مقابلة مع البروفسور جورج ابونا
اجرى المقابلة : سعيد سيبو
كانت الصدفة هي التي جمعتني مع البروفسور والدكتور الجراح جورج أبونا اثناء وجوده في زيارة خاصة لسان دييكو حيث عرضت عليه إجراء مقابلة لمجلتنا – حمورابي - فوافق وحين مناقشة موعد ومكان إجرائها وجدت صعوبة في ذلك نظرا لضيق وقته لذلك تم الاتفاق على إجرائها مباشرة من اللقاء الاول وهكذا كانت :
سؤال: من هو الدكتور جورج أبونا ؟
جواب : انا من مواليد بلدة القوش لسنة 1933 حيث قضيت فيها سنوات الطفولة ودرست في مدرسة مار ميخا الابتدائية للسنتين الاوليتين وبعدها إنتقلت مع اهلي الى بغداد وهناك أكملت دراستي الابتدائية والثانوية الى ان تخرجت وبدرجة عالية جدا أهلتني للحصول على زمالة دراسية في إنكلترا وعلى حساب الحكومة العراقية لدراسة الهندسة الميكانيكية في جامعة ( درهام ) حيث تخرجت وحصلت على شهادة البكلوريوس وكنت الاول على أقراني في الصف .
سؤال : هل رجعت الى الوطن بعد تخرجك ؟
جواب : كلا لم ارجع, بل واصلت دراستي في الهندسة الكهربائية وحصلت على درجة الماستر بعد سنتين ونطرا لشغفي المستمر في مواصلة الدراسة فقد رفضت طلب الحكومة العراقية بالرجوع للوطن والعمل في حقل الهندسة .
سؤال : ماذا كان موقف الحكومة العراقية من رفضك للرجوع الى العراق ؟
جواب: عاقبتني الحكومة العراقية بقطع تكاليف الدراسة ومع ذلك لم أيأس, بل بدأت دراسة الطب وعلى حسابي الخاص حيث شرعت بالعمل خارج الدوام في السنتين الأوليتين وبعدها قررت إدارة الجامعة منحي كافة نفقات الدراسة وذلك لكوني من الاوائل في دراستي وفي كافة المناهج. بعد مرور 6 سنوات من دراستي الطب,تخرجت عام 1961 وبدرجة دكتور ( طبيب )
حيث إنتقلت الى قسم الجراحة في نفس الجامعة وتدربت كجرّاح لمدة 4 سنوات ومن ثم زاولت نفس العمل كجرّاح ممارس لمدة 4 سنوات أخرى . خلال هذه الفترة تمكنت من إختراع جهاز
. ( Abouna’s liver support machine الكبد الصناعي كبديل عن الكبد الطبيعي وسميته
سؤال: كيف يعمل هذا الجهاز دكتور جورج ؟
جواب : يمكن لمرضى فشل الكبد ان يعتمدوا على هذا الجهاز الذي يقوم مقام الكبد الطبيعي بكل عملياته وفي هذه الحالة فالمريض أما ان يتحسن ويرجع كبده الى وضعه الطبيعي او ينتطر الى ان يتم زرع كبد إنسان آخر في جسمه وفي كلتا الحالتين يتم إنقاذ حياة المريض من خلال عمل هذا الجهاز وهكذا فبعد تصنيع هذا الجهاز من قبل شركة ايطالية شرعت مباشرة بمعالجة مرضى فشل الكبد للعديد من المرضى .
في سنة زار جامعتنا طبيبا جرّاحاً عالميا إسمه توماس ستارزي ومختص بزراعة الكبد ( كان اول طبيب قام بزراعة الكبد في العالم ) حيث تعجب بعمل هذا الجهاز وعرض علي العمل معه في اميركا فوافقت وعملنا سوية لمدة سنة ونصف وبعدها دعيت من قبل جرّاح آخر إسمه ديفد هيوم ( وهو اول طبيب في زراعة الكلى منذ سنة 1954 وفي ولاية فيرجينيا ) حيث عملت معه لمدة سنتين وقد شفيت أربعة مرضى فشل الكبد وغيبوبة الدماغ خلال هذه الفترة وهكذا عاش إثنان منهما 25 سنة بعد المعالجة. بعدها دعيت من قبل كلية الطب التابعة لجامعة جورجيا في مدينة اوكستا للتدريس وهناك قمت في إنجاز اول عملية لزراعة الكلى خلال فترة مكوثي فيها .
في سنة 1974 إتصل بي حاكم جورجيا آنذاك السيد جيمي كارتر ( الرئيس الامريكي السابق )
وطلب مني معالجة زوجة أحد أصدقاءه في فلوريدا حيث أجريت لها المعالجة المطلوبة في الكبد بواسطة جهاز الكبد الصناعي الذي إخترعته .
سؤال : كم سنة بقيت في جامعة جورجيا ؟
جواب : بقيت هناك ثلاث سنوات ومنها رجعت الى إنكلترا حيث إفتتحت في إحدى جامعاتها قسما خاصاً لزراعة الكبد والكلية وبعدها إنتقلت الى جامعة كالكيري في كندا حيث أسست اول قسم لزراعة الاعضاء فيه وكنت مسؤولا وحيدا في هذا القسم لمدة 4 سنوات وفيه أجريت اول عملية ناجحة لزراعة الكبد في كندا وكان ذلك في سنة 1975 .
في سنة 1978 دعيت من قبل جامعة الكويت لفتح قسم الجراحة وزراعة الاعضاء وهناك بقيت 12 سنة أزاول مهنتي وكان هذا القسم الوحيد من نوعه في الشرق الاوسط آنذاك. كان المرضى ياتون الى جامعتنا من كافة أقطار الشرق الاوسط وكنا نعالجهم مجانا وذلك تنفيذا لأوامر الشيخ جابر المبارك أمير البلاد آنذاك. وخلال فترة مكوثي في الكويت قمت بزيارات عديدة للعراق ولبنان وسوريا وتونس والمغرب والجزائر والسودان لغرض تأسيس مراكز زراعة الكلى وتدريب جراحي هذه الدول على إجراء هذه العمليات وبدون مقابل .
سؤال : و ماذا عن عملك في أميركا ؟
جواب : خلال إحدى سفراتي الى أميركا كنت قد أسست مركزا لزراعة الكلى في مدينة ديموين – ولاية آيوا - وهناك أشتريت بيتا لسكن العائلة ( حيث كنت متزوجا ولي ولدان وإبنتان )حيث كنا نقضي إجازتنا السنوية أثناء عملي في الكويت حيث بقيت فيها إلى ان حلَّ صيف سنة 1991 عندما غزاها صدام ووقعت الكارثة على أهل البلد والمقيمين فقررت مغادرة البلد وإنتقلت مع العائلة الى مدينة فيلادلفيا – ولاية بنسلفانيا – وهناك إفتتحت قسما لزراعة الاعضاء وبدأنا ايضا بزراعة الكلى والبنكرياس في جامعة هينمان وهناك قررنا العيش والاستقرار وبقينا نسكن في هذه الولاية ولحد الآن وخلال هذه الفترة إستلمت دعوة من عميد كلية الطب في جامعة الخليج العربي لتعليم الطرق الحديثة في دراسة الطب و بقيت فيها 4 سنوات بعد ان أخذت إجازة التفرغ من جامعة هينمان حيث كنت أقيم . كما سافرت الى ليبيا وأسست هناك قسم لزراعة الكلى وبقيت فيها 1.5 سنة وهناك أجريت 86 عملية لزراعة الكلى. وفي هذه الجامعة ( جامعة هينمان )أجريت اول عملية لزراعة البنكرياس لمرضى السكري سنة 1991 وخلال عشرة سنوات من عملي في هذه الجامعة أجريت أكثر من 20 عملية لزراعة البنكرياس وأكثر من 250 عملية لزراعة الكلى .
سؤال : ما هي توقعاتك لمستقبل الطب في العالم ؟
جواب : أتوقع بأنه خلال العشرين سنة القادمة ستبدأ عمليات زراعة الاعضاء البشرية بواسطة الخلايا الجذعية ومن نفس الشخص المصاب بعطب في أحد اعضاء جسمه وسوف لن يحتاج الانسان للإنتظار لمتبرعي أعضاء جسم الانسان بعد ذلك وإنما سيستعملون خلاياه لهذا الغرض.
بقي أن نذكر بأنه في سنة 2000 مُنح الدكتور جورج جائزة
Albert Shwitzer Gold Medal
وهو أول شخص يمنح هذه الجائزة في أميركا الشمالية .
أخيرا شكرنا البروفسور جورج بإسم هيئة تحرير مجلة حمورابي عل منحه لنا هذه الفرصة.