرئيس المصري محمد مرسي. (نشر في السياسة الكويتية 28/6/13) .

ينبئ مثل هذا الحراك للأنظمة الوراثية في الخليج، بأنهم يتحركون معا بغية إستنهاض كُل ما من شأنه أن يضرب إستقرار المنطقة ويكسبهم مزية أن يكونوا رقما مُهمّا في السياسة الدولية عبر الإمساك في خيوط لعبة الفوضى وبرمجة حراك أمراء الحروب داخل المستنقع الآسن.

وقد تأكد لكل من شاهد ما جرى للشهيد المصري حسن شحاتة ورفاقه من ترويع  وسحل وحرق وتمثيل، بأن الرئيس مُحمد مرسي هو قطعة شطرنجية تحرّكه أصابع الأمراء، ولربما فرس الرهان فيما يمكن تسميته مشروع (الفوضى الخلاّقة الخليجي) الذي ينأى بدويلاتهم بعيدا عن شبح (الإصلاح) ويضفي عليهم صفة  مهندسو التسويات وصُناع الحلول الوسط.

في الفيديو المرفق شاهد عيان يؤكد إشراف وزير الإعلام على الجريمة بنفسه، كيف يحصل ذلك ومؤسس حركة الإخوان المسلمين حسن البنّا..( الكردي الأصل والقومية) قد إنطلق (رحمه الله) من "البعد عن مواطن الخلاف".. وجعل هذه النقطة أولى خصائص الإنتماء لدعوته، بل "ميزة وعلامة فارقة تسمو بها على من عاصرها من دعوات، ويُعد من لايمارسها سلوكاً فقد انتحل صفة الإخوان وليس منهم بشئ". ولاندري عن أي (أخوة) وأي (مسلمين) يتحدث مرسي الذي جعل من وزارة الاعلام المصرية شعبة للإغتيالات، ومن وزير الاعلام ممدوح اسماعيل مشرفا مباشرا (على تنفيذ جريمة اغتيال مواطن مصري برئ مثل حسن شحاتة أفنى أجمل أيام شبابه في خدمة مصر وجيش مصر، يبث في أفراد قواتها المسلحة الروح المعنوية التي تليق بالفرسان، يشحذ الهمم  ويعمّر في النفوس منظومة القيم ).

أخيرا وليس آخراً، أن الشعب المصري يقول كلمته اليوم بوجه القتلة، ويثبت لمن يستهدفه، بأنه ليس بحاجة الى نظريات  "البطالة الجهادية"، فأحرار مصر في طليعة المجاهدين، لكن إرثهم الحضاري وعمقهم الإنساني لايسمح لهم سوى تبنّي الخيار الأفضل، التزاما بقول رسول الله (صلىّ الله عليه وآله):" أن أفضل الجهاد عند الله، كلمة حق عند سلطان جائر". ، ومع حال كهذا، تصبح المماطلة على الطريقة الأوردوغانية غير مجدية.. فلا أعتقد، أن كلمة (يوم) في عبارة (يوم الحشد الكبير) تعني في قاموس الغضب المصري الـ ( 24 ساعة) فقط.. بل تقال مجازاً للإعلان بأن الحاكم قد قامت قيامته.. وقد شهد التاريخ من أن شعب مصر" إذا قال فعل".



مقاطع منتقاة حول جريمة إغتيال الشيخ حسن شحاتة بإشراف مباشر من وزير الإعلام
http://www.youtube.com/watch?v=_WY7ApVsDRQ



46
وحوش العصر وثقافة نحر بني البشر في قرية حطلة
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
أن بناء الانسان هو جوهر الدين الإسلامي الحنيف وأما السلام فقد كان ولايزال عنوانه الأبرز، حيث جاء القرآن ليؤكد القيمة العليا للنفس الإنسانية في قوله تعالى (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)، فذلك ما أكّده الخطاب القرآني وأقرّه الإسلام كـ (قانون طبيعي للحياة) يرسم الطريقة التي يتبناها الإسلام تجاه بني البشر، بغض النظر عن الجنس واللون والدين والطائفة. وفي هذا المجال يقول الإمام علي (ع) : "الناس صنفان أما أخ لك في الدين أو نظيرُ لك في الخلق".
ألا أن الخطاب الأموي قد جاء فيما بعد ليجعل من القرآن والسُنّة وسيلة لتثبيت أركان السلطة أو "المُلكْ" كما سمّاه أبو سفيان في مشورته التي حثّ قومه فيها بالقول :" تلاقفوها، فوالذي يحلف به ابو سفيان لاجنة ولا نار إنما هو الملك "، فكان لهم ذلك، عن طريق سفك الدماء واستباحة القيم، وخير مايمكن أن نختزل به بشاعة السياسة الأموية في الكلمات المعدودة التي قالها الحجاج بن يوسف الثقفي : " أرى رؤوساً أينعت وحان قطافها". تلك العبارة التي يرددها أحفاد الأمويين اليوم على المنابر قولاً، وينتهجها أوغادهم سلوكاً ومسلكاً لإستعادة أمجاد الأسلاف.

فقد التئم شمل العصابات الارهابية وشذاذ الآفاق من كل مكان عاقدين العزم على اغتيال روح العصر في الشام والعراق بسيوف السلف الطالح ، يستمدّون عزمهم من صهيل الفتاوى الجامحة التي أطلق عنانها علماء السوء من أمثال القرضاوي والعرعور والعريفي لإهلاك الحرث والنسل بالسيارات المفخخة والأحزمة االناسفة  والعبوات اللاصقة والأسلحة الفتاكة تحت لواء ما يطلقون عليه بـ (الجهاد)، الذي يستنكره المخلصون من علماء الأمة من مختلف المذاهب، وكما أشار لذلك (خطيب المسجد الأقصى ) بالقول: " أن هذا الفعل التدميري لايمت الى الجهاد بصلة، وما هو إلا تخريبا وإرهاباً أعمى يستهدف حياة الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين ويصيب بشروره الصغار والكبار والشجر والحجر تحت ذريعة (إسقاط الحكومة)".


وحقيقة الأمر هي بالفعل كذلك، فقد رأى العالم أجمع من خلال المقاطع التي عرضتها وسائل الاعلام، مدى الوحشية التي تمثلت في سلوك المجاميع الإرهابية المتمرّدة على قوانين الأرض والسماء، وبالتحديد إحدى الشبكات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة التي تطلق على نفسها (جبهة النصرة) وما قامت به من أفعال شنيعة في ( قرية حطلة/ في ريف دير الزور)، تلك القرية الآمنة التي يعيش أهلها منذ زمن طويل بأمن وسلام دون تمييز طائفي، والبعيدة كل البُعد عما يجري من صراعات سياسية على أرض الشام. الى أن دخلها (خوارج العصر) لينشروا فيها الرعب والموت المجّاني الذي طال الأطفال والشيوخ والنساء.. ويشرعوا في إزهاق الأرواح على الهوية لأكثر من 60 نفس انسانية، بطرق تراوحت بين النحر بالسيوف والرمي بالرصاص الحي. وذلك ما أكدّه (أمير الشبكة الارهابية) علنا أمام عدسات الكاميرا وهو يزف البشرى لشيوخ الفتنة، مؤكدا لهم إصداره الأوامر لنحر أحد أئمة المساجد الشهيد السيد إبراهيم موسى الملا عيسى، محاطا بصرخات التكبير التي تطلقها حناجر التكفيريين من حوله.

لم يعد تمجيد هذه الأفعال المُشينة مقتصرا على الحلقات المحيطة بالمجاميع الإرهابية في مسرح الحدث أو على الفضائيات الصفراء الداعمة للإرهاب، بل ما يثير الدهشة ويدعو للقلق، انتقال فعاليات التكبير والتبجيل الى قلب الشارع العربي وسط العواصم والمدن الكبرى، وكما هو الحال مع التظاهرة الحاشدة التي نظّمّها المتطرّف الكويتي “شافي العجمي”،(المقرب من تنظيمات القاعدة في الخليج) في العاصمة الكويتية مخاطبا الجموع التي أحاطت به، بالقول (كما في الفيديو أسفل المقال): " ان المجاهدين من جبهة النصرة استطاعوا خلال الساعات الماضية ذبح السيد إبراهيم موسى الملا عيسى والذين خطفوه مع أولاده من قرية حطلة في ريف دير الزور فقط لأنه شيعي" (حسب تأكيد العجمي )، مضيفا بكل وقاحة وصلف :" المجاهدون ايضا قاموا بذبح الطفل الصغير ابن السيد إبراهيم".. ثم أصدر (شافي العجمي) تهديدا - أكثر وقاحة وصلفاَ - الى القرى الأخرى التي سمّاها بالإسم (نُبل والزهراء) واعدا أهالي القريتين بمجابهة ذات المصير قريبا.. وبعد أن أكدّ العجمي استعداده للذبح بيده، كشف أيضا وسط تكبيرات جموع الرعاع الناعقة خلفه.. "عن تجهيز 12 الف مقاتل سيذهبون للجهاد في سوريا الى جانب جبهة النصرة والجيش الحر".(حسب تعبيره في الفيديو المرفق).

أن هذا السلوك الوحشي والأفعال الاجرامية التي يقوم بعض رجال الدين من أمثال القرضاوي بمنحها (الشرعية الدينية) ويعطيها المتطرفون من أمثال شافي العجمي بُعدا أكبر، أي (الشرعية الشعبية) وسط صمت بعض الحكومات في المنطقة وتشجيع الأخرى..  ومن الطبيعي لهذه الأفعال (إن تُركت دون ردع ) أن تنتج إنفلاتا أمنيا في المنطقة يصعب التكهن بنتائجه، بل ومن المرجّح لهذه الظاهرة المرضية (ظاهرة النحر) أن تتفشى في أنحاء العالم لتتعدى بالنتيجة حدودها الشرق أوسطية، وبما يجعل ثقافة النحر سلوكاً عاديا في حياة الشباب.

فأن عُنصري الخير والشر موجودان في أعماق كل نفس بشرية ولايحتاج أمر توظيف أي من العنصرين سوى الإيقاظ المبرمج كالذي ينتهجه علماء السوء والفتنة من أمثال القرضاوي والعريفي وغيرهم. وعندما تخرج الأمور عن السيطرة سيكتوي بنيرانه الجميع وليس الشيعة وحدهم. فالمثال الإقليمي على ذلك: أن الإنقسامات قد دبّت من الآن في صفوف ما يسمى بـ (المعارضة السورية)،  أما المثال العالمي، فمن غير المستبعد لظاهرة النحر أن تغزو نفوس الشباب في أي مكان من العالم، بدليل ماحدث مؤخرا في لندن من ذبح للجندي البريطاني في وضح النهار على يد  النيجيري، (مايكل أديبولاجو)، الذي غيّر اسمه إلى (مجاهد) بعد اعتناقه الإسلام الأموي. ورغم أن الجيش البريطاني ليس جيشا عقائديا تقف العقيدة حافزا وراء تنفيذ الواجب من قبل أفراده، بل جيشا إحترافيا، ومع ذلك ظهر (القاتل مايكل) أمام وسائل الإعلام ، يده تقطر من دم ضحيته وهو في منتهى درجات التلذذ بالفعل دون أن يبدو عليه أي ندم أو تأنيب ضمير.. فالثقافة التي يعمل على تعميمها علماء التطرف والفتنة من أمثال القرضاوي وتجد استحسانا اليوم لدى البعض، أو إغفالا متعمدا لها، سيكتوى بنيرانها الجميع غداَ إن بقي الحال على ماهو عليه دون تحرك عالمي حقيقي لمكافحة ظاهرة النحر وثقافة القتل الأعمى.

مقطع شافي العجمي المقرّب من القاعدة يخطب في تظاهرة تحرض على الارهاب من قلب الكويت
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=l_C-Yhqbj50






47
الشهيدة مريم والقرضاوي، قصة لم تبتدأ فصولها بعد!
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
لقد أولى الإسلام إهتماماَ خاصاَ بالطفولة إنطلاقا من كونها تشكّل إمتدادا للأجيال الماضية وزينة الحياة الحاضرة وعَماد المستقبل. فقد أكّد على حقوق الطفل بدءً في تحريم الإجهاض وضمان حق الجنين في الوجود. ومن ثم التأكيد على وجوب إحاطة الولادات الجديدة بمظاهر التكريم والإحتفاء وإطلاق أحسن الأسماء في الوقت الذي جرت العادة عند العرب في الجاهلية على ممارسات جائرة بحق الطفولة (وأد البنات).  وقد أعطى للجانب الإقتصادي في حياة الطفل أهمية بارزة حيث خصّ الإسلام كافل اليتيم بالإشادة والبشرى في الوقت الذي توعّد من يأكل أموال الطفل اليتيم بالويل والثبور.. ولم يهمل الجانب الوجداني أيضاً، فقد تجلّى ذلك في منظومة الأنساق التربوية التي كان يعتمدها الرسول الأكرم (ص) في بناء شخصية الطفل وإشباع حاجته من المودّة والعطف والإهتمام والإنسجام : والأمثلة كثيرة على ذلك ألا أن المثال الأبهى المتعلّق بموضوع المقال، إعتلاء السِبط الصغير الحسين (ع) لظهر جدّه (ص) الذي كان ساجدا يؤدي شعيرة الصلاة، الأمر الذي أدّى بالرسول الأكرم الى إطالة السجود بشكل لم يكن معتاداً أثار فيما بعد تساؤل من كان حوله عن السبب؟.. فأجابهم (ص) قائلاً: (إن إبني ارتحلني فكرهت أن أعاجله حتى يقضي حاجته من الركوب).

لقد كان المكان في قصة الأسوة الحسنة مع السبط هو (المسجد) وكان الزمان (وقت الصلاة) وتلكم هي المشتركات الزمانية والمكانية بين ماسبق وبين قصة الطفلة الشهيدة مريم.. (مع التأكيد الى أننا نتناول المثال النبوي كشاخصٍ للدلالة على البُعد المكاني والزماني للحدث بعيدا عن القياس والمقارنة بين مكانة الشخوص في القصّتين) .. بل ما وددنا استخلاصه أن الطفولة في طُهرها ونقائها وبراءَتها وبما تشكّله من أهمية في ديمومة حياة الأمة هي بحد ذاتها محراب للعبادة، ولرعايتها من الأهمية في الإسلام ما يضاهي الأهمية التي يوليها الفرد المسلم لشعيرة الصلاة. وبالتالي فإن الحقائق المعنوية الوجدانية التي تنطوي عليها القصّتين هي التي تحثنا على اعتبار الشهيدة مريم رمزا للطفولة العراقية الذبيحة على مرأى ومسمع العالم أجمع.

كما لم ينفرد القرضاوي في سمسرة الإفتاء ليتصدّر اللائحة الشعبية للإرهاب، فهناك الكثير من علماء الفتنة، لكن ما ينفرد به هذا الرجل عمّن سواه هو التبجح بالقول ومن على موقعه الرسمي كما في الرابط أسفل المقال ("لولا الشيخ حمد لكنت في قائمة الإرهابيين، لقد أصر الأمريكيون على إدخالي في القائمة، فوقف الأمير بقوة وشجاعة وإصرار ضد إصرارهم، وأصبحت بعيدا عن تهمة الإرهاب، إن الله أكرمني بدولة قطر التي أفسحت لي الطريق، ولم يقف أمامي أي عائق في سبيل حرية القول").. أن قولا كهذا يستبطن الكثير من التحليل والتأويل، ألا أن ما لايختلف على فهمه إثنان، أن القرضاوي أراد بذلك إيصال رسالة للآخرين بأنه يمتلك حصانة دولية تًبيح له الإفتاء بما يشاء حتى وإن أدى ذلك الى جعل المساجد مسلخاً للطفولة كالذي حصل مع الشهيدة مريم، أو مجزرة للكهولة وكما هو حال فتواه في الشهيد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي.. بعبارة أخرى، أن مايصدر من فتاوى تدعو للقتل والتفخيح يمكن تبويبه ضمن "حرية الرأي".!

أن المظاهر السلوكية للإرهاب لاتختلف عن بعضها مهما اختلفت العناوين فالنزعة العدائية المتأصلة في النفوس تجاه الآخر والإستعداد الكامل للجنوح نحو استخدام أبشع طرق الإنتقام هي قواسم مشتركة بين هذه العناوين، سواءً كان العنوان وهابيا أو بعثيا صدّاميا أو قرضاويا.. فلم يكن إستخفاف الصداميون بالطفولة وليد اليوم فقد إستخدم النظام أطفال العراق درعاً للبقاء في السلطة لأكثر من عقد من الزمن رغم فقدانه الشرعية الدولية في القرار الأممي 661 عام 1990 ثم الشرعية الوطنية بعد الرفض الجماهيري في انتفاضة آذار الشعبانية 1991، ، ومع ذلك بقي البعث الصدّامي متشبثا في السلطة مستأنساً بهلاك نصف مليون طفل عراقي دفعوا ثمن ماقام به من حروب وغزوات. ومثلما فعل بالأمس، كذلك يفعل اليوم بمؤازرة الوهابية وعناوين الإرهاب الأخرى وفتاوى شيوخ الفتنة التي توفر له الغطاء الشرعي لقتل المدنيين الأبرياء والأطفال لإظهار الحكومة العراقية بمظهر العاجز عن حماية أرواح شعبها وبما يؤهل البعث الصدّامي لطرح نفسه بديلاً ضامنا للإستقرار. وقد بلغت نسبة الأطفال العراقيين نتيجة هذه المسالك الإرهابية الطامحة للسلطة أكثر من 8.1 % من مجموع ضحايا التفجيرات، كما بلغت نسبة الأيتام 16% من السكان حيث تجاوزت أعدادهم الخمس ملايين يتيم في العراق.

فالأمر ليس بالجديد على البعث الصدّامي، بل وليس بالغريب على القرضاوي أيضاً، فرغم ما للعلاقات الأسرية من أهمية في المجتمع الإسلامي، ألا أن تاريخ القرضاوي حافل في الإساءة لهذا النوع من العلاقات التي تُشكّل البنية الأساسية للمجتمع المسلم، وأبرز تلك الإساءات فتواه الشهيرة لأمير قطر الحالي (حمد) بجواز الإنقلاب على أبيه وإدخاله السجن، بذريعة أن الأب المخلوع يشجّع على الكفر عندما لم يعترض على وجود شخص شيوعي يترأس مجلة الدوحة الثقافية وقد عنى بذلك الناقد المصري رجاء النقاش.. وإذا كان القرضاوي قد أساء من قبل لمفهوم الأسرة التي تعد نواة المجتمع، فهو اليوم في إستهدافه للطفولة قد إستهدف القلب النابض في هذه النواة، أما الأنكى والأدهى يكمن في الخوف والرعب الذي يسعى القرضاوي جاهداَ لزرعه في نفوس الأطفال من كلمة (مسجد) حينما تتناهى الى أسماعهم يوماً (قصة الشهيدة مريم)، وهي طفلة في عمر الزهور قًطُعت كالأضاحي، ثم تلاشت ملامح أبيها تحت أكوام الرماد، عندما كانت تلهو على ظهر أب لها يُسمىّ (علي) وهو يؤدي شعيرة الصلاة ساجدا في بيت من بيوت الله إسمه (المسجد).   
ولكن أنىّ للقرضاوي ذلك، فحسابات الحقل غير حسابات البيدر.. إذ للسماء رأيا آخر!.. فهو القائل (تبارك وتعالى) "يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، هو الذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون" (33) سورة التوبة

رابط الحصانة الدولية التي يدّعيها القرضاوي
http://www.qaradawi.net/news/4854--qq.html


48
المبادرات الوطنية العراقية والأوراق الأخيرة للإرهاب!

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
تلوح في الافق ملامح ارتدادات عكسية لما كان يسمى بـ"الربيع العربي"، وبما يرجّح إحداث تغييرات في المعادلة السياسية، الأمر الذي قد يدفع بعض الأطراف التي لم تدخر فيما سبق، جهدا لتغذية الحرائق وإدارة آلة الخراب، الى تبني إطلاق دعوات التهدئة وإستجداء الحلول من الخارج.

فقد بات من غير الممكن للمجاميع الإرهابية السيطرة على سورية واتخاذ الشام (قاعدة) للانطلاق نحو إبتلاع بقية دول المنطقة، بالإضافة الى التذمر والغليان الشعبي المناهض للتيار الأردوغاني في تركيا اليوم، وذلك يشير بشكل أو بآخر الى تغيير محتمل جداً في بوصلة الأحداث.

 في المقابل وبصرف النظر عن الهيستريا التي رافقت الضربات الأخيرة للأبرياء العراقيين من قبل الإرهابيين الذين ألقوا بأوراقهم اليائسة والأخيرة على رؤوس المدنيين العزّل، بصرف النظر عن ذلك، فإن مبادرتي الصلاة الموحدة في ظلال نُصب الشهيد التي دعا لها السيد المالكي والإجتماع الرمزي الأخير للقادة السياسيين برعاية السيد الحكيم، شكّلاّ معاً اشارة بالغة الدلالة على أن مفاتيح الحلول يمكن لها أن تكون عراقية خالصة بعيدة عن التدخل الإقليمي والدولي، وبما يمكننا القول أيضاً، بأن العراقيين هم الأكثر مهارة في صناعة الحلول مقارنة مع حجم الأزمات السياسية والأمنية المصدّرة اليهم من الخارج.

لقد تزامنت العديد من المبادرات الوطنية التي عبّرت عن إدراك واع لحقيقة مايجري في العراق والمنطقة فقد جاءت مبادرة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي في إقامة (صلاة موحدة) تجمع السنة والشيعة والأكراد كخطوة إستباقية لإحباط المخططات الرامية لتمزيق النسيج الوطني العراقي وتأجيج الفتنة الطائفية في عموم البلاد. كما وتكلل هذا الملتقى الإيماني الوطني بمبادرة وطنية ثانية للسيد عمّار الحكيم، جاءت هي الأخرى لرأب الصدع وتجسير الفجوة بين الفرقاء السياسيين العراقيين. حيث يعد (الإجتماع الرمزي) بمثابة ورشة عمل وطنية لترتيب البيت العراقي وتوحيد الكلمة بوجه التحديات المحتملة وإبعاد العراق عن أخطار الحروب الأهلية والتقسيم، والتي يمكن لأي منّا، لمس بواكيرها في الخطاب الاعلامي والسياسي المتشنج لدعاة الفتنة ووسائل الإعلام الداعمة لهم.

ومع الحضور الفاعل لمعظم القيادات السياسية في البلاد وعلى اختلاف انتماءاتها الفكرية والدينية والمذهبية او العرقية ألا أننا شهدنا عزوف بعض الساسة عن المشاركة في هذا الجهد الوطني الهادف لإيجاد حلول للأزمات ومخرج من المخاطر المحدقة بالعراق من خلال ترجيح المصلحة الوطنية على ما سواها في هذا الظرف الخطير. ولربما يذهب البعض الى القول بحضور ممثلين عن كلّ من مقتدى والبارزاني و علاّوي وهو سلوك سياسي قد يبدو طبيعيا في الظروف العادية، لكنه لايرقى اليوم الى مستوى التحديات الجدية والصعبة لاسيما شبح الحرب الأهلية وخطر التقسيم، اللذان يتصدران قائمة التحديات المقترن حدوثها على أرض الواقع بـ (عجز قادة العراق عن حل مشاكلهم وتوحيد جهودهم الوطنية).

أن سياسة (أنا الأعلى) التي لازمت وتلازم بعض القيادات السياسية تمنع أصحابها من الإنخراط في العمل الجماعي والتفكير بروح الفريق السياسي الواحد، لذلك نرى بأن أحد القادة الجدد، لم يكتف بمقاطعة الإجتماع، بل دفعته تلك السياسة الى إرسال مجموعة ("توصيات ملزمة") للقادة الحضور.. فـ (الأنا السياسية) تقف من وراء الغرور الذي يؤدي بالسياسيين بشكل عام الى عبادة ذواتهم والتنكر لشمولية النظر نحوالأهداف والتحديات الوطنية والإنسانية.

أن دعوة السيد المالكي لإقامة الصلاة الوطنية الموحدة التي نتمنى إستمرارها في كل جمعة في ساحة نصب الشهيد، والإجتماع الرمزي الذي رعاه السيد الحكيم وتكلل بإحداث المصالحة بين رئيسي السلطتين التنفيذية والتشريعية، والذي نتمنى له أن يلتئم بشكل موسّع ودوري وإن كان في أماكن أخرى، فهذه الدعوات والمبادرات الوطنية تمنحنا الأمل في الرهان على وعي قادة العراق الجديد بتجاوز الفصل الأخير والأخطر من فصول المعركة مع الإرهاب.




49
الإرهاب في العراق.. الأسباب والى متى؟
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/كاليفورنيا
قبل الدخول في لُب الموضوع، أود الاشارة الى ماكنت قد كتبت مسبقاً من مقالات حول شراسة الإرهاب والحلول العملية لتجفيف منابعه وإضعاف هياكله، لذا يأتي الطرح في هذا المقال إستكمالا لما تم طرحه سلفاً، وهي أيضاً، حلقة من حلقات سلسلة فكرية نحاول من خلالها تسليط الضوء على العوامل المساعدة في ادامة الواقع الدموي الذي يتسبب به وجود المجاميع الارهابية على أرض العراق.

بالإضافة الى ماذكرنا فيما سبق من أسباب، فقد ألقى الحراك الجماهيري الأخير في مدن شمال بغداد بظلاله على الأمن الوطني العراقي، وقد وفرّت ساحات التظاهر والإعتصام ملاذات آمنة جديدة للمجاميع الإرهابية والخارجين عن القانون وأفراد "الدولة الاسلامية في العراق والشام (المزعومة)"، حيث باتت هذه الساحات مناطق جذب للإرهابيين من جميع دول المنطقة، بل وحاملي الجنسيات الأجنبية أيضاً، خاصة بعد تراجع أدوارهم في سورية التي دمّروا البنية التحتية فيها، ومع رؤوس الأموال الخليجية الآخذة في عبور الحدود العراقية نحو ساحات الاعتصام لكسب المزيد من المرتزقة ممن لادين لهم لنشر الرعب والقتل وتعطيل التنمية والبناء في العراق.

كما أن للخطاب السياسي الذي تتداوله بعض القوى المحسوبة على النظام الديمقراطي في العراق الجديد، قد أطال هو الآخر في عمر الإرهاب وأسهم في زيادة أنشطة الإرهابيين فالقائمة العراقية إذا ما إستثنينا الأطراف السياسية من حملة الحس الوطني التي نأت بنفسها عن هذه القائمة، فقد تمادى قادتها من شاكلة الإرهابي الهارب طارق الهاشمي وكذلك (علاوي والنجيفي) ووجوهها البارزة مثل العيساوي والعلواني، تمادوا في التنصل عن مسؤولياتهم عند كل إخفاق أو انتكاسة أمنية بالاكتفاء في الهروب الى الأمام والقاء اللوم على الحكومة العراقية والقوى الأمنية (زورا وبهتانا) دون الإلتفات الى الخدمات الجليلة التي يقدمّها هؤلاء القادة الى أكلة لحوم البشر (وكما أشرنا الى ذلك بالتفصيل في مقالات سابقة)، والهادفة الى عرقلة الخطوات الجادة التي تتخذها الحكومة العراقية بحق الإرهاب والإرهابيين، الأمر الذي يعكس عمق العلاقة بين البعث وهذه الوجوه الكالحة التي تدّعي تمثيل (سُنة العراق) والسُنة منهم براء.. وكما فعل أحمد العلواني الذي حرر يوم أمس بيانا طويلا عريضا من بيته ليرسله الى وسائل الإعلام، ينطوي على خيارين فقط، التقسيم التدريجي للعراق أو (خيار المواجهة المسلحة مع الحكومة العراقية)، وذلك تهديد علني وصريح من نائب في البرلمان العراقي يسعى الى جر العراق الى ماهي عليه سورية اليوم من أمن مفقود ودمار وخراب في البنية التحتية.

وفي الإتجاه الآخر، يُعد الخطاب الديني الموجّه من قبل علماء التكفير ومشايخ الارهاب بمثابة الغطاء الشرعي للأفعال الشيطانية التي تقوم بها المرتزقة، وبمنزلة جوازات السفر الممهورة بسمات الدخول الى جهنّم، فقد وصف الله تعالى أمثالهم بقوله: (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ..الزمر 24)،  خاصة مع السعي الحثيث من قبل هؤلاء لتجميل وتزيين أفعال القتل والتفجير والتدمير في فتاواهم الموجهة نحو المراهقين والعاطلين عن العمل ليقلدوهم الأحزمة الناسفة ويدخلوهم النار في الدنيا، وهم بالآخرة هم فيها خالدون.

ولم يقتصر الحال كما كان سائدا من قبل، فقد بدأت لعبة التطرف تستهوي الكثير من علماء الدين ممن كانوا والى أوقات قريبة مضت يُصّنفون في خانة العقلانية والإعتدال، وكما هو الشيخ عبد الملك السعدي مسبقاُ، وما آل اليه حاله فيما بعد، حين أبدى مؤخرا تأييده المطلق للميليشيات العشائرية المسلّحة التي شكلّتها بعض الشخصيات الخارجة عن القانون شمال بغداد وغرب العراق لتعطيل دور القوى الأمنية والقوات المسلّحة العراقية بل ومواجهتها إن تطلّب الأمر ذلك (حسب فتوى السعدي).

 أما الصنف الثالث من علماء السوء الذين وكما وصفهم الرسول الأكرم (ص)" الساكت عن الحق شيطان أخرس"..  وهم أولئك الساكتون عن الحق ولاينطقون بكلمة تجاه ما يحصل خشية على مصالحهم ومنافعهم، فلا يؤيدون حقا ولا يشجبون باطلاً وكأن أنهار الدماء الجارية في العراق والمنطقة لاتعنيهم من قريب أو بعيد.. وهذا النسق التخاذلي من رجال الدين هو الآخر إبتكارا أمويا ساهم معاوية وابنه يزيد (عليهما اللعنة) في ايجاده، عندما أصبح هناك من يقول دون تردد أو خجل "الصلاةُ خلفَ عليًّ أتمْ والطعامُ مع معاويةِ أدسمْ والجلوس فوق التلّ أسلمْ".

ومما هو جدير بالإشارة، ومن خلال متابعتنا للقنوات الداعمة للإرهاب، إستنتجنا مثلما يستنتج أي متابع لتفاصيل الخطاب الاعلامي المسموم لهذه الفضائيات، بأن مايحدث من حرائق هائلة في المناطق التجارية بين الحين والآخر مثل (أسواق جميلة/ أسواق الشورجة والأسواق والمخازن الكبرى في بغداد والمحافظات) ليست ناشئة عن تماس كهربائي كما هو الإعتقاد السائد أو مايعلن عنه عادة في وسائل الإعلام، أنما في الحقيقة هي أفعال إرهابية ممنهجة تستهدف (هوية) طبقة عراقية بعينها تشترك مع غيرها في تحريك عمليات التبادل التجاري داخل الإقتصاد العراقي وبالتالي فالهدف غير مقتصرعلى السعي لإفقارها وتعريضها للإفلاس إنما خلق فجوة عميقة من عدم الثقة بين الحكومة العراقية وتلك الطبقة المستهدفة بهذا الفعل المبيّت والمدروس. ولاشك بأن أمراً كهذا ينعكس سلبيا على مجمل فعاليات الاقتصاد العراقي، مما يتطلّب اجراءات أمنية خاصة كفيلة بحماية الاقتصاد العراقي ومممتلكات المواطنين.

ومع أن المحاولات اليائسة للحلف البعثوصداّمي/الإرهابي السلفي لإستعادة سلطانهما في العراق لاتعدو عن كونها (عَشَمْ ابْليسَ فِى الْجَنَّة)، ألا أن التراخي مع هذا الحلف الشرّير وعدم ضربه بيد من حديد يمنحه المزيد من الفرص لمحاربة العراقيين بأرزاقهم وأعناقهم بواسطة الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة وإضرام الحرائق الكبرى.

50
بنو أمية والجذور التاريخية للإرهاب
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
أن للجريمة جذور موغلة في القدم ابتدأت منذ قتل قابيل لأخيه هابيل والى اليوم، وما بين هذا وذاك حدثت الجرائم تباعا حتى ظهرت أقوام تفننت في القتل الذي لم يسلم منه حتى الأنبياء، ألا أن الباعث على الجرائم فيما سبق إتخذ طابعا جنائيا على الأغلب، ولم يأخذ طابعا سياسيا كالذي حصل في عهد الأمويين في صدر الإسلام وفي ذلك يقول الرسول الأكرم (ص): ..("ما أوذي نبي مثلما أوذيت")، ولاشكّ بأن الأذى الذي كان يقصده النبي (ص) هو الأذى الذي لحق به و ذريته على يد الشجرة الملعونة في القرآن (بنو أمية) كما يصفهم القرآن عن لسان الرسول الأكرم وعن طريق أم المؤمنين، أو بنو الزرقاء كما سمّاهم المؤرخون ومشاهير الكتّاب، فقد وصفهم سعيد بن جهمان بـ (بنو الزرقاء)، مثلما وصف الخوارج بـ (الأزارقة)، وهذان الفريقان هما أصل الإرهاب في التاريخ.

بنو الزرقاء الذين جمعوا بين البغي والبغاء.. وكما أشار الى ذلك الكاتب المصري الشهير (أسامة أنور عكاشة) في مقاله الجرئ "لاغرابة أن نرى الدماء تلّون كل أوراق تاريخنا".. حيث يشير فيه الى أن الزرقاء بنت وهب، هي من البغايا وذوات الاعلام والرايات ايام الجاهلية وتلقب بالزرقاء لشدة سوادها المائل للزرقة وكانت اقل البغايا اجرة، ويعرف بنوها ب (بني الزرقاء) وهي زوجة ابي العاص بن امية، ام الحكم بن ابي العاص(طرده الرسول من المدينة).“.

لقد حارب بنو الزرقاء: أي (بنو أمية)، وعلى رأسهم شيخ البغايا أبو سفيان، حاربو الرسول الأكرم بما استطاعوا من قوة للإبقاء على نفوذهم التجاري والإجتماعي كونه ينظر الى إستحالة توحيد الآلهة (اللاّت والعزى وغيرهما) في إله واحد، فهؤلاء (الآلهة) هم آلهة "عبادة وتجارة وسلطة ".. كما أشار أبو سفيان الى ذلك في حديثه الى عمار بن ياسر (ع) في بداية الدعوة حينما كان يعذبّه على مرأى ومسمع (آكلة الأكباد) هند بنت عتبة التي اشتهرت وكما يصفها (أسامة أنور عكاشة) بالبغاء السري.. هند التي يتراءى الى الأذهان موقفها الشنيع بتقطيعها كبد سيدنا الحمزة (ع) بأسنانها الصفراء، تماما كما فعل أفراد ما يسمى بـ (جبهة النصرة ولواء شهداء اليرموك) بجسد جندي سوري فتحوا صدره وهو حي، إقتلعوا قلبه ليقطعوه بأسنانهم.. المشهد الذي استنكرته الأمم المتحدة والذي لايمكن أن تجد له مثيلا في التاريخ سوى مافعلته شيخة البغاء السري، فهؤلاء الأحفاد من تلك الجدّة.. شرُّ خلَفٍ منحرف جانح لأشرُّ سلفِ تعسِ طالح.

مما لاشك فيه بأن جدة (أوباش جيش النصرة) قد ولدت (خال المؤمنين) معاوية فيما بعد، لكن مما لم يتم التأكد منه، إن كان معاوية بالفعل هو إبنا لأبي سفيان أم أن الحال كما ذكر الكاتب عكاشة وفقا لمصادر تاريخية موثوقة حيث يقول "أن معاوية بن هند يعزى الى أربعة نفر غير أبي سفيان".. وذلك ما يرجحه كل ذي عقل عندما يعلم بأن معاوية قد قتل خير أهل زمانه سواء بالسُم عندما قتل الإمام الحسن بن علي (ع)، وقتل عمّار بن ياسر، وحِجر الخير بن عدي، وحرق محمد بن أبي بكر النقي حيّا بعد أن وضعه في جوف حمار وكما ذكر (النووي/الهيثمي/ الطبراني).. وثنّى الجريمة بأخته أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول الأكرم (ص)،عندما أصدر أمرا مباشرا منه لجلاوزته بنصب فخ لها ودفعها الى حفرة عميقة مع حمار كانت تمتطيه لتلقى حتفها في تلك الحفرة...  وقد أثبتت عصابات الجيش الحر وجبهة النصرة ولائهما للجدة فقد أثبتوا ذات الولاء والوفاء الى خالهم أبا يزيد (عليهم وعلى خالهم اللعنة) عندما
نبشوا قبر الصحابي حِجر بن عدي (ع) ووصفه بالمرتد في البيان الذي أصدروه بعد فعلتهم النكراء التي تعد سابقة خطيرة في التاريخ الإنساني.. وبالمناسبة أن ما ذكرته من لعن لمعاوية ماهو إلا تأسياً بالرسول الأكرم الذي وفي احدى سفراته (ص) سبق وأن لعن معاوية مع عمرو بن العاص عندما كانا يتغنيان معا كالغجر إستهزاءً بالآخرين من أقرانهم في السفر، وكما ذكر أحمد في مسنده /الهيثمي في مجمع الزوائد.

بعد أن وطّد (خال الفاسقين) معاوية حكمه العضوض بإنقلاب دموي على الإسلام بنى دولته على طراز الدولة البيزنطية في طريقة الحُكم وأبّهة الملوك حيث العرش ومقصورة الملك داخل المساجد بعد أن ألغى نظام مجلس الشورى وعَهِد لإبنه يزيد بولاية العهد.. يزيد وما أدراك ما يزيد؟.. الذي يصفه المؤرخون ومنهم الذهبي/ابن حزم، بأنه كان "ينكح الأمهات والبنات والأخوات في آن واحد".. على شريعة اللاّت والعزّى.. ولم يكتف هذا الإرهابي اللعين بطلب البيعة من أهل المدينة بل طالبهم بـ (بيعة العبيد)، أي يبايعونه على أنهم عبيدا رقا أقنانا يمتلك يزيد كامل الحق بالتصرف في أملاكهم وحرياتهم وأرواحهم وأعراضهم، ولاننسى ضربه لأقدس مقدّسات المسلمين (الكعبة المشرّفة) بالمنجنيق.. أما ما عمله بأهل بيت النبوة (ع) فذلك ما لايتسع له مقام لشرحه، وما الأنفال التي قادها حفيده صدام ضد أكراد العراق إلا نزرا يسيرا مما فعل جدّه يزيد في "أنفاله" ضد أهل البيت، فلم ينجو من شرّه حتى الطفل الرضيع.. وأن من أحفاد بنو الزرقاء، الزرقاوي و بن لادن اللعين وتشكيلاتهما الإرهابية التي تعيث في الأرض فسادا وكالذي  تفعله جبهة النصرة وشقيقاتها اليوم في أرض الشام والعراق والمتحركة وفقا لفتاوى علماء البترودولار المحفزة على القتل والتفخيخ وهدم دور العبادة وانتهاك الأعراض..

 الإرهابيون أجدادا وأحفادا لادين لهم، كُفار بكل القيم الوضعية والسماوية، فلا نملك سوى أن نقول كما قال الله (جل وعلا) في كتابه "أليس في جهنّم مثوى للكافرين".. (الزبر 32).

قصة حقيقة، عائلة شيعية في الجنوب تحتضن طفل كُردي نجى من حفلة إعدام جماعي
http://al-nnas.com/ARTICLE/is/25taymor.htm
المقال الذي سبب أزمــــة في مصر للمؤلف أسامة عكاشة
http://thenewiraq.com/?p=333




51
صناعة الموت في العراق والمنطقة يقودها الشواذ (فيديو مرفق)
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

 لقد بلغت القباحة والشناعة أقصاها عندما قام الإرهابيون بفعل يستهجنه العقل السوي والفطرة السليمة تمثل في نبش القبور والعبث بمراقد الأولياء بل وسرقة جثامينهم الى أماكن مجهولة!! ، حيث (حِجر الخير) حجر بن عدي الكندي (رض)، الأمير الزاهد، الفقير العابد والجندي القائد.. فليس بمقدور أحد من المسلمين أن يجرؤ على هذا الفعل الشنيع لو لم يكن تلميذا يستقي أفكاره ويتلقى فتاواه من علماء الفساد والإفساد من صنف العريفي والعرعور والقرضاوي والدمشقية وغيرهم من الموبوئين.

أن الرغبة العميقة لإهلاك الحرث والنسل قد تعاظمت في نفوس الأشرار وبشكل لم يسبق له مثيل، فقد تجرّد هذا الصنف من بني البشر الذي يعد بشكل أو بآخر سيد الموقف اليوم، تنصّل وتجرّد عن كل مايمت الى الإنسان والإنسانية بصلة، ومما يؤسف له غياب صوت المنظمات الانسانية ومنظمة اليونسكو عن الإساءة التي تعرّض لها التراث الإنساني على يد الإرهابيين في سورية.

كما ان بعض من يطلقون على أنفسهم بـ(العلماء و المشايخ) أخذوا على عاتقهم تفصيل الفتاوى العنصرية والطائفية وتصميم التخريجات الشرعية وفقا لمقاسات المخططات والأفعال الإرهابية، وقد إحتل هذا النوع من العلماء موقع الصدارة في وسائل الإعلام والمجالس الخاصة لأصحاب الجلالة والسمو، الى الدرجة التي بات متعذرا على علماء الوسطية والإعتدال ممارسة أدوارهم التربوية والتنويرية في المجتمع بعد أن أصبحوا في فوهة المدفع عرضة للقتل والإغتيال نتيجة فتاوى هي الأخرى صادرة عن علماء الذهب الأسود وعبدة البترودولار، وكالذي حصل مع المفكر الاسلامي والعالم الجليل محمد سعيد رمضان البوطي (رحمه الله).

أن ماتطرقنا له يعد خطرا عظيما ألا أن الأخطر منه هو اليأس من عملية الإصلاح الفكري والإستسلام لهذا الواقع المر الذي أسهمت التراكمات التاريخية في ايجاده ونشّطت قوى الضلال في العالم وجوده.. فلابد من بقاء جذوة الأمل متقدة في نفوس الخيريين ليتمكنوا من غرس فسائل الخير في النفوس الخربة التي أسهمت الظروف والعوامل أعلاه في إفسادها، ولابد أن يسبق الغرس، إصلاح وتهيئة الأرضية المناسبة للنمو.. لاشك أن ذلك يتطلب مواقف جادة مناهضة لفتاوى القتل والدمار التي يصدرها علماء التكفير. من جانب آخر أن لمؤسسات المجتمع المدني والمراكز الإعلامية والتربوية الدور الأكبر في الإسهام ببلورة رأي عام شعبي ينبذ الفكر التكفيري ويسعى الى تحصين ساحة الطفولة والشباب من هذه الأفكار الشاذة والسلوكيات المنحرفة لأمراء الحرب وشيوخ الفكر التكفيري.

أن من ينظر الى ماجاء في الفيديو المرفق في أدناه، ورغم ماتخلله من مشاهد هي أقرب للكوميديا ألا أن المشاهد يدرك بوضوح مستوى الإنحطاط الفكري والإخلاقي الذي وصل اليه علماء التكفير وقادة حملات التجهيل والتضليل التي تستهدف فئات عمرية بعينها (الطفولة والشباب) للزج بها في مستنقع الإنحراف الإخلاقي كمرحلة أولى تسبق التأهيل التام لإصدار الفتاوى التكفيرية فيما بعد، رغم عدم صلاحيتهم لذلك كونهم فاسدين مقدما وكما أشرنا في مقال سابق بعنوان (فساد العـَالـِم، فســَادَ العَالــَم.. القرضاوي إنموذجاً).. وليس القصد هنا الإنتقاص من أحد بعينه أو شخصنة الموضوع مثلما تقتضي المسؤولية الاخلاقية الإسهام في تشخيص الأسباب الكامنة خلف العلل التي تسببت في خلق التطرف والإرهاب المدعوم من قوى شيطانية تسعى حثيثا لغرسه وإلصاقه بشخصية الفرد المسلم وجعله جزءاً أساسيا منها، فلا بد من الجهود الوطنية والإسلامية توحيد الصف لتكون يدا واحدة بوجه خوارج العصر وإيقاف السلوكيات المنحرفة الهادفة الى فصل الجذور وشيطنة المبادئ والقيم.

فيديو صُنّاع الموت في العراق والمنطقة

http://www.youtube.com/watch?v=CPN--LM4Bh8

52
حكومة الأغلبية السياسية والدور السلبي للمحاصصة
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

لقد شهد العراق الجديد في العشرين من نيسان عام 2013 زحف جماهيري يعكس حُرص العراقيين على نمو واستمرار التجربة الديمقراطية، وقد جاءت الرياح الجماهيرية يوم أمس بما لاتشتهي سُفن البعث المنهار وفصائل الإرهاب المقيت، خاصة وأن انتخابات مجالس المحافظات وبما تمتلك من أهمية مناطقية ألا أنها تأتي أيضا في اطار التمهيد للإنتخابات البرلمانية القادمة.

أن تأمين الساحة الانتخابية من قبل المؤسسة الأمنية بشكل بارع الى جانب الجهود التحضيرية للمفوضية العليا للإنتخابات أيضا، كانا قد أسهما معا في معاضدة الإصرار الشعبي على انجاح انتخابات مجالس المحافظات موجهين بذلك صفعة قوية في وجه البعث الصدّامي وجحافل الارهاب. لذلك ليس مستغربا من وسائل اعلام القوى الظلامية التي فشلت في ايقاف زحف الجماهير نحو صناديق الاقتراع أن تسعى لتقزيم  المنجز الانتخابي وتعويض فشلها من خلال الطعن بنتائج الانتخابات وإطلاق التهم الباطلة للأجهزة الأمنية والزعم في تسبب هذه الأجهزة بإعاقة وصول المواطنين الى المراكز الانتخابية، ولربما، الاستخفاف أيضا، في جُهد المفوضية العليا للإنتخابات، بزعم وجود خلل كبير في السجل الانتخابي.. وقد لا يُردّّد أعوان البعث وحدهم ذلك، فلربما يردّدُها أيضا بعض الأحزاب التي تراجعت حظوظها الانتخابية في الشارع العراقي. مع ذلك فإن إقرار الأمم المتحدة على لسان ممثلها (مارتن كوبلر) بنجاح الانتخابات العراقية لمجالس المحافظات، وكذلك شهادة المؤسسات الدولية المستقلة التي تعتمد المعايير الدولية في التقييم، يدعونا جميعا للتفاؤل بمستوى المنجز واستقامة المسار.

هناك أهمية أخرى تنطوي عليها الانتخابات المحلية تجعلها في مستوى الكلفة والجهد المبذولَين ؛ فهي عادة ما تستبطن الأضواءً الكاشفة القادرة على رسم الملامح الاساسية التي من الممكن أن تكون عليها نتائج الانتخابات البرلمانية للبلاد مستقبلا، وحَريُّ بالجهود والتكاليف المبذولة في كلتا المناسبتين من قبل الدولة والمجتمع أن تفرز حكومات قادرة على النهوض بالبلاد الى مستوى الطموح الجماهيري. هنا يمكننا القول من خلال التجربة الماضية بأن تحقيق مثل هذا الأمر: أي (النهوض بالعراق) قد يبدو صعب المنال مع الاستمرار في اعتماد معيار المحاصصة الذي يسهم في تشتيت القرار الحكومي الصحيح وتغييب المعارضة البرلمانية الحقيقية القادرة على النصح والتسديد، فقد أدىّ هذا المعيار القائم على التراضي في إختيار الحكومات الى إنتاج قرار حكومي رسمي مشلول لايرقى الى مستوى الطموحات الشعبية والتطورات الخارجية إقليمياً ودولياً.

ربما كان هناك مايبرر اللجوء لهذا المبدأ التوافقي في العقد الأول من تاريخ التجربة السياسية الحديثة في العراق: أي السنين العشرة الماضية، ألا أن الإستمرار به لم يعد يجدي نفعا، فقد أدى الإستغراق في إعتماده طول هذه الفترة الى التنافر بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكل لم تشهده التجارب المماثلة من قبل، ناهيك عما نتج عنه من تكريس للفساد الاداري في القطّاع الحكومي سواءً المتعلق منه في إقصاء الكفاءات وإجتياح غير الكفوئيين للمواقع الادارية والسياسية والأمنية في الدولة العراقية، أو الآخر المتعلّق في تعطيل المساءلة القانونية بحق المفسدين (من أين لك هذا؟)، نتيجة الغطاء السياسي الذي توفره المحاصصة للمفسدين والفاسدين.. ومن جانب آخر المتعلق في تجذير الهوية الطائفية والعرقية السياسية واتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع نتيجة غياب الطابع الوطني والإنساني ومعيار الكفاءة عن عملية بناء الدولة العراقية الحديثة.

 ما نراه اليوم نتيجة المحاصصة حكومة قصيرة اليد يتجاذب قرارها الوطني قوى اتصفت بالسلوك المزدوج في عملية ممارسة صنع القرار وفي المعارضة في آن واحد، وعلى شاكلة التيار الصدري، فرغم وجود قوى أخرى تشاطره الإزدواجية، ألا أن الدور السلبي للتيار الذي رغم امتلاكه ستة وزارات حكومية لكنه الأكثر تغريدا خارج السرب الديمقراطي في العراق الجديـد.
ويمكن القول بأن نتائج المحاصصة هي بالضبط مايبحث عنها البعث الصدامي وتنظيم القاعدة، حيث النتائج المتوافقة مع التكتيك المتبع من قبلهم لادامة وجود حواضنهم السياسية والمجتمعية، وستراتيجيتهم الهادفة الى منع قيام دولة حديثة في العراق. لذلك فإن الممارسات الانتخابية لن تكون تامة الجدوى ، بل قد لاتأتي أكلها دون إعتماد نتائجها معيارا في اختيار الحكومة، : أي أن ينتج عنها تشكيل حكومة أغلبية سياسية تكون مؤهلة لتلافي أخطاء الماضي، ساعية لتحقيق الحد المعقول من التنمية والتضامن الوطني.. في ذات الوقت، يقابل هذه الحكومة،(معارضة برلمانية) تتمتع بالموضوعية في مهامها الرقابية، والجدية في سعيها للفصل المتوازن بين السلطات.


53
المواجهة بين الديمقراطية والإرهاب في العراق، الى أين؟
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

في نظرة فاحصة لخفايا المزايدات الإنتخابية وتفاصيل الدعاية المرادفة لها في الموسم الانتخابي الجاري على الساحة السياسية العراقية اليوم، نجد أن ازدواجية الخطاب الاعلامي هو العامل المشترك بين أطراف الحراك السياسي والفصائل الحزبية الطامحة للفوز بالإنتخابات (إلاّ ما ندر)، وبما ينتج عنه، خلق فجوة كبيرة بين حقيقة الشعار المرفوع وواقع التطبيق الفعلي الذي يؤكد العلاقة المفقودة بين القول والفعل، وبما ينعكس في النتيجة على العلاقة بين الأحزاب والجماهير ويمتد فيما بعد الى العلاقة بين الأحزاب بعضها البعض أيضا، ناهيك عما لذلك من تداعيات على الوضع الأمني في البلاد واحتمالية تراجع قيمة التجربة الديمقراطية في أذهان الجماهير.

فأن الوعود الانتخابية التي لم تجد طريقها الى التنفيذ في الدورات السابقة يعاد تكرارها اليوم على أسماع المواطنين من قبل معظم الأطراف السياسية وعن طريق نفس الوجوه على الأعم الأغلب. وذلك بالطبع يعكس افتقار تلك الأحزاب لآليات عمل واضحة تسهم في ادامة العلاقة مع الجماهير، وكمحصّلة لذلك يكون من الطبيعي للنسيج السياسي الهش والمتفكك أن يكون العنوان الأبرز للمرحلة في ظل عدم اتقان هذه الأحزاب لطرق تنمية علاقات بعضها بالبعض الآخر من جهة، وعلاقتها بالجماهير العراقية من جهة أخرى.. وبالتالي يصبح معه الواقع الأمني اليوم هو تحصيل حاصل لتلك العلاقات المتفككة التي تعجز القوى السياسية عن ترميمها وتقوية وشائجها وتوحيد ثوابتها الوطنية.

وقد يعزو البعض ما يجري اليوم من تناقضات على الساحة السياسية العراقية الى عدم وجود ضوابط قانونية واضحة تحدد حركة واتجاه الفعاليات الحزبية وترسم الخطوط العامة للعلاقات المفترضة فيما بين الأحزاب، وتـُسهِم أيضا، في ابراز الثوابت الوطنية التي يُعتبر تجاوزها من قبل تلك الأحزاب خطاًّ أحمراً.. بلا شكّ، أن عدم وجود قانون للأحزاب قادر على تحقيق الحد الأدنى من الوئام والإنسجام في العمل السياسي له الأثر الأكبر في التسبب في ايجاد الفوضى السياسية والإنعكاسات السلبية الأمنية في معظم الأحيان. ألا أن وجود القانون وحده لايكفي لضمان تحقق الحالة السياسية المثلى دون سعي تلك الأطراف ذاتها لإنضاج تجربة أعضاءها والإرتقاء بمستوى الوعي السياسي والاداري لمرشحيها وفق برامج معدة مسبقا لهذا الغرض يعكس حرصها على ادامة التجربة الديمقراطية وترسيخ مفرداتها في أذهان الجماهير العراقية. فما يجري اليوم، وللأسف لايعكس مثل هذا الحرص، خاصة مع ترشيح هذه القوى السياسية لشخصيات مرشحة لصناعة القرار المحلي والوطني في الوقت الذي يعاني معظمهم من ضبابية الرؤية السياسية إن لم نقـُل عدم إمتلاكهم رؤية واضحة المعالم لمستقبل المحافظة التي تم ترشيحهم من خلالها، ناهيك عن غياب الرؤية الأشمل لديهم عن مستقبل البلاد ككل.

لاشك أن نتائج الأداء السياسي والاداري والأمني تتبادل التأثير فيما بين بعضها البعض وبما لايمكن فصل أحدهما عن الآخر، حيث أثبتت التجارب وجود (علاقة طردية) بين الخلافات السياسية للأحزاب العراقية وبين الإختلالات الأمنية، وتبرز تلك العلاقة الطردية الى السطح بشكل أوضح في الأوقات التي يشوب العلاقة بين الحكومة المركزية ورئاسة اقليم كردستان العراق شيئا من التوتر. ومما لايعد خافيا ان المجاميع الارهابية تحاول استغلال الخلافات بين القوى السياسية وتعميم حالة الفوضى في كل الاتجاهات. ولم يقتصر اللعب من قبل تلك المجاميع على موسم الخلافات والاختلافات وحجم التنافر السياسي بين الأحزاب وحسب، بل أن مصدّري الارهاب يراهنون أيضا على عزوف القوى السياسية نفسها عن تطوير آليات عملها والإرتقاء بمستويات الوعي السياسي والإداري لأعضائها والذي يخلق بالنتيجة تخبّطا يتسبب في عزوف مقابل أيضا، من قبل الجماهير للممارسات الديمقراطية عندما تصبح الممارسات روتينية بحتة، لاتدفع شرا ولا تجلب لها من الخير شيئا، وقد ثبت ذلك للعراقيين في تراجع نسبة المشاركة بالانتخابات.

ومثلما نحن بحاجة الى منظومة من التشريعات والقوانين التي تضبط وتوجّه الأداء الحزبي (قانون الأحزاب)، ففي ذات الوقت نحن أحوج أيضا، الى مستوى من الوعي يؤهل القوى السياسية العراقية لمواكبة المنظومة القانونية والتشريعية المراد سنـّها، ورفد الساحة بالشخصيات القادرة على تطبيقها عن قناعة وإيمان عميق بضرورة كونها شرطا أساسيا لهزيمة الإرهاب وإدامة التجربة الديمقراطية في العراق.

 

54
الإرهابْ يَنمو.. وَقفوهمْ أنهم مسئولونْ
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
كما هو حال الكثير من المفاهيم التي غادرت مضامينها وبقيت تحتفظ بالقشور، كذلك مصطلح ((المسؤول)) الذي أصبح هو الآخر عائما بعد أن ابتعد عن شروط ((المسؤولية)) الى الإتجاه الفوضوي الذي لايفرض أي التزام إخلاقي أو أمانة وظيفية على من يتقلّدها، خاصة بعد أن أصبحت النظرة السائدة للمسؤولية اليوم هي نظرة ((تشريف وإستثمار نفعي)) وليس تكليفا وأمانة وعطاءً. وكما ذكرت من قبل في مقال لي سابق جاء بعنوان "شتان بين الإسلام والمسلمين"، فالفرق اليوم أيضا يتضخ جليا ما بين (المسؤول والمسؤولية) و شتّان فيما بينهما، سواء كان ذلك على المستوى الفردي والإجتماعي أو على المستوى الرسمي على حد سواء.

رغم ما أنتجه الفكر الإسلامي من كنوز تشكل معينا صافيا من الممكن أن تنهل منه الأجيال وتتعلق به الآمال ألا أن الدخلاء على هذا الفكر كانوا قد أدخلوا عليه نظريات لم يُنزّلُ الله بها من سلطان، وقد تبنىّ وعّاظ السلاطين وعلماء الذهب الأسود مهمة الترويج لها في أوساط الشباب المسلم ومن تلك الأفكار المسمومة "السلفية الجهادية" (الإرهاب المقيت)، التي لاتؤمن بالحكمة والموعظة الحسنة كسبيل للدعوة والتغيير وانما تعتبر (الجهاد الحربي) هو المنهج الأوحد لإحداث التغيير على كافة المستويات؛ الأمر الذي أنتج ما نراه اليوم من حركات تتبنى العنف والقتل الجماعي للشيوخ والأطفال والنساء في العراق، بل تجاوز الأمر ذلك وكما جاء في فتوى (القرضاوي) التي أجاز فيها لمنظمة (القاعدة/جبهة النصرة) قتل جميع من لايتصدى لحُكم نظام الأسد في سورية حتى وإن كان عالماً، تلك الفتوى التي ذهب ضحيتها الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (رضوان الله عليه) رغم أنه داعية سلام يدعو الى الوسطية وعدم تدمير الوطن.

أن الفرد المسلم على الأعم الأغلب اليوم قد وَضعَ كلّ البيض في سلّة دعاة العنف والتطرّف (علماء الذهب الأسود) الذين تمكنوا من إجراء عمليات غسيل الأدمغة للشباب المسلم وبما يجعل منهم قنابل موقوتة في الأماكن التي يتواجدون فيها أو (يشدّون لها الرحال) مستقبلا. ولاشك أن المسؤولية الفردية التي تتجسد في قوله تعالى: ("وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ")، نعم أنهم مسؤولون، المسؤولية التي تحتم على المسلم توسيع مدارك العقل من خلال التفكر والتدبر والإطلاع على الجانب الإيجابي من التراث وعدم الإستسلام لخزعبلات علماء السوء ومحاولاتهم لتحريف المعاني والدلالات وتعطيل الطاقات الإدراكية للفرد والمجتمع والتفكير بالنيابة عنه تحقيقا لهدف قد أعلن من قبلهم مسبقا يتلخص في عسكرة الدين في الإتجاه الذي يخدم مصالحهم الدنيوية والأجندة السياسية لأمراء الذهب الأسود. وقد تناولت ذلك في مقال لي سابق بعنوان (فساد العـَالـِم، فســَادَ العَالــَم.. القرضاوي إنموذجاً).. الرابط أسفل المقال

أن تغييب الوعي وتلاشي الشعور بالمسؤولية على المستوى الفردي الذي تسبب به مصادرة علماء التطرف لخيارات الفرد المسلم وسعيهم الدؤوب لتنويم قدراته العقلية التي يستطيع من خلالها ادراك حقائق المعاني وفحوى المفاهيم ومقاصدها الحقيقية، أنتج بيئة صالحة لنمو الإرهاب الذي اتخذ طابعا سياسيا بطبيعة الحال كان قد وضع في سلّم أولوياته مهمة إختراق وتمزيق المنظومة الأمنية لتحقيق مآرب سياسية في البلدان المستهدفة. وفي العراق على وجه الخصوص إن وجود تدّني كبير في مستوى الشعور بالمسؤولية على المستوى الرسمي جعل الطريق سالكا بوجه الخطر الإرهابي الزاحف في كل الإتجاهات.. فـقد نشأت فجوة كبيرة أيضا مع ما يصطلح عليه بـ (المسؤول الرسمي) وبين شروط وجوده ضمن إطار مسؤولياته الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى الأداء والعطاء. فقد نشأت مفاهيم جديدة ومنها المحاصصة والإفراط في التحزب السياسي أسهمت في إناطة مهام (المسؤولية) بمن هبّ ودب وبشكل لم تؤخذ فيه الخبرة والكفاءة والنزاهة بنظر الإعتبار وبما جعل من المسؤول الحكومي (فزّاعة حقل) في معظم مواقع السلطة.

أخيرا وليس آخراُ، أن مصادرة وعي الفرد المسلم من قبل علماء البلاط وإقصائه عن الكيان الإنساني قد تماهى مع مصادرة مماثلة من قبل الأحزاب والتيارات السياسية لخيارات المسؤول الحكومي المفتقر في معظم الأحيان لشروط المسؤولية، وفي ظل عدم إدراك الحدود الدنيا من المسؤولية الفردية المتعلقة بالمواطن والمسؤولية الوطنية الملازمة لمهام المسؤول، تصبح عملية ترميم وإعادة تأهيل المجتمع أو بناء دولة قادرة على إدارة نفسها في عداد المستحيل.
مقالات سابقة ذو علاقة بالموضوع:-
شتّان بين الإسلام والمسلمين
http://176.28.52.138/AR_Direje.aspx?Jimare=2670
فساد العـَالـِم، فســَادَ العَالــَم.. القرضاوي إنموذجاً
http://www.uragency.net/index.php/2012-03-11-16-32-27/2012-03-11-16-36-18/18257-2013-03-11-08-41-35
 


 


55
دوامة الإرهاب في العراق بين الحواضن والتصدير من الخارج

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

أن حجم التحديات التي تجابه العراق تجعل من تحقيق العدالة الإجتماعية وإرساء أسس الديمقراطية والبدء بالتنمية الشاملة ليس بالأمر السهل إذا ما أردنا التطبيق على أرض الواقع، خاصة مع وجود جهات عدة، منها ماهو خارجي لم يتوانى ولو للحظة الواحدة عن تصدير الإرهاب والإرهابيين الى العراق والآخر الداخلي الذي يشكل حاضنة داعمة ساعدت على إيواء وتنشيط العامل الخارجي وتزويده بما يديم وجوده ويمدّه بأسباب التجذر والإنتشار، ولم تعد الحواضن خافية على أحد، فسيماء أمثال هؤلاء في وجوههم وأفعالهم من أثر الخيانة العظمى.

لذلك ومنذ أكثر من عشر سنين نرى استمرارية الإنفجارات بواسطة السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والعبوات اللاصقة والأسلحة الكاتمة الصوت والى ما لايعد ولايحصى من أساليب وأدوات القتل الفردي و الجماعي، وبما لايخفى على أحد أيضا،  فإن الهدف الرئيسي لهؤلاء جميعا هو تحقيق الأجندة الخارجية الرامية الى إسقاط النظام الديمقراطي في العراق والبدء بإعادة حزب البعث الساقط الى الحُكم أو تفتيت الوحدة الوطنية العراقية بخناجر الطائفية المسمومة، ولكن هيهات لهم لأن الشعب العراقي قد وقعوا بدمائهم بأن لارجعة للبعث الصدامي الساقط الى يوم الدين.

ولم يتوقف الحال عند الإرهاب الأعمى بل بدأت بعض الأطراف الإقليمية وعلى رأسها دويلة قطر إستغلال رئاستها لما يسمى بـ (جامعة العار العربية) لفسح المجال لمن أدانهم القضاء العراقي من أعوان الإرهابيين على غرار المدان طارق الهاشمي لحضور فعاليات الجامعة في خطوة غير مسبوقة تشير الى إعطاء الأنشطة الإرهابية غطاءً رسميا بل والتمهيد لإعطاء مقعد العراق في حال إنسحابه الى الهاشمي كممثل للمعارضة العراقية وبطريقة ستكون مماثلة لما فعلته قطر مع المعارضة السورية.

لقد حضى تحالف البعث الصدامي والقاعدة بدعم غير محدود بدأ يظهر الى العلن رويدا رويدا ويهدف الى إعادة تسويق رموز هذا التحالف الإرهابي الى مؤسسات المجتمع الدولي وتهيئة المزيد من العواصم الإقليمية لدعمه وإحتضانه، دون أن يكون لهذه الأطراف الساعية بهذا الأمر أدنى شعور بالمسؤولية أو قطرة من الحياء تجاه ضحايا هذا التحالف المشؤوم الذي أهلك الحرث والنسل وأسهم في تهديم وتخريب البنية التحتية في المدن العراقية وخاصة العاصمة بغداد وكركوك وديالى والموصل وبابل وغيرها من المحافظات العراقية.

أن هذا التحالف الإرهابي بين البعث الصدامي والقاعدة هو الآخر عرضة للتفكك فما يجمعهم اليوم هو القتل الجماعي للعراقيين بدوافع طائفية ألا أن الأهداف هي الأخرى متفاوتة فيما بينهم رغم الإتفاق المرحلي، فالبعث الصدامي لايرى غير كرسي السلطة هدفا في تحركاته والعودة بالعراق الى أيام الدكتاتورية والأنفال والمقابر الجماعية، في حين أن القاعدة وتشكيلاتها تتواجد على الأرض لتنفيذ أجندة خارجية تهدف الى تمزيق العراق الى دويلات صغيرة تدور في الفلك القطري، وتعد المغريات المادية الكبيرة هي المحرك الأساسي لأفراد كلا التنظيمين (البعث الصدامي والقاعدة).. فقد أثبتت الظروف بأن تشكيلات القاعدة تستقطب الشباب من اليمن والصومال ودول المغرب العربي بواسطة الأموال مستغلة بذلك الفقر المدقع الذي يعاني منه هؤلاء الشباب وعوائلهم، إضافة الى الفقر الثقافي الذي يتيح لهم غسيل الأدمغة و زرع الأجندات الطائفية في رؤوس هؤلاء تحت عنوان ((الجهاد)) ونيل الشهادة التي تدخلهم الجنة ألا أن الحقيقة هو الهلاك المؤكد الذي يقودهم الى سقر.. "وَمَــا أَدْرَاكَ مَا سَــقَرُ ، لا تـُـبْـقِــي وَلا تـَــذ َرُ، لـَـوَّاحَـةٌ لِّـلْبَـشَـرِ".. (سورة المدثر)، وكذلك الحال مع البعث الصدامي الذي يتعامل مع أعضائه اليوم مستخدما الإغراءات المادية والوعود بالمناصب في حال عودتهم الى الحكم (لاسامح الله).

ولهذا ليس أمام الدولة العراقية سوى إستنفار الأجهزة الأمنية والإستخبارية وتطوير هذه الأجهزة وضخ الدماء الجديدة فيها من خلال اشراك الكوادر الأمنية والخبراء المختصين لوضع جدول زمني لإنهاء الإرهاب في العراق وجعله نسيا منسيا (بإذن الله)، وكذلك محاسبة وإقصاء المقصرين مهما كانت عناوينهم الوظيفية، فالإرهاب يقتنص الفرص للنيل من التنمية والإستقرار مستثمرا غباء المقصّرين والتسهيلات التي توفرها له الحواضن القاطنة داخل العراق.



56
حلبچة، مجزرة الأمس وجرائم اليوم فاعلهما واحد (فيديو مرفق)
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
كانت على موعد مع أعياد النوروز، منهمكة في إكتساء حلتها الخضراء يحدوها الأمل في إستنشاق نسائم الربيع الممتزجة بحبات الثلج المنبعثة من قمم الجبال البيضاء، فلم يكن يدور في خلد عروس المدن أن تخيّم سحب الموت الأسود في سمائها الزرقاء ويمتلأ جوفها بمئات الأطنان من غازات السارين وغاز الأعصاب والخردل.. ففي الحادية عشر والنصف من صباح السادس عشر من آذار 1988 إبتدأت رحلة الشهادة وقصة الإبادة التي لم تأخذ سوى عشرين دقيقة من وقت الطغاة ، لتضرّج أركان مدينة حلبچة بالدماء ولتزهق أرواح أطفالها وشيوخها وشبابها والنساء، في طقس جنائزي هو الأبشع والأكثر شناعة في طقوس الإبادة والفناء، فلا زالت جروح الجبال نازفة كنزف جراح المقابر الجماعية وأهوار الجنوب الفيحاء.

حلبجة، المدينة الثكلى ليست قضية كردية أو عراقية وحسب، بل هي لحظة مفصلية في صفحات التاريخ وجرح نازف في عمق الضمير الإنساني كأي جريمة إنسانية أخرى تستحق من الجميع التوقف عند صفحاتها وقراءة سطورها في منتهى التأني وأعلى درجات الصدق مع النفس تخليدا للذكرى وإستقاءً للعبرة ، فهي كربلاء قد أعادت نفسها على قمم الجبال على أيدي الأمويين بلباس العفالقة، وهي مذابح الأرمن التي إقترفها العثمانيون بدم بارد، وهي صبرا وشاتيلا والأخريات من صفحات التاريخ السوداء التي إقترفها الصهاينة بحق الفلسطينيين.

حيث وبعد أن تنفس التاريخ الإنساني برهة من الزمن أطلّ الحجّاج برأسه من جديد، فلم تشهد الإنسانية ومنذ الحرب العالمية الثانية نظاماَ سياسيا يستبيح أرواح ومقدرات شعب أعزل بالأسلحة الكيميائية في صفحة من صفحات الإبادة الجماعية لمدينة نأت بنفسها بعيدا عن المدن لم تكن تنازعه على السلطة بل هي النزعة المتأصلة في نفوس الأشرار للقتل والدمار حينما يتسلطون على رقاب بني البشر.

نعم هي الدكتاتورية والسلطة المطلقة التي جعلت من نهجها السياسي وإنتمائها العرقي دين يُعبد، هي زمر الطيش البعثي في مسلسل القائد الأوحد، حيث أوعز رأس النظام لأعوانه وعلى رأسهم علي حسن المجيد مسؤول تنظيمات الشمال بالشروع في إبادة جماعية لمدينة بأكملها عبر إستخدام الأسلحة الكيميائية المحرّمة دوليا، ولم يألو أعوانه جهدا وسرعان ماتم التنفيذ على أكمل وجه في مشهد وحشي يفوق التصوّرات، فقد كان علي كيمياوي يتلذذ بالنظر الى مشاهد الموت عبر المناظير من على قمة جبل سيد صادق.. وقد نفّذ الرجل تهديداته التي أطلقها عبر مكالمة هاتفية التي قال فيها " راح أضربهم، راح أضربهم كيمياوي وأقتلهم كلهم.. الى نهاية المكالمة التي يؤكد فيها عدم خشيته من الموقف الدولي (الرابط أسفل المقال).. إضافة الى رابط آخر يؤكد فيه وزير الدفاع في حكومة البعث الساقط، المجرم المقبور عدنان خيرالله طلفاح في وصفه للحدث الإجرامي في مدينة حلبجة " إنهم لايوجد بينهم ثوار فالثوار لديهم مبادئ، وعندما سألتهم كم عدد الأكراد الذين ضربناهم بالعتاد الخاص (في إشارة الى السلاح الكيمياوي) هل خمسة أم عشرة آلاف أم عشرين ألف، نحن حصتنا مليوني كردي خيّر وهؤلاء المخربون العشرون ألف فليذهبوا بلاش لانريدهم، وليذهبوا الى حيث لارجعة، وما فعلناه عن قناعة وجدانية سيدي الرئيس (موجها كلامه الى المقبور صدام).. الرابط أسفل المقال.

كان الصمت الدولي والعربي والإسلامي الذي أحاط بجريمة البعث كان قد أعطى صدام جرعة كبيرة من الإستفحال والتهور، ففعل بعدها مافعل من جرائم الأنفال والمقابر الجماعية وقمع الإنتفاضة وتجفيف الأهوار وقطع الرؤوس وغزو الكويت والإصرار على إركاع الشعب العراقي لسلطته الغاشمة. أما اليوم فقد تباينت ردود الأفعال لكنها من المؤكد أفضل بكثير مما سبق، فقد أحيت الأمم المتحدة ذكرى كارثة القصف الكيمياوي على مدينة حلبجة، في مراسيم خاصة جرت في المقر الرئيس للأمم المتحدة في مدينة نيويورك الأمريكية، وقد وجهت معظم الدول عبر سفاراتها بيانات العزاء لأسر الضحايا وتأكيد وقوفها الى جانب الشعب العراقي في تطلعاته لمستقبل أفضل، وكذلك معظم وسائل الإعلام العراقية ومناطق عديدة من العراق، ألا أن المتظاهرون من أجل الكرامة كما يدّعون لم يثأروا لكرامة حلبچة الشهيدة ولم يلفظوا حرفا واحد لتخليد الذكرى خشية جرح مشاعر البعثيين، وكذلك رفض رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي هو الآخر رغم الدعوة الموجهة له لم يشكل وفدا نيابيا للمشاركة ولم يعتذر أيضاً، رغم أن النائب بكر حمه صديق كان مخطئا عندما وجّه الدعوة للوجه الآخر للبعث رئيس البرلمان أسامة النجيفي، وكأن النائب (حمه صديق) قد نسى العبارات المكتوبة في مقابرالشهداء والتي تحرّم على البعثيين زيارة هذه البقعة المقدسة.

أن لهذا الحدث الإجرامي دلالات عميقة لاتقترن بالماضي وحسب بل تشكل حصانة لمستقبل العراق فهو بحق يوم حداد للعراقيين جميعا ، خصوصا من إكتوى منهم بجحيم القمع الوحشي للبعث وذاق مرارة الدكتاتورية البغيضة التي تسلطت على رقاب الأبرياء عقود من الزمن. ومن يتجاهل (عن قصد) مقتل مدينة بأسرها لايمكن أن نتوقع منه أستنكار ما يجري اليوم من جرائم وحشية بحق الأبرياء في الأسواق والمواقع الحكومية ومراكز العبادة ، فإن ماجرى بالأمس ومايجري اليوم من إرهاب فاعلهما واحد.

مكالمة المقبور علي حسن المجيد يؤكد عزمه على إرتكاب المجزرة
http://www.youtube.com/watch?v=_yshcKWDCv0
إعتراف المجرم عدنان خيرالله طلفاح أمام الطاغية المقبور
http://www.youtube.com/watch?v=hJYRxjGptko










57
فساد العـَالـِم، فســَادَ العَالــَم.. القرضاوي إنموذجاً

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
أن الفهم الخاطئ للدين وأحكامه من قبل الكثير من رجال الدين ممن يطلقون على أنفسهم بـ (العلماء) هو الذي مهّد لظهور وتنامي الأفكار التكفيرية التي غزت البلاد وأرهقت العباد. فقد نشأت تنظيمات متطرفة من رحم التفكير السطحي والساذج لبعض رجال الدين، ومن هذه التنظيمات الخطيرة (القاعدة)، ومن رحم القاعدة ولدت أيضا تنظيمات تخريبية بالإضافة الى إنتشار الأفكار الهدامة مستغلة الوسائل الحديثة للترويج لأفكارها السلفية (الكارتونية) والإفتاء بالقتل وكسب أنصار جدد. حيث أن العنف بجميع أشكاله وتكفير الآخر هو الباعث الذي إعتمدته القاعدة في إرساء وتوسيع هياكلها التنظيمية وهو ذات الفكر الذي يحرّك التنظيمات المتطرفة على مستوى العالم.

لاشك بأن بريق السلطة وكرسي الحكم بالنتيجة هو المحرك الأساسي لقادة التطرف وقد تسنى للقاعدة فيما سبق الوصول الى سدة الحكم في إفغانستان وقد رأى العالم أجمع القناعات الفكرية والرؤية الدينية لهذا التنظيم على أرض الواقع وكيف أهلكوا الحرث والنسل هناك وجعلوا من إفغانستان ثكنة عسكرية لتدريب الشباب على القتل ونشر الفوضى في العالم عموما و بث السموم الطائفية في العالم الإسلامي على وجه الخصوص. وبعد الذي جرى من حروب تسبب به هذا التنظيم الإرهابي، تعيد بعض الفصائل التابعة لتنظيم القاعدة المحاولة للوصول الى سدة الحُكم في الدول العربية والإسلامية مستغلة الربيع العربي الذي تحوّل الى ربيع (السلف الطالح)  الذي يأتمر بأوامر رجال دين من شاكلة (القرضاوي) الذي يحمل صفة رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي أصدر مؤخرا فتوى طائفية تحرض على تصفية رئيس الوزراء العراقي السيد نوري المالكي، رغم أن الرجل المالكي إختارته الجماهير لهذا المنصب ويمكنهم تغييره وفق آليات ديمقراطية لاتتطلب سفك الدماء، ولم يأتي الى السلطة عبر إنقلاب كما فعل (ولي نعمة القرضاوي) أمير قطر الشيخ حمد الذي وصل الى السلطة عبر الإنقلاب على أبيه الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني.

أن المظاهرات التي يحاول القرضاوي إبداء تعاطفه معها لاتعدو عن كونها مجاميع تتحرك وفق الأجندة الخارجية الهادفة لتمزيق وحدة المجتمع العراقي عبر إثارة النعرات الطائفية وإحياء مشروع الإقتتال الطائفي وكما يفعل مجرمي طالبان والقاعدة في باكستان اليوم من قتل جماعي للشيعة في مساجدهم وأماكن عملهم. وللأسف وجدت هذه الدعوات والأجندات الخارجية مكان لها بين جموع المتظاهرين في المناطق السُنيّة: فقد إرتفع سقف مطالب المتظاهرين الى المطالبة بإلغاء الدستور وإسقاط العملية السياسية، كما علت أصوات المتظاهرين في سامراء مطالبة بإعلان الجهاد ضد منتسبي المؤسسة الأمنية والعسكرية في العراق.

المظاهرات الجارية في العراق هي الأخرى يتصدر المواقف فيها علماء معممون، وأن فساد معظم الشعارات المرفوعة والمطالب المطروحة تعكس طبيعة الأشخاص المتصدرين للتظاهرات في المناطق والساحات التي رفعت فيها تلك الشعارات الطائفية والتحريضية. ولسنا هنا في مقام التعميم فهناك من رجال الدين والوجوه الإجتماعية في المناطق المحتجة لم يلتحقوا في هذه الساحات التي تثير الشك والريبة، بل منهم من أعلن رفضه لإستغلال هامش الديمقراطية بشكل يسئ الى الأخوة السنية الشيعية في العراق.. ومن هنا نؤكد على أن المشاريع الشيطانية في المنطقة والعراق تتطلب التواصل والتفاعل المثمر بين علماء الإعتدال من كلا المذهبين الشيعي والسُني وعدم ترك منابر الوعظ والإفتاء لتجار العنف وأمراء الحروب ممن لايفهمون من الدين سوى القشور.. وخشية من أن تأخذ الأمور مسارا يصعب التكهن بنهايته نتيجة حصرهم للدولة العراقية في موقع الدفاع عن النفس الذي تضطر معه الى حماية أمنها الوطني بطريقتها الخاصة..  فالعراق اليوم بحاجة الى بذل جهود إستثنائية من قبل علماء الدين الحقيقيين لإبراز صوت العقل وتأسيس قنوات إتصال تهدف الى جدولة المطالب المشروعة وفض التظاهرات بشكل سلمي لسحب البساط من الأطراف الفاسدة وقوى الإرهاب .
 
مقطع فيديو : تنظيم القاعدة يفصح عن نفسه بشكل علني في مظاهرات الأنبار
http://www.youtube.com/watch?v=C2j6DouJ8hY





58
الإرهاب وثقافة أمن المعلومات في العراق

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
درجت العادة عند الحديث عن الإرهاب إقتصار الصورة في أذهان الآخرين على أولئك الذين يحصدون أرواح الأبرياء بالأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة دون الإلتفات الى أن ذلك هو المنتج النهائي لصناعة الإرهاب المرتبطة بالرغبة السلفية العميقة وإرادة البعث الصدامية الرامية لإسقاط النظام الديمقراطي في العراق والعودة بعجلة الزمن الى الوراء. ولاشك أن لهذه الصناعة شروط وظروف خاصة يتطلب توفرها لإستمرار عملية إنتاج العنف والإرهاب.. ومنها إمكانية الوصول الى المعلومات المطلوبة إضافة الى وجود وسائل إعلام تقوم بتهيئة الأرضية والبيئة المناسبة لإحتضان العنف.

مما ينبغي أن تكون عليه وسائل الإجهزة الأمنية والإستخبارية هو حالة من التفوق والسرعة في إغلاق الثغرات وتحصين المعلومات المهمة لقطع الطرق على المجاميع الإرهابية، خاصة وأن الجيل الثالث من القاعدة الموجود في العراق اليوم والمتحالف مع البعث الصدامي قد إستطاع تطوير أساليب الخداع والإختراق والتنفيذ بشكل يصعب السيطرة عليه عند التعامل معه بالطرق الكلاسيكية الموروثة والخطط الأمنية المكررة. وأن العراق اليوم يفتقر الى ستراتيجية وطنية للحد من تفشي المعلومات وسن قوانين تحد من إساءة إستخدام المعلومات الوطنية، خاصة وأن القوانين الحالية في هذا المجال مترهلة الى الدرجة التي تسمح لمكتب النائب البرلماني أو أي مسؤول في الدولة بمفاتحة أي جهة رسمية للحصول على المعلومة التي يريدها، دون وجود (جهة أمنية مركزية) وسيطة تشرف على غربلة المعلومات وحجب المتعلق منها بالأمن الوطني ومراقبة عملية إنتهاك وإساءة استخدام المعلومات وتسرب الوثائق الذي يجري اليوم على قدم وساق. بل وتساهم هذه (الجهة المركزية)  في إشاعة ثقافة أمن المعلومات بين المسؤولين أنفسهم، خاصة وأن معظم المسؤولين في العراق اليوم لايتمتعون بأدنى مستوى من هذه الثقافة الأمنية، إن لم يكن البعض منهم قاصداُ مع سبق الإصرار والترصد لتسريب تلك المعلومات لأطراف محلية ودولية أو لوسائل الإعلام .. ومن جملة ما نستشهد به قول  رئيس الوزراء يوم أمس " ان هناك مسؤولين يرفعون توصيات ٍ ويُرسلون كتبا إلى الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والدول العربية لحثها على عدم توقيع اتفاقيات تعاون مع العراق" رغم أنهم جالسون على كراسي المسؤولية يدعون فيها تمثيل الشعب العراقي والدفاع عن مصالحه الحيوية. ولا ريب أن المسؤول الذي يدعو للطائفية ويرسل التوصيات للدول والمنظمات الأجنية لن يتردد في تسريب ماتحتاج له المجاميع الإرهابية من معلومات تخص حركة المسؤولين وأنشطة الأجهزة الأمنية.

تؤدي وللأسف بعض وسائل الإعلام العراقية أدوارا من خلال إستدراج بعض النواب العراقيين والمسؤولين من ذوي الثقافة الأمنية المحدودة أو المتعاطفين أصلا مع النهج الطائفي وإشاعة العنف، أو إستضافتهم للبوح بمعلومات وتسريب وثائق تخص أمن الدولة العراقية و تخصيص برامج أشبه بساحات القضاء تطلق منها الأحكام جزافا على أداء الحكومة العراقية، والتركيز أيضا على تناول الجوانب السلبية وإهمال المنجز المتحقق.. وكما هو معلوم لذوي الإختصاص بأن الخطوة الأولى والمهمة في محاربة الإرهاب هو بلورة رأي شعبي مضاد لمحاصرة الإرهاب ألا أن ماتقوم به هذه الفضائيات هو العكس تماما، حيث نرى الإصرار الكبير لتجييش الشارع العراقي ضد الحكومة العراقية وطرح المواضيع المسيئة لمجمل العملية السياسية دون الإلتفات لحساسية المرحلة وبشكل يؤدي الى توسيع الفجوة بين المواطن العراقي والنظام السياسي بشكل عام.

في الحقيقة يمكن القول بأن هناك تهديدا خطيرا يواجه المعلومات والوثائق ذات العلاقة المباشرة بالأمن الوطني العراقي، ومن جانب آخر التصريحات الطائفية التي يطلقها البعض عبر وسائل الإعلام وهي الأخرى تشكل تهديدا أخطر تسهم بعض الفضائيات المحسوبة على العراق بالترويج لكلا التهديدين.. ولايمكن التصديق بأن ذلك محاولة منهم لتقويم الأداء الحكومي كما يدّعون، بل وكما هو واضح دعما غير مباشر للإرهاب يتطلّب تفعيل القوانين التي تحد من ذلك وسن قوانين جديدة تهدف لمساءلة أي فعل أو قول يستهدف تقويض أركان النظام السياسي في العراق الجديــد.
 


59
الفوضى في العراق.. الى أين؟
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
لقد حضى العراق بهامش من الإستقرار في الفترة التي تلت بشكل مباشر سقوط الصنم في بغداد ، وسرعان ماتبدد هذا الهامش على أثر الكثير من الأخطاء التي ساهمت بها الأطراف المختلفة الدولية / الإقليمية والداخلية وشروع القوى الإقليمية بالتمدد وتقوية نفوذها السياسي والعسكري داخل الساحة العراقية متمثلا بالميليشيات التي إكتست بالغطاء الديني، ولم يكن البعث الصدّامي غائبا عن المعادلة فقد ركب هو الآخر موجة ما أطلق عليه في حينه "مقاومة الإحتلال" ألا أن عملياتها النوعية كانت موجهة بالدرجة الأساس الى صدور وأجساد المدنيين العراقيين والعبث في البنية التحتية وعرقلة عملية النمو الإقتصادي وتعطيل البناء الديمقراطي في العراق والمزايدة على الحكومة العراقية التي تبنت النهج السياسي لإرساء وتصحيح أسس العلاقة بين العراق والمجتمع الدولي..ويعيد التاريخ نفسه اليوم حيث يركب البعث والإرهاب من جديد موجة الحراك الشعبي المسمى بـ (التظاهرات) الذي عجز الى اليوم عن التعبير عن نفسه أو إختيار ممثلين عنه أو الثبات على مطالب بعينها غير متعارضة مع الدستور العراقي بل لم يلبث أغلبية "المتظاهرين" في المطالبة بإلغاء الدستور وإسقاط العملية الديمقراطية في العراق.
 
لم يأتي ركوب الموجة من قبل البعثيين والإرهابيين عن فراغ مطلق فهناك العديد من نقاط الضعف التي شكلت منطلقا لهم في توظيف المشاعر الشعبية ضد المظاهر السلبية التي رافقت الأداء الحكومي والبرلماني ناهيك عن أزمة الثقة التي شكلت العنوان الأبرز للعلاقات القائمة بين القوى السياسية الرئيسة في البلد.. فليس بالطرح الجديد عند الخوض في الفساد الإداري الذي غزى معظم المؤسسات الحكومية، وبما فيها هيئة العدالة والمساءلة التي لم تكن جادة في تطبيق قوانين الهيئة كما ينبغي فقد شابت حالة من الإنتقائية معظم مراحل تطبيق قوانين الإجتثاث والأطراف المقصودة بالتطبيق وبدليل وجود رئيس مجلس القضاء الأعلى السيد مدحت المحمود طوال هذه الفترة على رأس السلطة القضائية دون مساءلة، وفيما يعنيه ذلك هو التشكيك في معظم القرارات المصيرية التي بت فيها مجلس القضاء فيما سبق عند تحقق صحة التطبيق القانوني أو بالمقابل هو إستهداف للسلطة القضائية من قبل هيئة المساءلة والعدالة (عند عدم تحقق صحة التطبيق) وتلك سابقة خطيرة في دولة ديمقراطية ناشئة كالعراق.. فأي الخيارين تراه الهيئة الأنسب لتوصيف ماجرى؟..
وليس بالجديد أيضا التطرق الى الثقة المفقودة بين القوى السياسية الرئيسية وخاصة مديات الشد والجذب التي إتسمت بها العلاقة بين الحكومة الإتحادية في بغداد ورئاسة اقليم كردستان العراق وبصرف النظر عن الأسباب والمسببات لتلك التوترات ألا أنها عادة ماتنعكس سلبا على مجمل الأوضاع في البلد في أوقات خروج تلك الخلافات الى العلن وزحف آثارها السلبية على مجمل جوانب الحياة الأمنية والإقتصادية.
 
لايعني ماسبق من تناول للحقائق المتحركة على أرض الواقع بأن الموقف مما يسمى بالتظاهرات قد تغيّر فلا زلنا نرى بأن تلك التظاهرات قد خرجت عن إطار شرعيتها ما أن رفعت سقف مطالبها الى ماوراء الدستور، وليس ذاك بالموقف الخاص بنا وحسب بل ذلك ما صرّح به الدكتور عثمان السعدي نجل الشيخ عبد الملك السعدي الذي أعلن صراحة اليوم عبر لقاء في أحد غرف الحوار الصوتية العراقية على الإنترنت (شمس الحرية/البال توك) والذي أشار الى سيطرة السياسيين المرتبطين بالخارج على منحى التظاهرات، كما برأ موقف والده الشيخ عبد الملك السعدي مما أثير من دعوات للزحف الى بغداد وشعارات "صبرا بغداد" والتي شكلّت مفاجأة تتناقض مع توجهات الشيخ السعدي كونها تكريسا للخلافات والإنقسامات المجتمعية وليست السياسية وحسب وقد بدت أكثر إنسجاما مع توجيهات البعث وعزة الدوري الذي صرح بذلك عبر بيان تناولته وسائل الإعلام يوم أمس.
 
أصبح من الضروري اليوم تفعيل الصيغ الوطنية التي تعزز عوامل الثقة بين الفرقاء السياسيين المؤمنين منهم بالعملية السياسية والمسار الديمقراطي وفرز غير المؤمنين منهم، ولاشك أن التنازلات المتبادلة دليل حسن نوايا إن لم تكن تلك التنازلات متعارضة مع الدستور والخطوط العامة التي يتفق عليها العراقيون جميعا، ولم يعد من مصلحة أحد مصادرة فرص الأكفاء وإقصائهم من عملية بناء الدولة العراقية، فالمستفيد الأوحد من هكذا إقصاء هو الإرهاب نفسه لأن إساءة تطبيق القوانين التي تحارب الإرهاب تصب في النهاية في مصلحة الإرهابيين أنفسهم كونه يسهل عملية سعيهم لإيجاد حواضن وملاذات جديدة. وكذلك الحال مع تفشي الفساد الإداري والمالي.. أن الأنشطة الإعلامية لقادة البعث الصدامي (خطابات المجرم عزة الدوري) وإحتضان بعض العواصم لهم يفرض تشديد الطوق على وجود البعث السياسي والإداري عبر قوانين جديدة أشد صرامة، وكذلك القوانين المتعلقة بالإرهاب أيضا ولكن الشرط الرئيسي والأساسي لنجاح هكذا مساع هو إعطاء مهام تنفيذ القوانين للكوادر المتخصصة والخبراء في هذا المجال ممن يمتلك مواقف واضحة من النظام السابق وتاريخ من الممارسة في حقل الإختصاص، وعلى وجه الخصوص إشغال المناصب القيادية التي تدار بالوكالة بعناصر كفوءة تمتلك مواقف تاريخية من النظام السابق وعلى سبيل المثال وليس الحصر الفريق الركن نجيب الصالحي المعروف بإستقامته ومواقفه الوطنية الواضحة.

60
الإرهاب يمسك في خناق العراق والديمقراطية عرضة للإجتثاث

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
لقد إنحدر رعاة الظلم الى القاع في تسافلهم الأخير حينما ركبوا موجة التظاهرات في بعض المحافظات العراقية والتستر بشعارات الديمقراطية والحرية والعدل وهم أبعد مايكون عنها، ويتجسّد مثل هذا الإنحدار والتسافل في إظهار التعاطف بل التحالف العلني مع قوى إرهابية وخاصة (تنظيم القاعدة) الذي إتخذ تسميات جديدة يحاول من خلالها تسويق أفكاره الظلامية بطرق أخرى. إن هذا التنظيم الإرهابي المتحالف أصلا مع البعث الصداّمي منذ 2003 وجد مؤخرا فصائل جديدة من (القوميين والعثمانيين الجُدد) وعواصم جديدة أخرى في المنطقة لإحتضانه ودعمه وإعادة تسويقه، متسللا عبر الحليف البعثي الى الحراك العلني وسط جموع المتظاهرين في الفلوجة وتكريت وسامراء وهيت ومناطق أخرى. ولم يكتف كلا التنظيمان (البعث والقاعدة) في تسجيل الحضور وحسب أنما تصّدوا لبرمجة تلك التظاهرات وتدوين المطالب التي تؤهلهم للتسلل الى السلطة والإمساك بخناق الدولة العراقية الفتية ومن ثم الإجهاز على تجربتها الجديدة عندما تصبح الشروط الموضوعية مؤهلة لذلك، وتلك الشروط هي القاسم المشترك بين (الحلف البعثو- وهابي) من جهة، وبين العواصم والقوى الإقليمية في المنطقة من جهة أخرى: فلا يخفى على أحد مايعلنه هؤلاء وأولئك من إسلاميين وقوميين وعثمانيين جُددْ الشعارات الهادفة الى إستنفار الحس الطائفي ونحر التجربة الديمقراطية (رويدا رويدا) من الوريد الى الوريد في العراق الجديد.

لقد أفصحت أطراف رسمية (داخلية وخارجية) عن نواياها في إستهداف العملية السياسية وإحباط الديمقراطية في العراق من خلال التعلل بذرائع شتى والتغني بمطالب المتظاهرين، المطالب التي أسهمت في تدوينها ذات القوى التي أشعلت فتيل الفتنة خاصة مع خلو تلك المطالب أو الشعارات المرفوعة مما يمكن أن يتقاطع مع مصالح تلك الأطراف. وقد نشرت صحف ومواقع الكترونية عن عملية إرسال بعض القوى الإقليمية ضباط إستخبارت ومجاميع إرتباط لمتابعة الواقع الميداني للتظاهرات وتنسيق عملية الدعم المادي والمعنوي والإشراف على عملية وضع الخطط الميدانية الكفيلة بإدامة التظاهرات وإخماد الأصوات الوطنية في تلك المناطق وإستمالة الواقفين على الحياد بالترهيب والترغيب. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل القيام في عمليات إغتيال الشخصيات الوطنية السياسية والإعلامية والدينية والإجتماعية التي أسهمت من قبل في إخماد الحس الطائفي ومحاربة القاعدة، وعلى سبيل المثال إغتيال النائب عيفان سعدون العيساوي ذو المواقف الوطنية المعلنة ضد الإرهاب وأشخاص آخرين لهم مواقف وطنية تجعل من غير المتوقع منهم القبول والرضوخ لحالة الفوضى المراد لها الإستمرار لزحزحة وتفكيك الدولة العراقية وإجتثاث التجربة الديمقراطية بوسائل هي الأخرى تبدو ديمقراطية أيضاً. (نرجو مشاهدة الرابط أسفل المقال حينما قيادات بعثية تعلن عن ممثلها الشرعي وتهدد عبر قناة الجزيرة بإغتيال النائب عيفان السعدون - الذي قٌتل بعد أيام-).

ربما أكتسبت هذه التجمعات (المدفوعة الثمن) صفة شرعية فيما لو كانت الحكومة الحالية هي حكومة أغلبية سياسية بعيدة عن المحاصصة وفيما لو كان النظام رئاسيا وليس برلمانيا خاصة وأن معظم المطالب بحاجة الى تشريع بل وحتى المتعلقة بالفساد فهي مهام برلمانية رقابية أو الأخرى في الخاصة بالخدمات فالمجالس المحلية ومجالس المحافظات هي المعنية بشكل أساسي بالمسائلة والإحتجاج ومن ثم الحكومة المركزية بالدرجة الثانية.. وكما يعلم الجميع بأن الحكومة المركزية في الأنظمة البرلمانية هي مسؤولة أمام البرلمان ، طالما أن الشعب قد منح ثقته لأعضاء ينوبون عنه في هذه الهيئة المعنية بالرقابة والتشريع.. وللشعب حق محاسبة البرلمان والمطالبة في حل هذا البرلمان في حال فشله في تمثيل قواعده الشعبية، وكما نعلم أيضا بأن إختصاصات الحكومة في النظم البرلمانية تتركز في المهام السيادية والخارجية بالدرجة الأساس وذلك مايفسر بطلان معظم هذه التجمعات والمطالب ويوضح الأسباب التي تدفع بالقوى الإقليمية لتبحث من ينوب عنها من داخل العراق لتجسد سخطها من السياسات الخارجية والأخرى المتعلقة بالأمر السيادي لحكومة المالكي ومن ثم الإنقلاب على الشرعية الديمقراطية وحق الأغلبية في اتخاذ القرار ومن خلال الإمساك بخناق العراق وتحويل إجتثاث البعث الساقط الى إجتثاث للديمقراطية وتحويل محاربة الإرهاب وحواضنه جريمة يحاسب عليها القانون في منطق الإسلاميين والقوميين والعثمانيين الجُدد، ولكن أنىّ لهم ذلك والعراقيون قد قالوها كلمة لاعودة فيها كلا للبعث السافل .

قيادات بعثية تقود التظاهرات وتهدد الشهيد عيفان سعدون العيساوي عبر قناة
الجزيرة

 http://www.youtube.com/watch?v=cpiEUyATqJc











61
الإرهاب يرتدي ثياب الديمقراطية في العراق

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

منذ سنوات طويلة وغيوم الجريمة المنظمة تخيم على العراق، فلا زالت الأعمال الإرهابية مستمرة ضد العراقيين بوتيرة متصاعدة حصدت مئات آلاف الضحايا من الأطفال والشيوخ والنساء ورجال الدين والصحفيين وأساتذة الجامعات ، ورغم الجهود الأمنية الكبيرة المبذولة للحد من هذه العمليات ألا أن واقع الحال لايزال مريرا ولازالت النتائج المتحققة أدنى بكثير من مستوى الطموح، وتلك هي نتيجة طبيعية إذا ما قورنت إمكانية دولة فتية كالعراق مع إمكانيات الأطراف الإقليمية والدولية التي تدير ماكنة الإرهاب في العراق بأيد محلية تشغل مساحة كبيرة في الحكومة العراقية، فضلا عن المساحة المجتمعية التي يمتلكها الخط المساند لتلك الأطراف المخترقة للحكومة وما تمتلكه من دعم مادي مفتوح من الخارج لتمويل العمليات الموجهة لحصاد أرواح الأبرياء من الشعب العراقي وتعطيل بناء أجهزة الدولة الأمنية والخدمية على حد سواء.

لقد إتضح مؤخرا وبشكل لايقبل الشك الأدوار المشبوهة التي تلعبها  بعض القوى الإقليمية في دعم الإرهاب في المنطقة ومحاولاتها الحثيثة للتدخل بالشأن الرسمي والوضع الداخلي للعراق، حيث لم تعد القوى الخليجية وحدها من يتبنى هذا الدور المشين، فقد برز وبشكل لم يكن متوقعا الدور التركي الأوردغاني في تنشيط الأنفاس الطائفية في المنطقة وإضفاء الصفة الرسمية على تنظيم القاعدة الإرهابي من خلال إعادة تشكيله وإطلاق تسميات جديدة وعلى وجه الخصوص التأسيس التركي لتنظيم (جبهة النصرة) الإرهابي بشقيه السوري والعراقي، والأمر المتعلق في الموضوع هو إيكال المواقع القيادية لهذا التنظيم الإرهابي الى أعضاء بارزين في الحكومة العراقية ومنهم الإرهابي الهارب طارق الهاشمي (نائب رئيس جمهورية العراق سابقا).. ومثلما كانت الشبكات الإرهابية للمجرم طارق (الهاشمي) تعبث وتخترق الأجهزة الأمنية كذلك اليوم المجاميع الإرهابية لبعض مسؤولي الدولة العراقية (اليد الضاربة للقوى الإرهابية)، وكما نعلم جميعا، ما أن حاولت الحكومة وبحذر فتح ملف أمني لمسؤول عراقي آخر (وزير المالية/ رافع العيساوي)، فقد قامت الدنيا ولم تقعد الى اليوم، فلا زالت التظاهرات الطائفية (المدفوعة الثمن)  قائمة على قدم وساق في الفلوجة وسامراء والأنبار والموصل. (فقد أشار السيد حميد الهايس رئيس مجلس إنقاذ الأنبار الى تمويل التظاهرات في اليوم الأول بـ (ملياري دينار) من قبل المتبرعين في الخارج).. (رابط لقاء حميد الهايس أسفل المقال).

لقد جاءت التظاهرات الطائفية متناغمة تماما مع ما خطط لها من قبل القوى الخارجية الداعمة، فقد تم التطرق الى الأجندة الخليجية في خطاب (ضيفهم الدائم) المجرم عزة الدوري الذي وصف الحكومة العراقية بـ (الحلف الصفوي الفارسي) داعيا المتظاهرين الى الجنوح للمطالب التعجيزية والإستمرار بالتظاهر لحين إسقاط العملية السياسية في العراق.. وقد جاء خطاب ما يسمى بـ (الشيخ) عدنان العرعور مرادفا لخطاب الدوري في الحث على التصعيد والإستغراق في تحدي الحكومة العراقية بشخص رئيسها السيد نوري المالكي ،وبالتالي فقد إكتمل الضلع الثالث للمثلث التآمري على تجربة العراق الديمقراطية في الخطاب الأوردغاني المتناغم مع ماسلف من تأجيج للفتنة الطائفية. وقد حظيت جميع الدعوات الخارجية المذكورة بما يناسبها من ردود أفعال فقد تم رفع الأعلام العراقية ذو الثلاث نجوم الذي يشير بدوره الى حقبة النظام الصدامي المقبور، كما رفعت أعلام (الجيش الإرهابي الحر السوري) وصور أوردغان، ولم يقتصر التجاوب مع دعوات الخارج عند هذا الحد، فقد بدأ متظاهرو سامراء في التجمهر أمام معسكرات الجيش العراقي وقذف أفراد الجيش بالحجارة مع ترديد هتافات (مغاويــر برّه).. أي يدعون الجيش العراقي لمغادرة مدينة عراقية ليحل محلها (الجيش الإرهابي الحر المدعوم من تركيا ودول الخليج)، وفي الفلوجة فقد كان رد الفعل أكثر من طائفي تجسد في الكلمة التي ألقاها النائب أحمد العلواني والتي حث فيها المتظاهرين على الإستمرار لحين إسقاط "الحكومة الصفوية"، كما يصفها النائب العلواني الذي تمادى في وصفه شيعة العراق بـ (الخنازير).. وقد جاءت كلمة العلواني منسجمة مع كلمة (الدكتور طه حامد الدليمي) الذي وصف محافظة الأنبار مبكرا بأنها المحافظة الوحيدة الخالية حسب وصفه من ("قذارة الشيعة")، ويدعو المتظاهرين الى المطالبة ب (إقليم الأنبار) ليكون عمقا ستراتيجيا لـ ("عاصمة الأمويين دمشق بعد تحريرها من حثالات الشيعة على يد الجيش الحر..حسب وصف الدليمي. ") .. ومما لابد من الإشارة إليه فقد أبدت جماهير الموصل مظهرا حضاريا في تجمعاتها الإحتجاجية إبتعدت فيه عن المطالب الطائفية وركزت على المطالب التي تخص شأن المحافظة ذاتها وحسب، ألا أن الحال وكما في بقية المناطق لم يسلم من عبث أصحاب الأجندات الخارجية، فلم تدخّر عائلة النجيفي الجهد في الإساءة لجماهير المحافظة والزج بهم في المنزلقات الطائفية، سواء شخص النجيفي أسامة (رئيس مجلس النواب) أو شقيقه محافظ الموصل أو أفراد العائلة النجيفية التي إستحوذت بإسناد تركي على أملاك والمناصب الرسمية في المحافظة وفي بغداد، ورغم ما قامت به هذه العائلة من محاولات حثيثة للإيقاع بين الجيش العراقي وأبناء مدينة الموصل، ألا أن الموضوعية تلزمنا الإشارة الى أن جماهير الموصل كانوا الأقل إنجرافا نحو الطائفية والأكثر إنسجاما مع الواقع السياسي الديمقراطي رغم الأيدي العابثة هنا وهناك.

قد لايبدو مستغربا من جميع هؤلاء المطبلين للطائفية اليوم والذين كانوا بالأمس حواضن لتنظيم القاعدة الإرهابي ويسعون اليوم لتنشيط أدوارهم وتمهيد الأرضية لإحتضان ذات التنظيم ولكن تحت مسمى غير معلن (تنظيم جبهة النصرة) ومسمى سيكون معلنا (الجيش الحر/فرع العراق) والذي قد يتصدر واجهته السياسية وجوه مألوفة من شاكلة الهاشمي والعيساوي والعلواني وهلم جرا.. نعم لايبدو مستغربا لكن المستغرب هو إندفاع بعض القوى الشيعية ، وعلى وجه الخصوص التيار الصدري نحو الإلتحاق بالسرب ( البعثو- طائفي) العرعوري الدوري، والتشنجات التي يبديها بوجه الحكومة العراقية والكم الهائل من الإنتقادات في الوقت الذي عجز هذا التيار عن إجراء أي خطوة لإصلاح نفسه وتنقية صفوفه من الفاسدين الذين أزكمت روائحهم الأنوف وملأ نعيقهم الآفاق بإطلاق التهم جزافا دون تقدير لعواقب الأمور، ومما يدعو للأسف هو بدلا من المراجعة الجادة من قبل القيادة الصدرية للأداء السياسي والإعلامي لممثليها، أصبحت هذه القيادة ببغاءا ناطقا لما يدلي به هؤلاء الفاسدين والمتزلفين الذين تصدروا المشهد الصدري. ففي الوقت الذي أطلقت مها الدوري قضية الإغتصابات في السجون متهمة حكومة لها أربعة وزراء فيها، جاء الرد من الدكتور خالد الملا (عضو لجنة الحكماء) يفضح بطلان مثل هذه الإدعاءات في تأكيده عدم وجود أي حالة إغتصاب لرجل أو إمرأة في السجون العراقية.

يتضح مما سبق أن التحديات التي يمر بها العراق ورغم ما أفرزته من عدم إستقرار وإساءة للمصلحة الإقتصادية للبلاد وتمزيق شرايين الإقتصاد العراقي المتمثل في جنوح المتظاهرين قطع الطرق الدولية الرابطة مع دول الجوار (سوريا والأردن) والسعي لشرخ النسيج الإجتماعي العراقي والقفز على القوانين والتشريعات، ألا أن هناك نقاط مهمة من الممكن إسنتاجها ، وخاصة تلك المتعلقة بالجانب الأمني والحد من الأنشطة الإرهابية، وهو أن الحكومة العراقية والى اليوم لم تكن موفقة في إختيار شريك سني حقيقي يشاطرها  قلقها حول التهديد الذي تشكله الأنشطة الإرهابية بوجه المستقبل العراقي، فالقضاء على الإرهاب ومحاربته قضية لايمكن التنازل عنها أو التفاوض عليها، والأمن السياسي والإجتماعي لايقل أهمية عن الأمن الغذائي إن لم يكونا معا الركائز الأساسية لحياة الشعوب .. وكما في قوله تعالى في سورة إيلاف " فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".

الشيخ حميد الهايس يفضح الدوافع الطائفية لتظاهرات الأنبار
http://www.youtube.com/watch?v=TmXnBTlqQPM
طه حامد الدليمي يدعو الى تأسيس إقليم الأنبار وقطع الماء عن الشيعة
http://www.youtube.com/watch?v=Oe-zdvO6V0o
إعترافات حماية وزير المالية بمحض إرادتهم وشكاوى من أهل الأنبار ضد العيساوي
http://www.youtube.com/watch?v=n9E3K0q2B-8&NR=1&feature=endscreen
 


62
ما الفرق بين الإرهاب المقيت وسرقة قوت الشعب؟

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

غير خاف على الجميع بأن شعبنا في اقليم كردستان العراق والمتعطش لنظام ديمقراطي حقيقي بحاجة ماسة الى مسؤولين وطنيين يمتلكون ضمائر حية وعلى أتم الإستعداد لتقديم الخدمات لكل المواطنين دون إستثناء، واضعين أمام أعينهم غضب الشعب الذي لايرحم حينما يكون ناتجا عن الظلم والحرمان وعن تحول المسؤول من خادم للشعب الى جلاد ولص كبير رافعا الشعار المنبوذ (إنا أنزلناه في الجيب العميق) فيشرع في ملئ حساباته البنكية في أمريكا وأوربا ودول الخليج بالمال الحرام خاصة وأن تلك الأموال هي قوت الشعب بكافة أطيافه ومكوناته .. ومتناسيا بأن تلك الأموال المسروقة ستكون نارا حامية يحترق فيها اللصوص عاجلا أم آجلا يوم لايفيد الندم يوم الفزع الأكبر الذي تشخص فيه الأبصار، حيث يبدأ الخونة بمناجاة بعضهم البعض بالقول ((يا ويلتاه قد هلك عني سلطانيه!!!)).. ولم ينفعني ماجمعت من المليارات التي كانت في الحقيقة قوت الفقراء وقوت أولاد الشهداء (اليتامى) وقوت الأمهات الثكالى.

علما أن أموال الشعب أمانة في أعناق المسؤولين، والسارق حينئذ يكون من الخائنين وكما في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل) - سورة النساء 58... كما لاننسى بأن أولئك السراّق الخونة يطلقون على أنفسهم "القادة الأفذاذ، وصنّاع القرارات التاريخية، ومفجروا الثورات الوطنية"، ويستغرق المطبلين لهم والمنتفعين منهم في تضخيم صور الظالمين لغرض الإستهلاك المحلي معتقدين بأن الشعوب لازالت مغفلة ولاتعلم حقيقة هؤلاء الذين يبدو ظاهرهم رحمة وبركة وعدالة وديمقراطية ولكن باطنهم الذي تدركه الشعوب هو ويل وعذاب وهلاك وتدمير وغدر وظلم وإغتيالات وهلمّ جرا، خاصة وأنهم تمكنوا من خلال قطفهم ثمار نضال الآخرين وإستغلالهم تضحيات الشهداء والكوادر التي سبقتهم في المسيرة، ليس هذا وحسب أنما في نفس الوقت وإضافة الى السرقة والخراب يقومون ببث الرعب في نفوس المخلصين والإنتقام من كل صوت معارض لتلك السلوكيات الإجرامية، من خلال تطبيقهم  شريعة الغاب على بني جلدتهم (القوي يأكل الضعيف) لكي يستمروا بسرقة قوت الشعب وإشاعة الظلم والفساد.

وبهذا العمل اللاوطني تجاه الشعب لايختلف إثنان في تصنيف عملهم اللاّ إنساني هذا بأنه عمل (إرهابي) حيث يتركون الفقراء يموتون جوعا ويحرمونهم من كل مقومات العيش الرغيد وأبسط مستلزمات الحياة الآمنة، ولهذا فأنه لافرق بين الإرهابيين الذين يقتلون الأبرياء بشتى الطرق الإجرامية (الأحزمة الناسفة، السيارات المفخخة، العبوات اللاصقة، الإغتيالات) وبين السراّق الذين يسرقون قوت الشعب بـ (الترويج للشركات الوهمية، وإستيفاء العمولات الضخمة، ومخصصات السفر الفاحشة، والإستيلاء على الأراضي التجارية بثمن بخس، وتعيين الأقارب وذوي الشهادات المزورة، وإستخدام صلاحيات المركز الوظيفي لتحقيق منافع خاصة، ناهيك عن سرقة المال العام بصورة مباشرة) وبالتالي ترك الفقراء جياع عراة حفاة بلا مأوى وبدون مياه صالحة للشرب وبلا أدوية أو كهرباء مستمرة الخ، .. وبدلا من القيام بالخطوات الإصلاحية حتى وإن كانت جزئية نراهم يقفون بوجه الأقلام الشريفة التي تتصدى لفضح الخونة والسراق والدفاع عن مظلومية الشعب البائس المسكين. ومن المؤسف أن نجد من يبرر لطبقة السراق المتنفذين خطفهم اصحاب الأقلام الحرة وقتلهم البعض منهم بدم بارد وزج البعض الآخر في السجون السرية الرهيبة ناهيك عن السجون العلنية والمحاكمات الصورية.

لقد أفرزت السنين الماضية طبقة من الساسة الأرستقراط الذين تمكنوا من جمع الثروات الهائلة بين ليلة وضحاها بعد أن كانوا بالأمس القريب حفاة عراة لايملكون من حطام الدنيا شيئا يذكر ليصبحوا اليوم من أصحاب الملايين بل المليارات والممتلكات الضخمة والأرصدة الكبيرة وسكنوا (" في مساكن الذين ظلموا أنفسهم") لكنهم لم يعتبروا من الأمثال التي ضربها الله (جل وعلا) ويضربها لهم.. ولم يأخذوا عبرة من التأريخ القريب وماذا حل بالسارقين والظالمين والمستبدين من أمثال (بن علي واللامبارك وعلي عبد الله الصالح (المشعول) والقذافي.. ناهيك عما آل إليه المقبور صدام الذي سكنوا مساكنه اليوم وتقاسموا سلطانه).

ان العراق بصورة عامة وإقليم كردستان العراق بصورة خاصة بحاجة ماسة الى إحياء جمعية إصلاحية مستقلة تحت إسم ومضمون (جمعية الإصلاح والمحاسبة) تعمل ضمن برنامج يركز على فضح السارقين ومحاسبة الفاسدين وسن قانون (من أين لك هذا) يتصدى لوضعه مجموعة من الحقوقيين وذوي الإختصاص، يتناول الوضع الإداري في إقليم كردستان العراق منذ 1992 ويتناول بقية العراق منذ 2003 والى نهاية هذا العام.. تتكون هذه الجمعية من لجان تمثل كافة شرائح المجتمع العراقي ومكوناته لكي تساهم في وضع حد للفساد المالي والإداري وإعادة الأموال المسروقة الى خزينة الدولة العراقية. والله من وراء القصد.

63
شراسة الإرهاب في العراق وطرق المجابهة

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

أنه من مسلمات الأمور ضرورة قلع جذور الإرهــاب إينما وجد في العراق، ولكن المشكلة أن الإرهاب المقيت قد أصبح تجارة دولية رائجة مثلما أريد للعراق أن يكون (سوقا حرة) لهذه التجارة النتنة لما يمتلكه من ثروات وما يتمتع به من ثقل في المنطقة الأمر الذي جعل منه منطقة صراع على النفوذ يتحرك فيها الإرهاب اللعين بطرق وخطط علمية مدروسة ينفذ فيها عمليات جنونية تخلو تماما من الرحمة ولاتنتمي بأي حال من الأحوال الى الإنسانية حيث القتل العشوائي للأطفال والنساء والشيوخ وهدم دور العبادة ومراكز التعليم وتقطيع أشلاء الأبرياء بدم بارد وكأن المستهدف من وراء ذلك الإتجار بالأعضاء البشرية للعراقيين، والغريب أن كل ذلك العمل الشيطاني يتم تحت إسم (الجهاد الكارتوني) الذي لايمت الى الشريعة الإسلامية السمحاء بأية صلة والمتحرك وفقا للمصالح السياسية والإقتصادية والدوافع التجارية المتسترة برداء الإسلام لتضليل الجهلة وتجنيد المتطرفين، ولم تفتأ الدوائر الإقليمية تغذي حركة الإرهابيين بطرق مختلفة، أنما هناك من الأطراف العراقية أيضا وخاصة أولئك الطامحون الى إبقاء الدولة العراقية ضعيفة ومفككة أو المهيمنون على المواقع الحكومية الحساسة بطريقة المحاصصة بمعزل عن الكفاءة والمهنية مع أنهم اليوم الأعلى صوتا والأكثر صراخا في إنتقادهم للفساد الإداري والأداء الحكومي في العراق.

أن الإختراقات المتكررة للمناطق الحكومية المهمة من قبل الإرهاب لهو خير دليل على وجود حاضنة له داخل ما يسمى بـ (حكومة الشراكة الوطنية) تسعى هذه الحاضنة لإفشال الحكومة أو على الأقل ترسيخ الإعتقاد السائد بأن الحكومة العراقية ممثلة برئيسها الحالي هي (حكومة فاشلة). فقد تعرّضت المنطقة الخضراء للعمليات الإرهابية مرات عدة رغم كثافة القوات الأمنية والطوق الأمني المحيط بالمنطقة وكذلك الوزارات العراقية ناهيك عن الأسواق الشعبية والمناطق الآهلة بالمدنيين العزل. ويتضح من ذلك أن المعالجات تتضمن جانب سياسي يكتسب صفة الأولوية عند الشروع الجدي لمجابهة الإرهاب في العراق، ويكمن هذا الجانب في السعي الجاد لتشكيل حكومة (أغلبية سياسية). ولاشك يقابل ذلك جوانب أمنية تتضمنها المعالجة تبتدأ بتشكيل لجنة أمنية خاصة تتكون من الكوادر الأمنية ذو التاريخ النظيف وتأخذ على عاتقها دراسة الواقع الأمني والإستعانة بالخبراء المحليين والأجانب لرسم الخطوط العريضة للمعالجة الأمنية الشاملة، كما وإنطلاقا من الشعور بالوطنية العراقية أود الإشارة الى بعض النقاط الممكن تحقيقها والمستوحاة من خبرتي الشخصية في المجال الأمني فيما سبق.

أولا: تطهير وتطوير المؤسسة الأمنية من خلال إطلاق يد رئيس الحكومة العراقية في إختيار الأشخاص الأكفاء لإشغال الوزارات والمواقع الأمنية وتحريره من قيود المحاصصة فيما يخص الملف الأمني لكي يتاح له سد الثغرات والحد من الإختراقات الأجهزة الأمنية.

ثانيا: إلزام مسؤولي الأجهزة الأمنية المشاركة بالدورات الدراسية والمحاضرات الأكاديمية المتكررة لتطوير قدراتهم الإدارية في مجال إختصاصاتهم وتشكيل لجان لغرض تقييم الأداء الدوري لهؤلاء المسؤولين لضمان أداء واجباتهم الأمنية بصورة صحيحة.

ثالثا: ربط المناطق المعرّضة للإستهداف المتكرر من قبل الإرهاب بشبكات نقل حكومية تحد من إستخدام و وقوف السيارات الأهلية الخاصة، كما ويتم الإستعانة بوسائل النقل الحكومية وحدها في الأوقات الحرجة.

رابعا: تطوير مهارات أفراد نقاط التفتيش وإستخدام الكلاب الخاصة المدربة على كشف المتفجرات والمواد الممنوعة وتنصيب الكاميرات في الأماكن المهمة والحساسة ومنها نقاط التفتيش الخارجية والداخلية للحماية والمراقبة.

خامسا: تقسيم المدن الى قطاعات أمنية يتم إسناد مسؤوليتها الى لجان تتضمن الإختصاصات التي تتطلبها حاجة القطاع الأمني، ومن ثم منح عضوية اللجنة المشرفة الى مختار أو الوجوه الإجتماعية البارزة لتيسير عملية التواصل والتنسيق بين الأجهزة الأمنية وسكان المنطقة لمحاصرة الحواضن الشعبية للإرهاب.

ختاما أن قلع الإرهاب من الجذور وجعله نسيا منسيا يتطلب القضاء على حواضنه الشعبية وتفكيك القوى المخترقة للأجهزة الأمنية في آن واحد، وتأكيد إستقلالية المسؤول الأمني ونزاهته... كما يتطلب النجاح نقاط أخرى كثيرة لايمكن ذكرها، وكلنا أمل في أن يضع القائمين على الملف الأمني حد للأنشطة الإرهابية سواء المحلية أو المصدّرة الى العراق.




64
الإرهاب وناقوس خطر الوصول بإسم الإسلام للسلطة

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
أن من المتطلبات الأساسية لنهوض الأمة الإسلامية مما جابهت وتجابه من كبوات هو التمسك والعمل بحقيقة العقيدة وجوهرها بمعزل عن القشور وبمنأى عن الأفكار المنحرفة والهداّمة التي تم زجّها عنوة تحت لواء الإسلام في الوقت الذي لاتمت فيه الى جوهر هذا الدين الحنيف بأية صلة عدا المظاهر والتسميات، وأصدق الأمثلة على ذلك، التنظيمات المتطرفة المؤمنة بالعنف والقتل العشوائي وعلى رأسهم تنظيم القاعدة الإرهابي الذي سعى لتوظيف المفاهيم الإسلامية لتبرير أفعالهم العدائية ضد الآخرين بما فيه الإرهاب الموجّه من قبلهم نحو المسلمين من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى التي لاتتفق مع تصوراتهم المريضة وفهمهم المغلوط للآيات القرآنية الشريفة الذي أدى بهم الى إستنباط ماهم عليه من عقائد منحرفة وأفكار هداّمة والتي من خلالها شرعنوا القتل العشوائي للنساء والأطفال وكذلك تهديم المساجد والكنائس والمستشفيات.

لا شك بأن القسم الأكبر من اللوم يقع على بعض العلماء المتلحّفين بعباءة الإسلام، ففي الوقت الذي كان العالم بأسره ينتظر إدانة صريحة منهم للأفعال الشنيعة التي قامت وتقوم بها هذه التنظيمات المتطرفة، رأينا ونرى مواقف داعمة وتعاطفا علنيا مع الفكر السلفي الذي أسس له المنبوذ أسامة بن لادن، سواءً في الوقت الذي كان فيه متنقلا بين الكهوف أو اليوم عندما أصبحت جثته العفنة طعما لأسماك القرش. حيث نلمس إصرارا كبيرا من قبلهم على خلق جيلٍ مؤمنٍ بالإرهاب، يمتلك كامل الإستعداد ليختم حياته الدنيوية بعملية انتحارية لإهلاك الحرث والنسل من حوله، توهما منه بأن ذلك هو الطريق الأقصر الى النعيم الأبدي، في الوقت الذي علّمنا فيه الرسول الأكرم (ص) قائلا :" إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل".. وكما لايخفى على أحد الكيفية التي يختمون بها حياتهم بتفجير الأحزمة الناسفة في الأسواق ومراكز العبادة والحصاد الجمعي للأرواح البريئة في مخالفة صريحة مع النصوص القرآنية التي يقول الله (تبارك وتعالى) فيها : " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا"..(المائدة 32).

لقد إستحوذ العراق على النصيب الأكبر من عدائية وإرهاب هذه الشبكات السلفية المتأسلمة التي وجدت في البعثيين حواضن آمنة لهم، إستطاعوا من خلالها حصاد أرواح مئات الآلاف من العراقيين وعطّلوا عبرها مسيرة بناء الدولة العراقية على أسس عصرية متحضرة وعرقلوا إمكانية الإستغلال الأمثل للثروات التي يتمتع بها هذا البلد. ويمكن القول بوجود عوامل أخرى متداخلة ساعدت على نمو وإستمرار هذه الأنشطة الإرهابية، فبالإضافة الى الغطاء الشرعي والجهد التعبوي الذي وفرته الإصولية الإقليمية في المنطقة للإرهابيين، فأن الخبرات المتواضعة والأساليب البدائية (غير العلمية) التي تتم بها مكافحة الإرهاب من قبل القيادات الأمنية في بغداد، قد ساهمت هي الأخرى في رجحان كفة الصراع لصالح الإرهاب الذي أصبح على إثر ذلك ممتلكا لزمام مبادرة التفجير والخطف والإغتصاب في الوقت الذي يشاء والمكان الذي يختار. ومما يجدر الإشارة إليه أيضاً، دخول هذه الأنشطة الإرهابية سياقات نوعية جديدة وفرتها لهم دعوات (المصالحة) التي مكنتهم من التغلغل في النسيج الأمني والإستخباري للدولة العراقية الفتية وبالتالي منحهم الفرصة لتعطيل عملية بناء مؤسسات الدولة من الداخل. اليوم وبعد أن أدركوا صناع القرار الأمني العراقي ماهية وأسباب الخلل الأمني فالحل قد يكمن بإستخدام آليات جديدة ووسائل ترتقي الى حجم التحدي وتشكيل لجان خاصة من كوادر وخبراء أمنيين يمتلكون رؤية متطورة قادرة على خلق بيئة آمنة خالية من الإرهاب.

ومثلما توهّم البعض في العراق بإمكانية كبح العدائية المتأصلة في نفوس الإرهابيين وإستمالتهم نحو الإعتدال من خلال إشراكهم في السلطة أو تمكينهم منها عبر ممر (المصالحة)، نرى اليوم تجارب إقليمية مماثلة شهدت إندفاعا في هذا الإتجاه من قبل قوى عالمية يتمثل في تأييدها للحراك الإقليمي الهادف لإيصال مجاميع إرهابية الى دفة الحكم في بعض الدول العربية اليوم وتحت غطاء مايسمى بـ (الثورة المسلحة)، ودعم شعاراتهم المعلنة التي ترى في السلطة بوابة "لحماية الدين والدولة" ..(على حد زعمهم)، ولم يكن الدعم الإقليمي والدولي شكليا مثلما إمتد الى تزويدهم بالأسلحة والأموال والدعم الإعلامي المفتوح والمتواصل الذي لم يقتصر على الفضائيات والصحف الخليجية بل إمتد الى مواقع التواصل الإجتماعي العالمية للتبشير بالجهاد والترويج لضرورة حمل السلاح والإنخراط في "مشروع إسقاط الأنظمة الإستبدادية التي لاتحكم بإسم الدين" (حسب إعتقادهم) ومن ثم ركوب موجة "محاربة السياسات الغربية في المنطقة" لتعبئة الرأي العام في المنطقة ليعيد العنف دورته من جديد.

ويدرك اليوم الكثيرون خطورة وصول الإرهابيين الى السلطة فضلا عن إشراكهم فيها، فالخطورة لاتقتصر على إمكانية إساءة إستخدام السلطة والثروة وصولاً الى مرحلة حملهم القنابل النووية في الحقائب الديبلوماسية، فمع أهمية هذا الأمر ألا أن الأكثر خطورة، تمكينهم من إختطاف المجتمعات والسير بها نحو مستنقعات العنف والجريمة المنظّمة وبالتالي إخراج الأجيال القادمة من فضاء الإعتدال نحو نفق التطرّف.
 


65
المشكلة الأمنية والحواضن السياسية للإرهاب
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
يحاول البعض التقليل من أثر العامل الخارجي في التأثير على الوضع الأمني العراقي، فقد وصلتني عدة رسائل بهذا الخصوص ردا على مقالي السابق (الأزمة العراقية الى أين؟) والذي ركّزت فيه على ضرورة الإرتقاء بالعمل الأمني الى مستوى التحديات المتعاظمة، وتطرقت فيه الى " أن الأرهاب والقوى الإقليمية المساندة له عاكفة على إعادة صياغة طرق تعاملها وآليات إختراقها للواقع العراقي بطرق جديدة ومتجددة". ومع أن الحال ليس خافيا على الجميع ألا أن البعض يحاول خلط الأوراق بتبرئة بعض دول الجوار مما يحصل من قتل وإرهاب في العراق وبالنتيجة ماهي ألا محاولة يائسة للتغطية على تبعية جهات سياسية عراقية للأجندات الخارجية والتي تشكل في الأساس السبب الرئيسي وراء تلكؤ الأداء الأمني بين الحين والآخر. أي أن التداخل بين العامل الخارجي والآخر الداخلي لاإنفكاك له عند تناول المشكلة الأمنية في العراق.

يؤكد العديد من المسؤولين الأمنيين من خلال تصريحاتهم الإعلامية على وجود أيدي خارجية تحاول العبث المستمر في الوضع الأمني، وبمن فيهم القائد العام للقوات المسلّحة ورئيس مجلس الوزراء السيد نوري المالكي الذي ذكر مرارا "بأن الإرهاب مصدّر لنا من الخارج".. ولاشك أنه يستند في ذلك الى نتائج التحقيق وإعترافات معظم الإرهابيين الذين وقعوا في قبضة الأجهزة الأمنية.. كما وصف الوكيل الأقدم لوزارة الداخلية السيد عدنان الأسدي في مقال له سابق التحدي الذي يجابه رجل الأمن بالقول.." يواجه المسؤول الامني وعنصر الامن صعوبة بالغة في التعامل مع هذا النوع الجديد من الاجرام الوافد من خارج الحدود ومما صعب الامر في مواجهته اتخاذه شعارات دينية ووطنية مما اوجد له حاضنات متعددة ".. وذلك يلقي الضوء وبوضوح على الهياج القاتل والإندفاع الجنوني لدى الدول الداعمة للإرهاب تجاه الوضع الجديد في العراق. ولاشك أن طول الفترة الزمنية لهذا الهياج والإندفاع الذي إبتدأ بتصدير الإرهابيين وتمويل وتدريب وتسليح مجاميع من هذا النوع، قد إنتهى به الحال الى خلق حواضن سياسية ودينية وتحقيق بعض الإختراقات على مستوى الأجهزة الأمنية نتيجة إنتهاج سياسة المحاصصة في توزيع المراكز الوظيفية في الدولة.

لايمكننا إغفال العوامل الداخلية الكامنة وراء المشكلة الأمنية في العراق والاكتفاء بإلقاء اللوم بالكامل على العامل الخارجي، فقد كان العامل الداخلي ولايزال عاملا مساعدا في دحرجة كرة النار على الأرض العراقية، حيث نجحت الأجهزة الأمنية بتطويق الكثير من حواضنه وتجفيف منابعه الرئيسية. ورغم أن القوى الإرهابية قد استطاعت ومنذ بدء المعركة التسلل الى مراكز القرار الأمني في البلد ألا أن الغربلة المستمرة للأجهزة الأمنية من قبل القادة الأمنيين أدت الى الحد من هذه الخروقات الخطيرة، لكن تطويق ومحاصرة الإختراق الوظيفي لايعني السيطرة التامة على مفردات الوضع الأمني خاصة فأن الجانب السياسي لازال يشكّل دافعاً كبيرا لتحريك النزوع نحو القتل والدمار لدى القوى الإرهابية وشراذم البعث الطامعة بالعودة الى السلطة.

رغم أننا نرجح العامل الخارجي في كونه سبباً في حصول الإخفاقات الأمنية وأن العامل الداخلي قد أصبح ثانوياً خاصة مع الخبرات التي إكتسبها القادة الأمنيين في صراعهم الطويل مع الإرهاب، لكن ذلك لاينفي وجود علاقة مباشرة وإرتباط وثيق بين العوامل الخارجية والداخلية تقف وراء الإخفاقات الأمنية التي تحصل بين الحين والآخر.. كما أن أهم مايجب الإلتفات اليه أن الطرق التقليدية وردود الأفعال الانتقامية في محاربة الإرهاب لم تعد مضمونة النتائج وإن عالجت بعض أوجه المشكلة لكنها لاتستطيع القضاء على المشكلة نهائيا مالم يتم محاربة الأفكار والحواضن والشخصيات المحرّكة لنوازع القتل الجماعي والمحرّضة لتلك القوى في وقت الأزمات السياسية والتي تريد للعراق أن يكون حاضنة للإرهاب بدلا من أن يكون الحاضنة الإستثمارية الأكبر في الشرق الأوسط.


66
الأزمة العراقية الى أين؟
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
يمر العراق اليوم بأزمة سياسية تعد الأكثر خطرا من بين الأزمات المماثلة التي شهدتها العملية السياسية فيما سبق، حيث تزامنت مع أزمات أخرى مستديمة كأزمة الأمن والخدمات (الكهرباء خاصة) التي يتقاسم جميع الأطراف المشاركة في الحكومة وبدرجات متفاوتة المسؤولية في عدم إيجاد السبل الكفيلة بتجاوزها الى اليوم. ومما يكسب هذه الأزمة خطورة أكبر كونها الأزمة السياسية الأولى بهذا الحجم التي تحدث بعد انسحاب القوات الأجنبية من العراق الذي أعطى دول الجوار فرصة أكبر للدخول على المسرح العراقي بقوة وعبر قنواتها السرية السياسية منها والأمنية والتي تؤكد إختراقها لكلا الواجهتين في المشهد العراقي.

وقد جاء يوم الأربعاء الدامي الثالث عشر من حزيران 2012 الذي حصد مئات الأرواح من العراقيين الزاحفين لإحياء مراسيم إستشهاد الإمام موسى بن جعفر (ع) ليؤكد سعي الأقطاب الإقليمية لترجمة مآربها عمليا عبر الأذرع الإرهابية التي ركبت موجة التناحر السياسي لتوجيه ضربة قوية للجدار الأمني الذي لم يمتلك والى الآن القدرة الكبيرة على صد مثل هذه الضربات خاصة مع وجود تحديات سياسية تختلقها بعض الأطراف تسهم هي الأخرى في خلق مناخ مناسب لمثل هذه الإنهيارات الأمنية ...  فالقوى الإرهابية الموجودة في العراق تستثمر مثل هذه الظروف لتأكيد وجودها القوي على الساحة العراقية. فلايمكن لأي جهة نفي وجود الارهاب في العراق وفي نفس الوقت لايمكن انكار حقيقة أنه مصدّر من الخارج والمفروض أن تكون الأجهزة الأمنية إصلاحية وخدمية ولكن العكس هو ما يجري الآن.

حيث اتسمت الأجهزة الأمنية في معظم الدول الاقليمية بالروح الانتقامية في معالجتها للأوضاع الأمنية وهذا النمط من المعالجات لايمكن له أن يثمر عن نتائج ايجابية دائمية الأثر، فلربما يكون لها أثر ايجابي مؤقت ولكنها بلاشك تزيد الإحتقان لدى الشارع العراقي وتحيل دون استثمار دور المواطن في أن يكون جزءاً من الجهد الإستخباري للحد من الإختراقات الموجودة ، لذلك نخشى إنحسار ردود أفعال الأجهزة الأمنية تجاه الأزمات في عشوائية المعالجات التي قد تشمل أطراف بريئة من الممكن إستثمار دورها في الجهد الأمني بشكل عام ، خاصة وأن الشارع العراقي هو الأساس في أي نجاح لأي جهد استخباري مأمول للحد من الإنهيارات الأمنية المتتالية.

ومما يؤسفنا اليوم هو تسلل الروح الانتقامية الى المشهد السياسي حيث باتت أفعال وردود أفعال القوى السياسية تتصف هي الأخرى بصفة الانتقامية أيضاً سواء ما هو موجه تجاه الحكومة العراقية أو فيما بين بعضها البعض والذي يسهم بالضرورة في انتاج بيئة سياسية متوترة ومتصارعة سهلة الاختراق. وذلك أيضا هو دليل الاختراقات السياسية من قبل القوى الاقليمية للواقع السياسي حيث تغذي هذه القوى نفوذها من خلال تصعيد الإحتقانات السياسية وإحداث الانهيارات الأمنية لإعادة انتاج الفوضى.

أن الأرهاب والقوى الإقليمية المساندة له عاكفة على إعادة صياغة طرق تعاملها وآليات إختراقها للواقع العراقي بطرق جديدة ومتجددة ولكننا نرى في المشهد وعلى المستويين الأمني والسياسي هنالك أطراف عجزت أن تكون بمستوى التحديات المتعاظمة  ولم تكتفي بذلك بل نراهم مُصرين على وضع العصي في عجلة أي تطور من هذا النوع سواءً سعت له الحكومة العراقية أو أي طرف عراقي آخر يحاول الإرتقاء بجهده الى، أو أعلى من مستوى التحديات المتسببة بهذه الأزمات السياسية منها والأمنية على حد سواء.



67
الفتنة نائمة (في الإقليم) لعن الله من أيقظها

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
 
أن ماحدث في إقليم كردستان العراق مؤخراً من شغب وخروج فاضح عن القانون (في زاخو ودهوك ونواحي وأقضية أخرى) لايمكن له أن يكون حدثا وليد الصدفة أو بعيداً عن نوايا سياسية مسبقة  لطرف ما ضد خصم سياسي آخر.  ولكن رغم التخطيط المسبق ألا أن تسارع الحدث واتساعه كالنار في الهشيم شكـّل عنصر مفاجأة لجميع الأطراف بما فيهم الطرف المؤجج لنار الفتنة، الذي وعلى مايبدو أرادها أن تكون فوضى محدودة وخلاّقة ولكن أتت الرياح بما لاتشتهي السفن، ليقع هو الآخر فريسة ردود أفعال ذو طابع انتقامي تمثّلت في حرق مكاتب الطرف المستهدف أي: مقراّت الاتحاد الاسلامي الكردستاني.

لقد كان التعايش السلمي في الإقليم بين أتباع الأديان والمذاهب المختلفة وعلى وجه الخصوص بين المسلمين والمسيحيين والإيزيديين ولازال حقيقة قائمة ومنذ أمد بعيد، وأن معظم الصراعات التي شهدها الإقليم من قبل لم يكن الدين طرفاً فيها مثلما كانت الدوافع السياسية هي المحرّكة لطرفي النزاع على الأغلب أو القبلية في بعض الأحيان. ومن جانب آخر، وبإستثناء مراكز التدليك فأن معظم الأماكن الترفيهية ومحلات بيع الخمور التي استهدفت من قبل المتظاهرين لم تكن جديدة على المنطقة بل كانت موجودة منذ عهود سابقة ولم يسبق لها أن تعرضّت لهكذا استهداف...  فمالجديد بالأمر؟

لاشك أن الجديد في الأمر ليس بعيداً عمّا حدث في العراق ويحدث في المنطقة عموماً من وصول الاسلاميين الى رأس السلطة، وبالتالي فهي محاولة استباقية من قبل أطراف علمانية نافذة لإضفاء صفة التطرف على التنظيمات الاسلامية في الاقليم.  ولكن ، لم يكن في حسبان المتصيدين بالماء العكر بأن نارا مستعرة تحت الرماد تمثلت بوجود شرائح مكبوتة من المجتمع ركبت موجة الأحداث لتصبح هي الطرف الأساسي في المواجهة.. لتتصدى لأطراف سياسية لم تصغي يوماً لمطالبهم ولم تتفرغ لهمومهم بل كان الفساد والإفساد هو شغلها الشاغل. ومما يرجّح الإعتقاد بأن القضية قد إفتعلتها في البداية مجموعة صغيرة متحزبّة (عصابة) تابعة لأطراف نافذة ومتسلطة وموجهة لحرق مكان أو مكانين سياحيين لكي تتهم أطراف اسلامية بذلك. ولم يمر من الوقت الكثير حتى وجدت هذه العصابة نفسها محاطة بشباب غاضب أشعل الحرائق لتوسيع رقعة الفوضى دون أن يعرف هدف وسر اللعبة، عندها إنقلب السحر على الساحر وخرجت الإمور عن سيطرة الجميع. بعد ذاك كان رد الفعل انتقاميا للنيل من مقرات ومكاتب الطرف المستهدف الذي لم تفلح العصابة في تشويه سمعته في الداخل والخارج..  مما يؤكد بالنتيجة أن (المسؤول الأول والأخير عما حدث والمحرّض على الفتنة هو الطرف الذي وقف وراء جريمة حرق مقراّت الاتحاد الاسلامي الكردستاني).

مع أني درست العلوم الدينية في المعهد الاسلامي في سان دييغو وتفاعلت مع الكثير من الأنشطة الدينية والانسانية ألاّ أني أتحدّث هنا كمستقل غير منتم لأي جهة سياسية اسلامية أو علمانية، ولكن كوني مستقل لايعني الوقوف متفرجّا على من يسعى بخبث لإخراج أي نشاط سياسي إسلامي من دائرة الإعتدال والوسطية وتصنيفه في خانة التطرّف والإرهاب وفقا لمزاجه الخاص ورغبته في توسيع دائرة نفوذه على حساب الآخرين لكي ينتهي الى استعباد الإنسان الذي كرّمته السماء حيث يقول تعالى "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (سورة الإسراء) ..لكن التكريم الإلهي يُقابل اليوم بإستباحة الدماء والممتلكات والحريات من قبل المتسلطين والظالمين.

ولايمنعنا ذلك أيضا من الإقرار بوجود حركات ومجاميع إرهابية رفعت ولازالت ترفع الإسلام شعارا في الوقت الذي أمعنت وتمعن في الإساءة للإنسان والإنسانية وإهلاك الحرث والنسل، ألاّ أن مثل هذه الأنشطة باتت مشخّصة ومعلومة لدى القاصي والداني ولايمكن تعميم سلوكياتها اللا إنسانية على بقية الفعاليات الاسلامية المتمسكة بنهج الاعتدال في خطابها الاعلامي وحراكها السياسي. لذلك نرى في أن أصحاب المقالات ممّن يستغلون مساحة الحرية في الاعلام الالكتروني لخلط الحابل بالنابل والطعن بالدين الاسلامي والإساءة لشخص الرسول الأكرم (ص)، ماهم إلا عناوين بارزة للتطرف العلماني أسوة بالتطرف الإسلامي على حدّ سواء.

نحن ضد التطرّف علمانياً كان أو إسلامياً، ولي مقال سابق جاء استنكارا لإستهداف مسؤولي الحزبين الحاكمين في أول أيام عيد الأضحى عام 2006، كان بعنوان (الإرهاب ربيب الشيطان) أصف فيه بشاعة تطرّف الجهة المنفّذة للإعتداء والمتلحفة بعباءة الإسلام. بعبارة أخرى أن لا تهاون مع المتطرفّين أي كانت العناوين والشعارات التي يرفعونها أو المبررات الملازمة لأفعالهم وأقوالهم اللاّ إنسانية وهذا مانرجوه من الأخوة العلمانيين أيضا: أي الوقوف بوجه التطرف المبتذل لبعض الأقلام المحسوبة عليهم حفاظاً على التعايش السلمي والسلم الأهلي في الإقليم.

عودٌ على بدء، أن مثل هذه الفتنة المقيتة التي حدثت في إقليم كردستان العراق، لايمكن أن يسدل عليها الستار بالجلوس الى طاولة المجاملات السياسية وتفريغ الحدث من أبعاده المجتمعية..  فالقضية لم تعد مقتصرة على طرفين سياسيين بل تتعداهم الى ماهو أبعد كونها سابقة خطيرة ذو مساس مباشر بالسلم الأهلي في الإقليم، ويأتي هنا دور السلطة القضائية سواءً القضاء في الإقليم أو (في حال عجزه) فالمحكمة الإتحادية في بغداد...

ان إصرار الأطراف المعنية على جعل القانون هو الفيصل وعدم تحييد القضاء في مسألة إختلطت بها الأوراق السياسية بالاجتماعية لهو دليل صدق وحرص هذه الأطراف على أرواح وممتلكات الناس ومؤشرا انسانيا لنوايا صادقة تهدف الى تجنّب وقوع مثل هذه الفتنة مستقبلا، كما أن تدخّل القضاء سوف يحول دون إمتداد (التنافر والتباغض) الى الجاليات الكردستانية في المهجر. عدا ذلك فإن الحلول السياسية في الغرف المغلقة وتبويس اللحى ماهو إلاّ نذير شؤم لمزيد من الفتن، بل ودلالة واضحة على إستخفاف هذه الأطراف بالمجتمع الكردستاني وإستهزاءهم بسلطة القضاء، عندها (إن حصلت التعمية وتم التعويض وترميم المباني المحترقة بعيدا عن القانون) فلا نلام حينها إن ردّدنا معاً.. تسمية (إقليم اللاّ قانون) التي أطلقها  رئيس تحرير صحيفة صوت كردستان الأستاذ هشام عقراوي، في مقاله الأخير والذي تناول فيه أحداث (الفتنة).

68
المسارات الآمنة للعراق.. ما سلفَ منها وما هو آت
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

أن أحد أهم الأمور التي أكدّها "يوم الوفاء"31 كانون الأول 2011 هو أن خيار المفاوضات الذي شكّلت الحكومة العراقية أحد أطرافه كان الخيارالأكثر أمنا. فقد دخل به العراق مرحلة التحرر الوطني لتبتدأ خطوات بناء الدولة وليأخذ دوره الإيجابي الفاعل وتنشيط علاقاته الديبلوماسية وبشكل متوازن مع محيطه الاقليمي والدولي في عصر لايمكن لأي بلد العيش بشكل منفرد وبمنأى عن بقية دول العالم. فقد تكلّلت الجهود التفاوضية للحكومة العراقية بمنجز تاريخي لم يكن ليحدث لولا الموازنة الدقيقة للسيد المالكي ما بين ابداء المسؤولية الكاملة تجاه ما أفرزه المسار التفاوضي من التزامات مع الجانب الأمريكي وبين إلتحامه مع سقف التطلعّات الوطنية للشعب العراقي الطامحة لنيل سيادة العراق الكاملة على أرضه وثرواته. وإلى جانب هذا وذاك فقد تجاوزت الحكومة برئاسة السيد المالكي فترة عصيبة تقاذفتها مطرقة الإرهاب من جهة وسندان الشركاء السياسيين الساعين لوضع العصيّ في عجلة الأداء الحكومي من جهة أخرى.

لم تكن المهام التي تصدّت لها الحكومة العراقية باليسيرة مع ذلك فقد استطاعت التغلّب على تحديات المرحلة الماضية بدرجات نجاح متفاوتة مابين صعيد وآخر وبحصيلة تكاد تكون التجسيد الأصدق لأقصى مايمكن تحقيقه مقارنة مع الجوانب الأمنية والسياسية المشار لها سلفا والتي أحاطت مسار أداءها الحكومي. و لاجدال في أن مرحلة مابعد الانسحاب سوف تلقي بمسؤوليات أكبر وأشق على كاهل الحكومة تتطلّب من القوى السياسية مجتمعة الحفاظ على المشروع الوطني الذي تصدّت له الحكومة في المرحلة الماضية، مع ذلك فليس من المتوقّع أن نرى أداءً مختلفاً عما دأب عليه الشركاء السياسيون في المرحلة السابقة، مما يشير الى أن أمام الحكومة العراقية ممرا أخطر لايمكن تجاوزه دون تبنّي قرارات أكثر جرأة ترتقي الى مستوى المرحلة وماتنطوي عليها من تصور لخطط تنموية وطنية شاملة  ومايترتّب على هذا التصور من ضرورة تبنّي معالجات جادة لأي شرخ محتمل في العلاقة التلازمية والجدلية بين الأمن والتنمية.

لاشك بأن التصور التنموي الشامل لن يكون بمنأى عن خطط تنمية الثروة البشرية التي تعد الحجر الأساس لأي عملية تنموية شاملة وكذلك جذب العقول العلمية واستثمار الطاقات العراقية المهاجرة بما فيه إعداد الخطط الكفيلة بتحقيق الهجرة المعاكسة لرأس المال العراقي في الخارج ليكون حافزا لدخول رأس المال الأجنبي. ولست بصدد تناول التوجه التنموي بشكل تفصيلي فهناك من هو متخصص في هذا المجال ولكن مانود التأكيد عليه هو استحالة وجود تنمية شاملة دون وجود بيئة آمنة والعكس بالعكس وليس التجارب العالمية وحدها من تشير الى ذلك، بل ذلك ما أكدّه القرآن الكريم في قوله تعالى "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" (سورة ايلاف). وذلك مايشير الى العلاقة التلازمية فيما بينهما وبما لايدع مجالا للقول بأن المرحلة القادمة خالية من التحديّات الأمنية بل تبرز الحاجة وبشكل أكبر لترسيخ دعائم الأمن وبما يجعل من البيئة الأمنية أكثر استيعابا للتوجه التنموي ومرحلة بناء الدولة.

وفقا لذلك يصبح الحديث عن التوجه التنموي وتطوير مساحة العمل المشترك مع الدول المتقدمة على الصعد المختلفة والسعي لتحرير الاقتصاد العراقي من قيود البند السابع، حديثا غير مكتمل ولايرقى الى أن يتصف بالجدية أو مايمكن وصفه بالممر غير الآمن مع وجود الوزارات الأمنية دون تسمية الى اليوم حيث تقف بعض القوى السياسية في وجه الحكومة لتعطيل حسم هذا الملف الحيوي. وبالتالي تبرز الحاجة الى قرار شجاع من السيد المالكي مكملا لإنجازاته السابقة ومتوائما مع مرحلة التحرر الوطني يتلخّص في ترشيح شخصيّات وطنية كفوءة ومستقلّة، ومع أني أرى بأن السيد نجيب الصالحي هو أحد أبرز الشخصيات الوطنية التي لم تأخذ فرصتها وممن لايتسنى للمتصيدين بالماء العكر الطعن في تاريخها أو التشكيك في حرصها على التجربة الديمقراطية أو الإنتقاص من قدراتها الادارية في حال ترشيحها لوزارة كالدفاع أو الداخلية، مع ذلك ففي العراق من الشخصيات المستقلّة والكفوءة الى جانب السيد الصالحي ما نحن بأمس الحاجة لتوظيف قدراتهم وفسح المجال لهم للإسهام في رفع كفاءة الأجهزة التنفيذية لكي يتماشى المنجز الأمني والآخر التنموي بشكلٍ متواز على حد سواء ضمن مسار وطني آمن.



69

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان يا سيادة البرزاني- الجزء الثاني

عبدالرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
كنت قد أوليت اهتماما خاصا في الجزء الأول لمقبرة الأحياء المتمثلة في (سجن قصر النهاية) فلربما لايعي الكثير من الشباب الحالي أساليب البعث الوحشية التي درج عليها في التعامل مع صفوة المناضلين العراقيين. وقد لايدرك بعضهم كيف أن البعض ممن أسندت لهم اليوم مسؤوليات كبيرة في الحزب الديمقراطي الكردستاني، قد طمعت نفوسهم المريضة أمام مغريات البعث ليكونوا أذرعاً له وأدوات تنفيذ مبتذلة لمخططات تشويه واغتيالات بحق أصحاب التضحيات الحقيقية والمواقف الوطنية والإنسانية. وقد ضربت مثالا على ذلك أفراد العصابة التي أقدمت على محاولة اغتيالي في ولاية كاليفورنيا الأمريكية بتخطيط  مشترك بين المخابرات الصداّمية وفاضل مطني ميراني وبتنفيذ مسؤول اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني والمدعو جمال قاسم الذي أدين من قبل القضاء الأمريكي لينال الحكم المؤبد آنذاك. وسأتناول في هذا الجزء محطّات أخرى من التضحيات منها ما يخصّني وأخرى تخص والدي وأخوتي وآخرين.
أولا: باكورة العمل السياسي ونكسة 1975
كان للظروف السائدة أواخر الحُكم الملكي في العراق أثرها الكبير في توليد مناخ سياسي ساعد على تنمية الحس الثوري لدى الشباب والدفع بإتجاه دخول ميادين العمل السياسي، لذا وجدت في الحزب الديمقراطي الكردستاني آنذاك النافذة السياسية للتعبير عن تطلّعاتي في العيش بحرية وكرامة، ففي العام 1957 قرّرت الإنضمام للحزب ومن هنا كانت البداية مع رحلة نضالٍ شاقّة استمرت سنين طوال لحين النكسة التي مُنيتْ بها الثورة الكردية عام 1975 على أثر إتفاقية الجزائر الخيانية. وقد تخللت هذه الرحلة النضالية هجرات قسرية و نفي سياسي واعتقالات طالتني شخصيا، وتهديدات وحرب نفسية وقطع أرزاق طال أهلي ومعارفي تسديدا لثمن الإنتماء للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي قدّمنا له كل مابوسعنا لتحقيق الشعار المرفوع (الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان العراق) وبعد أن تحقق له مايريد وأكثر، تنّكر المندسّون والعملاء لصفحات نضالنا وحجم تضحياتنا التي وصلوا بها الى ماهم عليه الآن.

لقد تعرّضت للإعتقال بعد اندلاع ثورة الحادي عشر من ايلول عام 1961 في كردستان العراق نتيجة الإسناد والتواصل مع أفراد البيشمرگه الذين التحقوا بالثورة، وفي أواخر تشرين الثاني من نفس العام تم إطلاقي سراحي مقترناً بإبعادي من أربيل الى راوندوز، لم يكن الأمر بالنسبة لي سهلا آنذاك ألا أني حاولت جاهدا التكيّف مع الوضع الجديد لحين عودتي مجدّدا الى المدينة الأم (أربيل) عام 1963 بعد انقلاب شباط الأسود وتحديدا بعد الهدنة المؤقتة 9 آذار التي أعلن عنها مجلس قيادة الإنقلاب آنذاك. وفي حزيران من نفس العام وبعد مضي أشهر على عودتي لمدينة أربيل فشلت الهدنة وتجدد القتال مع الإنقلابيين البعثيين وبدأت أنظار المخبرين تلاحق الكوادر الواعية والنشطاء السياسيين وشرعت تشكيلات الحرس القومي في الهيمنة والإستهتار. في خضّم تلك الأحداث باتت اللقاءات المصغّرة مع أعضاء الحزب لاتخلو من المغامرة، ففي أثناء عودتي الى البيت بعد اجتماع مصغّر ببعض الناشطين في نادي المعلمين تم إعتقالي من قبل ميليشيا الحرس القومي واجهت حينها صنوفاً من التعذيب والإهانات والابتزاز المادي وتوسّط بعض الوجهاء ليُطلق سراحي فيما بعد مشروطا بالإبعاد من أربيل الى الموصل هذه المرّة.

لم تمنع الملاحقة الأمنية والإبعاد المتتالي من مواصلة العمل السياسي وتنشيط  هيكلية الحزب الديمقراطي الكردستاني في المناطق التي أبعِدت لها، بل دفع بي ذلك الى مضاعفة الجهد، خاصة في الموصل حين أسندت لي مهام مسؤول اللجنة المحلية في المحافظة التي كانت مرتبطة تنظيميا بالفرع الأول للحزب. وعلى أثر هذا التفاني والإندفاع الذاتي في تنفيذ المهام الحزبية وتسرّب المعلومات للجهات الأمنية بواسطة العناصر المندسّة في التنظيم، كنتُ قد تعرضت للإعتقال لينتهي بي المطاف في سجن قصر النهاية عام 1969 ثم أطلق سراحي بتدخل من السيد مسعود البرزاني وعلى طريقته الخاصة، وكما أشرت الى ذلك بالتفصيل في الجزء الأول

في أواخر عام 1971 تم نقلي حزبيا الى الفرع الخامس في بغداد بدرجة عضو فرع. حيث طلب مني مسؤول الفرع آنذاك (الشهيد صالح اليوسفي) تشكيل ( مكتب العمال والفلاحين ) في مقر الفرع الخامس ، لكي يتم بعدها فتح مكاتب فرعية في المحافظات الكردستانية.. عدت الى سجن قصر النهاية عام 1972 وأطلق سراحي عام 1973 بالتبادل (وكما أشرت في الجزء الأول).. وقد غادرت بغداد خوفا من الوقوع بأيدي الأجهزة الأمنية للبعث المنهار.. وفي نفس العام أسندت لي مسؤولية جهاز الپاراستن (مخابرات الحزب) في منطقة قيادة الثورة آنذاك (منطقة بالك) وباشرت بإدارة الجهاز من المقر الرئيسي في گلاله. وفي أواسط عام 1974 وفي ذروة القتال مع البعث وبدء عملية النزوح الجماعي لما يربو على 70 ألف نازح نتيجة القصف المكثف والإعتقالات العشوائية، تم تكليفي من قبل السيد مسعود البرزاني شخصيا بالإشراف على الحدود العراقية الايرانية وتحديدا منطقة خانه- پیرانشهر لتنظيم وتسهيل عملية النزوح والإشراف المباشر من مقرّي في (شيوه ره ش) على عمليات الإغاثة للحالات الطارئة التي تزامنت مع موجة حادة من تساقط الثلوج والبرد القارص. وفي عام 1975 وبعد النكسة التي منيت بها الثورة ونزوح القيادات الميدانية الى ايران مكثت في ايران مايقارب السنة، هاجرت بعدها الى الولايات المتحدة في منتصف 1976 الى ولاية كاليفورنيا- مدينة سان دييغو تحديدا والتي لازلت مقيما فيها والى اليوم. ومما يستوجب التنويه عنه، هو اني قد ابتعدت عن العمل السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني منذ 1976 والى اليوم.

ثانيا: اعتقالات ومعاناة الأهل والأقارب.

كان والدي الحاج طاهر مصطفى أكثر المتضرّرين من جراء التقارير التي يدوّنها عملاء المخابرات العراقية خارج العراق الى بغداد. فقد كان المحل التجاري (الدكان) مصدر رزقه الوحيد، هدفاً لرجال الأمن بين الحين والآخر. كثيرا ما يقتادوه من وسط زبائنه الى دائرة الأمن للتحقيق والإستفزاز والمضايقة. كان رجال الأمن يطالبونه بالسفر الى الولايات المتحدة لإقناعي بالعودة الى داخل العراق أو على الأقل استدراجي الى أحد البلدان العربية المجاورة لكن الوالد (رحمه الله) يجيبهم بأن "علاقتي بولدي مقطوعة منذ زمن بعيد ولاسلطة لي عليه.. وبعد ذلك ألزموا والدي وأخوتي بالحضور المنتظم لدائرة الأمن بشكل منفرد لغرض الإستجواب وفي نفس الوقت ألغوا الإجازة التجارية منه (إجازة بيع السكاير والشاي والسكّر) فبقي محلّه فارغا ليبتدأ رحلته مع الفقر والحرمان .. استمر الحال هكذا الى يوم وفاته بالسكتة القلبية في 1/9/1985 وكان اليوم الذي يجب أن يذهب به الى مديرية الأمن ليتعرض الى الضغط النفسي والتعذيب..!. ولم تبق أمي بعده طويلا حتّى فارقت الحياة أيضا.

كان أحد أبناء شقيقتي فؤاد محمد سعيد هو الحرس الشخصي لي في العمل الميداني قبل النكسة، وبعلم السيد مسعود البرزاني وعلم السيد شكيب عقراوي  وعضو اللجنة المركزية للحزب السيد يونس رو ژ به ياني.. وقد عاد فؤاد بعد النكسة الى العراق وحلَّ ما حلَّ به مع اثنين من أخوته، ولم تمض فترة طويلة حتى فارقت شقيقتي الحياة كمداً على فقدان أولادها الثلاثة.

وقد حلّ بشقيقتي الأخرى مأساة أكبر، فقد كان ولدها (گيلان بشير مامه) ملاحقا من قبل المخابرات الصدّامية بسبب علاقتهم بي وقد تمكّن من الهرب الى ألمانيا وترك أطفاله الستة والزوجة في كردستان العراق وبعد أن حصل على أوراق رسمية في ألمانيا، طلب من عائلته التوجه خلسة الى اليونان وأثناء توجههم الى هناك هربا من النظام صعدت العائلة مع آخرين ليشكلّوا معا (70 شخصاً) على متن أحد القوارب العائدة الى أفراد يهرّبون الناس مقابل مبلغ من المال، وفي قلب البحر تعرّضت الباخرة الصغيرة الى الغرق في الشهر السادس 1996 ليصبح من عليها وبما فيهم أطفاله وزوجته طعما لأسماك القرش. حيث كتبت وسائل الاعلام عن ذلك الحادث. وبعد سماعه للخبر أدخل گيلان في مستشفى الأعصاب في برلين نتيجة فقدانه لأطفاله الستة وأمهما في نفس اليوم، ولا زال ابن أختي في حالة نفسية يرثى لها لحد الآن بسبب هَول تلك الصدمة، وأن أفراد الجالية الكردية على علم بالحادث ولازالوا يتذكرون تلك المأساة ببالغ الألم والأسى، حيث كتبت عنها العديد من وسائل الاعلام العالمية التي لازلت أحتفظ ببعض مانشرته عن الحادثة.

 أن أخوة زوجتي أيضا كانوا في نفس الوضع المأساوي حيث واجهوا التعذيب والإعتقالات وأن أحد أخوتها المدعو ابراهيم علاء الدين عقراوي توقف عدة مرات وقد تعرّض الى كسر في رجله في آخر مرة عذبوه بها، وكذلك الشقيق الثاني لزوجتي وإسمه اسماعيل علاء الدين عقراوي قد عذّب وسجن وشرّد ويسكن في دهوك حالياَ وكذلك الشقيق الثالث صباح علاء الدين عقراروي تعرض للضغط بعد عودته للعراق بعد النكسة وضغطوا عليه لإعادتي وقد جاء الى أمريكا لفترة شهر وقد قلت له بأني سوف أزودّه بما يثبت استمراري بالدراسة في الكلية وسوف أعود بعد اكمال دراستي وقد علمنا بأنه قد توفى في حادث اصطدام سيّارة بعد عودته الى العراق.

ثالثاً: الممتلكات والحقوق الضائعة

في أثناء إعتقالي الثاني  1972في سجن  قصر النهاية تم حجز الدار التي كنت أمتلكها في أربيل - محلة الرونا گي وعند خروجي من السجن عام 1973 طلبت من الدوائر المختصة إعادة الدار ألا أنهم عرقلوا الإجراءات وأحالوها الى بغداد للبت بالأمر، لكن التحاقي بصفوف البيشمر گه في هذه السنة قد أضاع فرصة حيازة البيت من جديد والى اليوم. وعند مراجعتي بعد عام 2003 أجابني موظفوا دائرة الأملاك في أربيل بعدم وجود إسمي في السجلاّت.

وقد كانت لي قطعة أرض (عرصة) في مدينة گلاله أيضاً، يعلم بها بعض المسؤولين منهم السيد يونس رو ژ به ياني وآخرين، ولم يتم إعادتها لي لحدّ الآن.

لقد تم تشريع العديد من القوانيين التي تعنى بالحالات المماثلة ألا أني ورغم زياراتي المتكرّرة للإقليم لم أستفد من أي منها سواءً مايتعلّق بالسجناء السياسيين أو الأخرى المتعلقة بالهجرة والمهجّرين أو الدوائر المتخصصة بقضايا الملكية. وربما الشئ الوحيد الذي تحقق لي لحد الآن هو اعادة الجنسية العراقية لي ولأفراد عائلتي التي أسقطها النظام فيما سبق، وقد تطلّب إعادتها السفر مرّتين الى العراق لإكمال الإجراءات اللازمة إحداها عام 2004 والسفرة الثانية عام 2009.

أخيرا وليس آخرا، أود الإشارة الى أني رغم التوقف التام والإبتعاد عن الحزب الديمقراطي الكردستاني في الفترة التي تلت 1976 ألا أن جذوة النضال ضد نظام البعث لم تخبو في المهجر ولكنّها أخذت طابعاً مستقلا غير متحزّب أو أنشطة انسانية وإعلامية ذات طابع شخصي أو مستقل. فقد كنت وحتّى 2003 ساعيا بما أوتيت من جهد مع ناشطي الجالية العراقية لإيصال الصوت العراقي المعارض لسلطة البعث الصدّامي الى العالم.. وقد كنّا نقطع المسافات بين الحين والآخر للإشتراك بالأنشطة المعارضة في لوس أنجلوس، أو لإستقبال ساسة المعارضة والمشاركة في الندوات التي يقيمونها آنذاك.  كما كانت المدينة التي أقطن بها (سان دييغو - كاليفورنيا) إحدى المحطّات الرئيسية لقادة العمل المعارض من حيث وجود نشاط استثنائي ملحوظ، وقد عزّز ذلك النشاط في كاليفورنيا عموماً و(سان دييغو) على وجه الخصوص، رعاية ومباركة سماحة السيد مرتضى القزويني لمعظم الأنشطة السياسية المعارضة آنذاك وكذلك وجود الكثير من الكوادر والشعراء والكتّاب العراقيين المعارضين للنظام في هذه المدينة.  وفي عام 2002 كنت أحد المؤسسين للتجمع العراقي المستقل الى جانب العديد من الناشطين السياسيين آنذاك منهم السيد بسّام الحسيني و مازن الأشيقر وآخرين. ولا تكاد تمر ندوة أو مؤتمر أو أمسية شعرية أو نشاط انساني يلقي الضوء على جرائم النظام، إلا وكنت من المساهمين في الحضور والتفاعل على أقل تقدير إن لم يكن المساهمة في الإعداد لهذا النشاط أو ذاك. سواءً الأنشطة المقامة في قاعة (كوردش هيومن رايتس) أو (جامع الإمام علي (ع) في سان دييغو) أو (قاعة الكلدان الثقافية) في تلك الفترة.

هذا غيض من فيض من محطّات النضال الرئيسية في مقارعة النظام البائد، وأن الكثير من محطات النضال التي تطرّقت لها كنتَ ياسيادة الرئيس على إطلاع تام بها وهذا ماجعلني أعتقد (في حينه أو فيما بعد) بأنك سوف تقف موقف (اللاّ منحاز) لطرف على حساب آخر، خاصة عندما أقدمَ فاضل مطني ميراني (السكرتير الحالي للحزب الديمقراطي الكردستاني) وجمال قاسم محمد وبالإتفاق مع أطراف مخابراتية تعد عدوّا للشعب الكردي متمثلة بـ (المخابرات الصدّامية)، حين أقدموا على محاولة اغتيالي في المهجر.. ألا أن رسائلي الشخصية لكم في تلك الفترة وماتلاها من أيام قد ذهبت أدراج الرياح، الأمر الذي أصبح معه، لاسبيل أمامي سوى وسائل الاعلام الحرّة لتبيان  المظلومية وكشف الحقائق وهذا ما سوف أعمد إليه في الجزء الثالث (بإذن الله) وفي الوقت المناسب، أي: نشر تسجيل صوتي وآخر فيديوي و وثائق مصوّرة مرفقة تضع النقاط على الحروف وتميط اللثام عن الوجوه البشعة التي تتخذ من علاقتها بكم ومسؤوليتها في الحزب الديمقراطي الكردستاني وسيلة للظلم والإبتزاز والشروع بإغتيال من أحسَن وضحىّ وأفاد ولم يستفد شيئاً، بل لم ينل حتى حقوقه الضائعة.. فأي جزاء هذا ياسيادة الرئيس، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟



70
منح الحصانة للأمريكيين خطوة لابد منها
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

تحتم مجريات المرحلة الراهنة في العراق وخاصة مع وجود أطراف وإن بدت جزءاً من العملية السياسية وشركاء فيها، ألا أنها لازالت تولي لغة السلاح أهمية خاصة في ترجيح موقفها وفرض أجندتها الهادفة لمصادرة سلطة الدولة في العراق. هذا من جانب، ومن جانب أخر فإن ذات الأطراف الداخلية ليست بمنأى عن التبعية لمخططات خارجية تهدف الى مشاطرة ادارة العراق السياسية صناعة القرار بل وتكريس الذيلية لما بعد إختفاء الأمريكيين من العراق. ويقتضي مع ماسلف عدم المزايدة والتشنج في الموقف التفاوضي بخصوص ابقاء عدداً من الخبراء والمدربين الأمريكيين لتأهيل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية تدريبا وتجهيزا، وإن كان ذلك مع الحصانة التي يطالب بها الجانب الأمريكي لبقاياه في العراق.

للأسف يحلّق بعض النواب العراقيين في فضاء المزايدات الإعلامية الى الدرجة التي يبدون فيها صغارا في أعين المراقبين في داخل وخارج العراق، حين يصف البعض منهم (منح الحصانة) بـ " إنتهاك للسيادة العراقية وإهانة للشعب العراقي"، ليبدو استغفالا واضحا للرأي العام العراقي من جانب هؤلاء، خاصة عندما يصحو النائب من غفوته ليتحفنا بتصريحات فات أوانها.. حيث أن منح الحصانة فيما سبق وعندما كان الوجود الأمريكي ذو مهام قتالية جزءا منها داخل المدن العراقية وعلى احتكاك مباشر مع المدنيين العراقيين، يصح معه قول ذلك، أما اليوم وبعد أن إتضح الغرض من التواجد الرمزي الأمريكي فلا ينطبق عليه قول النائب حامد الخضري الذي ساق هذه التصريحات مؤخرا أو غيره من المزايدين على الانتماء الوطني للحكومة العراقية. لقد فات أوان هذه الاعتراضات، وكان من الممكن أن تثمر فيما سبق وعندما كانت المهام من نوع آخر ولم يكن ينطوي عليها أية جدوى أمنية وسياسية كالتي نحن بصددها اليوم.

كما لايخفى على أحد، فان العرف الأمريكي العسكري السائد في المهام الخارجية (ما وراء البحار) يقتضي بالدرجة الأساس منح أفرادهم الحصانة القانونية في الدول التي يتواجدون فيها وحتى في الدول الأوربية التي يعدها البعض بديلا أنسب لتدريب وتجهيز القوات المسلحة العراقية: أي أن الحال ليس مقتصرا على العراق وحسب.. ومن غير المتوقع أن يستثني الأمريكيون وجودهم في العراق من هذه الأعراف التي وفي حال تنازل الجانب الأمريكي عنها ستدفع بدول أخرى الى المطالبة بما تطالب به بعض القوى السياسية العراقية من الأمريكيين اليوم.

ثم أن الانسحاب الأمريكي التام وغير المسؤول من العراق (الذي تطالب به بعض الكتل السياسية العراقية) وفي هذه المرحلة بالذات، يعد شكلا من أشكال الإستثمار السياسي لإدارة البيت الأبيض الحالية وخاصة (الحزب الديمقراطي)، فإنه ومع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية يعد إطلاقاً ليد الادارة الحالية في استخدام الضربات العسكرية الخاطفة واعتماد التغيير المفاجئ هنا وهناك  لتعزيز رصيدها الانتخابي أو نزولا عند رغبة مجموعات الضغط في الداخل الأمريكي خاصة مع الإخفاقات الإقتصادية والسياسية التي تمر بها هذه الادارة اليوم، وكذلك اذا ما أدركنا أيضا، حقيقة عدم الوجود العسكري الأمريكي في العراق لايعني خسارة للنفوذ الأمريكي، فهناك من ينتظر هذا اليوم بفارغ الصبر ليتسنى له لعب دور الوكيل في غياب الأصيل ورحيله أو بالأحرى في حال نزوحه الى قواعد أخرى على مرمى العراقيين في شمال الكويت وجنوب تركيا أو لربما في بقعة ما من العراق.

كان من الممكن أن تكون الحصانة عائقا في المفاوضات عند توقيع الاتفاقية الأمنية في بادئ الأمر وكان من الواجب علينا أن ننحني لمن طالب بها آنذاك، أما اليوم فإن طبيعة المهمة وهشاشة الوضع الأمني والسياسي في العراق والمخاطر المحدقة بالعملية السياسية في العراق تجعل من اصرار البعض على تجريد الوجود الرمزي الأمريكي من الحصانة ترفا سياسيا ومزايدات اعلامية فارغة لاتسمن ولا تغني من جوع.




71
القصف التركي- الايراني على كردستان العراق الى أين؟

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى
aboauf36@gmail.com
في العام 1984 أضطر حزب العمال الكردستاني (پ ك ك) لحمل السلاح، ومنذ ذاك والى اليوم والقضية الكردية في تركيا لازالت تراوح مكانها، بل تتصدر القضايا التي يكتنف مصيرها الغموض مع مضي الحكومة التركية في التصعيد والحرب المفتوحة على الشعب الكردي وسط صمت دولي مطبق ومؤازرة إقليمية بانت بقصف ايراني جاء متزامنا مع الإعتداءات التركية على إقليم كردستان العراق. والغرابة أن مواقف من كانوا يؤيدون أكراد العراق في نضالهم ضد نظام صدام بالأمس يستكثرون اليوم على القومية الثانية في تركيا مطالبهم المشروعة في الحصول على حكم ذاتي والتمتع بحقوق المواطنة أسوة بالقومية التركية الحاكمة هناك. بل أن من يتباكى من دول العالم على مذابح تاريخية إقترفتها تركيا فيما سبق (كمذبحة الأرمن)، نراه يقف على التل حيال الهجوم تلو الآخر بالمدفعية والطائرات على الشعب الكردي من قبل هاتين الدولتين.

الصمت العالمي حيال القصف التركي- الايراني لقرى وقصبات كردستان العراق ومانجم عنه من ضحايا مؤخراً يؤكد ازدواجية المعايير التي تتبعها الأطراف الصانعة للقرارات الدولية، والتي تجسدتفي موقفها المتفرج على الأحداث دون مبادرة أو دعوة جادة للتهدئة والحوار. سيما وان المنحى التصعيدي والإستفزازي في التعاطي مع الملف الكردي بات خيار الدولتين وخاصة تركيا المنزلقة نحو العنف دون أدنى اكتراث لتداعيات الموقف.  وقد كان تواطؤ الأطراف الدولية واضحا حينما نظرت الى الإنتهاكات التركية  والإيرانية من زاوية "الدفاع عن النفس"، في ذات الوقت الذي حشّد ويحشد الناتو قواته لإسقاط أنظمة في المنطقة تحت غطاء مناصرة شعوب هي في الحقيقة ليست بأكثر مظلومية من كرد تركيا ولا أشد معاناة من شعب كردستان العراق الأعزل الرازح تحت مظلة العصف والقصف التركيين. بل قد يعد الحال في تلك الدول التي سارعوا لنصرة شعبها شأنا داخليا إذا ماقورن بالتجاوزات التركية والايرانية على الأراضي العراقية في كردستان العراق اليوم.  وان  تركيا المتباكية على حرية وكرامة الشعبين السوري والليبي لم تتورع عن فعل ماهو أشنع بحق الشعب الكردي في تركيا وكردستان العراق. فلم يقتصر الأذى التركي على تحريض الحكومة الإيرانية، بل سعت وبما تمتلك من قوة للتأثير في مسار الحركة الإحتجاجية السورية السلمية وتقزيم الدور الكردي هناك لحساب أطراف أخرى تدور في الفلك التركي وبما ينسجم مع خططها الرامية لمصادرة أي استحقاق كردي يفرزه حراك الاصلاح أو التغيير في سورية مستقبلاً.

ان الاعتداءات التركية الايرانية وكذلك الاعتداء الاستفزازي المبطّن من قبل الكويت أيضا، المتمثل في الشروع بتجريد العراق من منافذه البحرية، جاءت مجتمعة بالتزامن مع اقتراب خروج الأمريكيين من العراق، لذا فان هذه الأطراف إضافة الى السعودية المصدرة للأحزمة الناسفة والفكر التكفيري..  لم يخفوا رغبتهم في فرض نفوذ لهم داخل العراق بالقوة وايجاد موطأ قدم تحسبا للفراغ الذي يتركه الإنسحاب الأمريكي من العراق فيما بعد. ومثلما أنجبت لنا مرحلة مابعد سقوط الصنم أكثر من صدام، ليس من المستغرب أيضاً، أن يخلف الانسحاب الأمريكي أكثر من غزو واحتلال. فالأمر ليس مستبعداً خاصة وان إنتهاكات دول الجوار التي طالت أجواء وأراضي ومياه العراق (من حيث الزمان والمكان) تشير الى أن مايجري الآن هو بمثابة تمهيد مسبق لإجتياحات لاحقة. وما يجعل ذلك متوقعا سخونة الأحداث في المنطقة ودول الطوق العراقي التي ستجد في العراق منطقة حرة لتصدير أزماتها الداخلية والشروع بتقاسم النفوذ مع الآخرين على أراضيه.


أن الوضع الخطير الذي يمر به الإقليم والاستهداف التدريجي المنظم وبما يشكل من تهديد  للمنجز الأمني والعمراني في الاقليم، يستوجب وحدة الخطاب الاعلامي للقوى السياسية الكردستانية وايقاف الحملات التحريضية المتبادلة فيما بينها والتنسيق لتنظيم التظاهرات بشكل مشترك، ومن جانب آخر، على القوى السياسية في الاقليم أيضاً، تغذية خطوط التواصل والإتصال مع الحكومة الاتحادية في بغداد والقوى السياسية الأخرى ، وحثها على بلورة موقف أكثر وضوحاً، فما يجري من انتهاكات اليوم هو من صلب المسؤولية القانونية والاخلاقية للحكومة الاتحادية تجاه مواطنيها مثلما هي مسؤولية رئاسة الاقليم وحكومته على السواء. ورغم ان الورقة الإقتصادية (سلاح ذو حدين) ألا أن اغفالها بالكامل دون التلويح بها أو استخدامها تدريجيا قد يكرس النظرة لدى الآخرين في أن «الاقليم قد أصبح (منطقة تجارة حرة) يتحكم معيار الربحية في تحديد دائرة علاقاته الخارجية بمعزل عن منظومة القيم والإرث النضالي للأمة الكردية»...  يضاف الى ذلك كله، لايختلف اثنان على أن الوجود الأمريكي في العراق وطوال السنين الماضية (وباستثناء حسنة اسقاط الدكتاتورية)، لم يكن وجودا إيجابيا على الاطلاق نتيجة سقوط الدولة وليس النظام فقط مما أدى الى ضعف القدرة التفاوضية للجانب العراقي طوال الفترة الماضية، أما اليوم وإذا ما رأت الحكومة العراقية وجود ضرورة لبقاء أمريكي رمزي فلا ينبغي للبقاء إلا أن يكون (بقاءً مسؤولا وايجابيا يتناول الجانب التنموي بالاضافة الى رفع القدرات المهارية والتقنية)  ومقترن أيضا بجهود سياسية أمريكية جادة تحول دون استمرار مثل هذه الاعتداءات على العراق عموما والإقليم بشكل خاص.. 

ختاما لايفوتنا الدعاء بالشفاء العاجل الى الجرحى في كردستان العراق جراء القصف التركي- الايراني ونسأل الله (تبارك وتعالى) أن يمن بالصبر والسلوان على ذوي الضحايا، كما أغتنم الفرصة أيضا لتهنئة جميع الاخوة والأصدقاء بعيد الفطر المبارك. ولاشك ان التهنئة جاءت متأخرة بعض الشئ والسبب هو تعرضي الى حادث انقلاب سيارة لمرات متتالية نجوت بعدها بفضل من الله ورحمة، وقد تركني الحادث طريح الفراش طوال الفترة الماضية.. لذا تقبلوا مني أصدق الأماني وأسمى آيات التهاني والتبريكات وكل عام وأنتم جميعا ًبخيـــر.


72
حصة العراق وعراق المحاصصة، الوزرات الأمنية إنموذجاً
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
aboauf36@gmail.com

يكاد يلمس الشعب العراقي إجماعا من الكتل السياسية العراقية على إستقلالية الوزارات الأمنية في الخطاب الإعلامي اليومي، كون المؤسسة الأمنية والعسكرية هي المعني الأول في حماية التجربة الديمقراطية وتحقيق الأجواء المناسبة لأي نجاح سياسي منجز أو محتمل، فضلا عما هو ملقى على عاتقها أصلا من مهام داخلية وخارجية أخرى. ألا أن الواقع العملي والمطالب السياسية لمعظم هذه الكتل تتنافى أصلا مع ماتحاول تسويقه الى الشعب فيما يتعلّق بإستقلالية المؤسستين في العراق.

يرى الكثيرون بوجود ضرورة قصوى لإعتماد التوافق السياسي في المرحلة السابقة لتخطي الأزمات التي مرّت وتمر بها العملية السياسية في العراق، وقد لايكون مثل هذا الرأي مجاف للحقيقة بالكامل، فرغم الشلل الذي أصاب بناء الدولة نتيجة لهذا التوجه ألا أن المحاصصة إستطاعت أن تفي ببعض أغراضها المرحلية فيما سبق، وقد فقدت صلاحيتها اليوم وبشكل كامل عند تناول قضية وطنية مهمة كمسألة إشغال الوزارات الأمنية. ونكاد لانختلف مع أشد الأطراف تأييدا للتوافق السياسي والمحاصصة، حينما ندّعي بأن هذا النظام وإن إمتلك فاعلية مرحلية لتحريك بعض الملفات وتغذية بعض المواقع الحكومية، ألا أنه لم ينجم عنه أية إيجابية تُذكر فيما يخص المؤسستين الأمنية والعسكرية، فقد كان ولازال عبئاً عانت منه هذه المؤسسات، مما جعلها عرضة للإختراق وسوء التنظيم وغياب الحس الوطني في أروقتها، ورغم إدراك جميع القوى السياسية العراقية لذلك ألا أن معظمها لازالت تؤمن بسريان نظام التوافق على الأجهزة الأمنية، رغم أن هذه الأطراف ما فتأت مستمرة في التأكيد على إستقلالية المرشحين لإدارة مؤسستي الداخلية والدفاع.

ربما وإلى الآن لم يتم الإتفاق على معيار قانوني لتحديد إستقلالية المرشّح لهذه الوزرات، عدا العرف السياسي السائد الذي يحصر الإستقلالية في عدم إنتماء المرشّح الى أحد الكتل السياسية الرئيسية، في الوقت الذي يمكن إعتماد المفوضية العليا للإنتخابات كطرف أساسي في تحديد الإستقلالية من خلال إعتماد سجلات القوائم الإنتخابية للإنتخابات البرلمانية الأخيرة 2010 ليصبح هذا المعيار عاملا مساعدا للعرف السياسي السائد في تحديد إستقلالية المرشّح. ومع حال كهذا يصبح من غير اللائق للكتل التي ترفع شعار الإستقلالية أن يكون مرشّحها هو أحد رؤساء الكيانات السياسية المسجّلة في مفوضية الإنتخابات للعام 2010، ولم يدخل الإنتخابات كمستقل مع كتلة سياسية معروفة، أو فردا في كيان مستقل. وكما هو الحال مع ترشيح نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي أو غيره من رؤساء الكيانات لوزارة يراد لها أن تبنى على أسس وطنية بعيدا عن الطائفية والإنحياز لهذه الجهة أو تلك كوزارة الدفاع.

أن الوزارات الأمنية (الداخلية والدفاع) ليست غنيمة لتحضى بها كتلة دون أخرى وفقا للتوافق السياسي والمحاصصة العرقية والطائفية، بل هي حصة العراق، ويأمل العراقيون من السيد المالكي ممارسة صلاحياته في الحفاظ على إستقلالية هاتين المؤسستين من خلال إناطة مسؤلياتهما الى المستقليين حصرا، فلم تعد الخشية محصورة في الإختراق الطائفي وآثاره على الأداء الوظيفي للمؤسستين، بل هناك ماهو أخطر فالتصدّع الحاصل في الكتل المطالبة بإشغال هذه الوزارة الأمنية أو تلك قد يمتد الى داخل هاتين الوزارتين لتصبح مرتعا للمهاترات والإشكالات السياسية بين قوائم الكتلة الواحدة، وبين الكتلة نفسها مع الكتل الأخرى.

لاشك أن السيد المالكي ملزم اليوم أمام الشعب العراقي في عدم التفريط بحصة العراق المؤتمن عليها من قبل الشعب العراقي فإن كل مادون هذه الوزارات يتعلق بها وبشكل أساسي، فالأمن هو أساس بناء الدولة العراقية ولايمكن تسليم دفة القيادة في هاتين الوزارتين لرجال ذو تاريخ حافل بالطائفية، أو آخرين دخلوا الإنتخابات الأخيرة 2010 ليسوا مستقلين. فالمحاصصة تنتهي فعاليتها على أعتاب الوزرات الأمنية، ومن أعتابها الى كرسي الوزارة تبدأ قرارات الأغلبية السياسية في الإختيار، لنغادر معا .. وبهكذا قرار جرِيء من سيادة رئيس مجلس الوزراء، أولى محطات المحاصصة بإتجاه حُصّة العِرَاقْ.

73
المالكي- علاوي وطموح إنطلاقة جديدة

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا


لسنا بصدد التراجع عما وصفنا به الدكتور أياد علاوي من قبل، ولكن الموضوعية تحتّم علينا إعادة تقييم الأداء السياسي له، فقد تبين بأنه والى اليوم لايدرك تفصيلياً ماهية الكتلة التي ينتمي اليها أو (يقودها): أي كتلة العراقية، فرغم إدعاء التماسك والتلاحم بين مكوناتها، ألا أنها في الحقيقة خليط غير متجانس يسعى كل طرف فيه الى حصاد المناصب وقد تحقق لمعظم أطرافها ذلك بإستثناء (رئيس الكتلة) الذي أسند على الرف الى إشعار آخر. ومع إقرارنا بسوء تقدير الدكتور علاوي والحلقة المحيطة به في قياس ردود أفعال أجنحة العراقية، ألا أن ذلك هو نصف الحقيقة، ويتلخص النصف الآخر الذي يقف وراء حملات التشويه لشخص الدكتور بالعامل الطائفي الذي تغذّيه أطراف عديدة منها ماهو داخل الكتلة نفسها ومنها قوى سياسية تعتاش على تكريس الأزمة البنيوية داخل الحكومة العراقية وبالتالي إضعاف قدرة الحكومة الحالية برئاسة المالكي على مجابهة المشاكل السياسية والأمنية.

أن مكونات الكتلة العراقية التي وقعت وثيقة من قبل، أرسلتها الى إئتلاف دولة القانون تؤكد فيها رفضها القطعي في الإشتراك بأية حكومة يرأسها السيد المالكي، ليس هذا وحسب بل وتعلن إلتفافها حول شخص رئيس الكتلة، نرى هذه المكونات قد إستبدلت (رفضها وإلتفافها) بشئ آخر، فمنهم من إعتلى كرسي المسؤولية ومنهم من أعلن عن  إنشقاق أبيض بعد أن يأس من إغتنام حقيبة وزارية كما هو حال السيد حسن العلوي. ولاشك أن خشية هذه الأطراف المحيطة بالدكتور علاوي، وأطراف أخرى أيضاُ، منهم من يسعى الى إضعاف المركز ومنهم من لايستطيع العيش في بيئة يسودها القانون كالميلشيات المسلحة. خشية هؤلاء جميعا من وصول الدكتور علاوي الى مراكز القرار والإلتحام بحكومة المالكي، هي أكبر بكثير من خشية المالكي نفسه، فالسيد المالكي وكما يتضح لنا يسعى الى تقوية حكومته وتغذيتها بأطراف تعينه على ترسيخ أسس الدولة العراقية وسيادة القانون بدلا من الحلقات الوزارية الفاشلة التي زجّت بها الأطراف الأخرى التي لم يجني المالكي منها سواء إرتفاع وتيرة النقد لحكومته.

لم يكن إعتراضنا من قبل على مشروع تقاسم السلطة بين السيد المالكي وعلاوي سوى أنه خطوة سابقة لأوانها يضاف الى أنها تستبطن إقصاء الآخرين بشكل يتعارض مع الدستور العراقي، أما اليوم فنرى في الخبرة الإدارية في فن الحكم لدى كل من السيد المالكي والدكتور أياد علاوي عاملا يؤهل الطرفين للإلتقاء ذاتيا وبمعزل عن وساطة ومبادرة من هذا الطرف وذاك، خاصة وقد بان وبشكل جلي لكل منهما، ماهية الكتل والتحالفات اللاتي ينتميان لها، ناهيك عن ثعلبية الكتل الأخرى التي تقتات على عثرات الآخرين.

لاشك أن استمرار الحملات الإعلامية والسياسية المضادة بين الطرفين الرئيسيين في العملية السياسية (السيد نوري المالكي والدكتور أياد علاوي) ستؤدي الى تقويض دعائم الثقة بينهما وبشكل يصعب معه إعادة المياه الى مجاريها، خاصة مع تلويح كلا الطرفين باللجوء الى القضاء ضد الطرف الآخر. أن شجاعة التنازلات المتبادلة وبدء مشوار التصحيح معا، ضرورة قصوى في هذا الظرف لكي لاتتضاعف أعباء الشعب العراقي الأمنية والإقتصادية، فالتقارب الذاتي بعيدا عن الوساطات والقمم الوهمية قد يجنّب العراق المزيد من الإختراقات ويسرع في إشغال الوزارات الأمنية بأشخاص أكفّاء ذي مهارات عالية للمناصب الأمنية، وربما ترشيق الترهّل الحكومي من خلال الإستغناء عن العناوين الشكلية ودمج الوزارات الكمالية ببعضها البعض.

إن إنتصار أي من الطرفين (المالكي- علاوي) على الآخر هو خسارة للعراق، لأنه لن يصب الا في مصلحة الأطراف التي تراهن على إبقاء الأزمة وتجاهل ملفات أخرى لايمكن للمالكي وحده إدارتها دون إسناد الآخرين، ولايمكن لعلاوي إن أتيحت له الفرصة أيضا، النهوض بأعبائها وحده. إذن هل نشهد إنطلاقة جديدة لجناحي العملية السياسية في بغداد تليق بالعراق الجديد؟

74
الى سيادة الرئيس مسعود برزاني، الإصلاح ليس إدعاءاً

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا

ليس بخاف عليك سيادة الرئيس، أن مجموعة من أفراد الحزب الديمقراطي الكوردستاني وبالتعاون مع مسؤول شبكة المخابرات الصدامية في أمريكا المدعو (بلال عبد الواحد عباس) قد تمكنّت عام  1989 من الترويج لدعاية مغرضة ضدي، تمهيدا لعملية إغتيالي. وقد سعى مسؤول اللجنة المحلية للحزب في كاليفورنيا (جمال قاسم محمد) بإكمال الصفحة الثانية من الشائعات بتجنيد مجموعة من القتلة لتنفيذ العملية، وقد كان ذلك بمباركة المدعو (فاضل مطني ميراني) الذي أوصل الى حضرتكم قصة مفبركة وحقائق مغلوطة لإضفاء الشرعية على فعلهم الغادر وجريمتهم الشنعاء.

في شهر نيسان 1989 أصدر المدعو بلال مسؤول شبكة المخابرات الصدامية بيانا في أوساط الجالية العراقية في كاليفورنيا بعنوان (البرئ في قفص الإتهام وحقيقة للتاريخ)، حيث إحتوى البيان على معلومات مضللة  ومزاعم باطلة بقصد إثارة الشكوك حولي وتهيئة الأجواء لتنفيذ عملية إغتيالي، ومن بين المعلومات الكاذبة التي إستند عليها المدعو فاضل مطني ميراني في مباركته لعملية الإغتيال وتثبيت موقعه السياسي لديكم هو الإدعاء بأني قد حصلت في حينها على دعم مالي (خمسة آلاف دولار) من طرف معادٍ لتشكيل حركة سياسية  في أمريكا الشمالية مناوئة للحزب الديمقراطي الكردستاني، وإني أيضا (وحسب إدعاءاتهم) إبتدأت حملة إعلامية لإدانة وتشويه سياسة المرحوم البارزاني الأب في أوساط الجالية الكردية في الولايات المتحدة، وإفتراءات أخرى ترمي الى التمهيد للجريمة وكسب تعاطفكم مع ما إقترفوه من جرم مشهود.

سيادة الرئيس لقد أرسلت لك رسالة شخصية بواسطة السيد محسن دزه ئي - في شباط 1989(مقيم في بريطانيا آنذاك) تطرقت فيها الى العلاقة الوثيقة التي تربط  المدعو بلال عبد الواحد بالمخابرات الصدامية من جهة، وتنسيقه التام مع مسؤول لجنة محلية حزب البارتي في كاليفورنيا آنذاك (جمال قاسم)، وقد كشف تلك العلاقة المشبوهة الشهيد جعفر البرزنجي عضو إتحاد طلبة كردستان العراق، الذي قُتل في ظروف غامضة فيما بعد. فقد كان الشهيد البرزنجي يعمل مع بلال في ورشة يملكها بلال، وحين أحس بالعلاقة المشبوهة تمكّن من تسجيل بعض المكالمات الهاتفية للمدعو بلال مع زوجته،.. حيث إقترح بلال عليها في المحادثه.. "الإتصال بالداوائر المخابراتية في بغداد لحثهم على الإتصال به وعمل تمثيلية تتضمن تهديده وتحذيره من عدم التطرق الى (أبو عوف) ومن ثم تسجيل المكالمة وتوزيعها بين أفراد الجالية بقصد إيهام الآخرين بإرتباطي المزعوم بالمخابرات الصداّمية". وقد كان هذا الإقتراح الأول في المكالمة التي سجّلها الشهيد البرزنجي والذي إعترضت عليه زوجته ووصفته بالإقتراح الفاشل، أما الإقتراح الثاني الذي وافقت عليه  وتم العمل به فيما بعد هو : إصدار بيان يوزع بين أبناء الجالية يتضمن كيل التهم ونسج الإفتراءات وهو البيان الذي أشرت له سلفا والمعنوَن (البرئ في قفص الإتهام وحقيقة للتاريخ). وقد كتب البيان أحد أفراد شعبة الإغتيالات في المخابرات العراقية يدعى (رياض) جاء في حينه من ألمانيا الى كاليفورنيا لصياغة هذا البيان بصورة إحترافية لاتثير الشك، وقد تكفّل بلال عبد الواحد والمدعو جمال قاسم وبعض أفراد حزب البارتي بتوزيع هذا البيان على أفراد الجالية كافة. وفي نفس التسجيل يشير بلال الى الطرف الآخر لتكتمه على علاقة مسؤول اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني والمخابرات العراقية. وبعد أن وصل البيان الى فاضل مطني عن طريق جمال قاسم فقد أسرع فاضل مطني ميراني بإيصاله لكم شخصيا سيادة الرئيس للنيل من تاريخي ونضالي والتقرب منكم وللأسف الشديد إنه وجد أذناً صاغية مكّنته من إكمال الحلقة الثانية من التآمر ضدي ومن ثم الشروع إغتيالي.

هذا فيما يخص الشريط الأول الذي تم تسجيله من قبل الشهيد البرزنجي للمدعو بلال: أما الشريط الثاني فيتناول محادثات بين العميل بلال وبين مسؤول اللجنة المحلية لحزبكم (جمال قاسم) يتعرض فيه الأخير الى الإعتراف بأن علاقته مع بلال كلّفته إنتقادات واسعة من أفراد الجالية ألا أنه تحمّل ذلك لأجل إكمال الصفحة التآمرية الثانية القاضية بوضع خطة لإنهاء حياتي: أي خطة الإغتيال التي فقدت على أثرها نصف بدني.

لقد كان من الممكن إفشال خطة الإغتيال في حال إطلاعي على الشريطين، ولكن وللأسف تم إخفاء الشريطين من قبل إتحاد الطلبة وأعضاؤه آنذاك ( طالب زه نكًنه و محمد صالح جباري) اللذان أخفيا التسجيل حفاظا على حياة البرزنجي الذي كان هو الآخر عضوا في الإتحاد خشية إنتقام هذه الشبكة منه، ألا أن التكتم على الأشرطة لم يفلح في الحفاظ على حياة البرزنجي فقد تم إغتياله هو الآخر عام 1992 (عندما كان يعمل سائق تاكسي) داخل سيارته في كاليفورنيا وبطريقة غامضة لم يتم التوصل الى القاتل الى يومنا هذا. والمفارقة أن العميل بلال عبد الواحد قد غادر أمريكا بعد مقتل البرزنجي وحلّ ضيفا على جمال قاسم في نفس العام 1992. وتم ترتيب لقاء بين وزير داخلية الإقليم والمدعو بلال وبعد تزكيته من قبل جمال قاسم وثلته، عرض عليه الوزير أن يتبوأ منصب مدير أسايش أربيل، لكن بلال قد رفض ذلك خوفا من إكتشاف عمالته.

أن جمال قاسم بعد سنين من إقترافه للجريمة وفي نهاية تشرين الثاني سنة 1993 جاء الى أمريكا وفي تلك الأثناء تم إلقاء القبض عليه وتوجيه تهمة القتل العمد ، وقد واجه التهمة بالإنكار في بداية الأمر كما أنكر علاقته بصديقه المكسيكي (كًنزاله) رئيس المجموعة التي نفذّت العملية، ولكن سرعان ماواجه دليلا قطعيا يثبت علاقته بمن أنكر، تمثّل بوجود شيك مصرفي بمبلغ 800 دولار محررا من قبل جمال قاسم الى كًنزاله قبل سنين من الجريمة. وعندما أبرز المدعي العام الصك قابله جمال قاسم بالبكاء الشديد والإنهيار النفسي الكلّي وقد كان من بين الحضور مجموعة من الكرد في قاعة المحكمة وتحديدا (تحسين أتروشي) الذي كان حاضرا في معظم الجلسات. وعندما كثرت الأدلّة التي تدين جمال قاسم وقبل صدور الحُكم النهائي، سعى المدعو فاضل مطني ميراني الى تبرئة المجرم جمال قاسم وبكافة السُبل، فقد تم جمع مبالغ ضخمة من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني لدفعها الى محامي الدفاع، كما دفع ببعض الأعضاء لشهادة زور بالضد مني، ولكن المطني إصطدم بقوة القانون وباءت كل محاولاته بالفشل لينال شريكه جمال قاسم السجن المؤبد إثر فعلته الشنعاء. وقد تم نشر الحُكم في وسائل إعلام عدة من ضمنها صحيفة سان دييغو يونيان. وقد نشرت رابط الصحيفة في مقال لي سابق بعنوان (سيادة وزير البيشمركًة ما أشبه اليوم بالبارحة) بتاريخ 3/5/2011 . كما أشرت الى قضية الصك في مقال (الفساد الإداري في العراق وأمور أخرى) بتاريخ 24/5/2011.




في عام 1996 وخلال وجوده داخل السجن ونتيجة اليأس والإحباط شعرَ جمال قاسم بأن قيادة الحزب قد تباطئت في إخراجه من مشكلة كان يعتقد جازما بأنهم شركاء فيها " سواء في التخطيط أو إصدار الأوامر له بقتلي"، حيث أرسل رسالة من داخل السجن الى صديقه جمار بختيار تضمنت سيلا من الشتائم والسباب لقيادة الحزب ولشخصكم سيادة الرئيس،  توحي للقارئ بأنكم جزء من هذه العملية،  وعندما عَلِمَ معتمدكم  (فاضل مطني ميراني) بفحوى الرسالة، إستغلّ وجوده في سان دييغو في تلك السنة 1996 ليطلب من جمال بختيار إخفاء الرسالة التي تحتوي على الشتم والسباب لزعيمه. إعترف جمال بختيار بفحوى الرسالة وإعترافه مدوّن بشريط تسجيل تم إرسال نسخة منه الى كلّ من تحسين أتروشي،  و وحيد برواري وكذلك فاضل مطني نفسه سنة 1999، ولازالت لديّ نسخة من الإعتراف. وقد نشرت ذلك أيضا في مقال لي سابق (عراق المستقبل والشراكة الإقليمية المحتملة) بتاريخ 12/5/ 2011

بعد مضي خمس سنوات في السجن تم الإتفاق بيني وبين مسؤولي الحزب بفتح لجنة تحقيقية لكشف خيوط الجريمة مقابل العفو عنه، وقد تم له ذلك، وتم تسجيل جلسة عفوي عنه في شريط فيديو بعد أن إعترف أمام المحكمة بأنه قد أخذ أوامر التنفيذ من قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني (ذكرت ذلك في مقالي المعنون : الإنتخابات المبكرة ودور الشباب العراقي الثائر وأمور أخرى 22/4/2011)، على أي حال ففي سنة 1998/1999 تم الإتفاق بيني وبين بعض أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني لفتح صفحة للمصالحة والعفو عن القاتل جمال قاسم على أن يقوم الحزب بتشكيل لجنة تحقيقية لدراسة دوافع وإدعاءات جمال قاسم والتوصل الى الأطراف التي ساندته ودفعت به لهذا العمل. تم ذلك بعلمكم وقد أرسِل لي من قبلكم مبلغ أربعون ألف دولار بواسطة وحيد برواري عوِضا عن خسارتي المادية. وعلى أمل تشكيل اللجنة فقد تطلّب مني السفر الى كردستان العراق خمس مرات في سنة واحدة لإحضار المستمسكات وجلب الوثائق وإكمال النواقص إستجابة لطلب اللجنة التي كنتم بصدد تشكيلها بواسطة كريم سنجاري عندما كان مسؤولا لجهاز (تايبه ت)، وبعد أن رأت اللجنة قوة الأدلة والمستمسكات وصحة موقفي إختفت من الوجود وتفرّق أفرادها دون تبرير مقنع. رغم إني ، بالإضافة الى الجهد الجسدي والنفسي فقد كلّفتني تلك السفرات مايقارب الخمسون ألف دولار ذهابا وإياباً.

سيادة الرئيس مسعود برزاني:

قد تكون على بينة بما لحق بي من أضرار صحية ومعنوية نتيجة هذه الجريمة، ولكني وددت أن أضع أمام سيادتك الأضرار المادية أيضا، رغم أنها أهون الضرر إذا ما قورنت بما لحق بي من أضرار أخرى. فقد خسرت على أثر هذا الحادث الذي أقعدني خمسة سنين تلت الجريمة دون الوفاء بإلتزاماتي المالية، خسرت بناية في موقع تجاري يدعى (يونيفرستي × 70 - لميسا سيتي ) كنت قد اشتريتها بمبلغ 375 ألف دولار آنذاك ومسجلة في أملاك مدينة سان دييغو بإسمي وقد كان يعلم ذلك جميع المحيطين بي، وكذلك خمس هكترات من الأراضي السكنية والتجارية في منطقة حمّوول(مسجلة هي الأخرى في دوائر الطابو لمدينة سان دييغو) والدكتور مصدق كريم خان الأستاذ الجامعي في كلية ساندييغو على علم بتلك الأملاك، كما كنت أملك الى جانب ماسبق دارا سكنية بمساحة هكتار يتجاوز سعرها المليون دولار. وقد خسرت ذلك نتيجة تراكم الأقساط حيث حال وضعي الصحي لفترة طويلة تلت الحادث دون السداد ومن ثم حجز جميع أملاكي من قبل البنوك 1996، ناهيك عن التكاليف الباهضة لعلاجي ومتابعة قضيتي في أروقة المحاكم ومكاتب المحاماة.

سيادة الرئيس:

لقد تداولت وسائل الإعلام مؤخرا تصريحات منسوبة لك، تؤكد عزمك على محاربة الفساد إبتداءً بالمقرّبين منك، وقد إستبشر الكثيرون خيراً بتلك التصريحات وأنا منهم، فطوابير المظلومين تكاد تصل أطراف المحيط الأطلسي، يتحرقون شوقا لإحقاق الحق وتطبيق العدالة، ويعتصر قلوبهم الألم وهم يرون الظلمة القتلة وسراق قوت الفقراء وهم يتنعمون بالحصانة، متكئين على أرائك السلطة من حولك، يتقدمّهم كبيرهم الذي علّمهم الفساد والإفساد، سئ الذكر فاضل مطني ميراني الذي يملك الملايين بعد أن كان من الحفاة العراة حيث لم يكن يملك سنتمترا واحدا قبل عام 1992، أما الآن فقصوره وأملاكه متناثرة بين أمريكا وبريطانيا وكردستان العراق.

75
الفساد الإداري في العراق وأمور أخرى

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا


لاشك أن الإدارة في العراق هي إحدى ضحايا التطبيقات السياسية الخاطئة إذا ماقورنت تلك التطبيقات بما يقابلها من شعارات براّقة ، كالعدالة والديمقراطية والنزاهة التي تكاد ترفعها كافة الأطراف على الساحة، ومع إنفصام النظرية عن التطبيق يجعل مايُرفع ليس سوى بضاعة تالفة يتم تسويقها للكسب السياسي والحصاد الإعلامي. الثراء الفاحش والمفاجئ الذي يتمتع به ساسة العراق يحد بلا شك من فعالية أي آلية توضع لمعاجة ظاهرة الفساد الإداري في العراق. والأدهى من ذلك هو سعي الكتل السياسية الى إشراك الشعب في تغذية هذه الظاهرة التي تُعد جريمة بحق الدولة والفرد والمجتمع، من خلال الإلتفاف على إرادته في تعبيد الطريق للفاسدين للوصول الى باحة البرلمان.

العمل البرلماني بشقّيه التشريعي والرقابي يكون قد فقد دورَه حينما يكون المتصدي لمسؤولية هذا العمل تابع ذيلي لرؤساء الكتل التي ساهمت في إيصاله الى ماهو عليه. ويشكل غياب الدور الرقابي بيئة مناسبة لشيوع هذه الظاهرة المسماة بالفساد الإداري... في الحقيقة من الصعب جدا تناول معالجات شاملة لهذه الظاهرة والأجدى هو تفكيك هذه الظاهرة والمباشرة برسم آليات الحد والمعالجة تبعا لأخطر أنماط هذه الظاهرة، ولا شك بأن (الفساد المالي) يحتل المرتبة الأولى في سلّم المعالجات، يضاف الى أن مكاتب الوزارات والمدراء العامّون هي الأولى بالتركيز في المراحل الأولى من المعالجة.

البداية من رأس الهرم الإداري، والتركيز على التعاملات المالية العينية والنقدية هي المرحلة الأولى في هكذا معالجات لمشكلة متشعبة ضربت جذورها في الدولة العراقية، ويمكن أن يكون ذلك عبر جمع المعلومات اليومية عما يجري من تعاملات مالية في مكاتب الوزارات والمديريات العامة، وسواء يتم جمع المعلومات بالطريقة الإستخبارية الكلاسيكية عن طريق فرق الأمن الإقتصادي المرتبطة بمجلس النواب، أو من خلال الطرق الحديثة (الرقابة الألكترونية) من خلال ربط حواسيب الوزارات والمديريات العامة التي يتم ترويج التعاملات بها، ربطها بغرف عمليات رقابية ألكترونية أخرى تتواجد في أروقة أجهزة الأمن الإقتصادي ومجلس النواّب.

الحكومة الألكترونية المصغّرة والمختزلة بمكاتب الجهات العليا في المراحل الأولى تضمن شفافية حركة المعاملات التجارية والمالية، وتتيح للمسؤول الأعلى والأجهزة الرقابية الإطلاع ومراقبة سير تلك المعاملات والعقود المبرمة وبما يحد من الفساد في رأس الهرم والذي سينعكس بلا شكّ إيجابيا على من هم دونه.

عدا ذلك فستبقى أموال الشعب، عرضة للنهب والسلب، بل ليس هذا وحسب فقد تستخدم لتجنيد بعضهم لقتل البعض الآخر بل وتجنيد الغرباء من قبل الفاسدين، وكما حصل معي شخصيا في عملية محاولة إغتيالي (كاليفورنيا-1989) من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني (فاضل مطني ميراني و جمال قاسم محمد) حيث كلّف الأخير صديق له مكسيكي بشراء ذمم المتخصصين بالقتل والإغتيال، وفعلا فقد جنّد (المكسيكي كَنزاله)عصابة تضم ثلاثة من المكسيكيين الشباب حيث كلّفوا من قبل (جمال وعشيقه كَنزاله) بتنفيذ عملية إغتيالي، وفي المحكمة عندما أنكر قاسم علاقته بالمدعو(الشاب المكسيكي - كَنزاله) وإذا بالمدعي العام يخرج له صكاّ شخصيا بمبلغ 800 دولار موقعا من قبل جمال ومحررا الى الشاب المكسيكي يحمل تاريخا سبق الجريمة بسنوات وعند كشف تلك الفضيحة كان تحسين أتروشي حاضرا في جلسات المحكمة.. والأسئلة التي لم أحصل على إجابة لها من السيد رئيس الإقليم وإلى اليوم، هي : كيف لمثلي أن يتعرّض لمحاولة لإغتيال من قبل الحزب الذي خدمت به لأكثر من 35 سنة في الجبال والسهول والوديان، ودخلت بسبب نضالي سجن قصر النهاية مرّتين 1969 والأخرى 1972؟ .. أليس الأولى بك وأنت المسؤول الأول في الإقليم توجيه الفرع السابع للحزب في واشنطن في التحقيق لمعرفة ودراسة المبررات التي ساقها فاضل مطني ميراني وجمال قاسم إليكم.  وأي مبرر ذلك الذي يبيح قتل إنسان قدّم أكثر من نصف حياته لخدمة القضية الكردية... وفيما يخص قضيتي ومنذ 1999 ولغاية 2010 وأنا أحاول أن أضع الحقائق أمامكم، ولكن لاجدوى، ختاما أقول " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبِ ينقلبون".

76
عراق المستقبل والشراكة الإقليمية المحتملة

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
لم يكن الحديث عن بناء منظومة إقليمية وليد اليوم، فقد تم طرح العديد من المشاريع الإقليمية من قبل البعض، وإذا كانت مثل هذه الطروحات قابلة للتأجيل الى مراحل أخرى فيما سبق، فإن التحولات السياسية التي تشهدها المنطقة اليوم تقتضي التفكير الجدي في بناء منظومة من هذا النوع، قادرة على التعاطي مع التحديات بكافة أنواعها، السياسية والإقتصادية والأمنية بشكل مجدي. وقد أثار وزير الخارجية الإيراني السيد علي صالحي هذا الموضوع مع قادة الكتل السياسية في زيارته العراق بالأمس ولاشك إنه لقى تفهمّا، فالطرح هو عراقي بالأصل، دعى له رئيس أركان الجيش العراقي مؤخرا عند إستقباله السفير الإيراني 3/5/2011، ألا أن السيد أبو بكر الزيباري كان قد ركّز على الجانب الأمني فقط في تناوله لموضوعة المنظومة الإقليمية، في الوقت الذي تحتاج فيه المنطقة الى تكتّل إقليمي يعبّر عن مصالح الأطراف المنضوية داخل المنظومة، وعلى كافة الصُعد، بما فيها الجانب الأمني.

الإنسحاب الأمريكي من العراق في نهاية العام، يتطلّب التعجيل في السعي لشراكة إقليمية قادرة على التفاعل الإيجابي مع النظام الدولي، طالما أن الحلول الأمنية والعسكرية لم تعد مجدية في معالجة الكثير من الأزمات الداخلية والإقليمية، وبذلك فإن القوى الإقليمية محور الشراكة مطالبة هي الأخرى بإجراء مراجعات دقيقة وإصلاحات عميقة لأنظمتها السياسية والإقتصادية، ولايبدو ذلك ممكنا دون فسح المجال للنخب الفكرية والثقافية في لعب دورا أساسيا في عملية التغيير المنشود، القاضي ببناء دول أكثر تحضّرا، تستمد قوّتها من التطبيق الحقيقي للقانون والإيمان الكامل بالتداول السلمي للسلطة ومراعاة حقوق الإنسان وبالتالي بناء سياج شعبي يديم إستمرار المنظومة الإقليمية ويجعلها أكثر إستجابة للتطورات العالمية لا أن يكون العامل الداخلي عائقا أمام عمل المنظومة ومهددا لإنهيارها.

إن العراق بحاجة الى شراكة إقليمية تسير نحو الإصلاح وقادرة على التكيّف مع التطورات الإقليمية والعالمية، وبالتأكيد لسنا مع السعي لزّج العراق في منظومات على غرار مجلس التعاون الملكي الخليجي الذي سوف تنضّم له دول  ذات أنظمة حُكم ملكية هي الأخرى لازالت تتعاطى مع الحاضر والمستقبل  بأدوات الماضي (الأردن، المغرب). حيث يصف دافيد روبرتس نائب مدير معهد الخدمات الملكية المتحدة حدث الإنضمام هذا بالقول  "افترض أنه سيكون ناديا للملوك. هم يحاولون دعم الملكية في المنطقة. لا أحد يريد ان يشهد انهيار أول قطعة دومينو". بلا شك، فأننا في العراق لسنا بحاجة لهذا النوع من التكتلات المعرّضة للإنهيار المحتمل، بل شبه المؤكد وفقا للتطورات الإقليمية والتحولات العالمية اليوم.

إن التفكير بهذا النوع من التكتلات الإقليمية والتي لن تغيب عنها إيران وتركيا ومصر وربما لبنان، وكذلك اليمن (في حال تم تغيير النظام)، تفرض على العراق تأهيل نفسه قبل الإقدام على هذا النوع من الشراكة الإقليمية، فالوضع الذي هو عليه الآن لايغري الآخرين بالتكتل معه، وإن كان له ذلك فسيبقى محكوما بالتبعية المطلقة للآخرين، خاصة مع وجود إختلالات سياسية وإقتصادية وأمنية ومصادرة لحرية الصحافة وإنتهاكات فضيعة لحقوق الإنسان، سواءً تلك التي حدثت في إقليم كردستان أو الأخرى التي حدثت وتحدث في بقية أنحاء العراق.

إلحاقا بالمقال أعلاه وتتمة لما نوّهت عنه في مقالاتي السابقة عن محاولة إغتيالي 1989،... فهكذا هم الظالمون " تحسبهم جميعا وقلوبهم شتىّ" حقا تدعو للخجل تلك الشتائم التي خطّتها يد القاتل "جمال قاسم محمد" في رسالته المرسلة من داخل سجنه 1996، بعد يأسه وإنهياره الى صديقه "جمال بختيار والساكن في سان دييغو"، يصف فيها زعيمه مسعود البرزاني بأبشع الأوصاف وأقبح الشتائم، عندما شعرَ جمال قاسم بأن قيادة الحزب قد تباطئت في إخراجه من مشكلة كانوا هم شركاء فيها " سواء في التخطيط أو إصدار الأوامر له بقتلي"، وعندما عَلِمَ معتمد رئيس الإقليم (فاضل مطني) بفحوى الرسالة، إستغلّ وجوده في سان دييغو في تلك السنة 1996 ليطلب من جمال بختيار إخفاء الرسالة التي تحتوي على الشتم والسباب لزعيمه. إعترف جمال بختيار بفحوى الرسالة وإعترافه مدوّن بشريط تسجيل تم إرسال نسخة منه الى كلّ من تحسين أتروشي،  و وحيد برواري وكذلك فاضل مطني نفسه سنة 1999، ولازالت لديّ نسخة منه... فليس من المعقول أن يكون رئيس الإقليم على علم بالإهانات التي وجّهت له من قبل هذا الشخص (جمال قاسم) ويرّقيه الى مناصب عليا فيما بعد كـ (مسؤول الفرع الرابع)، ثم (نائبا في البرلمان الكردستاني) رغم أنه شخص قاتل ومحكوم بجريمة جنائية، إعترف بها علنا والإعتراف مسجّل فيديويا. لاتفسير لترقيته سوى إن القيادة شريكة في جريمته (عملية إغتيالي)، أو في أحسن الحالات فإن فاضل مطني وتحسين أتروشي قد حجبوا الحقيقة عن رئيس الإقليم، وإستغفلوه ليبصم على ترقية مجرم الى عضوية البرلمان. علما أن القانون في الإقليم وفي بغداد لايعطي الحق لمجرم قاتل وتحت الرقابة المشدّدة لخمس سنوات، في الحصول على أدنى وظيفة ولو كانت (زبّالا).. أما حصوله على المناصب المذكورة فذلك يدّل على أن الحُكم في الإقليم هو .. (حُكم قراقوشْ).



77
سيادة وزير البيشمركه، ماأشبه اليوم بالبارحة

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
aboauf36@gmail.com
جرت العادة أن نسمع تصريحات السيد وزير البيشمركة جعفر شيخ مصطفى حين إشتداد الأزمات بين حكومة الإقليم وحكومة بغداد، وقد كانت تُطرب الكثيرين دون علم بأن الدوافع الكامنة خلف تلك التراشقات الكلامية مقصود منها الإبقاء على ورقة التوت التي تستر فساد مسؤولي الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني، وقصد آخر هو التعبئة النفسية للكرد خلف قيادة الحزبين. ألا أن الفجوة التي بدأت بالإتساع مؤخرا بين الحزبين الحاكمَين وعامة الكرد في الإقليم، كشفت عن مدى الإفلاس السياسي والفقر الثقافي لهؤلاء القادة وأذنابهم، وجاءت اللقاءات مؤخرا لهم ولأذنابهم مع وسائل الإعلام لتكشف المستورالى الشعب، ولتؤدي بهم الى إرتكاب المحضور.

لقد إعترض وزير البيشمركة على وصف مراسل الشرق الأوسط لجماهير ساحة السراي بالمتظاهرين، وأصرّ الوزير من جهته على إطلاق تسمية « المخرّبين»، ليعكس جهله المطبق بمبادئ الديمقراطية وإصراره على لجم الأفواه المطالبة بالإصلاح والتغيير الإيجابي، معللا تسميته بأن الحشود المحتجة قد تعرقل الحركة الإقتصادية والإستثمارية في الإقليم، دون إدراك منه بأن آفة الفساد الإداري والعقود الوهمية وقضايا تهريب النفط الخام لحساب المسؤولين وإغتيال الأصوات الحرة وتسييس القضاء من قبل النخب السياسية للحزبين، هي من أشد العوامل الطاردة للإستثمار والمعرقلة لحركة الإقتصاد سواء في الإقليم أو ماينسحب بالنتيجة على عامة العراق.

في ذات اللقاء نفى جعفر شيخ مصطفى « أن تكون قوات البشمركة تابعة للحزبين .. وإنما تتبع لوزارة الدفاع الإتحادية» يُشعرنا السيد الوزير ولأول مرّة بأن إنسجاما من نوع غير مسبوق قد لاح بالأفق بين حكومة الإقليم وحكومة المركز (وذلك قد يُسعد الجميع) إنْ لم يكن على حساب تطلعات الشعب العراقي من أقصاه الى أقصاه، ولو لم يكن نوعا من التناغم الخفي لقمع المتظاهرين على طول البلاد. وفقا للمنطق الذي تحدث به السيد الوزير،  فإن المسؤول الأول عن تحركات فصائل (حرس الإقليم) هو القائد العام للقوات المسلحة والذي يدير الدفاع وكالة، وبذلك يتحمّل السيد المالكي المسؤولية الإخلاقية عن زوبعة التهديد والوعيد التي يطلقها السيد وزير "حرس الإقليم" بين الحين والآخر تجاه المتظاهرين العزّل.

وكما هو حال المتنفذّين في تعاطيهم مع التذمّر الشعبي في المنطقة، ففي نفس لقاءه مع الشرق الأوسط 28/4/2011، لم تخلو تصريحات وزير البيشمركة من إلصاق ذات التُهم الجاهزة بالمتظاهرين، في أن « لهم أجندات غير وطنية» أو أن «الخطباء الإسلاميين يدعون الى الجهاد»، وهلمَّ جراّ، لتبرير حالة القمع المفرط وإثارة مخاوف الأطراف الغربية من أي تغيير محتمل، رغم أن جميع المطالب تتمحور حول إجراء (إنتخابات مبكرة)، ولا ندري لِمَ يتخوّف الواثقون من قواعدهم الشعبية من إجراءٍ كهذا، ويصرّون "فقط" على إجراء الحوار مع الآخر "ليس" تحت حراب بنادق "حرس الإقليم" وحسب، بل على مرمى فوهات مدافع ومدرعات غنموها من «مخلفّات الجيش العراقي السابق» على حد تعبير السيد الوزير.  

كنت قد أشرت في ذيل مقالي السابق الى محاولة إغتيالي 1989 والتي نُفِّذت من قبل مسؤول اللجنة المحلية السابق للحزب الديمقراطي الكردستاني (جمال قاسم محمد) وبالتنسيق الكامل مع عملاء المخابرات الصدّامية في كاليفورنيا آنذاك، وبعد الحُكم على المجرم بالسجن المؤبّد، تم العفو عنه من قبلي، بعد تعهد قيادات الحزب بفتح لجنة تحقيقية ستطال كل قيادي إشترك في عملية الإغتيال، وإلى اليوم وكما نوّهت مسبقا لم تشكّل أية لجنة، وليس هذا وحسب، بل المفارقة في إن المجرم غادر الولايات المتحدة الى إقليم كردستان في شمال العراق ليكرّم من قبل القيادة العليا للحزب بمنصب أعلى، بذريعة أن حُكم المحكمة كان خاطئا ولم يكن سوى إشتباه، بل أنه أي: جمال قاسم، صاحب الفضل في عدم إقامة دعوة مضادة يطالب بها المحكمة بتعويضات جراء تعرضه للسجن خمس سنين قبل التنازل عن بقية المحكومية من قبلي، في حين أن فيديو المحكمة الموجود لدى مكتب سه روك، (مكتب رئيس الإقليم) .. ما أشبه اليوم بالبارحة، ففي النسخة المرفقة من صحيفة (سان دييغو يونيان تربيان) يقول عنوان الصحيفة " رجل يحصل على السجن المؤبد لإطلاقه النار على رفيقه الكردي"، والسؤال هل هناك دولة في العراق أو الإقليم، تحكم فيما بعد على من يطلقون النار على رفاقهم الكرد في ساحة السراي اليوم بالعقاب الذي يستحقون؟.

المرفقات نسخة من (سان دييغو يونيان تربيان) متضمنة لبعض التفاصيل. ويظهر فيها مسؤول اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني جالسا خلف رئيس العصابة المكسيكي الذي أستأجره لقتلي وكليهما قد قيدّت يداه اليسرى الى الكرسي الذي يجلس عليه، وفي الجهة الأخرى صورتي وأنا أستمع الى إفادات الشهود ، وبالإمكان الإطلاع على الصورة في الرابط أدناه إن لم تظهر في أسفل المقال:



 
سيادة وزير البيشمركه ما أشبه اليوم بالبارحة


78
الإنتخابات المبكرة ودور الشباب العراقي الثائر، وأمور أخرى!

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
aboauf36@gmail.com

                ونحن نزحف معاً نحو السابع من حزيران 2011: يوم إنتهاء المهلة التي طلبها رئيس الوزراء العراقي للإيفاء بوعوده المتمثلة بما يسمى (وعد تقويم الأداء الحكومي)، وإلى اليوم يبدو المشهد العراقي أكثر تعقيدا مما سبق. حيث حكومة السيد المالكي التي لم يكتمل نصابها بعد، ونواب رئيس الجمهورية الذين لم يتم التصويت على تسميتهم لهذه المناصب من قبل البرلمان، ومما يعمق الأزمة في البلاد ويجعل المشهد أكثر ضبابية، إفتقار الساحة الى معارضة سياسية متجانسة تمتلك برنامجا بديلا يكسبها شرعية مجتمعية ضاغطة تجاه تقويم الأداء الحكومي أو إقتلاع الحكومة الحالية والإتيان بأخرى أكثر قدرة على تنظيم نفسها وأصدق إلتزاما في الإيفاء بوعودها الإنتخابية. فلا يمكن التمييز بين الحكومة والمعارضة في عراق اليوم(خارج الإقليم خاصة)، نتيجة العلاقة النفعية التي تربط الطرفين ببعضهما البعض وإندفاع كل منهما للإستئثار بالسلطة. ومع حال كهذا يتعرض المواطن العراقي الى أعباء أمنية وإقتصادية وإجتماعية جديدة تضاف الى سلسلة الأعباء الأخرى.

                لم يتوقف العبث الرسمي المقنّن،على تعطيل إشغال الوزارات الأمنية بذوي الإختصاص من المستقلين أوالإتفاق على نواب رئيس الجمهورية، بل إمتد الى تجزئة مفهوم المعارضة السياسية – طوعا أو كرها- عن طريق إلحاقها شكليا بمواقع القرارلتصبح محكومة بالتبعية التي لا تتيح لها ممارسة دور الند، إلاّ حين تتعرض منافعها للخطر، عدا ذلك فيراد لها (المعارضة) أن تكون إمتدادا للسلطة وشريكا في الإخفاقات المتتالية، ومن ثم تدجينها وتدجين إمتدادها الشعبي أن تعذّر الفصل بينهما بحالة من الجفاء وإنعدام الثقة. وقد شكّل الغياب الحقيقي للمعارضة الى جانب غياب الأمن والخدمات، دافعا مضافا للشباب العراقي، كما هو شباب المنطقة الى الأخذ بزمام التغيير أو التصحيح دون التراجع عن الهدف.

                 لقد دخلنا في النصف الثاني من "وعد 100 يوم" وحال اليوم مشابه لحال الأمس إن لم يكن أسوأ حالا، فتشكيل الحكومة لم يكتمل بعد!، و رحى الصراع والتنافس على إشغال الوزارات الأمنية لاتزال قائمة، كما أثبتت الأحداث الأمنية فشل إدارة الوزارات وكالة من قبل رئيس الوزراء، وخاصة الأمنية منها بدليل حادثة محافظة صلاح الدين الأخيرة والشكوك التي حامت حول بعض أطراف السلطة في وزارة الداخلية من ذوي العلاقات الخفية مع المجاميع الإرهابية، وكذلك حادثة معسكر أشرف وفشل وزارة الدفاع في إدارة أزمة ذات بعد إنساني في المنظور الإقليمي والدولي بل والمحلّي على الأعم الأغلب. وإذا ما أضيف فشل الأداء الإقتصادي وإستشراء الفساد الإداري الى ماسبق، يصبح معه السابع من حزيران القادم نقطة مفصلية في تاريخ العراق تستدعي المطالبة بإجراء إنتخابات مبكرة تسفر عن حكومة أكثر أهلية لإدارة المرحلة القادمة. وما لم تتضح معالمه بعد هو شكل المعارضة السياسية ونوع التحالفات القادمة ودور الشباب الثائر فيما بعد.

                وإذا ما إستثنينا المشهد السياسي في إقليم كردستان، فإن الصوت المنادي بالتغيير في الإقليم، حيث يوجد مَن يلتف حوله ومعه، من فصائل المعارضة السياسية المؤهلة لذلك كـ (كتلة التغيير) مثلا، فأن بقية أجزاء المشهد العراقي تفتقر الى معارضة من هذا النوع مما يحتم على الشباب العراقي المنادي بالتغيير تكليل ندائه بإسلوب عمل معارض يستطيع من خلاله التأثير في مجرى الحدث السياسي في حال إجراء الإنتخابات المبكرة مستقبلا، وخاصة عند تعذر بروز معارضة فاعلة من الكتل المتعارف عليها في الساحة السياسية اليوم، قادرة على بناء جسور الثقة مع جمهرة المتظاهرين في الوسط والجنوب، وذلك ما لايبدو سهل التحقق (وإن لم يكن مستحيلا)، : أي بروز أطراف معارضة خلال الفترة القادمة قادرة على الإلتحام بالشارع العراقي وعلى غرار ماحدث ويحدث في الإقليم.

               إلحاقا بالمقال أعلاه، ، وتتمة لمشاركاتي السابقة حول الوضع السياسي العراقي، أود التنويه، بأني سأتناول عما قريب وعلى شكل أجزاء، محاولة إغتيالي، والتي نُفذّت من قبل مسؤول اللجنة المحلية للحزب الديمقراطي الكردستاني في كاليفورنيا- مدينة سان دييغو، المدعو (جمال قاسم محمد) بتأريخ 26/10/1989 بالتعاون مع مسؤول شبكات المخابرات البعث المنهار آنذاك المدعو (بلال عبد الواحد عباس)، وقد فقدت على إثر ذلك جزءاً من بدني.. وبعد أربع سنوات من تاريخ تنفيذ الجريمة تم إلقاء القبض عليه وحُكم بالسجن المؤبّد، وبعد مضي خمس سنوات في السجن تم الإتفاق بيني وبين مسؤولي الحزب بفتح لجنة تحقيقية لكشف خيوط الجريمة مقابل العفو عنه، وقد تم له ذلك، وتم تسجيل جلسة عفوي عنه في شريط فيديو بعد أن إعترف أمام المحكمة بأنه قد أخذ أوامر التنفيذ من قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني (البارت) وعلى وجه الخصوص من المدعو (فاضل مطني ميراني) والمخابرات الكردستانية (تايبه ت)، وتوجد حاليا نسخة من شريط الفيديو المتضمن للإعتراف المذكور لدى مكتب القيادة (مكتب سه روك) وتحديدا لدى مسؤول المكتب الشيخ طاهر عبد الغفور، وإلى اليوم لم تتشكل أي لجنة تحقيقية بهذا الخصوص رغم إمتلاكي لكافة الأدلة الثبوتية (المرئية والمسموعة والمقروءة) والتي سأرفقها مستقبلا مع تفاصيل الحادث، وماضاع حقٌ وراءه مُطالِب.

79
السلطات والتكفير السياسي لحرية التظاهر والإعتصام السلمي

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
بعد أن كانت المنطقة مرتعا للأفكار التكفيرية الدينية التي هدّدت الإستقرار الدولي، تتفشى اليوم ظاهرة جديدة في الأوساط السياسية التي ترفع لواء الديمقراطية في العراق، متمثلة في التشنيع بكل مايخالف رؤى السلطة والتكفير (سياسيا) كل من يعترض على أدائها أو يطالب بإصلاحها، ولم تكن هذه الظاهرة ذي النتائج الخطيرة على المسار السلمي للتظاهرات والحياة السياسية بشكل عام، لم تكن محصورة بالسلطة التنفيذية التي فشلت فشلا ذريعا في التعاطي مع المتظاهرين وحسب بل إمتدت هذه الظاهرة الى الساحات البرلمانية في بغداد والإقليم بل ومجالس المحافظات أيضا.

ومع الظروف القاهرة والغليان الشعبي في العراق، ينوي البرلمان العراقي البدء بعطلته والإستغراق في سبات لشهرين متتالين تاركا الشارع العراقي يندب حظه العاثر بمعزل عن ممثليه. رغم أن هؤلاء الممثلين لإرادة الشعب لم يكونوا أفضلا حالا أو تنظيما أو تعاطيا مع الأزمة الحالية من السلطة التنفيذية، فالإنشقاقات البرلمانية مستمرة والفوضوية وتكميم الأفواه قد فاقت المعقول ولم يكن برلمان الإقليم ومجالس المحافظات بمنأى عن عدوى التجاوزات على الصحفيين والمتظاهرين أو من ينوب عنهم ، فلم تمر أيام قلائل على إقدام رئيس برلمان إقليم كردستان العراق السيد كمال كركوكي بطرد عضو كتلة التغيير (عبد الله ملا نوري ) من قاعة برلمان الإقليم نتيجة مداخلة إتسمت بالجرأة في طرح ماينبغي طرحه، وبالأمس أيضا وتحت قبة البرلمان العراقي بدا السيد النجيفي (رئيس البرلمان) كريما جدا عندما أخرج الحق الدستوري للمتظاهرين من جيبه الخاص ليبدو متبرعاَ به للآخرين بقوله "وعلينا ان نعطيهم القدر الكافي من الحرية في التظاهر" دون أن يشير من قريب أو بعيد الى الأسس الدستورية والقانونية التي تمنحهم هذا الحق الثابت. وليس بخاف على أحد ماسبق ذلك من سلوك فج دأب عليه النائب كمال الساعدي (عضو دولة القانون) في 25 شباط وهو يعتلي أسطح العمارات في ساحة التحرير ببغداد، ليعطي أوامر إطلاق النار على المتظاهرين بإستعلائية قد لانجد لها مثيلا سوى تلك التي حدثت في السليمانية أيضا، وماحصل من إطلاق نار على المتظاهرين العزّل من على سطح الفرع الرابع للحزب الديمقراطي الكردستاني.

لم يسمو عن هذا الأداء الحكومي والبرلماني السئ في تعامله مع المتظاهرين سوى الدكتور إبراهيم الجعفري في كلمته يوم أمس والتي تضمنت "ان مطالب الشعب تنصبّ على بناء الدولة ومؤسساتها، مع ذلك فلو طالب الشعب بإسقاط النظام فسنكون معه في هذا المطلب"، بإستثناء هذا الموقف فلا نرى من أمل في أداء السلطتين التنفيذية والتشريعية، فالترهل الحكومي الذي لازم الأولى بدأ بالزحف الى السلطة الثانية (التشريعية) خاصة عندما بدأ موسم التفريخ والإنشقاقات فضلا عن التنابز والتهاتر وعدم التقيد بالأنظمة الداخلية وبزوغ الميول الفردية والدكتاتورية لدى رؤساء السلطة التشريعية. ولم يتبقى للشعب والمتظاهرين سوى السلطة الرابعة (الصحافة) وهي الأخرى بدت محاصرة ومطاردة من كل حدب وصوب أسوة بالمتظاهرين ومن قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء.



80

همسة أخيرة في أذن السيد المالكي، فهل من مدّكر!

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
aboauf36@gmail.com
يكاد يكون اللاّ موقف هو العنوان الأبرز لتعاطي حكومة المالكي مع مايجري حولها من أحداث في المنطقة، وبإستثناء التعاطي الخجول المتجسّد في الدعوة الى تخفيض رواتب المسؤولين وإلغاء بعض الإمتيازات، والذي لازال محل جذب وشد بين الكتل السياسية المعترضة على تقليص حجم المنافع المادية والمعنوية لأعضاءها، بإستثناء ذلك الجدل العقيم، لازالت حكومة المالكي تنظر بإستخفافٍ الى ملفات تحتل موقع الصدارة  في سلّم إحتياجات المواطن وخاصة ملفي الأمن والخدمات، وإغفال العلاقة التلازمية بينهما وتجاهل الخلل الفادح في كلا القطاّعين الأمني والخدمي، والذي يعكس إستخفافا فجاً بالشعب العراقي، ولم يقتصر الإستخفاف على تمرير حكومة "خديجة" غير مكتملة النمو في عملية إحتيال دستورية هي الأكبر من نوعها في تاريخ الديمقراطية، إنما الإصرار على ترميم هذه الحكومة بوزراء "خدّج" من المغمورين والفوضويين أو من غير ذوي الإختصاص، ولكي نكون أكثر واقعية مع المالكي، فإن إئتلاف العراقية هو الآخر، بإصراره على مرشح من هذا النوع يُعد شريكا أساسيا في الإحتيال المذكور، بل وعلى قائمة المشمولين بالمساءلة الشعبية المحتملة.

وكما أشرنا في مقالات سابقة فإن التقلبات السياسية في المنطقة، والمفاجآت غير المتوقعة تتطلب إيكال المواقع الأمنية الى أشخاص كفؤ، ذو مهارات أمنية وخبرات سياسية، يتمتعون بدرجة من الإستقلالية. وتشير الأزمة المصرية الحالية التي لازالت تُدور رحاها بين الشعب والنظام، الى أداء وزير داخلية اللاّمبارك المخلوع، الذي أضحى القشة التي قصمت ظهر النظام الدكتاتوري/ المحمّل أصلاً بخبائث أفرزها الأداء اللئيم الفاسد المتهاون اللاّ مسؤول للطبقة السياسية الحاكمة المنهارة/. ومع أن المسؤولية الأمنية في حكومة المالكي ومايحيط به من قوى سياسية اليوم، تشكّل نوع من المغامرة من قبل المتصدّي لحقائب وزارية من هذا النوع أو مسؤوليات مماثلة في هذا الظرف بالذات، لكن ذلك لايمنع من الإشارة الى أسماءٍ، يعود الخيار الأخير لها في التصدي من عدمه، خاصة أولئك الذين لازالوا يتمتعون بقدرٍ كبير من الإحترام والمصداقية من حيث تماسك رصيدهم الوطني والإخلاقي في نظر الشعب ولمواقف واضحة من النظام الدكتاتوري السابق والأذى الذي لحق بهم إثر تلك المواقف.

الفريق الركن نجيب الصالحي، أحد أولئك الرجال الذين خبرتهم الساحة السياسية قبل وبعد التغيير 2003، والذي لم تشكل خلفيته العسكرية عائقا أمام مجالات الإبداع الثقافي والسياسي والإداري، وذلك ما تشير إليه مؤلفاته و بحوثه في هذه المجالات. كما لحضوره المتميز بين الجاليات العراقية في فترة ماقبل التغيير، دلالة واضحة لموقف أكثر وضوحا تجاه دكتاتورية النظام السابق. ولم ينم خطابه الإعلامي والسياسي لفترة مابعد التغيير سوى عن إيمان راسخ بالتحول الديمقراطي المنشود، رغم أنه (إن لم أكن مُخطئاً) لم تُنط به أي مسؤولية تُذكر في الحكومات المتعاقبة بعد التغيير.

وكما هو الفريق الركن الصالحي، فالفريق بختيار محمد علي، من الرجال الذين أنجبتهم المؤسسة العسكرية العراقية، وأسهمت مواقفهم الواضحة تجاه الدكتاتورية الصداميّة الى خسارة مواقعهم والتسبب في إحالتهم على التقاعد المبكّر، بعد إعدام شقيقه سردار محمد علي (شقلاوة) في تسعينيات القرن المنصرم. و رغم ثقافته السياسية الواسعة، ألا أن الفريق بختيار علي لازال يتمتع بإستقلالية حزبية تؤهله لمواقع أمنية ذات طابع وطني كالتي نحن بصددها الآن. بل وهناك من الكفاءات الأمنية والعقول المتنوعة والرشيدة من غير الوصوليين والطحالب السياسية، مايمكن أن يسهم إشراكهم في مواقع المسؤولية بتنمية وتطوير المؤسسات الأمنية العراقية وتجنيب البلد مايخشى منه.

ومن خلال تواجدنا في ندوات عقدها الدكتور الجعفري ولأكثر من مناسبة في (لوس أنجلوس) ومدن أخرى نرى أيضا، بأهلية الدكتور الجعفري (القائد الأسبق للقوات المسلّحة) وبشكل يفوق الأسماء المطروحة اليوم من قبل المالكي وعلاوي لتسنم الحقائب الأمنية، فمع تطور أساليب المواجهة الأمنية، وتنوع وسائل الأداء وفي ظرف كالذي يمر به العراق اليوم، العراق بحاجة الى بناء أجهزة أمنية إصلاحية تتبنى النهج الإصلاحي تكون مؤتمنة على أرواح العباد ومصالح البلاد، وليست أجهزة إنتقامية تحرّكها بوصلة الحكم والطموح الشخصي، كتعبيد الطريق أمام المالكي لولاية ثالثة، أو ترجيح كفة علاّوي على حساب المالكي وهلمّ جرا، ليضيع الوطن والمواطن بين مصلحة هذا وطموح ذاك، من جهة، وجهل وفساد وفوضوية المرشّحين الحاليين لمواقع حساسة في ظرفٍ أكثر من حسّاس، من جهة أخرى. نتمنىّ أن تؤخذ الأسماء المذكورة بعين الإعتبار، لإعادة الإستقرار، والشروع بالإعمار، وإلا فإن غيمة الغضب تجوب المنطقة، ولا أحد يعلم فوق أي رأسٍ غدا تنهمر،.." فهل من مدّكر".؟

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا


81
بعدَ أن هبَّت المنوفية، علامَ يراهنْ اللاّ مبارك المخلوع؟

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
لاشك أن روح غاندي تنبعث من جديد في مصر، وكأن كل مصري قد أصبح مهاتما هو الآخر، ليس لأن غاندي قد إبتكر ذلك النهج لكنه خير من إمتثل في التاريخ السياسي الحديث لنهج إسلامي كان للإمام الحسين (ع) قصب السبق في التأسيس له وترسيخه في ضمائر المخلصين، وذلك مايجسدّه قول المهاتما نفسه " تعلّمت من الحُسين أن أكون مظلوماً فأنتصر". ورغم أن اللاّ مبارك حٌسني لم يرضخ الى إرادة الشعب المصري حتّى هذه اللحظة، لكنّه بلا أدنى شكّ سيرضخ، نعم حتماَ سيرضخ، فكلّما إزداد الدعم المعنوي والمادي لهذا النظام من قبل عواصم الطغاة ودعاة الحرّية في العالم، يزداد الشعب المصري إصرارا على المضي، فإن لم يكن الصوت المدوّي لحشود مئات الآلاف قد أسمعت أولئك الذين على "قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا"، فالحشود المليونية قادمة لتجدد بصمة الكرامة على جبين التاريخ.

ليست القاهرة والاسكندرية ودمياط والسويس وبقية المحافظات وحدها من قالت وتقول كلمتها، بل محافظة المنوفية مسقط رأس الطاغية اللاّ مبارك، تعلن البراءة اليوم من هذه الولادة المشؤومة، وكلما إمتدّت فترة الثورة السلمية البيضاء في ربوع النيل، كلما إتسعت الهوة بين النظام وشعبه، نتيجة سقوط الأبرياء من المتظاهرين على أيدي قوات أمن الطاغية والأجهزة الأمنية المساندة له من دول الطغاة الأخرى التي شكّلت وعلى وجه السرعة جسوراً مخابراتية لإنقاذ النظام، وكذلك على يد محترفو الجريمة الذين ساهمت تلك الأجهزة الدخيلة بتسريبهم من السجون والمعتقلات لتشويه ومصادرة إرادة الشعب المصري.

الثورة البيضاء لن تتوقّف مفاجآتها فـ (الشعب.. يُريد..  يُريد .. يُريد.. إسقاط النظام)، شعارا رفعه شباب مصر، وفقراء مصر، لتنضمّ النخبة من مثقفين وفنانين وأساتذة جامعات وعلماء ورجال الأزهر معهم، ليبقى الطاغية والحلقة المحيطة به، مترنحون لتنفيذ المخطط الرامي الى ضرب الجيش بالشعب، الجيش المصري الذي دوّن أروع الأمثلة وسجّل أنصع المواقف وأشرفها في التاريخ الحديث بمساندته لتطلعّات شعبه، وحماية المؤسسات وممتلكات الدولة والشعب.

ليس المصريين وحدهم أو أرواح الشهداء و ألقْ  روح الشهيد سيّد قطب، أو الشيخ كُشك و لا صلاح الدين الأيوبي وغاندي وجيفارا والشهيدين الصدرين وحسبْ، بل جميع أرواح العظماء والأحرار الذين أفنوا حياتهم من أجل الحرية والكرامة والسلام هم اليوم حاضرون في ميدان التحرير في القاهرة، وفي ميادين المحافظات الأخرى،  يمدّون المتظاهرين بروح المطاولة والإصرار على الثأر لكرامتهم بطرق سلمية وتعرية المنادين بهذا النهج السلمي من منظمات دولية وقوى عالمية وهم (في الحقيقة) غير مؤمنين به، بعد أن رأينا مارأينا من مواقف لم تقوى على الإفصاح عن موقف جلي و واضح لإسناد هذه الأصوات المتدفقة من حناجر أحرار مصر والمنادية بالتغيير والتغيير الجذري الشامل ليس غير، وبالطرق السلمية لا غير أيضاً.


82
بين خيارين، مجلس السياسات الستراتيجية أو الفشل المؤكد

عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
مع التكليف الرسمي من قبل رئيس الجمهورية للسيد المالكي بتشكيل الحكومة، يكون العد التنازلي قد إبتدأ، حيث المدة الدستورية المحددة في ثلاثين يوماً لإختبار صدقية مرشح التحالف الوطني الذي لم تثمر حكومته الأولى سوى عن تكريس مفاهيم وسلوكيات مجافية لما أعلن ويُعلن. فرغم مهرجاناته الخطابية و وعوده المعسولة، ألا أن حكومته السائبة وغياب التنسيق الفعاّل بين الوزارات في عهده ، أسفر عن إنفلات أمني يُنذر بإختفاء مكونات أساسية عن نسيج المجتمع العراقي - المسيحيين والصابئة وغيرهم-، كما أنتج عدم الإتساق في برامج المؤسسات الحكومية أنماطا من الفساد الإداري جعل العراق في مقدمة دول العالم في هذا المضمار المسخ، الذي يهدد بإنهيار إخلاقي يضاف الى آثاره الإقتصادية الكارثية على الفرد والمجتمع.

ان إفتقار العمل الحكومي الى رؤية مستقبلية موحدة وتخطيط مشترك إضافة الى الثغرات الدستورية وآثارها السلبية على النظام السياسي الجديد، وماخلّفته تلك الثغرات من فجوات إدارية في العمل الوظيفي بكافة مستوياته، يؤكد ضرورة الشروع بتشكيل المجلس الوطني للسياسات الستراتيجية العليا  وبصلاحيات تمكنّه من معالجة الخلل في التشريعات الدستورية والقوانين الموروثة من العهود السابقة وبما يتسق مع الإتجاه الستراتيجي العام للدولة العراقية، والإسهام في تسريع عملية التنمية الشاملة من خلال رسم خرائط تنموية للقطاعات المختلفة بالتنسيق مع الوزارات المعنية ومتابعة تنفيذ الخطط المرسومة، والإرتقاء أيضا بعمل المؤسسة العسكرية والأمنية من خلال تنقيتها من الإتجاهات السياسية والولاءات الحزبية أو الطائفية والإثنية إستنادا الى المادة التاسعة من الدستور، وكذلك الحد من إقحام السياسة في النظام القضائي وتعزيز إستقلال الهيئة القضائية وضمان إنسجام القرارات الصادرة من هيئاتها مع المواد الدستورية والقوانين المعمول بها: أي التطبيق الفعلي للمادة 19 من الدستور العراقي.

وقد سبقت جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية لقاءات جانبية موثقة بين الكتل السياسية تناولت العديد من الأمور المصيرية، وخاصة تلك التي تعهدت بها الأطراف الرئيسية للدكتور أياد علاوي بإشراك المشروع الوطني في القرار السياسي للمرحلة القادمة عن طريق تشكيل المجلس الوطني للسياسات الستراتيجية بالتزامن مع تشكيل الحكومة ضمن فترة الشهر دون تسويف أو مماطلة، لكننا نلمس اليوم تصاعد أنفاس تبدو أكثر ميلا الى الهيمنة والإستحواذ وتـُفصح دون تردد عن رغبتها في إعادة إنتاج الفشل من جديد.

ولكن، لم يعد ركوب الموجة والقفز على الحقائق ممكنا، أو التمرغ في نعيم السلطة متاحا، خاصة وإن المصلحة الوطنية العليا، كما هي مصالح الآخرين في العراق أمام "مفترق طرق"، ولن تدّخر جميع الأطراف – الوطنية والإقليمية والدولية-  جهودها في تحقيق التوازن الفعال في العراق، القاضي ببناء دولة قادرة على تحقيق أثر إيجابي في مواجهة الستراتيجيات في المنطقة. لذا فإن التضخم العددي للحقائب الوزارية عبر إستحداث وزارات جديدة لإرضاء الكتل السياسية والعودة من جديد الى مفهوم الدولة السائبة  لن يشفع في إستمرار الحكومة ليس لسنين بل حتى لأشهر معدودة، وقد يصار حينها الى حل مجلس النواب وإعادة الإنتخابات. هذا في حال نجاح المالكي في تشكيل الحكومة ضمن الفترة الدستورية المقررة لها، وتحتمل الكثير من الأطراف فشله في ذلك، ولكن، حتى مع نجاحه في تشكيل الحكومة مع بقاء عدم الإكتراث بالإتفاقات المبرمة قائما، فسيكون فشل الحكومة المثلومة قد غادر نطاق الإحتمالات بإتجاه خانة الفشل المؤكد، ونكون قد دخلنا معاً نفق مرحلة زمنية حبلى بالمفاجآت


83
د. أياد علاوي بين واقع الأمر والأمر الواقع
عبد الرحمن أبو عوف مصطفى/ كاليفورنيا
أسهمت الأنظمة الدكتاتورية التي تعاقبت على حكم العراق في تغييب قيم إنسانية عليا من الصعب للإنسان أينما كان ممارسة الحياة بشكل طبيعي من دونها. فالحرية المغيبة والعدالة المفقودة سمات رئيسية ميزت تلك المراحل المظلمة من تاريخ العراق. وقد إعتقد العراقيون بأن الشعارات التي رُفعت فيما مضى من قبل المناضلين،"الديمقراطية للعراق" الذي إنطلق من جبال كردستان العراق، و"العدالة للعراق" الذي تزامن مع الشعار الأول منطلقا من السهل العراقي ومنذ عشرات من السنين مضت. قد لاحت تباشير تحققهما على أرض الواقع بعد التغيير عام 2003، ولكن" أتت الرياح بما لاتشتهي السفن" فالطبقة السياسية الجديدة في العراق هي الأقل إنسجاما مع الحياة الديمقراطية  بعد أن أدى الشعب العراقي دوره المرسوم دستوريا ليرمي الكرة في ملعب الكتل السياسية التي أختيرت للقيام بمهام السلطة والتي تلكأت وبشكل يعكس عدم أهلية معظم هذه الكتل للمهام التي أختيرت لها. وبالتأكيد لايعني ذلك عدم وجود شريحة من ساسة العراق لازالوا يمتلكون قدرات كبيرة تمكنهم من النهوض بالواقع العراقي، فالدكتور أياد علاوي أحد هؤلاء الرجال القادرين على إدارة المرحلة الحالية إذا ما أعطي إستحقاقه الإنتخابي ومارس التكليف الوطني الذي أسند إليه من قبل الجماهير العراقية، خلفا للسيد المالكي الذي لم يثبت إنتمائه لكل من العدالة والديمقراطية، من حيث منافاة معظم تفاصيل أدائه الرسمي للعدالة وليس آخرها إجبار القضاء على الإنحناء له ومباركته لفترة رئاسية ثانية في تفسيره للكتلة الأكبر، وكذلك البقاء في موقعه عنوة وعدم إعترافه بالتداول السلمي للسلطة.
كما يشير واقع الأمر في العراق الى أن الدكتور أياد علاوي هو من بين الساسة القلائل، إن لم يكن الوحيد، القادرين على حصاد أصوات ناخبين - وإن كان بدرجات متفاوتة- من كافة الشرائح العراقية وعلى إختلاف إنتماءاتهم العرقية والطائفية والمناطقية وتفاوت مستوياتهم الثقافية، فإن ثبات النهج الوطني الذي تبناه الرجل عندما كان معارضا للنظام السابق والى اليوم، يعود الى شعور عال بالمسؤولية إزاء الإنسان العراقي، الشعور الذي يجسد بدوره قمة الوفاء لإنتماءاته الشخصية الأخرى الدينية منها والقومية من حيث توظيفها لمصلحة الجميع على حد سواء. ولم يتسنى لقائمته الفوز بالمرتبة الأولى لو لم يكن رئيسها كذلك، كما لم يكن بوسعه كسب إعتراف الأطراف الدولية والإقليمية دون إدراك من تلك الأطراف بأن العراق مقبرة لأي مشروع أجنبي دخيل عليه ولايُكتب النجاح فيه سوى للمشروع الوطني. ولكن البعض من دول الجوار ممّن يأبى إلا المكوث في حضيض السياسة الطائفية لازال يتبنى سياسة الأمر الواقع إتجاه العراق وقواه السياسية .
وعن عدم دراية وتمعن  يؤاخذ البعض على د. علاوي مطالبته بإعادة النظر ببعض القرارات المسمومة التي ساهمت فيما بعد في تأجيج العنف الشعبي و رد الفعل الرسمي معا ولازالت آثارها السلبية تخيم على البلاد والعباد الى اليوم، كـ(قانون إجتثاث البعث) الذي سحب البساط من القضاء العراقي ليضعه تحت أقدام أطراف سياسية دأبت على إستخدام فقراته للمساومة والإبتزاز ومنح صكوك الغفران بعد أن لفظ البعث كـ (آيديولوجيا) أنفاسه الأخيرة على يد صدام نفسه ليأتي القرار المشؤوم للحاكم المدني بريمر ليبث الحياة فيه من جديد!.في حين تم تجميد القوانين المعنية بإجتثاث اللصوص والمفسدين، بما يعطي الإنطباع الأكيد من ان التشريع لم يكن سوى قانونا إنتقاميا أصدر ولازال أحكاما جائرة خارج دائرة القضاء العراقي تتماشى مع الغايات السياسية للقيمين عليه، قد أدت الى حرمان كفاءات مدنية وعسكرية لم تكن موالية للبعث من ممارسة دورها الوظيفي، وفسحت المجال لمجرمين كانوا على إستعداد لتغيير جلودهم بين ليلة وضحاها.
لاشك ان زج الدكتور أياد علاوي في تلك المرحلة لإدارة المرحلة الإنتقالية، كانت محاولة أولى من قبل (الإحتلال الأمريكي الراحل) لحرق أوراقه السياسية وتعطيل المشروع الوطني، أما اليوم فسوف يرتكب الدكتور أياد علاوي خطأ أكبر في حال التخلي عن <<التكليف الوطني>> والسماح لسياسة الأمر الواقع التي ينتهجها ((الإحتلال الإيراني البديل)) والتي تتيح للإيرانيين وأذنابهم البقاء جاثمين على قلوب العراقيين ومشروعهم الوطني لسبع عجاف أخرى يسودها القتل والتهجير والبطالة من جديد
 


صفحات: [1]