عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - سالم إيليا

صفحات: [1]
1
هذيان متعصب (الجزء الرابع)/ القول الفصل في بيان الأصل!!
بقلم: سالم ايليا
كنتُ أتمنى من صميم قلبي أن لا تصل المناكفات والمماحكات إلى هذا الحد بين أي طرفين ينتميان للعراق وهويته والمختلفين بالرأي والحُجّة، لكن للأسف نداءاتي ونداءات كل الوطنيين العراقيين الشرفاء للطرف الآخر بالتوقف عن كيل الشتائم والتُهم للمكونات التي لا ينتمي اليها ذلك الطرف باءت بالفشل!!، حتى وصل به الأمر للإستهانة بالرموز الدينية للمليارات من البشر!!، كل هذه النداءات ذهبت أدراج الرياح، وعجبي لا بل أسفي على البعض ممن يدعي من ذلك الطرف بالإنتماء اليه فشحذوا أقلامهم وساندوا ذلك المتعصب بتهجمه بدل محاولة إبداء النصح له للتوقف عن تجريح نصف البشر من سكان الكرة الأرضية من الأديان والمذاهب الأخرى!!، لا لشيء ولكن فقط لأنهم يختلفون معهم بالطائفة والدين أو المذهب!!، وعلى الرغم من أنّ عدد من يساندونه قليل جداً وهم على عدد أصابع اليد الواحدة، إلاّ أنه كان من المفروض عليهم إدراك ما ذهبتُ اليه من براهين وأدلّة مادية أثارية لا تقبل الجدل لم تكن غايتها الطعن أو التجريح كما يفعل هو!!، خاصة وأنني ذكرتُ لهم من أنّ نصف إنتمائي يرجع إلى طائفتهم من والدتي!!، وكان الأجدر بهم حث الطرف المتعصب والمتعنت بالكف عن القذف والشتم وإطلاق التُهم على الآخرين حفاظاً على سمعة الطائفة الجليلة التي نكن لها كل الإحترام والمحبة والتقدير، كذلك لحفظ ماء الوجه في حالة بيان العكس من الحقائق، وهذا ما سأبيّنه في هذه المقالة بشكل جلي وواضح لا يقبل التأويل والنقاش!!، وهو ليس إجتهاد من عندي أو من المصدر الأول للمعلومة!!، ولكن إستناداً على الجداريات والألواح الطينية الأثارية المرفقة والتي لا تحتاج إلى الجدل، وحاولت مراراً (رجاءه) بالتوقف عن التجريح والإهانة وأبديت إستعدادي للتوقف عن هذه المهاترات الغير مجدية أكثر من مرّة!!، لكن الطرف الآخر المتزمت زاد من شتائمه وتهجمه إعتقاداً منه بأنه الأقوى في الحجّةً والدلالةً والأكثر إطلاعاً وهذا ما يُطلق عليه بـ (الغرور)!!، وانني أسأل كل أبناء الطائفة الأجلاء وخاصة (عُلية القوم) والمنصفين فيهم ـ ـ الم يكن واجباً عليكم مناشدة مراجعكم الدينية وأصحاب القرار فيها للضغط على هذا المتسرع بالإتهامات والنعوت الغير مهذبة على إخوة لكم في الوطن والإنتماء فوصل بإعتداءاته حتى إلى رموزهم الدينية العُليا من الرُسل والأنبياء وبابا روما وغيرهم، وأين هي تعاليم المسيح السمحاء في قلوبكم خاصة وأن بعضكم يجاهر بتدينه!!، لذا فليعذرني كل أهلنا من تلك الطائفة ورجال دينهم الأجلاّء على دفعي مرغماً لنشر الحقائق المدعومة بالوثائق خدمة للحقيقة فقط ليس إلاّ، وإذا كان هنالك أي ملامة فلتوجه إلى مَنْ لَم يكن متأكداً من معلوماته!!، خاصة وإنّ معظم ما بينته في مقالاتي كان مستنبط من مقالاته حرفياً لتضادد ما جاء فيها وتعارض طروحاته مع بعضها البعض!!، ولتكن هذه المقالة نهاية التجاذبات وبداية علاقة طيبة أخوية بين الجميع تحت مظلة إنتمائنا الوطني العراقي حتى مع صاحب المقالات ذاته المعني بالأمر إذا عاد إلى رشده وترك هذه التقاذفات ولينحو منحى آخراً في البحث التاريخي لإشباع (هوايته) ولتكن المصداقية والمعلومة الصحيحة غير المزيفة هدفه!!، هذا فيما إذا وَجَدَتْ هذه المقالة وهذا النداء الأخوي صدى عنده!!، فالغاية ليست إبراز عضلاتنا على بعضنا البعض، فالعراق يتمزق!!، وأهلنا العراقيين في الداخل هم الذين يدفعون ثمن تجاذباتنا العقيمة التي ليس لها محل من الإعراب وقد مضى عليها آلاف السنين ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين ـ  قرن القرية الصغيرة!!!، ولا اعتقد بأن هنالك (هدف سامي) سيتحقق من هذه التجاذبات!!.
وليُدرك مَنْ يستبدل هويته الوطنية العراقية بهويته الطائفية القومية بأن عليه أنْ يَثبت نَسَبه وإنتماءه اليها أولاً بفحص الـ (DNA)!!!، وبعكسه فالإنتماء الوطني الجغرافي هو شعور وإنتماء وجداني لا يحتاج إلى أدلّة (طبية مختبرية جينية) لإثباته!!، لأن الوطن يحتضن مكونات عديدة مختلفة بإنتماءاتها القومية والدينية والمذهبية. أما الإنتماء القومي/ الأثني فبكل تأكيد يعود إلى علم الأجناس بكل تفرعاته وأقسامه (anthropology)، وهو إنتماء بصلة الدم والعِرق والشكل بالمواصفات الجسدية والخلقية وكل ما يتعلق بالأجناس وبيئتها، وبالطبع هذا النوع من الإنتماء يحتاج إلى فحوصات مختبرية جينية!!، وعليه فكل من يتعصب لإنتمائه القومي عليه إثبات نسبه أولاً لقوميته بمثل هذه الفحوصات، وليطلق العنان بعدها لقلمه ولسانه للدفاع والمجاهرة بتعصبه، ورأيي أن لا يفعلها المتعصبون لأنها ستكون فضيحة ما بعدها فضيحة لهم!!!!!!.
ومثلما وعدتُ الجميع في الجزء الثالث من سلسلة المقالات (المُجبَر) عليها لرد الإتهامات والهَجاء على معظم مكونات الشعب العراقي بملايينهم من نفر ضال قليل العدد يدفعني إلى ذلك شعوري وإنتمائي الوطني وليس الطائفي، ولسان حالي يردد "مُجبَر أخاكم لا بطل"، فأنني سأعلن الحقائق الموثقة والمصورة بأدلتها الأثارية ومن مصادرها الأصلية المشفوعة بتأييد اللجان الأكاديمية المتخصصة في البلدان ذات العلاقة!!.
وعليه يجب تعريف المصدر الأول الرئيسي للمعلومات التي سأطرحها على القرّاء بشكل أوسع مما ذكرته عن هذه الشخصية (أي المؤلف) في المقالات السابقة لضرورات إثبات مصداقية المعلومات التي ستنشر.
فمؤلف كتاب "العصور القديمة" هو جيمس هنري برستد ( James Henry Breasted) عاش (من الفترة 27 أغسطس/ آب 1865 الى 2 ديسمبر/ كانون الأول 1935)، وهو عالم آثار ومؤرخ أمريكي يُعتبر من أشهر وأنبغ وأنزه علماء الآثار في المصريات/ حضارة الفراعنة وحضارات بلاد الرافدين وتاريخ الشرق وآسيا الغربية والشرق الأدنى حصراً. وتقول المصادر من أن هذا العالم الأثاري المهم درس في برلين علم الأثار المصرية والرافدينية على يد العالم الألماني الكبير (أدولف ارمان)، وبعد نيله شهادة الدكتوراه عام (1894م) دعيَ للإنضمام إلى الفريق الذي كان يَعد قاموساً للغة المصرية القديمة لنبوغه وفطنته، وقد ترأس العديد من البعثات الأثارية التنقيبية في العراق وبلاد الأناضول إضافة لمصر، وكان ملماً وضليعاً في حل رموز وطلاسم اللغات القديمة ومنها الفرعونية والمسمارية والآرامية والعبرية القديمتين!!، وعليه يُعتبر أهم من وضع أسس دراسة تاريخ الشرق الأدنى وآسيا الغربية للطلبة في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأمّا الأستاذ (هَرُلْد نلسن) منقّح كتاب "تاريخ العصور القديمة" فهو أحد اساتذة التاريخ في الجامعة الأمريكية ببيروت، وحيثُ يقول في كلمته في مقدمة الكتاب الذي ترجمه الى العربية الأستاذ (داوُد قربان) وليس كما ورد كخطأ إملائي في الحلقة الأولى بإسم (داوُد فرحان) ما يلي: "ان هذا الكتاب الذي نزفه الآن إلى ابناء الشرق الأدنى بحلّة عربية هو بلا مراء افضل كتاب مدرسي في تاريخ العالم القديم باللغة الإنكليزية" ـ ـ إنتهى الإستدلال.
ولتثبيت الحقائق بمهنية بعيدة عن التشنجات الطائفية الدائرة منذ سنين، وجبَ عليّ طرح الأسباب التي دعتني إلى إختيار هذا المصدر (الوثيقة) دون غيره من المصادر الأخرى لتسهيل قبول وإقناع المتابعين والمختصين/ الباحثين الحقيقيين في التاريخ والقرّاء على حدٍ سواءٍ لما جاء فيه وكالآتي:
ـ مصداقية المؤلف ومكانته العلمية بين المؤسسات الأكاديمية الأثارية والتاريخية العالمية الرصينة، وحيثُ يُعتبر اعظم عالم تاريخ وآثاريات في زمنه ولحد الآن، ولا تزال كتبه ومؤلفاته تغزو المكتبات العالمية وتعتبر من أهم المراجع للباحثين في التاريخ القديم.
ـ صفحات الكتاب التي إستشهدتُ فيها للدلالة والمعروضة مع هذه المقالة تم تصويرها مباشرة من نسخة طبعته الأصلية الأولى المترجمة من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية والتي طُبعت سنة (1926م) تحت إشراف لجان متخصصة في أكثر من دولة وجامعة عالمية، وكما سأبين لاحقاً في الفقرات التالية، ومعنى كونه كتاب أقرّ في المناهج الدراسية لعدّة دول، فهذا يعنى انه ذات مصداقية تكاد تكون مطلقة!!، ولهذا فمن المستبعد حدوث أي تغيير أو تحريف على ما جاء فيه من معلومات مهمة جداً، وعليهِ يُعتبر هذا الكتاب المصدر الرئيسي لبقية المصادر في اخذ المعلومة.
ـ موافقة وتصديق جميع الجهات ذات العلاقة على ما جاء في الكتاب من توثيق مهم للتاريخ القديم بدءاً بوزارة التربية والتعليم الأمريكية في ذلك الوقت لأنه اُعتمد لتدريس مادة التاريخ القديم للدراسة الثانوية في امريكا حينها، كذلك إقراره مِنْ وزارتي المعارف (التربية) العراقية والفلسطينية حينها أي سنة (1926م) وهي سنة طبع الكتاب باللغة العربية، وتمت مراجعته والمصادقة على محتواه من قِبل لجان فحص المواد التدريسية المشكّلة في كلتي الوزارتين والمؤلفة من خيرة الأساتذة الأكاديميين والباحثين في كلي البلدين. إضافة إلى اقرار الجامعة الأمريكية في بيروت بما جاء فيه مِنْ معلومات، وذلك لأخذها على عاتقها تنقيح وترجمة وطبع نسخة الكتاب المعدّة إلى العربية بواسطة إستاذيها (هرُلد نلسن) و(داوُد قربان) على التوالي وبتكليف من وزارتي المعارف في العراق وفلسطين.
ـ اقرار أكاديمية العلوم في برلين لهذا الكتاب لكون العالم الأثاري الدكتور جيمس هنري براستد كان عضواً فيها بعد نيله لشهادة الدكتوراه في اروقتها.
ـ اقرار الكتاب من قبل اتحاد المؤرخين العرب.
ـ كل صفحة من صفحات كتاب "العصور القديمة" لجايمس براستد والمعززة بصور اللوحات الطينية والجداريات الأثارية والمخططات والخرائط وصور التماثيل واللقى الأثارية تُعتبر بمثابة وثيقة رسمية موثوقة!!، لماذا؟!: الجواب، لأن الوثيقة الرسمية: هي عبارة عن مستند مؤثق ومصدّق من الجهات الرسمية الحكومية أوما تصل إلى مستواها من هيئات ومؤسسات ذات العلاقة، وتعطي هذه الوثيقة الحق فيما يُستدل به من محتوى. ولكي نبرهن على تطابق مواصفات صفحات الكتاب وما جاء فيها من معلومات مع ما ذكرته من شروط لتحقيق كونها وثائق رسميّة، فقد ذكرتُ بأن هذا الكتاب هو ليس كتاب عادي لمؤلف له درجة معينة من العلم والبحث والتقصي، وإنما جرت المصادقة على ما جاء فيه من معلومات من أول كلمة فيه الى أخر كلمة من الجهات الرسمية واللجان المتخصصة لثلاث دول ذات العلاقة ومن المؤسسات الأكاديمية العلمية وكما ذكرتُ اعلاه، إضافة الى إعتماده من قبل اتحاد المؤرخين العرب، وكل الجامعات والأكاديميات الرصينة الأخرى في العالم.
ـ حيادية المؤلف ومهنيته استناداً على شهادته العلمية الرفيعة التي نالها من أرقى المؤسسات التعليمية في العالم، فليس من السهولة حصوله سنة 1894م على شهادة الدكتوراه في الأثار الشرقية من الأكاديمية العلمية في برلين بالمانيا في وقت كانت تعتبر الحصول على شهادة التعليم الإبتدائي مفخرة لحاملها!!، ولهذا فان حياديته منبثقة من كونه رجل اكاديمي مهني، وكذلك تدوينه لتلك الحقائق والمعلومات بشكل مباشر مما عَثر (هو) عليه مع فريق عمله من الواح طينية وجداريات وصروح أثارية وبخط يده دون مرور هذا التوثيق بمصدر ثاني أو ثالث وإلى آخره ليتم التشكيك فيه بعملية الحذف او التزوير أو التحوير، وكما نعلم من أنّ المكتبات مملوءة بمثل هذه الكتب المحرّفة ومنها التي يحاول الموما اليه بالنقد الإستناد عليها بطرحه للمتناقضات في مقالاته. أي بمعنى آخر فأن العالم جيمس هنري برستد يُعتبر هو المصدر الأول والوحيد للمعلومة وما يدونه يؤخذ على انه وثيقة معتمدة من مصدرها الرئيسي.
ـ الكتاب (المصدر) تم تأليفه بنسخته الإنكليزية قبل أكثر من (مئة) عام، وأمّا نسخته العربية فعمرها (92) عاماً، والصفحات التي سأعرضها هي من ذات النسخة العربية في طبعتها الأولى، أي بمعنى آخر ان الزمن الذي طُبِعَ فيه الكتاب بنسخته الإنكليزية الأصلية والعربية المأخوذة عنه لم يكن زمن التناحرات الطائفية كما هو الحال الآن لكي نشكك بالغايات والمعلومات التي وردت فيه!!، كما وان مؤلفه لا شائبة عليه ولا ينتمي إلى اي من الجهات المتصارعة طائفياً، وهو أمريكي يهودي كما تذكر المصادر!!، وكان من المفروض ان لا ينصف الآشوريين والكلدانيين لأنهم كانوا سبباً في سبي بني قومه وتشريدهم!!، لكنه لم يفعل ذلك ودوّن معلوماته من الأثار مباشرة وبمهنية عالية!!.
ـ يُعتبر المؤلف المرجع لعلماء عصره ولحد الآن في فك طلاسم لغات العالم القديم، ومنها الفرعونية (الهيروغليفية) والمسمارية في بلاد وادي الرافدين والآرامية والعبرية القديمتين، ولا تزال لحد الآن الأكاديميات العلمية المهتمة بالتاريخ القديم حول العالم تعتمد على توثيقاته وتدويناته.
ذكرتُ كل تلك الأسباب اعلاه لبيان سبب اعتمادي على ما سأنشره من معلومات (مهمة) تضع حد لهذه المهاترات والتلفيقات والأكاذيب التي يطلقها البعض نتيجة تعصبهم لطائفتهم ومذهبهم، وستبين هذه الصفحات بشكل جلي وواضح  (القول الفصل لبيان الأصل) مَنْ مِن الطوائف تعود بنسبها إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود!!، اعتماداً على تدوينات وتوثيقات العالم الأثاري (براستد) التي أخذها بشكل مباشر من اللقى الأثارية وبالأخص المدونة في صفحات كتابه الأربعة الخاصة بمراحل الإستيطان الآرامي والمرقمة (108، 109، 110 و111) على التوالي ومن النسخة (الأصلية) بطبعتها الأولى للكتاب بنسخته العربية، والمصادق عليه من الجهات الحكومية ذات العلاقة لدولتين عربيتين!!!.
ولكي اقطع دابر التأويلات والمناكفات والأفكار السيئة والمبيتة، أقول من ان جميع العراقيين تغمرهم الفرحة عندما يُضاف (باحث في التاريخ) حقيقي ومهني إلى قائمة الأعلام الذين سبقوه أو المعاصرين له ويستخدم في تدوينه الحقائق وبلغة مهذبة بعيداً عن التجريح والإساءة والإتهامات لأكثر من نصف سكان الأرض ما بين نعتهم (بالظالمين والغازين) والتعرض والإستهانة لرموزهم الدينية كونهم يختلفون معه بالدين!!، وشَتمْ البقية ممن يختلفون معه بالمذهب والطائفة والإستهزاء برجال دينهم من اعلى مرتبة فيهم وهو (البابا) مروراً بالبطريرك المحلّي لطائفة من طوائفهم واطلاق الأسماء المخجلة على تلك الطوائف!!، وحيثُ كنّا نتمنى أن ينظم هذا المبتدأ والحديث العهد في الكتابة إلى سلسلة الباحثين الأعلام بعد أن يكتسب الخبرة العلمية الحقيقية بعد عشرات السنين لممارسة (هواية) البحث عنده، وليفتخر بعدها بكونه باحث حقيقي وليس حال خطّه لبضعة سطور وتدوينه للمتناقضات التي أخرجته من دائرة المصداقية و(بإمتياز) بعد أن عرضتُ تناقضات طرحه، أقول كنّا نتمنى أن يضيف ولو الشيء اليسير من الحقائق ليضيء سفر البحوث التاريخية كما أضاءوا ممن قبله من الباحثين الحقيقيين ببحوثهم الرصينة الشيء الكثير عن تاريخ بلدهم ومكوناتهم، لكننا أصبنا بخيبة الأمل عندما قرأنا له على نشر ما يفرّق بدل ما يجمع المكونات، وعزوفه عن البحث عن نقاط التلاقي بدل نشره لنقاط الإختلاف بين الأديان والمذاهب والقوميات، وتأليب الأديان والمذاهب على بعضها البعض ونحن في القرن الواحد والعشرين!!، ومحاولته نبش التاريخ والعودة الآف السنين لعرض نقاط الخلاف بين المكونات للمجتمع الواحد والتي لا نعرف مدى مصداقيتها ليؤجج المشاعر في هذا الظرف الدقيق اكثر مما هي عليه الآن، ولم يُعلن لحد الآن عن هدفه والغاية من مقالاته على الرغم من الحاح كل من يقرأ له على هذا السؤال؟!، ولم يجيب لحد الآن عن أسئلتنا اليه التي تفند إدعاءاته!!.       
       
إنّ جميع المهتمين بالتاريخ وتوثيقاته يعلمون من أن رفوفه مملوءة بالكتب الغير مهنية والمحرّفة والكاذبة التي الفها كتّاب مدفوعي الثمن في مختلف العصور والأزمنة وخاصة البعض من المؤرخين من رجال الدين من هذا الدين أو ذاك أو من هذا المذهب أو غيره أو من هذه  الطائفة أو تلك، وخاصة المنشقين منهم عن أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم أو المتعصبين منهم لأديانهم أو مذاهبهم، وحتى أنّ بعضهم ممن كانوا في غابر الأزمان او من بعض الموجودين الآن والذين لا يزالون على إنتماءاتهم لكنهم يكتبون ضدها لإختلافهم مع رؤسائهم!!!، فمثل هؤلاء لا يمكن الأخذ بتدويناتهم، وكمثل بسيط على نفس (المدعي): هل من الممكن بعد مئة سنة او اكثر اعتماد كتبه المليئة بالتحريض والتزوير للحقائق بعد ان اثبتُ بمقالاتي بطلانها بالوثائق والأدلة المادية الرسمية والمعتمدة من ذوي التخصص؟؟!!، طبعاً سيظهر كاتب متعصب آخر حينها ويأخذ هذه الأباطيل والمعلومات المزورة من كتاب هذا المتعصب الحالي ليبدأ بهذيان جديد وهكذا!!.
وعليه فما سأعلنه وأنشره الآن من وثائق مادية وتوثيقية لم أتدخل مطلقاً بصياغتها وإنما سأنقلها حرفياً من مصدرها الأول والرئيسي الذي أقرّ (الموما اليه) بمصداقيته في ردّه على مقالتي الأولى!!، وكل الذي سأفعله هو الإشارة اليها وتأطيرها وتنظيمها بتسلسلاتها كما وردت في الوثيقة، وسأطرح الأسئلة المستنبطة من الوثائق وعلى القرّاء والمتابعين الألِبّاءُ (ومفردها لبيب) إيجاد الأجوبة لها من هذه الوثائق المرفقة مع هذه المقالة، وسأرفق مع هذه المقالة نسخ الصفحات الأربعة المصوّرة ليطّلع عليها القرّاء النجباء بأنفسهم، وحيث سأبدأ من الصفحة (108) من صفحات الكتاب الموسوم "العصور القديمة" وبنصوصها المنقولة حرفياً وسأضعها بين علامتي التنصيص (")، والماخوذة بشكل مباشر من الآثار المصوّرة والمرفقة في تلك الصفحات والتي لا تقبل الجدل اوالشك، وكالآتي:
ـ " وفي السنة 1400 ق.م حاولوا ان يستولوا على السواحل الغربية اي على فلسطين وسورية كما فعل الاشوريون قبل ذلك بأشور. ولم يكن هؤلاء البدو الرحل الغربيون الاّ العبرانيين في فلسطين والاراميين الى الشمال منهم " إنتهى الإقتباس والإستدلال الأول، وحيثُ نستنتج منه ما يلي: ان العبرانيون والاراميون في ذلك الزمن كانوا (بدو رحّل) عندما كان الآشوريين قد استوطنوا في المدن!!. كذلك نستنج (تحالف) العبرانيين والاراميين للإستيلاء على السواحل الغربية (فلسطين وسورية)!!. وقد ذكر المؤلف في الحاشية الأولى المرقمة (207) للصفحة (105) من كتابه ما يلي: "تأسيس اشور (3000 ق.م) تحت تأثير العوامل السوميرية" ـ ـ انتهى الإقتباس، اي أنّ الآشوريين كانوا قد استقروا في المدن قبل العبرانيين والآراميين بحوالي (1800) سنة وكما سأبين لاحقاً!!، وهنا يجب التنويه على ان الإستيطان لا يعني الحضارة المطلقة، وإنما بداية المرحلة الأولى لتكوين المدن والتحضّر.
ـ " وبعد السنة 1200 ق.م أسس الاراميون في الغرب (يقصد غرب المدن الآشورية او بلاد الرافدين) عدّة ممالك زاهرة بنوا فيها مدناً فاخرة لملوكهم وقصوراً باذخة فرشوها بانفس الاثاث (ش 71) ولا يَدّع في ذلك فانهم كانوا تحت تأثير مدنية الحثيين من الجهة الواحدة ومدنية المصريين من الجهة الاخرى " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الثاني، والذي نستنتج منه اولاً: بعد حوالي (200) عام من المحاولات للاراميين بالإستيلاء على الساحل الغربي نجحوا في محاولتهم الأخيرة واستولوا على سورية وكونوا فيها عدّة ممالك واقواها كانت "دمشق" وتليها "حماة". والإستنتاج الثاني هو: سرعة تحضّرهم وذلك بتفاعلهم وتأثرهم بالحضارتين الحيثية والمصرية.
وما جاء في الصفحة (109) من الكتاب كوثيقة رسمية ما يلي:
ـ " على ان التجار الاراميين كانوا يَغْشَون (اي يملأون) الاسواق الاشورية. فكانوا في تلك الازمان البعيدة مثل ابناء عمهم اليهود في الممالك المتمدنة اليوم كبار زعماء التجارة وان كانوا لم ينتظموا امةً واحدة "!!!!!!!!! ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الثالث المهم جداً!!، ومنه نستنتج اولاً: أنّ الاراميين كانوا منذ ذلك الوقت زعماء التجارة وبالفعل سيطروا على التجارة في اسيا الغربية منذ ان كانوا (بدو رحل) هم والعبرانيين وهذه التجارة لا تزال قائمة إلى يومنا هذا بين البدو الرحل في البادية الغربية من العراق وامتدادها البادية الشرقية لسورية وبالتعاون التجاري الوثيق فيما بينهما!!. والإستنتاج الثاني هو: دفعهم (الجزية) للآشوريين وكما سأبين لاحقاً لتفادي غزوهم وتدميرهم، ولهذا سمحوا الآشوريون لهم بالدخول إلى اسواقهم والسيطرة عليها كتجّار. والإستنتاج الثالث هو: نعت الآراميون من قِبلْ (المؤلف جيمس برستد) وهو يهودي امريكي كما تذكر المصادر بأنهم (ابناء عَم) اليهود في الممالك المتمدنة اليوم (اي اليهود الحاليين، وكان كلامه هذا عند تاليفه للكتاب اي قبل مئة سنة من الآن)!!!!!!!، فما رأي الموما اليه بالنقد والذي لا يتوقف عن اتهام الكلدانيين والآشوريين بانهم من الأسباط العشرة المفقودة لليهود، فهذا (شاهد من أهلها) يفتخر ببراعة التجّار الآراميين في ذلك الوقت كبراعة (اولاد عمهم) اليهود في الوقت الحاضر بالتجارة!!!. في الإستنتاج الرابع: اراد المؤلف (وهو العالم الأثاري والتاريخي الذي لا يضاهيه احد) من خلال الجملة الأخيرة "وان كانوا لم ينتظموا امة واحدة" ان يقول بأن الآراميين والعبرانيين هم امة واحدة تاريخياً واثنياً وإن لم ينتظموا سياسياً وإدارياً بإمّة معلنة في الوقت الحاضر!!، واؤكد من أنّ هذا الكلام ليس قولي أنا كاتب هذه السطور وإنما قول مؤلف الكتاب، ومن له استنتاج آخر فليطرحه لتصحيح ما جاء في كلام جيمس برستد أو ليسكت وإلى الأبد؟؟؟؟!!!!.
ـ " وبلغ الاراميون درجة عالية من المدنيّة فكانوا في السنة 1000 ق.م يستعملون في كتاباتهم الحروف الهجائية التي اخذوها عن الفينيقيين ـ وهو اقدم نظام للكتابة معروف ، استعملت فيهِ الحروف الهجائية وحدها (ش 123)، واخذوا عن المصريين القلم والحبر اللذين لا يستغنى عنهما مطلقاً في الكتابة بحروف الهجاء (ش 71) " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الرابع، ومنه نستنتج اولاً: أنّ الاراميين قوم (اذكياء) منذ ذلك الزمن ولحد الآن، وحيثُ اتقنوا التجارة من اولاد عمهم اليهود ولا يزالُ هم سادة التجارة والأستثمار إلى يومنا هذا كاليهود، بالإضافة إلى سرعة اخذهم للحروف الهجائية من الفينيقيين وبدءوا بالتكلم بها، واستخدامهم بسرعة ومهارة لأدوات الكتابة (القلم والحبر) اللذين اخذوهما من المصريين!!. الإستنتاج الثاني هو: تصحيح معلومة تاريخية خاطئة وهي: (ثبوت عدم ريادية اللغة الآرامية كأول لغة هجائية في العالم!!، وإنما سبقتها اللغة الفينيقية التي منها اخذ الآراميون لغتهم الجديدة ومن بعدهم كل الأمم المحيطة التي كان الفضل للآراميين بإنتشارها بينهم، كذلك عدم اختراعهم للقلم والحبر!!، وإنما اخذوه من المصريين)!!. وهذا ليس كلامي ايضاً وإنما كلام عالم الأثار جيمس برستد).
ـ " وقد وجد في اطلال المباني الاشورية كثيرٌ من قطع الاجر التي علّق عليها حواشٍ بالارامية " ـ ـ انتهى الإقتباس الخامس، والإستنتاج الأول هو: من خلال الهدنة بين المملكة الآشورية من جهة (التي اصبحت فيما بعد امبراطورية واسعة) والدولة الآرامية المنشأة حديثاً من الجهة الأخرى، والتي كان من شروطها ان يدفع الآراميون "الجزية" للآشوريين، فإن التجار الآراميون عوّضوا بذكائهم خسارتهم لمالهم من دفع الجزية في الربح الذي كانوا يحصلون عليه بتجارتهم داخل المملكة الأشورية!!، مما ادى إلى انتشار لغتهم الآرامية المقتبسة من اللغة الفينيقية بواسطة التجّار وبسرعة في المحيط الذي حولهم لسهولتها وسهولة ادواتها الكتابية (ورق البردي والقلم مع الحبر)، وليس كاللغة المسمارية التي تحتاج من الكاتب ان يحمل لوحه الطيني الطري ليكتب عليه جُملهِ المسمارية ثم يتم (شوي أو فخر) هذا اللوح وهي عملية معقدة، ولهذا تُبيّن لنا احدى اللوحات الأثارية المعروضة في الصفحة (110) ان الكاتب باللغة المسمارية قد اخذ قسطاً من الراحة!!. امّا الإستنتاج الثاني فهو: ما بَيّنتْهُ قطع الآجر التي وجدت في اطلال المباني الآشورية المكتوب عليها باللغة الآرامية يؤكد انتشار اللغة الآرامية في المملكة الآشورية وبين سكانها، بمعنى آخر سبب وجود هذه الآثار الكتابية للغة الآرامية في الأرض الآشورية يعود إلى انها اصبحت لغة الجميع لسهولتها، وليس كما يعتقد البعض خطأ من ان الدولة الآرامية اصبحت فيما بعد امبراطورية وبسطت نفوذها على اراضي بلاد الرافدين وخاصة الآشورية منها، ويعطي دليل مغلوط على وجود لغتها وآثارها في هذه الأرض أو تلك.
فلا يوجد ولو مصدر واحد يتكلم عن وجود توسع سياسي ـ اداري للدولة الآرامية، ولا يوجد مصدر واحد رصين وموثوق يتكلم عن وجود امبراطورية آرامية، كالتي تكلمَت عنها المصادر للإمبراطوريتين الآشورية والكلدانية، ولو سمحت حدود النشر لنشرت الفهرست لهذا الكتاب الذي يترك فصلين كاملين للحضارات العراقية (الرابع والخامس)، وهذه الحضارات هي الأكدية والسومرية والبابلية الأولى والآشورية والكلدانية (البابلية الأخيرة) فقط، لكنه بكل تأكيد يذكر من خلال عرض تاريخ الآشوريين في الأربع صفحات المعروضة مع هذه المقالة انبثاق (دويلات) آرامية والبعض منها اصبحت دول متحضّرة وخاصة في (دمشق) وهي دولة جديرة بالوقوف عندها، خاصة في المجال التجاري وتحصين حدودها لصد هجمات الآشوريين منذ سنة (1200) ق.م الى حدود (850 ـ 800) ق.م.
إذن: هل كانت هنالك دولة أو دويلات او ممالك آرامية؟ ـ ـ الجواب: نعم، وهل اصبحت متحضرة وقوية؟ ـ ـ الجواب: نعم، وهل أصبحت امبراطورية واسعة شملت الاراضي العراقية (بلاد الرافدين)؟ ـ ـ الجواب: لم تذكر لنا المصادر الرصينة أي شيء من هذا القبيل، وإنما حدث العكس!!.
ـ " وبعد مدة من الزمان اجمع الراي العام (يقصد في المملكة الاشورية) على ان تدار الاشغال العمومية باللغتين الاشورية والارامية. هذا في الشؤون العمومية. واما في الحكومة فاذا كان الكاتب ارامياً فبالطبع كان يدوّن المحاضر بقلم الحبر على ملف البَرْديَ واذا كان اشورياً كتب على الآجر بقلم قصب كالِ الرأس (ش 72) " ـ ـ انتهى الإقتباس السادس، والإستنتاج الأول هو: تأكيد ما ذهبتُ اليه في الفقرة التي قبلها عن كيفية انتشار اللغة الآرامية المأخوذة من اللغة الفينيقية. امّا الإستنتاج الثاني وهو الأهم: توظيف الآراميون من الكتّاب وغيرهم في الدوائر (الحكومية) الآشورية ـ ـ فماذا تعني هذه الجملة؟!: الجواب هو: أنّ الدولة الآرامية عندما كانت تدفع "الجزية" للمملكة الآشورية وكانت في حالة الهدنة وليس الحرب  معها والتي اصبحت فيما بعد امبراطورية واسعة (اي المملكة الآشورية)، في ذلك الوقت كانت الدولة الآرامية تُعتبر جزء من المملكة الآشورية!!، بالضبط مثلما كان العراق وبقية الدول العربية جزء من الإمبراطورية العثمانية وكانت هذه الإمبراطورية تجمع (الخراج) اي الضريبة مثل (الجزية) في المملكة الآشورية، وكانوا قسم من مواطني هذه الدول ومنها العراق موظفين في اسطنبول.
ـ " واصبحت اللغة الارامية لغة الهلال المخصب برمتهِ. حتى انها حلّت محل شقيقتها العبرانية الفلسطينية " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال السابع.
فالإستنتاج الوحيد المهم الذي نخرج به من هذه الجملة بان اللغتين الآرامية والعبرانية كانتا (شقيقتين)، وبما انه وكبديهية مطلقة تعتبر اللغة هي العنصر الأهم في تحديد القومية، فان الإستنتاج الذي لا لبس فيه هو أنّ القوميتين الآرامية والعبرانية (شقيقتان)، وهذا ليس كلامي وإنما كلام المؤلف العالم في التاريخ الأمريكي ـ اليهودي جيمس برستد، وحيثُ "شهد شاهد من اهلها"، فلا يخرج علينا هذا (المتعصب) او ذاك لإتهام الآشوريين والكلدانيين بالتهويد!!!. نقطة رأس السطر، وستكون لي عودة في الخلاصة لربط جميع التصريحات بهذا الأمر.
وما جاء في الصفحة (110) من الكتاب (الوثيقة الرسمية) ما يلي:
ـ " الشكل 72 كاتب اشوري وكاتب ارامي يقيدون الاسلاب المنهوبة من مدينة اسيوية أخذت عنوة (القرن الثامن ق.م) " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الثامن، فالإستنتاج الوحيد: يعطي دلالة واضحة من ان عمليات الغزو والسبي (الحروب) وما كان يرافقها من دموية لم تكن حصراً على الآشوريين والكلدانيين والعرب في الجاهلية والعرب المسلمين فقط مثلما اتهمهم بها هذا المدعي كاتب المقالات المتضاددة مع بعضها، وإنما اشترك فيها الآراميون ايضاً وبقوة من خلال احصائهم لـ (غنائمهم) من النساء المسبيات والأطفال والحيوانات وغيرها، وهذا موضّح في اللوح الأثري بشكل جلي، وهو دليل مادي لا يقبل الجدل او الإنكار، وربما كان تواجد الكاتب الآرامي من خلال وظيفته في المملكة الآشورية كما بينته في الفقرة قبل السابقة ـ ـ او كطرف (ممثل) عن الدولة الآرامية لمشاركتها الفعلية بهذا السبي وترغب بجرد حصتها من الغنائم!!، وفي كلتي الحالتين يكونوا الآراميين مشاركين في الغزو والسبي!!، فما رأي المدعي الذي ما فتأ القذف بالإتهامات وكيل الشتائم على الآشوريين والكلدانيين والعرب في الجاهلية والإسلام وإتهامهم بالغزو والسبي والحروب الدموية، وقد قلتُ له صادقاً يا رجل: لماذا تنبش في التاريخ، فحال كل الأمم حينها كان كذلك بالغزو والسبي!!، ولحد الآن نحن نعاني منه بالحروب الحالية!!، فلا تدعنا نبحث ونقدم الأدلّة الحقيقية المدعمة بالألواح والتماثيل الأثرية!!، لكنه لم يأتي إلى جادة الصواب، وقلت له "على نفسها جنت براقش"!!!، وليغالطني هو او غيره من مؤيديه او حتى من المتابعين والمختصين المنصفين ويقولون لي يا "سالم" لقد ناقضت طرحك في المقالة الأولى او الثانية او الثالثة عمّا جاء في هذه المقالة، لا اعتقد سيجدون معلومات متناقضة لأنها ليست من وحي خيالي وإنما من المصادر الرصينة المدعومة باللقى الأثارية.
ـ " وحاول الاشوريون ان يوسّعوا نطاق نفوذهم في شمال سورية ولكنهم باؤوا بالخيبة والفشل. وفي منتصف القرن التاسع ق.م كانوا قد بسطوا سلطتهم على الممالك الارامية لانها ادنى اليهم من سواها. ثم أخذوا في الزحف عبر الفرات ووجهتهم السواحل البحرية. فلما رأت المدن السورية (يقصد الارامية) والفينيقية انها مهددة بالفتح عنوةً اذا هي ابت التسليم وتأدية الجزية، سلّمت وأدتها عن يدٍ دفعاً لهول الفظائع التي قد تنجم عن الفتح عنوةً " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال التاسع، والإستنتاج الأول هو: بدأ التوسع الآشوري لتصبح المملكة الآشورية كإمبراطورية واسعة إلى سواحل البحر. والإستنتاج الثاني هو: دفع "الجزية" من الآراميين إلى الآشوريين لتفادي غزوهم، وهذا ما حاول (المدعي) المعني بالمحاججة إنكاره في مقالاته الهجائية ضد الآشوريين والكلدانيين، لكنني ذكرتُ له هذه المعلومة وصححتها له في مقالتي الأولى اليه.
أما الصفحة (111) من الكتاب فيرد فيها:
ـ " ولما كان ملوك دمشق الاراميون من ذوي الثروات الطائلة المكتسبة بطريق التجارة استطاعوا ان يحافظوا امدّا طويلاً على جَعل قاعدة ملكهم في اسمى درجة من التحصين وان يصدوا الاشوريين عن التقدُّم الى سواحل البحر المتوسط. ومن اجلى البينات على ما كانوا عليهِ من القوُّة والسلطان حمايتهم للمملكة اليهودية الضعيفة زمناً طويلاً من هجوم الاشوريين عليها " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال العاشر. وعليه فالإستنتاج الأول يبين لنا بشكل جلي بلوغ مملكة الآراميين "دمشق" اعلى درجات القوة المالية والعسكرية لتفادي هجمات الدولة الآشورية القوية، وهذا يؤكد ما ذهبتُ اليه من ان الدولة الآشورية هي التي كانت تريد بسط سيطرتها لتصبح امبراطورية، وكان هَمْ الآراميين فقط تفادي الهجمات وليس الطموح ليصبحوا امبراطورية!!، أما لإستنتاج الثاني والأهم هو: (حماية الآراميين للمملكة اليهودية الضعيفة زمناً طويلاً) من هجوم الآشوريين عليها، وهذا الزمن هو ثلاثمئة وخمسون عاماً من سنة (1200) ق.م إلى حوالي سنة (850) ق.م كما سيبين المؤلف في الفقرة التي تليها.
وسؤالي للموما اليه الذي ملأ المواقع الإعلامية ضجيجاً بإتهام الكلدانيين والآشوريين (الجدد) بأنهم أشقاء "نتنياهو"!!، فمن هو شقيق "نتنياهو" بعد هذ المعلومة التي تمّ أخذها من تدوينات  الألواح الطينية التي عثر عليها!!، كذلك كتب مقالة مثيرة لمشاعر الجميع طلب فيها من الآشوريين والكلدانيين (تقديس) العرب وذلك لأنهم حموا النساء النسطوريات في معركة "ذي قار"!!، وحيثُ كانت مقالته تتسم بالتملّق اكثر من كونها مقالة رصينة، وسأقول له الآن من الأجدر بك ان تكتب مقالة بعنوان آخر هو: (على اليهود تقديم للآراميين الشكر والعرفان [ولا اقول التقديس لأنها تقال حصراً للخالق] لأنهم حموا ذريتهم من الإنقراض ودافعوا عنهم لمدة ثلاثمئة وخمسين عاماً)، اليس كذلك!!!!. وهذا ليس كلامي ولا استنتاجي وانما اعتمدتُ عليه مما جاء في المصدر!!!.
ـ " وظلّ ملوك اشور ثلاث مئة وخمسين سنة او يزيد عاجزين عن ان يفتحوا هذه المنطقة الغربية ويبسطوا نفوذهم عليها بسبب مقاومة ممالك ارام وفينيقية واليهودية لهم. وكانت عاقبة هذه المقاومة انهم حصروا الجنود الاشورية وراء حدود بلادهم حتى القرن الثامن ق.م " ـ ـ انتهى الإقتباس والإستدلال الحادي عشر والأخير. والإستنتاج الرئيسي في هذه الفقرة هو التحالف الوثيق الطويل الأمد بين الممالك الآرامية واليهودية والفينيقية لصد هجمات الآشوريين!!.
وسأترك للمختصين والباحثين عن الحقيقة من متابعين ذوي الإختصاص والقرّاء الأجلاّء النُبَهاء على حدٍ سواء تحديد مَنْ هُم الذين يعودون بنسبهم إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود؟؟؟!!!، ومَنْ هُم الذين كانوا السبب الرئيسي بالحفاظ على الدولة اليهودية ومنع إنقراضها حينها واستمرار ذريتها لحد الآن؟؟؟؟؟؟!!!!!!.   
الخلاصة:
يتبين لنا من الحقائق المدعومة باللقى الأثارية اعلاه ما يلي:
اولاً: اي انتماء لجميع المكونات التي يتهمها هذا (المدعي) باصولها للأسباط العشرة المفقودة لليهود من (المفروض) ان يمر من خلال اصولها الآرامية اولاً!!، وهذا الإستنتاج لم آتِ به أنا وإنما من استشهاده هو ومحاججته بان البطريرك لويس ساكو وغيره ارجعوا اصولهم الى الآراميين اولاً (ثمّ) إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود!!!، اي بمعنى آخر: وبربط ما جاء في ادعاء هذا (الباحث) وإستدلاله بتدوينات البطريرك ساكو ومعها ما جاء من حقائق ثابتة على لسان العالم الأثاري جيمس هنري برستد من ان الآراميين ما هم إلا (اولاد عم لا بل اشقّاء) اليهود الحاليين وإن لم (ينتظموا معهم بأمة واحدة)!!!، فان الآراميين من (المفروض) ان يكونوا هم (حلقة الوصل) بالنَسَبْ والأصل للجنس البشري ما بين الأقوام التي سكنت في الشرق الأدنى واليهود!!!!!!، وهذه الفرضية ليست من عندي وإنما من إدعاء الموما اليه من أنّ الآشوريين والكلدانين وحتى العرب ما هُم إلاّ آراميين، وقولي الأخير هو تذكير (المدعي) بأنني قلتُ له في مقالتي الأولى "خلّي الطبق مستور"!!، لكنه ركبَ رأسه وإستمر بهجاء جميع المكونات من الآشوريين والكلدانيين والمسلمين العرب وغيرهم!!، فما هذا التعصب الذي لديه؟؟!!.
ثانياً: وللإنصاف اقول متكئاً على اصولنا الإنسانية جميعها، ما الضير في ان تعود انت وانا وغيرنا إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود او إلى العرب او يعودوا هم وغيرهم إلى الآشوريين والكلدانيين والآراميين!!، المهم مَنْ نحن الآن؟!، وماذا نقدم للإنسانية؟!، وما مدى مشاركتنا الفعلية في التطور العلمي الذي يفيد البشرية؟!، وما مقدار تأثيرنا على إستقرار السلم العالمي والمحبة والتواصل الإنساني بين الأمم والشعوب؟!، وليس كما ما جاء على لسان احد الذين دفعهم (الموما اليه) بالنقد في احد المواقع لشتمي والتلفظ بكلمات تدلل على تربيته ونشأته، لكن مدير الموقع الجليل الإحترام حذف كلامه الذي لا يليق بالمواقع الرصينة ويهين القرّاء قبل اهانة المعني بالشتيمة!!، وحيثُ ذكر هذا (المؤدب المتديّن متباهياً) من أن (المدعي) وابنه القاصر هجما على احد المتاجر الذي كان يبيع بعض الملابس التي عليها الصور التي تسيء إلى شخص السيد المسيح في بلد المهجر الذي منحه الأمان والحرية ليعيش فيه بسلام وضربا صاحبه وكسرا محتويات متجره وضربا رجال الشرطة التي جاءت لتنفيذ القانون!!، اهكذا علّمه (المسيح) حين قال مخاطباً الله وطالباً منه المغفرة للذين صلبوه " يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون"؟؟!!، اهكذا يربّي ابنه القاصر على العنف واخذ (حقه) بيده بدل القانون وفي الدولة القانونية التي منحتهما حق اللجوء هرباً من دولة اللاقانون؟؟!!، هذا الكلام على ذمّة احد افراد (مجموعته) الذي يتواصل معه، وانا اشكره لأنه افضى بمعلومة عن صاحبه كنّا انا والقرّاء نجهلها واتمنى ان تكون مغلوطة وغير صحيحة لأنها (مخجلة) بحق!!، لكن صاحبه (تفاخر) من ان الصحف الأوربية نشرت الخبر!!!.
ثالثاً: اي مصدر بعد الآن يحاول هذا (المدعي) أن يستشهد بما جاء فيه يجب ان يكون مصدر موثّق بشكل رسمي واقوى بحججه وبراهينه المادية من المصدر الذي استدللت به لتثبيت الحقائق اعلاه، وهذا ما يدعونه في البحث بالمهنية والمصداقية وبالحجّة مقابل الحجّة، وكل مصدر اقل منه فمن الأفضل له ان يرميه في اقرب سلّة مهملات!!، فلا يقول لي قال فلان ـ ـ ونقلاً عن فلان، ويعرض صفحة من كتاب مطبوع حديثاً ليصرخ على الشاشة الصغيرة ويسميها "بالمخطوطة"، ارجوه أن يحترم نفسه من خلال احترامه للمشاهدين والقرّاء فهم اذكياء جداً. اي بمعنى آخر: (يجب) ان تكون المصادر التي سيستشهد بها مصدّقة من جهات رسمية واكاديمية اقوى من الجهات الرسمية التي صادقت على كتاب "العصور القديمة" لجيمس برستد، هكذا هي المناظرة والمحاججة المهنية. 
لاحظوا اعزائي المتابعين من القرّاء والمتخصصين تناقض هذا (المدعي) في طرحه ليس بين مقالة واخرى فقط!!، لا بل حتى في المقالة الواحدة أو المقطع الواحد الذي ربما لا يتجاوز السطرين!!، فمرّة يستشهد بما جاء في تدوينات البعض من رجال الدين المؤرخين الكلدانيين من امثال البطريرك الدكتور لويس ساكو والأب الدكتور يوسف حبّي وغيرهما عندما يتوافق ما كتبوه مع طروحاته واهدافه، ومرّة اخرى ينعتهم (بالمتكلدنين والمزوّرين) للحقائق عندما يجد بان كتاباتهم وتوثيقاتهم لا تنسجم مع طروحاته!!!، فكيف يستشهد بتوثيقات كاتب وهو اساساً ينعته بالمزوّر للحقائق!!!، اهذه هي مهنية (الباحث) في التاريخ؟!، حتى انه رفض وشكك بما جاء في الكتب السماوية ككتاب العهد القديم!!، لأن ما جاء فيها يتعارض مع تعصبه وإدعاءاته، ولي عودة (مثيرة) في الجزء الخامس وبمعلومات من وثائق رسمية (مقدسة) عند الأديان الثلاثة "تقلب رأساً على عقب" كل ادعاءاته وكما افعل الآن!!، اقول له اين هي المهنية والمصداقية فيما تدعيه يا أيها (الباحث) في التاريخ الذي لم يمضي على مسكك للقلم اكثر من سنة بعد كل الذي ذكرته في مقالاتي للرد على تخرّصاتك الجوفاء التي ليس لها قيمة علمية؟؟!!.
ارجو من كل من ينتمي إلى كل الأديان والمذاهب والقوميات التي تضررت من الطروحات الطائفية لهذا (المدّعي) وتعرضه لرموزهم الدينية في المساعدة على نشر هذه المقالة (البحثية) والمهنية المهمة وعبر جميع مواقع التواصل الإجتماعي ووسائل الإعلام كافة، وحيثُ دوّنتُ فيها الحقائق من المدوّنات الأثارية ولأول مرة تُنشر وحسب علمي، مع التنويه إلى كاتبها والموقع الذي نُشرت فيه، مع شكري وتقديري لتعاون الجميع في ايقاف المد الطائفي ونشر روح المحبة بين البشر.
وشكراً/سالم إيليا !!!!!
     

2
هذيان متعصب (الجزء الثالث)/ جنون العظمة والتعصب المرضي المزمن صفة المفلسين
بقلم: سالم إيليا
ربما سيكون لدينا كمتابعين وقارئات وقرّاء أجلاّء جولات لا تخلو من الطرافة في بعض فقراتها الرصينة لتقديم النصح والمشورة الإنسانية قبل كل شيء للبعض القليل جداً من المرضى نفسياً والمصابين بداء التعصّب الإثني أو المذهبي أو الديني أوحتى الجغرافي، والكارثة أن بعضهم يحمل كل أنواع هذا التعصّب الذي صار مزمناً لديهم!!!، لذا أكرر معذرتي لكل أبناء شعبنا العراقي النجيب بدفعنا (عنوة) إلى تلك المهاترات التي بدأت تؤذي بسمومها كل الأطياف فكان لزاماً وضع (الطوق) حول مَنْ يبثها لمعالجة تأثيرها بترياق أشد تأثيراً وفعالية!!.
فلقد أبتلينا بعد الكارثة الأخيرة التي حلّت بالعراق سنة 2003م بخروج بعض (الجرذان) من جحورها لتتحدى الأسود!!!، وخروج (نكرات) القوم لتتعدى لفظياً على الرموز وعلية القوم كالمثل الموصلّي الشهير (أسفل غجليي قام عليي) أو كما يقوله البغداديون النُجباء (وُصَخ رجليّه گام عليّه)!!، وقد طرحتُ هذا المثل حصراً على البعض القليل الذين على شاكلتهم ولا ينتمون إلى أي فرد من أهلنا وقراهم التابعة لنينوى العظيمة، وحيثُ كان هذا المثل رداً على تجاسر أحدهم وإستشهاده بمثل سخيف لم يكن له (محل من الإعراب) فيما نتحاجج عليه لينتقص فقط من أهل الموصل جميعهم ودون إستثناء ولم يكن بين سطور كلماته المتقاطعة غير الطعن فيه بالموصليين النجباء بكل أطيافهم وأديانهم ومشاربهم وخاصة أبناء الطائفة بشقيها الشرقي والغربي الذي يدعي بالإنتماء اليها وهي من علية قومها من أبناء المدينة العريقة والتاريخ المجيد والإنتماء الأصيل، فأين أنتَ منهم يا أيها الدخيل؟!، وحيثُ كنتَ تتوسل وتحلم فقط للدخول إلى مدينتهم العراقية العظيمة لتحقق حلم من أحلامك بزيارتها فقط والتجول بين أزقتها حافي القدمين أو العمل حمالاً في أسواقها!!، لكنهم بكرمهم فتحوا لك مدارسهم وجامعاتهم لتتعلم فيها!!!، كذلك طرحتُ المثل بلهجته البغدادية عليك لأنك أستخفيّت بالهوية العراقية في مقالتك وهي خط أحمر لا يستوعبه (الخونة) العديمي الوفاء للأرض التي احتضنتهم!!، هذه الهوية التي منحها العراق للدخلاء الذين التجوا اليه في محنتهم حفاة القدمين!!، ولكن قولنا لك كقول المتنبي: "إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ـ ـ وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا"، وها أنت تتمرد على أولياء نعمتك مرّة أخرى!!!، فلماذا تتباكى على النعوت التي أطلقتُها عليك كفرد متعصب في مقالتي الأولى وبإستحقاق وكرد على شتائمك للعراقيين بكل طوائفهم!!، وحيثُ كان من المفروض أن تلوم نفسك وتجلدها على النعوت التي نعتَ بها ملايين الكلدان والآشوريين بالسحرة والمشعوذين والهراطقة والمجرمين، ونعتَ مليار ونصف مسلم ومن بينهم العرب وبدون إستثناء حتى لأجّل رجالهم ورموزهم بالظلم والغزو!!، والآن تنعت العرب منهم بـ (السطحية) وتسوّق قول موشي دايان المخابراتي المشكوك فيه وكما سأبين لاحقاً!!.   
وكنتُ قد أبديتُ النصيحة (الإنسانية) من باب أخلاقنا وغيرتنا العراقية للموما اليه بالكف عن هذه المهاترات الغير مجدية والتي لا تضر غير النسيج الوطني العراقي وتمزقه أكثر مما هو عليه الآن!!، إلاّ أنه تمادى في غيّه وبدأ (يزبد) بلعابٍ كريه الرائحة كحاله، فكان لزاماً في الإستمرار بالطرق على رأسه حتى يصحو أو ـ ـ ـ !!!.
لقد حاول الموما اليه بالرد على مقالتي (المهذبة) في جزئها الأول بإنفعالية واضحة، وحيثُ كثرت في مقالته وكعادته الأرقام والأسماء والكلمات المبعثرة والمتقاطعة من هنا وهناك في عرضٍ بائس بِئسَ وجهه الذي لا يعرف الإبتسامة وإن حاول جاهداً في صورته الفوتوغرافية الأخيرة إظهارها إلاّ أنه لم يفلح فبدا وكأنه مجبر عليها!!، وسأناقش ما هذى به لإثبات (جنون عظمته) في تصوره بانه أصبح (باحثاً) حقيقياً وكأنه لا يصدق نفسه بأنه يكتب سطرين بإسلوب مضحك ركيك مليء بالأخطاء اللغوية والتاريخية والغير مفهوم بدايتهما من نهايتهما وما هو هدفه!!، وحسبي أنه كان (مخموراً) عند كتابته لمقالته لما ورد فيها من إتهامات خطيرة على كل المكونات بدءاً بالمسلمين وللمرة الثانية ومعهم العرب منهم وكذلك الكلدان والآشوريين!!، وكما سأوضحها بما لا تقبل التأويل وسيحكموا كل القرّاء والقارئات الكرام  على ما ذهبتُ اليه في بيان مقاصده الخبيثة!!!.
وربما سأبدأ بالرد عليه كلمة بكلمة وسطر بسطر وكما فعلت بالمقالة الأولى (المهنية) لي، ولقد (كذبَ) عند الرد بإدعاءه من أنني لم أتطرق إلى (لبّ) الموضوع!!، كما فعل هو عندما حاول جر القرّاء إلى متاهات ليس لها صلة بالموضوع الذي (نتحاجج) عليه، وأقول وأكرر هذه سمة المفلسين ممن يكتبون بإعتمادهم على معلومات (أنترنيتية) فقط!!، وسيكون الحَكم بيننا القرّاء الأفاضل وجلّهم من المطلعين والنبيهين.
فقد اتهمني بأنني تركت في ردّي عليه في المقالة الأولى (لبّ) الموضوع وأهملتُ الوثائق والأدلة التاريخية والكتابية، وأتهم بنفس التهمة وللأسف الشديد مئة وخمسين مليون عربي دون خوف ووجل وبكل صلافة بتسويقه المدفوع ثمنه لكلام موشي دايان الذي لا أجد مبرراً وسبباً واضحاً لطرحه وإقحامه له في مقالته كحديث (إنترنيتي) مخابراتي لا نعلم مدى صحته!!، ولربما تم فبركة وإختلاق هذا الحديث من أقبية الدعاية الإعلامية الإسرائيلية المضادة لطعن العرب به وأستشهد هو به وسوّقه بإسلوب دعائي مجّاني أو مدفوع الثمن!!، وأنا أشكره كما شكرتُ سابقاً زميله المدافع عنه لأنهما يكشفان حالهما بعنصريتهما المتعصبة بسهولة ومن خلال كلامهما ندينهما دون الحاجة مني ومن غيري من العراقيين لإثبات ذلك بالأدلّة والبراهين!!، ففي تفكيرهما المتعصب المريض مَنْ لا ينتمي اليهما من الأقوام يصبح عدواً لدوداً لهما وهدفاً للهجاء!!، هذا هو جوهر عنصريتهما!!، وسأورد نص ما ذكره بمقالته الغير (مهذبة) التي حاول الرد فيها على مقالتي المهنية الأولى، وحيثُ قال نصاً في المقطع الثاني من الفقرة الثانية ما يلي: "في إحدى المرات نشر موشي ديان عن حرب 67 مقالاً عن ذكر فيه بعض المعلومات المهمة أو أسرار الحرب، فاعترض بعض القادة قائلين: إن العرب سيتفادون (يقصد سيستفادون) من هذه المعلومات، فأجاب ديان: لا تخافوا لأن العرب حين يقرؤوا اسم إسرائيل في العنوان، لن يقرؤوا النص" ـ ـ إنتهى الإستدلال بما ذكره في مقالته التهديدية التي شتم فيها الجميع وبأسلوبه الركيك المملوء بالأخطاء اللغوية!!، وهو حديث مشكوك فيه أصلاً لا يتجاوز السطر لكنه لم يستطيع  صياغته أو على الأقل نقله نصاً لخطورة ما جاء فيه من إهانة لكل العرب بنعتهم بالسطحية وعدم متابعتهم لجوهر و(لبّ) المواضيع خاصة لعدوّهم!!، فكان من المفروض نقل نص الحديث وأين نشر ومتى لكي لا يكون مسوؤلاً عنه إذا إحتجّت عليه جموع المئة وخمسين مليون عربي (يعني شلون نظل نعلّم بيك وأنت تگول وتدعي بأنك باحث بالتاريخ وبالشأن الفلاني ومؤلف للكتب)!!!.
وسأناقش ومعي القرّاء الأفاضل السطر أعلاه الذي حاول تسويقه بالطريقة الإسرائيلية المخابراتية و كما يبدو معجب به لأنه يطعن بالعرب وقد حفظه عن ظهر قلب وبطريقة أكثر تشويهاً ليسوقه أينما حل!!، ولكنه عندما رغب بتسويقه أدبياً ولغوياً تاهت عليه الجملة حرفياً فوقع بإخطاء إملائية ونحوية وكحال بقية ما جاء في مقالته (وهو الذي يدعي من أنه يتكلم ست لغات!!، اكيد يتكلمها مثل الهندي الذي يتكلم العربي أو أردئ بكثير، لأنه درس العربية كل عمره وعاش في مجتمعها وأسلوبه ركيك وغير مفهوم عند إستخدامها، فكيف ببقية اللغات الخمسة الباقية)!!!، ولأنه كَتبهُ بحقدٍ وبعصبيةٍ مرضيةٍ واضحةٍ فقد بان فيه كرهه للعرب بشكل واضح!!، ولهذا نعتّهُ بالمريض نفسياً وبحاجة للعلاج وهذا ليس بعيب!!، وليصدّقني هو من أنّ هذه ليست إساءة وإنما نصيحة له لأنه يوقع نفسه بمشاكل هو في غنى عنها وهي خطيرة جداً جداً!!، وربما تؤثر سلباً على كل من يدعي بالإنتماء اليهم كدين ومذهب وقومية!!!، فهو لم يستوعب خطورتها!!!، أمّا كحالة مرضية أو جهلاً أو حقداً تعصبياً!!!، أرجو أن يكون قد فهم قصدي؟!، وسؤالي له هو: هل تستطيع الوقوف شاتماً مئة وخمسين مليون عربي ومليار ونصف مسلم وعشرة ملايين الى خمسة عشر مليون كلداني وبمثلها من الملايين الآشوريين وسبعة وثلاثين مليون كردي (لأنكم تدعون حتى الأكراد هم يعودوا بأصلهم الى طائفتك التي تدعي بالإنتماء اليها وهي بريئة من تصريحاتكم، وكما ورد في تداخل حليفك الشمّاس الديني على مقالتي الأولى)!!!، وسأعود لأحاججك مَنْ منّا خرج عن (لبّ) الموضوع وكان سطحياً؟!: هل أنا كما تتهمني وتتهم العرب بتسويقك لكلام موشي دايان أم أنت؟؟!!، ففي مقالتي الأولى اليك ناقشتُكَ على كل كلمة وعن لسانك وتمّ على أساسها تفنيد ما جاء في كل مقالاتك، ولم أخرج قيد أنملة خارج نطاق كلمات وسطور مقالاتك، ولكنك لم تقرأها ولم تجيبني عليها و(سرحت) خارج الموضوع تماماً (أي أنت الذي يقرأ العنوان فقط ويترك اللّب أو الجوهر وليس العرب وليس أنا كذلك)!!، فأين ردودك على أسئلتي وما تطرقتُ اليه من إدانتك وعن لسانك كلمة بكلمة وسطر بسطر؟؟!!، وها أنا أفعل الشيء ذاته لمقالتك الثانية وكالآتي:
اولاً: لماذا اتهمتَ العرب المسلمين بالظلم وبالغزوات ومشكلتك اساساً ليست معهم؟؟؟!!!، وإنما مع الكلدانيين والآشوريين (القدامى والجدد حسب وصفك)!!. ولماذا مدحتَ عرب الجاهلية وغرزتَ انيابك المسمومة في جسد العرب المسلمين بإتهامهم جميعهم دون إستثناء حتى لرموزهم الدينية بالظلم؟؟؟!!!، كذلك لم تجيبني ماذا جرى لمَن لم يستطيع دفع الجزية أو الهروب؟!، وما حزَّ في نفسي من إنك مؤمن تماماً بتعصبك المذهبي والقومي وحتى الجغرافي من أنّ جميع العرب المسلمين هم ظالمين ـ ـ !!، يا رجل إتقي الله انك تتهم مئة وخمسين مليون عربي مسلم أو ما يزيد بالظلم!!، أأصابتك لوثة!!!، وهذا يدلل بإيمانك المطلق من أنّ أي من الأقوام غير الذين تدعي بالإنتماء اليهم زوراً يستحقون الهجاء من عندك ومِن مَنْ على شاكلتك من مجموعتك!!، هل تقدرون خطورة نهجكم العدواني الغير قانوني هذا؟؟؟!!!، اليس هذا النهج تتبعه داعش أيضاً!!، طبعاً هذه الأسئلة مثبتة عن لسانك وموثقة في مقالاتك وليس من عندي ولا تستطيع نكرانها ولا التهرب (مذعوراً) من الإجابة عليها وعليك تحمل تبعاتها القانونية!!!، ولا "تخلط مرة أخرى الأوراق" فتأتي بكلام آخر كطرحك لأسماء المدن القديمة وأن هذه المدينة وتلك كان اسمها كذا وكذا وسُميت بعد ذلك كذا وكذا في إستعراض (أنترنيتي) لمدى ثقافتك وعلمك بالتاريخ ـ ـ الى آخره من الحشو البعيد عن الموضوع المطروح للنقاش لتبيّن بإستعراض بائس ثقافتك ومعرفتك بالتاريخ وطلاسمه (إستخدمتُ جملة "خلط الأوراق" بدلاً من جملة "خلط الحابل بالنابل"، لأنني كلما أستخدم جملة في مقالاتي يأخذها ليكررها في مقالاته فتصبح مملة أدبياً!!)، ورجائي لا تهين القرّاء بإستغفالك لمعرفتهم!!، فهم في معظمهم من النُخب والمتابعين المهمين وألِبّاءُ (ومفردها لبيب)، أكرر هذا الرجاء وكُنْ مهنياً بحق إحتراماً لنفسك أولاً!!.
ثانياً: لم تجيبني على إثباتي من أنّ الكلدانيين والآشوريين كانوا أيضاً يعطون نفس الخيارين للطرف الآخر؟! ـ ـ وهما: أمّا دفع الجزية أو الهرب؟!، وقد أثبتُ ذلك لك!!، فلماذا لم تجيب عليه وأنت تدعي بأنك "باحث" في التاريخ ومن المفروض أن تتمتع بقدر عالي من المصداقية؟؟؟!!!، علماً بأنه لم يمضي عليك أكثر من سنة أو أقل بكثير على البدأ بنشر مقالاتك موضوع الجدل!!، وللعلم و(كباحث) تاريخي فان هذه المعلومة أي السبي الأول الآشوري لليهود بقيادة سنحاريب والسبي الثاني البابلي/ الكلداني لليهود بقيادة نبوخذ نصر كانا سببهما هو رفض اليهود لدفع الجزية!!، وهذه المعلومة تدرّس في درس التاريخ للصف الأول والثاني المتوسط!!!!، فكيف غابت عن ذهنك أيها الباحث التاريخي المهم!!!!، فأول مقالة نشرتها أنت في هذا الصدد على موقع "الحوار المتمدن" كانت بتاريخ: 16/06/2017م وتحت عنوان "كلمة كلداني تعني: منجّم، مجوسي، ساحر"!!، أي لم يمضي على مسكك للقلم حتى سنة واحدة وبعدد مقالات تُعد على اصابع اليد ونعتَ نفسك بالباحث في التاريخ والشأن الفلاني و ـ ـ و ـ ـ وإلى آخره وعلى قول المثل العراقي "أول ما شطح نطح"!!، ما هذه العناوين الكبيرة التي لم يحصل عليها من قبلك خيرة الباحثين العرب والأجانب وعلى طول فترة أعمارهم التي عاشوها بالبحث والتقصي!!، وما هي علاقة المجوس بالكلدان؟!، فقد أثبتَ أنت سابقاً في مقالاتك من أن الكلدان والآشوريين أصلهم عربي!!، وهذا كلامك وموثق عن لسانك!!، فما علاقة المجوس بالعرب؟!، كما أثبتَ أنت سابقاً أيضاً في مقالاتك وعن لسانك أيضاً من أنّ الكلدان والآشوريين (الجدد وكما اسميتهم) يعود أصلهم إلى الأسباط العشرة المفقودة لليهود، ثمّ قلتَ من أنهم متأشورين ومتكلدنين وأصلهم (آراميين/ سريان) ـ ـ اليس كذلك؟!، وهذا موثق عن لسانك أيضاً، فسؤالي اليك كـ "باحث تاريخي" مهم لم يمضي عليه سنة وبدون إنفعال وتعصب: هل هذا يعني أن الأسباط العشرة المفقودة لليهود وكذلك الآراميون/ السريان هم مجوس بالأصل؟!!، فقط اريد منك الجواب الواضح بدون لف ودوران وتدخلني والقرّاء معي في دهاليز الأسماء وتقول فرنسا كان اسمها كذا وأصبح اسمها كذا، فنريد الإجابات المباشرة لكي نستفيد من علمك ومعرفتك أنا وبقية القرّاء!!.
توضيح بسيط لإخواني وأخواتي القرّاء من أنّ إطلاق تسمية الآراميين/ السريان في الوقت الحاضر خطأ، لكن بعض الإخوة المنتمين اليها يرغبون بذكرها هكذا ونحن نحترم رغبتهم!!، لماذا هذه التسمية خطأ الآن؟!، الجواب: لأن اطلاق اسم الآراميين كان قبل دخولهم للمسيحية وأطلقوا على أنفسهم اسم السريان بعد دخولهم الدين المسيحي للفصل بين حالهم قبل المسيحية وبعدها أو أثنائها!!، وتسميتهم الأخيرة (أي السريانية) جاءت من تواجدهم على الأرض السورية، وهذا كلامهم وليس كلامي ومنهم "الباحث التاريخي" موضوع النقد وهو مؤثق في مقالاته أيضاً!!، واعتقد وربما انا (مخطئ) من أنهم عندما يطلقون على أنفسهم في مقالاتهم مزدوج التسمية (الآراميون/ السريان) فهذا يقابلها المعنى (الوثنيون/ المسيحيون) وهذه التسمية خطأ الآن!!، ورجائي ان لا يخرج لي احدهم ليقول أن تسمية "الآرامية" هي تسمية قومية وأن تسمية "السريانية" هي تسمية دينية/ مذهبية!!، لأنني ومن الآن سأقطع الطريق عليهم وأقول دائماً تذكرون اسم اللغة كآرامية قبل إعتناقكم للمسيحية وتقولون أن المسيح نطق كلماته الأخيرة (ربي ـ ـ ربي لماذا تركتني) باللغة الآرامية ولا تقولوا باللغة السريانية لأن التسمية الأخيرة لم تكن موجودة في عصره وهذا صحيح مئة بالمئة، وأطلقتم عليها اللغة السريانية بعد إعتناقكم للمسيحية نسبة الى تسميتكم الجديدة وهي نفس اللغة لم يتغير منها شيء حينذاك، واللغة هي أحدى عناصر القومية التي يتكلم بها القوم ولا علاقة لها بالمذهب أو الدين!!، أي بمعنى آخر أن الآراميون هم قوم غيروا اسم قوميتهم الى السريان بعد إعتناقهم للمسيحية، فلماذا تبقون متشبثين بالإسم الوثني لقوميتكم مع الإسم المسيحي وطبعاً هذا خياركم ونحن نحترمه؟!، ولكن لماذا تقوم عند البعض المتعصب منكم الدنيا ولا تقعد وتحرّمون على غيركم (تبديل) اسماء إنتماءاتهم وتقولون عليهم متأشورين ومتكلدنين ومتعرّبين ومتكرّدين ـ ـ الخ، ولنتفرض جدلاً فرضيتكم من أنّ معظم سكان الكرة الأرضية كانوا آراميين (كما يدعي الشمّاس الديني) وأنّ جزئهم الذي اعتنق المسيحية سمى نفسه "سريانياً" والآخر "كلدانياً" والآخر "آشورياً" وجزئهم الذي إعتنق الأسلام سمى نفسه "عربياً" أو "كردياً" وهكذا ـ ـ طيب: لماذا تحللون على أنفسكم تسمية "السريان" وتحرّمون وتحاربون بقية التسميات التي ذكرتها (طبعاً تماشيتُ مع فرضيتهم المغلوطة بإدعائهم من أنّ كل القوميات من عرب وكلدان وآشوريين وكرد وفرس وحتى اليونانيين الفينيقيين هم بالأصل آراميين وحسب إدعاء الشمّاس الديني فقط لمحاججتهم)؟!، وهنالك رأي آخر للإخوة الآشوريين الذين يقولون بأن تسمية "السريان" جاءت من حذف الحرف "الألف" من كلمة "آشوريين" مع مرور الزمن لتصبح "شوريين أو سوريين أو سريان"، على أية حال نحترم جميع الآراء والفرضيات!!.
ثالثاً: لماذا حاولتَ يا أيها الباحث في التاريخ أن تتهم العرب المسلمين حصراً بأنهم مَنْ إبتدأوا الغزوات الخارجية؟!، في حين تجاهلت الروم البيزنطينيين/ الفينقيين الذين كانوا قد أغاروا قبل العرب المسلمين بمئات السنين على الشمال الغربي والغربي لحدود الإمبراطورية الآشورية (سوريا وفلسطين) وغزوا البلاد وسبوا النساء وأنتهكوا الأعراض ودمروا وقتلوا ولأكون صادق فعلها أيضاً الآشوريون والكلدانيون!!، وما دام إنك كما تدعي "باحث تاريخي" فأطلب منك أنا كقارئ أن تكتب مقالة مهنية تاريخية عن غزو الروم البزنطينين/ الفينيقيين للمنطقة وما جرى في ذلك الغزو من إنتهاكات وذلك (لجهلي) بما فعلوه أو لتصحيح معلوماتي (الخاطئة) عنهم وليستفيد من (بحوثك) القيّمة باقي القرّاء والباحثين، ولأنك ذكرت في مقالاتك السابقة الغزوات الدموية والظالمة للآشوريين والكدانيين والعرب قبل الأسلام وبعده، فالآن جاء دور الروم البيزنطينيين ودمويتهم ـ ـ اليس كذلك؟!. كذلك لماذا بررت ودافعت لا بل أمتدحت الغزوات التي قاموا بها عرب الجاهلية ولم تبررها للكلدانيين والآشوريين ولا حتى للعرب المسلمين؟!، ونعتهم بالظالمين وسالخي الجلود وبسبيهم للنساء!!.
رابعاً: لم تجيبني عن المعادلة (الأنشتاينية) المعقدة التي أدخلتنا فيها والتي بسطّتها أنا لك بإستخدام مبدأ (الإستعاضة) للرياضيات التي برع فيها الكلدان اجداد العراقيين القدامى، وحيث وصلنا فيها الى "المطلوب إثباته" الذي يقول وعن لسانك وكما ورد في مقالاتك وبوثائقك القيمة التي تعرضها لنا ما يلي: الكلدانيين والآشوريين (الجدد) هم من الأسباط العشرة المفقودة لليهود، الكلدان والآشوريين (الجدد) هم مجرد متكلدنين ومتأشورين وأصلهم آراميين/ سريان، إذن: الآراميين/ السريان هم من الأسباط العشرة المفقودة لليهود (بالإستعاضة) وهو المطلوب إثباته!!. كذلك وعن لسانك ومن مقالاتك الموثقة ذكرتَ: أن الكلدان والآشوريين ما هم إلاّ بالأصل عرباً نزحوا من الجزيرة العربية، وبالعودة الى إثباتك الأول من أن الكلدان والآشوريين هم أصلاً آراميين/ سريان وقد تكلدنوا وتأشوروا، إذن الآراميين/ السريان هم أيضاً أصلهم عرباً (بالإستعاضة) وهو المطلوب إثباته أيضاً. كذلك: في أول مقالة ذكرتها بعنوان (كلمة كلدان: تعني منجّم، مجوسي، ساحر) فهل هذا يعني أنّ كل بقية التسميات التي عاد الكلدان في إصولهم اليها من الآراميين/ السريان الى العرب الى اليهود الى الأسباط العشرة لليهود هم يعودون للمجوسية والسحرة وممارسي التنجيم؟!، هذا سؤال مباشر أرجو أن تحل طلاسمه وقد إستنبطتهُ أنا كقارئ من إثباتاتك (القيمة) المعززة بالوثائق التي عرضتها علينا وليس من عندي، لأنني أرفضه جملة وتفصيلاً. كذلك: وبالعودة الى كل إثباتاتك وبحوثك التاريخية (القيمة) أعلاه فإننا نستنتج من أنّ كل الأقوام السابقة من العرب والكلدانيين والآشوريين والآراميين/ السريان والأسباط العشرة (المفقودة) لليهود والمجوس جميعهم ما هم إلاّ قومية واحدة ولكن بأسماء مختلفة!!، ولكن ماذا عن إختلافهم بلغاتهم وبثقافاتهم البيئية وبتراثهم وبأديانهم ومذاهبهم وبسماتهم الخلقية والجسدية!!، إذن لماذا أوجدوا علم "الأثنولوجيا" وتعقيداته إذا كنّا جميعنا من جنس واحد!!، وحسبي إنك قد عثرت بهذه الإثباتات على الأسباط العشرة (المفقودة) لليهود ولم تعد مفقودة بعد الآن لأنهم موجودين بيننا وباسمائهم التي إنتحلوها من كلدان وآشوريين وآراميين/ سريان وعرب ومجوس وكرد ـ ـ الخ!!، وأعتقد من أنهم سيكرمونك في إسرائيل إذا لا يزالوا لم يكرمونك لحد الآن!!!، ولكن أعذرني على سؤالي الساذج بسذاجتي: لماذا تتحارب هذه القومية الواحدة المنتحلة كل تلك الأسماء من "قال وبلى" ولحد الآن فما بينها؟!، وهذا إستنتاج منطقي لطروحاتك لكل تلك "المسمّيات" ولا أقول "الأقوام" لأنك أثبتَ بأنهم قومية واحدة ومن جنس واحد ولكن بأسماء مختلفة؟؟!!، رجائي وبكل ممنونية أنتظر منك الإجابة.
خامساً: يبدو بأنك حاولت (مرعوباً) تجاوز التعدي الخطير بإتهامك لمئة وخمسين مليون عربي (بالظلم) الذي أوقعتَ نفسك فيه ولتحاول بعده تلافيه بعرض ما قُمتَ به من (فضل) بإقناع أحد الأشخاص الغير مؤمنين في لندن وارجعته إلى إيمانه بدينه بثوانٍ فقط وبجملة سحرية لم تذكرها لنا أطلقها ربما كاتب صعلوك للبرهان على وجود رسول يُعتبر هو ومن معه من الرُسل من أعظم شخصيات الكون شئت أم أبيت!!!، ولم تدرك من أنك كشفتَ نفسك كمتعصب عن مدى إستخفافك بالرموز الدينية لكل الأديان وفي هذا الشأن بالذات لمليار ونصف مسلم كالمثل الشعبي القائل "إچه ديكحلها عماها"!!، وبسبب خطورة ما ذهبتَ اليه بهذا الحديث الذي لا قيمة له لهذا الكاتب النكرة (لأنك لم تذكر لنا إسمه)!!، سأورد نص ما ذكرتَهُ أنت في مقالتك الأخيرة وسنناقش ما جاء فيه من (هذيان) يتّسم بتجاوزك على كل البديهيات والثوابت التي يؤمن بها ربع سكان الأرض لا بل حتى معظم سكان الأرض حتى غير المسلمين بشأن وجود الرُسل والأنبياء ككل، وعجبي كيف تسارعت أقلام مؤيديك الخمسة أو الستة ومنهم من وضع أمام اسمه لقب شهادته الأكاديمية دون تمحيص وتدقيق على ما جاء في سرد هذه القصة المهينة والغير مقبولة أساساً!!، وعليه وبكل تأكيد ستتحمل أنت ومؤيدوك أيضاً ما جاء فيها من (هذيان)، وقصتك أو حكايتك بالنص عن لسانك وهي موثّقة كالآتي:
"قبل أشهر كنتُ في لندن والتقيت مع أحد المثقفين العلمانيين المسلمين الغير متدينين، وسألني لي: أتؤمن بوجود شخصية رسول الأسلام محمد في التاريخ؟، قلتُ نعم، قال لي: لن أؤمن بوجوده إلاّ إن أتيت لي بنص من معاصر له يتكلم عن وجوده كشخص، وليس بعد مئات السنين، فجلبتُ له نصاً من سنة 660 تقريباً، لكاتب سرياني يتحدث عن وجود الرسول محمد، فقال لي أشكرك فقد غيّرت رائي" ـ ـ إنتهى الإقتباس من كلامه لهذه الحكاية أو لنسميها المحاورة (العجيبة).
والمعذرة للقرّاء فالمهنية تتطلب مني نقل النص الحرفي لحكايته ووضعها بين علامتي التنصيص(") للأمانة التوثيقية ولكونها خطيرة جداً جداً، لذا فقد يجد القرّاء صعوبة في قرائتها وفهمها لعدم ترابط جملها لإستخدامه الفوارز في غير محلاتها وأخطائها الإملائية الكثيرة وهي فقط ثلاثة أسطر لا غير، ولا أعلم كيف يدعي بأنه الّف كتابين والآن بين يديه كتاب (ضخم) لتأليفه، الله يساعد (المصحح) اللغوي الذي سيقوم بالتصحيح أكيد سيكون أمامه عمل شاق!!، المهم أعتقد وصلت الفكرة للجميع من خلال حكايته، ولنناقش بهدوء وبأسئلة منطقية ما جاء بها، ليس الغاية منها لإحراجه وإثارة مشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم ضده!!، وإنما لتنبيهه إلى نقطتين، أولهما: إثبات تعصبه لإنتمائه القومي/المذهبي بإستدلاله بحديث لكاتب مجهول لمجرّد أنه من قوميته ليحدد شخصية عظيمة معلومة وجرحه لمشاعر الآخرين ربما دون شعور منه بأنه يؤذي الطرف المقابل الذي من المفروض أن يكون (المستفيد) من طرحه!!!، لكنه لم يدرك بأنه يتعرض لأهم رمز من رموزه!!، وثانيهما: ليس كل ما يتم التحاور به خلف الكواليس يطرح على الملأ، لأنه ربما يعطي نتيجة سلبية بجرحه لمشاعر الآخرين من خلال الطرح!!، بالضبط  كمحاورته هذه مع الرجل (المثقف العلماني) الذي إدعى فيها الشخص موضوع النقد عدم (إيمان) ذلك المثقف المسلم بوجود (شخصية) الرسول الكريم!!!!، أقول لك يا رجل لقد وضعتَ نفسك في مأزق حقيقي فعلاً!!، فأنت مطالب بالرد على عشرات الأسئلة من كل من يقرأ هذه الحكاية أو المحاورة!!، وسنرى هل سيخالفني فيها المنصفون من أي قومية أو دين أو طائفة أو مذهب إذا أخطأت بالتقدير بعد أن يطّلعوا على أسئلتي؟!، وأسئلتي التي ربما يتفق معي في طرحها أغلب القرّاء الأجلاّء، لا بل ربما كل من تضرر بهجاءك وإتهاماتك هي، أولاً: بسبب حساسية المحاورة التي طرحتها بينك وبين هذا الرجل العلماني المثقف المسلم كما وصفته انت في لندن، ولإنقاذ نفسك من إتهامك الصريح في مقالتك السابقة لكل المسلمين العرب دون إستثناء (بالظلم) فأوقعت نفسك بمصيبة أكبر!!، فالسؤال هو، هل إتصلتَ به وأخذتَ موافقته على نشر ما دار بينكما من حديث؟!، فاصول النشر يتطلب هذا الإجراء عندما تخص شخصية دينية كبيرة جداً، خاصة وإنّ حواركما يدور حول (وجود من عدم وجود) أحد أعظم الشخصيات الدينية في العالم منذ أن خلق الكون لحد هذه اللحظة!!، فللرُسل والأنبياء أتباعهم الذين يعدّون بالمليارات وسوف لن يقفوا مكتوفي الأيدي وساكتين على هذا الطرح والتجاوز!!، و ببساطة أنّ الإيمان من عدمه لا يدور حول وجود شخصيات الرُسل والأنبياء من عدمها!!، لأن هنالك بديهيات ودلائل قائمة على وجودهم وهي مسلّمات ثابتة وخط أحمر!!!، ناهيك عن الإيمان المطلق لإتباعهم بكتبهم المقدسة التي يؤمنون بها وكونها منزلة من السماء ( لاحظ إنني احدثك كطرف محايد وجرّدت نفسي حتى من إنتمائي الديني لأتسم بالمصداقية والمهنية)، فكل أتباع الديانات ومنهم المسيحيين واليهود وغيرهما إضافة الى المسلمين يؤمنون بذلك سواء أكانت كتبهم منزلة بشكل مباشر على الرسول أو تم كتابتها بإيحاء (ربّاني) كما يعتقدون، وإن التشكيك بوجود الرُسل من عدمه يعني التشكيك بوجود كتبهم السماوية أيضاً!!، فمثلاً وصايا الله العشرة لموسى أعتقد بأنّ جميع أتباع الديانات الثلاثة يؤمنون بأن الله أملاها على النبي موسى، فمن غير المنطق أن يتم مناقشة وجود شخصية النبي موسى من عدمها مثلاً!!، لأنها ستشكك بوجود تلك الوصايا أيضاً!!، فهذا خط أحمر لجميع الأديان، وإنما (ربما) وارد التشكيك وعدم الإيمان بما جاءَ به الرُسل وخاصة  ما بين الملحدين والمؤمنين من هذا الدين أو ذاك وهذا متعارف عليه، أو (ربما) التشكيك بهذه الشريعة أوالناموس أو ذلك الحديث الرسولي أو ذلك القول، لكن لا يستطيع كائن مَن كان أن يطرح للعلن مثلما ما طرحتَهُ أنت وبدون تفكير بالتشكيك بشخصية الرسول الكريم من قبل أحدهم، ولخطورة طرحك ربما سيطالبك الطرف المتضرر بإعلان إسم هذا المثقف العلماني المسلم لتأكيد مصداقية هذه الحكاية أو المحاورة من عدمها ولربما إختلقتها أنتَ لتتجاوز إعتدائك الأول عليهم!!، وربما ستضع هذا المثقف المسلم (إن وجد) في موقف محرج إذا لم تأخذ موافقته المسبقة!!، وبكل تأكيد سيغضب غضباً شديداً على إقحامه في هذا الموقف!!، خاصة ويبدو من حديثك عنه أنه من أصحاب الشأن وربما من المعروفين في المجتمع العربي وفي لندن أيضاً!!!. السؤال الثاني: هل من المعقول أن تتجاوز وتهمل عن عمد كل الأدلة المؤثقة والقائمة التي تثبت بما لا تقبل الجدل مثلما أسلفت عن وجود شخصيات الرُسل ومنهم الرسول الكريم بدءاً بالمؤمنين به الذين تجاوزوا المليار والنصف نسمة حول العالم وهم يتبعون حقيقة واضحة لا سراباً، إضافة إلى بديهيات وجود المئات لا بل آلالاف من الصحابة الذين عاصروا الدعوة الإسلامية، يعني هل الصحابة: عمّار بن ياسر، أنس بن الحارث، هاشم بن عتبة، أبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وعشرات غيرهم إضافة للقادة العسكريين من أمثال خالد بن الوليد وغيره والخلفاء الراشدين ومن أتى من بعدهم من أمراء المؤمنين، كل هذه الشخصيات لا وجود لها في نظرك لتستشهد بها كأدلّة لها وزنها وتقنع الطرف الآخر بأنه لولا وجود شخصية الرسول لما وجِدت شخصيات هؤلاء في التاريخ!!، لا بل هنالك دليل لم تستطع أنت أو غيرك نفي وجوده وهو إستمرار نسل العائلة الهاشمية التي تحكم الأردن حالياً، فلماذا تجاوزتَ كل هذه الأدلة القاطعة والتي تليق بالمحاورة لشخصية الرسول لتقنع الطرف المتشكك بوجود شخصية دينية كبيرة وتستعيض عنها بطرحك لنص قاله كاتب سرياني (معاصر) مجهول لم تذكر لنا هل كان من عُلية القوم أم صعاليكهم وربما لا يليق حديثه عن الرسول الكريم؟!، وما هو النص الذي أخفيته ولم تجاهر به ؟!، ومتى وفي أي مخطوطة أو كتاب وأي سنة نشر حديثه؟!، هل كان هذا النص أو الحديث إيجابي أم سلبي على الرسول الكريم؟!، فليس كافياً بقولك: "يتحدث عن وجود الرسول محمد"، فما هو هذا الحديث؟!، والأهم من كل ذلك إسم هذا الكاتب السرياني الذي إستشهدتَ أنتَ بجملته (السحرية) التي غيرتَ ذلك المثقف العلماني المسلم من حالة عدم الإيمان الرافض لوجود شخصية الرسول الكريم الى الإيمان المطلق بوجوده و بثانية واحدة ولنرى هل يستحق أن تستدل به لإثبات شخصية عظيمة تتبع نهجها مليارات من البشر؟؟؟!!!، ومن هو هذا (النكرة) ليتحدد بحديثه وجود هذه الشخصية العظيمة من عدمها؟؟!!، لقد وضعتُ لك عشرات الأسئلة بالسؤال الثاني التي تخص هذا الكاتب السرياني المجهول!!، فما هذه التعصبية التي لديك يا رجل التي تفضل من خلالها الإستشهاد بكاتب سرياني ربما "لا يكش ولا يهش" وتفضله على عشرات الشخصيات لا بل المئات من الذين أوردتُ أسمائهم أعلاه!!، فلم تكفيك كل الأدلة التي ذكرتُها  أنا من داخل "البيت الإسلامي" نفسه لتعلّق وجود أعظم وأجل شخصية عند المسلمين بحديث لكاتب سرياني نجهل كل شيء عنه!!، هل تقبل أنتَ أن يتعرض غيرك على قناعاتك وإيمانك الروحي أو غيره وبنفس الطريقة؟؟!!.
وبكل تأكيد سأكمل في (الجزء الرابع) بما هو أعظم وسأعرض وثيقة حقيقية قديمة لا تقبل الجدل للبرهان القاطع الذي يعكس عليك إتهاماتك وتحريضاتك، وحيثُ سأبيّن بالبرهان الواضح وضوح الشمس مَن هم "أولاد عم" اليهود لا بل "أشقائهم"!!، وكيف درّبهم اليهود ليصبحوا تجّار عصرهم مثلهم!!، ولماذا إتحدوا معهم!!، وهذه وثيقة حقيقية كتبها المصدر الأول بنفسه ومعترف بها من الجهات ذات العلاقة في بلدين عربيين يعتبران موطن تلك الأقوام وكذلك مصدقة ومعترف بها من الجهات ذات العلاقة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربية أخرى، وليعذرني من تدعي بالإنتماء اليهم زوراً لأنك تدفعنا دفعاً لعرض الحقائق كما هي "وعلى الباغي تدور الدوائر".
وكلمة أخيرة أقولها لكل القرّاء الأجلاء، لا بل لكل العراقيين والعراقيات بشكلٍ عامٍ اكتبوا اسم هذا المدعي على الحاسوب وستجدون في لقاءاته مع بعض الذين على شاكلته كيف أنه لا يستطيع الظهور إلا والكمبيوتر أمامه (لاپ توپ)، لأنه فارغ المعرفة ويقرأ من الكمبيوتر ولا يستطيع قول سطرين من المعلومات التاريخية إلا بمساعدة الكمبيوتر!!!، كما أنه متشنج بعصبيته المذهبية وغير مصدّق نفسه بأنه قرأ معلومة خاطئة أو إثنتين من هذا الكرّاس أو ذاك ليعرضها كأدلّة (داغمة) ضد المقابل والتي لا نعرف مدى صحتها ولعدم إتزان كلامه وتنقله من هذا الحديث لذاك الحديث يضيع على المتلقي أو المشاهد كل شيء ولا يفهم منه أي شيء (لقد بينّت للقرّاء في مقالتي الأولى وكذلك هذه المقالة وبوضوح تقاطع معلوماته التي عرضها علينا كأدلة وطالبته بالإجابة عن الأسئلة بشكل مباشر دون لف ودوران، لكنه لم يفعل لحد الآن)!!!، ولا أعلم كيف يستضيفه البعض ربما "من قلّة الخيل"!!!!، هل هنالك جهة ساندة له تدفع لهم!!!، فمن المفروض أن "المحاور" أي مقدم البرنامج يسأله وهو كضيف يجيب بشكل مباشر دون (شطحان وهوسة) ويترك عرض الأدلّة للمخرج لعرضها عبر الشاشة وما سماها جزافاً وهولاً وفاجعةً بحثيةً "بالمخطوطات"!!، وهي بالحقيقة ليست إلاّ صفحات من كتاب مطبوع حديثاً كما بدا لي!!!، تصوروا هذا الذي أطلق على نفسه "باحث في التاريخ" لم يمضي على مسكه للقلم سنة واحدة!!!، وقد نشر أول مقالة له في العام الماضي بتاريخ 16/06/2017 على موقع الحوار المتمدن كما أسلفت، والمضحك المبكي في لقاءاته بأنه يعرض من خلال شاشة الكمبيوتر صفحات من كُتب أو كراريس ليس لها قيمة علمية تاريخية وحديثة بطبعتها كما هو واضح ويقول عنها "مخطوطات"!!!، يا للهول ـ ـ يا للهول ـ ـ يا للهول، لقد هزُلت فلا يعرف هذا الباحث في التاريخ ما هو المخطوط وما هو المطبوع!!!!، إذهب يا رجل الى مقالتي الموسومة "لطيف وخوشابا والالتباس في المعنى بين المخطوط والمطبوع" التي نشرتها وسائل الإعلام في 08/04/2008 لتعرف بالضبط ما هو المطبوع وما هو المخطوط يا أيها الباحث في التاريخ والمفروض من أنّ هذه المعرفة ـ البديهية هي بمثابة الـ "الف باء" للباحثين في التاريخ!!!!، وحيثُ بيّنتُ فيها الفرق ما بين المخطوط والمطبوع من خلال أول نص مسرحي عراقي أو كما سماه الأقدمون بالرواية وكانت قد طُبعت بالمطبعة الحجرية للآباء الدومنكيين في الموصل سنة 1893م، وأحتفظ بنسختها الأصلية في مكتبتي المتواضعة!!!.
تواضع يا رجل ـ ـ تواضع يا رجل واحترم بقية القوميات والأديان والمذاهب ولا "تنفش ريشك" خاصة إنك فارغ بمعلوماتك!!!.
ونصيحتي الأخيرة لك: لا تهددني بفضح كذا وكذا ـ ـ وبعمل الكاريكاتير على بابا روما والبطريريك لويس ساكو والأب الراحل الدكتور يوسف حبّي وعلى شخصيتي وعلى غيري ـ ـ الخ، فلربما انت على حق فتلك الشخصيات تحتاج الى عمل كاريكاتير لوجوههم (السمحاء الحسنة والمبتسمة) في حالة هجائهم من قبل الضعفاء من النفوس من أمثالك، لكن بالنسبة لي سوف لن أحتاج بالإستعانة برسّام كاريكاتير لرسم صورتك لأنني أترفع على هذه الطريقة الرخيصة!!، وربما سيكون كافياً وضع صورتك الفوتوغرافية الأصلية دون رتوش أو تغيير لأنك بطبيعة وجهك (مرعب) ومتجهّم وكاريكاتوري!!!، ولا تنسى بأنني أجيد فن الكتابات الساخرة التي ستجعل منك مادة مسلّية للتندر في وسائل الإعلام!!، وهذا يدلل على  أسلوبك المتعصب الحاقد الذي تعلمته وتدربت عليه والمعجب أنت به ممن نشروا الكاريكاتير المستهجن على نفس الشخصية العظيمة التي تعرضت أنت عليها أيضاً في مقالتك السابقة والتي أيدك فيها نفرٌ ضالٌ يعدّون على أصابع اليد (لاحظوا أعزائي المتابعين تفكير هذا المتعصّب والحاقد على من هم يختلفون معه بالإنتماء، فلا يحتفظ في عقله بغير قول موشي دايان المزعوم ورسوم الكاريكاتير المشينة التي إحتج عليها المليارات من المعتدلين والمنصفين في العالم)!!!، أقول لك ولغيرك بوضوح لقد هددني قبلك من هم أقوى منك من اتباع السياسيين بالكف عن نشر مقالاتي الوطنية التي تدينهم!!، كذلك فعل الداعشيون ولم تثنيني عن دعم الهوية العراقية والمسار الوطني للعراقيين الشرفاء، وهذا التوجه هو الذي دفعني للرد عليك كما ذكرتهُ كمقدمة في مقالتي النقدية على تهجمك وطعنك وليس إنتمائي القومي أو المذهبي، وأعتقد جميع من يتابع مقالاتي يعلم بعدي عن التعصب وتمسكي بإنتمائي الوطني، وسأقدم لك الدليل الآن: أرجع الى مقالاتي السابقة فستجد بأنني دعمت بكتاباتي الطائفة التي تدعي أنت بالإنتماء اليها زوراً، وعلى العكس ربما لي أكثر من مقالة لنقد رجال دين طائفتي وكان آخرها قبل أسابيع فقط!!، ففي سنة (2008) نشرتُ لقاءاً صحفياً رائعاً لي مع أحد أهم كبار رجال الدين من المذهب الذي تدعي بالإنتماء اليه، كما نشرت عدّة مقالات عن جريمة ومذبحة كنيسة "سيدة النجاة" للسريان الكاثوليك والتي لا أعتقد بإنك كتبت سطراً واحداً لإدانتها، علماً بأن حتى الأخوة والأخوات من الكتّاب المسلمين كتبوا عشرات لا بل مئات المقالات لإدانتها، هؤلاء الذين تتهمهم أنت (بالظلم)!!، كذلك في سنة (2015) كتبتُ مقالة أدعم وأساند أحد أهم رجال الدين لقوميتك ولمذهبك اللذين تدعي بالإنتماء اليهما ظلماً وذلك عندما ظهر في برنامج "الساعة التاسعة" على قناة البغدادية، حتى أن أحد رؤساء التحرير لأحد المواقع وهو وجه سياسي معروف عراقياً وعربياً (شكك) بما ذهبتُ اليه ببيان شجاعة رجل الدين المعني وأعتقد بأنني أدعمه كونني من (طائفته)، فأجبته بمقالة فاجئته بها بأنني لستُ من نفس الطائفة وطرحتُ له مثلاً آخراً لرجل دين ثاني وموثّق بالفيديو ومن قوميتك ومذهبك أيضاً و ليس من قوميتي ومذهبي، فإعتذر الرجل وأيد ما ذهبتُ اليه!!، كذلك في هذه السنة وقبل أشهر عديدة طالبتُ في إحدى مقالاتي بتخصيص مقعد في البرلمان للسريان إسوة بالقوميات الأخرى، ودعمتُ أيضاً حق الكلدان والآشوريين والأرمن والتركمان والأيزيديين والصابئة المندائيين والشبك بحصولهم على المقاعد ما دام أنّ البرلمان أنشأ على أساس طائفي وليس وطني!!، كل ما ذكرته لك موثّق باليوم والشهر والسنة، وفعلتُ هذا ليس من باب إنتماءاتي الدينية أو المذهبية، وإنما وكما يعلم الجميع توجهاتي من باب هويتي العراقية، فلا تهددني يا رجل لأنه عندها سترى ما لا تتوقعه من أجوبة وسينطبق عليك حينها المثل القائل "على نفسها جنت براقش"!!، ذكرتُ كل هذه التفاصيل لأنك تريد سحب تجاذباتنا وتحاججنا الى دائرة الصراع الطائفي والمذهبي وهو ملعبك وليس ملعبي، أتحداك أنت ومن أيّدك من المتعصبين أن تذكر كلمة واحدة لي طعنتُ فيها قوميتك أو مذهبك أو رجال دين طائفتك في مقالتي النقدية أو قبلها، لا بل على العكس أمتدحتهم وليس كما تفعل أنت عندما وصلتَ بإهانتك حتى لشخص بابا روما الذي أرسل (90%) من الإعانات لطائفتك منذ أن بدأ الحصار الجائر على العراقيين سنة 1990م ولحد الآن وهي مؤثقة، وهذا يدلل على أصلك ومعدنك!!!.
وكما أعلنتُ سابقاً اكررها الآن، الدين والطائفة والمذهب الذين يدعي هذا المدعي بالإنتماء لهم بريئين كل البراءة من تصريحاته وكتاباته التي تهاجم المكونات والأديان والمذاهب الأخرى.   
ولي عودة لتكملة الموضوع.
وشكراً/سالم إيليا!!!!       

3
هذيان متعصب (الجزء الثاني)/ قُلْ ولا تَقُل في الفرق بالمعنى بين كلمتي البَاحث والبحاّثة
بقلم: سالم إيليا
كُنتُ قد سمعتُ وشاهدتُ منذُ زمنٍ بعيدٍ الكثير من التصحيحات اللغوية التي لم تكن تخلو من الطرافة عن لسان أحد جهابذة اللغة العربية الجميلة والواسعة بمفرداتها ومعاني كلماتها العميقة بمدلولاتها الجمالية وهو العلاّمة و(البَاحث) الدكتور مصطفى جَواد رحمه الله وطيب ثراه وهو صاحب البرنامج التلفزيوني الشهير حينها "قُل ولا تَقل"، وكانت إحدى تلك التصحيحات إذا صحّ راويها: (أنّ أحد مقدموا البرامج في  تلفزيون بغداد كان قد إستضاف الدكتور مصطفى جواد وقدّمه بكلمات قصيرة حاولَ جاهداً أن لا يقع في خطأ لغوي أمامه كونه معجم مِن معاجم اللغة وإستهلّ كلامه ببادئة نعتَ فيها الدكتور مصطفى جواد بـ "البحّاثة"!!، فما كان من المصحح اللغوي الأشهر ضيف الحلقة إلاّ مقاطعة المقدم مصححاً له بقوله: "لا تقل البُحاثة، بل قُلْ البَاحث!!، لأنّ البُحّاثة: هي مَن تبحثُ عن الطعام في القمامة والتراب وهي الدَجاجة!!، وأمّا البَاحث مَن يُحقق ويُنقّب ويُفتش في بواطن الكتب وصفحاتها")!!.
وبعد طول فترة في الكتابة التي أحاول تجاوز أخطائها الشائعة بالبحث عن الأصح فيها، وبعد أن إنتهلتُ كتلميذ (ولا زلتُ) القطرات ليس إلاّ من أدبيات اللغة وبحرها الذي لا زلتُ أعوم في جرفه عومَ المبتدئين الحذرين من الإبتعاد عنه لتساعدني على الكتابة التي لا تخلو من الأخطاء اللغوية مهما جهدتُ في التدقيق بنحوها وإملائها، غير أنني لم أجد ما يدلل على عدم صحة إطلاق صفة "الباحث" أو "البَحّاثة" على مَنْ يفني عمره في التنقيب والتدقيق والتحقيق في بواطن الكتب بأنواعها، لكنني توقفت عند مدى صحة ما روي عن العلامة اللغوي د. مصطفى جواد في تفسير المعنى لكلمة "البحاثة" إذا صحّت تلك الواقعة!!، حيثُ تخبرنا معاجم اللغة العربية عن المعنى الآخر من المعاني الكثيرة لهذه الكلمة بعد ضم "الباء" وليس فتحها لتصبح (البُحّاثة) والتي تعطي معنى مغايراً للمعنى الأول وتصبح بمعنى مرادفاً لمن يبحث أو تبحث في التراب والمزابل وهي الدجاجة!!، وهذا هو بيت القصيد ولحد علمي في إعتراض الدكتور الراحل مصطفى جواد.
سردتُ هذه الواقعة التي لا أعلم مدى صدقها للدخول في موضوع البحث وأصحابه (البَاحثين) الحقيقيين الذين ما برحوا يبحثون بجهودهم العظيمة التي أهدروا معظم سنوات أعمارهم يعملون بصمت أناء الليل وأطراف النهار لينالوا صفة "البَاحث" بإقتدار لكنهم ضاعوا بين زخم الكم الهائل (الأنترنيتي) من أسماء "البُحّاثين" الذين ما برحوا في نقل سطر أو سطرين من المعلومات المشكوك بمصداقيتها من الحاسوب الألكتروني المليء بمزابل كتب التاريخ المملوءة بالتحريف والهذيان للبعض من كتّابها الذين لم تخلُ كتاباتهم على مر العصور والأزمان من التحيّز لطوائفهم أو لهذا الطرف أو ذاك وعلى حساب الحقيقة وعلى طريقة المثل الشعبي "حِبْ وإهچي ـ ـ وإكره وإهچي"!!، وحيثُ لا يتردد النموذج الحالي منهم وبكل صفاقة إلاّ ويكتبوا أمام أسمائهم كلمة (البَاحث) وكأنها (ال) التعريف التي لا بد منها لتحويل (النكرة) من أسمائهم الى (المعرّفة) منها!!!.
وعجبي على هذه الوقاحة في زمنٍ ضاعت فيه المقاييس الصحيحة للتقييم العلمي المهني المحايد من ذوي التخصص لإعطاء هذه الصفة المبجلة التي تساوي بقيمتها المعنوية الإعمار الكاملة  للحاصلين عليها عن جدارة، وليس منحها بالقنطار كما يطلقها البعض على أنفسهم أو على الآخرين.
ففي موضوع نقدي كنتُ قد كتبته عن أحد هؤلاء (البُحّاثين) الذي ربما توهم منتحل صفة (الباحث) من أنه أصبح بحق يستحق لقبها فوضعها هو أمام إسمه وليس لجنة متخصصة بعد (تسفيطه) لأقوال وآراء البعض ممن سبقوا عصرنا وأخرجها بكتيّب أو إثنين لا نستطيع وصفها إلاّ بكتيّبات لـ (لكلمات المتقاطعة) لما فيها من تناقضات واضحة جمعها هذا "البُحّاثة" من بحثه في مزابل الكتب ليتفاخر بها ويدعي (بتأليفها) وهي بمجملها نقل لمقاطع وأحاديث وآراء مجتزئة ومشكوك بها أصلاً!!، وحيثُ إعترض أحد (النكرات) الذي يحذو حذو معلمه الفاشل الذي يدافع عنه على ما ذكرته من معلومات تدعمها اللقى الأثرية التي تعتبر أدلة مادية لا تقبل الجدل، وبدأ هذا المحامي الفاشل بكيل المديح لمعلمه بإطلاق الألقاب عليه والتي لا يعي معناها وكأنها (كوشر من البطيخ)!!!، فأجبته بإقتضاب بأنني لم أسمع لا في الماضي ولا في الحاضر وربما حتى في المستقبل بباحث حقيقي يحمل الإسم الذي ذكرهُ!!!، ولربما سنتفاجئ بعد برهة من الزمن بوضعه للقب (الدكتور) والذي ربما سيحصل عليه من الكثير من دكاكين بيع تلك الشهادات المنتشرة حتى في الدول الأوربية متعدياً كغيره على جهد أصحابها الحقيقين الحاصلين عليها بالدراسة في الجامعات الرصينة وسهر الليالي لسنوات طوال حتى إحمرّت مآقيهم!!!، وقد ذكرتُ لذلك المدافع عن صاحبه بأنّ كلمة الباحث هي صفة مهمة وخطيرة ولا تُطلق جزافاً، وربما نستطيع أن ندّعي في كتاباتنا من أننا بحثنا في المصادر والكتب عن المعلومات كذا وكذا لدعم مقالاتنا، لكنها لا تكون كافية لننعت أنفسنا بالباحثين ما لم يتم تقييم (بحوثنا) من ذوي التخصص ولفترة زمنية طويلة وبكم هائل من البحوث!!، وقلتُ لذلك (المتبرع) بالدفاع والمغدق على صاحبه بالألقاب المجانية من أنني أعمل في الإعلام في مجالات متعددة منذ سنة 1979م ونشرتُ في الأحد عشر سنة الأخيرة مئات المقالات المطولة والتي عدّ بعضها ذوي التخصص كمقالات بحثية وأحمل هوية الصحفيين المهاجرين في بلد المهجر الذي أعيش فيه، لكنني لا أتجرأ غالباً بوضع صفة حتى (الكاتب) أمام اسمي وأستعيض عنه بجملة (بقلم: سالم إيليا)!!، وربما هنالك بعض الإستثناءات القليلة الي تحتم عليّ ذكر صفتي في بعض المراسلات المحدودة ليس إلاّ.
وعجبي على البعض ممن أزالوا نقطة الحياء من على جباههم، فباتوا يصفون أنفسهم بشتى الألقاب!!، ويحاولوا أن يتعدوا بكل صلافة على القمم من الأعلام في مجتمعاتهم وهم في وديانها السحيقة، وربما هذه إحدى سيئات التطور الإعلامي الألكتروني ـ التقني الذي سمح لهم بالدخول الى منازلنا عنوة ونكون مجبرين شئنا أم أبينا على مشاهدتم والقراءة لهم في أحيانٍ قليلةٍ من خلال الصندوق السحري الصغير الذي ندعوه بالكمبيوتر جزاه الله خيراً لمخترعه!!!.
ولي عودة قريبة لتكملة هذا الموضوع!!!!.
وشكراً/سالم إيليا !!!!   

4
الديمقراطية والإنتخابات اللي حاميها حراميها
بقلم: سالم إيليا
أتحدى أي واحد يشكك ويگول بالعراق ماكو ديمقراطية من شماله بإقليمنا الحبيب كردستان الى جنوبه ببصرتنا الفيحاء ـ ـ لا وأتحدى أكثر أي واحد يگول أكو مثل ديمقراطيتنا بكل العالم ـ ـ واللي يگول شلون دبرتها ـ ـ أگلله هم شفت ديمقراطية بكل دول العالم صارله الشعب ثلطعش سنة يصيّح "شلع قلع كلكم حرامية" و "بأسم الدين باگونه الحرامية"، والحرامية يضحكون ويصفگوله للشعب ويظلّون يبوگون!!!  ـ ـ شفتو فد يوم واحد من أبناء الشعب إنسجن وإنعل والد والديه كودن يهتف هذا الهتاف حتى يبرّد گلبه ـ ـ أتحداكم إذا تگلولي أي شفنه ـ ـ ولا تتحججون وتگلون لعد هاي السجون شلون ممليّه بالنزلاء ـ ـ أگللكم يابه تره هذوله كلهم، لو أربعة إرهاب ـ ـ لو من جماعه النظام الصدامي ويريدون يرجعون الدكتاتورية ـ ـ لو قسم لاغُفله كل واحد منهم چَم مليار دولار واللي جَابته الإنترپول قابضاً، بس هَذوله الأخيرين خطية مظلومين ومشمولين بالعفو لِمّن راح يرَجْعُون (الچَم فلس) اللي راحت بحساباتهم اللي برّه بالغلط ـ ـ يعني شنو ليش نظلمهم ونگول باگوها ـ ـ هَم الله مَيقبل بالظلم ـ ـ إنتو مو تعرفون أكو كليشه تنكتب بچَعَب الوصولات والأوراق والوثائق المالية تگول "الغلط والسهو مرجوع للطرفين" ـ ـ أي هي هَذي عَلويش يكتبوها ـ ـ غير علمود هَلْ الشغله هَذي ـ ـ صحيح صارلهه المليارات بحسابهم برّة أقل شي سبع سنين لو عشرة وتجي عليها فوائد وعمولة من أثنين الى خمسة بالميّة على الأقل، يعني على كل مليار دولار يجي عشرين الى خمسين مليون دولار كل سنة ونضربها بسبعة سنين صارت ميّة وأربعين الى ثلثميّة وخمسين مليون دولار، بس هَم ما يخالف عوافي عليهم المهم يرجعون فليساتنا وترجع صفحتهم بيضه ويكدرون يرشحون للإنتخابات الجديدة ـ ـ شفتو شلون ديمقراطية عدنا!!!.
يا جماعة لا يكون گلبكم أسود ويگول ماكو ديمقراطية ـ ـ يعني ما شفتو ممثل رئيس الوزراء من راح يفتتح ملعب النجف گبل چم يوم خطية الرجّال ما گال من خطابة غير چلمتين (شلونكم وأودعناكم) ـ ـ ما أنطوو مجال الناس يحچي كلها تصيح "شلع قلع كلكم حرامية" وإشتغل ركع بطاله المَيْ بفلس علي ـ ـ لكن الرجّال أخذها بروح ديمقراطية وإنسحب ـ ـ يعني مسوّه مثل ما چان يسوي الدكتاتور يسد أبواب الملعب عليهم ويدخّل قوّات الأمن الخاص ويبدي الرمي عليهم بالرصاص الحي، لو تجي الطيارات ويرشوهم بالكيمياوي عبالك ذبّان ـ ـ وهسه أكيد رجع ممثل رئيس الوزراء وگلله ال رئيس الوزراء عل اللي صار بملعب النجف ـ ـ وراح يطلع رئيس الوزراء گبل الإنتخابات وشوفو شلون راح يهدد الفاسدين وينعل والد والديهم بالحچي!!! ـ ـ أي لعد أشعبالكم الحديده حارة وما راح يسكت رئيس الوزراء ـ ـ بس فد لحظة هو رئيس للوزراء من صُدك هو رئيس عل الوزراء؟!، شو ما عنده حچاية على أي واحد منهم!!! ـ ـ شو الجعفري عبالك دوله مستقلة بكيفه يدير وزارة الخارجية وهيله اليعرف سياسة الدولة الخارجية بيا إتجاه تمشي ـ ـ ووزير الدفاع بِدَت الحرب ويّه داعش وإنتهت وحرام اللي إنسمعله تصريح واحد ـ ـ ووزير الداخلية لا والله شويه أحسن هم مرّات من يصرّح يجيب طاري رئيس الوزراء عل السريع ـ ـ ووزير الموارد المائية يبسَتْ النهرين وماتت الناس من العطش وهو خطيه مقهور على غزالته بمزرعته اللي هم لحكها العطش وماتت سودة علي موعليّه!!.
يعني أكو أكثر من هاي الديمقراطية اللي ما خللو الناس شي ما ضِربَو بي المسؤولين حتى (بوش) لاحَته إلاّ شويّه قندرة منتظر الزيدي لو مو الگولچي (ياشين المالكي) چان مِتدرّب زين وما خلاها تطلع گول وطلعها ضربة ركنية ـ ـ يعني الجماعة ما يهمهم وگلبهم چبير وغاسلين وجوهم بمَيْ أصفر ـ ـ شلون عيني، لا لا، لا يروح بالكم لبعيد ـ ـ آني ما قصدت اللي ببالكم ـ ـ المي الأصفر اللي قصدته هو مَيْ الزعفران بس صلاحية الزعفران چانت منتهية من زمان والجماعة يخافون الله وما رادو يسوون طلبية جديدة تكلف ميزانية الدولة هوايه ولهذا المّيْ مالته طلع بي ريحه مو طيبه شويّه.
وإبقى يا شعب إنتخبهم حتى إنت تظل تهتف "شلع قلع كلكم حرامية" و "بإسم الدين باگونة الحرامية" وهُمّه يظلون يضحكون عليك ويبوگون فليساتك ـ ـ ودير بالك يا شعب لا تنتخب اللي يردون يبقى للدين هيبه وقدسيه ويفصلو عن السياسة ـ ـ أي أي، أقصد التيار المدني بكل اتجاهاته، تره هذوله ضد الديمقراطية وكفره!!! ـ ـ بس نصيحة لوجه الله تعالى بعد الإنتخابات ما تنتهي خلي يصير تغيير بالهتافات مثل ما الجماعة راح يغيرون كراسيهم، يعني وزير اللغف بالتجارة يمكن راح يصير وزير اللغف بالكهرباء و"على هل الرنّه طحينچ ناعم"!!، وإنت يا شعب همينه غيّر وإكسر الروتين وخلي تصير شعاراتك "بإسم الدين باگونة الدعوچيّة" و "طاح حظ هل الديمقراطية اللي چابتلنه الحرامية" و "بإسم الدين لغفوهه للميزانيه"!!!!.
وأختم وأگول كافي عاد يا عراقي ويا عراقية لا تنطون صوتكم للحرامية ـ ـ وكافي عاد يا عراقي ويا عراقية لا تجربون المجرّب مثل ما گالت المرجعية ـ ـ وكافي عاد يا عراقي ويا عراقية حان الوگت وعبروا الطائفية ـ ـ وأنتوا كلكم نشامى وما يلوك صوتكم غير بس للي ينادون بالمجتمعات المدنية.                           


5
هل هناك هوية وطنية عراقية حقيقية تجتمع تحت مظلتها كل المكوّنات؟!
بقلم: سالم إيليا
في السنوات الأخيرة وتحديداً بعد الحروب الكارثية التي حلّت بالعراق وخاصة الحرب الأخيرة في 2003م وما تلاها من تداعيات بدأنا نسمع من بعض (العراقيين) كأفراد أو مجاميع من المكونات في التشكيك بوجود وطن اسمه (العراق) لغايات عديدة منها الإنفصالية ومنها ما هو أبعد من ذلك قد تغذيها أطراف خارجية لها أجندات إقليمية أو دولية لم تعد خافية على أحد.
وربما من الضروري التطرق إلى بعض البديهيات التي تخص موضوعنا هذا وأولها تباين الشعور والإحساس الوطني بتلك الهوية وفقاً لبارومتر العوامل الرئيسية التي تُرسخ تلك الهوية من عدمه في نفوس المواطنين العراقيين وعلى رأسها قوة البلد إقتصادياً وأمنياً ومجتمعياً وقوة شعور مواطنيه من أنهم على رأس الهرم الإنساني في العالم أجمع وليس أدنى حتى من قاعدته كما يحصل للعراقيين الآن!!، كذلك شعور جميع المواطنين من أنهم متساوون أمام الدستور الذي تترجمه القوانين التشريعية وتجعله فعل واقع على الأرض من خلال الفعاليات والممارسات الحياتية التي لا يمكن تجاوزها في تساوي الفرص التعليمية والوظيفية والعدالة المجتمعية بكل مفرداتها، إضافة إلى الغاء التمايز الطبقي أو الطائفي بشقيه الديني/المذهبي أو الأثني/العرقي، وسأطرح أمثلة قائمة على الكثير من دول العالم وعلى العراق قبل وبعد ما حدث له من كوارث.
لكن في البدأ علينا أن نسأل أنفسنا هل كان يوجد بقعة أرض محددة اسمها العراق قبل تكوين الدولة العراقية الحديثة وإعلانها سنة 1921م في مؤتمر القاهرة؟؟!!، أم هي تسمية حديثة طارئة؟؟!!.
ربما إذا أردتُ إثبات ذلك من خلال المعطيات التاريخية العديدة التي لا تقبل التأويل سأحتاج الى إطالة هذا الموضوع ليتجاوز عشرات الصفحات!!، لكنني سأكتفي ببرهان واحد يتفق عليه جميع الفرقاء ولا أعتقد يختلف عليه أحد وهو خطبة الحجاج بن يوسف الثقفي المشهورة في مسجد الكوفة والموثقة تاريخياً عندما هدَدَ بها أهل العراق مخاطباً: "يا أهل العراق ـ ـ ـ"، إذن الجواب هو نعم يوجد بلد اسمه العراق على الأقل قبل ما يزيد على الألف وثلاثمئة عام (تقول المصادر إنّ الحجاج ولّيَ على العراق سنة 694 ميلادية)، فلم يخاطب الحَجاج الجموع في المسجد بقوله: يا أهل الكوفة أو يا أيها الأعراب أو يا أيها الحضور!!، إذن كان هنالك منذ ذلك الزمن بلد محدد طبوغرافياً اسمه العراق، لكن ماذا حدث لهذا البلد ليختفي اسمه أو على الأقل يحيّد في الأذهان ثم يظهر مرة أخرى بعد الحرب العالمية الأولى؟؟!!، وللإجابة عن هذا السؤال وبإختصارٍ شديدٍ هو توالي الإحتلالات عليه بعد نهاية خلافة الدولة العباسية على يد المغول أولاً ثمّ ضمه تباعاً إلى إمبراطوريات عديدة وكان آخرها الإحتلال العثماني الذي إنتهت إمبراطوريته مع خسارته في الحرب العالمية الأولى لمعظم أجزائها ومنها العراق فعاد اسم العراق اليه. 
إذن عاد اسم العراق في الدولة العراقية الحديثة وبدأت بوضوح من جديد هوية مواطنيها العراقيين تظهر بعد الإحتلال العثماني والتي ما لبثت تضمحل وتشوبها الضبابية وتتشتت مرة أخرى بعد تكوين الأحزاب الأيديولوجية الأممية والقومية والدينية التي رفعت شعاراتها متجاوزة حدود الهوية الوطنية العراقية، فأصبح من ينادي أولاً وقبل كل شيء بتعزيز الهوية الوطنية في دائرة الإتهام من قِبل البعض أما بمعاداته للأممية أو (قطري) معادي للوحدة أو (علماني) كافر ومعادي للدين!!!، وحيثُ أثبتت الأحداث التي مرّت بالعراق وجميع دول المنطقة خطأ برنامج عمل تلك الأحزاب وقصر نظرتها المستقبلية في إصرارها على تجاوز الهوية الوطنية أو بمعنى أصح مصادرتها لها على حساب أهدافها الأممية والقومية والدينية!!، وحيثُ كان من المفروض أن يكون الهدف الأول الذي يجب أن تعمل عليه كل تلك الأحزاب هو تعزيز وترسيخ الهوية الوطنية لتكون الأساس الذي سيحقق كل تطلعاتها وأهدافها الأخرى وليس العكس، وعليه بقيت الهوية الوطنية أسيرة كتب الوطنية وخطابات السياسيين للمتاجرة بها، لكن الشعور الحقيقي بها كان مدفوناً في أعماق أغلب المواطنين لا يجاهروا به إلاّ بالقدر الذي لا يتجاوز الخطوط الحمراء لأيديولوجيات تلك الأحزاب!!.
ولهذا فقد رأينا وعشنا بشكلٍ واضحٍ وجلي تجليات عديدة ترجمت هذا الشعور الوطني وأظهرته بعفوية لكل العالم حتى أصبح (البُعبُع) الذي أرهب الإخوة و الأصدقاء قبل الأعداء!!، فباتوا يخططون مرة أخرى لإستئصاله من جذوره لأنهم أدركوا بأنه (مارد) لا يمكن السيطرة عليه إذا تركوه يعلو ويتجبر بقدراته أكثر وأكثر!!.
فالروح الوطنية العراقية العفوية واضحة وضوح الشمس عندما يفوز المنتخب الوطني العراقي الكروي مثلاً، فيخرج العراق عن بكرة أبيه من شماله بجباله حتى جنوبه بأهواره ومن شرقه حتى غربه للإحتفال ليس بالفوز الكروي فقط وإنما للمجاهرة بالهوية العراقية!!، ولقد تكللت كل هذه المناسبات والفعاليات المختلفة في إثبات الهوية الوطنية العراقية بمواقف مهمة كانت فيها النفس ترخص أمام تحديات المساس بارضه وهوية أبنائه والجود بالروح للدفاع عن بلد اسمه العراق ـ ـ "فالجود بالنفس أقصى غايةِ الجودِ"!!، أفلا يبرهن هذا السلوك وطنية المجتمع العراقي بمكوناته؟!، فأي مِن كل بلدان العالم خسرت من مواطنيها بالنسبة المئوية لعدد سكانها أعلى مما خَسرهُ العراق من أبنائه العراقيين في حروب الدفاع عنه بغض النظر عن إيمانهم المطلق بضرورة خوض تلك الحروب من عدمها؟؟؟!!!، هذا السؤال أوجهه للمتشككين بوجود بلد اسمه العراق وشعب اسمه الشعب العراقي الموحد بمكوناته!!، الم تتشارك كل مكونات الشعب العراقي بتقديم أبنائها قرابين على مذبح الإنتماء لهذه الهوية ؟؟!!.
لكن من الطبيعي أن يكون هنالك نكوص في الشعور بالإنتماء الوطني للبعض من العراقيين!!، وكما أسلفت فأن المراحل التي مرّ بها العراق منذ نهاية خلافة الدولة العباسية والتركيز عليه من قِبل جميع الغزاة المختلفين في أجناسهم وأعراقهم كان كافياً لزعزعة ثقة البعض بوطنيتهم العراقية!!، وكما أسلفت أيضاً فإنّ هذا الشعور يخضع لبارومتر العوامل العديدة التي قد تزعزع الشعور الوطني لأي شعب في العالم وليس للعراقيين فحسب، وسأطرح بعض الأمثلة القائمة لمواطني بعض البلدان التي تعتبر (الآن) من أقوى البلدان سواء إقتصادياً أو عسكرياً أو حضارياً لبيان كيف يفكر المواطنين فيها وما هو شعورهم، ولنبدأ من الأقرب جغرافياً الينا كالسعودية مثلاً التي كانت قبل تسميتها بهذا الأسم مقسمة الى إمارات عديدة منها نجد والحجاز والقطيف والدرعية وغيرها وكل منها يتواجد على أراضيها طوائف وملل من مشارب عديدة، لكن بعد تأسيس المملكة العربية السعودية في سنة 1932م وإكتشاف البترول الذي عزز مكانتها الإقتصادية في العالم تباهى مواطنوها بهويتهم السعودية وهذا من حقهم!!، كذلك مواطنوا دولة الإمارات العربية المتحدة المتكونة من إمارات عديدة كما يدلل اسمها يتباهون بهويتهم الإماراتية التي وحدت إنتماءاتهم وهذا من حقهم أيضاً، ولنذهب خلف البحار ونأخذ مثلاً آخراً لأكبر وأعظم دولة تقود العالم الآن وهي الولايات المتحدة الأمريكية ومن اسمها يُستدل على أنها كانت (ولا تزال) مقسمة الى ولايات بمواطنيها المتنوعين منذ تأسيسها بعرقهم ومذاهبهم وأديانهم، وحيثُ نشبت الحروب (الأهلية) فيما بينهم قبل ما يزيد على المئة وخمسين عاماً وأرتكبت خلالها أبشع الجرائم بإبادة قرى بكاملها من أطفال ونساء وشيوخ!!، لكنهم الآن يفتخرون ويتباهون بهويتهم الأمريكية وهذا من حقهم أيضاً (تم إكتشاف قارة امريكا الشمالية قبل حوالي الستمئة عام، وإتحدت الولايات الأمريكية قبل ما يزيد على المئتي عام بقليل)!!، وهذه المقارنة وهذا الحال يصحان على كندا واستراليا وروسيا والصين وغيرها الكثير من البلدان، ولو إفترضنا جدلاً نكوص هذه البلدان المنتعشة بإقتصادها ومكانتها الدولية لأي سبب، فهل سيبقى الحال كما هو عليه لمواطنيها بفخرهم وزهوهم أم سيهتز إيمان البعض منهم بإنتمائهم اليها؟؟!!، وهذا ما هو حاصل الآن في العراق للبعض من العراقيين، فلماذا يستكثر البعض (المتخاذل) على باقي العراقيين هويتهم العراقية؟!، ألأن العراق ضعيف الآن وتحكمه شلّة من المفسدين وسرّاق المال العام؟؟!!، وهل كانوا هؤلاء الناكرين لعراقيتهم الآن يتجرأون على نكرانها في السبعينات من القرن المنصرم عندما كان العراق في عصره الذهبي أم كانوا أكثر المتباهين بها؟؟!!.           
ومشكلة البعض من العراقيين وللأسف الشديد إصابتهم بالوهن الذي قادهم للتنكر لعراقيتهم وبدؤا قبل غيرهم من الأغراب ببث بعض الأقوال لِمن حَمَلوا على العراق والعراقيين البُغض والكراهية لهذا السبب أو ذاك، فمنهم من (يجتر) خطبة الحجاج التي إستشهدتُ ببعض الكلمات منها أعلاه للدلالة على وجود اسم العراق فقط وليس لِما فيها مِن غل وتهديد على أهل العراق!!، كذلك يستشهد البعض بمقولة نُسِبت الى الملك فيصل الأول في شكوكه بوجود هوية عراقية واضحة تجمع مكوناته!!!، وهذا في رأيي طبيعي جداً في بلد كان محتلاً لمدة تزيد على السبعمئة عام بعد سقوط الخلافة العباسية وكان مجرد ذكر اسم العراق في فترات إحتلاله يُعتبر جريمة كبرى!!، فما الذي كان يتوقعه المرحوم الملك فيصل الأول الذي جاء من أراضي نجد والحجاز!!، وأيهما أحق بهوية الأرض التي يسكنون عليها: هل هم العراقيون الذين سمّي بلدهم بالعراق قبل أكثر من الف وثلاثمئة عام كما تذكر جميع المصادر التاريخية أم المواطنين السعوديين الذين تكونت مملكتهم بإسمها الحالي في سنة 1932م؟؟!!، والتي جاء من أراضيها قبل تسميتها المرحوم الملك فيصل الأول ليحكم العراق؟؟؟!!!، أم الأمريكيين الذين ركبوا البحار من الجهات الأربع للبسيطة وتوجهوا للقارة المكتشفة حديثاً للبحث عن الذهب وقبل ستمئة سنة فقط؟؟!!، أترك الجواب لكل إنسان عادل ومنصف وغير حاقد للإجابة عليه!!. فيا مَن تشككون بالعراق وهوية أهله العراقية لا تجانبوا الحقائق الواضحة للعميان قبل المبصرين، وبكل تأكيد هنالك نوعان من العراقيين لا ثالث لهما ممَنْ يشككان بالعراق وهوية مواطنيه، فأما أن يكون إنسان ساذج وبسيط ومغرر به ولا يعلم عن تاريخ بلده أي شيء ـ ـ أو مدفوع بأجندات محددة إحدى غاياتها تقسيم العراق!!.
ولي تجربتي الخاصة في الغربة عن الشعور الوطني العراقي وروح الإنتماء لوطن موحد اسمه العراق مع مّنْ عملتُ معهم في البلد العربي المضيف لنا. فحال مغادرتي للعراق في الشهر السابع من سنة 1994م متوجهاً الى البلد العربي الوحيد الذي فتح حدوده لنا مشكوراً فكرتُ بالعمل على الرغم من الضوابط القاسية في منع العراقيين من العمل فيه، وبالفعل وجدتُ لي عملاً في إحدى المؤسسات للأعمال الكهربائية وبراتب كان يبدو في ذلك الوقت عالي جداً، كان عملي هو الأشراف على مجموعة من العمال الفنيين من أهل البلد لتنفيذ بعض المشاريع في أماكن متفرقة من العاصمة وضواحيها، وكان لزاماً على جميع المنتسبين للمجموعات كافة التواجد صباحاً في مقر المؤسسة ثم التوجه منه إلى أماكن عملهم، وكنتُ أشعر بأن هنالك من المنتسبين مَنْ كانت لهجتهم عراقية ومتداخلة مع لهجة أهل البلد عند مخاطبتهم لزملائهم العاملين، وفي يوم من الأيام وقبل تفرقنا كمجموعات جاء اليّ أحدهم ملقياُ السلام العراقي المعروف (الله بالخير) فأبتسمت له مع ردّي لسلامه وطلب مني التحدث جانباً؟؟!!، وعندها طلب مني بوضوح رغبته وزميله العراقي الآخر بالعمل تحت إشرافي ومبادلتي لهما بمن يعمل بأمرتي من أهل البلد معللاً ذلك بالمضايقات والضغط الحاصل عليهما من المشرف عليهما!!، كان هذا الشاب من حي (العامل) في بغداد والآخر من حي (الآثوريين) في الدورة، وأعتقد من أنّ جميع القرّاء سيدركون خلفية إنتماء هذان الشابان دون التصريح علناً بالإنتماءات الطائفية لهما والتي لا احبذها، وحيثُ رغبتُ فقط في بيان تنوع مشاربهما ليس إلا لدعم هدف المقالة، لم أتعهد للشاب العراقي بما طلبه مني، لكنني تعهدتُ له ببذل قصارى جهدي لإنضمامهما الى فريق عملي، وفي مساء اليوم نفسه وخلال عودتي مع رئيس المؤسسة بسيارته الى داري الذي لم يكن يبعد كثيراً عن داره طلبتُ منه ضم الشابين العراقيين الى فريق عملي!!، فالتفت لي مستغرباً طلبي ورافضاً في الوقت ذاته ذلك الطلب ومعللاً بأن ذلك التغيير سيربك العمل ويؤخر الإنجاز في الموقعين، أصريتُ على طلبي وتعهدتُ له بإنجاز العمل في وقته المحدد مع إستعدادي للإستغناء عن ثلاثة فنيين من أهل البلد من فريق عملي للمجموعة الأخرى مقابل الحصول على الشابين العراقيين لأني كنتُ متأكد بأن الغيرة العراقية ستدفعهما للعطاء بشكل أكبر حال معرفتهما شروط المقايضة التي حصلت بيني وبين رئيس المؤسسة!!، وبالفعل عملا معي بكل همّة ونشاط دون حتى محاولة حثهما على العمل!!، لا بل على العكس كنتُ أسألهما الراحة قليلاً فكان جوابهما: "إحنا مرتاحين وما نريدك تخجل ويّا رئيس المؤسسة"!!، كانا يقولان لي لولا إنضمامهما الى فريق عملي لتركا العمل جرّاء مضايقات زميلي الذي كانا يعملان تحت إشرافه والذي كان من أهل البلد!!، بقيا معي حتى قررت ترك العمل للتهيأ للسفر الى بلد المهجر.
سردتُ هذه التجربة لبيان الروح العراقية المتجذرة في أعماق كل أبناء مكونات الشعب العراقي، فلم يكن يربطنا نحن الثلاثة الدين أو القومية أو المذهب ـ ـ  إنما ربطتنا هويتنا العراقية وما أحلاها وأجملها من رباط مقدس!!!.   
وسأنهي مقالتي هذه بمثل عراقي وأعكسه في مخاطبة الوطن لأبنائه الضالين الناكرين لهويته قائلاً: "يا كثرة أصحابي يوم كان ظرفي مملي دبس ـ ـ ويا قلّة أصحابي يوم ظرفي يبس".

6
هذيان متعصّب/ لماذا أطلقوا على البابليين في حقبتهم الأخيرة بالكلدان (السحرة)؟!
بقلم: سالم إيليا
لقد كثر الحديث والمناكفات الطائفية/ المذهبية في السنوات التي تلت الإحتلال الأمريكي للعراق سنة 2003م بين مكونات الشعب العراقي الذي تمزق الى ملل وطوائف كل منها تبحث عن نصيبها من لحم (الثور) المُسجى والمخضب بالدماء وهو يئن تحت وطأة الألم طالباً الرأفة به ومساعدته على النهوض والعودة الى كامل عافيته.
ومن بين تلك المكونات والطوائف دون إستثناء ظهر البعض من طلاّب المال والسلطة والشهرة ليتحينوا الفرص للترزّق وجني المكاسب دون إعتبار للشرف والمصداقية والوطنية في طرح المعلومة بغض النظر عن حقيقتها مع أو ضد هذا الرأي أو ذاك، وقد تجاوزوا كل الأخلاقيات في الشعور بخطورة الطرح (اللاوطني) الذي يزيد من الضحايا الأبرياء ويُكثر من كميات الدماء الجارية في النهر الثالث الأحمر الذي إرتفع منسوبه أكثر من النهرين الأولين دجلة والفرات واللذين نشك الآن بخلودهما الى ما لا نهاية.
ولقد راقبت منذ زمن ليس بالقصير طروحات (أحدهم) والذي يدعي بإنتمائه لطائفة تنتمي اليها والدتي التي أنجبتني وأنا فخور بإنتمائي المناصف لها مع إنتمائي لطائفتي "الكلدانية" التي إكتسبتها من أبي والتي لم تمنعني من المجاهرة والمفاخرة بهويتي العراقية التي تحتضن كل المكونات، فهويتنا العراقية تأتي قبل أي إنتماء آخر مهما بلغت مكانته!!، فنحن لا نُعَرّف إلاّ من خلال هويتنا العراقية، وأول ما يُسأل الشخص عنه خارج بلده هو: "من أي بلد أصلاً أنت"؟!، ولا يُسأل: "من أية طائفة أو مكوّن أنت"؟!!!.
لا أرغب في تسمية هذا (المتعصّب) الذي توهّم من إنه أصبح شاهيناً فبدأ يحلّق بالتلفيقات المعتمدة على المجتزئات من بواطن بعض الكتب والتي لا تمت للحقيقة بصلة وإنما بجزء من المعلومة المقتطعة من تلك المصادر وسأناقش بالأدلّة والحقائق ما جاء في أحدى طروحاته وهذيانه المَرَضي دون ذكر إسمه تكريماً للملّة والطائفة التي (يدعي) بالإنتماء اليها زوراً والتي نحن منها وهي منّا بالمصاهرة وبالكثير من الأواصر المشتركة والمصير المشترك، ولعدم إعطائه أكثر من حجمه الحقيقي!!!!، وحيثُ "كنتُ أقدم رِجلاً لصدّه واؤخر أخرى عن قصده"!!، لكنه تمادى في غيّه رغم تنبيه الكثير من الكتّاب الأفاضل له بضرورة الإعتماد على المصداقية والكياسة في طرحه، وحيثُ يبدو من انه لم يفهمها لغلّهِ وحقده معتقداً ومتوهماً بأنه الأقوى وهم الضعفاء بالحجّة والدلالة!!!، فكان لزاماً تنبيهه لكي لا يذهب بعيداً في إيذائه للغير!!!.
ونصيحتي المفعمة (بالمحبة) لهذا المتعصّب المذكور والتي ربما لا يفهمها أيضاً أن يراجع طبيباً نفسياً لعلاجه من حالته المرضية/ التعصبية الموجودة عند البعض القليل والمعروفة لنا كطوائف متآخية، وحيثُ تنكّر كل أعلام من يدعي بالإنتماء اليهم بمعرفتهم به!!!، ولعلمنا من أنّ الذي جعل البعض للمحاججة حد التعصّب بنسب أعلى من المتعصبين الآخرين في الطوائف الأخرى هو الصراع من أجل إثبات الوجود في المحيط المتخبط بمشاكله!!، وقد وصلت كراهيته الى ذروتها في كتاباته المخجلة المملوءة بالأكاذيب والمستندة على المقتطفات الغير كاملة التي تجتزء الحقيقة لتعرضها على الناس بطريقة الأدلة المنقوصة التي يَعتمد عليها بإقتناصها من الإنترنيت وليس من مصادرها الأصلية، وحيثُ أجزم من أنه لم يقرأها من الغلاف الى الغلاف ليعرف ما بداخلها، تماماً كما لو أنه أخذ الكلمتين الأوليتين من المقطع الأول لشهادة التوحيد "لا اله إلاّ الله" وكفّرَ فيها الطرف الآخر باتهامه له بالقول "لا اله" الذي يغيّر جوهر المعنى للجملة الكاملة من الإيمان المُطلق بالتوحيد بالله الى نكران وجوده!!!، أو كالذي يبدأ بالآية الكريمة (الماعون:4 ـ 7): "فَوَيْلٌ لِلْمُصَلّينَ" دون أن يُكملها وحيث تبدو وكأنها تتوعد المُصَلّينَ لكن بعد إكمالها بجملة: "الّذينَ هُمْ عّنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ" يتوضح المعنى ويتبين القصد من قوله تعالى!!، وحيثُ تؤكد بعض الأخبار عن هذا (الباحث) من أنه كان قد (توسّلَ) لمقابلة أحد سفراء العراق الطائفيين في أحد بلدان المهجر حيثُ يتواجد هو (وربما) قد وعده بالدعم المادي للنيل من الآخرين في كتاباته أو لبث الفرقة "لغاية في نفس يعقوب"!!.
وأقول له ولِمَنْ يصدّق إدعاءاته ممن على شاكلته من كل الأطياف والملل إتقوا الله بشعب العراق وضمدوا جراحاته بدل الإمعان بزيادة نزيفها، فمعظمكم تسكنون في المهاجر وخارج مناطق المآسي وتزيدون من سعير النار بتلفيقاتكم وكتاباتكم اللاوطنية لغاية تافهة شخصية يعلم الله وحده من الذي يدفع ثمنها لكم!!!!!، ولقد عاهدت نفسي أن لا أتورط لا من قريب ولا من بعيد بالمناكفات الطائفية السائدة بين البعض ممن يكتبون إلاّ بالقدر الذي يتعلق بالضرر على الوحدة العراقية والهوية العراقية التي تستظل تحتها كل المكونات وتأثيرها على النسيج الوطني العراقي وكما يحاول هذا العنصر اللامنتمي الى العراق تمزيقه أكثر مما هو عليه الآن، وما لنا من قول إلاّ: "اللهم لا تواخذنا على ما فعل ويفعل السفهاء منّا"!!!.
أن هذا المتجهبذ (أي الشخص الذي يعتقد بأنه العالم والعارف ببواطن الأمور ويتوهم من انه جهبذ حقيقي!!، لكنه بنظر الناس يستحق الشفقة على حالته المرضية السايكولوجية) يعتقد من أنه كلّما سطّر الأسماء والأعداد زادت أعداد المصدّقين بإدعاءاته متجاهلاً من أنّ هنالك من يراقب طروحاته من المثقفين الذين يتندرون عليها والتي تفوح منها رائحة العنصرية والطائفية المقيتة، وحيثُ نشعر بالأسى على ما وصل اليه البعض من أمثاله في اللغو والهذيان والهلوسة!!.
وقد كرر الموما اليه في طروحاته ما استند عليه من بعض التصريحات المجتزئة لرجال الدين والمؤرخين من الطوائف الأخرى كالكلدان والآشوريين من أنهم (لربما) من الأسباط العشرة (المفقودة) لليهود والتي ترجع بنسبها الى أبناء يعقوب بن إسحق بن إبراهيم أبو الأنبياء!!، ولنتوقف عند هذه المعلومة لنتأكد: هل هي موضع تهمة كما يريد تبيانها للمتعصبين من أمثال الدواعش ليكثروا من إعتداءاتهم ضد هذه الطوائف الأصيلة المسالمة وعندها بكل تأكيد سيصبح هو مشارك لهم في الجريمة كـ "محرّض" بكتاباته على تلك الجرائم!!!.
أعود لأفنّد بسطرين فقط ما هَذى به هذا (المدعي) في مقالات مطوّلة محشوّة بالأكاذيب المعتمدة على تصريحات بعض رجال الدين بشأن أصل الكلدان والأشوريين، فأقول له: هذا الأمر لا يعيبنا يا (هذا) لأن الأعمى والمبصر والجاهل والعالم (إلاّ حضرتك) يعلمون من أنّ الأسباط العشرة المفقودة لليهود يعودوا بنسبهم الى أبو الأنبياء "ابراهيم" وهو جدّهم الأول من أور الكلدانية العراقية، أي بمعنى آخر أنّ من تتهمهم بالتهويد أصلهم عراقي نقي من (أور) كما تذكر آلاف المصادر، أما إنتماءك أنت فيجمع عليه المؤرخون من أنّ أصولك من "سوريا" ولا تمت للعراق بصلة أو ربما من المشردين من تركيا أو من بقايا اصول الروم البزنطينيين الذين احتلّوا سوريا في غابر الأزمان وحسب عائدية من تدعي بالنسب اليهم!!!!!، فإشغل بالك بسوريا التي يعاني الآن فيها (قومك) وأترك لنا عراقنا!!!!، وبالمناسبة لو تقرأ بشكلٍ عميقٍ ومفصّلٍ ما كُتِبَ عن الأسباط العشرة المفقودة لليهود فستجد ثلث العالم بقومياته أو أكثر يدّعون بنسبهم إلى تلك الأسباط المفقودة بدأ بـ "اللاويين" في الهند مرورا بـ "الفلاشا" في الحبشة وأقوام أخرى في بريطانيا وأمريكا وحتى اليابان ومعظم دول العالم، وحيثُ أثبتت إختبارات الحامض النووي (DNA) صلة البعض منهم الضعيفة بتلك الأسباط وربما أنت واحداً منهم أيضاً وكما اعترفتَ بذلك دون أن تعلم وكما سأبيّن أدناه عن لسانك!!!!.
فمن المفارقات والطرائف أنه إتهم كما اسلفت من يدعي بالإنتماء اليهم الى الأسباط العشرة المفقودة لليهود أيضاً دون أن يدري لأنه خلط "الحابل بالنابل"!!، وعملاً بقاعدة "من السنتهم تدينونهم"، أبيّن من أنه في إحدى مقالاته التحريضية (النارية) قال: "إن الكلدان والآشوريين الحاليين هم سريان ولا علاقة لهم بالقدماء مطلقاً، إنما سمّت روما القسم الذي تكثلك كلداناً، وثبت اسمهم في 5 تموز 1830م، وسمى الانكليز القسم النسطوري آشوريين سنة 1876 لاغراض سياسية عبرية، لأن الأثنين (يقصد الكلدان والآشوريين) ينحدرون من الاسباط العشرة من بني إسرائيل الذين سباهم العراقيون القدماء، وثبت اسم الآشوريين في 17 تشرين أول 1976م" ـ ـ إنتهى نص ما ذكره في إحدى مقالاته، ـ ـ وأرجو من القرّاء الكرام التركيز على ما سأطرحه لوقوعه في فخ إتهام السريان/ الآراميين أيضاً بشقيّهم الشرقي والغربي من أن أصلهم يعود للأسباط العشرة المفقودة لليهود أيضاً!!، إذ ذكر في بداية النص المنقول من مقالته المذكورة أعلاه: "إن الكلدان والآشوريين الحاليين هم سريان ولا علاقة لهم بالقدماء مطلقاً"، ثمّ يعود في نفس النص ليقول: " لأن الأثنين ينحدرون من الاسباط العشرة من بني إسرائيل الذين سباهم العراقيون القدماء"، وحسب الإدعائين على ما أورده في نصّه المذكور فإن السريان/ الآراميون بشقيّهم هم أيضاً من الأسباط العشرة لبني اسرائيل (بالإستعاضة) لأن الكلدان والآشوريون ما هم إلاّ سريان حسب ادعاءه!!!!.
مشكلة هذا الشخص من انه يستقي المعلومات المجتزئة والمنقوصة من الأنترنيت ويعمل على (تسفيط) كل المعلومات دون تمحيص تقاطعها مع بعضها البعض ويحاول إشغال عقول القرّاء الكرام وابهارهم بكثرة الأرقام والأعداد والتواريخ و(تسفيط) الأسماء للمؤرخين لمحاولة التأثير على معرفتهم وعلى قاعدة المثل العراقي "الكذب المسفّط أحسن من الصدق المخربط"!!!. 
وسأورد أدناه البعض من مغالطات الموما اليه المعني بالنقد في إحدى مقالاته الأخيرة قبل الشروع بإيضاح لماذا أطلقوا على "عباقرة" زمنهم الكلدان بالسحرة فرضاً وجدلاً!!!، وليعذرني القرّاء الأفاضل على الإطالة وعرض الدلائل والنصوص من مصادرها الأصلية كاملة وغير منقوصة، وليس كما يفعل هو بالتقاط أجزائها التي تغيّر المعنى.
ففي إحدى فقرات مقالته إدعى بأنّ الباحثون والمؤرخون الكلدان والآشوريون وجلّهم من رجال الدين الحاصلين على أعلى الشهادات الفلسفية واللاهوتية ومنهم فيلسوف كنيسة المشرق الراحل الأب الدكتور يوسف حَبّي لا يجيدون الكتابة باللغة الكلدانية والآشورية وإنما فقط يجيدون القراءة والترجمة!!!، بربكم هل ما يدعيه هذا المدعي والمخالف للمنطق ينطلي على الجهلة بالعلم قبل المبحرين فيه!!، فكيف يصل المترجم إلى أعلى درجات الترجمة الدقيقة والمهنية من لغة إلى أخرى ما لم يكن ملماً قراءةً وكتابةً باللغتين المعنيتين بالترجمة من أحدهما إلى الأخرى وبالعكس، وتناسى هذا (الباحث) من أنّ هنالك ترابط جدلي لا يمكن فصله بين القراءة والكتابة فيقال الشخص الفلاني أمّي (لا يقرأ ولا يكتب) أو الشخص الفلاني متعلم (يقرأ ويكتب)!!.
فمن ناحية الأب الدكتور يوسف حَبّي وكونه إبن عمتي بصلة القرابة فقد كان يجيد كتابة وقراءة خمسة لغات بمستويات متباينة وفي مقدمتها العربية والكلدانية والإيطالية كونه خريج الجامعة الاوربانية في روما ونال شهادة الدكتوراه في جامعة اللاتران في روما ايضاً، وكذلك خاله الذي هو أبي كان يجيد اللغتين العربية والكلدانية قراءة وكتابة إضافة الى الإنكليزية!!، ولكن هنالك تساؤل ربما يطرح نفسه من المتشككين بقولهم: لماذا إذن لا توجد مؤلفات لمعظم هؤلاء المؤرخين بلغتهم الأصلية الكلدانية والآشورية؟!، فيكون الجواب لأن من يكتبون لهم هم من الناطقين باللغة العربية سواء أكانوا من العرب أو الكلدان أو الآشوريين وكذلك السريان والذين بمجملهم بالنسبة للطوائف الثلاثة الأخيرة وبنسبة (90%) من مكوناتهم يتكلمون لغتهم الأم ولكنهم أميّون في قرائتها وكتابتها، ولكنهم يقرأون ويكتبون ويتكلمون بالعربية بحكم تعليمهم في المدارس العربية، فمن غير المنطق أن يقوموا مؤلفيهم ومؤرخيهم بتأليف كتاب يأخذ منهم ربما سنوات بلغتهم الأم الكلدانية/الآشورية/ السريانية ثم يضعوه على الرفوف لعدم وجود قرّاء له ثمّ يعودوا ويهدروا سنوات إضافية أخرى لترجمته الى العربية ليكون في متناول الجميع!!!، ولهذا فمن الأنجع للمؤرخين المذكورين المحسوبين على الـ (10%) المتبقية من تلك المكونات الذين يجيدون القراءة والكتابة بلغتهم الأم نشر مؤلفاتهم باللغة العربية لتعم الفائدة حتى لبقية الطوائف الغير مذكورة أعلاه من الأرمن والتركمان والكرد والصابئة والأيزيديين وغيرهم وفي معظمهم يتكلمون العربية، إضافة الى سهولة إنتشار تلك المؤلفات خارج العراق وعلى مستوى الوطن العربي عند كتابتها باللغة العربية، فهذا هو المنطق الذي حاول هذا (المدعي) الإلتفاف حوله وتزييفه!!.
ولتأكيد ما ذهبتُ اليه في هذا المضمار يقول الأب الدكتور يوسف حبّي في مقدمة طبعة كتابه "كنيسة المشرق"/ الطبعة الأولى/1989م ما يلي: "لم أخصص في هذا التاريخ الموجز مبحثاً خاصاً للوثائق والمصادر والمراجع، واكتفيتُ بذكر اهمها في خاتمة الكتاب مستخدماً في الهوامش اسلوب المختصرات بالعربية تسهيلاً للطباعة وللقراء الافاضل. اما الاسماء، فقد حاولت ارجاعها الى اصولها، في لغاتها مع الحفاظ على ما هو شائع بالعربية التراثية" ـ ـ انتهى الإقتباس (الإستدلال).
ففي المقطع أعلاه يتأكد لنا غرضين يوضحان ما ذهبتُ اليه في (دحض) إدعاءات كاتب تلك المقالات، اولهما: أنّ الأب الدكتور يوسف حَبّي كتب بالعربية "تسهيلاً للطباعة وللقرّاء الأفاضل"، وثانيهما: مقدرته في الكتابة بلغته الأم، إذ كيف يستطيع ارجاع الأسماء الى اصولها دون أن يكون ملماً بالكتابة فيها!!!، إضافة لكونه كان عضواً عاملاً في مجمع اللغة السريانية (الكلدانية ـ الآشورية) منذُ عام (1972م) ولغاية دمجه بالمجمع العلمي العراقي الذي أصبح فيه رئيساً لهيئة اللغة السريانية، فكيف يكون عضواً عاملاً في مجمع اللغة ومن ثمّ رئيساً لهيئته ولا يعرف الكتابة فيها؟؟؟!!!، لكن بكل تأكيد فهو أبرع بالكتابة باللغة العربية لممارسته لها بشكلٍ متواصلٍ، أترك الجواب للجهابذة الحقيقيين للإجابة عليه وليس لأمثال هذا (المدعي) موضوع النقد!!!.
يقول الأستاذ الدكتور "عبد الامير الأعسم" على موقع مدونته ما يلي: "عرفتُ الأب حَبّي أثناء زياراته لقسم اللغات الشرقية بكلية الآداب بجامعة بغداد عندما يأتي محاضراً على طلبة القسم بكل ما يتصل بالسريانية"!! ـ ـ إنتهى الإقتباس، والسؤال الذي اطرحه على المعني بالنقد هو: كيف يكون د. الأب حَبّي محاضراً بكل ما يتصل بالسريانية ولا يجيد الكتابة بها!!!!.
يدعي كاتب تلك المقالات في مقالته الأخيرة التحريضية: من أنّ الأب الدكتور يوسف حَبّي كان (متحسراً) عند ذكره أنّ الموطن الأصلي للساميين هو جزيرة العرب، محاولاً بيأس في طريقته المبتذلة التحريضية هذه إستدرار العواطف لبسطاء القوم من المكوّن العربي!!، بربكم من يقرأ له من المتنوّرين من كل المكونات هذا الهذيان (المضحك) الواضح فيه صيغته التحريضية الرخيصة ألا يتبادر للأذهان مئة سؤال وسؤال عن كيفية إكتشافه لهذا (التحسر) وقد تغلّب بإكتشافه هذا حتى على شخصية المحقق شارلوك هولمز الإسطورية في مسسلسلاته البوليسية؟؟؟!!!، فكيف شَعرْتَ يا ايها (المحقق المتحذلق) بأنّ الأب المذكور كان (متحسراً) ومنزعجاً لكتابته هذه المعلومة التي إستقيتَها من إحدى المجلاّت التي كان ينشر فيها الأب الدكتور يوسف حَبّي؟؟!!، هل كنت (حضرة جنابك) جالس بجانبه عندما خطّها وسمعت أنفاس (تحسره)؟؟!!، أم كان لديك قمراً صناعياً سنة 1983م وهي سنة نشر هذه المعلومة لتتجسس على الأب د. يوسف حَبّي في صومعته في ديره بمنطقة الدورة في بغداد ورأيته يسحب آهات (التحسر) أسفاً على ذكره لهذه المعلومة؟؟!!، ولو كان متحسراً ومتأسفاً فعلاّ ـ ـ لماذا ذكرها أصلاً وثبّتها كحقيقة وهو المرجع الذي يستشهد بمؤلفاته وكتبه المؤرخون في تاريخ الكنيسة المشرقية، فلماذا لم يتجاوزها وكان الله يحب المحسنين؟؟!!، وقد إنتشرت كتبه حتى وصلت الى المكتبة العامة للمدينة التي أسكن فيها في كندا/ القسم العربي لغزارة علمه وإنتشار صيته بين مؤرخي وباحثي عصره.
أتعلم أيها المعني بالنقد من أنّ الأب الدكتور يوسف حَبّي قد جمع عشرات الآلاف من البشر حوله من كل الطوائف والأديان وأولهم العرب المسلمين أينما حلّوا على وجه البسيطة لإنفتاحه ومحبته للجميع بعلمانييهم ورجال دينهم وفي مقدمتهم الراحل الإمام الجليل العلاّمة جلال الحنفي!!، وحين وافت المنية الأب المذكور في حادث مؤسف داخل حدود الأردن في 15 تشرين الاول سنة 2000م وهو في طريقه لتمثيلك قبل غيرك في المؤتمرات الكنسية الدولية التي تدعي زوراً وبهتاناً الإنتماء لطوائفها، وحيثُ صُعِقَ الجميع بنبأ وفاته وذَرَفَت الجموع الدموع وعمّ الحزن أوساط الأدباء والمفكرين ورجال الدين ومن ضمنهم رجال دين الطائفة التي تدعي إنتماءك لها من أعلى مرتبة فيهم الى أقلّها، وجُلّ رجال الدين الآخرين بمذاهبهم من المسلمين والمسيحيين وعامة الشعب والشخصيات العراقية والعربية والعالمية وفي مقدمتهم ولي عهد الأردن حينها الأمير الحسن بن طلال والسفير البابوي، وحيثُ تجلّت الوحدة العراقية بهويتها بأروع صورها وقطعت قناة الجزيرة الفضائية أخبارها لتعلن نبأ وفاة هذا العالم الجليل الذي تحاول أنت يائساً الطعن بمحبته وإنتماءه للجميع!!، والذي لم يسيء اليه الى الآن كائن من كان إلاّ أنت!!، وهل تعلم أنه للمرة الأولى في تاريخ الكنائس العراقية يشيّع رجل دين مسيحي بعشرات الآلاف من أبناء الشعب العراقي دون تفريق بين المسيحيين والمسلمين من جميع المذاهب والصابئيين المندائيين والأيزيديين وكل الأطياف العراقية الآخرى وبموكب تسيير أمامه الدراجات البخارية والعجلات لشرطة المرور وحضر أعلام البلد من السياسيين والمفكرين و رجال الدين من كل الأديان قداس جنازته ووقفوا خاشعين عند تلاوة مقطع من الإنجيل، فأين أنت من هذا الحدث والموقف الجليل؟؟!!، وهل ترغب أن أرسل لك الفيديو لتشييع هذا العالم الجليل الذي تكذب أنت على لسانه وتحاول الطعن بمحبته على الأقل لتتعلّم المحبة منه وتنزع من قلبك الغل والحقد على الآخرين.
لماذا نعتوا الكلدان من خلال إسمهم بالسحرة في زمنهم؟؟؟!!!:
أثبت الدكتور (جايمس هنري براستد) في كتابه "العصور القديمة" ريادية الكلدان وما بلغوه من تطور علمي سبق زمنهم لكل أمم الأرض بعلم الفلك وبقية العلوم الأخرى مستنداُ على اللُقى الأثرية كأدلّة مادية لا تقبل الجدل، وهذا الكتاب بنسخته الإنكليزية كان مرجعاً للطلبة الدارسين في الولايات المتحدة الأمريكية، وإذ يعتبره المؤرخون الحقيقيون أبو المصادر جميعها والذي نقّحَ نسخته المعدّة للترجمة الى العربية الأستاذ (هرُلد نِلسن) أحد أساتذة جامعة بيروت الأمريكية حينها وبإيعاز من وزارتي المعارف العراقية والفلسطينية ليكون هذا المصدر ضمن منهاج طلبة الثانوية لكلي البلدين بعد ترجمته الى العربية من قبل (داوُد فرحان) أحد أساتذة جامعة بيروت الأمريكية سنة (1926م)، وإذ أعتُبِرَ مؤلفه في زمنه من أنزه وأعظم علماء التاريخ والآثار والمؤرخين الذين كتبوا في تاريخ العصور القديمة وتاريخ الشرق وآسيا الغربية والشرق الأدنى حصراً، وكانت له مكانته في الولايات المتحدة الأمريكية والعالم أجمع، حيثُ كان يعمل كأستاذ تاريخ الشرق ورئيس دائرة اللغات والعلوم الشرقية في جامعة شيكاغو وعضو اكاديمية العلوم في برلين، والذي وقف ضد سرقات الآثار من بلدانها الأصلية، وحيثُ يُعتبر كتابه أهم مصدر تاريخي لتاريخ العصور القديمة والمُعْتَمَدْ من إتحاد المؤرخين العرب.
يقول الدكتور جايمس براستد في كتابه "العصور القديمة" عن الكلدان في الفقرة (246)/علم الفلك والتنجيم/الصفحة (128) في طبعته الأولى سنة (1926م) ما يلي: " لقد نجحَ الكلدانيون في علم الفلك نجاحاً يذكر وكانوا قبلاً مولعين بعلم التنجيم لكشف اسرار الغيب بمراقبة الأجرام السماوية (ف 198) فثابروا عليه وتعمقوا فيه. فكانت نتيجة ثبارهم انهُ ولد لهم علم الفلك. فقسموا بعد ذلك خط الاستواء الى 360 درجة ورتبوا الكواكب مجاميع اثني عشر دعوا كل مجموع منها برجاً وسموّها كلها منطقة البروج. وهذه هي اول مرّة صنعت فيها خريطة للاجرام السماوية"!!!!، ـ ـ انتهى الإقتباس (الإستدلال).
ثمّ يضيف المؤلف الدكتور جايمس براستد في الفقرة (247)/ عن أصل أسماء النجوم السيّارة قائلاً:
"وكان الكلدان يحسبون السيارات الخمس المعروفة في ذلك العهد (وهي عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزُحل) قوات ذات سلطة خصوصية على احوال البشر فحسبوها آلهتهم الخمسة. وقد وصلت الينا اسماء تلك الآلهة فاذا هي اسماءُ السيارات. إلا ان الاوربيين غيّروها الى اسماء رومانية فصارت عشتاروت الاهة الحب، الزهرة. وصار سيّار الاله العظيم مردوخ، المشتري. وهكذا قل في بقيتها، وتقدم المنجمون في ارصادهم تقدماً محسوساً وبلغوا في الرصد درجة عظيمة من التدقيق حتى توصلوا الى معرفة الانباء بالكسوف والخسوف. ووصلت ارصادهم هذه الى اليونان. فاسسوا عليها علم الفلك الذي ابلغوه درجة تذكر من الترقي. ولا تزال بقايا صناعة التنجيم بادية في احاديثنا العادية فنذكر في كلامنا بين وقت وآخر طوالع السعد والنحس" ـ ـ انتهى الاقتباس (الاستدلال).
ونعود الى الفقرة (246) التي ذكر فيها المؤلف (ف 198) والتي تنص على طُرق البابليين لقراءة صفحات المستقبل وكما ورد نصاً:
" وكان في عداد المنافع التي انعمت بها الآلهة على بعض الناس في ذلك الزمان البعيد المقدرة على الانباء بالمستقبل اي العرافة ودُعي الذين مارسوا العِرافة عرّافين وكان مّهَرتهم يدّعون انهم يفسّرون العلامات السرية التي على كبد الشاة (ش 66) المعدّة للمحرقة. وكان الذين يأتون اليهم لكي يَستعلموهم اسباب ما دهاهم من الهمّ ومناهم بالقلق، يوقنون بأنهم قادرون على هتك ستار المستقبل ومعرفة ما خبأته لهم الأقدار. وكان اولئك العرافون يرصدون النجوم الثابتة والسيارة معتقدين انهم بذلك يدركون فضاء الآلهة من جهة المستقبل. والظاهر ان اعمال العرافة اتصلت الى الغرب بدليل ان قراءة العلامات السرّية على كبد الشاة كانت شائعة في رومية (ش 183) وتطورت العرافة تدريجياً مع كرور الايام حتى صارت علماً قائماً بذاته عُرف بعلم التنجيم وهو ابو علم الهيئة الحديث. واقتبس اليونان علم التنجيم ومارسوه آماداً طوالاً وبقيت منه بقية بينهم حتى زماننا الحاضر" ـ ـ انتهى الاقتباس (الاستدلال).
فهل علمت يا كاتب تلك المقالات المعنيّة بهذا النقد لماذا أطلقوا على الكلدان العراقيين اسم (السحرة) في ذلك الزمن وربما المعنى اساساً مغاير لكلمة السحرة؟؟!!، وهل من أسسوا علم "التنجيم" الذي أصبح أبو علم "الهيئة الحديث" كما يقول مؤلف "العصور القديمة" اعلاه هم مشعوذون وهراطقة كما نَعتّهم جهلاً وتزويراً!!!، الجواب واضح للمبصرين والنُبَهاء من القوم وليس لعميان البصيرة التي أعمت التعصبية القبلية عقولهم قبل عيونهم، وهو انهم (أي الكلدان) قد سبقوا أمم عصرهم ومنهم أجدادك بالآف السنين في العلم والمعرفة والأكتشافات الخارقة التي تصل في مخيلة العامة من الناس الى وصفها (بالسحر او العمل الخارق) التي لم يكن ليستوعبها غيرهم وربما لحد الآن لم يستوعبها أمثالك من المتعصبين!!!، هكذا كانوا العراقيين القدامى الذين لا تنتمي أنت اليهم والذين تماديت في شتمهم من خلال شتم أجدادهم الآشوريين والكلدان!!، وأنا كعراقي أولاً فخوراً بهذا الوصف الذي يدلل على عظمة أجدادنا، وأقول للعراقيين عموماً وللكلدان على وجه الخصوص إرفعوا رؤوسكم فخراً بإطلاق تسمية (الخوارق) على أجدادنا عندما يحاول البعض ومنهم هذا (اللامنتمي) أن يجعلها مذمّة يعيّرنا بها، أقول هذا الكلام مجبراً وكلّي آلم لأن نصف إنتمائي يعود الى الطائفة التي إبتليت بإنتماءك لها ومعك قلّة من المهوسين بالتعصب والتي (أي الطائفة) قد يصيبها الضرر بأكثر مما أصابها من جرّاء طروحاتك!!!.
يقول الكاتب جعفر الخليلي في ملخص كتاب "العرب واليهود في التاريخ" لمؤلفه الدكتور أحمد سوسة في طبعته الثانية/ صفحة (56) نقلاً عن المؤلف ما يلي: " وتشير آثار الحفريات الى حضارة الكلدان بشيء كثير من التمجيد وتصور براعتهم في علم الفلك، والرياضيات، وتُنسب لهم التوصل لمعرفة الكسوف والخسوف، وكان الكلدانيون اول من اتقن حساب الساعات واجزائها من الدقائق، كما انهم اول من وضع (التقاويم) لحساب الفصول والمواسم في العالم، فضلا عما عرفوا به من البراعة في ضخامة الابنية وبهرجتها حتى صارت (بابل) في عصرهم اعظم مدينة في العالم" ـ ـ انتهى الإقتباس (الاستدلال).
إذن ما هو رأي الموما اليه المعني بهذا النقد في شهادة الدكتور أحمد سوسة الحاصل على أعلى الشهادات الجامعية من أرقى الجامعات في العالم!!!، ولو تمعنّا بالمفردات الراقية التي إستخدمها الدكتور أحمد سوسة في وصف الكلدان لخيّل الينا مدى عظمتهم إضافة الى تأكيده في بادئة وصفه لهم الى الدلائل من الحفريات لتأكيد حضارة الكلدان.
يقول "المسعودي" في المجلّد الأول من "مروج الذهب"/ الطبعة الثانية الذي شرحه وقدم له الدكتور مفيد محمد قميحة أستاذ الادب العربي في الجامعة اللبنانية وعلى صفحة المجلد (222) في "ذكر ملوك النبط وغيرهم المعروفين بالكلدانيين" ما يلي: " ذكر جماعة من أهل التبصر والبحث، ومن ذوي العناية بأخبار ملوك العالم أن ملوك بابل هم اول ملوك العالم الذين جهدوا الأرض بالعمارة، وأن الفُرس الأولى إنما أخذت الملك من هؤلاء، كما أخذت الروم الملك من اليونانيين" ـ ـ انتهى الإقتباس (الإستدلال).
أمّا المؤرخ الراحل "جورج البنّا" الذي كان قد إستضافه التلفزيون العراقي عدّة مرّات وكان آخرها في الحلقة السابعة من برنامج "قطار العمر" في الرابع من آذار سنة (1994م) وكانت له واحدة من أكبر المكتبات الشخصية في العراق التي تحتوي على اربعة عشر الف كتاب ومخطوط ومصدر عربي وإنكليزي وفرنسي ـ ـ الخ، والحاصل من عمدة مدينة "سان دييگو" في ولاية كاليفورنيا الأمريكية على وسام رجل عام (2006) لتأليفه ست كتب للموسوعة الكلدانية التي إعتمد في تأليفها على (391) مصدراً عربياً رصيناً و (83) مصدراً باللغة الإنكليزية و (64) مصدراً باللغة الفرنسية!!، والذي حصل أيضاً على شهادات تقديرية ووسام خاص من الحبر الأعظم بابا الفاتيكان السابق، وحيثُ كنتُ قد أجريتُ معه لقاءاً صحفياً قبل وفاته بسنوات، يقول في كتابه الأول من السلسلة المذكورة "تاريخ الكلدان"/ الصفحة (19) وتحت عنوان "الكلدان مؤسسو علم الفلك" ما يلي: " ان العلماء والمؤرخين اقروا ان الكلدان هم مؤسسو علم الفلك، ولتأييد ذلك  في المتحف البريطاني بلندن لوحة مسمارية تحت رقم 86378.م.ب عثر عليها في مدينة بابل، دونت فيها معلومات واحصاءات فلكية يعود تاريخها الى عام 2048 ق.م، يعتبرها الباحثون اقدم واهم الوثائق في نشوء علم الفلك في العالم قياسها 8,5×6,1×1,9 سم تتضمن (171) سطراً دونت فيها معلومات فلكية عن المجرات والكواكب مستقاة من مصادر اقدم من ذلك بكثير. عنوان اللوحة مول ـ ابن" ـ ـ إنتهى الإقتباس (الإستدلال)، ـ ـ ثمّ يسترسل المؤرخ الجليل "جورج البنّا" في شرح التفاصيل الدقيقة لما وصل اليه الكلدان في حساب الزمن وتقسيم السنة وما الى ذلك من المعلومات الفلكية الكثيرة.
يقول الكاتب والباحث في تاريخ "بلاد النهرين" الأستاذ حبيب حنونا في كتابه "سفر الخروج الكلداني" الذي نشره في ديترويت في ولاية مشيكان الأمريكية في (2013م)، وكان قد أعدّهُ ليكون اطروحة لرسالة الدكتوراه كما أخبرني بذلك شخصياً والتي لم تكتمل لظروفه الخاصة والذي أرسل لي مشكوراً نسخة من كتابه، وقد إعتمد فيه على (19) مصدراً عربياً و (37) مصدراً أجنبياً رصينة، وحيثُ ذكر فيه دور الكلدان في تطور الحضارة الإنسانية/ صفحة (10) منه مؤثقاً ما يلي: [ يقول العالم الأثاري (أدوارد كييرا) (EDWARD KEERA): " أن الكلدان بلغوا درجة متقدمة في علم الجبر والهندسة، اضافة الى علم الفلك. وان العالم الفلكي (نابو ريماني) الذي عاش في بابل عام 500 ق م والمعروف لدى اليونان بأسم (NABURIAS) قد استعمل الصفر في جداوله الفلكية. كما أن العالم الكلداني كدنو (KADANNO) الذي عاش في بابل عام 367 ق م نال مرتبة عالية في تطوير علم الفلك وتقدمه بحيث يستحق أن يوضع اسمه في مصاف غاليليو (GALILEO) وكوبرنيكوس (COPERNIOS) . . . "] ـ ـ انتهى الإقتباس (الإستدلال)، ـ ـ ثمّ يستطرد الباحث القدير الأستاذ حبيب حنونا في تعداد ما وصل اليه الكلدانيون في علمهم ونبوغهم في الحساب وعلم الفلك ويقول بان الكلدان قد اطلقوا على الشهر الأول من السنة بـ "نيشان" ومعناه بالعربية "الحد" ومنه اشتقّت كلمة شهر "نيسان ـ NISSAN" الذي كان يعتبره الكلدان أول الأشهر التي تبدأ بها السنة البابلية ـ الكلدانية ـ الآشورية.
جميع المصادر اعلاه التي استشهدتُ بها موجودة عندي في مكتبتي ومن ضمنها الطبعة الأولى من كتاب "العصور القديمة" الذي طبع سنة 1926م، وليس كما يفعل الموما اليه المقصود بالنقد من اقتناص المعلومة المنقوصة من الأنترنيت!!!. 
فما هو رأيك يا من تنعت العراقيين القدامى الآشوريين والكلدان بالمشعوذين والهراطقة والسحرة والذين يفتخر كل العراقيين بالإنتماء اليهما كأصحاب أكبر إمبراطوريتين في العصور القديمة وأصحاب أولى الحضارات في العالم، وأين أنتَ من علم ومعرفة الدكتور جايمس براستد والمسعودي والأب الدكتور يوسف حبّي فيلسوف كنيسة المشرق والدكتور أحمد سوسة والمؤرخ جورج البنّا والباحث حبيب حنونا والعلماء الذين كتبوا مئات المصادر التي إعتمد عليها مَنْ ذكرتُهم واستدللتُ بمؤلفاتهم وغيرهم الكثيرين، وحيثُ أنّ العَلَمين (يوسف حبّي وأحمد سوسة ) كانا عضوين في المجمع العلمي العراقي فحاولت تكذيبهم بتغيير الحقائق ونفث سُمومك بالنسيج العراقي الذي سيتعافي إنشاء الله على الرغم من الحاقدين عليه.
وعلى سياق الطريقة الخبيثة في دس "السم بالعسل" فقد وضع عنواناً مثيراً لمقالته الأخيرة ليداعب فيها مشاعر الغير مطلعين من بعض القرّاء له الذين تناقصت أعدادهم نتيجة إكتشافهم لغايته، فبدأ (يتزلّف ويتملّق) من خلال مدح العرب ظاهرياً وخاصة العراقيين منهم ويحرّضهم على الكلدان والآشوريين فمدحَ العرب قبل الإسلام أي عرب الجاهلية!!!!، لكنه في ذات الوقت لم ينسى بغرز أنيابه السامة في جسد (العرب المسلمين) حين وصفهم جميعهم دون إستثناء بالغزاة والظالمين هنا وهناك ( أي في كل أرجاء المعمورة) حتى لم يستثني منهم أحداً من الأئمة والصالحين!!!، لكنه إستدرك بعدها بقوله "وبرغم ما قام به العرب المسلمون من غزوات ومظالم هنا وهناك، لكن يبقون أفضل من الكلدان والآشوريون القدماء بكثير، على الأقل كان للناس خياران الجزية أو الهرب"!!! ـ ـ إنتهى الإقتباس من لغو هذا الفطحل!!!، ولإناقشه على ما قاله بنقطتين، أولهما: من المسلّم به وبشكل جلي وواضح (نبذه) للعرب المسلمين بإختياره لكلمة (الغزوات) وليس (الفتوحات) كما يؤمن بها المسلمون!!، ثانياً: جهله من أنّ في هجمات الكلدان والآشوريين وكل الحروب كان ينجو أيضاً الهاربون من أمامهم!!، أي بمعنى آخر أن الخيارين (دفع الجزية وإمكانية هروب الخصم) كانا موجودين أيضاً منذ زمن الكلدانيين والآشوريين اللذين حاول بهما (تلطيف) الظلم الذي إتهم به العرب المسلمين ولتمييزه عن (ظلم) الكلدانيين والآشوريين وليظهر بزعمه هذا أن العرب المسلمين أقل بطشاً منهما لكنه لم ينفي صفة الظلم عنهم!!!، وقد تجاهل هذا الذي بدأ يطلق على نفسه (بالباحث) من أن سبب سبي اليهود الثاني على يد "نبوخذ نصر" الكلداني وحتى السبي الأول كانا لإمتناع ملوك اليهود عن دفع (الجزية) وعندها هاجمهم نبوخذ نصّر وأجبر ملكهم على دفع الجزية وأتى به وبالباقين من قومه أسرى ليكونوا عبرة لغيرهم!!، أي بمعنى آخر أراد هذا "المحرّض" الذي ملأ المواقع ضجيجاً وهذياناً أن يمرر رسالة بينية لمن يقرأ مقالته بقوله من أن الكلدان والآشوريين وحتى العرب المسلمين كلّهم (مجرمين) ولكن بدرجات متفاوتة!!!!!، وسؤالي له:  لم تخبرنا عن الذين لم يستطيعوا الهروب أو عدم مقدرتهم على دفع الجزية، فماذا كان مصيرهم يا هذا؟؟؟!!!، فكيف تحاول التبرير لتصل غايتك الدنيئة وقد أثبتُ لك بالأدلّة بأن العراقيين الأصلاء الكلدان والآشوريين كانا يعطيان نفس الخيارين!!، أي أما دفع الجزية أو محاولة الهرب، إذن حاولتَ أن تمرر تلفيقاتك على القوم البسطاء لتداعب مشاعرهم!!، لكنك في ذات الوقت أثبتَّ كرهك للعراقيين الكلدان والآشوريين وللعرب المسلمين أمام المثقفين والمطلعين منهم وأرسلت رسالة بينيّة من أنهم جميعاً كانوا غازين وظالمين، ومن البديهي في تلك الأزمان أنّ "الغزو" يصاحبه "السبي" لكنك إختصرته بكلمة "الغزو" للعرب المسلمين وإتهمت الكلدان والآشوريين به علناً!!، وبهذا الإتهام تكون قد وحدتهم جميعاً بكرهك لهم من خلال طروحاتك وبدون أن تدري وليس كما اردت بتفريقهم!!!، وفصلت العرب في الجاهلية وبررتَ غزواتهم وسبيهم بإدعائك من إنها كانت غزوات داخلية فيما بينهم!!، كما بررتَ غزوتهم الخارجية في معركة "ذي قار" لدفاعهم عن النسطوريات المسيحيات وأثنيت عليها!!، لكنك حاولت توثيق مسؤولية باقي (الغزوات) الخارجية متهماً العرب المسلمين للقيام بها والصقت تهمة بدأهم ورياديتهم بالغزوات الخارجية وإحلال الفوضى في المنطقة والعالم وهذا غير صحيح لأن الحروب الخارجية (الغزوات) كانت موجودة قبلهم بآلاف السنين وحتى يومنا هذا، الم يغزو الروم البيزنطينيين موطنك الأصلي سوريا الكبرى قبل آلاف السنين وحتى قبل ظهور الدين الإسلامي، وحيثُ تفتخر انت بالتبعية للبيزنطينيين ولحد الآن!!!، فالغزو هو نفس الغزو أيها المتحذلق إن كان داخلياً أو خارجياً أو كان قد حصل من الكلدان أو الآشوريين أو العرب قبل الإسلام أو بعده، فهكذا كان حال الدنيا حينها!!.
أوليس "الروم البيزنطينيين" الذين تحالفوا أجدادك معهم قبل آلاف السنين وساعدوهم لإحتلال المنطقة والتنكيل بها وبأهلها قد فعلوا أبشع الجرائم؟!، وحيثُ لا زلت تفتخر في التبعية لهم!!، فلماذا لا تستهجنهم وتكتب عن جرائمهم وغزواتهم وسبيهم لنساء الأقوام التي إحتلوها؟؟!!، أنا أقول لك: لأنك تفتخر بالإنتماء اليهم، ولحد الآن هم المسيطرين على إدارة شؤون رعيتك (وخلّي الطبق مستور) لأنني لا أرغب في بيان المزيد لئلا تستغله وتعتبره تهجم على الطائفة التي نحترمها ولا يعترف أهلها بإنتمائك اليهم!!، فلا تبرر الغزو للعرب قبل الأسلام (عرب الجاهلية) وتتهم العرب المسلمين والكلدان والآشوريين به فقط وتوصفه بالظلم والإجرام!!، وليخالفني الرأي فيما ذهبتُ اليه أي من المعتدلين والمتنورين والمثقفين الحقيقيين إن كنتُ مخطئاً في تحليلي وبياني لغايتك، فأي لعبة دنيئة تريد أن تلعبها لإثارة التفرقة بين العراقيين أكثر مما هي عليه الآن ولحساب مَنْ؟؟؟!!!، والتي بكل تأكيد ستصيب من تدعي بالدفاع عنهم قبل غيرهم بالأذى والسوء!!، وطبعاً هذا يدلل على جهلك وفكرك المريض الذي تعتقد واهماً من أنه سيساعدك على تمرير هذه المؤامرة الدنيئة على الجميع!!!.
ومنذ أن بدأ الموما اليه المعني بالنقد بنشر (هذيانه) لم نعرف بالضبط ماذا يريد وما الغاية من هجومه وتحريضاته غير زيادة الفرقة والتناحر بين مكونات الشعب العراقي الذي قطعاً هو ليس منهم كما أثبتُ في بداية حديثي ولا من الطائفة الجليلة التي يدعي بالإنتماء اليها!!، فمرة يقول في مقالاته من أن الكلدان والآشوريين القدامى هم غير الكلدان والآشوريين الجدد الذين أوجدهم أو سمّاهم الإنكليز قبل قرنين من الزمن!!، ومرة ثانية يدعي بمقالة أخرى بأن الكلدان إكتسبوا أسمهم من النساطرة الملتحقين بالفاتيكان والكثلكة في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي تقريباً من خلال تسمية الفاتيكان لهم (للذي لا يعلم الحقيقة: يوجد اكثر من فرضية حول جدلية ما حدث للبعض من النساطرة الذين تحولوا الى المذهب الكاثوليكي بغض النظر ان كان فيهم من القومية الكلدانية اصلاً ام لا، ولكن ما يهمني في الأمر هو التسمية التي أطلقها عليهم الفاتيكان وهي ـ الكلدان ـ ومدى صحتها ولنناقشها من باب المنطق جدلاً، فلو فرضنا من أنّ معنى كلمة الكلدان سلبي وتعني "السحرة والمشعوذين" كما يدعي البعض وليس ايجابي لتعني "العباقرة الخارقين"، فكيف يتجرأ الفاتيكان بذم شريحة معينة إنتمت اليه حديثاً ويطلق عليهم اسم له معنى سلبي يعود بالضرر المعنوي عليه اولاً، والفاتيكان قطعاً قد رفع شعار محاربة السحر والشعوذة؟؟!!، وإن المنطق يقول من المفروض أن يطلق الفاتيكان عليهم اسم ذو دلالة ومعنى ايجابي لتكريمهم، من هنا يُستدل على ان لمعنى اسم الكلدان دلالة ايجابية وليس سلبية كما يحاول ترويجها البعض، وربما هذه النقطة لم ينتبه اليها الباحثون والمختصون سابقاً)!!!!!، وفي مقالة ثالثة يرجع نسبهم الى الجزيرة العربية ويقول بأنهم عرب كما إستدلّ  من كلام الأب الدكتور يوسف حبّي وإدعى أنه إعترف بهذه المعلومة (متحسراَ ومنزعجاً) لذلك، وحيثُ أكتشف (التحسّر) هذا المدعي بإحساسه الشارلوك هولمزي!!!!، ومرة رابعة يقول أنهم من الأسباط العشرة المفقودة لليهود، ومرة خامسة يلغي كل التسميات لهم ويدعوهم "بالعراقيين القدماء" كأنهم خرجوا من باطن الأرض وليس لهم أصل!!، ومرة سادسة يقول لا هذه ولا تلك: أساساً لا يوجد قوم اسمهم كلدان وآشوريون وإنما هم آراميون/ سريان!!!، وبهذا الإدعاء اثبتَ أولاً: بأن الآراميون السريان هم أيضاً أصلاً من الأسباط العشرة المفقودة لليهود (بالإستعاضة) ودون أن يعي ذلك!!، وثانياً: ان سلخ الجلود والجرائم قد عادت بأصابع الإتهام (بالإستعاضة) على الآراميون/ السريان لأن حسب إدعائه من أنّ الكلدان والآشوريون هم أصلاً آراميون/ سريان ودون أن يعي أيضاً ـ ـ وثالثاً: وكونه أثبتَ بحججه وبراهينه (الشارلوك هولمزية) من أن أصل الكلدان والآشوريون هم عرب ومن الجزيرة العربية وكذلك أثبتَ سابقاً من أن نفس هؤلاء الكلدان والآشوريين هم بالأصل آراميين/ سريان، إذن وحسب إدعائه هذا فأن الآراميون/ السريان هم أيضاً عرب ومن الجزيرة العربية (بالإستعاضة)!!، أي جميعهم عرب وعليه نستنتج حسب ما يدعيه من أنّ اللغة الآرامية قد اُستنبطت من اللغة العربية وليس العكس كما بيّن سابقاً هو قبل غيره في مقالات سابقة لأن الفرع هو الذي يأخذ من الأصل وليس العكس (يعني مرّة يكتب من أن اللغة الأرامية هي أم اللغات في العالم، لكن يعود من دون أن يعي لينسف هذا الأمر كما بينّتُ)!!، وبهذا يكون قد ناقض نفسه ونسف كل أبحاث المؤرخين الذين يقولون أنّ اللغة الآرامية هي أولى اللغات الهجائية في العالم والتي أشتقت منها بقية اللغات السامية (هنالك رأي آخر لبعض المؤرخين يقول ان اللغة الآرامية قد جاءت أصلاً من اللغة الفينيقية)، هذا إذا كان يؤمن بعلم الحساب والرياضيات الذي برعوا فيه الكلدان والذي يَستخْدِم (الإستعاضة) في حل المعادلات المعقدة مثل المعادلة التي عقدّها علينا وعلى القرّاء الأفاضل!!!.
كذلك نسف بطروحاته الضبابية المتذبذبة قواعد وبديهيات "الأثنيّات" وعلم "الأثنولوجيا" تحديداً وما يميّز الأقوام عن بعضها البعض من مقوّمات أولها اللغة والتاريخ والتراث المشترك وسماتهم الخلقية وخصائصهم وفي حالات معينة الدين المشترك أيضاً والتي على أساسها تم تصنيف الأقوام واختلافهم عن بعضهم البعض حتى وإن كان منبعهم واحد!!، وهذا بالضبط ما هو قائم الآن من وجود أقوام عربية وكلدانية وآشورية وسريانية وصابئية مندائية وأيزيدية وتركمانية وكردية تختلف بلغاتها وتراثها وتاريخها وسماتها الخلقيةـ ـ الخ!!، لكنها موحدة بهويتها العراقية الرافدينية.
والأفظع من ذلك كلّه كذّبَ الكتب السماوية وحاول (تفنيد) ما جاء في كتاب "العهد القديم" الذي يحتوي على "التوراة" التي يعترف بها الإنجيل والقرآن الكريمين كأحد الكتب السماوية، وذلك عندما الغى وجود قوم اسمهم الكلدان في إحدى مقالاته!!، وسأورد نص ما جاء في الفصل الحادي عشر من أول أسفار العهد القديم وهو سفر "التكوين" في فقرته المرقمة (31) حيث ذكرت: " وأخَذَ تَارَحُ أبْرَامَ اُبْنَهُ وَلُوطَ بْنَ هَارَانَ اُبْنَ اُبْنِه وَسَارايَ كَنّتَهُ اُمْرَأةَ أبْرَامَ اُبْنِه فَخَرَجَ بِهِمْ مِنْ أورِ اُلْكَلْدَانِيّينَ لِيَذْهَبُوا إلَى أرْضِ كَنْعَانَ. فَجَآءُوا إلَى حَارَانَ وَاَقَامُوا هُنَاكَ" ـ ـ إنتهى الإقتباس من النص المأخوذ من العهد القديم، ومن يرغب من القرّاء الأفاضل التأكد منه فسأرفق صورة للنص لا تقبل الجدل، ـ ـ طيب يا أيها الباحث النادر بطروحاته ـ ـ  هذا نص واضح في احد الكتب السماوية التي تبيّن وجود قوم أسمهم "الكلدانيون" وأنّ "اُور" مقرونة بإسمهم (هذا يدلل على أن الكلدانيين كانوا متواجدين منذ العصر السومري/ الكلداني الأول، لكن ظهروا كأمبراطورية وقوة عظمى حوالي سنة 627 ق.م وهذا الإفتراض يأخذ به الكثير من الباحثين إستناداً الى ما جاء في كتاب العهد القديم) وعند محاولتك تكذيب هذا النص من خلال إنكارك لوجود قوم اسمهم الكلدان ومدعيّاً بأنهم آراميون فأنه بدون شك قد طعنتَ بكل الكتب السماوية التي تعترف بكتاب "العهد القديم"، ولو كان إدعائك صحيح لذكر كتاب العهد القديم "أور الأرامية" وليس "أور الكلدانية"!!!!، فمن أنتَ لتتجرأ وتفعل ذلك!!، وهذا الأمر وحده كافي لإقامة الدعاوى القانونية عليك أينما توجد ومن كل الأطراف الدينية!!،  فبأي منطق تتكلم يا مكتشف خبايا التاريخ ومحلل ومفسّر طلاسمه!!!، ، ومرة سابعة وثامنة وتاسعة تدعي وتدعي وتدعي ـ ـ الخ من الهذيان والتخبط!!، واقول لك بربك إرسي على بر (جميع القرّاء يقولون عندما يقراؤن لك: "عرب وين ـ ـ طنبورة وين"، هسة هذا شيريد، وهذولة الكلدان والسريان والآشوريون والعرب المسلمين خطية منين ـ ـ أي قابل جوّي من السما هذولة العراقيين القدماء لو من باطن الأرض)!!!.
وقد (اعترَفَ) في مقالة سابقة من أن التقويم الذي تتبعه الكنيسة التي (يدعي) بالإنتماء اليها وَوَصَفَهُ (بالخطأ) وخاصة فيما يخص عيد القيامة، واعترَفَ ايضاً بان التقويم الميلادي هو الأقرب الى الحقيقة والدقّة مرغماً بالأدلّة العلمية الحديثة!!، ودخل في لغة الأرقام لاثبات ذلك!!، ونسف كل المعتقدات وبضمنها معتقدات الكنيسة التي (يدعي) بإنتماءه اليها!!، وخاصة فيما يخص تحديد عيد القيامة، وفنّد في الفقرة الثانية في مقالته تلك تبريرات رجال مذهبه بتمسكهم برأيهم (الخاطئ) متهماً إيّاهم برغبتهم بالسيطرة والإستحواذ على المناصب والسلطة والمال!!، وطرح قول السيد المسيح "إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي اكون وسطهم"، وأنا كاتب هذه المقالة النقدية أؤيده بكل تأكيد على دعوته للوحدة الكنسية ووحدة كل البشر بتواصلهم الإنساني وكذلك عدم دقّة التقاويم المعتمدة سابقاً وأن أكثرها دقّة في الوقت الحاضر هو التقويم (الميلادي)، لكن ألا ترى يا هذا انك تناقض نفسك!!، فمن جهة تطلب من رجال الدين عموماً ومنهم الذين تتبعهم انت بالوحدة ونبذ الخلافات وبالتمسك بقول السيد المسيح!!، ومن جهة اخرى ترفع سيفك على الكلدان والآشوريين والعرب المسلمين، وعليه وبنفس (المنطق) سأحاججك وأقول لك من ان السيد المسيح يقول ايضاً: " لِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الّذِي فِي عَيْنِ أخِيكَ، وأمّا الْخَشَبَةُ الّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا"!!، إذاً اقولُ لك اخرج الخشبة من عينك أولاً قبل ان تنظر الى القذى في عين الآخرين ومنهم مّن اتهمتهم من رجال مذهبك!!، اتعلم من انّ في مقالتك تلك قد اتهمت من تدعي بالإنتماء الى كنيستهم (بالهرطقة) للإستحواذ على السلطة قبل غيرهم وخاصة فيما يخص (شعلة نور السيد المسيح)!!، فهل يوافقك الروحانيون من مذهبك على ادعاءاتك؟!، وادعو الجميع ليحكموا ويقرروا مَنْ هم المشعوذين والمهرطقين: هل هم الكلدان كما يتهمهم هذا

7
صَرَخات الموتى من داخل مقبرة الكلدان في الباب الشرقي: "أرواحنا تتعذب من إهمال الأحياء لقبورنا"
بقلم: سالم إيليا
قال الحكيم والفيلسوف كونفوشيوس: " عندما لا ندري ما هي الحياة ـ ـ كيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت"!!!.
صُدمت من الصور (المرعبة والمحزنة) من داخل مقبرة الكلدان في وسط العاصمة بغداد في الباب الشرقي التي بعث لي بها أحد أقاربي القلائل المتبقين داخل الوطن والذي لا يزال متشبث بأرضه منتظراً الفرج بأيمانه وثقافته وتعليمه الأكاديمي والحاصل على أرفع الشهادات في مجال تخصصه.
وحيثُ من المفروض أن تُشمَل هذه المقبرة برعاية أمانة العاصمة لوقوعها في مركز العاصمة قبل شمولها برعاية ذوي الشأن الذين تركوا رعاياهم الأحياء يواجهون الموت والإضطهاد والتهجير دون أن يحركوا ساكناً ولم نرى منهم فعلاً على الأرض غير الإستنكار والتنديد وأقصد بهم رؤساء وقادة الكنيسة الذين سيسجل لهم التاريخ مواقفهم الضعيفة وإدارتهم السيئة على صفحاته المظلمة، وبالمقابل سيسجل بأحرفٍ من النور وفي صفحاته البيضاء شجاعة رعيتهم بتصديهم بقلوب عامرة بالإيمان رصاص الغدر وسكاكين التكفير الطائفية.
فيا لكم من شجعان أيها المسيحيون العراقيون المتمسكون بالأرض على الرغم من ضعف وهزالة قادة كنيستكم وشراسة ووحشية أعداء الإنسانية من المتطرفين الدواعش وغيرهم للنيل منكم، إنكم تصارعون من أجل البقاء حباً وهياماً بوطنكم وتواجدكم على أرض أجدادكم، وعلى الرغم من هذا وذاك يزرع فيكم رؤسائكم بذور اليأس بدل الأمل بإهمال قبور موتاكم ومنهم من ماتوا شهداء لإيمانهم المسيحي وتمسكهم بمعتقدهم وحيثُ من المفروض أن يُخَلدوا بنصبٍ خاصٍ ليصبح مزاراً تحج اليه جموع المؤمنين ليستمدوا من تضحياتهم العزم في المطاولة والبقاء.
إن رؤسائكم أيها المسيحيون العراقيون يرسلون رسائلهم اليكم بالإسراع في الهجرة لأن حياتكم البائسة في العراق ستكون أرحم من مماتكم والتي ستكون أكثر بؤساً وعذاباً من خلال إهمالهم للحودكم بعد مغادرتكم لهذا العالم الفاني، إنهم يقولون لكم هكذا ستتعذب أرواحكم في قبورها، فلا من متابع لها ـ ـ ولا من حريص على نظافتها ـ ـ ولا ممن يحترم قدسية نفوسكم التي ستصبح في حضرة الخالق الكريم.
أوليس من المفروض أن نعتني بالقبور ومن بداخلها قبل أن نشجب "داعش" بتهديمها لها ورفع الصلبان من على شواهدها؟؟!!، فما الفرق إذا بين فعل "داعش" الدنئ وفعل من أهمل القبور وجعلها مزابل ترمى على صور رموزها الدينية وصلبانها القاذورات بدلاً من الزهور وكما هو معمول به في البلدان المتحضرة التي بدأت حضارتها من إهتمامها بقبورها!!، أين هو إيمانكم يا دعاة الدين وحماته؟؟؟!!!، وأين هو إهتمامكم بالموتى ليكون الخطوة الأولى لإهتمامكم وتباكيكم على الأحياء من رعيتكم؟؟!!.
وأرجو ألاّ تبرروا هذا الفعل المشين بقولكم من أن المقبرة لم يعد يدفن فيها الموتى الآن والتي أعيد الدفن فيها قبل سنوات حين تعذر الذهاب الى المقبرة الحالية نتيجة تردي الأوضاع الأمنية وربما ستحتاجون اليها مرة أخرى!!!، وماذا عن الأموات الموجودين فيها الآن!!، وربما ستقولون من أنه سيتم إزالتها أو نقل رفات من هم معذبة أرواحهم فيها نتيجة إهمالكم لها وأن رفاتهم سيتم نقلها الى مقابر أخرى ليست في جميع الأحوال بأفضل حالٍ من سابقتها بسبب رداءة بناء القبور وضحالة عمقها حتى يكاد يتعثر الزائرون بصناديق الموتى أو تغرس أقدامهم بهشاشة تربتها!!، وهذا ما هو حاصل الآن في المقبرة الواقعة على طريق بغداد ـ بعقوبة القديم!!، أو ربما ستدعون من أنكم غير مسؤولين عن صيانتها والإعتناء بها وقد تناسيتم واجبكم الديني والأخلاقي كرؤساء معنيين بكل صغيرة وكبيرة تخص مكوناتكم ورعاياكم، أو ربما ستبررون من أنه لا يوجد من المال الكثير لصرفه على المهجّرين الأحياء فكيف بكم لتوفيره للصرف على مقبرة الأموات!!!!، فكل هذه المبررات الحاضرة على طرف السنتكم قد ملّ منها أتباعكم ورعيتكم وهم يشاهدونكم تصرفون الأموال على سفراتكم ورحلاتكم ودعواتكم وأُبَهتكم بحملكم للصلبان الكبيرة الذهبية المطعمة بالياقوت والزمرد والفيروز!!، أطعموا أولاً مهجّريكم وإهتموا بقبور موتاكم ثمّ تمتعوا بعدها بما تحصلون عليه، وفروا أثمان صرفياتكم في رحلاتكم لصرفها على الأهم قبل صرفها على أبَهتكم ومعيشتكم وأفعلوا كما فعل معلمكم الأول الذي تدينون بالولاء والتبعية له، أوليس هذا جوهر ما نادى وضحى لأجله؟!!!.
أوليس للموت رمزية عُليا في سفر الإيمان المسيحي الذي تؤمنون وتبشرون به ونحن على أعتاب الإحتفال السنوي بعيد القيامة المجيد، الم تصلكم رسالة سيدكم المسيح بموته وقيامته!!!.
وسؤالي المهم: هل يقبل أياً منكم أن يُدفن جثمانه في مثل هذه المقابر الأقرب الى المزابل؟؟؟!!!.
وسؤالي الأهم: أين هم المسؤولين عن الوقف المسيحي؟؟!!.
وآخر قولي لكم إحترموا الأموات وقبورهم ليكون الطريق الى إحترام الأحياء وصروحهم!!، فتحضّر البشر وإنسانيتهم تُعرف من الإعتناء بمقابر موتاهم!!.
وسأترك القرّاء مع الصور التي ستتكلم وستدين بنفسها المسؤولين عن هذا التردي المُخجل بأكثر مما نطقتُ به.         


8
ما بين الإشتراكية "البائسة" والإشتراكية "الرغيدة"
بقلم: سالم إيليا
إنّ المفهوم الدارج لمعنى الإشتراكية وتاريخها ليس وليد المئة سنة الأخيرة من الزمن بل كانت معلومة منذ آلاف السنين وقد أوصى بها الأنبياء والرُسل والمصلحين الإجتماعيين من خلال أقوالهم وحِكَمهم، وحيثُ نبذوا كنز المال والإحجام عن مساعدة الفقراء من قبل الميسورين وروّجوا لمبدأ التكافل الإجتماعي والعدالة الإجتماعية.
لكن "الإشتراكية الثورية" التي أوجدها المنظّرين السياسيين مع نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تختلف بأهدافها ومفهومها عن ما روّجوا له دعاة الإصلاح المجتمعي منذ آلاف السنين فأصبحت كالكابوس أو كـ (البعبع) لأهم شريحة من شرائح المجتمع التي أطلقوا عليها بالطبقة البرجوازية والتي تنظوي تحت مسمياتها إدارات المصانع الإنتاجية وملاّك القطاع الخاص الذين يديرون إقتصاد البلد ويمتلكون رؤوس الأموال والأهم من كل ذلك يمتلكون العقل الإقتصادي والخبرة الميدانية عن كيفية تنمية رأس المال وتدويره إضافة الى خلقهم للفرص التشغيلية للأيدي العاملة وتركيزهم على الصناعات الإستراتيجية المهمة التي يحتاجها البلد وحيثُ تتوفر من خلالها فرص العمل للملايين من أبناء الشعب مما يساعد بشكلٍ كبيرٍ على رفع العِبْءُ الأعظم عن الدولة لإدارة الشركات المتخصصة والمصانع الإنتاجية وورش العمل في المجالات كافة، وحيثُ أثبتت التجارب الإشتراكية الفاشلة عجز أنظمتها الحكومية المتمثلة بطبقة البروليتاريا وجهلها وعدم مواكبتها وتطويرها لفن "الإدارة الصناعية" كما كان يفعل القطاع الخاص (طبقة البروليتاريا بمعناها المبسّط حسب المفهوم الماركسي: هي الشريحة الإجتماعية الفاقدة لأي إمتيازات والتي ولدت من رحم ممارسات الطبقة الإحتكارية التي إستغلت جهدها العضلي والفكري بأبشع الوسائل والتي أخذت على عاتقها إدارة الدول التي أطلق عليها بالإشتراكية)!!!..
وفن "الإدارة الصناعية" هو موهبة كأي موهبة أخرى قبل أن تُصقل بالدراسة الأكاديمية ولها نفس إستحقاقات وشروط المواهب الأخرى من حيث تعزيزها بالعلم والمعرفة والخبرة، فلا يجوز تعيين كل من هبّ ودب بمجرد أنه حزبي لإدارة هذا الفن ما لم يحمل في داخله علامات موهبته!!!، ولهذا قادت تجربة الدول الإشتراكية الى فشل ما أطلق عليه بـ "رأسمالية الدولة"!!!.
وربما يحاجج المحتجّون والمعترضون على الأنظمة ذات "الإقتصاد الحر" التي ينعتونها بـ "الأنظمة الرأسمالية" على إستغلال فئة قليلة نسبياً من فئات المجتمع التي في يدها رؤوس الأموال للشريحة الأعظم من شرائح المجتمع المتمثلة بشريحة العمال أو ما أطلق عليها البعض بالطبقة العاملة أو الكادحة أو "الشغيلة" ـ ـ الخ من التسميات، لكن أثبتت التجارب الناجحة نسبياً في دول الإقتصاد الحر على إمكانية لجم جشع أصحاب رؤوس الأموال بالقوانين الصارمة التي تحمي العامل الى حدٍ كبير وفي نفس الوقت تنصف رب العمل وتقر التوازن بين الواجبات والحقوق لكلا الطرفين، وما أوردته النظريات الإشتراكية وأدبيات أحزابها ربما كانت تُصلح قبل مئة عام وذلك لوجود مبررات تطبيقها نتيجة الإستغلال الجشع والبشع من قبل أرباب العمل للقوى العاملة دون وجود قوانين رادعة لهم، لكن الأمر إختلف بعد النصف الأول للقرن العشرين مروراً الى بدايات القرن الواحد والعشرين الذي نعيشه الآن.
ومن خلال خبرتي العملية والميدانية التي تجاوزت السبعة والثلاثين عاماً عملت خلالها في ثلاث دول مختلفة في أنظمتها السياسية ما بين جمهوري ثوري وملكي دستوري وليبرالي وكنتً على تماس مباشر بالطبقة العاملة فيها ومنها العشرين عاماً الأخيرة التي قضيتها في بلد من البلدان المصنفة بإقتصادها الحر وتدرجتُ في مختلف الدرجات الوظيفية فيه، وحيثُ تبين لي من أنّ العامل محفوظة حقوقه بنسبة عالية لم أكن أتوقعها وليس كما قرأنا وسمعنا عنها!!!!، لكن الفرق بين نظام "الإقتصاد الحر" عن النظام "الإشتراكي" هو مطالبة العامل بالإنتاج الفعلي المساوي لمقدار أجوره في النظام الأول (الإقتصاد الحر) ومراقبة الهدر الإنتاجي مراقبة جادة من خلال مراقبة أرباب العمل للهدر المتعمد لساعات العمل لأن مصانعهم ومؤسساتهم قد أنشأت على أساس ربحي وإستثماري بالدرجة الأولى!!!.
ولو تعمقنا في البحث عن أي من القوانين في النظامين (الإشتراكي أوالإقتصاد الحر) تنصف العامل أكثر فسنجد دون ريب من أنّ المفاجئة ستكون عكسية!!!، أي بمعنى سيكون الضمان للعامل في نظام الإقتصاد الحر في (زمننا الحالي) أشمل وأكثر رصانة من النظام الإشتراكي فيما لو تصرف العامل بطريقة سوية لضمان مستقبله (من يقرأ النظرية الإشتراكية التي طرحها منظّروها يفهم منها من أن المجتمع ككل وخاصة طبقته العاملة سيعيشون في مستوى معاشي مضمون وميسور، لكن الوقائع أثبتت العكس عند تطبيقها)!!!، وربما يسألني أحدهم، كيف؟؟؟!!!، فيكون جوابي له: من أنّ العامل في أنظمة الإقتصاد الحر على سبيل المثال يستطيع رفض أي عمل خطر على حياته إذا لم يتضمنه عقده مع رب العمل وحيثُ تحميه بذلك قوانين العمل النافذة فيما لو حاول رب العمل طرده، وعلى ربّ العمل تهيئة كافة المستلزمات والمعدات الخاصة بالحماية الشخصية للعامل في حال قيامه بأعمال خطرة للتقليل من إحتمالية الإصابة ونسبها وإلاّ سيخسر ربّ العمل ربما مصنعه أو متجرهُ ثمناً لتعويض العامل المتضرر أو ربما يتعرض الى عقوبة السجن أو الأثنين معاً!!، كذلك للعامل حرية قبول أو رفض الأجور المعروضة عليه في العمل فيما لو يعتقد بأن كفائته وطبيعة عمله تستحق أجوراً أعلى، أي هنالك مبدأ الإتفاق بين الطرفين قبل البدأ بالعمل، كذلك لا يوجد في مجتمعات الإقتصاد الحر أي صيغة للعمل المجاني أو ما أطلق عليه "التطوعي" الذي غالباً ما يفقد معناه التطوعي ليصبح "قسرياً" كما هو معمول به في الدول الإشتراكية والذي دأب البعض على تسميته بـ "العمل الشعبي" أو أسماء مرادفة أخرى (أقصد بالعمل التطوعي المجاني المطلوب القيام به في نفس الشركة أو المصنع أو أي مجال إنتاجي آخر وبساعات إضافية غير مدفوعة الثمن، ولا أقصد فيه ما هو معمول به في جميع البلدان من خلال الجمعيات الخيرية والفعاليات الجماهيرية الذي يكون إختيارياً بالفعل وليس قسرياً)، لا بل على العكس من ذلك في بلدان الإقتصاد الحر هنالك ساعات عمل محددة شهرياً للعامل ومازاد عنها تُعتبر ساعات إضافية تدفع للعامل حسب إتفاقه مع رب العمل وقد تحتسب كل ساعة عمل إضافية بساعة ونصف أو ساعتي عمل إعتيادية وحيثُ يطلق عليها بالوقت الإضافي (Over Time)!!، وهذه الفقرات غير موجودة أصلاً في الأنظمة الإشتراكية التي تَعتبر الإمتناع عن العمل الخطر في الحالة الأولى وعدم أحقية مناقشة الأجور في الحالة الثانية ورفض العمل لساعات إضافية مجانية في الحالة الثالثة جريمة قد تدخل في إطار معاداة النظام الإشتراكي!!!، وفي أغلب الأحيان يشترك كلا النظامين (الإشتراكي والإقتصاد الحر) بوجوب تمتع العامل بالتأمين الصحي والتأمين على الحوادث التي قد تحصل له أثناء العمل مع فارق حصول العامل على تعويضات مادية مجزية قد تصل الى ملايين الدولارات في نظام الإقتصاد الحر وحسب نوعية الإصابة مع تخصيص راتب تقاعدي مجزي له لبقية عمره إضافة الى تحمل الطرف المتسبب بالإصابة (أي ربّ العمل) لكافة مصاريف العلاج للطرف المتضرر!!!، في حين لا تتجاوز في النظام الإشتراكي أكثر من ضمان العيش للعامل حتى مماته بالمستوى البسيط المعتاد عليه أصلاً مع شموله بمجانية العلاج التي يتمتع بها المجتمع "الإشتراكي"!!!!.
فالتجربة الإشتراكية في كوبا مثلاً قد قاد فشلها خلال الست سنوات الأولى من عمر الثورة الى رفض بقية شعوب دول أمريكا اللاتينية لها جملةً وتفصيلاً ولأسباب عديدة أولها الدعاية المضادة والحصار الأمريكي المفروض على كوبا، وثانيها عدم تنفيذ قادة الثورة لمعظم وعودهم وحيثُ رأيتُ بنفسي بؤس الشعب الكوبي أثناء زيارتي لهذا البلد بعد ثلاثة وخمسين عاماً بالتمام والكمال على نجاح تلك الثورة!!، وهذا ما كان واضحاً أيضاً من خلال عدم تجاوب الشعب البوليفي وطبقته الكادحة حينها مع دعوة الثائر جيفارا ورفضهم من الإنضمام الى مجموعته الثائرة حين أعلن عصيانه في غابات بوليفيا بعد ست سنوات تقريباً من إنتصار الثورة الكوبية التي كان عمادها المزارعين، وحيثُ صُدِمَت شعوب أمريكا اللاتينية بنتائجها التي قادتهم الى رفض النظام الإشتراكي الثوري البائس بمجمله!!!، مما حدا بالطبقة الكادحة والمزارعين البوليفيين للعمل كجواسيس ومخبرين للحكومة بأكثريتهم الساحقة ضد العصيان المسلح الذي قاده جيفارا وكما جاء في مذكراته التي تكلّم عنها بمرارة الثائر الواهب حياته لإسعاد الفقراء وتحقيق العدالة الإجتماعية لهم لكنهم خذلوه!!!!!.     
وبالمقابل لنأخذ مثلاً آخراً قائماً لإحدى أهم الدول المنظوية تحت مظلّة الإقتصاد الحر والمجاورة لأكبر منظومة إشتراكية والمتمثلة بالإتحاد السوفيتي السابق والتي زرتها أيضاً في شهر آب/2014م، فالسويد سعت بنظامها الى تطبيق الإشتراكية الحقيقية بإعتراف اليساريين العراقيين بعد هجرتهم اليها وطلب اللجوء فيها بعد فترة ملاحقتهم نهاية السبعينات من القرن المنصرم في العراق!!، وحيثُ فضلوا في معظمهم العيش فيها على العيش في إشتراكية جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق التي إحتوتها "النظرية الشيوعية" وأفقدتها لجوهرها وسارت بها الى نظام "البطالة المقنعة" والهدر الكبير لموارد هذه الجمهوريات الغنية بمواردها التي خضعت للنظام الإشتراكي الفوضوي أو كما يسميه البعض بالثوري والذي لا يزال يدافع عنه بعض اليساريين بقولهم من أنّ "الخطأ ليس في النظرية ولكن بتطبيقها"!!، وقد أغفلوا حقيقة ماثلة أمام مثقفي العالم بسؤالهم: هل من المعقول إنّ النظرية كانت صحيحة وأخطأت عشرات الدول الشيوعية وبمختلف إجتهاداتها عند محاولة تطبيقها وأخفقت في نجاحها ولو بنسب معقولة وليس بالنسب المطلقة بدءاً بالجمهوريات السوفيتية والدول الشيوعية الملحقة بركبها الى يوغسلافيا الى المجر الى المانيا الشرقية السابقة الى الصين (لقد لاحظتُ خلال زيارتي للصين في شهر مايس/2016م تعافي إقتصادها نسبياً بعد تخليها عن جوهر الإشتراكية الثورية وتعاون بلدان الإقتصاد الحر معها في إستيراد منتجاتها بمئات المليارات من الدولارات سنوياً، لكن بقي نظامها السياسي يحمل شعارات الشيوعية لإدامة السيطرة على الشارع الصيني المتخم بالتراكمات التي قد تفجّر الوضع في أي لحظة)!!، وحيثُ كانت لكل مجموعة من تلك الدول الشيوعية التي ذكرتها رؤيا وفلسفة تختلف عن غيرها في كيفية فهم هذه النظرية وتطبيقاتها، وحتى البعض من الأحزاب "الإشتراكية" الشرق أوسطية التي تأثرت بمفهوم الإشتراكية الثورية فشلت في تطبيقها كمحاولة حزب البعث العربي الإشتراكي تطبيقها في العراق وسوريا وكذلك الحزب الشيوعي في اليمن الجنوبي وغيرها، فهل من المعقول أنّ كل هذه الدول والأحزاب فشلت بعباقرتها ومفكريها بالوصول الى الطريقة الصحيحة التي طرحاها كارل ماركس ـ فريدريك أنجلز في نظريتهما؟؟؟!!!.
ولو كانت فرضية حدوث هذا الخطأ واردة بالشكل المأساوي الذي أوصل تلك البلدان وشعوبها الى ما هم عليه الآن، فهذا بكل تأكيد يعطينا مؤشرين لا ثالث لهما!!، فأمّا النظرية خطأ من الأساس ـ ـ أو إستحالة تطبيقها على أرض الواقع كونها تسمو على ما فوق تفكير وقدرة البشر وسلوكهم ووعيهم وحيثُ يمكن نعتها بالنظرية "الأفلاطونية" وليس كما يحدثنا عنها فريدريك أنجلز في كتابه (الإشتراكية: الخيالية والعلمية)!!!.
قبل منتصف السبعينات من القرن المنصرم كان هنالك لغطاً كبيراً بين الحزبين الرئيسيين المتحالفين في الجبهة (الشكلية) في العراق وكان كلاً منهما يحاول بيان سلبيات الآخر من خلال فسحة الديمقراطية المفروضة منطقياً من خلال (العقد أو الإتفاق) المبرم بينهما عند قيام تلك الجبهة وعبر صحيفتيهما (الثورة وطريق الشعب)، ولا أعلم لحد الآن لماذا أطلقوا عليها إسم "الجبهة"؟؟!!، وضد مَنْ كانت؟؟!!، فهل كانت ضد تحديات ومؤامرات (الإمبريالية) العالمية أم ضد أعداء (الإشتراكية الثورية) من البرجوازية المحلّية أم ضدهم جميعاً؟؟!!، وحيثُ أنّ واقع الأيام التي تلتها أثبت عدم وجود أي جبهة حقيقية وإنما كانت جبهة على الورق فقط!!!.
ومن بين المحاججات بينهما دفاع الشيوعيين وتسويقهم لمنتجات الإتحاد السوفيتي ومعسكره الذي تضادده آراء البعض من المسؤولين الإداريين في حزب البعث من خلال تصريحاتهم!!، وقد كان جواب مدير الشركة العامة لإستيراد السيارات حينها مفاجئاً في البرنامج الإذاعي "البث المباشر" في معرض ردّه على الإتهامات بشأن الإختناقات المرورية الناتجة عن إغراق الطُرق بالسيارات الخصوصية بدون تخطيط وتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لتطوير وتوسيع الطُرق وإنشاء الخطوط السريعة!!، مؤكداً عدم مسؤوليته عنها ودافع عن سياسته بفتح المجال لإستيراد السيارات الخصوصية، وحسب ما برره حينها من أنه يعمل في شركته على هدف حصول كل مواطن عراقي على سيارته الخاصة وعلى بقية المؤسسات ذات العلاقة مواكبة هذا التطور ومنها مؤسسة الطرق والجسور والدوائر ذات العلاقة وبيّن مِن أنّ مشكلة الإختناقات المرورية ليست مشكلته!!، وحيثُ عزا نفس المسؤول تلك الإختناقات المرورية الى إصرار الدولة وقيادة الحزب على إستيراد السيارات من دول المعسكر الإشتراكي وخاصة الروسية منها على الرغم من عدم ملائمتها للأجواء الحارة في العراق مما يؤدي الى إرتفاع حرارة "الفيت بامب" ووقوفها في منتصف الشارع وتعطيل السير إضافة الى رداءة الطرق (كانت الحكومة العراقية وحسب إتفاقيات التبادل التجاري المعقودة مع الإتحاد السوفيتي السابق تقايض إستيراد بعض أنواع السيارات الروسية بثلاثمئة الى خمسمئة زوج أحذية من شركة "باتا" العراقية حسب ما أشيع حينها)!!!!، فرد عليه الشيوعيون في جريدتهم "طريق الشعب" ضمن سلسلة المناكفات السياسية التسقيطية المتبادلة بينهم لكسب المواطن العراقي بقولهم: "من أنّ سبب المشكلة يعود الى إغراق الشارع بالسيارات الخصوصية مع عدم تطوير وتوسيع الطرق، وبدلاً مِن إستيراد السيارات الخصوصية بمئات الآلاف على الحكومة توسيع وتطوير منظومة النقل العام (الجماعي) كون أنّ جوهر النظام الإشتراكي الذي يرفعه الحزب الحاكم من المفروض أن يسير في هذا الإتجاه"!!!!.
فرد عليهم مدير الشركة العامة لإستيراد السيارات حينها بتصريح في جريدة حزبه "الثورة" بقوله: "أنا أفهم من أنّ الإشتراكية لا تعني بالنسبة لي حرمان المواطن المقتدر من إمتلاكه لسيارته الخاصة وإنما السعي لتمكين المواطنين جميعهم الى إمتلاك سياراتهم الخاصة وعلى عدد البالغين منهم في البيت الواحد"!!!، طبعاً تصريحه هذا كان بكل تأكيد ضد مفهوم الإشتراكية الثورية التي تتبناها الأحزاب الشيوعية وحتى حزبه حزب البعث العربي الإشتراكي!!، لكن الحقيقة ما نطق به الرجل جدير بالوقوف عنده والتأمل بمعنى الإشتراكية "الرغِدة أو الرغيدة" وليس "البائسة" كما أسميتهما في عنوان مقالتي هذه.
فإذا توفرت للإشتراكية "الرغيدة أو الميسورة" العوامل الموضوعية وخاصة غنى البلد بمصادره وثرواته القومية وصناعته فلِما لا يتمتع الشعب بها وتقل الفوارق الطبقية بين الجميع عن طريق السعي الى توفير الحياة الرغيدة للجميع وليس مساواتهم بالحياة البائسة!!!!!، أي بمعنى آخراً مساواتهم بمعدل الغنى أو اليُسر المقبول وليس بالفقر المفروض والشامل للكُل!!!!، فهل من الضروري أن يتم تطبيق النظام الإشتراكي من خلال تدمير الطبقة الغنية وسلبها لأموالها ومصادرة ممتلكاتها لصالح الدولة بإسم المساواة بين أبناء الشعب؟؟؟!!!، وإذا كانت الدولة بإمكانياتها المادية قادرة على دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة من خلال تطوير وزيادة مواردها المالية لتقليل الفوارق الطبقية لكان الأفضل في الوصول أو الصعود الى الإشتراكية "الرغيدة" وليس النزول الى الإشتراكية "البائسة"!!!، فالمفصل في هذا الأمر يعود الى عنصرين أساسيين، أولهما: على الدولة توفير فرص العمل لجميع شرائح المجتمع وتوفير مستلزمات التطوير الذاتي للمواطن من خلال فتح آفاق التعليم الأكاديمي والتدريب المهني وتطوير كافة نواحي المردودات المالية للمواطن في جميع المجالات الزراعية والصناعية والعلمية وإقرار القوانين الصارمة لحماية العامل ورب العمل وتنظيم العلاقة بينهما، وثانيهما: شخصي وهو مسؤولية المواطن ذاته في السعي لتطوير ذاته بالتحصيل العلمي أو توسيع دائرة مهارته ومقدرته لضمان مستقبله ورفع مستواه المعاشي، فليس من الإنصاف أن يتساوى في النظام الإشتراكي (البائس) مواطن "عالم" حاصل على الشهادات الأكاديمية العليا وسهر الليالي لبلوغ ما بلغ اليه من علم ومعرفة مع "جاهل" كسول تعمد على عدم تطوير نفسه فنراهما يعيشان بمستوى مادي متقارب ويتجاوران في الحي السكني المملوك للدولة ويدفعان الإيجار الشهري لوحدتي السكن المتماثلة في كل شئ ويتنقلان بوسائط النقل العام، وربما على "العالم" إهدار وقته الثمين بالبحث عن بعض الحاجيات الحياتية الشحيحة في النظام الإشتراكي "البائس" وحيثُ أنّ الوقت لا يعني أي شئ بالنسبة للإنسان "الجاهل" والكسول الذي لا يهمه الوقوف لساعات في الطوابير للحصول على "التموين الإشتراكي" المدعوم من الدولة وعندها سيتساوى "الذين يعلمون والذين لا يعلمون"!!!، وبإعتقادي هذه هي إحدى أهم الأسباب لفشل الإشتراكية "البائسة"!!.
وحيثُ أنّ "النظام الإشتراكي" يعني حسب المفهوم السياسي للقوى اليسارية "دكتاتورية البروليتاريا" التي تقوم على أساس تحجيم لا بل الغاء شريحة القطاع الخاص، وتأميم الممتلكات الخاصة من مصانع وأراضٍ زراعية وممتلكات أخرى للطبقة التي أطلقوا عليها بالبرجوازية وتحويل معاملها الى الإدارات العمالية المتصلة بالدولة الحزبية!!!، بمعنى آخر عدم السماح أو التضييق بأقصى ما يمكن على إمتلاك العقارات الخاصة ووسائل النقل الخاص وكل ما يتصل بالخصخصة أو القطاع الخاص وإخضاعها للملكية العامة بدلاً مِن الملكية الخاصة ومحاولة سيطرة الدولة عليها وإدارتها بشكلٍ كاملٍ والغرق في مشاكلها (طبعاً هذه الفقرة هي إحدى أهم جوهر الإختلاف بين الأنظمة الشيوعية ولا أقول الإشتراكية وبين الأنظمة الرأسمالية أو أنظمة الإقتصاد الحر)!!!.
ولكي نكون منصفين علينا التنويه الى أنّ معظم الدول التي ننعتها بالرأسمالية تطبق فعلاً فقرات مهمة مِن "الإشتراكية" وذلك من خلال قوانينها المجتمعية كالتأمين الصحي ونظام الرعاية الإجتماعية وتوفير المساكن أو الوحدات السكنية الحكومية المؤجرة بأسعار رمزية لذوي الدخل المحدود والمدعومة من فرض الضرائب التصاعدية حسب الدخل المالي السنوي على المواطنين، أي الأخذ من الغني لإعطاء الفقير!!، وتوفير العمارات السكنية لكبار السن بكل مستلزماتها وتخصيص رواتب تقاعدية لكل فرد في المجتمع وصل الى العمر المحدد للتقاعد، والتسهيلات المصرفية للمسنين مع التسهيلات والتخفيضات في الأسعار حتى في وسائط النقل العام والأهم من كل ذلك الرعاية البيتية للمسنين وخاصة العاجزين وعلى حساب الدولة أو بالأحرى يتم تغطيتها من الضرائب المستحصلة من ذوي الدخول العالية أو ما يطلق عليه اليساريين "بالطبقة الغنية أو البرجوازية"، إضافة الى وجود أماكن أو مطاعم الـ (Food Bank) التي تقدم الوجبات اليومية المجانية خاصة للمتسولين أو ما يطلق عليهم بالهوم لِيسْ (Homeless)، اليست هذه هي الإشتراكية التي تتبناها الدول التي أطلقت على نفسها بالمعسكر الإشتراكي؟؟؟!!!، فلماذا يحاربون ويحقدون على "النظام الرأسمالي"؟؟!!، وكلنا نقرأ ونسمع ونعلم عن الكثيرين ممن خرجوا من العراق ودول أخرى من اليساريين وغيرهم قد أخفوا على حكومات الدول "الرأسمالية" التي لجاؤا اليها أموالهم وممتلكاتهم ورواتبهم التقاعدية التي يتقاضونها من بلدانهم الأصلية وبدءوا بمزاحمة ذوي الدخل المحدود في تلك البلدان على مكتسباتهم التي أقرتها أنظمتهم "الرأسمالية"، وبدءوا أيضاً بإستحصال رواتب تقاعدية كاملة من بلدان اللجوء "الرأسمالية" مستغلين قوانينها الإشتراكية أبشع الإستغلال!!!، ألا يعلمون من إنهم بعملهم هذا يدمرون الجزء "الإشتراكي" المهم في النظام الذي أطلقوا عليه بـ "الرأسمالي"؟؟؟!!!.
ولنقارن بالنتائج الملموسة طبيعة النظامين السياسيين الرأسمالي والإشتراكي من خلال شخصية قادتهما، فالأول (أي الرأسمالي أو الإقتصاد الحر) يمتاز قادته بالديمقراطية الحقيقية والبساطة فنراهم يذهبون الى مقرّات عملهم بسياراتهم الخاصة أو دراجاتهم الهوائية دون حمايات وسيارات شرطة تقطع حركة المرور لساعات بإنتظار مرورهم!!!، وبإحترام لحظة مغادرتهم للسلطة ولكرسي المنصب الحكومي حال إنتهاء دورة إنتخابهم من قبل الشعب بإنتخابات غالباً ما تكون شفافة ونزيهة ويتركوا مواقعهم الرسمية بملابسهم فقط مثلما دخلوها!!!!، أما رؤساء الدول التي تقودها الأحزاب الأيديولوجية الثورية التي تُدعى بالإشتراكية، فحال إستلامهم لمناصبهم يظهر عليهم الغنى الفاحش، ويحصّنوا أنفسهم بالحمايات التي لها أول وليس لها آخر، ويبتعدوا ببيروقراطيتهم وإستبدادهم عن شارعهم الكادح الذي جاءوا منه ولأجله ويتشبثوا بالسلطة حتى مماتهم!!، ولقد حاولتُ في هذا الطرح وللإنصاف فقط أن أجد حالة شاذة عن القاعدة التي ذكرتها لطبيعة النظامين لكي أستشهد بها وللتدليل على أن هنالك حالات عكسية تنفي ما ذهبت اليه من خلال طرحي لأدعم فيها الأنظمة الإشتراكية فلم أجد!!!، وهذا الأمر يعني بكل تأكيد من أن نظريتي النظامين الرأسمالي والإشتراكي هي التي حددت سلوك القادة أثناء توليهم للسلطة!!!.
وأرجو أن لا يَفهم البعض مِن كلامي على أنه ترويج للنظام "الرأسمالي" على حساب النظام "الإشتراكي الثوري" بقدر ما أسعى فيه الى المقارنة المنطقية وبنتائجها الواضحة: مَنْ مِن النظامين طبّق "الإشتراكية" بشكلها وصيغتها الصحيحة عملياً وعلى أرض الواقع وبقي مستمر ولحد كتابة هذه السطور في المحافظة على ديمومتها على الرغم من أعباء قبول ملايين اللاجئين في دولهم وشملوهم بنظامهم المجتمعي المبني على أساس التكافل الإجتماعي!!، فبكل تأكيد سيكون الجواب هو أنظمة أو دول الإقتصاد الحر!!.
وكما هو واضح من طرحي مِن أنني لست ضد مبدأ التكافل الإجتماعي والعدالة الإجتماعية المتمثلة بتطبيق "الإشتراكية الرغيدة" وليست "الإشتراكية الثورية البائسة" والفوضوية!!، وأرجو أن لا يخرج لي أحدهم للدفاع عن الأنظمة "الثورية" ليقول لي بأن مؤامرات الدول الرأسمالية هي التي أجهضت التجارب الإشتراكية (الفريدة) في الدول ذات الحكم "الثوري"، فيكون جوابي له: لماذا لم يحصل العكس؟!، أي لماذا لم تُجْهِض الأنظمة الإشتراكية الثورية أعدائها الرأسماليون وأنظمتهم بمؤامراتها فهي لم تكن قاصرة (شر) وتخطيط بمخابراتها التي يُضرب المثل فيها بتنظيمها وقوتها، وحيثُ لم تترك وسيلة إلاّ وإستخدمتها في تحريضها للعناصر اليسارية تحت مسميات حركات التحرر الى المنظمات المتطرفة مثل "بادر ماينهوف" في المانيا و"الألوية الحمراء" في إيطاليا و"النجم الأحمر" في اليابان وغيرها، ولماذا إستطاع المعسكر "الرأسمالي" بمخابراته التأثير على شعوب المعسكر "الإشتراكي" فثارت ضد أنظمتها؟؟!!، ولماذا لم يحصل العكس؟؟؟، اليس لأن الشعوب في بلدان المعسكر الإشتراكي أضنتها الحاجة وهي ترى رفاهية شعوب البلدان "الرأسمالية"!!!، وليعطيني من يخالفني الرأي تجربة "ثورية" واحدة نجحت ولا تزال مستمرة وراضية عليها شعوبها وليس لديها نظام حُكم مستبد لا يسمح حتى بالتعبير السلمي عن الرأي، وجميعنا نعلم من أنّ الأنظمة التي كانت تنعت نفسها بالإشتراكية أسقطتها شعوبها بدءاً بتفكك الإتحاد السوفيتي السابق الى سقوط جدار برلين وإنتهاء النظام في المانيا الشرقية الى رومانيا ويوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا وبلغاريا وغيرها.


9
غصاصة (رصاصة) الشيخ متّي وطردها للحسد في الشعر الشعبي الموصلّي للأديب يقين الأسود
بقلم: سالم إيليا
من خلال بحثي وإطلاعي على عدد لا يستهان به من التجارب الإنسانية وجدتُ من أنّ هنالك الكثير من المعتقدات والظواهر التي يجب الوقوف عندها ودراستها دراسة علمية شاملة للخروج بنتائج مقنعة  لجميع الأطراف ومنها معتقدات ما تسمى "بالحسد" والتي ربما قد تصل إلى مستوى الظاهرة المجتمعية في معظم بلدان العالم بغض النظر عن المعتقدات الروحانية ومستوى التحضّر أو الثقافة فيها!!، وحيثُ تتباين القناعات الشخصية حيالها، فلحد الآن يستخدم المواطنون في البلدان "المتحضّرة" في إفتتاحيات كلامهم عندما يرغبون بإبداء رأيهم أو إعجابهم بشيء ما أو شكلٍ ما جملة "Knock on wood" التي تستخدمها بلداننا الشرق أوسطية والأسيوية أيضاً ومعناها "دق على الخشب" التي تعني حرص المتكلم أو المتكلمة على إبعاد "عين الحسد" عن المُعجب بهم!!!، وليس موضوعنا الآن من أين جاءت هذه الجملة وأي الخشب هو المقصود؟؟!!، وحيثُ أنّ هنالك الكثير من الأدوات أو المواد التي يستخدمها الناس لإبعاد الحسد ومنها "أم سبع عيون" وأنواع خاصة من الخرز وغيرها كتعويذات.
ولقد أيدت الروحانيات المتمثلة بالأديان في معظمها ظاهرة الحسد وما يترتب عليها وكيفية الحصانة منها بترتيل أو تلاوة بعض الصلوات التي تَمنح الطمأنينة لأصحابها في إبعاد وطرد العيون الحاسدة عنهم.
لكن البعض من الناس يغالون في الإجراءات (الوقائية) أو الطُرق التي يتبعونها لطرد العيون الحاسدة أو إبطال مفعولها!!، وهذا ما حدا بالأديب والشاعر الشعبي الموصلّي الأستاذ يقين إيليا الأسود رحمه الله إلى تأليف شعر شعبي باللهجة الموصلّية سنة (1973م) في بغداد يسخر فيه من المغالاة بتلك الطُرق يدفعه إلى ذلك مستوى تعليمه وثقافته كمعلّم ومربي للأجيال، وقد تطرق في شعره إلى معتقد البعض من النساء الكبيرات في السن في المجتمع الموصلّي المسيحي حينها على إستخدام قطعة من معدن الرصاص "غصاصة" التي تم مباركتها بالصلاة عليها في دير الشيخ متّي (مزار الشفيع مار متّي) وهو أحد الرجال الصالحين المسيحيين.
وتبدأ طقوس (طرد) الحسد بصهر الرصاصة على النار في حاوية معدنية "چمچه" وصبّها في طاسة ماء موضوعة في "غربال" فيه بصلة وقطعة خبر فوقها رشة من الملح و(فردة نعال) قديمة تحملها فتاة "مطهّرة" فوق رأس "المحسود" مع قراءة بعض التعويذات والصلوات!!!، وبعد الإنتهاء من تلك المراسيم يرمى الماء وتوابعه من الملح والبصل وغير ذلك من المواد المرافقة لهذه التقاليد في مفرق لثلاث شوارع (دربونات)!!!!، وتعتبر تلك التقاليد من الموروث الشعبي الموصلّي.
وكما عودّت قارئاتي وقرّائي الكرام من غير الموصلّيين على تفسير بعض الكلمات الصعبة باللهجة الموصلّية الواردة في الشعر وسأضع مرادفاتها بين قوسين وباللهجة البغدادية أو العربية الفصحى وبشكل متداخل مع أبيات الشعر الأصلية، لكنها إضافات لم ترد في النص الأصلي للشعر أساساً، لذا وجب التنويه.
فقد (إشتكى وعاتب) الشاعر الأستاذ يقين الأسود في شعره قائلاً:
                         "غصاصة الشيخ متّي"
أنا الليلي (الليلة) ما مليح ـ ـ ـ مِن وجعي قمتُ أصيح ـ ـ ـ معغفْ (ما أعرف) فساد معدي لو لا ريحْ
                         مغص بطني موتني
يا ستار يا أمي ـ ـ ـ ـ جسمي هدّتو الحمّي ـ ـ ـ ـ ـ تعذبتُ ونشفْ دَمّي
                      طول وعغض (عرض) مددني
أرجوكم دَبرولي علاج ـ ـ آخذ بيبون أو كلاّج (آخذ بابونك أو كبسول) ـ ـ قوموا إعملولي مَساجْ
                             وَجَعْ ظَهْغي (ظهري) عَذبني
يا ستار أشْ صَاغ (صار) بيك؟! ـ ـ ـ نطلب من الله يخلّيك ـ ـ ـ عيون الحسّاد معذبيك
                                 عَقلم (عقلهم) هذا جننّي
ركضولك خمسي ستّي ـ ـ ـ جابوا غصاصة "شيخ متي" ـ ـ ـ غادوا يعلّولك بختي
                              خافوا لا العين تنكبني
خلّوها ببطن "الچمچه" ـ ـ ـ وحموها علْ الناغ پرچه (على النار شوية) ـ ـ ـ وصبّوها بهوسة وهرجة
                               وجَهْلم هذا كفغني (كفرّني)
خلوّ الغوبيل (الغربال) فوقْ غاسي ـ ـ ـ وصَبّوا الغصاصة بغاسي (برأسي) ـ ـ ـ يغيدون قطع النجاسي
                                             من حسد المعذبني
قامت بيشنگك العايلة (رئيسة العائلة) ـ ـ ـ تخطّي بصورة متمايلة ـ ـ ـ وتدفع عنّي الغايلة
                                            فند النسوان ركصّني
تلفّظت بَعض الجُملْ ـ ـ ـ وقامت تحكي بالعَجَلْ (بسرعة) ـ ـ ـ وأنا قتلني الخَجَلْ
                             غشمة والله حيّغني
تنفقسْ عين الحسود ـ ـ ـ إبجاه خالقنا المعبود ـ ـ ـ وحق حكمة إبن داوُدْ
                            قصدا هي تخلصني
عين التصيب تنفقس ـ ـ ـ إن كان من جان أو إنس ـ ـ ـ ومن المنافقين تنحرسْ
                            بدعاها (بدعائها) تغيد تحفظني
صاحت علْ قيعْدين بحيلْ ـ ـ ـ من النسوان والغجيل (الرجال) ـ ـ ـ حِسْ صياحا بذاك الليلْ
                                  خفتُ منّو وجفلّني
قوموا إغشعوا (شوفوا) أشْ كِنْصاغْ ـ ـ ـ إلصابونو عيونْ كِباغ (كبيرة) ـ ـ ـ هذا كلّو فعل الناغْ (النار)
                                    ومن نص الشَغْ (الشَرْ) أنقذتني
قالتْ لإبنا (لإبنها) قوم إسرعْ ـ ـ ـ جيب غاس بصل منبّعْ ـ ـ ـ باشر دغشَعْ قوم جمّعْ
                                      حيّغْ (حائر) بأمري خلّصني
قالتْ لا تخافْ خلصّتوك ـ ـ ـ ومن الحسّاد نجيتوك ـ ـ ـ ومن كل شرير حَصنتوكْ
                                 وغادتلا بخبيش (بغشيش) منّي
حَضِغلَكْ ملح ونعال ـ ـ ـ ومكنسي وخبز بالحال ـ ـ ـ خذم وإطلع يا غجالْ (رجل)
                            عملت للقصة طنّي
زتْ (إرمي) كل وحدي بزوَيّي (بزِويّة) ـ ـ ـ إتحرك وإعملّك نيّي ـ ـ ـ أش بيك قد تصفن بيّي
                                                  كنكْ قد تغيد (تريد) تاكلني
بالله أسأل الحاضغين (الحاضرين) ـ ـ ـ بعد تحليفم يمين ـ ـ ـ إحنا بأي عصغ (عصر) عيشين
                                            ونصدّق أكو جنّي
جوزوا من هّلْ الخرافاتْ ـ ـ ـ وإتركوا هَلْ السخافاتْ ـ ـ ـ وإتحلّوا بأحسن عاداتْ
                                  حتى أعيش متهني
                                      (إنتهى)
رحم الله أديبنا وشاعرنا الشعبي والمنلوجست المعلّم التربوي يقين إيليا الأسود الذي ترك للأجيال تراثاً أدبياً زاخراً مُوَثِقاً من خلاله عادات وتقاليد كان يزخر بها المجتمع الموصلّي، وأرجو أن أكون قد وفقتُ في عرض جزء من ذلك التراث، ولجميع المعتقدات تقديري وإحترامي.
سالم إيليا


     

10
ما بين شوق مهند محسن للطيران لرؤية بغداد وبكاء ميرنا حنّا على "الوطن المجروح"!!
بقلم: سالم إيليا
الأغاني: خاصة تلك التي تتغنى بالوطن هي سلوى المهاجرين المتيّمين ببلدانهم التي تركوها قسراً بأجسادهم لكن أرواحهم ما تزال عالقة هنالك!!، ولهذا يشعرون بمردديها من المطربين والمطربات يئنّون نوى وحزناً حين تصدح حناجرهم بها في حفلاتهم وتسجيلاتهم!!، وحيثُ تتمايل على وقعها أجساد وأرواح الحاضرين والمستمعين لها ليس طرباً وإنّما الماً وشوقاً!!، وكم من مرّة تتلئلأ المآقي هياماً وحسرةً وشجوناً على ما وصل اليه هذا الوطن المُبتلى بعقوق وخيانة أبناءه السياسيين له!!!.
فبين الآونة والأخرى يضنيني الشوق في غربتي لبغداد والعراق فأصبّر النفس بسماع الأغاني العراقية التي تثير شجوني وشوقي أكثر، لكنها في ذات الوقت تعمل عمل المخدّر لأحاسيسي وهيامي وتسكّن الأوجاع التي تنتابني وأنا لا أرى بصيص أمل للضوء داخل النفق المظلم الذي نعيش فيه.
وربما يشاركونني الرأي معظم المهاجرين لا بل العراقيين بصورة عامة من أنّ أغنية المُطرب والملحن الملتزم مهند محسن "محتاج أطير ويّه الهوى وأوصل على بلادي ـ ـ ويّا آذان الفجر يا محلا بغدادي" تأتي في مقدمة تلك الأغاني التي تشد المهاجرين كلماتاً ولحناً وأداءً لما فيها من سردٍ وأحاسيسٍ تعيدنا الى تلك الذكريات التي لا تأبى أن تفارق عشّاق الوطن وإنتماءه!!.
الرابط أدناه للإغنية بصوت مبدعها الفنان مهند محسن:
https://www.youtube.com/watch?v=4hSoPH5XEIc
وخلال إحدى تجلّيات الحالة التي ذكرتها أعلاه لسماع هذه الأغنية على "اليوتوب" بصوت مبدعها الفنان مهند محسن جلب إنتباهي تسجيل آخر بصوت الطفلة (المهجّرة قسراً) ميرنا حنّا ذات الإثني عشر ربيعاً نجمة "ذا فويس كيدز" في موسمه الأول، وحيثُ تفاعلت مع الأغنية بأحاسيس وقف جميع الحضور بما فيهم المحكمين النجوم (كاظم الساهر، نانسي جرم وتامر حسني) إحتراماً وإعجاباً بأدائها الذي إختلطت فيه مشاعر طفلة تركت وراءها بلدها وهي مرعوبة من التهديدات بإختطافها وبين حبّها للعراق حين ذكرت إنتمائها له بكل فخرٍ وزهوٍ عندما سألها النجم تامر حسني في الحلقة الأولى: "من أي بلدٍ أنتِ"؟!، فأجابته بعد أن رفعت رأسها متفاخرة وبنبرة ثقة وعفوية وتحدي أسعدت النجم كاظم الساهر وكل العراقيين قائلة: "أنا من العراق"!!!.
الرابط أدناه لموال أغنية مهند محسن بصوت الطفلة الموهوبة "ميرنا حنّا" الذي أعقبته بأغنية الفنان الراحل ناظم الغزالي "أحبك وأحب كلمن يحبك":
https://www.youtube.com/watch?v=J5KLm7IQmTc
لكن الذي أفرحني وأحزنني في آنٍ واحدٍ تسجيل هذه الطفلة العراقية لأول أغنية لها والدموع لن تفارق مقلتيها أثناء تأديتها وتصويرها للإغنية التي أطلق عليها مؤلفها الشاعر أحمد هندي أسم "الوطن المجروح"، وتحكي الأغنية قصة شعبها بكل أطيافهم ومعاناتهم في الداخل والخارج وحيثُ لم يسلم منهم أي فرد من الأذى والتشريد!!، لا بل تحكي معاناة كل مواطني الدول العربية، وقد حصدت مشاهداتها على "اليوتوب" ما يقارب المليونين والنصف مشاهدة لما فيها من تعابير وأحاسيس ورسائل إنسانية جسدت الآلام التي يعيشها شعبنا المقهور بإرادات شريرة وأجندات يشترك فيها من أطلقوا على أنفسهم بالسياسيين العراقيين!!، ومما يدلل على رصانة هذا العمل الفني العراقي وهدفه هو إشتراك خيرة نجوم العراق بدعمه وكما ورد في العرض المكتوب في ثوانيه الأخيرة ومنهم قيصر الأغنية العربية الفنان كاظم الساهر والفنانين ماجد المهندس وحاتم العراقي ورافد قرياقوس ونوزاد يوخنّا ويوسف بردقجي.
الرابط أدناه للطفلة ميرنا حنّا وهي تنزفُ الماً على "الوطن المجروح"!!!:
https://www.youtube.com/watch?v=hntvnfpBFII
أفلا تهز مناشدات الأطفال هذه ضمائر الساسة وتجّار الحروب؟؟!!، ألا يكفيهم الدمار الذي الحقوه بالبلد ومواطنيه؟؟!!، وهل أصبح الوجع العراقي مولود مع أبناءه وبناته وصفة وراثية تنتقل مع جيناتهم عبر أجيالهم؟؟!!.
وقد كُنتُ على وشك لإرسال هذه المقالة التي تحتوي على رسالة بينية للمسؤولين السياسيين ومن يقرأها من أبناء الشعب العراقي قبل أن أشاهد مقطعاً لفيديو تناقلته المواقع الألكترونية صدمني وأزالَ عن عيوني غشاوة الصورة الحقيقة لِمن يَحكم العراق الآن وأدركتُ لماذا لا ينصتوا لنداءات الإعلاميين والفنانين حصراً الذين ما برحوا من خلال أغانيهم وأعمالهم الفنية على مناشدة من هم بموقع المسؤولية  لرؤية ما وصل اليه حال البلد من المآسي!!، ومقطع الفيديو هذا برابطه أدناه هو للإعلامي المعروف أنور الحمداني وبرنامجه "ستوديو التاسعة" الذي يسخر فيه من جهل السياسيين الحاليين في معرفتهم لمطربي بلدهم الذين ذاع صيتهم عالمياً أكثر من هؤلاء السياسيين (الذين يدّعون التديّن)) أنفسهم وهم يقودون بلد الحضارات الذي صنع أبناءه القدامى "القيثارة السومرية" كأول آلة موسيقية نغمية عبر التاريخ!!!، كذلك إدعائهم (المشكوك) فيه من عدم سماعهم للأغاني لأنها (حرام)!!!، وعجبي على هذه الإدعاءات التي أشك الآن هل هنالك من يصدقها من أبناء الشعب العراقي أم تغشّهم كسابقاتها من الإدعاءات؟؟!!.
وهل وضع السياسيون في مسامعهم وعلى عيونهم ممن يحللون ويحرّمون حسبما شاءوا المرشحات (الفلاتر) لترشيح ما تصل الى حواسهم من أعمال موسيقية وفنيّة لأنها في نظرهم حرام!!!، والمفارقة المضحكة مِن أنّ جلّهم كانوا لاجئين في البلدان الغربية التي لا مجال فيها للحيلولة دون مشاهدة وسماع الفن بكل أشكاله حد النُخاع!!!!، إضافة الى معايشتهم للمجتمع العراقي ذاته قبل خروجهم منه هاربين وبعد عودتهم اليه مجندين من المحتل والذي لا يكاد يخلوا فيه شارع عام من محل للتسجيلات التي تصدح فيه الأغاني بكل أنواعها!!، وحيثُ أنّ (الحلال) عندهم الذي سمحوا لمرشحات حواسهم بمروره من خلالها هو السرقة والفساد بكل أنواعه والقتل العشوائي وزواج القاصرات أو غيره من الموبقات!!.
وإنهي إستغرابي بالمثل القائل: "إذا طابت النفوس غنّت"، وهم البعيدين كل البُعد عن النفوس الطيبة التي تصدح بالأغاني وتتمتع بجمال ما وهبه الخالق من المواهب للبشر!!، وعجبي على عدم طيبة نفوس هؤلاء السياسيين لا بل حقدهم وعدم مبالاتهم على المآسي التي المّت بشعبهم!!!، لكن بعدما شاهدتُ مقطع الفيديو هذا تقينت السبب وزال عجبي عملاً بالمثل القائل: "إذا عُرف السبب ـ ـ بَطُلَ العجب"، فلهذا السبب إختارهم المحتل لقيادة البلد أو بالأحرى لتدمير البلد!!، فكم هم أذكياء وخبثاء مَنْ خططوا للنيل منك يا وطني!!!.
الرابط أدناه للإعلامي أنور الحمداني:
https://www.youtube.com/watch?v=8CnLdiC2rxA&feature=youtu.be     
فمن أجل إيقاف كل هذه المآسي والخزعبلات والتخلف الفكري نحن بحاجة الى إنتخابات نزيهة لتغيير مجتمع التكتلات والأحزاب الدينية الطائفية وتحويله الى مجتمع مدني يقوده المخلصون من أبناء هذا الشعب.   
         

11
في الإنتخابات العراقية القادمة: هل سيكون التنافس على أصوات الناخبين أم على مهارة "الهاكرز" الدوليين؟!
بقلم: سالم إيليا
ما لفت إنتباهي حقاً من خلال متابعة الندوات أنّ معظم السياسيين العراقيين بأغلب أحزابهم المتضاددة علنياً مع بعضها البعض والمتفقة سرّياً مع بعضها البعض ضد عدوها المشترك الشعب العراقي إنها مؤيدة وبقوة الفرز الألكتروني للأصوات الذي صَرفت عليه الدولة من ميزانية العام الماضي (2017م) مبلغاً مهماً يزيد على (120) مليون دولاراً أمريكياً في أكثر السنوات عجافاً وتقشفاً مالياً بعد سنة التغيير في 2003م!!: فما السبب؟؟!!، فهل صحيح لِما يصرّح به المسؤولون عن أنّ السبب الرئيسي لدعمهم للفرز الألكتروني هو رغبتهم لفرز الأصوات خلال ساعات قليلة وضمان شفافيتها وعدم التلاعب بنتائجها أم العكس؟؟!!، وما هي قيمة الزمن وسرعته في فرز الأصوات في بلد لا تُسابق حكومته وبرلمانها هذا الزمن لتغيير حال الشعب الأسوأ بين بلدان العالم قاطبة؟؟!!، وحيثُ لم تفعل معظم الحكومات المتعاقبة أي تغيير إيجابي خلال فترات حكمها منذ سنة (2005م) ولحد الآن!!، فظهرت المفارقة بإهتمامها المفاجيء بالفارق الزمني البسيط نسبياً ما بين فرز الأصوات يدوياً أو الكترونياً!!، وما الضير لو تأخر الفرز اليدوي لأسبوعين على أبعد تقدير مقابل توفير عشرات الملايين من الدولارات التي صرفت لإستيراد الأجهزة الألكترونية والشعب الآن بأمس الحاجة لها؟؟!!، وحيثُ وُضِعت على عقد شرائها الف علامة إستفهام بدءاً بالشركة الكورية المجهزة وموقعها الألكتروني المريب والمُبهم ومكان توقيع العقد في تركيا الذي قد يعفي الشركة الكورية من الملاحقة القانونية في بلدها فيما إذا تبين عدم قانونيتها أو وجود رائحة فساد في الصفقة وغير ذلك من الأمور؟؟!!، وماذا سيفعل هذا الفارق الزمني البسيط في مدة الفرز للبلد وللعراقيين؟؟!!: وهل سينقلهم من حالهم السيء الى حال مواطني الدول المتطورة مثلاً؟؟!!، وما قيمة هذا التأخير أمام تأخير تصويت مجلس (النوائب) على ميزانية الشعب للسنة الحالية ونحن في نهاية الشهر الثاني منها؟؟!!، فهل التأخر إسبوعين بفرز الأصوات يدوياً مع توفير أكثر من مئة مليون دولاراً أمريكياً من العملة الصعبة لميزانية الدولة يقلق السياسيين أكثر من التأخر شهرين أو ثلاثة لإقرار الميزانية السنوية التي تعتمد عليها رواتب الموظفين وتنفيذ المشاريع الإستراتيجية المهمة التي لها علاقة بالمواطنين؟؟!!. 
وما جلب إنتباه المتابعين للشأن العراقي تهافت السياسيين من الحيتان الكبيرة على الفرز الألكتروني!!، وحيثُ لكل حوت منهم دولته العظمى الحليفة معه والتي تدعمه بمختلف الوسائل المتاحة لديها مع تسرب الأخبار والقلق من البعض القليل منهم وإعلانهم عن تخوفهم من التلاعب (الكترونياً) بنتائج الإنتخابات التي (ستطير) فيها أصوات الناخبين من مراكزهم الإنتخابية في عموم العراق لحظيّاً الى الأقمار الصناعية التي ستعيد إرسالها بدورها الى المركز الرئيسي للإنتخابات في بغداد، وفي هذا (الطيران) بيت القصيد في التخوف من إحتمالية دخول "الهاكرز" الدولي الموجه من هذه الدولة أو تلك ممن يهمهم الشأن العراقي فيقلب النتائج لصالح عملائه عفواً أصدقائه وليذهب العراق وشعبه الى أتون المحرقة التي لا تزال تغذيها تلك الدول منذ سنة 2003م ولحد الآن، ولقد عبّر رئيس الوزراء الحالي الدكتور حيدر العبادي في مؤتمره الصحفي الأسبوعي الأخير ليوم العشرين من شباط الجاري عن نفس المخاوف ووعد بمراقبة الفرز وحذّر من التلاعب بنتائجها (الكترونياً) مع مطالبته حسب زعمه مفوضية الإنتخابات المستقلّة بالإحتفاظ بإستمارات الناخبين الورقية للعودة اليها في حال حدوث مثل هذا التلاعب (الحقيقة أعضاء هذه المفوضيّة ليسوا بالمستقلين، لكنهم ممثلين عن الأحزاب المتنفذة، وحيثُ شكك أيضاً رئيس الوزراء في نفس المؤتمر في محاولة البعض منهم للتنصل من إستقلاليتهم التي أقسموا عليها)!!!!.
وسؤالي الأخير: إذا كان رئيس الوزراء بنفسه متخوف من التلاعب بالفرز الألكتروني، وهنالك إحتمال يكاد يكون مطلق للتشكيك بنتائج الإنتخابات لكثرة الخلافات وعدم الثقة ما بين جميع الأطراف، وإحتمالية العودة الى الفرز اليدوي بعد الفرز الألكتروني تكاد أيضاً أن تكون واردة ومحسومة بنسبة عالية جداً وبهذا سيكون التأخير في إعلان النتائج النهائية للإنتخابات أطول مما لو تمّ الفرز اليدوي منذ البداية!!، إذن لماذا صُرفت كل تلك الأموال والشعب العراقي بأمس الحاجة اليها؟؟؟!!!، وهل أنّ العراق قد وصل بتطوره التكنولوجي الى جميع مرافق الحياة ولم يبقى غير الفرز الألكتروني للإنتخابات ليكتمل تطوره التكنولوجي؟؟؟!!!.       

12
الكمبيوتر ما بين فرز إختيارات العاشقين وفرز أصوات الناخبين!!
بقلم: سالم إيليا
في السنة الدراسية (1975 ـ 1976م) على ما أتذكر جرت المحاولة الأولى من قِبل طلاّب قسم الهندسة الكهربائية لكلية الهندسة/ جامعة بغداد بإستخدام الكمبيوتر لإختيار فتى أو فتاة الأحلام بين طلاّب وطالبات الجامعات والكليات في بغداد كأحدى الفعاليات الطلابية في مهرجاناتهم السنوية!!، وكانت الغاية منها بالدرجة الرئيسية إضفاء جو من المرح والتغيير على نوعية الفعاليات وإدخال البرمجة الحاسوبية التي كانت تعتبر حينها جديدة ومستحدثة، ووزعت الإستمارات الخاصة ببرمجة الكمبيوتر في الكليات للتأشير أمام مواصفات النصف الآخر فعسى ولعل تتدخل (التكنلوجية) الحديثة في إيجاد شريك أو شريكة الحياة بشكل أفضل من إختيارات العقل البشري!!!، وكان على المشتركين أو الباحثين عن نصفهم الآخر الذهاب الى كلية الهندسة لتسليم الإستمارات، فقررت مجموعتنا من الزميلات والزملاء في الجامعة التكنلوجية الذهاب الى كلية الهندسة وسط أجواء من المرح والنكات الشبابية على هذه المبادرة المستحدثة!!!، وقد كانت إحدى زميلاتنا الجميلات تتطلع بجديّة محسوسة نسبياً الى عثورها بهذه الطريقة على فتى أحلامها ذو المواصفات (الخارقة) من شكل حسن وغنى وشخصيّة وحيوية ومستقبل وكلية مرموقة تقود الى مركز وظيفي وإجتماعي متميز و ـ ـ و ـ ـ الخ، وحيثُ كنتُ أناكفها بقولي: من أنّ فتى أحلامها سيكون بطلبية خاصة من السماء لأنه لم يُخلق بعد، وكنّا نضحك ونتبادل السخرية والمناكفات الشبابية فيما بيننا.
ذهبنا الى كلية الهندسة فكانت المفاجئة أن أجد أحد المسؤولين عن إستلام الإستمارات من طلبة قسم الكهرباء هو أحد أقربائي!!!، وبعد أن لاحظ (الإنسجام والتقارب) ما بيني وبين زميلتي تصور بأننا قد أشرّنا في إستمارتينا على نفس المواصفات وحيثُ زالَ هذا التصور من ذهنه بعد إطلاعه على الإستمارتين!!!، وسألني قريبي إذا كان في بالي أي فتاة معجب بها في الجامعة فأنه يستطيع برمجة الكمبيوتر لتتطابق إختياراتنا!!!، فسخرتُ من عرضهِ وأصريتُ على إبقاءه للإختيار كما هو وسنرى ماذا سيفعل الكمبيوتر (الذكي) لأختيار المحبين وسط تبادل كلمات المزاح والإستخفاف بهذه الطريقة بشكلٍ عام!!!.
ظهرت النتائج بعد أسابيع ويبدو من أنّ المواصفات التي أشرّتُ عليها في الإستمارة لم تنطبق على أي فتاة!!!، لكنني تفاجئت في أحد الأيام حين أقبل عليّ طالب لم آراه من قبل في الجامعة وسألني بلهفة عن إسمي ليتأكد من أنني الشخص المطلوب!!!، فأجبته بالإيجاب وسط دهشتي التي أزالها سؤاله الثاني عن زميلتي الحسناء!!!، فأدركت للحال سبب سؤاله وسط صدمتي الممزوجة بالتعجب والسخرية المكبوتة!!!، فالشخص كما بدا لي حين سألني مستفسراً عن شريكة حياة المستقبل لم تكن فيه ولو نسبة واحد في المئة من المواصفات التي وضعتها زميلتي الجميلة!!!، فشكله ذكرني بشخصية "فنسنت" في مسلسل "الحسناء والوحش" وهيئته وشخصيته بدت لي سلبية ومهزوزة بحركاته وتصرفاته وشعرت بالآسى على زميلتي التي بدون أدنى شك ستفقد الثقة (بالتكنلوجية) وهي في منتصف مراحلها الجامعية التي من المفروض أن تكون التكنلوجية إحدى أسسها المهمة، لكنني عُدّت من صدمتي بلحظات وقلتُ في نفسي سأكون أتعس "دليل" وفي موقف لن أحسد عليه!!!، لكنني رغبتُ أيضاً بالتهرّب من المشوار وسط الحرج أمام (زوج المستقبل) لزميلتي في حال طلبي منه بإعفائي من هذه المهمة الصعبة!!!، وبروح شبابية وطلاّبية مرحة رحبتُ به وسألته إن يرغب بالذهاب الى نادي الجامعة لتضييفه أولاً لكنه رفض وسط شعوري بعجلته لرؤية نصفه الآخر!!!، وفي طريقنا الى المكان الذي إعتادت مجموعتنا الطلابية التجمع فيه في إحدى حدائق الجامعة وفضاءاتها بدأ يسألني الضيف عن زميلتي بدءاً بشكلها وأناقتها وـ ـ و ـ ـ وكأنه جاء لشراء سيارة!!، فقاطعته بإسلوب فيه مسحة من الجديّة بقولي من أنه سيحصل على أجوبة لأسئلته بعد دقائق!!!.
لمحتنا زميلتي ومجموعتنا الطلاّبية عند إقترابنا من حلقتهم وسط دهشتهم وتساؤلاتهم بالنظرات الموجهة نحوي عن هوية الزميل الذي لم يشاهدوه من قبل برفقتي!!!، وحال وصولنا عرفّت الجميع على إسمه وبشكل متبادل بدأت أعرّفه بالمجموعة مركزاً على إسم زميلتنا وتركت له الباقي من الكلام الذي حين بدأه سيطر الوجوم والصدمة والدهشة على الجميع وخاصة زميلتنا التي غابت عن الوعي الإدراكي لثوانٍ وكأنها ليست بيننا وعاشت في كابوس مخيف!!!، وكان من الممكن ملاحظة أحاسيس زميلاتنا بمشاركتها لشعورها المهبط وهذا طبيعي في مثل تلك المشاركات الوجدانية بين بنات حواء عندما يتعلق الأمر بإختيار شركاء حياتهن!!!، لكن الزملاء ظهرت على محيّاهم إبتسامات مرّة!!!.
ولكي نتجاوز جميعنا هذا الموقف الذي لم يكن إلاّ مزاحاً طلابياً إنقلب الى موقف جدّي لإحدى زميلاتنا من جرّاء هذه المبادرة (اللعينة) في إحلال (العقل الألكتروني الذكي الذي لا يخطئ) محل (العقل البشري الذي قام بصنعه)!!!، بادرتُ بحركة (خفية) في الإيعاز لمجموعتنا بالإنصراف وترك الإثنين بمفردهما لتفادي الموقف وإحراجاته ولإعطاء الفرصة للمعنِيَيْن بالأمر لحل (خطأ الكمبيوتر)!!، فصرخت بي زميلتنا: الى أين أنتم ذاهبون؟؟؟!!!، فأجبتها ليس ببعيد عنكما لكن علينا أعطاكما فرصة للتعارف مع إبتسامة مني لم تخلو من معانٍ كثيرةٍ!!!، فالتفتت بإرتباك وشيء من الإنفعال الى ضيفها وقالت له بكلام رسمي: " شوف زميلي ترى الأمر من أوله الى آخره كان مزاح ولا تأخذه بجدية وفرصة سعيدة تعرفنا عليك"، لكن الضيف يبدو أنه وقع في "الحب من أول نظرة" وطلب منها فرصة أخرى لزيارتها والتعرف على بعضهما أكثر فرفضت متعللة بأنها مخطوبة!!!.
فقدت زميلتنا الحسناء بعد هذه الصدمة ثقتها بالكمبيوتر وتكنلوجيته!!!!، وكانت دائماً تردد بحرقة جملتها: "شگد هذا الكمبيوتر غبي"!!!، فكنّا نضحك ونمازحها بإصرارنا على أنّ الكمبيوتر لا يخطأ ونقول لها: "يعني قابل الكمبيوتر يچذّب"؟؟؟!!!، فتقول بعصبية: "بالنبي مو هذا اللّي إختاريته"!!!، فلم تدرك زميلتنا بأنّ ذكاء وغباء الكمبيوتر مربوط بذكاء وغباء مُبرمِجه الذي يتحكم بتغذيته بالمعلومات لكي يعطي نتائج حقيقية أو كاذبة، وأي غلطة صغيرة تقلب النتائج رأساً على عقب!!!!.
والآن يعيد التاريخ نفسه ولكن بإتجاهٍ آخر في إختيار الفرز الألكتروني لأصوات الناخبين للإنتخابات العراقية المقبلة، وربما (تسلّق) أحد طلاّب الهندسة لتلك الدورة أحد المراكز الحكومية الحالية وهو الذي إقترح إستخدام هذه الطريقة في بلدٍ لا تزال العملية الديمقراطية التي ولدت فيه مستلقية في حاضنة الولادات (للخُدّج) ممن لم يكتمل نموها بعد والمبكرة بقدومها الى الحياة وتحتاج الى عناية مركزة في بيئة معزولة تماماً عن (الفايروسات) التي لا طاقة لها للعيش في بيئتها قبل إكتمال مناعتها الذاتية ضدّ الإصابة بها والمنتشرة في المجتمع.
وكم هو قلقنا جميعاً أن يتكرر مشهد زميلتي في الفرز الألكتروني لأصوات الناخبين للإنتخابات المقبلة!!!، فيتكرر خطأ (المُبرمِج) ويخطأ الكمبيوتر في إختيار ممثلي الشعب!!!!!، وبدلاً من أن يختار لهم "قائد أحلامهم" يختار لهم "فنسنت" آخراً ليس بشكله الذي لا إعتراض على خلقة الخالق له، ولكن بجوهره القبيح!!!، وحيثُ أنّ زميلتي الحسناء إستطاعت تجاوز خطأ الكمبيوتر في لحظتها، لكن على الشعب العراقي الإنتظار أربع سنوات تقويمية أخرى ليتجاوز خطأ الكمبيوتر اللعين!!! ـ ـ ـ وما أدراكم ماذا سيحصل فيها من كوارث!!!.               

13
من أدب الرحلات/ رحلة الى منتجعات المكسيك وحضارة "المايا"/ الجزء الثاني والأخير
بقلم: سالم إيليا
ذكرتُ في الجزء الأول ما فاجئني بعدم تطابق مطلبي للجناح السكني المنفصل والمطل مباشرة على البحر مع الواقع الذي فرضته عليّ إدارة المنتجع بالسكن في وحدة سكنية هي جزء من أربعة وحدات سكنية وعدم إشرافها على البحر بشكل كامل، وتحريري لطلب إحضار فطور اليوم الأول الى جناحي السكني، وسأبدأ الجزء الثاني من صباح أول يوم في المنتجع وملابساته!!.
بدأتُ صباحي كالمعتاد بأخذ حمام سريع وحلاقة ذقني فلاحظت خروج الماء خارج حوض السباحة المحاط بالمرمر وفيضان الأرضية من حولي وذلك بسبب خطأ في التصميم الهندسي مما حدا بأحد السوّاح (الأذكياء!!) قبلي أو أحد عمّال التنظيف الى كسر زاوية المرمر قليلاً للسماح للمياه بتسربها بين جدران البناية بدل سقوطها على أرضية الحمام!!!، أزعجتني هذه الحالة التي تزامنت مع عدم إرتياحي لعدم توافق متطلبات حجزي لوحدة سكنية منفصلة ومطلّة بشكل مباشر على البحر ـ ـ ثمّ جاءت "القشّة التي قصمت ظهر البعير" عندما وجدتُ طلبية الفطور التي جلبها "الساعي" تختلف تماماً عن ما طلبتهُ في القائمة!!!، فرفعت سماعة الهاتف على موظفة التشريفات وقلتُ لها بعصبية واضحة أوصليني بمدير المنتجع؟؟!! ـ ـ وحالاً تكلم معي الرجل بكل أدب وإحترام لكنني كنتُ قد فقدتُ الهدوء وقلتُ له بإنفعال: "جئتُ هنا للراحة والإستجمام وليس لأفقد أعصابي"، وأغلقت سماعة الهاتف ليس لإهانة الرجل لكني خشيتُ من تتطور إنفعالاتي أكثر!!، تركنا جناح السكن الساعة التاسعة صباحاً في اليوم (الأول) الذي كانت بدايته ليست على ما يرام وذهبنا لتناول طعام الفطور في أحد المطاعم الذي يبلغ عددها ثلاثة عشر مطعماً متباينة السعة والبعض منها جاهزة على مدار الساعة لتقديم الطعام المتنوع ما بين الأوربي والأسيوي والمكسيكي ـ اللاتيني، وعند عودتنا بعد ساعة ونصف من الزمن وجدتُ رسالة صيغت بإسلوب مهذّب فوق العادة تدعوني للذهاب الى المكتب الإداري الخاص بمجموعتنا السكنية، وحين وصولي أدركت ـ ـ وأقولها للحقيقة مدى أخذهم للأمر بجديّة وخوفهم من تطور الأمور أكثر وتعاملوا مع الموقف بمهنية عالية من خلال طلب موظفة الإستقبال لي وبإرباك وخوف واضحين للتفضل بلقاء المدير في الغرفة الداخلية!!، فقلتُ لها لا داعي لتلك الإجراءات فأنا أعرف كيفية التصرف بشكل متحضر، لكنها إستدركت بإبتسامة مجبرة عليها من أنّ المدير يرغب برؤيتي على إنفراد (طبعاً هذه الطريقة المهنية واردة في أغلب الأماكن السياحية والخدمية في العالم وذلك لمحاصرة المشكلة وعدم رغبتهم في سماعها من قِبل أي من الزوّار أو الزبائن الآخرين عدا المعنيين بها لكي لا تؤثر سلباً على سمعة المنتجع)!!، إستقبلني المدير بحفاوة وحَذَرْ وهو يحاول قراءة أفكاري!!!، بادرته بالكلام لأطمئنه ولتسهيل مهمته وللتخفيف من تحرجه من أين يبدأ وعرضتُ عليه ما حدث منذ وصولنا، وبعد إنتهائي من الحديث سألني قائلاً: "هل لي أن أسأل من أي بلد بالأصل أنت"؟!، فأجبته: من العراق ـ ـ لكنني مقيم في كندا، فقال لي: هذه المرّة الأولى التي يأتي فيها عراقي الى هذا المنتجع!!!، فقلتُ في نفسي ربما تتمنى يا هذا أن تكون المرّة الأخيرة لزيارة عراقي بعد الموقف الذي حصل!!!، طلب مني الرجل مهلة لساعة واحدة ليرتّب لي كل شئ بعد أن وافقني تماماً على إنزعاجي بعد إطلاعه على التفاصيل المثبتة في أوراق الرحلة، عدنا بعد جولة سريعة في المنتجع الى جناحنا السكني لأجد رسالة أخرى تطلب مني الذهاب مرة أخرى للمكتب الإداري، لكن هذه المرّة إستقبلتني الموظفة بإرتياح واضح وطلبت مني إنتظار المدير لثواني وسيخرج لمقابلتي!!، عرض عليّ المدير أثناء لقائه بتغيير السكن بآخر يلائم متطلباتي وإذا لم يعجبي فسيجدوا حلاً آخراً أفضل!!، الحقيقة عندما ذهبنا لرؤية الوحدة السكنية التي كانت عبارة عن مشتمل أو دار منفصلة جميلة جداً تحمل الرقم (2719) وتبعد أمتار قليلة عن ساحل البحر وتحتوي على مرفقات إضافية عن الوحدة السكنية السابقة كوجود حمام شمشي إضافي خارجي محاط بجدران صخرية عالية لا تسمح بالتطفل ولكنه مفتوح من الأعلى (لا يوجد سقف للسماح بدخول الشمس) وبشاور (دوش) رأسه كقرون حيوان "الآيل" ويأتى الماء اليه مباشرة من البحر أي غير صافي وغير معقم كمياه الحمام الداخلي!!، كذلك يوجد طاولة إضافية لتناول الطعام وسرير إضافي لشخصين في "البالكون" الخلفي المطل مباشرة على البحر للقيلولة أثناء الظهيرة ومحاط بـ "التول" أو القماش النافذ للتمتع بمنظر البحر ولمنحه الخصوصية!!، وبعد قناعتي بمطابقة الوحدة السكنية البديلة مع ورقة الحجز وافقتُ عليها (سأرفق صورة الوحدة السكنية مع هذا التقرير)، لكن طلبوا ساعتين إضافيتين لتهيئتها علماً من أنها كانت وحسب ما بدت لي لا ينقصها أي شيء مطلقاً!!، بعد ساعتين نقلوا حقائبنا من السكن الأول الى الثاني وسلموني المفتاح، عند دخولنا وجدنا الفارق ولماذا طلبوا الساعتين الإضافيتين!!، فالسرير قد كان مرتباً بشكل مغايرٍ وزاهياً بالورود التي نُثرت عليه!! ـ ـ ووضعوا عليه أيضاً المناشف التي صنعوا منها أشكال للحيوانات الأليفة كالأرانب!! ـ ـ والبانيو "الجاكوزي" قد ملئ بالماء الفاتر المطيّب بالعطور والفقاعات للمواد الصابونية المنثورة عليها وريقات الورود مع قنينة "شمبانيا" على حافته موضوعة داخل حاوية ثلجية!!، والحمام الداخلي المنعزل قد جهز بكل ما يحتاجه السائح من مواد معطرة، إضافة الى قنينة شراب "واين" وإناء فيه أنواع من الأجبان الغالية الثمن موضوعة على الطاولة وسط الغرفة (من المعروف أنّ لكل نوع من الشراب الجيّد هنالك أجبان خاصة غالية الثمن تؤكل معه، والبعض من الشراب يُكتب على القنينة نوع الجبن المفضّل تناوله مع ذلك النوع)، إضافة الى كيكة "كعكة" كبيرة كتب على صفيحة قطعة الشوكولاتة الموجودة عليها "عيد زواج وميلاد سعيد"، مع تهيئة الثلاجة بالسندويشات المختلفة والمشروبات بأنواعها الروحية والغازية وكل مستلزمات الخدمات الأخرى!!!.
مكثنا في المنتجع لسبعة أيام كاملة بلياليها ما عدا نهار واحد كامل في منتصفها ذهبنا خلاله في رحلة لرؤية آثار حضارة "المايا" وزقوراتها (أهراماتها) التي لا تضاهي بأي حالٍ من الأحوال زقورة "أور" الأثرية بحجمها وقِدمَها ورمزيتها كمسقط رأس وموطن لأبو الأنبياء والتي أهْمَلتها الحكومات العراقية المتعاقبة!!، وقد أجاب المرشد السياحي المكسيكي على سؤالي (الإختباري) له عن الغاية من تشييد تلك الزقورات بهذه الإرتفاعات العالية لأسمع منه نفس الجواب الذي كنتُ قد قرأتُ عنه في إعتقاد الأولين من إنّ هذا الإرتفاع يقرّبهم الى السماء التي فيها الخالق!!!، فإستغربتُ كيف وصل نفس الإعتقاد من أبناء الرافدين القدامى الذين شيدوا زقورتهم حوالي سنة (2050) قبل الميلاد الى أبناء حضارة المايا الذين بدأت حضارتهم بعد حضارة وادي الرافدين بمدة ليست بالقصيرة!!، فهل كان هنالك تواصل بين الشعوب مثل شعب وادي الرافدين وشعب المايا؟؟؟!!!، أم إنه توارد الخواطر للعقل البشري بأزمان مختلفة (أعتُبِرَ موقع "تشيتشن" الأثري المكسيكي الذي يحتوي على الأهرامات أحد عجائب "الدنيا السبع الجديدة" وقد تم إضافته الى لائحة التراث العالمي لليونسكو، وحيثُ أستبدلت أيضاً جنائن بابل المعلقة العراقية بمدينة البترا الإردنية على لائحة عجائب الدنيا السبع!!!)، وقد شاهدنا مدى الإهتمام بموقع "تشيتشن" الأثري الذي يدر على الخزينة المكسيكية مليارات الدولارات في نطاق السياحة الشاملة والذي بمجمله لا يتعدى واحد من الألف من المواقع الأثرية المهملة الموجودة في العراق!!، ومن المفارقات التي حدثت أثناء تلك الزيارة طَلبْ المرشد السياحي من جميع السوّاح الإصغاء لما سيقوله وكنّا بحدود عشرين سائح وسائحة في مجموعته إضافة الى وجود مجموعات سياحية أخرى حولنا مؤشراً بزهوٍ الى جدارية أثرية محفور عليها رجال المايا وهم ينتعلون الأحذية ومردفاً بصوت مرتفع ليسمعه الجميع: "لاحظوا أجدادنا أبناء المايا القدامى كانوا ينتعلون (الصندل) منذ ذلك الحين للحفاظ على أقدامهم"!!، فسألته بصوت يسمعني فيه الجميع أيضاً وبهدوء وحيثُ كنتُ في آخر المجموعة: "متى فعلوا ذلك"؟!، فأجابني بزهو واضح: "حوالي القرن الثاني بعد الميلاد"، فقلتُ له وبهدوء أيضاً: "أجدادنا قد سبقوا أجدادكم باكثر من الف عام في إنتعال الصندل"!!، وعندها التفت نحوي جميع من كانوا حولنا ونظر اليّ المُرشد السياحي سائلاً : "من أي بلد أنت"؟؟، فقلت له: "من العراق ـ ـ من حضارة وادي الرافدين"، فأوْمأ الرجل برأسه تأييداً وإحتراماً لشعب وادي الرافدين.
وسأورد أدناه ملاحظات لِما سجلته ذاكرتي وقلمي عن المنتجع والرحلة الى الأهرامات الأثرية ليطلع عليها القرّاء الأعزاء:   
ـ كلمة التحية أينما ذهبنا خارج وداخل المنتجع هي "هولا" وهي كلمة باللغة الإسبانية وتعني "مرحباً".
ـ التعامل كان راقياً جداً ومهنياً من أبسط عامل وعاملة في المنتجع الى أعلى درجة وظيفية فيه والجميع يتكلمون الإنكليزية إضافة الى الإسبانية.
ـ المنتجع نظيف جداً وعمال النظافة يتجولون ليل نهار لإدامة نظافته.
ـ يبدو هنالك تعليمات صارمة للعاملين بنقل أي ملاحظة سلبية أو إنزعاج يظهر على السوّاح والإخبار عنه فوراً، وهذا ما حدث معي في اليوم الأول كما ذكرتُ سابقاً، وكذلك موقف آخر حدث في اليوم الخامس من إقامتنا عندما حجزنا مسبقاً في مطعم يدعى "ضوء الشموع الرومانسي" على الشاطئ الرملي وفي الهواء الطلق وعلى ضوء الشموع والقمر!!!، وهو المطعم الوحيد الذي يجب الحجز عليه مسبقاً قبل أيام من بين الثلاثة عشر مطعماً، لكن من سوء الحظ وحال جلوسنا بدأ رذاذ المطر الخفيف بالتساقط، ففضلنا المغادرة من دون إشعار فتاة التشريفات التي لم تكن متواجدة في مكانها عند مغادرتنا، وذهبنا لتناول العشاء في مطعم آخر، وبعد تسجيل أسمائنا ورقم الجناح السكني في المطعم الثاني جاءت "النادلة" لأخذ طلباتنا وبادرتني بالقول: "من أنّ هذه المرّة الأولى التي تراني فيها في هذا المطعم"، ثمّ أردفتْ بسؤالي: "هل هناك مناسبة خاصة لزيارتنا المنتجع"!!، بالمختصر قلت لها كان من المفروض أن يكون عشاءنا في مطعم "ضوء الشموع" لكن سقوط المطر حال دون ذلك، فقالت: "لا عليكم سنعوّضكم بشئ أجمل"!!، وخلال أقل من نصف ساعة عادت برفقة زميل لها يدفع بعربة تحتوي على قنينة "شمبانيا" في حاوية ثلجية وكيكة عيد الميلاد وعليها الشموع وإناء فيه بعض أنواع الأجبان ثمّ الحقت الطلب بصحنين كبيرين من المأكولات البحرية وبقية المقبلات وقنينة شراب أحمر وـ ـ و ـ ـ الخ، وهنا لا بد أن أذكر من إنهم يقدمون المشروبات الكحولية بكثرة وبمختلف أنواعها بغض النظر عن أنّ الزبون سيشربها أو يكتفي بكأس صغيرة فقط!!، تفاجئت بعدها بلحظات لرؤيتي موظفة التشريفات لمطعم "ضوء الشموع" الذي غادرناه وهي واقفة عند مدخل المطعم مع مدير المنتجع لوجبة العمل الليلية وكانت تؤشر عليّ بإرتباك (يبدو إنهم إتصلوا بجميع المطاعم ليعثروا علينا عن طريق تسجيل أسمائنا في التشريفات)!!!!، حقيقة أنا الذي كنتُ محرج وليس هما!!، وشجعتُ المدير بالدخول بإبتسامة خفيفة من عندي، جاء الرجل مستفسراً بعد القاء التحية عن سبب مغادرتنا المطعم الأول وهل هنالك مَنْ أخطأ مِن العاملين فيه نحونا!!!، فبادرته بالقول بأن كل شئ على ما يرام والجميع لم يقصّروا بالخدمة وسبب مغادرتنا المطعم الأول كان نتيجة لتساقط الأمطار ففرح والقى تحية المغادرة بعد أن تمنى لنا الإستمتاع بالطعام وطيب الإقامة بالمنتجع!!!.
ـ بسبب فرق العملة فإن العاملين أغلبهم يتطلعون الى تقدير خدماتهم من قبل السوّاح بتكريمهم ببعض الدولارات كإكرامية، وهي لا تتجاوز بكل الأحوال لكل فرد بين دولار واحد الى خمسة دولارات أمريكية في كل مرّة والتي تعني لهم مبلغاً كبيراً!!.
ـ خلال تجوالنا ظهراً داخل المنتجع عرض علينا أحد كبار السن (البسطاء) من العاملين المساعدة لأخذ الصور لنا وكان يرتدي بدلة العمل الخاكية والخوذة الخاكية الصلدة كالتي يلبسونها في الأدغال الأفريقية في رحلات الصيد وتصورته أحد الذين يعتنون بالحدائق، وعندما التقط الصور بطريقة فنيّة شككت بمركزه وسألت إحدى العاملات التي إجتازتنا بعد القاء التحية عن هوية هذا الرجل؟!، فقالت أنه مالك المنتجع ويعيش هو وأبنته الوحيدة بشكل دائم داخل المنتجع!!!!.
ـ يعيش في المنتجع كمحمية طبيعة بعض الكائنات الحيّة مثل التماسيح المحاطة مستنقعاتهم بسياج معدني من الـ "بي.آر.سي" للحيلولة دون خروجهم الى الوحدات السكنية ـ ـ كذلك أنواع من السحالي والزواحف الغير عدوانية وبأحجام مختلفة والتي تتجول بشكل حر بين السوّاح داخل المنتجع ومن الممكن الإقتراب منها لحد لمسها!!! ـ ـ وطيور نادرة مختلفة الأنواع، وسأرفق بعض الصور لها مع هذا التقرير.
ـ يتجول العاملون في المنتجع من أقصاه الى أقصاه حاملين الحاويات المبرّدة التي تحتوي على الوجبات السريعة "السندويشات" والمشروبات الروحية والغازية بإنواعها لتلبية طلبات السوّاح مجاناً بلحظات وفي أي مكان في المنتجع!!.
ـ هنالك فعاليات مختلفة متوفرة للسوّاح على طول النهار من لعبة كرة الطائرة الساحلية أو داخل المسابح ـ ـ الى الطيران بالبرشوتات التي تسحبها الزوارق ـ ـ الى الجولات البحرية بالزوارق السريعة الرياضية ـ ـ الى رياضة "اليوغا" والمساج ـ ـ الى مشاهدة الأفلام السينمائية ـ ـ الى الجلوس بملابس البحر على السواحل الرملية تحت أشعة الشمس والسباحة مع الإستمرار بالأكل والشرب طوال النهار ـ ـ الى التجوال سيراً على الأقدام بين معالم المنتجع ـ ـ الى الذهاب للتسوق داخل "المول" الصغير الذي يحتوي على التذكارات السياحية والملابس المكسيكية التراثية وكذلك ملابس السباحة وغير ذلك ـ ـ الى الجلوس في غرف خاصة للأنترنيت أو مشاهدة الأفلام والقنوات الفضائية داخل الجناح السكني الخاص، أما ليلاً فهناك برنامج ترفيهي يومي يبدأ في التاسعة والنصف ليلاً على المسرح الكبير الذي يشمل فرق الإستعراضات الراقصة والكروباتيك والألعاب السحرية والفرق الموسيقية للبحر الكاريبي مع تقديم كافة الخدمات من مأكل ومشرب الى ساعات متأخرة من الليل.
ـ كانت درجات الحرارة معتدلة ما بين (18 ـ 25) درجة مئوية والرطوبة لا تتجاوز الخمسين الى الستين في المئة خلال فترة إقامتنا تخللتها بعض الأيام الممطرة رذاذاً خفيفاً.
ـ يوجد في المنتجع كنيسة صغيرة لعقد القران ويوجد موقع جميل على الساحل لأقامة الإحتفال على الرمال، وغالباً ما يحجز الخطيبان هذا المكان لعقد قرانهما في المنتجع بإحتفالية رائعة يحضرها أقاربهما وتتكفل إدارة المنتجع بتوفير جميع مستلزمات الحفل ولكن بأسعار إضافية بسيطة.
ـ يوجد بحيرة مياه معدنية صغيرة ملاصقة للبحر من الممكن السباحة فيها والتمتع بالمياه المعدنية الدافئة.
ـ تُكثر في المنتجع أشجار جوز الهند المثمرة.
ـ للمنتجع بناية خاصة لألواح تجهيز الطاقة الشمسية للحفاظ على البيئة.
ـ تذكرت أيام زمان في العراق من خلال رؤيتي لسيارة رش المبيدات "أم الدخان" وهي تجوب الشوارع الخارجية المحيطة للمنتجع دون الدخول الى شوارع الوحدات السكنية الداخلية، وهذا الإجراء لابد منه لكثرة البعوض خاصة في الصيف لوجود المستنقعات.
ـ تصاميم جميع الوحدات السكنية والخدمية بأغلبها هي تراثية وتم بنائها بالطرق التقليدية للقارة اللاتينية مع تداخل الحداثة والمواد الحديثة للبناء فخرجت بشكل يسر الناظر بالنظر اليها، فيما عدا المطعم الأوربي الفخم وصالة الإستقبال الرئيسية "اللوبي" وبعض المرافق الأخرى.
ـ تُكثر القنوات المائية والمسابح الجميلة جداً الملحقة بالوحدات السكنية في الطوابق الأرضية والعلوية أيضاً وخاصة في الجزء الذي أقمنا فيه على الرغم من وقوع المنتجع مباشرةً على البحر وذلك لتنويع خيارات السباحة للسوّاح!!، وسأرفق صورة للوحدة السكنية العلوية النافذ "بالكونها" على مسبحها الخاص!!!.
ـ هنالك إستثمارات لهذه المنتجعات من قبل رؤوس الأموال الأمريكية بشكل خاص، وكذلك محاولة مشاركة السائحين ذوي المدخولات العالية بهذا الإستثمار مقابل تقديم تخفيضات سنوية للإقامة في المنتجع، وكذلك تخفيضات مجزية للإقامة في بعض الفنادق العالمية حول العالم مثل مجموعة فنادق "هيلتون" وغير ذلك من الإمتيازات.
ـ غادرنا المنتجع في اليوم الرابع من إقامتنا فيه متوجهين بالحافلات السياحية الساعة الثامنة والنصف صباحاً (الخامس عشر من كانون الثاني/ 2011م) الى الموقع السياحي للأهرامات وإجتازت الحافلة السياحية عدّة قرى مكسيكية جميلة، وتوقفنا لتناول وجبة الغذاء في أحد المطاعم الذي أعد لنا برنامجاً راقصاً لأحدى الفرق الفلكلورية خلال تناولنا للغذاء، ثمّ توقفنا مرة أخرى في موقع سياحي لإحدى البحيرات للمياه الجوفية الموجودة تحت سطح الأرض ويتم النزول اليها من خلال نفق صخري بمئات الدرجات، وقد تفاجئتُ عندما رمى الكثير من السوّاح صغيرهم وكبيرهم ملابسهم الخارجية وظهروا بملابس السباحة ورموا بأنفسهم في البحيرة التي حذر المرشد السياحي من تلوث مياهها وأنهم غير مسؤولين عن الإصابات المرضية وخاصة الجلدية التي قد يصاب بها السوّاح نتيجة سباحتهم في هذه البركة!!، بعدها واصلنا السير الى منطقة الأهرامات وكان الدليل السياحي يلبي طلبات الجميع من قناني المياه والمشروبات الغازية والبيرة المثلجة والسندويشات التي جلبها معه من المنتجع بحاوية كبيرة مبردة خلال هذه الرحلة ذهاباً وإياباً!!.
ـ مثلما ذكرت في بداية هذا التقرير تجولنا في موقع شعب المايا والأهرامات الأثري لساعات وكان محاطاً بسياج والدخول اليه ببطاقات خاصة دفعنا أجورها مع المبلغ الإضافي لهذه الرحلة الخاصة، وحول الموقع يوجد محلات لبيع التذكارات السياحية والأعمال الفنية اليدوية الغالية الثمن نسبياً، لكن على السائح شرائها لتبقى ذكرى جميلة بين مقتنيات وديكورات منزله.
ـ عادت الحافلة السياحية بنا الى المنتجع بعد أن أسدل الليل سدوله في ذلك اليوم وكنّا متعبين جداً وبعد تناولنا وجبة العشاء ذهبنا الى المسرح للإسترخاء ومشاهدة الفعاليات الإستعراضية!!، فلا مجال لتفويت الفرص في مثل هذه الرحلات السياحية المعدودة الأيام!!.
لقد حققت هذه الرحلة غايتها بإزالة الإرهاق الذي كنتُ أشعر به من جرّاء عملي السابق!!، وللحقيقة كانت الخدمات ونوعيتها المقدمة وكادرها المتمرس بمهنيته العالية الأثر الكبير في حصولي على مبتغاي من الهدوء والتسلية والإستفادة من رؤية مواقع أثرية وضعت على لائحة "عجائب الدنيا السبعة الجديدة" ولزيادة رصيدي المعرفي الشخصي وتوسيع دائرة الثقافة العامة عن عادات الشعوب وتراثها.
إستقلينا الحافلات السياحية الساعة الثالثة عصراً بالتوقيت المحلي للمنتجع في يوم الثامن عشر من كانون الثاني/ 2011م متوجهين الى مطار "كانكون" للعودة الى أدمنتن/ كندا، لكننا فوجئنا بتأخر الطائرة القادمة من مدينة "أدمنتن" لساعتين بسبب رداءة الأحوال الجوية وهبوب عاصفة ثلجية قوية في إقليم "البرتا" الكندي كما ذكروا في المطار!!، وعند هبوط الطائرة القادمة من أدمنتن في مطار "كانكون" المكسيكي ونزول السوّاح الجدد القادمين من هنالك سألتُ أحدهم عن المناخ والعاصفة الثلجية التي سنصل اليها بعد ساعات أربع!!، فنظر الى طولي وأشّر بيده فوق رأسي قائلاً: "إرتفاع الثلج يصل الى هذا الحد" (أي بإرتفاع مئة وثمانين سنتمتراً عن الأرض)!!!، لم أصدق ما قاله وإعتقدتُ بأنه يمزح على الرغم من علمي من أنّ إقليمنا من ضمن ثلاثة أقاليم تأتي بشتائها القاسي بعد الأقاليم الشبه قطبية الشمالية!!!، لكن عند وصولنا فوق أرض المطار وقيام الطيّار بالدوران عدّة مرات حول محيطه لإعطاء الفرصة لفرق وآليات تنظيف المدرج للقيام بعملها ومن ثمّ هبوط الطائرة بصعوبة بعد أن إنزلقت عجلاتها ومال جناحها الأيمن الذي كان مقعدي بجانبه ورؤيتي للجناح وهو يميل قليلاً على إرتفاع أمتار لملامسة الأرض مع إنحباس أنفاس جميع الركّاب وهم يشاهدون من خلال النوافذ سيارات الإنقاذ والإسعاف وهي متأهبة للتدخل وبدأت بالحركة بإتجاهنا فعلاً وبعد أنْ تداركت مهارة قائد الطائرة الموقف لهذه الثواني الطويلة والصعبة للحيلولة دون وقوع الكارثة إستقر وضع الطائرة وأخذت مسارها الصحيح بالسير فوق المدرج وبدأ الجميع بأخذ أنفاسهم وكأنّ لسان حالهم يقول: "راحت السُكْرة وإچتْ الفِكْرة"!!.
إستقلينا بعدها سيارة الأجرة التي كانت بإنتظارنا لإنني كنتُ قد أخبرت سائقها عندما أوصلنا الى المطار في طريق الذهاب بالعودة الينا في اليوم والساعة المحددين في بطاقة السفر مع تزويده برقم الرحلة ولهذا كان مكتبه على علم من تأخر رحلتنا (طبعاً هنالك سيارات أجرة خاصة في المطار لكن أثناء قدوم الرحلات يُصعب في بعض الأحيان الحصول عليها دون الإنتظار قليلاً خاصة في فصل الشتاء)!!، وكادت التاكسي التي أقلتنا أن تنزلق أيضاً على الخط السريع وتحصل الكارثة نتيجة رداءة الجو وإستمرار تساقط الثلوج، وسأرفق صورة التقطتُها بعد يومين من رجوعنا لممشى السابلة حول دورنا السكنية لتأكيد ما ذهبتُ اليه في سردي ولبيان الفرق بين مناخ المنتجع في المكسيك ومناخ محل إقامتي في إقليم البرتا الكندي لنفس الفترة الزمنية.
وختاماً أتمنى أن أكون قد وفقتُ في نقل الصورة الكاملة عن المكسيك ومواقعها السياحية والأثرية والبعض من منتجعاتها وحيثُ بإمكان القرّاء الكرام الدخول الى (جوجول) وطبع إسم المنتجع باللغة الإنكليزية لمشاهدة عشرات الصور والقيام بجولة في مرافقه.

14
من أدب الرحلات/ رحلة الى منتجعات المكسيك وحضارة "المايا"/ الجزء الأول
بقلم: سالم إيليا
يجب أن أقرّ بأنّ هذه الرحلة لم أخطط لها وإنما جاءت فكرتها لحظياً نتيجة الإرهاق الفكري الذي كنتُ أعاني منه خلال عملي لسنتين كاملتين في القسم الهندسي لإحدى الشركات العالمية المعروفة لبناء مشروع نفطي كبير جداً، وحيثُ نصحتني زميلتي الكندية رئيسة قسم الوثائق والعقود التي كان مكتبها مجاور لمكتبي بالذهاب لقضاء عدّة أيام في إحدى المنتجعات المكسيكية المنشأة حديثاً وذلك بعد عودتها من رحلتها الى هنالك إحتفالاً بالذكرى السنوية لزواجها وبعد أن لاحظتْ ـ نفاذ صبري ـ الذي أوصلني الى حد المحاججة والتماس اللفظي مع مدير الشركة نفسه بسبب المشاكل وتداخل المهمات التي غالباً ما ترافق العمل في مثل تلك الشركات الإنشائية الكبيرة والتي يصل عدد المنتسبين فيها للمشروع الواحد من ثلاثة آلاف الى أربعة آلاف منتسب أو ما يزيد في ذروة الإنجاز وبوجبتي عمل من جميع الإختصاصات حتى الخدمية منها وبمختلف الدرجات الوظيفية وتحت ظروف عمل قاسية ومعقدة (كل وجبة عمل مدتها عشرة ساعات يومياً)، هذا ما عدا منتسبوا الشركات الساندة الذين يعملون داخل وخارج موقع المشروع لرفده بإحتياجاته من المعدّات والأجزاء التي يتم بنائها خارجه ثم يتم شحنها اليه!!!.
طرحتً هذه المقدمة لعلاقتها بما سأسرده من تفاصيل لهذه الرحلة (المميزة) التي كانت الأولى لي لزيارة "منتجع سياحي" بالمعنى الكامل على الرغم من زياراتي العديدة لمدن في دول العالم مع المجاميع السياحية للإطلاع على معالمها، ومنها زيارتي براً لمدينة "تيوانا" الحدودية المكسيكية في الأسبوع الأول من شهر كانون الثاني لسنة 2006م عندما كنتُ في زيارة لمدينة "سان دييغو" في ولاية كاليفورنيا الأمريكية المحاذية للحدود المكسيكية لقضاء أعياد الميلاد ورأس السنة مع الأقارب في سنة 2005م.
(أعتقتني) الشركة التي كنتُ أعمل فيها في السابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر سنة (2010م) نزولاً عند طلباتي المتكررة لإعفائي من عملي وحيثُ جاءت مكالمة مدير الشركة الهاتفية في الأيام الأخيرة على إنتهاء المشروع الذي لم يبقى من منتسبي الشركة فيه غير خمسة فقط وكنتُ واحداً منهم لعلاقة عملي بتجهيز الشركة المالكة للمشروع لآخر المخططات والخرائط التي جرت عليها التعديلات الميدانية، وقد (زفّ) المدير لي خبر إنهاء عقدي معهم قائلاً بالحرف الواحد: "ربما هذا الخبر لو كان لغيرك لإنزعج كثيراً خاصة في هذه الأيام القريبة من أعياد رأس السنة التي يكون الجميع فيها بحاجة الى المال لتغطية نفقات هذه المناسبات!!!، لكن بالنسبة لك (يقصدني) فأنا متأكد مِن أن الخبر سيفرحك!!، فأدركت ما سيقوله بعد ذلك وسارعت الى شكره بشدّة وسط ذهوله وإستغرابه"!!!.
بعد عودتي الى مدينتي من ذلك المشروع قررت التهيأ للسفر الى أي مكان في العالم وحيثُ لم إقرر بعد الى أين لإزاحة تعب السنتين!!!!، صدفة تذكرتُ الورقة الصفراء الصغيرة التي كتبت عليها زميلتي في العمل إسم المنتجع ونصحتني بالذهاب اليه لهدوءه والخاص بالبالغين الذين تتجاوز أعمارهم الثامنة عشر من العمر!!.
دخلتُ مكتب السفر الذي أتعامل معه دائماً وسألت الموظفة المعروفة لي مسبقاً عن رأيها لأفضل الأماكن في هذا الوقت من السنة للذهاب اليها للإستجمام، فأعطتني خيارات لمنتجعات عديدة في العالم كان من بينها منتجعات في المكسيك لكن لم يكن الأسم الذي بين يدي من ضمنها فناولتها قصاصة الورق الصفراء المدوّن عليها إسم المنتجع وبعد أن قرأتها إستغربت لأنها لم تسمع به خلال فترة عملها لأكثر من عشرين عاماً في المكاتب السياحية!!، وأثناء توضيحي لها بأنه منتجع لم يمضي على إفتتاحه غير أسابيع قليلة كانت أصابعها قد طبعت إسمه على الكمبيوتر وأردفَتها بصرخة خفيفة ـ ـ واااااو ـ ـ علامة على الإعجاب والدهشة!!!، فأدركتُ بأنّ زميلتي في العمل كانت على حق في نصيحتها لي، لكن موظفة المكتب السياحي بادرتني بدهشتها الثانية من التكلفة الكلّية الباهضة للرحلة للشخص الواحد التي تصل الى أكثر من ثلاث أضعاف مثيلتها للمنتجعات الأخرى المحيطة به والقريبة منه (التكلفة لمعظم الرحلات السياحية للمنتجعات في العالم بشكلٍ عامٍ ودول البحر الكاريبي بشكلٍ خاصٍ تشتمل غالباً على جميع المصاريف من الألف الى الياء من ضمنها بطاقات السفر من والى مكان الإقامة الدائمية، والإقامة في المنتجعات مع معظم التفاصيل من الخدمات التي تشمل الطعام ومشاهدة الفعاليات للفرق العالمية على مسارحها الداخلية وخاصة فرق الإستعراضات لأمريكا الجنوبية ودول البحر الكاريبي عموماً والفعاليات الموسيقية الأخرى داخل تلك المنتجعات وتغطية طلبات جميع المشروبات الروحية والغازية بأنواعها بشكل غير محدود على طول اليوم بنهاره وليله وببارات ومطاعم تلبي في معظمها الخدمات على مدار الساعة مجاناً أو بالأحرى مدفوعة الثمن ضمن المبلغ الكلّي للرحلة!!، كذلك تشمل مشاهدة الأفلام في دور العرض السينمائية الداخلية التابعة للمنتجع!!!، وحيثُ هنالك برنامج يومي متجدد ومتنوع على اللوحة الخاصة بالفعاليات يبين أوقات تلك الفعاليات وأماكنها، لكن هنالك أجور إضافية لبعض الخدمات الأخرى من مساج ورحلات ركوب الخيل أو قيادة سيارات "الجيب" الرياضية في الأدغال والجولات البحرية بالزوارق الرياضية السريعة والتحليق بالبرشوتات التي تسحبها الزوارق في البحر الكاريبي ورحلات بينيّة أخرى خارج المنتجعات لزيارة المواقع الأثرية في المناطق القريبة أو للقيام بجولات حرّة للمدن القريبة للتسوّق والإطلاع على معالمها).
ولكي أضع القرّاء الكرام في الصورة الحقيقية يجب ذكر بعض المعلومات والحقائق عن المكسيك وإن طال قليلاً هذا السرد، ثمّ سأورد بعض التفاصيل من داخل المنتجع لنوعية الخدمات وكيفية قضاء الوقت من أولى ساعات الصباح حتى بعد منتصف الليل بساعات!!!.
المكسيك: بلد موغل بالقِدم ويُعتبر موطناً لحضارات قديمة إبتدأت منذ حوالي (1800) قبل الميلاد وإمتدت الى أن وصلت إحدى حضاراته لشعب "المايا" الى عام (300) ميلادي، وكان قد عثر فيه على هيكل عظمي لإنثى يعود بقِدَمِه الى (12,000) سنة أي عشرة آلاف عام قبل الميلاد، وقد عُثرَ أيضاً على أدوات حجرية كان يستخدمها الإنسان البدائي يرجع تاريخها الى (21,000) عاماً قبل الميلاد!!!.
تقع المكسيك جغرافياً في جنوب قارة أمريكا الشمالية التي تشمل إضافة الى المكسيك على إثنتين من أكبر الدول الصناعية السبع في العالم وهما كندا شمالاً والولايات المتحدة الأمريكية في وسط القارة (عدا جزئها المنفصل جغرافياً عنها بواسطة الأراضي الكندية والغني بالبترول المسمى "الأسكا" الذي إشترته من روسيا سابقاً ويقع في أقصى الشمال الغربي من القارة).
يعتبر المعنيون المكسيك جزءاً من قارة أمريكا الجنوبية على الرغم مما ذكرته من وقوع معظم أراضيها في القارة الشمالية وذلك لوقوع بعض الجزر والأراضي الجنوبية الشرقية للولايات المكسيكية الفدرالية داخل حدود قارة أمريكا الجنوبية ولإرتباط شعبها بروابط مشتركة تاريخياً ووجدانياً وإثنياً ولغوياً وتراثياً وثقافياً مع معظم شعوب القارة الوسطى ـ الجنوبية مما جعلها الأقرب الى القارة اللاتينية (قارة أمريكا اللاتينية تشمل جميع الدول الناطقة بالإسبانية والبرتغالية، وحيثُ كان الإستعمار الإسباني قد إحتل المكسيك أوائل القرن السادس عشر وغادرها في أوائل القرن التاسع عشر ودعاها باللغة الإسبانية "مكسيكانو" أو "مهيكو" وقد إتخذها منطلقاً لإحتلال أجزاء القارة الوسطى التي أطلق عليها جميعاً بـ "إسبانيا الجديدة"، وبالإنكليزية يطلق عليها "مكسيكو Mexico" وهو الإسم الدارج عليها عالمياً)، ولهذا فإن إحدى أهم اللغات في المكسيك هي الإسبانية إضافة الى اللغات الوطنية الأخرى، وعلى ذكر الإحتلال فقد دخلت الولايات المتحدة المكسيكية بعد جلاء المستعمر الإسباني مباشرةً في حربٍ ضروس ضد الولايات المتحدة الأمريكية على الولايات المتنازع عليها فخسرت نصف أراضيها تقريباً لصالح أمريكا الإتحادية ومنها ولايات "نيومكسيكو" و "كاليفونيا" ونصف ولاية "أريزونا" والنصف الآخر أشترته من المكسيك لاحقاً!!.
نظام الحكم في المكسيك جمهوري رئاسي فدرالي وعاصمتها "مكسيكو سيتي" ومساحتها مليوني كليومتراً مربعاً تقريباً وعدد سكانها يصل الى (120) مليون نسمة، تحدها من الشمال الولايات المتحدة الأمريكية ومن الجنوب الشرقي غواتيمالا والبحر الكاريبي ويحيطها من الغرب والجنوب الغربي المحيط الهادي (الباسفيك)، كما ويحدها من الشرق خليج المكسيك الذي يفضي الى البحر الكاريبي ومنه الى المحيط الأطلنطي، وبسبب تباين أراضيها ما بين الشاهقة الإرتفاع والمرتفعة نسبياً في جزئيها الشمالي والوسط التي تتوسطها الوديان والغابات وما بين مرتفعات وسهول ساحلية على إمتداد حدودها بالمحيطات والبحار وكذلك إحتوائها على المناطق الصحراوية التي هي إمتداد للمناطق الصحراوية الواقعة في الولايات المتحدة الأمريكية، لذا فأن مناخها تباين أيضاً ما بين الإستوائي والمعتدل ليضعها بين صدارة الأنظمة الطقسية المتنوعة في العالم، وبناءاً على هذا التنوع التضاريسي والمناخي فمن الطبيعي أن تتصدر أيضاً التنوع البيئي ـ الإحيائي وحيثُ يعيش فيها أكثر من مئتي الف نوع من الكائنات الحيّة من طيور وحيوانات برية وبرمائية ومائية مما جعلها واحدة من أكثر البلدان الحاضنة للمحميات الطبيعية التي تحتوي على إثني عشر في المئة من التنوع الأحيائي في العالم وبأنواعه النادرة!!!، وبسبب وقوعها أيضاً ضمن الحزام البركاني فإنّ المكسيك تعتبر واحدة من البلدان المعرّضة بشكل مفاجئ الى الزلازل والهزّات الأرضية القوية.
والمكسيك دولة صناعية لا يستهان بها خاصة في صناعة السيارات وكذلك الهيليكوبترات (المروحيات) والطائرات التجارية وفي غالبيتها ليست صناعة بالمعنى المُطلق وإنما عمليات تجميع للأجزاء خاصة للصناعات الثقيلة، وقد تقدمت على جارتيها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا (إنتاجياً) في السنوات الأخيرة!!!، وتعتمد عليها كندا وأمريكا بإعتبارها الرديف أو الإمتداد بقدراتها البشرية للصناعات المهمة في هذين البلدين العملاقين صناعياً، ولنتوقف هنا لتوضيح هذه الفقرة وتأثيرها على الجوانب السياسية والبيئية ـ الجغرافية والإقتصادية والإجتماعية: فبسبب الموقع الجغرافي القريب ووقوع المكسيك على البحار لتسهيل عملية الشحن وإنخفاض أجور العمالة فيها وهبوط العملة المكسيكية مقارنة بالدولارين الأمريكي والكندي (عملة المكسيك هي "البيزو المكسيكي" وحيثُ أنّ الدولار الأمريكي  يتراوح ما بين أحد عشر الى خمسة عشر بيزو مكسيكي)!!!.، فقد شجعت هذه الميّزات الشركات الصناعية الكبرى في كندا وأمريكا على نقل أجزاء كبيرة من مصانعها الى هذا البلد لزيادة أرباحها أولاً، وقد إنعكست هذه الخطوة إيجابياً سياسياً وإقتصادياً على المكسيك في محاولة لإستقرار نظامها السياسي الذي ليس من مصلحة جيرانها زعزعته، كما شجعت هذه الخطوة على التقليل من تدفق اللاجئين المكسيكيين وغيرهم وبعشرات الآلاف سنوياً الى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بحثاً عن العمل عبر الحدود التي لا يمكن السيطرة عليها لطولها وتنوّع تضاريسها مع الولايات المتحدة، وحيثُ تُعتبر هذه الحدود ممراً سهلاً لتدفق اللاجئين من جميع بلدان القارة اللاتينية ودول العالم الأخرى الى أمريكا وكندا، ولقد وَجَدَتا (كندا وأمريكا) إنّ أفضل حل لتقليل الهجرة اليهما هو بتحسين وضع المكسيكيين المادي داخل بلدهم بتوفير فرص العمل لهم!!، وقد كانت إحدى الوعود الإنتخابية للرئيس الأمريكي الحالي "ترامب" العمل على بناء جدار على الحدود لفصل البلدين والذي لاقى معارضة شديدة من الحكومة المكسيكية ورفضها المشاركة المادية لبنائه، وخلال زيارتي لمدينة "سان دييغو" الأمريكية الحدودية مع "تيوانا" المكسيكية نهاية عام 2005م وبداية سنة 2006م كما أسلفت سمعت والتقيت بعدد من العوائل العراقية التي دخلت بطرق غير قانونية الى أمريكا عبر "تيوانا" وطَلبت اللجوء بعد فترة من الزمن هنالك، لكن هذه الطريقة لا تخلو من المخاطر الكبيرة لوجود عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات وكل أنواع الممنوعات في تلك المدينة التي يحجم السوّاح بالذهاب اليها في بعض الأحيان بسبب أعمال العنف!!، وحيثُ يضطر اللاجئون الغير شرعيون المكوث ربما لأشهر أو لسنوات فيها ليتحيّنوا الفرص بمساعدة عصابات تهريب البشر لعبور الحدود الى الولايات المتحدة الأمريكية!!، وغالباً ما تحذّر الدول مواطنيها السوّاح من الذهاب اليها أو أخذ أعلى درجات الحيطة والحذر أثناء تواجدهم فيها بسبب الإقتتال في الشوارع بين أفراد العصابات المتنافسة، وعلى ذكر الوضع الأمني فأن المكسيك بالرغم من إستقبالها سنوياً لملايين السوّاح خاصة من كندا وأمريكا إلا أنها تعتبر من البلدان الغير مستقرة أمنياً بسبب عصابات الجريمة المنظمة، ولهذا السبب فقد لاحظتُ وجود رجال الأمن في بوابة المنتجع الذي ذهبت اليه، كما وتحث الدول مواطنيها السوّاح الذاهبين الى المكسيك وبقية الدول المطلّة على البحر الكاريبي للتلقيح ضد الأمراض الخطيرة ومنها "الفايروس الكبدي".
وربما من الضروري ذكر الأسباب التي تجعل السوّاح خاصة من أمريكا وكندا يرغبون بالذهاب الى بلدان البحر الكاريبي بشكل عام للإصطياف على الرغم من المخاطر الآنفة الذكر، وهذه الأسباب هي: قربها من بلدانهم جغرافياً ـ ـ وجمال طبيعتها وتضاريسها ـ ـ وكثرة سواحلها الواقعة على أجمل مياه العالم ـ ـ والتمتع بمشاهدة أفضل الفرق الفنية الإستعراضية والراقصة في العالم ـ ـ ومناخها المعتدل والدافئ نسبياً وشمسها المشرقة على سواحلها ومياهها ـ ـ وإنخفاض أسعار الإقامة فيها مقارنة بفرق العملة لبلدان السوّاح ـ ـ وتوفر الخدمات وبأعلى درجاتها السياحية العالمية ـ ـ وتوفر الطعام بمختلف أنواعه مع جميع المشروبات الكحولية والغازية ـ ـ ومعظم شعوب هذه البلدان مسالمة مع الأجانب وتشجع السياحة على الرغم من وجود العنف في مجتمعاتها، إضافة الى توفر وسائل التسلية الغير (بريئة) الأخرى التي يبحث عنها بعض السوّاح!!!. 
كما أنّ المكسيك غنية بالنفط والغاز الطبيعي والمعادن، وتُعد سادس أو سابع بلد منتج للنفط في العالم!، ومشهورة بتجارة الأخشاب لكثرة غاباتها، وهي ثالث بلد في العالم في سرعة فناء أو زوال غاباتها كنتيجة لهذه التجارة الغير منضبطة!!!، كما أنّ لديها رابع أكبر محطة كهرومائية في العالم لتوليد الطاقة الكهربائية!!.   
غادرنا جواً مدينتنا أدمنتن عاصمة إقليم البرتا الكندي الساعة (9:15) صباحاً بالتوقيت المحلّي في رحلة مباشرة الى مدينة "كانكون" المكسيكية وقد إستغرقت الرحلة ذهاباً أربع ساعات ونصف مع الأخذ بنظر الإعتبار فارق الوقت بين البلدين، ووصلنا الى مطار "كانكون" في الساعة (3:50) بالتوقيت المحلّي من بعد ظهر اليوم نفسه المصادف الحادي عشر من كانون الثاني لسنة (2011)، وكان الدليل السياحي بإنتظارنا في المطار والذي قاد المجموعة الى الحافلات السياحية، وخلال الطريق الى المنتجع بدأ بإعطاء بعض التعليمات والتوجيهات للسلامة الصحية والأمنية مع شرح بعض المعالم التي مررنا بها.
كان إسم المنتجع هو ـ الدورادو كاسيتاس رويل (El Dorado Casitas Royale) ـ وهو مكان منفصل ومنعزل جزئياً عن منتجع آخر مختلف نسبياً بتصاميمه وخدماته يحمل إسم ـ الدورادو رويل (El Dorado Royale) ـ كان قد شيّد قبل الأول بسنة أو أكثر بقليل (يبين المخطط التوضيحي الكتلوي المرفق مع هذا التقرير المنتجعين المفصولين بخط أو حدود باللون الأبيض، وحيثُ يظهر الجانب الأيمن من المخطط منتجع "الدورادو كاسيتاس رويل" بوحداته السكنية المنفصلة أو بالوحدات الرباعية السكنية باللون القهوائي والمحاطة بجداول وقنوات مائية أكثر من المنتجع الثاني، أما الجانب الأيسر فيظهر منتجع "الدورادو رويل" بوحداته السكنية باللون الرصاصي وهي عبارة عن عمارات ذو طابقين أو ثلاث طوابق تحتوي على شقق سكنية أنيقة لكنها ليست بفخامة المنتجع الأول).
يقع المنتجع في منطقة ـ كانْكوُنْ ـ (Cancun) السياحية الشهيرة بمنتجعاتها وفنادقها المطلة على الساحل الجنوبي الشرقي للمكسيك على رأس المضيق الذي يلتقي عنده خليج المكسيك بالبحر الكاريبي وحيثُ تُقابل الجزء الشمالي الغربي للساحل الكوبي ويستطيع السائح العثور فيها على فنادق سياحية مناسبة لإمكانياته المادية.
بعد إتمام كافة الإجراءات في المنتجع أخذتنا السيارات الصغيرة الكهربائية التي تسمى "صديقة البيئة" الى وحداتنا السكنية وهي وسائل النقل الوحيدة داخل المنتجع للأماكن التي يصعب الوصول اليها سيراً على الأقدام، وهناك كانت مفاجئتي الغير سارة بسبب عدم تطابق حجزي لأحسن ما موجود في المنتجع وبوحدة سكن منفصلة ومطلّة بشكل مباشر على البحر مع ما فوجئت به بإعطائي لوحدة سكنية هي عبارة عن واحدة في بناية تتكون من أربعة وحدات: إثنتان في الأسفل والأخريتان فوقهما وتسمى (فوربلكس)، وكان نصيبنا إحدى الوحدتين العلويتين!!، عندما دخلناها وجدناها أنيقة ورائعة وأرضيتها من المرمر وفيها جناح منفصل للإستحمام بالجاكوزي أو ما يسمى بالهَوت توب (أي بانيو بفتحات جانبية لتدوير المياه بقوة لعمل المساج الطبيعي) وفوقه "شاور" أو ما نسميه في العراق بـ "الدوش" وهي كلمة غير مستحب تداولها في كندا لأنها تعطي معنى آخراً!!، وفي الوحدة السكنية "برنده" أو "بلكون" رائع يمكن مشاهدة البحر منه ولكن ليس مطل بشكل مباشرٍ عليه!!، الحقيقة رضيتُ بالمقسوم على الرغم من عدم توافق هذا الأمر مع مطلبي وما دفعته من مال إضافي، كذلك تحتوي الوحدة  ككل الوحدات السكنية الأخرى على كل ما يحتاجه السائح من خزانة حديدية "قاصة" لوضع الأشياء الثمينة الى الشمسية الى المكواة والشسوار للنساء والثلاجة المتوسطة الحجم العامرة على آخرها بالسندويشات والمشروبات الكحولية والغازية والماء والفواكه والنستلات وغير ذلك من الإحتياجات، وفاتني أن أذكر من أن لكل مجموعة من الوحدات السكنية مكتب إداري خاص بمديره وموظفيه لتسهيل الخدمة ويقع قريباً من تلك الوحدات، وحيثُ سألتني الموظفة في أول لقاء: هل هنالك حدث خاص أو مناسبة خاصة لزيارتنا للمنتجع وكيف عرفنا به؟؟، فقلتُ لها من أنني جئتُ لأحتفل بعيد ميلادي وعيد زواجي اللذين لم أحتفل بهما كما يرام قبل شهرين من الزمن وكذلك جئتُ للراحة بعد جهد العمل، طبعاً سجلت كل هذه الملاحظات!!، بعدها تركنا حاجياتنا في الجناح السكني وذهبنا مشياً على الأقدام تارة وبالسيارات الكهربائية تارةً أخرى في رحلة إستكشافية داخل المنتجع وعدنا ليلاً منهكين من التعب بعد أن تناولنا طعام العشاء في إحد مطاعم المنتجع الجميلة والفخمة التي تحتوي على بوفيه متنوعة إضافة الى خيارات طلبية خاصة وفق قائمة الطعام المعدّة لذلك اليوم، وهذه المطاعم مدفوعة الثمن ضمن أجور الرحلة مثلما أسلفتُ سابقاً وكل الذي يجب عمله هو تسجيل أسم السائح ورقم الوحدة السكنية عند تشريفات المطعم ثمّ التمتع بما في داخله من مأكولات ومشروبات وحيثُ لم تكن هذه الإجراءات غريبة عنّا لتشابهها في معظم المناطق السياحية في العالم.
في نفس الليلة وبعد عودتنا وكما هو مذكور في تعليمات كُتيبْ المنتجع حررت طلبية "قائمة" طعام الفطور لليوم التالي على بطاقة خاصة وعلقتها على المكان المخصص للباب الخارجي ليأتي الساعي لأخذها في نفس الليلة وذلك لرغبتي بتناول فطوري في الجناح السكني بدل النهوض مبكراً والذهاب لتناوله في أحد المطاعم لأنها كانت أول ليلة بعد رحلة السفر ورغبتُ في أخذ قسط كافي من الراحة.
إنتهى الجزء الأول وسيتبعه الجزء الثاني والأخير


15
هل عشنا حقّاً زمناً جميلاً لنفتقده؟!
بقلم: سالم إيليا
قبل دخولي بالتفاصيل أستشهد بمقولة تنطبق على حالنا اليوم للروائي والفيلسوف جان بول سارتر: "عرفنا كل شئ في الحياة إلاّ كيف نعيشها"!!.
وسيكون المدخل لعنوان مقالتي بتعريف "الزمن" لغوياً كما جاء في المعاجم على أنه الفترة أو الوقت طويله أو قصيره، وربما يكون لثوانٍ أو لأيامٍ وصولاً الى القرونِ منه.
ولكي نشعر ونستمتع بالزمن إذا كان حقاً جميلاً علينا أن نحيا فيه لفترة زمنية (كافية) ونشعر فيه بقيمتنا الإنسانية لتكوين تاريخ وذكريات جميلة حقيقية وليست (تصوّرية أو خيالية) يدفع بها عقلنا الباطن لتكون (إجتراراً قسرياً) لفعالياتٍ إنسانيةٍ طبيعيةٍ جداً لأي شعب عاش في القرن العشرين ومستمر بالعيش في العقود الأولى لبداية القرن الواحد والعشرين، وحيثُ نتوهم بجماليتها لأننا وببساطة لا نستطيع أن نعيش بأفضل منها الآن لإفتقارنا لأبسط مقومات المجتمع الآمن والحضري بالحد الأدنى للخدمات الأساسية أو ما يَطلق عليه المعنيون "البنى التحتية" التي كنّا قد بدأنا خطواتها الصحيحة مع بداية تكوين الدولة العراقية الحديثة لكن توقف الزمن عندها بعد هنيهة، فصرنا نتشبث بأذيال الثوب المهترئة لعدم قدرتنا للوصول الى هرم الثوب الزاهي عملاً بالمثل الشعبي المعروف "مِن قلّة الخيل ـ ـ  الخ"!!.
ويتغنى البعض (المتحسرون) تيمناً وشوقاً وآهاتاً على الزمن الذي أطلقوا عليه جميلاً وذلك بإعادة نشر صور أيامه للسفرات المدرسية أو الجامعية، أو ذكر الفعاليات المحدودة للجمعيات أو التجمعات الأدبية والثقافية والإجتماعية، أو عرض صور لجلسات عائلية أو جماعية حول موائد الأكلات  الشعبية  في مطعم من مطاعم العاصمة أو مدن العراق الأخرى، أو التحسّر على خدمة معينة من المفترض أننا لسنا بحاجة اليها الآن لأنها أصبحت "فاقدة للصلاحية" أو كما يقال باللغة الإنكليزية من أنها أصبحت أوبسُليت (أي مهملة وغير مواكبة للعصر) نتيجة التطور الحضاري ووسائله التقنية كتسويق منتجات الألبان والمشروبات الغازية الى البيوت (من المفروض الآن لكل عائلة سيارة على أقل تقدير لتسهيل عملية التسوّق دون الحاجة لتلك الخدمات)، أو نقوم بنشر الصور لجلسة "سمر" ليلية بين الأصدقاء أمّا على كورنيش "أبو نواس" العاشق بندمائه لدجلة الخالد أو لجلسة في أحد النوادي أو الجمعيات الإجتماعية أو المهنية وأمامهم قناني البيرة الخالدة الذكر "فريدة" ـ ـ وبعدها يتشارك الجميع على صينية "الباچة" العامرة بمفرداتها الدسمة أو أكلة السمك ذو الماركة المسجلة "المسكوف" وحيثُ لا أعلم لحد الآن سبب تقاعس الحكومات المتعاقبة لإدخاله في لائحة الأكلات الشعبية والتراثية لليونسكو!!، أو الإشتياق لليالي سفرة سياحية بالزوارق أو (اليخوت) النهرية الى جزيرة "أم الخنازير" ـ ـ وحيثُ تتسابق مهارة تمايل الأجساد المختلطة للجنسين على سطح اليخت مُشاطِرة أمواج النهر حركاتها الموجية والمصاحبة لصخب الصيحات على أنغام فرق الجاز التي تتوقف فجأة عن عزفها وتتوقف معها الأجساد النَضِرة الثائرة المتمايلة على أنغام الموسيقى حتى يجتاز "اليخت" المسافة المائية المحظورة (بأمر الجهات العليا) أمام القصر الجمهوري الذي ربما لا يروق لساكنيه سماع صوت الشعب وهو سعيد وفرح ومنتعش وليُذكّره بقائمة الممنوعات التي لا تنتهي!!! ـ ـ فيستعيض طالبوا الحرية الحقيقية على متن هذه الطوّافة العائمة دقائقهم الثمينة التي فقدوها عند مرورهم من أمام (المعبد الجمهوري) بصخب ورقص ليلي مضاعف على كثبان جرف الجزيرة الرملي وتحت ضوء القمر والأضواء الخافتة التي لا تسمح إلاّ برؤية (الخليل أو الخليلة) والهمسات التي لا تتعدى مسامع المعني أو المعنية بالأمر، ولربما من قصد أيام الزمن الجميل تلك الأوقات للذهاب الى دور السينما ليس فقط لمشاهدة الأفلام الجيدة والرديئة وإنما لتغيير الروتين الممل أو لإقتناص الفرص من الجنسين عسى ولعل "تغمز السنّارة" وتبدأ قصة حب بإعطاء رقم الهاتف وغالباً ما تنتهي بالعويل والبكاء و(يا ريت الجرى ما كان)!!!.
وربما كان زمننا الجميل في أحس الأحوال عبارة عن (تقمصنا) لدور الجيل الشبابي المثقف الواعد المتواصل مع تقدم الحضارة الإنسانية فنُقنع مَن حولنا قبل أنفسنا بتطورنا عندما ندفع بأجسادنا دفعاً للذهاب الى قاعة الخلد لسماع الفرقة السمفونية العراقية في عزّ مجدها وتألقها وهي تعزف مقطوعات سمفونية لفان بيتهوفن وموزات وشوبان وغيرهم وعندما يفاجئنا متخصص ومتذوق من الجالسين للتعرف على مدى ثقافتنا الموسيقية وسؤاله الغير برئ لنا عن عدد حركات المعزوفة السمفونية التي إنتهت توّاً فنبقى في حيرة غالباً ما تنتهي بأربع كلمات "والله ما عندي علم"!!، أو نتراصف في طابور على مدخل أحد المسارح الذي كافح الممثلون وصرفوا الأموال من جيوبهم الخاصة لتحويل بنايته البائسة الى مسرح يقدموا على خشبته إبداعهم الذي رفع الفنانون العرب قبعاتهم له، أو نحاول فك الغاز لوحة "سريالية" بالوقوف لدقائق طويلة أمامها خلال زيارتنا لمعرض (ورطّنا) أنفسنا بالذهاب اليه وجهدنا لمحاولة معرفة (العقل الباطن) للرسام من خلال ربطه الواقعية بالرمزية وتناقضاتها التي تظهر جنون ـ ـ عفواً (عبقرية) رسّامها!!!، أو التوهان في الأشكال الهندسية للوحة "تجريدية" أصرّ صاحبها على مسخ (خلقة الله) فأظهر ما أظهر من خيال لشخصية لم نحظى بتركيبتها ووجودها حتى على المريخ!!!، فنبحث مهرولين عن اللوحات "الإنطباعية" التي تنقذنا من ورطتنا في الإسراف لجهدنا الفكري والنظري الغير مجدي فنريح العقل والعين ونستمتع بمناظرها ونثني على صانعها فنخرج فرحين بإقناع أنفسنا مِن أننا على الطريق الصحيح لثقافتنا الفنّية والتمتع (بالأيام الجميلة) التي بدون أدنى شك سنعود بذاكرتنا اليها لإجترارها وعرضها لحاجتنا اليها كدليل على "أيام الماضي الجميل" التي عشناها وحيثُ إفتقدناها في الأيام الحاضرة القبيحة التي نعيشها!!!.
ولو دققنا قليلاً وأمعنّا النظر (بأيام الزمن الجميل) التي نستحضرها ما بين الفينة والأخرى، لا بل لن نتوقف عن ذكرها من خلال الصور البائسة التي ننشرها على مواقع التواصل الإجتماعي لباص مصلحة نقل الركّاب الذي بلغ من "العمر عتيّا" والمعمّر بخدماته والمكتظ بركابه كعلب الساردين والمتخم بمشاكله التي عرضها فلم "الجابي" الذي كان أحد الأفلام القليلة البائسة لصناعة السينما في العراق ـ ـ وصور أخرى لتلك الأيام التي أطلقنا عليها ظلماً بالجميلة لشارع مبلّط سيء الصيانة وقد ملئته الحفر وحيثُ تتوسطه إستدارة دائرية (فلكة) تفنن الفلاّح البسيط المسؤول عن رعايتها في تصميم الورود بأشكال لا تمت لعلم المثلثات وأخواته بصلة لإفتقار أمانة العاصمة حينها لشعبة خاصة لتصميم الحدائق والمتنزهات والساحات العامة!!!، أو عَرْضَنا صور لشابات وقد لبسن "الميني أو المايكرو جوب" في أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن المنصرم بعد أن دخلن بمعظمهن في صراع طويل مع أولياء أمورهن لإقناعهم بالموضة ومستحقاتها ثمّ يتفاجئن بصراع آخر في الشارع مع ما أطلقت عليه السلطات المعنية حينها "بشرطة الآداب" لتجنب ختم سيقانهن بختم من المؤكد إنهن بعيدات كل البعد عنه ـ ـ أو (نضالهن) في الأماكن العامة لتجنب التحرش اللفظي أو الفعلي من بعض الشباب الغير مسيطر على مداركه وعواطفه!!!، أو الإستشهاد لذلك الزمن بعرض صور الشباب الذين وصل الخلاف بينهم وبين آبائهم الى حد ترك الدار بسبب الإصرار على لبس بنطلون "الجالستون" بعرض (26) سنتيمتراً من الأسفل أو إطلاق شعر الرأس والزلف للتشبه بجماعة "الهيبيز" المتمردة على مجتمعاتها ولمعاصرة الزمن المسرع الى الأمام!!!.
وحين نستعرض تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ إعلان تأسيسها سنة 1921م ولحد الآن لنحاول جرد أو حصر (الأيام الجميلة) التي عشناها، وحيثُ لا تزال أجيالها في معظمها على قيد الحياة فسوف نتفاجئ ونصطدم بالواقع الذي ينسف الخيال والإعتقاد بأننا عشنا زمناً جميلاً حقيقياً حتى لأشهرٍ معدودةٍ بمجموعها!!!، وذلك لكثرة الأحداث الدموية بفتراتها الطويلة من عدم الإستقرار والإنقلابات العسكرية والصراعات الحزبية السياسية والعصيان المسلح في الجبال والممارسات الهمجية من سحل للبشر في الشوارع والتمثيل بالمغدورين وسط صيحات الفرح وزغاريد النسوة وتعليق لأجساد المدانين في أكبر ساحات العاصمة الذين إتهمتهم الحكومة (بالتجسس) ودعت الشعب بملايينه للخروج (إحتفالاً) بتنظيف البلد منهم!!!، لكننا كالأطرش بالزفّة لم نكلف أنفسنا حتى بسؤالها أو التشكيك بالتهمة الموجهة اليهم ونقنع ضمائرنا بالرواية المحبوكة التي عرضتها علينا الشاشة الصغيرة بإعترافات (المتهمين) الذين بصموا بالعشرة على جرمهم دون ضغط أو تعذيب!!، وبدون وجود محامي دفاع واحد حقيقي عن المتهمين لترتاح ضمائرنا (المغيبة) ونفرح بقلوب مطمئنة على تنفيذ القصاص العادل ضد مَن أرادوا السوء بالبلد!!!، وحيثُ لم يمنع هذا الإجراء الإستباقي (الوطني!!) بتنظيف البلد من (الجواسيس) للحيلولة دون ضرب مفاعل "تموز النووي" بدقة متناهية وبمعلومات أكيدة من الداخل!!!، وبعد أن إنتهت صراعاتنا الداخلية ودمويتها بالسيطرة الحديدية على البلد بنظام بوليسي كان يحبس أنفاس المواطنين ويسجّل كلماتهم العفوية على أنها مقصودة للإساءة بالسلطة وتأويلها بمقاصد ومعاني بعيدة كل البعد عن تفكير (المتهم) فيذهب قائلها السيء الطالع في تلك اللحظة في زيارة دون رجعة الى ما وراء الشمس!!!، ثمّ جاء زمن الحروب الكارثية التي عصفت كالريح الصفراء بكل ما كان حَيْ حتى (ضمائرنا)!! ـ ـ فبتنا نعيش بأجساد خاوية وخالية ومتجردة من الأرواح والضمائر التي ماتت بـ (السكتة الأخلاقية)!!!، وحيثُ كانت تتقاطع أعراسنا وزفّاتها المفرحة والمتميزة بوقوف سيارة أجرة أمام الدار المُحتفل وعليها تابوت ملفوف بالعلم العراقي المتمخض بالدماء أكثر من أي علم آخر في العالم فينقلب العرس الى مأتم وتمتزج هلاهل الفرح للأخ "المعَرّسْ" مع هلاهل زفّة الأخ الشهيد ذو التاسع عشر ربيعاً "الذي لم يدخل الدنيا بعد" على حد قول الإخوة المصريون والذي لم يمضي على التحاقه بخدمة العلم أكثر من سنة وحيثُ سيُكتب على شاهد قبره: الشهيد فلان الفلاني الذي لم تكن حياتهُ بأفضل حال من حياة الأسطة جَبرْ من بَطن أمّه للگبر (تم تحوير المثل الشعبي لضرورات النشر)!!!، فأين هو الزمن الجميل إذن؟؟؟!!!.
وربما يعتقد من يعتقد بأنه كان لنا "زمناً جميلاً" ويؤمن مِن أن تلك الممارسات والفعاليات البسيطة التي نتذكرها من سفرات وجلسات سمر وسماع للموسيقى على أنها علامات مميزة للأزمان الجميلة التي يعيشها سكان كوكبنا فهو خاطئ بالقَسَمْ التوكيدي الثلاثي!!، لأن تلك الممارسات موجودة الآن في البلد وربما بمساحات وفضاءات أوسع وبتقنيات ومجالات أفضل من محلات التسوّق "المولات" الى مدن الألعاب الى النوادي الى حتى (الحريّات) الإجتماعية وإن كانت غير مكشوفة بصورةٍ تشكّل ظاهرة (مِني جوبية) مجتمعية!!، إذن أين هي المشكلة لنعيش في الزمن الجميل الحقيقي؟؟؟!!!: هل هي بتوفير الأمان فقط؟؟!!، وهل كان الأمان متوفر بشكل حقيقي وثابت في المجتمع سابقاً وبنسب مقبولة لا نبغي منها الوصول الى النسبة المئوية المطلقة التي لا يمكن بلوغها حتى في جمهورية أفلاطون المثالية؟؟!!، أم هي مقارنة نسبية بين الماضي الذي عشنا عدم إستقراره منذ وعينا على هذه الدنيا وفقداننا لأمنه وبنسب أكبر منه في أيامنا الحاضرة؟؟!!.
المشكلة التي تحول دون معيشتنا في "الزمن الجميل" تكمن بنوعية النظام المجتمعي وقوانينه ودستوره الذي تتداخل فيه المعتقدات والقناعات الشخصية بما لا يجب أن تكون عليه لنعيشه في ظلّ نظام حضاري مدني بعيد عن القناعات والمعتقدات الشخصية.
فكل المشكلة تكمن بخطأ صياغة الدستور وإقحام الدين والقومية في النظام المجتمعي المتنوع والشامل الذي من المفروض يستظل تحت مظلته الجميع، والمشكلة تكمن أيضاً بعدم سن القوانين الحقيقية التي تحترم الإنسان وتثقف أفراد المجتمع بأطيافه على قبول الآخر والتعايش السلمي فيما بينهم، والمشكلة أيضاً تكمن في عدم إدراك تداول السلطة بالطرق الديمقراطية الحقيقية، وإن حصل ولم نستطيع الوصول الى السلطة عبر الطرق السلمية والدستورية سنقوم بإنقلاب عسكري أو نزرع الرعب بالوسائل المتاحة للقتل والدمار.
والزمن الجميل يكمن في الراحة النفسية للمواطنين من أن هنالك دستور يحميهم بقوانينه العادلة للجميع ولا يستطيع كائن من كان تغيير بوصلة مستقبلهم بسبب كلمة عفوية خرجت دون قصد فيذهب قائلها في الباي باي!!، أو تتغير بوصلة مستقبلهم بقرار (ثوري) إتخذه "ظل الله على الأرض" في دقائق لإعلان الحرب التي أخذت أرواح مئات الآلاف من الشباب الحالم بمستقبل زاهر فإنتهت إجسادهم وأحلامهم تحت التراب!!، أو بسبب إنتماء أو معتقد ديني أو مذهبي مغاير للأكثرية السلطوية الحاكمة يؤدي الى عدم قبول المعني بوظيفة أو موقع حَلِمَ وعَمل عمره كله ليناله، أو بسبب العِرقْ وما الى ذلك من الإنتماءات المكتسبة التي بدون أدنى شك أصبحت تهمة كلصقة "جونسون" الشهيرة ملازمة لصاحبها حتى وفاته!!!.
وهل نعلم من أنّ غاية الدول المتحضرة التي تعرض في متاحفها وعلى جدران أبنيتها الحكومية ووسائل إعلامها وتواصلها الإجتماعي آرشيف صور مدنها ومواطنيها قبل مئة سنة أو ما يزيد أو ينقص قليلاً هي رسالة لمواطنيها الحاليين مفادها مِن أنّ عليهم مقارنة بؤس وصعوبة حياة أسلافهم عمّا يعيشونه الآن من رخاء ورفاهية وتطور حضاري!!!.
أما نحن فنعرض صور ماضينا للتحسر عليه والتمني بالعودة نصف قرن أو ما يزيد الى بؤسه الذي أطلقنا عليه "أيام الزمن الجميل" زوراً وبهتاناً!!، وحسناً إعترفنا ضمناً بأنها كانت (أياماً) وليست شهوراً أو سنوات أو قروناً لزمنٍ في بلد يقول المؤرخون أنّ عمره (الحضاري) مِن المفروض قد تجاوز الستة آلاف عام!!!.
وخوفي ـ ـ لا بل كلّ خوفي أن تعرض الأجيال الشبابية الحالية وما يليها من الأجيال المعاصرة لهذه الفترة مستقبلاً صور الزمن المزري الذي يعيشونه الآن في العراق ويتفاخروا به على أنه كان "زمنهم الجميل"!!!، فأي مقارنة ومفارقة محزنة تعيشها أجيالنا.
                         

16
عودة ثانية الى الشأن الوطني ما بين المركز والإقليم
بقلم: سالم إيليا
إنّ محاولة تدويل الخلافات الداخلية العراقية من قبل حكومة إقليم كردستان/العراق يؤكد مرة أخرى تصرفها على أساس إنفصالي ربما لترسيخ سياستها الماضية بهذا الشأن وتسويقها لدول العالم وكأنّ الحال هو خلاف قائم بين دولتين وليس بين المركز والإقليم.
وحيثُ أوضحت ممثلة الإتحاد الأوربي في إقليم كردستان/العراق (كلاريس باستوري) لرئيس حكومة الإقليم السيد نيجرفان البارزاني خلال لقائها به يوم الخميس المصادف الحادي عشر من كانون الثاني الجاري وبشكل شفاف وصريح بقولها:
"لا تنتظروا مساعدة من أي طرف لا من أمريكا ولا من أوربا، هذه مشاكلكم الخاصة وعليكم حلّها بأنفسكم ونحن نؤمن بأنكم قادرون على ذلك".   
الرابط أدناه الإتحاد الأوربي يحث حكومة إقليم كردستان/العراق على عدم محاولة تدويل الخلافات الداخلية العراقية:
https://www.algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/33612-2018-01-11-10-07-00.html
ولا أعلم لماذا تحاول حكومة الإقليم تعقيد الحلول الواضحة وتطويل المسافات للوصول الى الهدف المرئي والمباشر بطلب التدخلات الخارجية التي غالباُ لا تؤدي الى نتيجة، لا بل تعقدها وتدخلها في النفق المظلم لمصالح تلك الدول الخارجية وتبدأ مقايضات تلك الدول على سيادة الإقليم وثروته كما ستفعل مع الجانب الإتحادي الشئ ذاته وستكون النتيجة بمحصلتها النهائية فائدة كبيرة لتلك الدول وبقاء الخلاف على ما هو عليه بين المركز والإقليم، لا بل ستغذيه تلك التدخلات الخارجية للحفاظ على إبتزازها للطرفين!!!.
 فليس هنالك تساهل أو تفاوض على تقسيم البلد من قبل أي حكومة إتحادية مهما كانت صبغتها والمتمثلة برئيس سلطتها التنفيذية حتى لو كانت هنالك ضغوطات خارجية عليها، لأنه وببساطة التغاضي عن هذا الأمر يُعتبر خيانة عظمى، وكل ما في الأمر على حكومة الإقليم الغاء نتائج الإستفتاء الغير قانوني والغير دقيق أصلاً وحسب إدعاءات أطراف كردية فاعلة داخل الإقليم، والإعلان عن مصير الأموال المستحصلة من بيع النفط منذ سنة 2014م داخل الإقليم ولحد الآن، والإمتثال للدستور بشأن إدارة المطارات والمنافذ الحدودية ومردوداتها المالية وسيتم حل كل المعضلات الأخرى البسيطة ربما بساعات وليس بأيام وستعود البسمة على شفاه أهلنا في الإقليم قبل غيرهم خاصة الموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم لأشهر عديدة ويعود الإنتعاش الإقتصادي في الإقليم ربما أفضل من السابق.
الرابط أدناه لمحاولة حكومة الإقليم للتوسط لدى أنقرة للضغط على حكومة بغداد الإتحادية لحل الخلافات:
https://kitabat.com/news/%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%b7%d8%a9-%d8%a7%d9%86%d9%82%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af-%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d9%84/
وعلى ذمة الخبر على الرابط أدناه والمعنون عن لسان وفد الأحزاب الكردية الذي إجتمع مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يقول: "بأن بغداد تفهمت إحتياجات مواطنينا لكن حكومتنا مصرّة على نهجها القديم"!!!.
https://kitabat.com/news/%D9%88%D9%81%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B2%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%AA%D9%81%D9%87%D9%85%D8%AA-%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A7/
هنالك خطأ متعمد من البعض والغير متعمد من البعض الآخر من السياسيين والإعلاميين العراقيين بصورة عامة وفي الإقليم بصورة خاصة بطرح الخلاف من خلال تسميات تعزز التقسيم من أمثال /الخلاف بين بغداد وأربيل/ أو /الخلاف بين كردستان والعراق/ أو /التعايش السلمي بين الشعب العراقي والشعب الكردستاني/ الى آخره من ـ المصطلحات ـ المستحدثة لغايات إنفصالية معروفة وواضحة !!!، وهذه التسميات الخاطئة المقصودة بنشرها وتداولها من (البعض) يُراد بها تكيّف وترويض الشعب العراقي بمجمله بصورة خاصة ودول العالم بصورة عامة على قبول التقسيم لاحقاً!!!، فعلى المسؤولين الإتحاديين بصورة خاصة ووسائل الإعلام والشعب بشكل عام تجنبها وتحجيمها وعدم السماح بترويجها وبالأخص في لقاءات المسؤولين الإتحاديين بوسائل الإعلام وعدم السماح للصحفي بطرح الأسئلة التي تحتويها لأنها تعزز وتسوّق فكرة التقسيم، كما أنّ على وزارة الخارجية العراقية الطلب الى جميع الدول من خلال سفاراتها ووزاراتها الخارجية لعدم الترويج لهذه التسميات في مخاطباتها الرسمية لأنها ستعتبر مشاركة في تسويق فكرة الإنفصال والمس بوحدة العراق وسيادته، كما أنّ على أعضاء مجلس النوّاب مناقشة هذا التوجه الخطير وإصدار قرار واضح بشأنه.
من جانب آخر يعترض البعض من السياسيين الكُرد في المقابلات على القنوات الإعلامية الفضائية ووسائل الإعلام على إطلاق التسمية العلمية /الجغرافية لإقليم كردستان/العراق والمعرّف بـ "شمال العراق"!!!، وهذا ما تكرر مراراً في اللقاءات مع النائب عن كتلة التغيير في البرلمان العراقي (سروة عبدالواحد) التي بدون أدنى شك يعتبرها المراقبون إحدى الدعامات الأساسية للحيلولة دون إنهيار العلاقة بين المركز والإقليم لأنها تمتلك القدرة على المحاورة والمحاججة الهادئة الخالية من التشنجات الفكرية المتطرفة إضافة الى جرأتها المعهودة في نقد السياسيين وخاصة في الإقليم الذين أوصلوا الأمور بين المركز والإقليم الى حد القطيعة.
وفي لقائها الأخير في برنامج "المناورة" المعروض على الرابط أدناه أعلنت تحفظها على تسمية "شمال العراق"!!!:
 https://www.youtube.com/watch?v=SsXXrl8VlRk
ففي الدقيقة (8:30) من البرنامج طرح مقدم البرنامج الإعلامي غزوان جاسم السؤال الأول على ممثلة كتلة التغيير في البرلمان العراقي سروة عبدالواحد وقبل أن تجيب تحفظت على ما ورد في البرنامج من تداول تسمية "شمال العراق" على إقليم "كردستان" مستندةً على مخالفة هذه التسمية لما أقره الدستور العراقي.
وربما نتفهم جميعنا سبب هذا التحفظ الذي ربما يفضي تداول هذه التسمية الى الغاء جميع المكتسبات المتحققة لأهلنا الكُرد عملياً وستعود الأمور الى المربع الأول ويتناسى الشعب من أنّ هنالك نضال طويل للكُرد تتوج بإقرار إقليم كردستان دستورياً.
لكن لنناقش الأمر جغرافياً وعلمياً برحابة صدر وبدون تشنجات طائفية/قومية، فشاء من شاء وأبى من أبى فإنّ إقليم كردستان/العراقي الدستوري يقع في شمال العراق جغرافياً وحسب الإتجاهات الأربعة لبوصلة الكرة الأرضية التي أثبتتها البراهين العلمية والثابتة عالمياً.
فبمجرد إعتراض البعض على هذا الوصف ورفض قول "إقليم كردستان/العراق الذي يقع في شمال العراق" هو إنتهاك للدستور وإستهانة بالإقليم بالغاء موقعه على الخارطة الجغرافية للعالم ودعوة الى عدم تبعية الإقليم للعراق وبموقعه في شماله ويعد هذا الرفض تكريس لخطوات التقسيم!!!، وعجيب كلام البعض من الذين يعترضون دون تمحيص لمنطقية إعتراضاتهم: فهل يجب على العراقيين تقديم طلب (لخالق) الكون يستسمحوه بتغير إتجاهات الكرة الأرضية ورفع إقليم كردستان/العراق من شماله لأن هذا الوصف لا يروق للبعض؟؟؟!!!، فأي منطق وصلوا اليه هؤلاء في رفضهم للحقائق العلمية الجغرافية والثوابت الألهية التي لا يختلف عليها نقيضان!!!.
وهل يرضى هؤلاء عدم تحديد موقع جغرافي لإقليم كردستان على الخارطة الجغرافية للعالم؟؟!!، وإذا سأل سائل: أين يقع الإقليم؟؟!!، فماذا سيكون جوابهم؟؟!!، هل سيجيبون بأنه طائر في الهواء أو لا يقع في أي إتجاه؟؟!!، أم سيجيبون الجواب العلمي الصحيح من أنه يقع في شمال العراق، وفي نفس الوقت يقع جنوب الحدود التركية وشمال غرب الحدود الإيرانية وشمال شرق الحدود السورية ـ ـ اليس كذلك؟!، هذا إذا كان من يعترض يؤمن بصدق عدم الرغبة بالإنفصال والإلتزام بالدستور الذي يؤكد في الباب الأول/المادة (1) على وحدة العراق، وينص في الباب الخامس/الفصل الأول/المادة (117)/أولاً على ما يلي: "يقر هذا الدستور عند نفاذه إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليماً إتحادياً" إنتهى النص ـ ـ وهذا يعني إقرار إقليم كردستان الذي هو جزء من العراق الإتحادي ويقع شماله ـ ـ نقطة رأس السطر!!!.     
"وشهد شاهد من أهلها"، ففي الرابط أدناه يكشف نائب رئيس اللجنة المالية في البرلمان الكردستاني علي حمه صالح (الذي يُعرّف في كردستان/العراق على أنه آلة حاسبة) عن إختفاء مبلغ مقداره (642) مليون دولار من واردات النفط المصدّر من قبل حكومة الإقليم البالغ مجموعها ملياراً وأربعمائة وثمانية وثمانين مليون دولار خلال الربع الأخير من العام الماضي وحسب ما ذكر النائب وعلى ذمة الخبر!!!.
https://kitabat.com/news/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b4%d9%81-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%a1-642-%d9%85%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%af%d8%a7%d8%aa/
ولكي ننصف حكومة الإقليم من خلال ما ذهب اليه نائب رئيس اللجنة في البرلمان الكردستاني الذي إعتبر أن حكومة الإقليم من المفترض قد حصلت على خمسين دولاراً صافياً للبرميل الواحد بعد الإستقطاعات لتصديرها ثلاثين مليون برميل خلال الربع الأخير من السنة الماضية، لكن حسب إعتقادي لا يمت هذا التخمين للواقع بصلة، لأن تكلفة إنتاج برميل النفط في الإقليم وحسب تصريحات المسؤولين يصل الى (25) دولاراً أمريكياً للبرميل الواحد والذي يشتمل على حصّة الشركة المستخرجة للنفط وكلفة التسويق والى آخره من المصاريف (وهو مبلغ عالي جداً مقارب لتكلفة إنتاج البرميل الواحد في كندا مثلاً التي تستخرج النفط بعمليات معقدة من الرمال النفطية التي تكون فيها قطرات النفط ممزوجة مع ذرات الرمال، وليس كما يستخرج في العراق ودول الخليج كسائل ثقيل خام لا يحتاج إلاّ لمد الأنابيب ويستخرج النفط غالباً بقوة ضغط الآبار، مع الأخذ بنظر الإعتبار فرق رواتب الموظفين والعمال في كلا البلدين، فعلى سبيل المثال تكون إجرة العامل الغير ماهر أو المستخدم  في الحقول النفطية الكندية ما يصل الى عشرين دولاراً أمريكياً في الساعة أي أنّ راتبه الشهري يتجاوز ربما راتب رئيس مهندسين في الحقول النفطية العراقية)!!!، ولو فرضنا أن معدل سعر البرميل الواحد عالمياً أو كما سوقته بغداد للربع الأخير من السنة هو (60) دولاراً، وحيثُ تصاعدت أسعار النفط لتصل ما بين (58 ـ 62) للبرميل الواحد، فأن هنالك فارق في تقديرات النائب الكردستاني علي حمه صالح بحدود (450) مليون دولار زيادة على المبلغ الذي إستلمته حكومة الإقليم فعلياً، لكن يبقى هنالك بحدود (192) مليون دولار مختفية من أصل المبلغ الكلّي المستحصل للثلاثة أشهر فقط وهو أيضاً مبلغ كبير جداً.
و "شهد شاهد من أهلها" مرة أخرى، لكن هذه المرّة بخصوص التشكيك بنفوس الإقليم وعدد سكانه، وقد جاء كما هو مبين في الرابط أدناه على لسان ريبوار كريم المتحدث بإسم تحالف/ من أجل الديموقراطية والعدالة/ لمراسل الوكالة الوطنية العراقية للأنباء/ متهماً حكومة الإقليم من أنّ هنالك (600) الف مواطن (ناخب) غير حقيقي بين سكان الإقليم جلّهم متوفين ولم ترفع أسمائهم من سجّلات النفوس أو إضيفت أسماء المهجّرين الغير محسوبين على نفوس الإقليم الى سجلات مواطني الإقليم وسجلات الناخبين:
       https://kitabat.com/news/600-%d8%a3%d9%84%d9%81-%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d9%85%d8%b2%d9%88%d8%b1-%d9%84%d9%85%d8%b5%d9%88%d8%aa%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%82%d9%84%d9%8a%d9%85-%d9%85%d8%ae%d8%a7%d9%88%d9%81-%d9%81%d9%8a/
إذن من حق الحكومة الإتحادية التأني بصرف الرواتب لموظفي الإقليم والتشكيك بأعدادهم، وحيثُ تتحمل حكومة الإقليم أسباب معاناة هذه الشريحة المهمة من أبناء شعبنا في الإقليم، لذا عليها واجب تقديم البيانات الصحيحة للإسراع بدفع رواتبهم وعدم إستخدامهم كوسيلة ضغط على حكومة المركز لإجبارها على الغاء القرارات الإحترازية التي إتخذتها بعد إجراء الإستفتاء الغير قانوني في الخامس والعشرين من أيلول المنصرم، ولو كانت حكومة الإقليم جادة في إدعائها عن قلقها في تأثيرات هذه القرارات على حياة مواطنيها لعمدت الى الغاء نتائج الإستفتاء فوراً وبدون تردد والإلتزام بالدستور ولإنهت هذه المعانات خلال أيام قليلة لا تتجاوز الأسبوع أو لكانت إستجابت للأصوات من كل أنحاء الكرة الأرضية التي حذرتها من المضي في إجراء الإستفتاء.
وفي الرابط أدناه يتبين دعوة حكومة الإقليم للشركات العالمية المعتمدة في مجال التدقيق ومنها (ديلويت) و (ئي. واي) من قِبل مجلس النفط والغاز في الإقليم وسيتم من خلالهما تدقيق كافة إيرادات ونفقات مشاريع النفط والغاز في إقليم كوردستان/العراق، إضافة الى أنشطة السنوات السابقة، وحسب ما ذكر التقرير بأنها ستستمر العملية في المستقبل أيضاً!!!، وسؤالي: كيف أراد (البعض) تكوين دولة وليس لديهم القدرة على تهيئة كادر محلّي بفترة تدريبية قصيرة ليكون مؤهلاً لتدقيق إيرادات النفط والغاز وهذا الأمر من الأسس البسيطة لتكوين الدول؟؟؟!!!، فتعاقدوا مع شركات عالمية بملايين الدولارات للقيام بهذه المهمة وبالنتيجة ستعتبر هذه الأموال هدر للمال العام في الإقليم وسيتم مطالبة المركز بدفعها من مردودات نفط الإقليم!!!، الم يكن مفروضاً على حكومة الإقليم السعي الى تكوين الإسس الصحيحة لبناء كيان مستقل إدارياً ومن أولياته وجود دائرة تدقيق مالية، ولماذا لم تسمح حكومة الإقليم للجان التدقيق العراقية التي عرضت إستعدادها هي وديوان الرقابة المالية العراقي على القيام بهذه المهمة منذ زمنٍ بعيد، إذا لم يكن هنالك غاية أخرى؟؟؟!!!، ولماذا لم تفكر حكومة الإقليم منذ البداية في تكوين مثل هذه اللجان التدقيقية التي تحتاج اليها حتى الشركات الصغيرة وليس إقليم وارداته بالمليارات من الدولارات كإقليم كردستان/العراق؟!، "فلم ترحم ولم تسمح لرحمة الله أن تنزل" كما يقول المثل الشعبي، وذلك إمّا بتهيئة كادر تدقيق محلّي أو السماح للّجان التدقيقية للمركز للقيام بهذه المهمة وتركت "الحبل على الغارب" الى أن تفاقمت وتراكمت وتعقدت الحسابات لسنوات طويلة فأصبح من الصعوبة على كوادر الإقليم فك (الغازها)، فإستعانت حكومة الإقليم بتلك الشركات العالمية لمساعدتها!!!، وماذا ستفعل الشركات العالمية أكثر مما سيفعله الكادر العراقي بدون وجود وثائق رسمية للإيرادات ومقارنتها بالوثائق الموجودة في ميناء "جيهان" التركي الذي يتم تصدير النفط منه، وإذا كانت هذه الوثائق والأخرى لصرفيات الأموال المستحصلة من تصدير النفط في الإقليم موجودة وليس عليها أي شكوك لطعنها، فلماذا لا تسمح حكومة الإقليم بتدقيقها من الجانب الإتحادي؟؟؟!!!.
ربما سيقول قائل بأنّ أكيد للحكومة الكردية  هذا الكادر وإلاّ كيف إستطاعت إدارة محافظات شمال العراق (أربيل، السليمانية ودهوك) منذ سنة 1991 ولغاية سنة 2003م وبعدها إدارة إقليم كردستان/العراق لغاية سنة 2014م عندما سمحت لها الظروف المزرية للحكومة الإتحادية ودخول داعش بأخذ زمام المبادرة ومحاولة تكريس خطوات الإنفصال؟!:
فيكون الجواب من أنّ الحكومة الكردية منذ سنة 1991م ولغاية سنة 2014م لم تكن إلاّ إمتداد للحكومة الإتحادية ولم يكن لها دخل في بيع النفط وتسويقه وإستحصال أمواله، وإنما كانت مجرد "وسيط" لتوزيع مستحقات المواطنين وصرفيات الإقليم من الخزينة المركزية، وحتى البطاقة التموينية كانت ولا تزال تصل من المركز وكانت حكومة الإقليم قبل 2003 تسمح لدوائر التدقيق المالي المركزي ومنها ديوان الرقابة المالية الإتحادي بالتدقيق السنوي، وهذا ما يعني بالمختصر المفيد من أنّ الأمور الفنية في إدارة الإقليم كانت لا تزال بيد المركز.
الرابط أدناه لما ورد أعلاه بخصوص تعاقد الإقليم مع الشركات العالمية للتدقيق:   
http://www.ishtartv.com/viewarticle,78998.html
إنّ ما يحدث الآن من تجويع متعمد غاياته سياسية بحتة خاصة لشعبنا في السليمانية وتوابعها وحلبجة وتوابعها وحتى أربيل ودهوك يثير الإشمئزاز لما وصل اليه السياسيون ومافياتهم من إستخفاف بحياة الملايين وضمانهم لعدم قدرة الشعب الجائع حتى على الإحتجاج السلمي والصراخ العلني أو ايصال أنينهم للعالم، وإلاّ سيكون الرصاص الحي بإنتظارهم وستكون (جحوش) السلطة جاهزة لقمعهم وتمزيق أجسادهم الهزيلة بالهروات، فهل سيشعر المتخمون بمليارات الدولارات وسارقيها من أفواه شعوبهم بمآسي الأكثرية المطالبة بحقوقها المشروعة لسد رمق أطفالها وعوائلها؟؟، الم يكونوا يوماً هؤلاء المنعّمون الآن مطاردون في الجبال والوديان والصحارى العراقية أو لاجئون يعيشون على برامج الرعاية الإجتماعية في دول اللجوء؟؟، اليس من المفروض أن يتخذوا من معاناتهم السابقة سبباً للعدل بين الناس وإعطائهم حقوقهم؟؟، أم أنّ للسلطة جدار سميك يفصل أصحابها عن الشارع الشعبي الذي كان يوماً الملاذ الوحيد لهم؟؟، وحيثُ أثبتت الوقائع بطلان شعاراتهم وأنّ (نضالهم) كان لطموحاتهم الشخصية وليس لأهداف قومية أو جماهيرية.       

17
لقاء النقيضان ومتعة المشاهدة ما بين الإعلاميان سلام مسافر وأحمد البشير
بقلم: سالم إيليا
إستضاف الإعلامي المعروف والمميز سلام مسافر في برنامجه الشهير "قصارى القول" الذي يُعرض على فضائية روسيا اليوم الشبه رسمية ( آر.تي) الإعلامي الأشهر أحمد البشير مقدم برنامج "البشير شو" الذي تعرضه القناة الفضائية الألمانية الشبه رسمية (دي.دبليو)، وحيثُ عنونَ مقدم البرنامج حلقته بعنوان مثير "هل يترشح أحمد البشير للرئاسة"؟؟!!، على إعتبار أنّ برنامج "البشير شو" الساخر قد أطلق عليه مقدمه أحمد البشير "جمهورية البشير"(*).
وربما أكون مطالب من قبل القرّاء الأعزاء عن تفسير لمعنى "لقاء النقيضان" كبادئة لعنوان مقالتي هذه والتي ربما أوضحها بشكلٍ دقيق الإعلامي القدير سلام مسافر في الدقيقة الأولى من البرنامج وفي معرض توضيحه لخروجه في هذه الحلقة عن السياق المتبع في إستضافة الشخصيات السياسية من "رؤساء وزارات ووزراء ورؤساء جمهوريات يتحدثون بلغة دبلوماسية عالية ويتجنبون أو يتحاشون الإجابة على الأسئلة التي تثير الجدل"، هذا ما قاله مقدم البرنامج سلام مسافر، أي أنّ برنامجه يمتاز بالجدّية والطرح السياسي البعيد عن السخرية والهزل، إضافة لفارق العمر بين المقدمين، فالأول (سلام مسافر) ينتمي الى جيل الإعلاميين آبان فترة السبعينات للقرن المنصرم وذو خبرة إعلامية تمتد الى أكثر من أربعين عاماً، والثاني (أحمد البشير) ينتمي الى جيل الإعلاميين الشباب.   
وعلى (النقيض) من برنامج ضيفه أحمد البشير الذي تبثه قناة (دي.دبليو) الألمانية ذو الشعبية المميزة الذي وصلت عدد المشاهدات له الى خمسة ملايين مشاهد ومشاهِدة من العراقيين للحلقة الواحدة على السوشيَل ميديا (أون لاين)!!، وحيثُ أصبح من البرامج العربية وحتى العالمية التي يحرص المواطن العربي أينما وجد على متابعته لإستخدام مقدمه الخطاب السياسي الساخر لإيصال الفكرة والمعلومة الجادة وهو أصعب أنواع البرامج السياسية لِما يقتضيه من موازنة صعبة لإرسال الرسائل السياسية الجادة والهادفة بطريقة كوميدية (ساخرة) وغير مسرفة بحيث لا يطغي الهزل على الجد أو العكس، كما ويحتاج الى حنكة ودراية وسرعة بديهية لمقدمه لطرح الموضوع السياسي بصيغة ساخرة، كما أنّ مشاهديه من الجنسين يجب أن يتصفوا بالذكاء لحل الألغاز وإستنباط الجد من الهزل ليحصلوا بالنتيجة على جوهر الطرح الجاد مِن خلال المشهد أو المحاورة السياسية الساخرة مع (الضحية السياسية) سواء أكانت حاضرة داخل البرنامج أو جرى التصويب عليها مِن بُعد أو تمّت محاكمتها من خلال البرنامج (غيابياً)، مما يضفي جو من البهجة والمرح والضحك وجميعها يحتاج اليها الشعب العراقي في خٍضَم المآسي التي يعيشها وعلى شاكلة المثل المعروف "شر البلية ما يُضحك"!!، ولله الحمد فأنّ الشعب العراقي برمته نبيه ويستطيع حل الألغاز وقراءة ما بين السطور لخبرته (الميدانية) التي إكتسبها لعقود طويلة من تجاربه القاسية مع قادته السياسيين الذين لا يجاريهم أي فصيح في إطلاق الوعود وعسل الكلام وفي ذات الوقت لا يجاريهم أي سياسي في العالم في نكث تلك العهود!!!.     
الرابط أدناه لكامل الحلقة لبرنامج "قصارى القول" الذي إستضاف الإعلامي الساخر "أحمد البشير":
    http://2tubenow.com/video/9WEPmgrQ9o4/video.html
لقد كانَ اللقاء ممتعاً بين (النقيضين) تناصف فيه الجد والهزل الحوار بين الشهيرين من مقدمي البرامج العراقية الموجهة عبر الفضائيات الأجنبية الى الشعب العراقي.
لكن ما إستوقفني أو بالأحرى (صدمني) هو ما ورد على لسان الإعلامي المميز سلام مسافر أثناء تداخله مع الإعلامي أحمد البشير في الحوار بينهما حول شخصية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي حين وجّه المحاور الأول (سلام مسافر) سؤالاً الى المحاور الثاني (أحمد البشير) في الدقيقة (23:0) من البرنامج وهذا نصّه:
"ما هي أبرز شخصية يجري إختيارها لتكون المادة للنقد السياسي الساخر؟".
فأجاب أحمد البشير : "بأنها لنوري المالكي".
وتداخل سلام مسافر بإستفساره: "لماذا" ؟؟؟، مبرراً (والكلام لا يزال لسلام مسافر) "من أنّ نوري المالكي أولاً رجل فصيح ويتحدث العربية بفصاحة ربما لا تتوفر عند آخرين!!، كذلك متأنق (تداخل معه بشكل ساخر كما بدا لي أحمد البشير بقوله: جداً)!!، ثمّ طموحاته السياسية عالية جداً وأطلق على نفسه أو أطلقوا عليه مختار العصر"!!، هذا ما قاله الأستاذ سلام مسافر ثم تسائل: "لماذا هو (يقصد نوري المالكي) يكون ضحية لسخرية برنامجك (يقصد برنامج البشير شو)"؟!.
أجاب البشير: "من أنّ الإخفاق في السنوات السابقة في إدارة الحُكم وطريقة الحُكم في العراق ومن المشاكل التي صارت بتسليم محافظات لداعش والسقوط الذي صار لمحافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين صراحةً ـ ـ  والأصدقاء الذين يلتفون حوله (يقصد حول المالكي) هم جميعهم مادة دسمة للسخرية وللتناقضات والوعود الكاذبة وبدون أسماء لأنهم راح يرفعون دعوة قضائية عليّ!!!، لذا فأن المالكي قد أدار العراق بطريقة سيئة وأوصلنا للذي نحن فيه ونحتاج الى ثلاث سنوات لخطأ إرتكبه لنتعافى منه (يقصد إحتلال داعش لثلث العراق ومن ثمّ طردهم منه) ونحتاج الى سنين لنتعافى من الأخطاء الأخرى، أعتقد بالنسبة لي (والحديث لا يزال للبشير) أسوأ مرحلة مرّت بالعراق ربما أو واحدة من أسوأ المراحل التي مرّت في العراق هي فترة حُكم المالكي وهذا رأيي الشخصي، فعلى الأقل نسخر من عنده وره اللي صار بينا"، هذا ما أجاب به الإعلامي أحمد البشير نصاً على سؤال الإعلامي سلام مسافر.
لكن ما تداخل به بعدها الأستاذ سلام مسافر يدعو حقيقةً الى العجب والتوقف عنده حين برر ثانيةً أخطاء نوري كامل المالكي التي أضاعت ما تبقى من البلد بقوله:
" فلنكن رحيمين!!، لولا المالكي ودخول داعش وتدميرها للمدن ـ ـ أولاً: ما كانت تتوفر فرصة للجيش العراقي أن يتدرّب ويصبح واحد من الجيوش المهمة التي يشار لها بالبنان (يضحك الإعلامي أحمد البشير لأنه إعتقد كما إعتقدنا نحن المشاهدين لهذه الحلقة بأنّ السيد سلام مسافر كان يسخر بكلامه هذا من أخطاء المالكي، لكن تبيّن للجميع من أنه كان يتكلم بجد مثلما أكد هو على ذلك لاحقاً وأعتبره أحد أفضال المالكي)!!!!!،  ثمّ أردف الصحفي سلام مسافر مكملاً تبريراته (الجدّية) لأخطاء نوري المالكي بقوله:
" والفضل الثاني للمالكي من أنّ الشركات العالمية ستقوم بإعادة إعمار ما دُمِرَ وبالتالي يحرّك عجلة الإقتصاد الدولي"!!!.
ولغاية إنتهاء مقدم البرنامج سلام مسافر من هذا التبرير وجميع المشاهدين ومعهم الناقد الساخر ضيف الحلقة أحمد البشير كانوا يعتقدون أن الأستاذ سلام كان يسخرأو يمزح في تداخله ليضفي جو من التناصف بين الجد الذي دأب عليه والهزل الذي فرضته عليه حلقته الخاصة تلك!!!، حتى تداخل معه أحمد البشير قائلاً:
"ما أريد دعاوي جديدة لأن الدعاوي اللي عليّ كافية" ظناً منه مرة أخرى بأن مقدم البرنامج يحاول إستفزازه بهذه الطريقة ليسخر من (الهدف المقصود)، فتفاجئ الجميع من قول مقدم البرنامج سلام مسافر:
"لا آني أحچي بمنتهى الجديّة ربما الرجل كان راسمها"!!!!!، فأجابه أحمد البشير:
" تقصد هذا الجانب الإيجابي!!!!، أي ربما كان مخطط الها"!!!، فأيد مستبشراً سلام مسافر هذا الجواب!!!، لكن أحمد البشير خذله بتكملته لتداخله بالقول:
" لا أعتقد هو بهذه الرؤيا، حتى بالفشل ما راح يخطط بهذه الدرجة"، ثمّ يتداخل (بجديّة) مرّة أخرى مقدم البرنامج بقوله:
"النصر الذي تحقق هو نصر مبين، وما كان ليأتي لولا الرجل (يقصد نوري المالكي) سمح ـ ـ "!!، فقاطعه الإعلامي أحمد البشير بطريقة إحتجاجية لا تخلو من الإستغراب والذهول لمثل هذا التعليل أو التبرير الذي شاركه فيه كل المشاهدين بقوله (والحديث لأحمد البشير):
" شنو الفائدة، چان من المفروض أصلاً ما يجي هيچي نصر لأنه ما نريد هيچ خسارة حتى ننتصر"، إنتهى هذا الحوار بعد أن غيّر المخضرم الإعلامي سلام مسافر دفة النقاش!!!!.
ولربما أراد مقدم برنامج "قصارى القول" الأستاذ سلام مسافر إرسال رسالة (بينية) للشعب العراقي مِن أنه وبحكم إستضافته لأرفع الشخصات العالمية ومنهم مَن عملوا أو لا يزال يعملوا في الأجهزة الإستخباراتية والمخابراتية قد إستطاع أن (يستقرئ) معلومة خلف الكواليس مِن ضيوفه (ليس كل ما يقال خلف الكواليس يُطرح على الشاشة) مِن أنّ السيناريو الذي تم تداوله بين المحاوِرَين سلام مسافر وأحمد البشير بشأن (إيجابية النتائج العرضية) لدخول داعش الى العراق هو سيناريو (حقيقي) خططوا له مَن كانوا وراء المالكي مِن دول ونفذه المالكي على إساس  ضمان حصوله على ولاية ثالثة ليقوم خلالها بتصحيح أو معالجة الكارثة بدخول داعش والتي مُنحت لـ (بديله) حيدر العبادي في إعادة هيكلة الجيش وإعادة بنائه وتنظيمه وتقويته ومن ثمّ تحريره للأرض العراقية ودعوة الدول لتقديم المساعدة لإعادة الإعمار!!، وحيثُ أنّ سيناريو السماح لدخول داعش ( مِن قِبل المالكي) ومن ثمّ طردها سيكون عذراً مقبولاً لا يحتاج الى تدقيق للتغطية عن (إختفاء) مئات المليارات من الدولارات خلال فترة الثمانية سنوات من حُكمه!!، فيظهر نوري المالكي بعدها وبولايته الثالثة بمظهر "البطل القومي" الذي خذله القادة العسكريين والمستشارين السياسيين بسماحهم لداعش بالنمو وإحتلال الأراضي العراقية خلال الولايتين السابقتين، لكنه إستدرك الأمر ونظّم بولايته الثالثة الجيش والحشد الشعبي الذي كوّنه بطريقة طردت داعش وجلبت الإستثمارات الى البلد وبهذا يكون قد هيأ لا بل ضمن لولاية رابعة وخامسة والى الأبد!!!، لكن "جرت الرياح بما لا تشتهي السفن"!!!، وذلك عندما أفشلت بعض الدول ذات التأثير الأقوى على الساحة العراقية هذا السيناريو أو المخطط فأجبرت المالكي على التنازل عن الولاية الثالثة فخرج بصيغة المهزوم والفاشل الذي حصلت في فترة رئاسته كل النائبات والهزائم عسكرياً وإقتصادياً وأمنياً.
ولا يسعني إلاّ أن أقول للساخر السياسي أحمد البشير "برافو" فقد نطقت بلسان كل العراقيين، وأقول للإعلامي القدير سلام مسافر: "ما هكذا تورد الإبل" يا إستاذنا الفاضل!!، فمن المعروف لديك بأن الشعب العراقي فطن ولا تنطلي عليه مثل هذه التسويقات الإنتخابية والتي لا تنفع لا بل تضر مروّجيها، كما وأنّ برنامجك يُخاطب النُخب المثقفة من العراقيين والعرب فلا تستخف من خلال هذه الطروحات بفكرهم، وصاحب هذه السطور وأعتقد معي مئات الآلاف من المثقفين العراقيين والشعب العراقي بشكل عام نفتخر بمكانتك الإعلامية فلا تغيّر رأينا فيك!!، فعذرك ومبررك وتبريرك لأخطاء رئيس الوزراء السابق خطير ولا يمكن قبوله ومن الخطأ تسويقه، خاصة على لسان أحد الإعلاميين المعروفين بمكانتهم في الأوساط الثقافية العراقية كجنابك، فلو صح ما تقول لكان على جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق ومنهم روسيا، وكذلك أوربا والعالم أجمع أن يقيموا التماثيل في أشهر ساحات مدنهم ويترحموا على النازي "هتلر" بإحتلاله وتدميره روسيا وأوربا وبلده المانيا، لأن بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة إنتعش الإقتصاد العالمي نتيجة الإعمار للدمار الذي خلفته الحرب وتطورت قدرات الجيوش وإختراعاتها التسليحية ومنها القنابل النووية التي ما كانت لتصنّع لولا قيام الحرب الكونية الثانية وتطورت بقفزات هائلة الصناعات المدنية لأن "الحاجة أم الإختراع"، لكن ماذا عن الضحايا بعشرات الملايين من الجيوش والمدنيين والمآسي التي لا تزال تعرض على الشاشة الصغيرة، كذلك الحال بالنسبة لفترة الثمانية سنوات من حُكم المالكي، ويكفي جريمة سبايكر التي راح ضحيتها (1700) شاب بساعات قليلة وأكثر من ثلاثين الف ضحية مدنية لا تزال البعض منها تحت الأنقاص كلفت أهل الموصل لتحريرها، ناهيك عن الآلاف من السبايا الأيزيديات وضحايا داعش في المدن التي إحتلتها وفقدان مكوّنات عراقية بكاملها نتيجة تهجيرهم مع تحطيم كامل للآثار والصروح المعمارية، إضافة الى الخسائر البشرية الأخرى في صفوف الجيش والقطعات الساندة المتجحفلة معه، وخسارة مئات المليارات من الدولارات وإنهيار كامل للميزانية العراقية.
إنّ ما ذكره الصحفي الجليل سلام مسافر من (مميّزات) ربما إعتبرها هو ضرورة إستثنائية وتفاضلية لصالح رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مقارنة بمنافسيه في إدارة الدولة من عدمها لا أعتقد أنه قد أصاب بها كبد الحقيقة، فما علاقة فصاحة اللغة والأناقة ومختار العصر بإدارة الدولة؟؟؟!!!، ولا أعتقد بأن خليفته العبادي تنقصه هذه المميزات أو تختلف كثيراً عن سابقه.
أعتقد إنّ على الإعلامي القدير سلام مسافر تقديم تفسير مقنع لما برره لنوري المالكي من أخطاء دمرت البلد لكي لا يُفهم من كلامه على أنه عبارة عن تقديم (الشكر) للمالكي نيابة عن روسيا التي تُعتبر إحدى الدول الكبرى المستفيدة من دخول داعش الى العراق وسوريا!!!!!، أو قد يُعتبر كلامه دعاية إنتخابية مبكرة لأحد أهم من شاركوا في تدمير العراق بعد 2003م، وما يعتبره المراقبون السياسيون أسوأ رئيس وزراء في تاريخ العراق الحديث، ولكي لا يوضع هذا التبرير الضبابي على أنه خلط أوراق لمصلحة المالكي الذي زار (روسيا) قبل أشهر و(ربما)بدعم وتسويق إيراني كما تسربت بعض الأخبار عن تلك الزيارة لطلب المساعدة (فنياً والكترونياً) ورد الجميل عند فرز الأصوات الإنتخابية القادمة وعلى شاكلة ما تسرب في الإنتخابات الأمريكية السابقة!!!.
للمُقدِمَيْن الشهيرين أقول كل عام وأنتما بخير ونتمنى أن تكون السنة الجديدة (2018) سنة إستمرار النجاحات الإعلامية لكما.
وبعد أن أنهيتُ المقالة وكنتُ على وشك نشرها، ومن خلال مشاهدتي للبرنامج السياسي "بالحرف الواحد" الذي يُعرض على قناة الشرقية لمعده ومقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال والذي عُرض يوم الأربعاء المصادف العاشر من كانون الثاني 2018م، تفاجئت وكما تفاجأ غيري من المشاهدين للبرنامج بخبر إنضمام أحمد البشير الى قائمة من القوائم الأكثر راديكالية من بين قوائم إحدى مكونات المجتمع والمثيرة للجدل بسبب إرتباطاتها الخارجية الإقليمية والتي تعزز وبقوة النزعة الطائفية في المجتمع!!.
الرابط أدناه لحلقة  برنامج "بالحرف الواحد" الذي أعلن فيها الإعلامي أحمد ملاّ طلال هذا الخبر:
https://www.youtube.com/watch?v=HgmnIzUnOaQ
فماذا حصل لكم يا أهلنا؟!!، كلما نرتجي الأمل والفرج خاصة على أيدي الشباب الواعد العابر للطائفية نتفاجأ بالأسوأ.
الم يكن الأجدر بالشاب الإعلامي أحمد البشير التفكير الف مرّة، لا بل مليون مرّة قبل إتخاذ هذا القرار؟؟؟، وما هي المغريات التي دفعته لتبديل ثوبه الوطني وهويته الوطنية بالهوية الطائفية؟؟؟!!!، الم يكن في برنامجه يسخر من الطائفيين ويتكلم بلسان العراقيين العابرين للطائفية الذي إستقطب قرابة الخمسة ملايين مشاهد ومشاهدة من العراقيين الوطنيين من مختلف الشرائح؟؟؟!!!، وهل يعتقد بأنّ هذه الملايين ستبقى تشاهد برنامجه حين يستقل بمحطة خاصة تبث من خلال الإنترنيت (كما نوه خلال حديثه في برنامج قصارى القول)، لتصبح هذه المحطة ممولة من جهات مشكوك بأغراضها ودوافعها بدل الفضائية الألمانية الواضحة التمويل من الحكومة الألمانية؟؟، وبكل تأكيد سيكون أصحاب الأقلام والبرامج الوطنية بالمرصاد لبرنامجه الذي سينحى منحى طائفياً بلغة ربما تكون وطنية مغلفة.
لماذا إستبدلت أيها البشير أهلك ذو الخمسة ملايين من مختلف مكونات الشعب العراقي وبعتهم في سوق النخاسة السياسي؟؟؟، فلقد تورطت ووضعت يدك في خلية النحل التي سوف لن تتذوق شهدها!!، وإنما ستدمى وتتورم بلسعات الدبابير السامة!!.
فلقد كنتَ إعلامياً وطنياً محبوباً وستصبح سياسياً طائفياً منبوذاً ما لم تتراجع عن هذا القرار الخاطئ، وإذا كان لابد من خدمة بلدك العراق ومواطنيه من خلال السياسة، فإدعم وإنضم للتحالفات الوطنية العابرة للطائفية التي سخرت منها في برنامجك الذي أصبح شعبياً بوطنيته وليس بطائفيته.
لقد كنتُ قاب قوسين لعدم نشر هذه المقالة "إحتجاجاً" على هذا التطور الدراماتيكي، وحيثُ كنتُ أرى في مقدمتها وكما هو واضح للقرّاء من أنّ هذا الإعلامي الشاب ومن في توجهه الإعلاميين الشباب الأمل للعودة الى لمّ الشمل تحت المظلة الوطنية، لكنني قررت نشرها بعد إضافة المقاطع الأخيرة التي أرجو أن تصل الى كل وطني ووطنية عراقية خاصة من الشباب ليتفادوا الشراك التي يوقعهم فيها تجّار السياسة وبالمغريات المادية وغيرها.
وقولي الأخير لله درّك يا عراق، والف وسفة على من يبيع هويته الوطنية وأهله وناسه بأبخس الأثمان.     
إنتباهة:
(*) إطلاق صفة "الإعلامي" صحيحة لغوياً على من يعمل في الصحافة والنشر والإعلام والأدب، وليس كما يعتقد بعض الساسة ومنهم المهندس إنتفاض قنبر رئيس حزب المستقبل العراقي وحسب ما ورد في حديثه من خلال برنامج "ستوديو التاسعة" لمقدمه (الإعلامي) المعروف أنور الحمداني، وحيث يعتقد أنّ من الخطأ إطلاق هذا الأسم على من يعمل في الصحافة والإعلام!!!.
 
 

18
نشيد البعث "مرحباً يا معارك المصير" الفخ الذي أوقعوا فيه العبادي في الإستعراض العسكري ليوم النصر
بقلم: سالم إيليا
جرت في الأيام القليلة الماضية مراسيم الإحتفال بالإنتصار على داعش بمسك الحدود وتمشيط المناطق الصحراوية التي تقع ما بين محافظات الموصل والأنبار وصلاح الدين والتي كانت لوقتٍ طويلٍ الحاضنة لتنظيمي القاعدة وداعش.
وقد أعلن السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي يوم السبت الماضي الموافق التاسع من كانون الأول/2017م بيان النصر الذي وقع في فخهِ الصغيرٍ تمهيداً لوقوعه في الفخ الأكبر وكما سأبين لاحقاً، وحيثُ هنئ وشكر في كلمته جميع صنوف الجيش والحشد الشعبي والقطعات والوزارات الساندة وأسقط (عن عمد أو دونه) التهنئة والشكر لقوات "البيشمركة" التي إشتركت في تحرير الأراضي من داعش وقدمت الشهداء حالها حال جميع الصنوف المشاركة الأخرى!!، مما وضع علامات الإستفهام الكثيرة وفي هذا الوقت المتأزم والمحسوبة فيه أنفاس السياسيين، إذ بدأت منذ الآن حمى التسقيطات السياسية بكيد الكائدين من السياسيين وحيثُ لم يتبقى غير أشهر معدودات على الإنتخابات القادمة، وهذه "الهفوة" سرعان ما تفاعلت معها وكما هو متوقع حكومة الإقليم، فأصدرت وزارة "البيشمركة" بياناً ردّت فيه على هذا التجاهل الذي عززته كَرَدِ فعلٍ الى رفض حكومة الإقليم في الحذو حذو المركز بإعتبار يوم الأحد الذي تلا بيان النصر عطلة رسمية في المناطق التابعة لها، الرابط أدناه لبيان وزارة "البيشمركة":
http://www.ishtartv.com/viewarticle,78483.html
 وفي اليوم التالي أقيم مهرجان عسكري كبير في ساحة "الإحتفالات الكبرى" لصنوف الجيش والقطعات المساندة من الحشد الشعبي وطيران الجيش والقوة الجوية والهندسة العسكرية والإستخبارات العسكرية وبقية الأجهزة الأمنية وبرعاية رئيس الوزراء حيدر العبادي، وكم كان مستغرباً لي كمتابع أن أشاهد كتائب وكراديس القطعات المستعرضة من أمام منصة التحية وهي تستعرض على أنغام النشيد الذي حفظه كل العراقيين المؤيدين والمعارضين للنظام السابق وهو نشيد "مرحباً يا معارك المصير" الذي بدون أدنى شك كان نشيداً حماسياً متكاملاً من الناحية الفنية والمُلَّحَن بنوتات المارشات العسكرية التي تصلح لمثل هذه المناسبات وحيثُ إتخذته الكلية العسكرية العراقية في عهد النظام السابق المارش العسكري الذي تسير عليه جحافل طلاّبها يوم تخرجهم وإستعراضاتهم وأصبح جزء لا يتجزأ من تراث الموسيقى العسكرية العراقية (ربما لهذا السبب لم ينتبه الى أمره القادة الجدد)!!، وحيث تتغنى كلماته بشكلٍ واضح بأمجاد الحزب الحاكم حينذاك وأهدافه ورسالته الخالدة!!، وحيثُ يقول أحد مقاطعه "أيها المشردون ـ ـ أيها المعذبون ـ ـ وحّدوا الصفوفَ ـ ـ وإرفدوا مسيرة البعث العظيم ـ ـ طلائع الرفاق شبت كاللهب وفجرت بأرضنا منابع الغضب ـ ـ من المحيط الى الخليج دولة العرب" !!، وحيثُ من المفروض أن يكون مرفوضاً جملةً وتفصيلاً عند من جاءؤا بعد سنة 2003م والذين يعلنون دائماً بمناسبة أو بدونها عدائهم لما أطلقوا عليه "نظام البعث" ولا يزالُ يطاردون أعضائه ومؤيديه!!.
ولقد خمنتُ في بادئ الأمر على أنّه ربما هنالك "تشويش" وتداخل الكتروني عالي الدقة في زمن "الفوتوشوب" وغيره من الحيل الألكترونية، لكن زالت ظنوني حين شاهدتُ الإستعراض على قناة "آفاق" المنسوبة الى رئيس الوزراء السابق نوري المالكي!!!، فشعرت بأن هنالك مَنْ أعلن ساعة الصفر للإيقاع بحيدر العبادي من خلال هذه الفخاخ المتزامنة التي بدون أدنى شك سيستخدمها خصومه للنيل منه في الإنتخابات والتي لم تأتي إعتباطاً!!.
 الرابط أدناه للإستعراض العسكري  الكامل على القناة الفضائية "آفاق" التي قصدتُ فيها الإستشهاد برابطها حصراً لغاية توكيدية لا تقبل التأويل والجدل، وحيثُ عُزف هذا النشيد في الدقيقة (7:57) ثمّ أعيد عزفه عدّة مرات خلال الإستعراض:     
https://www.youtube.com/watch?v=awyhfSlmFro
   وما دمنا بصدد هذا الإستعراض الذي ظهر فيه الجيش بكافة صنوفه أفضل بكثير من الإستعراضات السابقة، لكن يبقى دون مستوى الطموح لما كان عليه سابقاً، أود أن أطرح بعض الملاحظات التي لا تخدم العملية السياسية ولا الوضع العراقي المجتمعي بشكلٍ عام الذي يحاول فيه بعض السياسيين إعطائه "قبلة الحياة" بتصريحاتهم المتفائلة دون أن نلمس لها وجود على أرض الواقع.
ولأبدأ مع بداية دخول القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء حيدر العبادي وإعتلائه لمنصّة الضيوف وحتى آخر دقائق العرض العسكري:
ـ حرص رئيس الوزراء على أن يلقي السلام على عوائل الشهداء الذين وجهت الدعوات اليهم لحضور الإحتفال وهذا موقف يحسب له (لم يظهر هذا المقطع في الرابط أعلاه، لكنه موجود على اليوتوب)، وكان لتسارع ذوي الشهداء في تمرير (عرائض) ورسائل له يؤكد من أنه لا يزال هنالك غبن وعدم متابعة وخلل في القوانين لإنصافهم وإلاّ ما كانوا ليستغلوا رؤيته لطرح معاناتهم من خلال تمرير عرائضهم له، ثمّ على الحكومة أن تقضي على هذه الظاهرة التي إستشرت في المجتمع العراقي منذ زمن النظام العراقي السابق الذي شجّع فيه الرئيس الأسبق هذه الظاهرة الغريبة والغير موجودة في كافة بلدان العالم!!، فإنصاف المغبون أو المظلوم لا يتم بمعالجة الحالات الفردية من خلال العرائض وإنما من خلال سن القوانين للحالات المتماثلة لإنصاف الجميع على حدٍ سواء، إلاّ اللهمّ يريدون القادة الجدد الحذو حذو الرئيس الأسبق ويعتبرونها مكرمة من مكارمهم!!، وهذا بالضبط ما حدث مع الدكتور حيدر العبادي الذي تردد في أحيان كثيرة لإستلام تلك العرائض محاولاً تخطي الحماية التي فصلت بينه وبين محدثيه من عوائل الشهداء الذين بكل تأكيد تم تفتيشهم بدقة قبل الدخول الى ساحة الإحتفالات، فلِما كل هذه الإجراءات الشكلية داخل منطقة آمنة من مناطق الخضراء والتي تعطي إنطباع سلبي وتذكرنا بالرئيس الأسبق وحماياته وتزيد من مخاوف العراقيين بإحتمالية قيام دكتاتور آخر!!.
ـ دأب رئيس الوزراء في أكثر من مناسبة في الجلوس تحت سقف منصة التحية منفرداً دون مشاركة بقية القادة السياسيين والعسكريين له، وهذه الطريقة تستخدمها الأنظمة الشمولية والدكتاتورية وربما تم تصميم منصة التحية سابقاً على هذا الأساس، لكن: اليس من المفروض تغيير تلك التصاميم بما يتلائم والعهد الجديد وإبعاد شبح قيام دكتاتور آخر كما كان سيحدث مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لولا (إجباره) في التنحي عن الولاية الثالثة؟؟!!، وفي هذا الصدد ربما على رئيس الوزراء الحالي الإنتباه الى محاولة المخضرمين المتزلفين من المحيطين بموقعه لتوريطه في بروتوكولات تقوده في نهاية المطاف الى ان يصبح دكتاتوراً ينتهي مصيره الى ما إنتهى اليه من قبله الرؤساء السابقين وحيثُ نبذهم العراقيون والعالم أجمع، وهذا واضح من خلال كثرة إستخدامه في الآونة الأخيرة لمفردات في خطاباته تعزز هذا التخوف، فبدأ (يحذر) الأفراد وحتى الدول العظمى!!، ومفردة (أحذّر) قوية بمعناها اللغوي ولا يستسيغها المتلقي إن كان فرداً أو دولة لأنها تعطي معنى التهديد!!، وحيثُ يستطيع إستبدالها بكلمة (أنبه أو أجلب إنتباه) الأقل حدّة والأكثر تهذيباً.
ـ غياب رؤساء السلطات الأخرى من رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان والقادة السياسيين الآخرين عن الإستعراض يؤكد عمق الشرخ والتصدّع في علاقاتهم مع بعضهم البعض ويبين حجم صراعهم على السلطة، فمن المفروض أنّ جميع القادة ساهموا في إنجاز النصر وهو نصر لكل العراقيين!!، لكن ربما رئيس الوزراء لديه رأي آخر وكما كان يردد من أنّ الكثير من هؤلاء القادة قد حاولوا ثنيه ووضع العراقيل أمامه لعدم طرد داعش وإبقاء الوضع على ما هو عليه لمنافع شخصية ومنها عدم إجراء الإنتخابات في موعدها المحدد بحجة وجود داعش على ثلث أراضي العراق مما يتيح لهم الإحتفاظ بمناصبهم لأجل غير مسمى!!!.
ـ إبتدأت جحافل الإستعراض بالمرور من أمام منصة التحية وإنتهت على أنغام وإيقاع نشيد البعث "مرحباً يا معارك المصير" وكما أسلفتُ!!، وربما فات الأمر على العبادي وقلّة أخرى هذا الأمر لكونهم كانوا خارج العراق منذ نهايات السبعينات للقرن الماضي ولم يسمعوا بهذا اللحن أو النشيد، لكن هذا "الفخ" الذي وقع فيه يعطيه الفرصة لتتبع خيوط "المؤامرة" عليه وأدواتها وهي بكل الأحوال ليست ببعيدة عنه!!، ويقيناً هذه "المؤامرة" أُعدّت داخل "البيت" وليس خارجه، أي لا علاقة للبعثيين بها، وإنما هنالك مَنْ رتّب هذا الفخ من المتنافسين على رئاسة الوزراء للمرحلة اللاحقة!!.
ـ من الملاحظ غياب صنف مهم يمثل السيادة الجوية وحماية السماء العراقية وهو صنف مقاومة الطائرات بمدافعه المتوسطة والثقيلة (57ملم و100ملم) وقواعده الصاروخية من عائلة "سام" أو غيرها من الصواريخ ومن مناشئ أخرى، وهذا الغياب يؤكد (الإشاعات) من أنّ سماء العراق محمية بشركات أو دول أجنبية ولا نعرف مدى صحة هذه الإشاعة!!.
فتزويد دبابات (تي 72) الروسية الصنع بمدافع خفيفة لمقاومة الطائرات لا يتجاوز مداها مئات الأمتار أو الكليومترين بأقصى الأحوال يعتبر "نكتة" لا يمكن الإعتماد عليها حتى ميدانياً أمام التطور الهائل لهذا الصنف ومضاده من الطائرات التي تطلق على الهدف من مسافة تتجاوز الأربعين كيلومتر، وهذا هو السبب الرئيسي لخسارة العراق المعركتين الأخيرتين لحرب الخليج (1991 و2003م)، أي كانت حرباً أحادية التدمير بطيران حربي أمريكي متطور جداً يقابله دفاع جوي متأخر نسبياً للعراقيين، فأنفردت الطائرات الحربية الأمريكية وتسيدت الأجواء العراقية.
فهل ستتعاطف الجحافل المُسْتَعرِضة مع حيدر العبادي وخاصة الحشد الشعبي العقائدي بمعظمه المثير للجدل الذي إختتمت جحافله الإستعراض على إيقاعات هذا النشيد كون أنّ العبادي كان ضحية لمؤامرة بدأت خيوطها بأول الغيث الذي ينذر بالأسوأ فيما لو تمادت "الضحية" بعدم الدفاع عن نفسها وترك من يحيكون الدسائس للقضاء عليها أحراراً دون عقاب؟؟؟!!!.           

19
ما بين حيدر العبادي وإستخدامه لـ "قوة الذريعة" ـ ـ ومسعود البرزاني وإستخدامه لـ "ذريعة القوة"!!
بقلم: سالم إيليا
وأنا أتصفح الأخبار العالمية ومتابعة إصابة بعض مناطق العالم بعدوى (فايروس) الإنفصال!!، جلب إنتباهي قول رئيس المجلس الأوربي "دونالد توسك" في تغريدة له عبر موقع "تويتر" تعقيباً على إعلان البرلمان الكاتالوني الإنفصال عن إسبانيا قائلاً: "لا شئ تغيّر بالنسبة الى الإتحاد الأوربي، ستبقى إسبانيا المحاور الوحيد لنا، أتمنى على الحكومة الإسبانية إختيار قوة الذريعة لا ذريعة القوة"، هذا ما قاله دونالد توسك.
الرابط أدناه: نص ما جاء في تغريدة رئيس المجلس الأوربي:
https://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%b1%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%83%d8%a7%d8%aa%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%8a%d8%b9%d9%84%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d8%b3/
 وحيثُ أعتقد بأنّ ما فعله رئيس الوزراء العراقي الدكتور حيدر العبادي قد (أثلج) صدور حتى مناوئيه من كل الفرقاء وبالأخص الكُرد منهم المخالفين لخطوة مسعود البرزاني في إجراء الإستفتاء حين إستخدم العبادي "قوة الذريعة" لإفشال الإستفتاء عكس خصمه في هذه المنازلة رئيس الإقليم السابق مسعود البرزاني الذي عوّل على "ذريعة القوة" ولوي الأذرع بتعنته ومكابرته الغير محسوبة التي أضرّت المكوّن الكردي قبل غيره من مكونات الشعب العراقي.
وفي مقالة كتبها الكاتب والصحفي الآيرلندي (باتريك كوكبيرن) المخضرم بالشأن العراقي من خلال زياراته الميدانية التي إبتدأت منذ أمد بعيد حتى قبل سنة 2003م ذكر فيها: "من أنّ مسعود البرزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني قد إرتكبوا أكبر الأخطاء التكتيكية في تاريخ العراق، لا بل في تاريخ الشرق الأوسط كلُه"!!!.
الرابط أدناه لما جاء في مقالة الصحفي الآيرلندي (باتريك كوكبيرن):
https://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%a7%d8%aa%d8%b1%d9%8a%d9%83-%d9%83%d9%88%d9%83%d8%a8%d9%8a%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%aa%d8%a7%d8%a1-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d8%ad%d8%af-%d8%a3/ 
وحيثُ لا يزال السيد مسعود البرزاني متعنت ويدافع بضراوة عن خطأه (التكتيكي) التاريخي كما وصفه الإعلامي "باتريك كوكبيرن" وبطريقة لا تخدم محاولات الطرفين الإتحادي والإقليمي لإيقاف تداعياته التي قد تدفع إلى الصدام المسلح!!، وربما هذا ما يسعى اليه السيد مسعود البرزاني بعد أن حصّن مواضع "البيشمركة" الدفاعية وجهزها بأسلحة جديدة ربما أوهمته مرة أخرى بأنه قادر على إستعادة الأراضي التي أعاد الجيش إنتشاره فيها ومنها كركوك التي قال عنها البرزاني من إنها ستعود تحت سيطرة الإقليم مرة أخرى متحدياً بذلك السلطة الإتحادية لجرّها الى الصدام المسلّح!!، وحيثُ يدري من إنها سوف لن تعود إلاّ بإحتمال غير مؤكد في حال قيام معارك قد تكون مستمرة بين "كرٍ وفرٍ" لا قدّر الله بين أبناء البلد الواحد.
والرابط أدناه لتصريح السيد مسعود البرزاني الذي إتهم فيه مجموعة من "الكُرد" بالخيانة رافضاً كل القرارات الصادرة بشأن الغاء "الإستفتاء" ومدافعاً فيه عن خطأه التاريخي:
 https://kitabat.com/news/%d8%a3%d8%aa%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a7%d8%af%d8%a7-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%8a%d8%a7%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%b9-%d9%83%d8%b1%d9%83%d9%88%d9%83-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%b2%d8%a7/
وفي نشرة الثامنة من العراقية الإخبارية ليوم 2017.10.28 وفي الدقيقة الأولى منها عرضت الخبر المصوّر للإجتماع الذي حصل بين قادة الجيش الميدانيين يترأسهم رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الأول الركن عثمان الغانمي مع قيادات من "البيشمركة" في الموصل والذي أصّر فيه رئيس أركان الجيش الإتحادي على ضرورة عودة "البيشمركة" الى حدود ما قبل سنة 2003م التي أقرّها الدستور الإتحادي مع تسليم كافة المنافذ الحدودية والإشراف عليها بشكل مباشر من قبل السلطة الإتحادية.
ومرة أخرى إستخدم المحاورون العسكريون الإتحاديون "قوة الذريعة" في محاولتهم لإقناع الطرف المقابل المتمسك بالأرض المتنازع عليها خلافاً للدستور العراقي الذي ينص على إدارتها من قِبل السلطات الإتحادية لحين التوصل الى الإتفاق بشأنها والذي إشترك في صياغته بشكلٍ رئيسي القادة الكُرد ومنهم رئيس الجمهورية الحالي الدكتور فؤاد معصوم!!!.
الرابط أدناه: لنشرة الأخبار أعلاه:
 https://www.youtube.com/watch?v=6vUSi-Qh-ew
 لكن الوفد المحاور للبيشمركة الذي ترأسه وزير داخلية إقليم كردستان/العراق حاول التنصل أمام "قوة الذريعة" في أكثر من مرّة طالباً العودة الى أربيل لعرض مسودة الأتفاق الذي توصل اليه الجانبان (يبدو من أنّ الوفد الكُردي المحاور قد ذهب الى الإجتماع بدون أي صلاحيات تذكر، وهذا الأمر يذكرنا بالوفد العراقي المفاوض الذي كان برئاسة الراحل طارق عزيز مع الوفد الأمريكي المفاوض برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر لتفادي إندلاع الحرب التي دمرت العراق فيما بعد)!!.
وهذا ما أكده أيضاً أحد المفاوضين الكُرد الشيخ "جعفر مصطفى" القيادي المخضرم في قوّات البيشمركة وحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" بقوله: "من أنّ الوفد الكردي المفاوض لم تكن لديه أي سلطة سياسية للإتفاق مع العراقيين"!!، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا ذهبوا للتفاوض إذن؟؟!!، وهل كانوا جادين فيه؟؟!!.
وطريقة كلام الشيخ "جعفر مصطفى" تؤكد رفض الساسة الكُرد الذين يشاطرون مسعود البرزاني تعنته إنتمائهم للدولة العراقية حين يتحدثون لوسائل الإعلام الأجنبية والمحلية فيذكرون إسم "العراقيين" بمعزل عن مواطني الإقليم وكأنهم يتحدوثون عن خلاف بين دولتين!!!، وهذا الأسلوب كافي لتبرير عدم ثقة الحكومة الإتحادية بنواياهم!!، ومما يلاحظ أيضاً خرق حكومة الإقليم بشكل واضح للدستور العراقي في مادته (4) ثالثاً التي تنص على أن: "تستعمل المؤسسات الإتحادية والمؤسسات الرسمية في إقليم كردستان اللغتين"، أي العربية والكردية، لكن ما نلاحظه التزام الجانب الإتحادي فقط بهذه الفقرة وعدم التزام حكومة الإقليم بها في إستخدامها للغة العربية على لوحات دوائرها ومؤسساتها بشكل عام وداخل مؤسساتها الرسمية أيضاً!!. 
من جانب آخر وفي نفس التقرير يؤكد "منصور البرزاني" نجل السيد مسعود البرزاني الذي يقود قوات نخبة كردية أمنية (تدافع) عن سلسلة تلال مقابلة لمعبر "فيشخابور" العراقي قائلاً: "أنه سيفضل القتال حتى الموت على أن يسمح للقوات الإتحادية بالسيطرة على المعبر"، في إشارة واضحة لعدم رغبته في الإنصياع للدستور العراقي الذي يمنح السلطات الإتحادية حق السيطرة على المعابر الدولية مع بلدان الجوار العراقي!!، وبهذا التصريح الخطير الذي يلّوح فيه "بذريعة القوة" يؤكد بمنطق لا يقبل الجدل من أنّ الجانب المفاوض للإقليم غير جاد بمطالبته للجانب الإتحادي بتحكيم الدستور العراقي والإستناد على فقراته في المفاوضات!!!، وحيث أوصلت هذه التصريحات الغير مسؤولة الأمور الى مستويات خطيرة منذرة بإنفجارها في أي لحظة!!!.
الرابط أدناه لتصريحي الشيخ جعفر مصطفى ومنصور البرزاني:
   http://www.ishtartv.com/viewarticle,78003.html
ثمّ يتفاجئ المراقبون ببيان لحكومة الإقليم رداً على تصريحات نُسبت الى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وتصريحات حكومية إتحادية بالمقابل إتهمت الجانب المحاور الكردي بالتنصل من الإتفاق بعد تعزيز دفاعاته وتعزيز قواته العسكرية على خطوط التماس وإنّ قبوله بالتحاور كان لكسب الوقت ليس إلاّ!!.
ولو دققنا في هذا البيان المقتضب الذي تبرر فيه حكومة الإقليم رفضها للموافقة على المسودّة المتفق عليها وعدم المضي في توقيعها بسبب إختلاف المسودّة الأولى عن الثانية "نوعما" كما ورد في نص بيان حكومة الإقليم والتي لم توضح بشكل كامل ماذا تعني كلمة "نوعاً ما" التي تحججت بها حكومة الإقليم برفضها لمسودة الإتفاق حقناً لدماء الشعب الواحد من الطرفين!!، خاصة وإنها تؤكد على ضرورة تطبيق الدستور العراقي في الفقرات الواردة في المسودّة، والدستور العراقي واضح في هذه الفقرة التي تنص على أنّ حراسة الحدود الوطنية وإدارة منافذها هي من إختصاص السلطات الإتحادية حصراً.
الرابط أدناه: بيان حكومة إقليم كردستان:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,77848.html
الرابط أدناه لتفاقم الوضع الأمني بين الطرفين وتبادل الإتهامات:
https://kitabat.com/news/%d8%aa%d8%b5%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%b9%d8%b3%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%ae%d8%b7%d9%8a%d8%b1-%d9%88%d8%aa%d9%87%d8%af%d9%8a%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%aa%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d9%8a%d9%86/
لكن يبدو من أنّ ما ذهب اليه الجانب الحكومي بإتهامه للحكومة الإقليمية في عدم جديتها للتحاور قد بدأت تظهر مصداقيته حين صرّح أحد المسؤولين الكُرد تصريحاً خطيراً حول السعي لتحصين المواقع الأمامية في كردستان "بالأسلحة الفتاكة" في حال تقدم قوات الحشد الشعبي العراقي كما وصفها الخبر وعلى ذمته، وبهذا التصريح يكون هذا المسؤول قد المح لـ "ذريعة القوة" مجدداً في التنصل من الموافقة على مسودة الإتفاق وعدم المضي على توقيعها!!، والأسئلة التي تطرح نفسها مرة أخرى: ما هي هذه الأسلحة الفتاكة؟!!، ومن الذي زوّدهم بها ببضعة أيام؟!!، وهل سيقف الجانب الآخر مكتوف الأيدي في حال إستخدامها من قبل العناصر المسلحة الكردية؟!!، أم إنّ هذا التصريح يندرج ضمن الحرب النفسية بين كلا الجانبين؟!، لكن الأهم من كل ذلك نتمنى على الطرفين تغليب لغة العقل والحوار بين أبناء البلد الواحد وحل المسائل المتعلقة سلمياً دون غبن لأي طرف، فهم بنهاية الأمر شعب واحد متصاهر بشرائحه.
الرابط أدناه: "مسؤول كردي يهدد بأسلحة فتّاكة وتغيير في موازين القوى":
https://kitabat.com/news/%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84-%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a-%d9%8a%d9%87%d8%af%d8%af-%d8%a8%d8%a3%d8%b3%d9%84%d8%ad%d8%a9-%d9%81%d8%aa%d8%a7%d9%83%d8%a9-%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7/
ولا ننسى أن نشير الى أنّ ما بدأنا نلاحظه في الآونة الأخيرة من بدأ التصريحات الحكومية وخاصة عبر وسائل الإعلام الشبه رسمية (قناة العراقية الإخبارية الفضائية حصراً)، حيثُ بدأت تأخذ معنى الشمولية في الإتهامات للمكوّن الكردي ككل بما يجري من تداعيات سياسية دون ذكر الجهة الكردية المعنية غالباً بتلك التداعيات!!، وهذا الأسلوب الإعلامي يُعتبر ذو نهج خطير يرجعنا الى المربع الأول في الصراع الطائفي الديني والقومي، فغالباً ما نسمع من مذيعي نشرات الأخبار كلمة "الأكراد" بإتهاماتهم في عرقلة الإتفاقات والحوارات مع الجانب الحكومي دون ذكر من هي الفئة الكردية المعنية بالعرقلة؟!!، وذلك لفرز الأمور بشكلها الصحيح وعدم خلط الأوراق وشمول الجميع وكأنّ "الكُرد" بجميع أحزابهم وفئاتهم يشاركون بهذه العراقيل!!، وقد تناسوا من يروّجون لهذا الإسلوب الإعلامي الخاطئ من أنه لولا مساعدة الفئات الكردية الرافضة لسياسات السيد مسعود البرزاني لما تحقق ما تحقق من تطورات ميدانية أجهضت الى حدٍ كبيرٍ عملية الإستفتاء!!، وهذا الإسلوب الإعلامي الغير مسؤول لقناة العراقية الإخبارية إذا كان مقصوداً ولغايات مستقبلية لإستخدام "ذريعة القوة" للدولة في المراحل اللاحقة سيوصل البلد الى منزلق خطير وهذا ما ترغب به الجهة المستفيدة من الجانب الكردي في تأزيم الأمور!!، أما إذا كان يرد ذكره بشكل عفوي وغير مقصود "فالمصيبة أعظم" لأن من هم في موقع المسؤولية الإعلامية عليهم واجب بلوغ المستوى المهني في أعلى درجاته لحساسية الإعلام في طرح الأحداث ومتابعتها ونقلها الى المواطن العراقي بطريقة مخاطبتهم له بفئاته المجتمعية على حدٍ سواء.     
ويبدو من أنّ الأمور تسير بإتجاه تأزيم الوضع وبلوغه أعلى درجات الخطورة للحد الذي ينبأ بعودة الصراع المسلّح الذي سيكون وقوده المواطنين الأبرياء خاصة المكونات العراقية المتواجدة داخل منطقة الصراع ومنهم الكُرد بعد أن إعتقدوا بأن زمن الحروب قد ولّى!!!.
كما ويبدو من أنّ السيد مسعود البرزاني قد قاده الحنين الى القتال في الجبال بعد حياة الترف التي يعيشها الآن وشجعته على التعنت في قراراته مقامراً مرّة أخرى بحياة الملايين من الكُرد وغيرهم من المكوّنات المتواجدين في دائرة الصراع وحيثُ أتعبتهم لأجيال عديدة حياة البؤس والحروب وفقدان الأمن والأمان!!، إذ لم يستطع يوماً تصوّر نفسه "رجل دولة" عليه واجب الحفاظ على مكوّنه والوصول بهم الى شاطئ الأمان والعيش بسلام وأمن، كما وأنه لم يأخذ الدروس والتجارب من القادة "الثوريين" الذين سبقوه وماذا كان مصيرهم  ومصير شعوبهم.
أمل كل العراقيين كُردهم قبل غيرهم من المكونات العراقية الأخرى أن يتحكم جميع القادة من كل الأطراف بعقولهم ويفكروا بمنطق وحكمة وتعود الأمور حتى الى ما قبل يوم الإستفتاء عندما غلب الحوار والمنطق على لغة البندقية ومآسيها. 
   

20
"دكتور جرحي الأولي عوفه"
بقلم: سالم إيليا
على الرغمِ من أنّ هنالك مقالة أخرى تحمل نفس عنوان مقالتي كان قد كتبها الكاتب والمصوّر الفوتوغرافي العراقي المقيم في السويد "سفيان الخزرجي" والمنشورة على موقع "دنيا الرأي" الألكتروني بتاريخ 29-01-2008 يتحدث فيها عن رأيه في سكوت بعض الأحزاب (اليسارية) العراقية عن ما يجري في العراق!!، وعلى الرغم أيضاً من أنّ الأستاذ كاتب المقالة قد بين السبب الذي جعله يعنون مقالته ببادئة الأغنية الأكثر من شهيرة بداية الستينات من القرن المنصرم التي غناها مطرب الشعب الفنان عبدالجبار الدراجي رحمه الله، وعلى الرغم (ثالثاً) من أنني أشارك الكاتب والمصوّر الفوتوغرافي المتألق "الخزرجي" بالسبب الذي جعلني أُعنون مقالتي بنفس بادئة أغنية الراحل عبدالجبار الدراجي ألا وهو عفوية قفز هذه الكلمات إلى رأسي في لحظة من لحظات التجلّي الفكري على ما وصل اليه حالنا!!!.
 إلا أنّ مضمون مقالتي يختلف (جذرياً) عن مضمون ما طرحه مشكوراً كاتب المقالة السابقة، لأنني وببساطة غير آبه أو معني بالأحزاب وأيديولوجياتها التي أبعدتنا عن شعورنا الوطني وجعلتنا نقدم الهوية (الحزبية) على هويتنا (الوطنية)!!!، وحيثُ لا أرغب في الخوض فيها الآن لأن مضمون مقالتي في غير الإتجاه لمقالة الأستاذ "سفيان الخزرجي".
 لكنه في ذات الوقت ربما يتطابق طرحي مع ما أشيع في وقتها من أنّ للإغنية مَعْنى سياسي أو رسالة تحذير سياسية وإن المطرب عبدالجبار الدراجي كان قد غنى الأغنية (من حيث يدري أو لا يدري) لتنبيه الزعيم (الأوحد) عبدالكريم قاسم إلى الخطر الذي كان يحيط به وجَلْبْ إنتباهه من أنّ هنالك من يتربص به للقضاء عليه!!!، وهذا ما حصل فعلاً!!!.
ولو سلّمنا بهذه الفرضية، أي فرضية تنبيه عبدالكريم قاسم إلى الخطر عن طريق الأغاني والتي أهملها ولم يأخذ بها!!، لوجدنا من أنّ هذه (الشفرة الفنية) ربما تم تنبيه جميع القادة العراقيين الذين جاءوا من بعده من خلالها الى الأخطار التي كانت من حولهم!!، فعبدالسلام محمد عارف وأخيه عبدالرحمن محمد عارف وحتى أحمد حسن البكر وربما معهم صدام حسين لم ينتبهوا إلى الخطر الذي كان يحدق بهم وتصرفوا بفكر وبعقلية فردية مطلقة أوصلتهم إلى نهاياتهم الحتمية مع إختلاف الطُرق والأسباب لكل واحد منهم.
ما يهمني في الأمر أنّ قادة العراق السياسيين لا يزالُ يقعون في نفس تلك (الشراك) دون الإستفادة من تجارب مَنْ سبقوهم في نهاياتهم المأساوية، وحيثُ يشاهدون بأم أعينهم ويسمعون بآذانهم ما يحاك ضدهم في السر والعلن!!، لكنهم يكونون أسيرين لقدرهم دون التفكير ولو مجرد التفكير بأخذ الحيطة والحذر.
أقول هذا الشئ ليس لأجل القادة وخوفي عليهم!!!، ولكن من أجل العراق الذي لا يتحمل هو وشعبه المزيد من المآسي.
 صحيح أنّ زمن الإنقلابات قد ولّى، وصحيح إننا نعيش في زمن (الديمقراطية) إلى حد الفلتان!!!، وصحيح أنّ التغيير في المراكز (السيادية) لا يتم إلا (بالتوافق) بين الكُتل و(البلوكات) الحزبية وبمباركة (ملائكة) الدهاليز الخفية للدول (الصديقة والحليفة)!!!، وصحيح هنالك تعاون وتفاهم كبير وعلى أعلى المستويات بين (الأعداء ـ الأصدقاء) خاصة في فترة الإنتخابات وعلى قاعدة (شيلني وشيلك) لتقاسم النفوذ والمصالح!!، لكن هنالك أيضاً فيما بينهم (المفخخات) التي غالباً ما تُلصَق بالإرهابيين (اللعينين) الذين وصلوا (بقدرة قادر) قبل سنوات حتى إلى كافتريا البرلمان في مركز المنطقة الخضراء ففجروها على من فيها!!!، وهنالك أيضاً (اللواصق) وكواتم الصوت وغيرها من وسائل (الإسكات) والإبْعاد الديمقراطي!!، والتي ربما تتطلب طلب المساعدة الدولية و(الهاكر) الدولي الألكتروني لتغيير نتائج الإنتخابات القادمة وإضافة فقط ستة أصفار أمام الرقم (10) ليصبح عشرة ملايين ناخب إنتخب (بقوة) بَطل تسليم ثلث العراق للدواعش لإعادته إلى موقعه (السيادي) السابق لإكمال ما لم يتم إكماله من تدمير للعراق في فترة (تسيّده) السابقة!!!.
لذا أخاطب "الدكتور" رئيس الوزراء الحالي قائلاً:
(دكتور) جرحي الأولي عوفه ـ ـ ـ جرحي (الهالكي) إعيونك إتشوفه!!.
(دكتور) وصفولنه الصبر والصبر ملينه ـ ـ ـ او لمَّن صُبَحْ حالنه (خطر) شخصك إتعنينه!!.
فهل سيخرج "الدكتور" عن هدوءه وصمته وسكونه وتردده ليعالج "الجرح" بآخر أنواع الدواء وأقلّها تكلفة وهو "الكيّ"!!!(*).

إنتباهة:
(*) كان البدو في السابق يعالجون الجروح بتسخين رأس الخنجر حد الإحمرار ثمّ يضعونه على مكان الجرح ويكوونه (طريقة الكيّ) لإيقاف النزيف وضمان قتل الجراثيم وعدم تلوثه، وهنالك طريقة أخرى تتم بحرق قطعة قماش ليوضع رمادها على الجرح وتدعى "العطّابه"، وطبعاً إنتقلت الطريقتان الى المدن العراقية وكانت تستخدم حتى منتصف القرن المنصرم.     

21
هل أنّ (إحترام) حكومة الإقليم لقرار المحكمة الإتحادية قد جاء من باب التأييد أم الرفض للقرار؟!
بقلم: سالم إيليا
بعد سجال طويل ما بين الحكومة الإتحادية المتمسكة بشرط تطبيق بنود الدستور العراقي من جهة وحكومة إقليم كردستان/العراق من الجهة الأخرى، وأصرار قوي من رئيس الوزراء الإتحادي وأعضاء حكومته على (إنتزاع) إعتراف واضح من حكومة الإقليم بقرار المحكمة الإتحادية العليا القاضي بوحدة الأراضي العراقية والغاء "الإستفتاء" الغير شرعي ومطالبة واضحة بتسليم إدارة كافة المنافذ الحدودية والمطارات المحلية لسلطة الدولة الإتحادية كشرط لبدأ الحوار، ومطالبة بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" لحكومة الإقليم "بأن تعترف وتؤيد الحكم الصادر عن المحكمة الإتحادية العليا بشأن وحدة العراق، وإن تؤكد من جديد التزامها الكامل بالدستور".
 وبعد تهرّب وتعنّت ومماطلة من الحكومة المحلية للإقليم التي لم تغيّر من واقع الحقائق على الأرض أي شئ!!، خرجت علينا هذه الحكومة ببيان يفتقر بمدلولاته الى أبسط مقومات ودلالات الثقة التي يجب أن ترسلها كحكومة محلّية للحكومة الإتحادية وللشعب العراقي وبيان سلامة نيّتها عندما أجرت "الإستفتاء"، وذلك لإبطال المخاوف التي إنتابت القادة السياسيين الإتحاديين والشعب العراقي وتشكيك الجميع من الغاية في إجراءه.
وبعد أن تمّ نشر نص البيان في معظم وسائل الإعلام والمواقع الكترونية وتداولته معظم المواقع الإعلامية العراقية (بإيجابية) لحرصها على عدم وصول الأمر بين أبناء الشعب الواحد الى عودة الإقتتال الذي لم تندمل جراحاته بعد وترجمته بعناوين مفرحة ربما لم (يتنبّه) فيها من تناقلَ الخبر على ما جاء بين سطور هذا البيان من التفاف على ما يجب أن يكون عليه لنزع فتيل الحرب وفسرتّه على أنه "إستجابة" من حكومة الإقليم لنداءات المجتمع الدولي ومنظماته بوجوب العمل بمواد الدستور العراقي وتأييد قرار المحكمة الإتحادية العليا بوحدة الأراضي العراقية الملزم للجميع.
ومرة أخرى يثبت المكتب السياسي للحزب الشيوعي (الذي لا أستطيع تسميته العراقي) قصر نظر وتفكير أعضاءه بتسرعهم في إصدارهم تصريح يرحّبون فيه ببيان حكومة الإقليم دون التدقيق لما جاء فيه وكأنهم يعملون لصالح من يسعون للإنفصال وتقسيم العراق ويعتبرون أنفسهم (ممثلين) لهم في بغداد أو لمجرّد محاولة إثبات وجودهم على الساحة العراقية!!، وهذه هي مشكلة البعض من قياديي هذا الحزب الذين لا ينظرون الى كامل الصورة وليس لديهم بعد نظر أبعد من عدّة أمتار عن أقدامهم والتي أوصلتهم الى الكوارث بجماهيرهم الذين وثقوا بهم!!، وكان آخرها بتحالفهم بما أطلقوا عليه (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) مع النظام السابق والتي بيّنت الوقائع مدى سطحية تفكيرهم ليقعوا في فخّها الذي نال منهم مقتلا.
الرابط أدناه لتصريح هذا الحزب في جريدته "طريق الشغب" وليس "طريق الشعب" وعلى صفحتها الأولى ليوم الرابع عشر من تشرين الثاني/2017!!، لأن طريق الشعب هو طريق الهوية الوطنية العراقية وليس طريق تقسيم العراق بمبرر "حق الشعوب في تقرير مصيرها".
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=858696.0 
وفيما يلي نص الرد الرسمي لحكومة الإقليم على قرار المحكمة الإتحادية العليا الخاص بوحدة العراق:
"بطلب من الأمين العام لمجلس الوزراء الاتحادي في 2017/11/5، أصدرت المحكمة الإتحادية العليا بتاريخ 2017/11/6 قرارها المرقم (122/اتحادية 2017) حول تفسير المادة الأولى من الدستور العراقي والتي تنص على أن (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة، ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقرطي، وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق).
تأكيداً لإلتزام إقليم كوردستان دوماً بالبحث عن حل الخلافات بين السلطات الاتحادية والإقليم بطرق دستورية وقانونية، وإنطلاقاً من موقعنا المعروف المتمثل بالترحيبب بجميع المبادرات بهذا الإتجاه وفي مقدمتها مبادرة آية الله العظمى السيد السيستاني، وبعض الشخصيات العراقية، والدول الصديقة للشعب العراقي حول العودة الى الدستور العراقي لحل الخلافات، ومن هذا المنطلق، نحترم تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور، وفي نفس الوقت نؤكد إيماننا بأن يكون ذلك أساساً للبدء بحوار وطني شامل لحل الخلافات عن طريق تطبيق جميع المواد الدستورية بأكملها بما يضمن حماية الحقوق والسلطات والإختصاصات الواردة في الدستور بإعتبارها السبيل الوحيد لضمان وحدة العراق المشار إليه في المادة الأولى من الدستور".
حكومة إقليم كوردستان
2017/11/14
       
الرابط أدناه لنص البيان والأراء التي تم تفسير ما ورد فيه من خلال إختلاف وجهات النظر للمحللين والمتابعين:
https://kitabat.com/news/%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%b3%d8%aa%d8%ac%d9%8a%d8%a8-%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af-%d9%85%d9%86-%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b7-%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ab/
كذلك الرابط:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,78018.html
كذلك الرابط:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=858719.0
ولو دققنا قليلاً فيما ورد أعلاه من نقاط وطروحات مهمة لإستنتجنا ما يلي:
أولا: إصرار حكومة الإقليم على التعنت والمراوغة ربما لكسب الوقت في محاولاتها لتغيير بعض المواقف الدولية المهمة والرافضة أساساً للإستفتاء ومراهنتها بآخر ورقة تلعبها في هذا المجال، وهذا الأمر يبدو واضحاً من الرابط الأول أعلاه وعلى ذمة الخبر من خلال مطالبة بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" لحكومة الإقليم بالإعلان بشكل واضح وصريح لا يقبل الشك والجدل عن: (إعتراف وتأييد حكومة الإقليم لقرار المحكمة الإتحادية وتأكيدها من جديد التزامها الكامل ببنود الدستور)، وهنا علينا التوقف قليلاً لتفسير هذه المطالبة الأممية والسؤال: هل أن بعثة الأمم المتحدة قد أعيتها الوسائل واللقاءات الثنائية الدبلوماسية مع حكومة الإقليم حتى تخرج بتصريح (تحث) فيه حكومة الإقليم على الإعلان الصريح لما ورد أعلاه وعدم المماطلة أو التسويف لتجاوز الأزمة التي ربما ستأخذ منحى آخر لا يُحمد عقباه.
ثانياً: لو دققنا ببيان أو رد حكومة الإقليم لوجدنا في مضمونه إعترافها بتعنتها وعدم رغبتها فيما مضى بتطبيق بنود الدستور العراقي وذلك من خلال ذكرها في البيان ترحيبها لمساعي رجال الدين وبعض الشخصيات العراقية والدول الصديقة للشعب العراقي حول العودة الى الدستور العراقي لحل الخلافات!!، طيب لماذا كل هذه (المساعي) إذا لم يكن هنالك تعنّت وكانت هنالك النيّة الحقيقية من الطرفين في إحترام الدستور العراقي وبنوده؟!!، وحيثُ أنّ المادة الأولى في الدستور بشأن وحدة العراق والتي هي موضوع الجدل وأساس المشكلة واضحة جداً!!، وأنّ تلك المساعي تصلح فقط في حال رفض أو تنعت أحد الطرفين في العودة الى الدستور العراقي بشأنها!!، فأي من الطرفين ليس لديه القناعة بهذه المادة أو لديه تفسير آخر لها؟؟!!، وما هو التفسير الآخر لها ليكون هنالك جدل ومساعي بين الطرفين لكي يتم التقارب بوجهات النظر بينهما؟؟!!.
ثالثاً: هنالك تقاطع واضح وإختلاف بين ما ورد في البيان "من تأكيد والتزام حكومة الإقليم (بالبحث) عن حل الخلافات بطرق دستورية وقانونية (وبكل تأكيد كل الشعب العراقي يقدر ويثني على هذا الإلتزام إذا كان بحق مقصود وليس مناورة سياسية أو مجرّد كلام دبلوماسي)، وهنا يجب السؤال عن: هل هنالك داعي لتعقيد الأمور التي قد توصل الطرفين للمواجهة المسلحة وضياع الوقت الثمين بمحاولة (البحث) عن حل إستناداً الى الدستور والقانون؟؟!!، طيب لماذا (البحث) والتعب وهذان المطلبان قد تحققا فعلاً، فالفقرة الأولى من الدستور واضحة وصريحة بتأكيدها على وحدة العراق وعدم تجزئته وهذا يحقق ما نادى به البيان بالإلتزام (بالطرق الدستورية)، وما أكدته المحكمة الإتحادية العليا يحقق أيضاً ما طالب به البيان وأسماه (الطرق القانونية)، إذن أين هي المشكلة إذا كانا المطلبين لحكومة الإقليم قد تحققا؟؟!!، ولماذا هم لا يزالوا يطالبون (بالبحث)؟؟؟!!!.
رابعاً: أراد البيان بعد كل تلك المقدمات أن يمرر جملة في غاية الأهمية ختم فيها سطوره الأخيرة وحيثُ إعتقَدَ من صاغها على أنها ستكون كافية لذر الرماد في العيون بذكره: " نحترم تفسير المحكمة الإتحادية العليا للمادة الأولى من الدستور".
 ولنتوقف عند هذه الجملة (الضبابية) التي ربما من وضَعَها يعتبر نفسه (أذكى) من ملايين أبناء الشعب بقادتهم ومحلليهم السياسيين ومثقفيه بمراوغته التي تضرّه قبل غيره لأنها تؤكد على عدم صفاء النيّات وهنالك أهداف وخطط مبيّتة في السعي الى الإنفصال!!، ولنأخذ المعنى الإيجابي لها أولاً ونفترض فلربما تعني: أنّ حكومة الإقليم تحترم تفسير المحكمة الإتحادية للمادة الأولى و(تؤيد) هذا التفسير وستعمل على الإلتزام به ـ ـ ـ أو نفترض المعنى السلبي الذي يعطي إنطباع: مِن أنّ حكومة الإقليم تحترم تفسير المحكمة الإتحادية للمادة الأولى من الدستور وهذا التفسير أو الرأي (لا تؤيده) حكومة الإقليم وغير ملزمة بتطبيقه ولكنها من باب الكياسة والدبلوماسية ولتجاوز الظرف الصعب التي هي فيه فقد أقرّت بإحترامه دون الإعتراف به نصاً وبشكل لا يقبل التأويل والجدل من رفضها لقرار المحكمة الإتحادية!!، أي بمعنى آخر أنا أحترم تفسيرك ورأيك لكنني لا أويده، وهذا في تقديري جوهر ما حاول البيان تمريره في تلك الجملة عسى أن يغفل عنها الجانب الحكومي ويعتبرها نوع من (الإستجابة) لقرار المحكمة
!!!.
إنّ هذه المراوغات السياسية لا تخدم الإقليم ومكوناته أولاً لأنهم بكل تأكيد ينتظرون ساعة الفرج قبل غيرهم من أبناء الشعب العراقي للحالة الصعبة التي يعيشونها، ولقد لاحظنا ما جرى نتيجة التعنت والإصرار على إجراء "الإستفتاء"، وأملنا جميعاً أن تكون جميع الأطراف جادة بالعودة الى الدستور والقوانين النافدة لتجاوز الأزمة حقناً للدماء التي هي دماء عراقية من كلا الطرفين، خاصة وأن الطرفين كانا فاعلين في صياغة مواد الدستور العراقي، وقد شارك بصياغته خمسة عشر عضواً كممثلين لكافة الأحزاب الكردية!!، وأن يتساوى جميع العراقيين بالحقوق والواجبات تحت سقف الدستور، وأن يُنعم الجميع بالأمن والسلام، وكفانا حروب وإقتتال، فخيرات العراق كافية لجميع أبنائه فيما لو تمّ إستثمارها بشكل جيد. 
   

22
رسالة مفتوحة الى وزيري التربية والتعليم والتعليم العالي الموقرين بشأن خريجي المرحلة الإعدادية
بقلم: سالم إيليا
لم يكن في ذهني الكتابة عن هذا الموضوع وتوجيه هذه الرسالة المفتوحة الى معالي وزير التربية والتعليم الدكتور محمد اقبال الصيدلي ومعالي وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور عبدالرزاق عبدالجليل العيسى لولا تواصل العديد من أولياء أمور الطلبة معي والحاحهم في الكتابة عن مصير فلّذات أكبادهم وحيثُ لم يألُ جهداً أحدهم في الإجتهاد والمثابرة يعاضدهم في ذلك أولياء أمورهم في محاولة توفير مستلزمات مسيرتهم الدراسية وبذل الغالي والنفيس لضمان مستقبلهم من خلال تحصيلهم الدراسي والدخول في الكليات ذات المكانة العلمية والمجتمعية العالية.
وسأتطرق بشكلٍ رئيسي الى المواليد التي أصابها الغبن والحيف أكثر من غيرها لمصادفة دخولهم المدارس (الصف الأول الإبتدائي) بالتزامن مع التغيير الجذري الذي حصل للأنظمة والمناهج التعليمية بعد التغيّرات السياسية الكبيرة في البلد عام 2003م والتي لم تستقر بأساليبها التربوية والعلمية لحد كتابة هذه السطور وبعد مرور أكثر من أربعة عشر عاماً على التغيير!!، مما جعل هذه المواليد عبارة عن "حقل تجارب" فاشلة في معظمها للأنظمة التعليمية والأفكار والتصورات للمسؤولين وإجتهاداتهم، وحيثُ جرت العادة الى تغيير كل ما يخص التعليم مع تغيّر الوزير أو وكيله أو بقية الإستشاريين التربويين!!.
فإذا كان في نيّة من تبوّء المناصب بعد سنة 2003م التغيير فقط لغرض التغيير دون تمحيص أو تدقيق ما هو صالح أو طالح ولغرض التخلص فقط من كل ما له علاقة بالنظام السابق ومحاولة عدم الإبقاء على الأنظمة السابقة!!!، فكان الأجدر بمسؤولي النظام السياسي الجديد خاصة في مجال التعليم إرسال الوفود الى دول محددة في العالم والمعروفة بتقدمها العلمي مثل اليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وفرنسا وغيرها من البلدان للإطلاع على تجاربهم وأنظمتهم التعليمية والعودة بتفاصيلها ثمّ الجلوس حول طاولة مستديرة للأخذ بإحداها كاملة غير منقوصة بعد إغنائها بالبحث والتمحيص وتقرير أياً منها يتوافق مع مجتمعنا، ومن الممكن إجراء بعض التعديلات الطفيفة التي لا تؤثر بأي حالٍ من الأحوال على جوهرها لتتماشى مع طبيعة الطلبة العراقيين وظروف مجتمعهم، ولماذا أقول يجب الأخذ بإحدى تلك التجارب كاملة وغير منقوصة!!، فيكون الجواب: لأن هذه البلدان قد أشبعت أنظمتها التعليمية بالدراسات العلمية الميدانية لفترات طويلة وجرى تعديلها مرّات عديدة الى أن وصلت الى شكلها النهائي، لا أن يتم أخذ أجزاء أو فقرات من كل تجربة أو نظام تعليمي في العالم ومحاولة دمجها في نظام واحد بحيث يصبح هذا النظام "مسخ" لا يشبه أي نظام رصين في العالم وعلى شاكلة المثل العراقي "من كل چدر كُبّايه"!!!.
فمشكلة مواليد سنة 1999م وما تلاها من المواليد تكمن في كونهم أول الأجيال تم تطبيق الأنظمة التعليمية الجديدة عليهم كونهم بدءوا في مراحلهم الدراسية الإبتدائية في سنتي 2006 أو2007 عندما بدأ التعليم بنظام مختلف عن الأجيال التي سبقتهم وحيثُ إبتدأت "التجارب الميدانية" عليهم وكما أسلفت في مقدمة هذه المقالة!!، وغالباً ما كانت تلك التجارب فاشلة بإعتراف المسؤولين عنها والمتزامنة مع التغيّرات الدراماتيكية في العملية السياسية ومسؤوليها من الوزراء وظروف البلد التي لا تزال إستثنائية!!، مما نتج عنها تداخل أوتقاطع الإجتهادات لعدم وجود خطّة واضحة ونظام واضح للعملية التربوية، مما يعني التخبط في المسار التعليمي وتعثره وهذا الأمر قد تمّ طرحه  في وسائل الإعلام وبصورة قد تكون يومية وحيثُ لا تزال وسائل الإعلام تطرح مساوئه.
وأحد تلك الأسباب الرئيسية لهذا التخبط (ولنكن صريحين) هو تبوّء العناصر (التربوية) الغير كفوءة للمناصب العالية والفاقدة للتجارب والخبرة الفعلية في معظمهما!!، وحيثُ جاءوا بأغلبهم مع التغيير سنة 2003م من خارج العراق بعد أن كانوا قد تركوه منذ عشرات السنين بسبب نشاطاتهم السياسية المعادية للنظام السابق، والبعض منهم لم يمارس التدريس أصلاً على الرغم من تخرجهم من الكليات ذات العلاقة وهروبهم بعد تخرجهم خارج العراق نتيجة الملاحقات الأمنية بسبب نشاطاتهم السياسية.
كذلك لا ننسى إفراغ جميع المدارس في ليلةٍ وضحاها ومنذ أول يوم دراسي بعد الإحتلال سنة 2003م ولجميع المراحل الدراسية إبتداءً من الكليات والجامعات العراقية وإنتهاءاً بالمدارس الإبتدائية من عناصرها الإدارية الكفوءة ذات التجارب الغنية بحجة إنتمائهم الى حزب البعث، مما أثّر بشكل كبير على سير العملية التربوية (جميع رؤساء الجامعات ورؤساء الأقسام وعمداء الكليات ومدراء ومديرات المدارس الإعدادية والمتوسطة وحتى الإبتدائية قد تمّ فصلهم من وظائفهم ومن ثمّ إحتسب البعض منهم محالين على التقاعد)!!، وهذه حقيقة لا مجال لنكرانها، وحيثُ تضرر الكثير من المخلصين لمهنتهم التربوية بتهمة الإنتماء الى النظام السابق دون الأخذ بنظر الإعتبار وصول هؤلاء التربويون في معظمهم الى مراكزهم عن طريق كفاءاتهم المهنية مما إنعكس سلباً على العملية التربوية، ولي في جعبتي أمثلة لا حصر لها ولا مجال لذكرها الآن.
أعود الى جوهر ما أبغي إيصاله للوزيرين المعنيين بالأمر والقول من أنّ أكثر المواليد المتضررة تربوياً من جرّاء المتغيّرات السياسية التي حصلت في البلد بعد عام 2003م هي المواليد التي نوهتُ عنها أعلاه، وحيثُ لا يخفى على الوزيرين ما رافق هذه المتغيّرات من سلبيات في العملية التربوية مع البدأ بتغيير الأنظمة والمناهج الدراسية وطرق تدريسها وتفشي الفساد الذي لا يستطيع كائن من كان نكرانه والإتهامات بين أعضاء الكادر التدريسي حتى وصلت الى سرقة الأسئلة الإمتحانية و(تسريبها) بطرق عديدة وتغيير النتائج الدراسية للطلبة أما بالرشاوى أو التهديد للأساتذة أوتدخّل القوانين العشائرية بإرهاب الكادر التدريسي و ـ ـ و ـ ـ  الخ.
وحسب ما وصلني من أولياء أمور الطلبة من أنّ هنالك إحصائية رسمية تذكر من أن تعداد المتضررين من المواليد التي إعتبرتُها كحقلٍ للتجارب في تقريري هذا بلغ أكثر من مليون طالب وطالبة!!، أي بعبارة أخرى أن 3.7% من مجموع الشعب العراقي بأجيالهم الناشئة (أجيال المستقبل) هم تحت رحمة هذا النظام التعليمي الذي لم تظهر نتائجه الإيجابية بعد!!، وإنما على العكس كثرت الشكاوى عليه وأزدادت مساوئه وضاع الطلبة بين التخبط في طريقة تنفيذه وعدم مقدرة الكادر التدريسي على إستيعابه وتنفيذه لجهلهم به من جرّاء عدم تأهيلهم من خلال الدورات اللازمة للإلمام به، مما أوصل نظام التعليم في العراق الى أسفل المستويات في الترتيب العالمي حتى تم رفع إسم العراق من الجدول الخاص بهذا الترتيب!!.
وكما زوّدتني به إحدى الأمهات من معلومات قولها من أنّ وسائل الإعلام قد ذكرت في إحصائية لها من أن مجموع ما وصلوا من هذه المواليد الذين يربوا عددهم على المليون الى الصف المنتهي (السادس الإعدادي) بكل فروعه بلغ فقط مئة وخمسين الف طالب وطالبة!!، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أين ذهب العدد المتبقي من الطلاّب والطالبات، فيكون الجواب المنطقي له من إنهم تركوا الدراسة والتحقوا بجيش "الأميّة" الذي بدأت أعداده بالتزايد المخيف بعد أن كانت قد أعلنت منظمة "اليونسكو" سنة 1979م خلو العراق من الأميّة!!.
إنّ من المشاكل الكثيرة التي تواجهها العملية التربوية هي عدم مقدرة المعنيين بتوفير المستلزمات الضرورية للنظام الجديد الذي أقرّوه بمعظمه منذ سنة 2003م ولحد الآن، وكان الأجدر بهم الإنتظار لحين توفر الإمكانيات المطلوبة لهذا التغيير، فلا وجود للأبنية الدراسية بمستلزماتها الصفيّة بحيث هنالك مدارس يجلس الطلبة الصغار فيها على الأرض، وهنالك نقص واضح وحاد في الكتب الدراسية، لا بل إنعدامها وعدم وصولها الى الكثير من المدارس خاصة في المحافظات وأقضيتها مع صعوبة المناهج الدراسية وضبابيتها وعدم مواكبة الكوادر التدريسية لتلك المتغيّرات في مناهجهم الدراسية، حتى بلغ الأمر بالبعض من أولياء أمور الطلبة المتمكنين مادياً بتجهيز بعض المدارس بالكرفانات على حسابهم الخاص لتصبح صفوف دائمية لأبنائهم حرصاً على مستقبلهم الدراسي، وهذه الظاهرة شملت حتى مدارس "المتميزين" التي من المفروض أن تكون نموذجية بأبنيتها ومستلزماتها الصفية والمختبرية وطلبتها وكادرها التدريسي ونظامها التعليمي (ذكرت لي إحدى الأمهات بأنّ إبنتها لم تستخدم المرافق الصحيّة في مدرسة المتميزين طوال السنوات الستة التي قضتها فيها لردائتها!!، وإنما كانت تنتظر لحين عودتها الى البيت)!!، وأصدقكم القول لم أستطع إستيعاب ما ذكرته لي هذه الأم!!.
 وما دمنا في ذكر مدارس المتميزين من االذكور والإناث التي يتم القبول فيها بدءاً من الإنتهاء من الصف السادس الإبتدائي للطلبة الحاصلين على معدّل (95%) فما فوق بطريقة "إختبار الذكاء" للبدء بالصف الأول المتوسط في مدرسة المتميزين، وهذا الشرط يتلاعب به الوزير أيضاً بحيث تم تخفيضه الى معدّل (93%) لهذه السنة مما ولّد زخم في أعداد الطلبة المقبولين في مدارس المتميزين التي هي أساساً تفتقر الى الكثير من الصفوف لإستيعاب الطلبة!!، فأنا لم أفهم ما ذكره لي أحد أولياء الطلبة المتميزين من أنّ معظم دراستهم لمراحل الدراسة المتوسطة باللغة الإنكليزية، لكن عندما سيؤدون إمتحان البكالوريا ستكون الأسئلة وأجوبتها باللغة العربية بكل تأكيد مثلما يحدث الآن لطلبة "كليّة بغداد" الذين لديهم نفس هذه المشكلة (بدأ الطلبة المتميزين للمرحلة المتوسطة بدراسة موادهم المقررة باللغة الإنكليزية قبل سنتين وسيواجهون نفس مشكلة طلبة كلية بغداد في الإمتحان الوزاري للثالث المتوسط)!!، ما هذا النظام الذي لا يوجد مثيله في كل دول العالم!!!!.
كذلك فأنّ الواقع يبين شيئاً آخراً، فالنقص بلغ أوجه في المدارس وإنتشرت ظاهرة الدوام الثلاثي خاصة في المدارس الإبتدائية (ثلاث مدارس تستخدم نفس البناية المدرسية يومياً، ما عدا مدارس المتميزين وربما الأهلية أيضاً بقيت بدوام غير مزدوج لأكثر من مدرسة في البناية، وليس هنالك نظام الصباحي والمسائي فيها وبواقع سبعة مواد مقررة للصفوف المنتهية/البكالوريا وليست ست مواد)، مما قلّص حصّة المدرسة الواحدة الى ساعتين أو ساعتين ونصف يومياً بضمنها فترات ما يسمى بالفرص أو الإستراحة التي تتخلل الحصص الدراسية بالنسبة لمن شملهم الدوام الثلاثي.
وبكل تأكيد إزدواجية الدوام أو تقسيمه الى صباحي ومسائي وعدم وجود منهاج واضح بكتب مقررة ومطبوعة لكل صف من صفوف جميع المراحل وبأعداد كافية يؤثر بشكل مباشر على المستوى الدراسي للطلبة ويزيد من صعوبة إكمال المنهج المقرر، علاوة على هذا عدم الإستقرار على نهج ونظام تعليمي واضح لا يعطي للطلبة الثقة بنظامهم التعليمي أولاً، وثانياً لا يمنح الكادر التدريسي الفترة الزمنية الكافية على تنظيم جدولهم (يشترك الفرعان التطبيقي والأحيائي بمعظم الكتب عدا كتاب الأحياء الذي الغي من الفرع التطبيقي وتمّ إستبداله بكتاب الإقتصاد، لكن هنالك فصول قد الغيت شفهياً من الكتب سواء للتطبيقي أو الإحيائي إستناداً الى حاجتهم مستقبلاً لها في تخصصهم، الم يكن الأجدر أن يتم طبع كتب لكلا الفرعين تبين التعديلات التي أجريت لتكون واضحة للطلبة والكادر التدريسي معاً).
ومما أثار فيّ الحزن والإحباط هو الخلل بإمكانيات وزارة التربية للقيام بمهامها، وذلك من خلال ما كنتُ أتابعه من أخبار على قناة "العراقية نيوز" ليومي الرابع والسادس من شهر تشرين الثاني الجاري، حيثُ عرضت القناة في اليوم الأول وفي دقيقتها الرابعة والخمسين تحديداً تقريراً مصوراً لقيام أهالي منطقة "الشعلة" في بغداد بإكمال تشييد المدرسة المتوقف بنائها منذ خمس سنوات على نفقتهم الخاصة والتي وضعت وزارة التربية الحجر الأساس لها لكن المقاول لم يكمل بنائها!!، ومن المعروف إن منطقة "الشعلة" يسكنها الغالبية من أبناء الطبقة الكادحة!!، وقد ذكر التقرير بصريح العبارة تقصير وزارة التربية في متابعة إكمال بنائها، وسأترك الأمر للقرّاء الكرام لتقييم جهد المواطنين الكادحين بتوفيرهم المبلغ اللازم لإكمال بناء المدرسة وهذا ما أثار في داخلي الفرح ومقارنته بعجز الوزارة في توفير هذا المبلغ وحيثُ تمثل جهد الدولة الغنية بالنفط والذي أثار فيّ الحزن، وليطلع القرّاء الكرام على هذا التقرير ومن خلال الرابط أدناه:
https://www.youtube.com/watch?v=cax675Q2qDI
أما اليوم التالي (أي السادس من الشهر ذاته) فقد نشرت ذات القناة على نفس توقيت نشرتها الإخبارية وفي دقيقتها الثامنة والثلاثين تحديداً تقريراً مصوراً آخراً لجهد شعبي آخر في مدينة كربلاء المقدسة وحيثُ إدعوا من إدعوا بإنهم جاءوا لرفع الحيف من النظام السابق عنها وعن باقي المدن الجنوبية، وقد بيّن التقرير قيام أحد مواكب الزائرين للمدينة والقادمين من مدينة عراقية أخرى بالتبرع في إعادة تأهيل إحدى المدارس (المنتهية صلاحيتها)، ومما أثار فيّ الحزن هذه المرّة حديث أحد شيوخ المنطقة عن معاناة أطفالهم في هذه المدرسة بحيث يعودوا الى بيوتهم أثناء فترات الإستراحة بين الحصص الدراسية كل يوم لقضاء حاجتهم لعدم توفر المرافق الصحيّة في المدرسة!!!!!، وهذه التقارير لقناة الدولة الفضائية الإعلامية وليس لفضائية (معادية)!!، هل تعلمون يا سادة يا كرام لو حدث هذا الأمر في مدرسة من مدارس الدول المتقدمة لرفع أولياء أمور الطلبة الدعاوى في المحاكم مطالبين الجهات ذات العلاقة بالضرر البدني لإطفالهم نتيجة معاناتهم في مقاومة الذهاب الى المرافق الصحية حتى إنتهاء زمن الحصّة الدراسية، وسأترك الأمر هذه المرّة للمسؤولين بعد مشاهدتهم للرابط أدناه
https://www.youtube.com/watch?v=iBbuj4PLHlA
وبكل  تأكيد أثني على ما أوردته القناة العراقية في فضحها لتقصير الوزارات المعنية بالخدمات وأيضاً عرضها لجهود المواطنين العراقيين وبيان معدنهم الأصيل.
وفي العودة الى بيان ما أصاب نظام التعليم من فوضوية، فقد أخبرني أولياء أمور الطلبة من أنه تم الغاء نظام "الإعفاء" المعمول به في الكثير من الدول المتقدمة، وتمّ إقرار نظام "الكورسات" من الصف الأول المتوسط الذي يجيز للطلبة الدراسة والإمتحان بمناهج مقررة للنصف الأول من السنة الدراسية فقط مع أخذ الدروس أو المواد التي يفشل فيها الطالب الى النصف الثاني إضافة الى دراسته للمواد المقررة للنصف الثاني "نظام التحميل أو ترحيل الدروس" وهكذا!!، لكن السؤال المهم لماذا سيعتبر الطالب أو الطالبة راسبين لتلك السنة وعليهم إعادتها بكامل موادها في حالة فشلهم فقط في إجتياز المادة المرحّلة في الدور الثاني (أي أنّ من وضع هذا النظام لا هو قد إتّبع ضوابطه كاملة كما هو معمول به في الجامعات منذ زمن بعيد، ولا هو أبقى الوضع كما هو عليه في النظام القديم)، وهذا النظام ربما له جدوى وفائدة علمية في نظام التعليم الجامعي الذي يُعتبر المرحلة النهائية للطلبة لأخذ دورهم في المجتمع كأعضاء منتجين وعندما سيفشلون في إجتياز المادة المرحّلة عليهم إعادة السنة الدراسية الكاملة فقط على هذه المادة، وقد تمّ إقراره في التعليم الجامعي منتصف السبعينات من القرن الماضي بسبب حاجة الدولة للأيدي العاملة والخريجين على وجه الخصوص كسبب رئيسي، أما إقراره الآن على طلبة الدراسة الإعدادية فقد تمّ حسب تقديري للتغطية على إخفاقات وزارة التربية والتغطية على النسب الضئيلة للطلبة الناجحين بجميع المواد وعبورهم الى الصفوف التالية فقرر الوزير المعني إقراره لتلافي الحرج ومسائلته ربما برلمانياً!!.
ومن المفارقات التي إستوقفتني سؤالي لإحدى الإمهات النجيبات عن مصير كتاب "الوطنية"؟؟، فقالت لي بأنه قد تمّ دمج كُتب التاريخ والجغرافية والوطنية في كتاب واحد بائس ينتهي من دراسته الطلبة لغاية الصف الثالث المتوسط (داخل)!!، وإنّ فصول أو فصل مادة الوطنية في هذا الكتاب الموحّد لا تحتوي على نصوص تحفّز الطلبة على حب الوطن والتضحية والإيثار في سبيله كما كان سابقاً في الخمسينات والستينات للقرن المنصرم، فقلت في قرارة نفسي إذن هكذا يتم تجريد الطلبة من إنتماءاتهم الوطنية!!، وقد زال إستغرابي وتعجبي بعد سماعي لكلام هذه الأم: لماذا لم يعد معظم الطلبة بجيلهم الشبابي الرائد للقيام بالتظاهرات الوطنية وعدم إهتمامهم بالأحداث وخاصة الوطنية منها، وأخص منها عدم خروجهم بتظاهرات طلابية عفوية في أرجاء المدن العراقية إحتجاجاً على "الإستفتاء" ومحاولة تقسيم بلدهم العراق!!!، وحيثُ كنّا سابقاً كطلبة لنا الجهد الأكبر والمميز في تنظيم مثل هذه التظاهرات حتى لو كان البلد المعني بالتقسيم جزر الواق واق!!، وحيثُ كان حاضراً وبقوة درس الوطنية في المناهج الدراسية!!.
إنّ ما رواه لي أحد أولياء أمور الطلبة من التعقيدات للمنهاج الدراسي بكافة مراحله يحتاج الى "خارطة طريق" يستدل بها الطلبة على موطئ لأقدامهم للبدء بمشوارهم الدراسي الذي بدون أدنى شك فيه من التعقيدات المنهجية والإدارية والضبطية ما تكفي لتشتيت جهد الطلبة في التركيز على المادة العلمية أو الدراسية حصراً.
فالنظام المعمول به حالياً قيام الطلبة بإختيار تخصصهم أولاً للفرع الأدبي أو الفرع العلمي للرابع الإعدادي (أي بعد تخرجهم من الثالث المتوسط وبدون أي مفاضلة بالدرجات)، ثمّ على من إختار منهم الرابع العلمي إختيار تخصصهم أما في الفرع الإحيائي أو الفرع التطبيقي بعد إجتيازهم للرابع العلمي وللسنتين المتبقيتين (الخامس والسادس) وأيضاً بدون أي مفاضلة بالدرجات!!، وبسبب توجيه (غير رسمي) من الدولة بطريقة ضمان التعيين بعد التخرج من الجامعات للمجموعة الطبية العائدة للفرع الإحيائي، فقد دفعت معظم الطلبة وأهاليهم لإختيار الفرع الإحيائي وتفضيله على الفرع التطبيقي الذي تفتقد مجموعته الهندسية للتعيين المركزي (في هذه السنة تخرجت الدفعة الأولى للطلبة الذين شملوا بهذا النظام ونحن نشاهد الآن الإشكالات والتعقيدات والغُبن في التقديم على الجامعات)!!، وعلى الطلبة الذين لم تتجاوز أعمارهم سن الرشد بعد في هذه المرحلة (حسب الدراسات العلمية في كل دول العالم سن البلوغ هو الثامنة عشر وطلبة الصف الرابع الإعدادي تبلغ أعمارهم ما بين 15 ـ 16 سنة) تقرير مستقبلهم ومصيرهم ومعرفة ماذا يعني الفرع الإحيائي من الكليات الطبية ومعاهدها وما له علاقة بتخصصاتها وفي المقدمة منها كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة وقسم من فروع كلية العلوم، وأما الفرع التطبيقي فيشمل الكليات الهندسية ومعاهدها وما له علاقة بتخصصاتها وفي المقدمة منها كليات الهندسة المعمارية والمدنية والهندسة الكهربائية والميكانيكية ـ ـ الخ، وأيضاً قسم من فروع كلية العلوم!!.
والفرع التطبيقي حسب رأي أولياء أمور الطلبة هو أسهل بكثير من الفرع الإحيائي!!، لأن الفرع التطبيقي قد تمّ الغاء مادة "الأحياء" منه التي كانت مرهقة لطلبة الفرع العلمي العام قبل إقرار النظام الجديد، وتمّ الإبقاء على هذه المادة في النظام (الجديد) للفرع الإحيائي فقط مع حذف مادة "الكيمياء الحياتية" من كتاب الكيمياء المقرر للفرع التطبيقي وابقائها في الفرع الإحيائي (وأنا مع هذا الأمر لعلاقتها بتخصصهم)، لكن بالمقابل قد تمّ إضافة مادة "الإقتصاد" للفرع التطبيقي، وما يجعل الفرع التطبيقي أسهل حسب رأي بعض أولياء الأمور هو عدم وجود كتاب ومنهج مطبوع في أكثر مواده على العكس من الفرع الإحيائي!!، وهذا الإدعاء بشهادة بعض أعضاء الكادر التدريسي!!.
وعند المقارنة المبسطة للمقدرة الذهنية للطلبة في طريقة إختيارهم للفروع الدراسية التي ستقرر مستقبلهم ومصيرهم المهني أرى من أنّ النظام القديم الذي كان يسمح للطلبة بعد صف الرابع الإعدادي وهم في أعمار ما بين (15 ـ 16) سنة، التحديد (الجزئي) لتخصصهم الذي يرغبونه فيختاروا ما بين الفرع العلمي أو الأدبي ثمّ إكمالهم الصفيّن الأخيرين (الخامس والسادس العلمي أو الأدبي) لتكون أعمارهم قد بلغت الثامنة عشر أو ما يزيد وفي هذا العمر يكون الطلبة أكثر إدراكاً لتقرير مستقبلهم تماشياً مع المعدلات التي سيحصلون عليها، فالمتخرجين من الفرع العلمي بشكل خاص في النظام السابق سيكون أمامهم إختيارات واسعة ما بين الكليات الطبية أو الهندسية أو العلوم أو غيرها، في حين على الطلبة في النظام الجديد تحديد مستقبلهم وطموحهم بشكل بات ومطلق منذ الصف الرابع الإعدادي وقبل معرفتهم لمعدلاتهم التي سيحصلوا عليها بعد تخرجهم من الفروع المذكورة!!، وسأطرح مثلاً بسيطاً يوضح أكثر ما ذهبتُ اليه في طرحي: فالطالب أو الطالبة الحاصلين على معدل (94%) في النظام القديم (السابق) بعد تخرجهم من السادس العلمي يقومون بالتقديم على كليات الطب وطب الأسنان والصيدلة والهندسة المعمارية والمدنية والكهربائية والسيطرة والنظم أو الميكانيكية وفروع كليات العلوم والى آخره من الكليات الرصينة من خلال إستمارة التقديم الموحدة المدوّن فيها كافة الكليات والمعاهد، وأكيد سيحصلون على إحدى هذه الكليات المرموقة ولا يضيع جهدهم الدراسي الذي توجوه بحصولهم على (94%) كمعدل والذي يُعتبر من المعدلات التفاضلية والتنافسية الجيدة جداً ويعطي الإنطباع بأنّ من حصلوا عليه يتمتعون بذكاء وقابلية ذهنية وإجتهاد عاليين، أما في النظام الجديد فيسمح للطلبة الذين إختاروا الفرع الإحيائي بالمفاضلة والتنافس بعد تخرجهم من صف السادس الإحيائي على كليات المجموعة الطبية ومعاهدها فقط (بعد الإشكاليات التي حصلت في تطبيق النظام في هذه السنة الأولى لتطبيقه كما ذكرت تراجع المسؤولين عن تطبيقه كما أقرّوه نظرياً وسمحوا للطلبة المغبونين بإعادة التقديم على كليات أخرى غير مشمول بها فرعهم، وليتصور القرّاء الكرام مقدار التعقيدات للطلبة والمؤسسات التعليمية معاً)، ونأخذ للمقارنة نفس معدل شريحة الطالبات والطلاّب الذين حصلوا على (94%) في النظام القديم ونسأل: ماذا ستكون خياراتهم في الكليات الطبية بالنسبة للطلبة في النظام الجديد؟!، فمن المؤكد سوف لن يتم قبولهم في كليات الطب أوالصيدلة أوطب الأسنان لأن الحد الأدنى للقبول في هذه الكليات سيكون ربما (96%) فما وفق وليس لهم الحق في إختيار الكليات الهندسية لأنهم إختاروا الفرع الإحيائي، عندها سيذهب هؤلاء للكليات والمعاهد الطبية التي هي دون طموحهم مثل كلية التمريض أو المعاهد الطبية وغيرها وهم الحاصلين على (94%)، وهذا ما حصل فعلاً لإحدى الطالبات عندما أخبرني أحد أولياء أمور الطلبة من أنّ جيرانه جاء اليه طالباً المشورة لإبنته التي حصلت على معدل (94%) دور ثاني لتأجيلها مادة واحدة فقط، وقد تمّ قبولها في معهد الصحة!!!، وسمع والد الطالبة المغبونة بأنّ هنالك تقديم آخر للمتضررين يسمى "الحكومي الموازي" وطلب منه شرحه له، وبعد أن أخبره بأن هذا التقديم ليس مجاناً في حال قبول إبنته فيه لأنه سيكلفه بحدود ثمانية ملايين الى أربعة عشر مليون دينار سنوياً في حال التقديم على الكليات الطبية!!، صعق الرجل لأنه يعمل سائق سيارة حمل صغيرة (بيك أب) وبالكاد يدبّر أمور عائلته وقال: "يا لله شنسوي معهد صحة ـ ـ معهد صحة، أحسن من ماكو وبلكي تكمّل لبنيّه بعد سنتين وتتعين مركزي وتگوم تساعدني"!!، الحقيقة عندما سمعتُ هذه القصة شعرتُ بالأسى على هذه الفتاة التي بدون أدنى شك مشاعرها وحزنها غير مشاعر وتفكير والدها البسيط!!، لأنها خسرت فرصتها ومستقبلها لضيق الحاجة وهي من المتفوقات وكل ذلك بسبب سوء الأنظمة التعليمية!!، في حين زملائها وزميلاتها في الفرع التطبيقي سيحصلون على أفضل الكليات الهندسية لنفس المعدل!!، لكنها وبسبب إختيارها الفرع الإحيائي لم يساعدها معدلها في تحقيق طموحها!!، وهنا يظهر الغُبن لشريحة طلابية ذكية ومجتهدة لا ذنب لها غير إنها وقعت ضحية النظام التدريسي الخاطئ فإختارت الفرع الأحيائي نداءاً لطموحاتها!!.
كذلك فإن تعدد إستمارات التقديم على الجامعات وعدم توحدها في إستمارة واحدة يربك الطلبة خاصة الذين ليس لديهم أولياء أمور يساعدونهم على إملائها، فهناك إستمارات تقديم متعددة تتراوح ما بين الكليات الحكومية والأهلية (هذه السنة يوجد ستة أو سبعة أنواع للتقديم على الكليات والمعاهد ومنها: حكومي مركزي، حكومي موازي، حكومي مسائي، أهلي نهاري وأهلي مجاني)، وهذه السنة أيضاً أضيف لزيادة التعقيد تقديم آخر لبعض الإختصاصات للجامعة التكنولوجية بشكل منفصل عن إستمارة التقديم للكليات والجامعات الحكومية!!.
 فنسبة أولياء أمور الطلبة في مجتمعنا الغير قادرين على مساعدة أبنائهم في مجال مد يد العون لأبنائهم في ملأ إستمارات التقديم (وليس إستمارة واحدة) عالية جداً، وربما مَنْ وضع هذا النظام نسي أو تناسى من أنه يتعامل مع مجتمع بغالبية فلاحية يحاول أبنائه جهدهم مواكبة العلم والمعرفة والخروج من دائرة هذا المجتمع الى فضاء أكثر تقدماً وفرصاً للعمل!!، وهذا التعقيد في التقديم يضر شريحة كبيرة من أبناء الطبقات الفقيرة والفلاحية.
إضافة الى أنّ النظام الجديد للدراسة الإعدادية بفروعها الثلاث (الأدبي، الأحيائي والتطبيقي) زاد الأمر تعقيداً ووضع حملاً إضافياً على الدولة في ضرورة توفير الأبنية الدراسية بمختبراتها وقاعاتها الساندة إضافة الى واجب مضاعفة الصفوف فيها لتنوّع الفروع وتخصصاتها!!، وهذا الأمر يدلل على أنّ من وضع النظام الجديد كان بعيد كل البعد عن واقع حال الدولة بإمكانياتها المحدودة جداً!!، وهنا من حقي أن أشكك في قرارات وسلوك البعض من ذوي المسؤولية ومراكز القرار، فهل أنّ ما يجري من إرباك للأنظمة بشكلٍ عام والنظام التعليمي بشكلٍ خاص له علاقة بالصراعات الحزبية والطائفية بين الكُتل السياسية المتقاسمة النفوذ في مؤسسات الدولة؟؟!!، فيعمد أحدهم الى تغيير نظام وزارته أو مؤسسته دون إدراك وإستحالة نجاحه مما يحرج الدولة ورئيسها التنفيذي ويثير الشعب ضد حكومته!!، لكن في جميع الأحوال يكون المتضرر الوحيد فيها هو الشعب!!.
وربما من المفيد أيضاً الوقوف عند ظاهرة الدروس الخصوصية التي إبتلى بها أولياء أمور الطلبة خاصة للصفوف المنتهية (السادس الإعدادي أي البكالوريا)، وتقول إحدى أولياء أمور الطلبة من إنها كانت مستعدة للتضحية ببيع دارها السكنية في سبيل تهيئة المبلغ اللازم للدروس الخصوصية لإبنتها لأنها من المتميزات منذ مراحل دراستها الإبتدائية الى حد وصولها للصف المنتهي (الفرع الإحيائي) وهي طالبة في مدرسة "المتميزين"، كل هذا الأمر من أجل الفوز بالكلية التي أصبحت حلم الطالب أو الطالبة وعوائلهم!!!، وقد سألتها: لماذا الدروس الخصوصية وإبنتها متميزة وتداوم في مدرسة المتميزين التي من المفروض أن تكون نموذجية بكل شئ من الكادر التدريسي الى البناية المدرسية بمختبراتها ومستلزماتها وكتبها ونظامها التعليمي وكما أسلفتُ سابقاً؟؟؟، أجابتني من أنّ ما طرحته من معوقات سابقاً في هذا التقرير تشمل مدارس المتميزين أيضاً!!، فأستغربت لكلامها وقلت إذن أين هو التميّز؟؟، هل هو فقط في الشكليات الإدارية وربما في الأسلوب الحضاري والعلمي النسبي نوعاً ما في تعامل الكادر التدريسي مع الطلبة!!، وهل هنالك أي تميّز للطلبة في مدارس "المتميزين" عند تقديمهم الى الجامعات والكلّيات؟؟، فذكرتْ لي نفس ما ذكرته سابقاً بقيام أحد أولياء الطلبة بالتبرع بكرفان لجعله صف في مدرسة المتميزين!!!، ثمّ إسترسلت هذه الأم في بيان الظروف والمعوقات لإنخفاض المستوى التعليمي للطلبة ومنها تقليل ساعات المدارس بسبب الدوام الثلاثي كما أسلفت وعدم إستطاعة الكادر التدريسي إكمال المنهاج المقرر وكثرة غيابات الطلبة بسبب الظروف الإستثنائية للبلد، يضاف اليها كثرة العطل الرسمية والغير رسمية ومنها ما يتعلق بالمناسبات الدينية التي يجب على الدولة تنظيمها وتنسيقها، حيثُ بدأت تعطي مردودها السلبي في كافة النواحي حتى الصحيّة والإقتصادية للبلد، وهذه الظاهرة تحتاج الى معالجة ووقفة جادة لجعلها مناسبات ينتظرها كل أبناء الشعب العراقي بشغف للإحتفال بها وتكريم أوليائها وإعطائها الرمزية والمكانة المرموقة في قلوبهم، لا أن تجعلهم في حالة طوارئ لشراء المستلزمات البيتية لخزنها لخوفهم من إنقطاع الطرق وركود الأسواق وشلل تام في الحياة الإجتماعية لمدد تزيد على الأسبوع أو الأسبوعين، كلّنا نقدر ونحترم هذه المناسبات منذ صغرنا لا بل نشترك في شعائرها دون النظر الى الدين أو المذهب، تماماً كما يحتفل الجميع بالمناسبات الدينية للمذاهب والأديان الأخرى وحتى المناسبات القومية، فالعراق بمجتمعه فسيفساء متنوعة بالوانها وأشكالها.
كذلك من المفيد تسليط الضوء على البعض من معانات الطلبة قبل وأثناء وبعد أداء الإمتحانات الوزارية، بحيث أوصلت الطلبة وأولياء أمورهم الى مستويات عالية من الإرهاق الذهني والبدني، فقد أخبرتني إحدى أمهات الطالبات المتميزات من أنه تم تنسيب إبنتها للإمتحان الوزاري في صف من صفوف المدارس الإعتيادية بعيداً عن زميلاتها لعدم توفر مكان لها في الصفوف المنسبة اليها زميلاتها بسبب أبجدية الحروف لأسمائهن!!، وقد خسرت الكثير من الوقت الثمين لمعرفة أين ستؤدي إمتحانها!!، الم يكن بالمقدور ترتيب تواجدها مع زميلاتها للحيلولة دون إرباكها بالترقب والمراجعة لمعرفة مصيرها وأين ستؤدي إمتحانها وهي طالبة واحدة فقط؟!، وفي هذه السنة التي شهدت درجات حرارة عالية جداً سجلت فيها الأنواء الجوية مستويات لم تسجّل في تاريخ سجلاتها سابقاً قامت وزارة التربية بتأجيل الإمتحانات الوزارية للصفوف المنتهية بجميع فروعها الى الثاني أو الثالث من تموز الماضي (الذي يُطلق عليه العراقيون بالطبّاخ) أي ما بعد شهر رمضان الكريم إعتقاداً من أنها تعين الطلبة على عدم أداء الإمتحانات وهم صيام وكذلك لمنح الفرصة بوقت أطول لمراجعة المواد ولربما أيضاً بسبب الحرب على داعش، لكن من قرر هذا القرار قد نسي من أن وزارته أصلاً تفتقر لكل الخدمات الضرورية لأداء هذه الإمتحانات المصيرية في مثل هذا الشهر وأولها تهيئة أجهزة التبريد الحديثة المركزية (المكيفات) ومياه الشُرب، وسآتي الى ذكرها لطلبة المدارس المتميزة حصراً كونها من المفروض أن تكون "نموذجية" كما أسلفت (من المعلوم إنّ الطلبة بشكل عام وطلبة المدارس المتميزة بضمنهم لا يؤدون إمتحاناتهم الوزارية في مدارسهم وإنما في مدارس أخرى، إضافة الى تبديل أو تغيير طواقم المراقبين والمشرفين على الطلبة في القاعات الإمتحانية).
ففي أحد صفوف المدارس التي قام الطلبة "المتميزين" بإداء الإمتحانات فيها تم وضع مبردة هواء متنقلة بعجلات وهي صغيرة بحجمها لكنها مكسورة من إحدى جوانبها والماء يجري منها على أرضية الصف و"الحارس" المسكين كان حريص على أن يأتي كل ربع ساعة لملأ الخزان وطبعاً هذه العملية تشتت أذهان الطلبة، وحسب ما هو معروف علمياً يجب توفير الأجواء الهادئة للطلبة لإداء مثل هذه الإمتحانات المصيرية، أما الحالة الثانية التي نقلها لي أحد أولياء أمور الطلبة، فهي رغبة المُراقِبة الإمتحانية للعب بأعصاب إبنته المتميزة حين فاجئتها وهي تنظر الى بطاقتها الإمتحانية وفي اليوم الأول للإمتحانات وفي دقائقه الأولى قائلة لها: "هاي صورتچ"؟؟، أجابتها الطالبة بكل أدب: "نعم ست"، لكن المراقبة الفهيمة لم تقتنع وأردفت قائلة: "يعني أكيد هاي إنتي ـ ـ ومنو يگول هاي الصورة صورتچ ـ ـ وشجاب هاي الصورة عليچ ـ ـ ومنو گال هاي الصورة تشبهچ ـ ـ ومنو يگول هذا إسمچ" وما الى ذلك من الأسئلة وحربها النفسية لطفلة جاءت لتودي الإمتحان وهي أساساً قد سيطرت عليها الرهبة الطبيعية في أداء هذا النوع من الإمتحانات وتحتاج الى من يهدئ نفسيتها وليس العكس وإستمرت هذه المُراقِبة على هذا المنوال معظم زمن الإمتحان بالإضافة الى خسارة هذه الطالبة لدقائق ثمينة من وقتها بمهاترات ليس لها معنى!!!، بالله عليكم كيف ستستطيع هذه الطالبة الإجابة وهي مهددة كل لحظة بالطرد من قاعة الإمتحان لتشكيك المُراقِبة بشخصيتها!!، أما الحالة الثالثة لطالبة أخرى فقد ذكرت بأن المديرة بنفسها كانت توزع عليهم قناني الماء البارد لكنها تفاجئت بالمُراقِبة الإمتحانية وهي تأتي لتستبدل قنينتها الحارة بقنينة الطالبة بعد خروج المديرة!!، والحالة الأخرى لطالبة من إحدى المدارس الإعدادية الأهلية التي أجبرتها "المُراقِبة" الإمتحانية على الإلتصاق بالحائط الذي تمشي عليه مجاميع من "النمل" وكلما حاولت الطالبة الإبتعاد قليلاً عن الحائط تأتي "المُراقِبة" لتجبرها الى العودة بالإلتصاق بالحائط على الرغم من رؤية هذه "المُراقِبة" للنمل بأعداده الكبيرة حتى شعرت الطالبة بحركة النمل على جسدها، بربكم كيف ستركز وتؤدي هذه الطالبة إمتحانها (هنالك إحساس من معظم أولياء أمور الطلبة وأبنائهم من أنّ هنالك حساسيات من الكادر التدريسي الحكومي على كل ما يخص المدارس الأهلية والذي ينعكس على الطلبة في هذه المدارس عندما يقعون تحت طائلة المُراقبة والإشراف في الإمتحانات الوزارية من قِبل الكادر التدريسي الحكومي!!، لذا أرجو من معالي وزير التربية التقصّي عن هذا الأمر ومعالجته)؟؟!!، الم يكن الأجدر بوزير التربية تعميم كتاب يُشدد فيه على حسن معاملة الطلبة وتوفير كافة الوسائل والظروف الصحيّة لهم لأداء إمتحاناتهم بشكلٍ عامٍ، ويحذر بالعقوبات لمن لم يلتزم من المُراقبين والمعنيين وبالمحاسبة الإدارية لهم في حال عدم تطبيقه، هذه الحالات هي قطرات من البحر ليس الغاية من طرحها والإستشهاد بها هو الإحراج والمحاججة أو المماحكة وإنما عرضها وإيصالها الى مَنْ يهمهم الأمر لأنها بالحقيقة تؤثر كثيراً على الطلبة وتغيّر للبعض منهم طريق مستقبلهم الى آخر سنوات أعمارهم، وللحقيقة ما طرحته كان لمدارس الطلبة المتميزين وطلبة المدارس الأهلية، فكيف هو الحال لبقية المدارس الحكومية، سؤال أوجهه للوزير المختص؟؟.
ثمّ نأتي الى مشاكل ومعاناة من نوع آخر تؤثر بصورة مباشرة على معدلات الطلبة والسؤال عن مدى مهنية واضعي الأسئلة الوزارية ومدى المامهم بالمقرر بشكل دقيق وليس بشكل سطحي أو بإسلوب كيفي يخضع لإجتهاد من يضع الأسئلة؟؟!!، فالمسألة تتعلق بمصير الطلبة ومستقبلهم والخطأ في أغلب الأحيان غير قابل للحذف أو التصحيح، لذا واجب ملزم على من يضعوا الأسئلة التأكد من مطابقتها لما مطلوب في المنهج المقرر، وسأطرح مثلاً رواهُ لي أحد أولياء أمور الطلاّب قائلاً: إن إحد أسئلة درس الدين للفرع "الإحيائي" كان عن ذكر نص لأحد الأحاديث التي ورد ذكرها في كتاب الدين للشرح وليس للحفظ!!، وحمد الله من أنّ ولده كان يعرفه فكتبه، لكن ماذا عن الطلبة الذين لم يحفظونه لأنه ليس مطلوب منهم حفظه في المقرر وإنما فهمه فقط من خلال الشرح، أكيد سيخسرون الخمسة درجات الثمينة من مجموعهم والتي ستغير مجرى حياتهم ومستقبلهم بسبب عدم المام واضعوا الأسئلة لما هو مطلوب ومقرر في الإمتحانات الوزارية، كما أنّ بعض واضعي الأسئلة يتعمدون في محاولة تمويه وإرباك الطلبة بطريقة طرح الأسئلة وحيثُ أخبرتني إحدى الطالبات الحاصلة على معدل (95%) من أنها تفاجئت بطريقة السؤال الذي ليس له جواب!!!، لكنها تعلم من أنّ هنالك جواب لسؤال مقارب بمعناه فوضعته ويبدو أنها كانت محظوظة لأن الكثير من زميلاتها قد فاتت عليهم هذه المحاولة!!.
سأورد الآن بعض التفاصيل للنظام الجديد الخاص حصراً بطريقة المفاضلة والقبول لطلبة الصفوف المنتهية الإعدادي (الوزاري) المتشعب بشروطه ومقرراته وقوانينه: هنالك ضمن النظام الجديد قرار لتحفيز الطلبة وهو إضافة درجة على المعدل لكل طالب أو طالبة إجتازوا الإمتحان الوزاري من الدور الأول (هذه السنة كان فيها الدور الأول والثاني والثالث)!!، أو بمعنى آخر لكل مادة مقررة بالإمتحان الوزاري هنالك درجة واحدة يتم إضافتها للطلبة الذين إجتازوا الدور الأول، وكما هو معلوم هنالك سبعة مواد المقررة إدخالها في الإمتحان الوزاري أي بالنتيجة يكون مجموع الدرجات سبعة على المجموع أو درجة واحدة على المعدل، وفي حالة رسوب الطالب أو الطالبة (أو عدم الدخول أصلاً للإمتحان) في أحد هذه المواد فعليهم إعادته في الدور الثاني أو الثالث لكن ستحذف منهم لهذه المادة تلك الدرجة الإضافية، في ذات الوقت تحتسب للطلبة الممتحنين في الدور الثاني أو الثالث نفس درجاتهم في المواد التي إمتحنوا فيها في هذين الدورين أي إذا حصلوا على (100%) في المادة فتبقى كما هي!!، هذه الطريقة شجعت العديد من الطلبة على تأجيل المواد الى الدور الثاني فالأفضل لهم خسارة درجة واحدة للمادة في دورها الأول وإكتساب ربما ثلاثين أو أربعين درجة في دورها الثاني أو الثالث!!.
كذلك هنالك درجة أخرى تضاف على المعدّل لطلبة المدارس التي يدرّس فيها اللغات الإضافية كالفرنسي وغيرها، لكن في بعض حالات القبول ومنها القبول في الكليات الأهلية الخاص (بالمنحة المجانية) التي منحتها هذه الكلّيات تلبية لنداء وزارة التعليم العالي للمساعدة في حل الإشكالات والغُبن للكثير من الطلبة، وحيثُ منحتهم هذه الكلّيات (350) مقعداً مجانياً خصّت بها أبناء العوائل "المتعففة" وأبناء الحشد الشعبي، فلم يتم الإعتماد على هاتين الدرجتين الإضافيتين للطلبة (الدرجة الإضافية للنجاح من الدور الأول والأخرى التابعة للغات) وتم الأخذ بمعدلّهم الأصلي دون الأخذ بنظر الإعتبار لهاتين الدرجتين!!، إذن ما هي فائدتها إذا لم تُعتمد في القبول والتفاضل ولماذا كل هذا التعقيد!!!.
ولِمَنْ لا يعلم ما هو القبول "الموازي أو الحكومي الموازي" أقول من إنها "فكرة" جاءت متأخرة نسبياً غايتها مادية قبل أن تكون قد أقِرّت لإنصاف المغبونين من الطلبة (وهم بالمئات ومعظمهم من المعدلات التي تجاوزت 90%)، ومختصرها وبعد أن تمّ الإعلان عن نتائج القبول الأولية وبدأ الصراخ والبكاء من الطلبة وأولياء إمورهم للغبن الذي أصابهم تفتق ذهن المسؤولين عن إيجاد طريقة لتجاوز الأزمة بالإعلان عن حق الطلبة المغبونين للتقديم في إستمارة خاصة الى عدد محدود من الكليات الحكومية المهمة بشرطين: أولهما أن لا تقل معدلاتهم الأصلية قبل إضافة درجتي التفاضل (للدور الأول واللغات) عن معدلات زملائهم المقبولين بالنتائج الأولية بأكثر من درجتين في تلك الكليات، أما الشرط الثاني وهذا هو بيت القصيد أن لا تكون دراستهم في تلك الكليات الحكومية مجانية وعليهم دفع أجور تقارب ما هو مطلوب في الكليات الأهلية (دفع ما بين ثمانية الى أربعة عشر مليون دينار سنوياً وحسب تخصص الكليّة)!!!، والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه، لو كان هنالك أساساً مقاعد متوفرة في تلك الكليات الحكومية لماذا تم حجبها عن الطلبة أصلاً وخلقت هذا الظرف المأساوي للطلبة وأهاليهم؟؟، وما هو ذنب الطلبة الفقراء الذين لا تستطيع عوائلهم دفع المبالغ التي تصل ما بين ثمانية الى أربعة عشر مليون دينار للعام الدراسي الواحد للكليات الطبية والهندسية؟؟!!، وربما قد تنخفض الى المليون لطلبة الكليات الإنسانية لكن بالنتيجة تكون حصراً لأبناء العوائل المتمكنة وليذهب الفقراء الى الجحيم!!!، سيقول قائل من أنّ هنالك قرار آخر بتخصيص مقاعد محدودة في الكليات الأهلية لقبول طلبة العوائل الفقيرة والمتعففة المغبونين مجاناً، لكن هل ستفي بكل أعداد الطلبة المغبونين من تلك العوائل؟؟، وما هو الضامن لعدم فصلهم في السنة الثانية منها عندما تغيّر عمادة الكلية رأيها وتطالبهم بدفع الأجور؟؟، وكيف ستتعامل الكلية الأهلية مع الطلبة الذين سيعيدون سنة من سنوات الدراسة لرسوبهم فيها؟؟، وهل ستطالبهم بدفع مصاريفها؟؟، أو في حال عدم دفعهم سيتم فصلهم من الكلّية الأهلية (ذكرت لي إحدى المتصلات من إنّ على الطلبة الراسبين من الفقراء دفع نصف المبلغ السنوي في حال رسوبهم، فمن أين لهم هذا المبلغ وأكيد سيتركون الدراسة)؟؟!!.
إنّ بوادر فشل النظامين (التطبيقي والأحيائي) ظاهرة بكل بوضوح من خلال الإرباكات التي ظهرت في هذه السنة وهي الأولى لخريجي هذين الفرعين بالتقديم الى الجامعات والمعاهد، مما أجبر وزير التعليم العالي وهو الوزير التنفيذي المباشر للقبول في الجامعات على الغاء التخصص بين الفرعين الأحيائي والتطبيقي في التقديم الى الكليات ذات العلاقة بالفرعين وسمح لخريجي الفرع الإحيائي بالتقديم على الكليات الهندسية أيضاً وذلك لكثرة أعدادهم وعدم وجود كليات ضمن تخصص فرعهم لقبولهم ومعظمهم ذوو معدلات عالية ولكن بعد فوات الآوان، حيثُ سمح بقبول طالبين أو طالبتين بنفس الكلية الهندسية أحدهما من الفرع التطبيقي وبمعدل (80%) والآخر من الفرع الإحيائي وبمعدل (90%) وهذا هو الغُبن بعينه، إذاً ما فائدة التخصص بفرعين إحيائي وتطبيقي إذا كان في نهاية الأمر العودة على النظام القديم للقبول؟، وهل النظام التعليمي بحاجة الى المزيد من الإرباكات والتشويه والمشاكل التي لا حصر لها؟؟!!، وأين هم مستشاري الوزيرين الذين يكلفون الدولة المبالغ الطائلة من خلال مناصبهم؟؟!!، وهل هم جالسين على مقاعدهم فقط ويستلمون رواتبهم نهاية كل شهر وأصبحوا من جماعة (موافچ إستاذ)؟؟!!.
ربما سأختم هذا التقرير الشامل والموسّع بظاهرة بدأت تتوسع وتأخذ مديات أكثر من إستحقاقاتها التي بكل تأكيد نؤيدها جميعنا لكن ضمن حدودها المعقولة والمنطقية التي لاتؤثر على الطلبة الآخرين في التفاضل والقبول في الجامعات بشكلٍ عامٍ، ألا وهي إضافة الدرجات على المعدّل لأبناء الشهداء والحشد الشعبي دون غيرهم تكريماً من الدولة لتضحيات آبائهم وأنا شخصياً مع هذه "المكرمة"، ولكن يجب أن تكون شروطها قد تم تنفيذها بحذافيرها وبصرامة دون التلاعب بزيادة أعداد المستفيدين منها بالإلتفاف عليها من هذا المسؤول أو ذاك، وكمثال وردني من البعض من أهالي الطلبة بأنّ لديهم الأمثلة العديدة لمعارفهم وجيرانهم قد تمتعوا أبنائهم بهذه "المكرمة" وزاحموا الطلبة الآخرين على المقاعد المحدودة خاصة في الكليات العالية بدون وجه حق، لأن قسم من المستفيدين ليس لديهم أقارب من الدرجة الأولى مشمولين كشهداء أو حشد شعبي وإنما ربما لديهم من الدرجة الثانية أو الثالثة وقد إستطاعوا الحصول على تأييد لشمولهم بهذه "المكرمة"!!، وبهذا الإلتفاف الصريح على القرار قد إختطفوا مقعد ثمين من طالب أو طالبة يستحقانه بجهدهما ومثابرتهما، والملاحظة الأخرى فقد كان الواجب على مَنْ سنّ هذه "المكرمة" أو القرار أن يوسّع دائرة القبول في الكلّيات والمعاهد بتخصيص مقاعد إضافية خارج ما هو محدد للطلبة بشكلٍ عام، لا أن يحرم الكثير من الطلبة من إستحقاقاتهم ليمنحها الى آخرين، فهذا هو الظُلم بعينه!!!، فهي ليست منحة مالية أو عينيّة سيتجاوزها المتضررون عن طيب خاطر!!، وإنما حرمانهم من مستقبلهم لا بل ربما تدمير كل طموحاتهم!!، وحسناً فعل وزير التعليم العالي في تصريحه الذي وافاني به لاحقاً أحد أولياء أمور الطلبة بأنه وعد (أي الوزير) بإيقاف هذه "المكرمة" السنة القادمة ومن الممكن تعويضها بمنح أبناء الشهداء والحشد الشعبي بقطع أراضي سكنية ومُنَح مادية أو إمتيازات أخرى،ولكن ماذا عن المتضررين منها هذه السنة؟؟، وما ذكره وزير التعليم العالي من إقتراح بهذا الخصوص في نظري أكثر عدالة ومنطقية دون الإضرار بشرائح مجتمعية أخرى، فالتفاضل بالعلم عن طريق الإختبارات والإمتحانات فقط قد باركته كل الشرائع السماوية وهو مقدس ولا يجوز الإلتفاف عليه بمنح الدرجات الثمينة جزافاً والذي يفتح المجال للتلاعب وزيادة الظُلم والغُبن على البعض الآخر، فهل "يتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون"!!، قول أضعه أمام مَنْ منح هذه "المكرمة" دون إدراك متجاوزاً على كل الشرائع السماوية!!.
إنّ ما طرحته في هذا التقرير لا يتحمل وزره الوزير أو الوزيرين المباشرين فقط، لكن تتحمل سلبياته كل الدوائر والمسؤولين من أعلى الهرم لمحدودية ربما التخصيص

23
الغاء نتائج الإستفتاء مطلب جماهيري وما أقل من ذلك يُعتبر خطأ تاريخياً
بقلم: سالم إيليا
دخلت الأحداث في نفق لا يبدو قصيراً وبوتيرة متسارعة بعد تعنت وأصرار السيد مسعود البرزاني على إجراء الإستفتاء عندما كان رئيساً للإقليم، وقد إنهارت جميع تطلعات شعبنا الكردي في ليلةٍ وضحاها ليس فقط من أيّد منهم الإستفتاء!، لا بل حتى من كان ضده نتيجة ما حدث من تداعيات كان آخرها أعمال العنف ومهاجمة البرلمان الإقليمي والبعض من أعضائه ورجال الإعلام وحرق مقرّات الأحزاب الكردية التي كان لها رأي مخالف للسيد مسعود البرزاني في بعض مدن الإقليم، وحيثُ إتهمت بعض قيادات تلك الأحزاب عناصر تابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني بإثارتها، وقد وصفت النائب في البرلمان الإتحادي ورئيسة تكتل حزب التغيير فيه سروة عبدالواحد في بيانها ما جرى من أعمال عنف داخل البرلمان على أنه "عمل إرهابي بإمتياز"!!.
الرابط أدناه: ممثل أربيل عن كتلة التغيير الكردستانية ورئيسه في البرلمان الإتحادي النائب سروة عبدالواحد تصف في بيان لها ما حدث من إقتحام للبرلمان الكردستاني على أنه "عمل إرهابي بإمتياز":
http://www.nrttv.com/Ar/Detail.aspx?Jimare=62496 
إنّ من له دراية بعلم الأنثروبولوجيا بشكل عام ورائده علم الأثنولوجيا بشكل خاص يستطيع تحديد الخصائص للمجموعات البشرية التي تسكن في مناطقنا الجغرافية ومنها تفاعلهم السريع مع الحدث بعواطفهم الشديدة التي تكونت لديهم كنتيجة طبيعية لبيئتهم المتباينة بتضاريسها وطبيعة مناخهم المتباين وقساوة معيشتهم التي حتمت عليهم الإعتماد على العاطفة وقوتها الترابطية بين أفراد المجموعة البشرية الواحدة، وحيثُ كانت إحدى الخصائص المهمة لمقاومة التحديات الطبيعية للبقاء على قيد الحياة.
ومع التطور الإجتماعي المقترن بالتطور العلمي الذي وصل الى أبعد مدياته التي لم يتوقع الإنسان الوصول اليها بالسرعة التي حدثت فيها في القرون القليلة الماضية، أصبحت تلك العاطفة ثقلاً كبيراً على مجموعاتها البشرية مشاركةً الأعراف والتقاليد بثقلها، وحيثُ باتت أحدى العوامل الرئيسية لعدم مقدرة هذه المجموعات من العيش بدونها وتجاوز حِقبها الزمنية الغابرة بتحدياتها الطبيعية.
طرحتُ هذه المقدمة البسيطة لبيان مدى تأثير العاطفة على مجمل ما حدث لشعبنا العراقي بكل مكوناته التي كانت متفاعلة مع التغيرات الفجائية نتيجة إجراء الإستفتاء والتي حصلت ما بين ليلةٍ وضحاها ـ ـ إيجاباً للبعض منهم ثمّ تحولها سلباً، والعكس صحيح للبعض الآخر.(*)
فالمؤيدون للإستفتاء وحق تقرير المصير (ليس فقط البعض من المكوّن الكردي وإنما البعض من الأحزاب العراقية وسياسييها وكما سآتي على ذكرها)، حيثُ كانوا مشجعين لهذه الخطوة ومباركين لها وكانوا (إيجابيين) في الدفع بإتجاه تنفيذها!!، أو على الأقل وقوف تلك الأحزاب أو القادة السياسيين صامتين ظاهرياً أمام الرأي العام العراقي الذي كان يغلي تجاه ما يجري ولكنهم بالخفاء كانوا مؤيدين لها لأسباب خاصة بأيديولوجياتهم (المتناقضة) والمحيّرة للمواطن العراقي أو لمنفعة البعض منهم الشخصية وكما سأبين ذلك لاحقاً!!!.
أما الرافضين للإستفتاء بأغلبية الشعب العراقي والمعتزين بعراقهم الموّحد ومنهم عدد لا يستهان به من الكُرد وسياسييهم المعتدلين فكرياً وقومياً (وهذا واقع لا يمكن تجاهله وحيثُ كان لهم الدور المهم في إفشال الإستفتاء)، فقد غلبت عليهم النزعة السلبية المتشائمة قبل الإستفتاء مستندين الى إعتزازهم بخارطة العراق الموحد وعدم رغبتهم بتصور فقدان جزء مهم من مكوناتهم وأرضهم وعدم رغبتهم في العودة الى التحارب ما بين أبناء الوطن الواحد، فحتى الكُرد الذين يعتزون بعراقيتهم لم يستطيعوا تصور العيش في رقعة محددة لا تشمل كل العراق من شماله حتى جنوبه، وهذه حقيقة يجب أن ندركها بعيداً عن الأكاذيب الإعلامية التي تبين عكس ذلك.
حتى جاءت ساعة الحسم بإصرار السيد مسعود البرزاني وتعنته رغم وقوف العالم بأجمعه ضد قراره، فحدث الإستفتاء وبدأت تظهر الى الوجود ردود أفعاله بالدقائق وليس بالساعات أو الأيام، وهنا تدخلت العاطفة من جديد ليس داخل المجتمع العراقي فحسب وإنما داخل مجمل شعوب المنطقة التي تشترك بنفس الخصائص الإنسانية كما ذكرت، وبدأت تداعيات الإستفتاء تنعكس سلباً هذه المرّة على من أيّد الإستفتاء، خاصة بعد إنهيار أحلامهم بسويعات نتيجة الحقائق على الأرض وخسارة ما كان قد تحقق من مكتسبات وأحلام لشعبنا الكردي لم يتصور بلوغها الجميع قبل ثلاثين عاماً، فإنقلبت المشاعر الإيجابية الى سلبية والسلبية الى إيجابية في غضون يومين أو ثلاثة بين مجمل مكونات الشعب العراقي وتضاربت مشاعرهم فنتج عنها ما نتج من حوادث مؤسفة على جميع المكونات المتواجدة داخل دائرة التأثير الجغرافي الفعلي والمباشر للإستفتاء، وقد لعبت العاطفة دوراً مهماً في تأجيج المواقف والأحداث على الرغم من المحاولات الجادة لرئيس الحكومة الإتحادية وكابينته الوزارية والحق يقال بتهدئة الموقف ومحاولة السيطرة على ردود الأفعال وإتخاذ الخطوات الهادئة لإفشال الإستفتاء.
ثمّ بدأت الجهود لتجاوز الأزمة ولملمة تداعياتها وهنا تدخلت العاطفة مرة أخرى بجانبها السلبي، وزاد تعنت من تسبب بتلك الأحداث في محاولته لعدم الرضوخ للضغوط الميدانية والقرارات المحلية والإقليمية والتشبث بالحس العاطفي المبني على أساس عدم التنازل والرضوخ حفاظاً على ماء الوجه!!، لكن في نفس الوقت لم يكن هنالك خياراً لمن تسبب بهذه الأزمة السياسية المحلية والإقليمية والدولية وتداعياتها خاصة بتسارع وتيرة الإجراءات التي إتخذتها الحكومة الإتحادية ما بين إعادة الإنتشار للجيش الإتحادي والقطعات المساندة له في المناطق التي أقرها الدستور العراقي الذي إشترك في صياغته القادة الكُرد والمصوّت عليه بالأكثرية الساحقة في مناطق الإقليم وبين فرض الخطوات الإدارية والقانونية لتقويض دعاة الإستفتاء مع وضع الحصار الإقتصادي الذي هددت بإتخاذه الحكومة الإتحادية ودول الإقليم المتضررة موضع التنفيذ، فخرجت حكومة الإقليم (وليس رئيس الإقليم السابق لأنه شعل فتيل المواجهة وإختفى من الواجهة!!) بمبادرة أو إقتراح لتجميد الإستفتاء دون تحديد مدته في مناورة مفضوحة لإعادة ترتيب أوضاعها وتجميد الحراك الرسمي والشعبي العراقي والإقليمي ضدها وترطيب الأجواء الدولية، وأيضاً المحاولة في كسر العزلة الدولية لحكومة الإقليم وتفتيت تأييد جميع دول العالم لإجراءات الحكومة الإتحادية في فرض سيطرتها الدستورية، وبالطبع كان جواب الحكومة الإتحادية المتمثلة برئيسها في رفض هذه المبادرة (التكتيكية) لعدم كفايتها كضمان في عدم التفكير بالإنفصال مرّة أخرى، بالإضافة لعدم تحديد زمنها مما يجعل إحتمالية الرجوع عنها والتنصل منها واردة في أي لحظة يكون فيها دعاة الإنفصال بوضع أفضل محلياً ودولياً، كذلك تعطي الموافقة عليها فرضية الإعتراف الرسمي من الحكومة الإتحادية والإقرار بشرعية الإستفتاء الإحادي ضمنياً، عندها سيتحمل من يوافق على مبادرة حكومة الإقليم (التكتيكية) الخطأ التاريخي الذي لا يمكن إصلاحه بعد ذلك، ولربما يُتهم من يوافق عليها (أي على المبادرة) بالخيانة الوطنية!!!.
الرابط أدناه: "المبادرة التي طرحتها حكومة الإقليم بتجميد الإستفتاء والبدأ بالحوار":
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=857092.0
الرابط أدناه: "العبادي يرفض عرض حكومة إقليم كردستان بتجميد نتائج الإستفتاء مطالباً بالغاءه":
https://kitabat.com/news/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d9%8a%d8%b1%d9%81%d8%b6-%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%ac%d9%85%d9%8a%d8%af-%d9%86%d8%aa%d8%a7%d8%a6%d8%ac-%d8%a7/
الرابط أدناه: "رفض الحشد الشعبي على لسان ناطقه الرسمي لتجميد الإستفتاء":
https://kitabat.com/news/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b4%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%a8%d9%8a-%d9%8a%d8%b3%d8%aa%d9%87%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%ac%d9%85%d9%8a/
الرابط أدناه: "العبادي يعلن عن إتفاق تمّ ما بين الحكومة الإتحادية وكردسستان لإعادة إنتشار القوات الحدودية وصولاً الى معبر فيشخابور الحدودي":
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=857261.0
أما فيما يتعلق بموقف بعض الأحزاب الأيديولوجية التي تنعت نفسها بالوطنية (ولا أعلم ماهية وطنيتها الحقيقية ما لم تكن واضحة وضوح الشمس في هذا الظرف الذي تحتاج فيه الى الوقفة الوطنية العراقية الحقّة وترجمتها على أرض الواقع أمام تحديات التقسيم!!) فنستطيع القول إنها مواقف تباينت ما بين المنفعة الحزبية أوالمصالح الشخصية لقادتها وفي أبعد الأحوال تشبث بعضاً منها بمقررات كانت قد أقرتها قبل دهر من الزمن للظروف (النضالية) التي كانت تمر بها حينها.
وقبل الدخول في تفاصيل العتاب (القاسي) ربما في نظر البعض المؤيد والمبرر للإستفتاء، أقول ليعذرني من هم أعضاء وأنصار لتلك الأحزاب أو الشخصيات السياسية التي إتخذت المواقف الضبابية أو الإنتهازية تجاه مصير العراق وشعبه بذريعة عدائها الفكري أو الأيديولوجي وصراعها السياسي مع الحكومة الحالية وحيثُ كنّا نتمنى أن لا يصل فيه للتضحية بوحدة العراق تشفياً وكرهاً للحكومة الإتحادية وأحزابها، وأنا أجزم من أنّ الكثير من أعضاء تلك الأحزاب الوطنيين في مشاعرهم قد مارسوا حقّهم برفض الإستفتاء والوقوف ضد توجه قادتهم السياسيين وبياناتهم المخجلة التي تجاوزت الخطوط الحمراء في مباركة خطوة مَنْ حاول تجزئة الهوية العراقية الموحدة لا بل شجعته للمضي بها.   
فمن إطلع على بيانات "الحزب الشيوعي العراقي" من الوطنيين الحقيقيين من عامة الشعب الى مثقفيهم يصيبهم الغثيان لما جاء فيه ويشعرون بالأسى لما وصل اليه هذا الحزب الذي بكل تأكيد نحن لسنا بصدد محاكمته أو تقييمه بقدر ما يتعلق به الأمر بتهديده لوحدة العراق وتأييده الواضح لإنقسامه!!، وما المبرر الذي لا يزال هذا الحزب يتمسك به لتبرير (إنتهازية) قادته وصنّاع قراره "بحق الشعوب في تقرير مصيرها" إلاّ دندنة نشاز أصبحت لا تطرب المسامع وربما لي وقفة مطوّلة مع هذه الأحزاب (الثورية والإيديولوجية) التي أوصلت العراق والعراقيين الى هذا الوضع المأساوي وجلس قادتها على التل يُنَظّرون من جديد ويصوّبون لإطلاق طلقة الرحمة على ضحيتهم العراق الموحد، فلو كانوا يؤمنون حقاً بحق الشعوب في تقرير مصيرها، فلماذا إذن كانوا ضد شعوب الجمهوريات السوفيتية السابقة الخمسة عشر في سعيها لتقرير مصيرها عندما كانت ترزخ بحق تحت وطأة النظام الشيوعي ـ الإستاليني فيتشاطروا فقط على بلدهم العراق ويشجعوا مكوّن منه على الإنفصال ليكون لهم في جباله الملاذ الآمن لنضالهم (بالرموت كونترول)!!.
فلا يوجد بلد واحد في العالم أحادي الأثنية أوالقومية ليعيش أبنائه بشكل مستقل إدارياً عن بقية شعوب الأرض، فلو شجعنا حق تقرير المصير للمكونات العِرقية والإثنية في دول العالم لوجدنا بعد حين إنّ العالم قد أصبح عبارة عن كانتونات قومية صغيرة تتقاتل فيما بينها الدهر كلّه على بضعة أمتار مربعة على حدودها ولأصبح العالم ساحة حرب مستمرة تجري الدماء في أنهاره بدل المياه، فهل هذا ما يريده المُنَظّرون في الحزب الشيوعي العراقي؟؟؟!!!، وهل هذه هي الأممية التي يناضلون من أجلها لتوحيد الشعوب وليس لتفرقتها؟!!، وأين هي شعاراتهم التي ملأت الدنيا ضجيجاً وذهب مَنْ وقع ضحية الإيمان بها فداءً على لاشئ !! ـ ـ و"يا عمال وكادحوا العالم إتحدوا"؟!!،  فالأولى بهم أن يشجعوا عمال بلدهم العراق من كُرده وعَربه وبقية مكوناته على الإتحاد أولاً، لا أن يطالبوا تشرذمهم بين معسكرين يقتل أحدهما الآخر كما فعل حزبهم بتقسيم نفسه الى كردستاني وعراقي متناسياً أمميته وأقرَّ بتقسيم العراق قبل حدوثه!!، وهل سألوا أنفسهم مرّة واحدة لماذا تطالب الدول العظمى كروسيا وأمريكا من الدول الأخرى السماح لمكوناتها بحق تقرير المصير ولا تسمح به في بلدانها؟؟!!. 
وربما نحن المواطنين العراقيين وأكرر هنا كلمة العراقيين إفتخاراً بالهوية العراقية ومستحقاتها الوطنية لدينا الف سؤال وسؤال محيّر أقلق مضاجعنا ونحن نراقب مسيرة هذا الحزب (النضالية) وتضحياته الجسام التي بحق ننحني إكراماً لمن فدى بنفسه لغاية كان يعتقد بأنها نبيلة!!، لكن الوقائع أثبت عكس ذلك!!!.
الرابط أدناه: الشيوعي العراقي يعلن تأييده للإستفتاء:
http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/1dd60164-021e-4009-892e-61637d6f3774
الرابط أدناه: "الشيوعي العراقي يدعو بغداد وأربيل الى الحوار المباشر":
http://ar.iraqnow.news/TopArticles/35330
ولكي نكون منصفين في (عتابنا)، علينا أن نثني على بيان الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة الأمريكية الرديف للأحزاب اليسارية العراقية الذي شخّص سبب الأزمة الحالية مؤشراً بوضوح الى تعنت السيد مسعود البرزاني في إجراء الإستفتاء ومشدداً على الحوار ضمن منظومة الدولة الإتحادية بدستورها الإتحادي، فكان من الواجب على من صاغ بيانات الحزب الشيوعي العراقي في الداخل أن يستعين بالنفس الوطني العراقي النقي لمن صاغ بيان الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة.   
الرابط أدناه: "بيان من الإتحاد الديمقراطي العراقي في الولايات المتحدة الأمريكية" لطلب التهدئة والحوار:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=857470.0
ولأعرج على بقية الأحزاب التي تدعي (الوطنية) في ملامتي وعتابي كمواطن عراقي غير مسيس ومؤدلج إلاّ بالهوية الوطنية العراقية وأقول على ذمة مَنْ نشر مقتطفات من بيان حزب البعث العربي الإشتراكي/جناح عزت الدوري من أنه برر الإستفتاء بوجود "حيف وظلم" بعد سنة 2003م على المكوّن الكردي في محاولة سياسية مكشوفة المقاصد والأهداف وليعذرني كل من له رأي آخر أو أنه ينتمي أو متعاطف مع تلك الأحزاب، ولا يلومني البعض منهم لا بل من العدل والإنصاف توجيه اللوم على من صاغوا تلك البيانات التي تحابي الطرف "الإنفصالي" لمنفعة شخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا ووحدة العراق التي إجتازت خطوطها الحمراء تلك الأحزاب (من المعروف في حالة حزب البعث أن السيد عزت الدوري وجناحه هم في حماية جيش النقشبندية ومتواجدين في مناطقهم الآن)، وقد حاولتُ الحصول على نص البيان لكنني لم أفلح، وإذا صحّ ما ورد فيه فإنني أتسائل: أين هو "الحيف والظلم" الذي يدعيه البيان؟، هل هو بسيطرة حكومة الإقليم بعد 2003م على جميع المناطق المتنازع عليها إضافة لإستقلاليتها في المناطق التقليدية بعد عام 1991م في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وتوابعها الإدارية من أقضية ونواحي وقرى؟، وتكوين حكومة مستقلة في الإقليم؟، وخلق منصب رئيس إقليم؟، وإنتخاب برلمان خاص للإقليم وتشريع قوانين خاصة بكردستان/العراق؟، وترسيم الحدود الإقليمية التي لا يستطيع المواطن العراقي من خارج الإقليم أن يجتازها إلاّ بتصريح خاص من شرطة إقليم كردستان التي تسمى "الأسايش"؟، ودفع الرسوم عند دخوله اليها حاله حال الأجانب؟، إضافة الى السيطرة على المنافذ الحدودية البرية والأجواء الجوية، وتبوء المناصب السيادية في الحكومة الإتحادية من رئيس الجمهورية العراقية الى الوزراء والسفراء والبرلمانيين والسيطرة على قيادة القوة الجوية العراقية وسابقاً كانت رئاسة الأركان الإتحادية بأيديهم وغيرها من المناصب المهمة، وكذلك السيطرة على تصدير النفط للحقول الشمالية قاطبةً والإحتفاظ بعائداته دون سيطرة ورقابة إتحادية عليها، وتوقيع العقود الثنائية مع الشركات النفطية، حتى إستغربت نائب البرلمان الإتحادي العضو عن حزب الإتحاد الوطني الكردستاني آلاء الطلباني خطوة السيد مسعود البرزاني لإجراء الإستفتاء في الوقت الذي كان الإقليم فيه يتمتع بحقوق ومكتسبات دولة مستقلة!!، وتسائلت ماذا نريد أكثر من ذلك؟؟!!.
وأطرح سؤالي لمن يدعي بأنّ هنالك "حيف وظلم" على الكُرد منذ سنة 2003م ولحد ما قبل الإستفتاء: هل أنّ وضع الكُرد كان بأفضل في حملة "الأنفال" التي سُجّل رسمياً ودولياً عدد الضحايا فيها من الكُرد بما يزيد على المئة وإثنين وثمانين الف مواطن كُردي (حسب تصريح النائب عن كتلة التغيير سروة عبدالواحد في الدقيقة الثامنة والأربعين من المقابلة في برنامج المناورة المرفق رابطه مع هذه المقالة)؟، فليكونوا منصفين من يتكلموا عن الماضي القريب والحاضر ولا يستغبوا الشعب العراقي الذي نال من الأذى على أيديهم ما ناله، حتى لم يسلم منه قيادات كانت مخلصة للوطن من نفس أعضاء حزبهم!!!.
وفي بيان آخر (مؤكد) هذه المرّة نعت حزب البعث إعادة إنتشار القوات الإتحادية وإعادة سيطرتها على كركوك "بالإحتلال"، فهل أن العشائر العربية والمكوّن العربي الذين أيّدوا دخول القوات الإتحادية الى مدينة كركوك وحدودها الإدارية قد أيّدوا "الإحتلال" في نظر من صاغ البيان؟!، وما هو تفسيره في الخروج للآلاف المؤلفة منهم الى الشارع رافعين الأعلام العراقية ومحتفلين بقدوم الجيش؟؟، كذلك ما هو رأيه في تأييد وفرحة المكوّن التركماني وحتى البعض من المكوّن الكردي بدليل نقل السلطة بطريقة سلمية والذي إعتبرها السيد مسعود البرزاني "خيانة" من بعض البيشمركة وقياداتهم المنظوين تحت مظلة حزب الإتحاد الوطني الكردستاني، وقد تجاهل من إنّ الإنسحاب الطوعي للبيشمركة حصل أيضاً في المناطق التي يسيطر عليها عناصر الحزب الديمقراطي الكردستاني في سهل نينوى وسد الموصل ومنطقة "زمّار"!!، فهل كان يريد من صاغ البيان بقاء الوضع على ما هو عليه والموافقة على سلخ كركوك عن العراق!!.
الرابط أدناه: لما ورد على ذمة أحد الإعلاميين في نقده لبيان حزب البعث الخاص بالإستفتاء:
http://www.albadeeliraq.com/node/677
الرابط أدناه: بيان يدين فيه حزب البعث ما أسماه "إحتلال" كركوك:
http://www.dhiqar.net/Art.php?id=51214
كذلك لا يفوتنا من توجيه أصابع الإتهام بالتنصل من الهوية الوطنية العراقية الى البعض من قادة الكتل السياسية المشاركين في العملية السياسية الذين أما تراصفوا مع "الشيطان الأخرس" بسكوتهم وإختفاء أصواتهم المجلجلة في أحداث أقل أهمية، أو تقمصوا دور "الشيطان الناطق بالجور" حين حاولوا إقناع الحكومة الإتحادية بالحوار مع "الإنفصاليين" دون شرط الغاء نتائجه!!، والسبب طبعاً للحفاظ على مصالحهم وملاجئهم داخل الإقليم.
إنّ من يتابع ما يجري على الساحة العراقية من أحداث مهمة ستحدد حتماً المصير السياسي للخارطة العراقية وبِنَفَس وشعور وطني مجرّد من التبعية الحزبية أو الطائفية أياً كان مصدرها سيصل الى نتيجة حتمية من أنه لا يزال هنالك حس وطني عراقي مغروس في صدور الملايين من أبناء الوطن المهمشين الذين لا دخل لهم بالسياسة وألاعيبها ومصالح قادتها الشخصية الضيقة وبضمنهم مواطنينا الكُرد، كذلك سيجد من هم ينتمون لتلك الأحزاب المشجعة للإستفتاء ببياناتها التي صاغتها قياداتهم من أنّ قواعدها الشعبية وأعضائها لا يتوافقون بأغلبهم مع مَنْ يقف ضد وحدة العراق من قادتهم، ومن هؤلاء مَنْ هُم أعضاء نشطاء حتى في الأحزاب الكردية وقادة سياسيين في ساحتها، وأجزم أيضاً من أنّ في صدورهم نفس الحيرة والأسئلة التي طرحتها للتصرّف الغير وطني والغير مسؤول لعرّابي الإستفتاء ومن أيّدهم من القادة السياسيين للأحزاب (الأيديولوجية) والكتل السياسية الأخرى!!.
فالنائب عن الإتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان الإتحادي "آلاء الطلباني" أبدت موافقتها الضمنية على الغاء نتائج الإستفتاء في لقاء لها في برنامج "المناورة" لإيقاف التداعيات والبدء بالحوار مع الحكومة الإتحادية، وتسائلت قائلة: ماذا كان ينقصنا ككُرد ـ ـ كُردستان كانت دولة ـ ـ والسيد مسعود البرزاني كان يُستقبل كرئيس دولة في كل دول العالم ـ ـ في الأليزيه والوايت هاوس (البيت الأبيض) وغيرها من عواصم العالم ـ ـ وعندنا برلمان ـ ـ وعندنا حكومة ـ ـ وكان السيد مسعود يتصرف كرئيس دولة ـ ـ كما كان لدينا في كل دول العالم القنصليات حالها حال السفارات العراقية ـ ـ وكان رؤساء الخارجية للدول (تعني وزراء الخارجية) عندما يزورون العراق أما يذهبون أولاً الى بغداد للتباحث ثمّ الى أربيل أو يأتون الى أربيل أولاً ثمّ الى بغداد ـ ـ وحتى جميع دول العالم التي لها سفارات في بغداد لديها قنصليات في أربيل ـ ـ ولدينا البيشمركة النظامية والتي كانت تحت أمرة مسعود البرزاني والتي هي من المفروض وفق الدستور (الإتحادي) أن تكون جزء من منظومة الدفاع العراقية ـ ـ ولدينا النفط وكان مسعود يصدره دون مسائلة من الحكومة العراقية.
وتسائلت النائب "آلاء الطالباني" ماذا كان ينقصنا حتى "صار اللي صار"!!، فيجب سؤال مسعود البرزاني عن ذلك؟!.
ثمّ أكملت (والحديث لا يزال للنائب آلاء الطالباني) قائلة: طلبنا بعد الإستفتاء مباشرة بالغاء نتائجه والذهاب الى بغداد للحوار قبل أن تتأزم الأمور فأتهمونا "بالخيانة"، ثمّ تسائلت: كيف لمحافظة مثل دهوك التي يبلغ تعداد سكانها مليون ونيّف نسمة أن يصل عدد الناخبين المسجلين لديها رسمياً أكثر من تسعمئة الف ناخب!!، فهل من المعقول أن هذه النسبة العالية جداً تمثل مَنْ لهم حق التصويت فوق سن الثامنة عشر من أبناء المحافظة؟؟؟!!!، في إشارة واضحة للتشكيك بنتائج الإنتخابات ونزاهتها!!، كما رمت باللائمة على حكومة الإقليم من خلال تعمدها في تعقيد الأمور مع الحكومة الإتحادية ومماطلتها لحل المسائل العالقة خاصة في مجال النفط وتسويقه، وحيثُ كانت متواجدة في الإجتماعات الدورية للمسئولين في أربيل لهذا الغرض.     
الرابط أدناه للقاء النائب عن الإتحاد الوطني الكردستاني "الاء الطالباني" في برنامج "المناورة" لمقدمه الإعلامي "غزوان جاسم" والذي يُعرض على قناة دجلة الفضائية، وفيه تؤكد النائب آلاء الطالباني على موافقتها ضمناً على الغاء الإستفتاء لما تسببه من إنتكاس للمكاسب المتحققة للكُرد:
https://www.youtube.com/watch?v=mVkt_cPjzsM
كذلك فعلت الشئ ذاته النائب عن حزب التغيير والممثل له عن مدينة أربيل في البرلمان الإتحادي سروة عبدالواحد، حيثُ ذكرت في مقابلة منفصلة لنفس البرنامج (المناورة) ما يلي: "نهاية الإستفتاء بالنسبة للشعب الكردي كانت نهاية محزنة وكارثية ونكسة ومئات العوائل نزحت من كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها وهنالك عدد كبير من الشهداء والجرحى، وقد كنّا نتوقع أن تحدث هكذا أمور، لذا كنّا نطالب بمقاطعة الإستفتاء وتأجيلهُ"، وكما أكدت بأنّ مجموع من صوّت على الإستفتاء كان فقط (40%) وليس كما يشاع!!.
الرابط أدناه: للقاء رئيس كتلة "التغيير" الكردية في البرلمان الإتحادي النائب "سروة عبدالواحد" في برنامج "المناورة" لمقدمه الإعلامي "غزوان جاسم" والذي يُعرض على قناة دجلة الفضائية، والنائب "سروة عبدالواحد" في نفس الوقت ممثلة حزب التغيير لمدينة أربيل لدى البرلمان الإتحادي، وفي هذا اللقاء تؤكد ضمناً النائب سروة عبدالواحد عدم ممانعة كتلتها في الغاء الإستفتاء ونتائجه والجلوس للحوار الوطني مع الحكومة الإتحادية:
https://www.youtube.com/watch?v=W0sBrXVzSyU
إذن هنالك تشكيك من قِبل بعض القادة السياسيين الكُرد قبل غيرهم بنتائج الإستفتاء ونسبة المشاركين فيه ورفضهم لنتائجه، إضافة الى إفتقاره للمراقبة الدولية المستقلة والمراقبة المحليّة من الجانب الإتحادي للإقرار بنزاهته، وقبل هذا وذاك عدم إعطاءه المباركة والشرعية الدولية بوقوف كافة دول العالم من الولايات المتحدة الأمريكية الى بريطانيا الى الإتحاد الأوربي الذي تنظوي تحت مظلته ثمانية وعشرين دولة مهمة بتأثيرها الدولي الى الدول الإقليمية المحيطة (إيران وتركيا) الى الدول العربية وفي المقدمة منها (مصر والسعودية) الى المنظمات الدولية والعربية (الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية)، والأهم من كل ذلك فقدانه للشرعية من المكونات العراقية المشاركة للكُرد في الوطن العراقي الموحد وبرلمانه ومحكمته الإتحادية. 
لقد أصبح واضحاً من أنّ الغاء نتائج الإستفتاء مطلب جماهيري من زاخو الى الفاو لتجاوز الأزمة الخطيرة التي سببها، والجلوس بعده في حوار وطني يُستبعَدْ فيه "الإنتهازيون" وأصحاب المصالح الشخصية ومَنْ تسببوا بهذه الآزمة الخطيرة، فهل سيتمكن رئيس الوزراء من تصحيح المسار والعودة بالسفينة الى بر الأمان بعيداً عن عواصف التقسيم والإنفصال.   
إنتباهة:
(*) ربما سيقول قائل من أن قرار الإستفتاء لم يكن فجائياً وقد أعلن عنه السيد مسعود البرزاني قبل شهور عديدة وحدد موعده في الخامس والعشرين من أيلول المنصرم!!، أقول نعم هذا صحيح لكن تسعة وتسعين بالمئة من العراقيين بجميع مكوناتهم وحتى الكُرد منهم وكذلك كل الدول الإقليمية والعالم بقادتهم السياسيين كانوا يتوقعون بأنها مناورة سياسية سيتم الإعلان عن الغائها في لحظاتها الأخيرة!!!.

     

24
ما أشبه اليوم بالبارحة ما بين عناد الرئيس مسعود وعناد الرئيس صدام
بقلم: سالم إيليا
التاريخ يكرر نفسه والحكم الفردي يتكرر بمآسيه سواء على مجمل الساحة العراقية أو في جزء منها وكأن العراق إبتلى به وَوصِمت أرضه بنظامه!!.
فقد كانت مفرزات الأحداث السلبية جرّاء عناد الرئيسين صدام حسين ومسعود البرزاني من حيث وقوف كل دول العالم في حالة الرئيس الأسبق صدام حسين ضد قرار دخوله الى الكويت المفاجئ ورفضه الإنسحاب وعناد رئيس إقليم كردستان/العراق المنتهية ولايته مسعود البرزاني وإصراره على إجراء الإستفتاء والمضي قدماً في تنفيذه على الرغم من الممانعة الدولية المطلقة له!!، وعليه دأبت الدول الراعية للسياسات الدولية وتوازناتها الى المراقبة الدقيقة لحالات الإنتصار والنشوة للشعب العراقي ككل أو لمكون من مكوناته المجتمعية والحرص على عدم بلوغها الحد الذي لا يمكن السيطرة على نتائجها!!، فعمدت تلك الدول الى سياسة تحطيم الشعور بالزهو والإنتصار للعراقيين ككل لخوفهم من تطور هذا الشعور بالنشوة للسيطرة على المحيط الإقليمي وحيث سيصبح العراق ككل أو جزء منه كالمكون (الكردي) في الحالة الراهنة ذو تأثير إقليمي و(مارد) لا يمكن السيطرة عليه فيما لو إستمر بالإنفلات في القرارات السياسية وهذا ما لا ترغب به الدول العظمى والإقليمية.
فبعد خروج العراق (منتصراً) في حربه مع إيران وبمساعدة معظم الدول الكبرى من خلال إمداده بالأسلحة والمعلومات الإستخباراتية وبما لم يعد خافياً على أحد، ونكران الرئيس الأسبق صدام حسين لهذا الدور في أكثر من تصريح ومناسبة، وتكرار نفس السيناريو مع رئيس إقليم كردستان/العراق مسعود البرزاني الذي تناسى من أنّ بقاء نظامه مرهون برفع الحماية الدولية عنه وليس لقوته وقوة عناصره المسلحة فبدأ (يغرّد) خارج السرب ويتخذ قرارات مهمة تغير من واقع ما هو مرسوم للمنطقة بتوقيتات وموازنات محسوبة بدقة!!، فقررت تلك الدول إعطاءه نفس الدرس الذي أعطته للرئيس الأسبق صدام حسين!!، كذلك وقوع "البرزاني" في نفس الخطأ للرئيس العراقي الأسبق في إتخاذ القرار الأهم في الزمن والتوقيت الخطأ عندما دخل صدام الى الكويت في زمن غابت فيه تعددية الأقطاب الدولية وإنفردت حينها الولايات المتحدة الأمريكية كقطب أوحد في إتخاذ القرار الدولي بسيطرتها حتى على المنظمة الدولية (الأمم المتحدة)، وفي حالة مسعود البرزاني وقوفه ضد الحكومة الإتحادية برئاسة حيدر العبادي وإتخاذ قرار الإستفتاء في الوقت الذي دأبت فيه جميع دول العالم الى مساندة العراق ورئيس وزرائه للقضاء على الإرهاب المتمثل بداعش وإبعاد شبح عناصره وشرّهم عن دولهم.
بالإضافة الى ذلك عدم إدراك قائد "الجناح العسكري" للحزب الديمقراطي الكردستاني السيد مسعود البرزاني لتبعات تعنته واعطائه الإذن الصمّاء وتجاهله للنداءات المتكررة للدول العظمى وحلفاء مكونه بتأجيل أو الغاء الإستفتاء وجهله تماماً لما قد يترتب على هذا التعنت من تداعيات تعود به وبالمنجزات التي حققها نضال مكونه على مدار عقود من الزمن الى حالة الصفر يُذكرنا بما مرّ به العراق من مراحل لا تختلف كثيراً عمّا يحدث الآن، وحيثُ سَبقهُ (حليفه) الرئيس الأسبق صدام حسين بقراراته الفردية الغير مدروسة عندما سلك نفس السلوك في تَجاهُلَه للمكاسب التي سيجنيها فيما لو إنصاع حينها الى لغة العقل وحذاقة إتخاذ القرار السياسي الصحيح في لحظته الصحيحة وتجاوبه مع نداءات الدول العظمى بالإنسحاب من الكويت مع منحه الكثير من الإمتيازات ولعادت عليه وعلى شعب العراق بالفائدة ولجنّب نفسه المصير الذي وصل اليه وجنّب شعبه المآسي والويلات!!، فهل سيكون مصير الرئيس مسعود كمصير حليفه عندما رفض أيضاً كل تلك المغريات في زيادة المكاسب التي تلمّسها بيديه منذ ما يقارب عقدين ونصف من الزمن فأدار وجهه عن كل الموفدين اليه من كافة المنظمات الإقليمية والدولية ومبعوثي الدول الكبرى؟!!!.
وحالي كحال الكثير من المراقبين والمتابعين للشأن العراقي الوطني الخالي من التبعيات الحزبية أو الطائفية، فلقد ذكرتُ في مقالة سابقة كنتُ قد نشرتها قبل إجراء الإستفتاء بأكثر من شهر السيناريو الذي سيحصل (وقد حصل فعلاً) فيما لو تعنت قائد "الجناح العسكري" للحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البرزاني في إجراءه للإستفتاء وذكرتُ ضمن ما ذكرتهُ فيها ما يلي وبالحرف الواحد:
" فلحد الآن هنالك صراع سياسي داخلي بين القادة الكُرد والذي سيتحول بكل تأكيد الى صراع مسلح دموي حال إعلان الإنفصال للسيطرة على المناطق المتنازع عليها بين الأحزاب الكردية، خاصة وإن قادة تلك الأحزاب يحكمون عائلياً وعشائرياً ويرفضون مبدأ المشاركة القيادية الجماهيرية من خارج العشيرة أو العائلة!!، وإن حدث وكان هنالك سلام ظاهري بين الأحزاب الكردية، فبكل تأكيد سيكون هنالك توتر وحروب بينهم وبين حكومة المركز في العراق على المناطق المتنازع عليها، خاصة وإنّ بعضها مثل كركوك والموصل لا مجال نهائياً للتخلي عنهما من قِبَل أي حكومة مركزية حتى لو كلّف هذا الأمر تجييش الجيوش!!!، وحيثُ أنّ حكومة المركز في العراق لديها أيضاً من يؤيدها من الدول الكبرى بحكم المصالح المتبادلة، وأعتقد قد عَلِمَ الجميع الآن مدى قوة الجيش الحكومي والميليشيات الشعبية التي إنضمّت اليه في مقاتلة داعش والقضاء على معظم مقاتليه الذين لم يكن من السهل الإنتصار عليهم قبل سنتين!!".
ثمّ أردفتُ قائلاً في نفس المقالة: " وتذكروا هذه الكلمات والجُمَل فيما لو صوّتم لا قدر الله على الإنفصال، فسيأتي اليوم الذي سيجعلكم تعضّون أصابع الندم، وهذه الكلمات ليست إنشائية ولغوية لتخويفكم، فالعراقيون يعلمون مدى شجاعتكم وإنّ الخوف بمنأى عنكم، لكن هذه لغة المنطق وفق سياقات التحالفات والسياسات الدولية وبديهيات دهاليز السياسة!!".
وختمتُ توجّساتي بقولي: "وسيكون تطبيق الحصار الإقتصادي على الإقليم من أبسط خيارات الحكومة الإتحادية والدول الإقليمية المجاورة"، إنتهى الإقتباس من المقالة السابقة

فحصل ما كان متوقعاً حتى قبل إعلان الإنفصال وبعد أيام فقط من إنتهاء الإستفتاء الذي رَفَضَتْ الحكومة الإتحادية والمحكمة الإتحادية وجميع دول العالم إعطائه الشرعية.
الرابط أدناه: "برلمان إقليم كردستان/العراق يؤجل إنتخاباته المقررة في الأول من تشرين الثاني القادم ثمانية أشهر أخرى بسبب إنهيار التحالفات الكردية الداخلية وعدم توافقها:
https://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%b1%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%8a%d8%a4%d8%ac%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d8%a7/
إنّ أهم أخطاء "الحركة الكردية" هو عدم وضوح الرؤيا لأهدافها وتغيّرها حسب بارومتر متطلبات المرحلة وطبيعة علاقاتها بحلفائها مما أفقدها جوهر قضيتها القومية، ومن ناحية أخرى سيطرة قادة الجناح العسكري للحركة على القرار السياسي والغاءهم لدور جناحهم السياسي الذي كان من المفروض أن يكون مستقلاً بإرادته السياسية وأهدافه أفقدهم ديناميكية العمل السياسي ومتطلباته، وبدل أن يكون جناحهم العسكري بقادته تحت أمرة الجناح السياسي ظهر العكس من ذلك!!!!!، كذلك صبغ حركتهم بصبغة عائلية أو عشائرية بأحسن الأحوال أفقدها لشموليتها القومية حتى عُرَّفت لزمنٍ طويل بـ "حركة البرزاني" تيمناً بقائدها مصطفى البرزاني لغاية إنشقاق جلال الطلباني في أواسط السبعينات من القرن المنصرم عن الحزب الديمقراطي الكردستاني وتكوينه لحزب الإتحاد الوطني الكردستاني فبات يطلق عليها بشكلٍ عامٍ "بالحركة الكردية أو التمرد الكردي المسلّح"، لكن بقيت النزعة العائلية بقراراتها الفردية في كلي الحزبين هي المسيطرة على كل صغيرة وكبيرة والتي غلبت عليها المصالح الشخصية والعائلية الضيقة!!، إضافة الى تعدد الأحزاب الكردية وإنشقاقاتها فيما بعد ولحد هذه اللحظة التي ينبثق فيها كل سنة تقريباً حزب كردي أو تجمع جديد!!، كما أنّ سيطرة المنافع والمكاسب المادية لقادة الحزبين الرئيسيين وصراعاتهم الدموية عليها أفقد الحركة لمصداقيتها القومية النبيلة وأضعفها وفتح الباب للدول الإقليمية والعظمى وحتى الحكومات المركزية العراقية المتعاقبة للتعامل معهم على هذا الأساس وليس على أساس الهدف القومي النبيل الذي يحاولون تسويقه كمبرر لإنتفاضتهم المسلحة، وخير دليل على ذلك إتهام "الإنفصاليين" الآن لبعض قادة "البيشمركة" بالتواطؤ مع الحكومة الإتحادية وتسليم كركوك وبقية المناطق دون قتال!!.
الرابط أدناه: الحزب الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني تاريخ من التحالفات والخلافات:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32366-2017-10-18-19-47-17.html
إنّ أهم مكتسبات الحكومة الإتحادية العراقية المتحققة نتيجة عناد رئيس الإقليم المنتهية ولايته في إصراره على إجراء الإستفتاء ليس فقط في إعادة الإنتشار في المناطق "المتنازع" عليها والسيطرة على ثرواتها من جديد وعودة الحال الى قبيل عام 2003م أو ما أطلق عليه "بالخط الأزرق" وإصرار حكومة بغداد في السيطرة على المنافذ الحدودية الواقعة على حدود الإقليم مع بلدان الجوار برمتها وإعادة فرض السيادة الإتحادية على معظم المدن والأقضية والنواحي والقرى ذات التركيبة السكانية المختلطة تطبيقاً لِما نصّ عليه الدستور الإتحادي الذي إشتركت في صياغته الأحزاب الكردية بشكلٍ رئيسي وصوّت عليه المكوّن الكردي بنسبة تجاوزت الـ 95% حسب ما تمّ الإعلان عنه حينها، لكن الأهم من كل ذلك فقدان ثقة الدول العظمى والإقليمية الحليفة (سابقاً) للقادة الكرد بإمكانية العودة للتعامل معهم بنفس الروحية خاصة بعد ظهور الوضع الهش لتحالف الأحزاب والقوى الكردية المتباينة مع بعضها البعض ووضوح عمق الخلافات فيما بينها، حيثُ فضل البعض منها بجناحها العسكري الواسع التعاون مع الحكومة الإتحادية وتسليم الأرض في سويعات قليلة دون قتال نكاية بالطرف الآخر متجاوزة الثوابت والأهداف القومية التي طالما عملت الحركة عقود طويلة في العزف على اوتارها في محاولة منها لإقناع المجتمع الدولي بمظلومية مكونهم وأحقيته في تكوين دولته القومية المستقلة.
الرابط أدناه: يبين مقدار الضرر الذي أصاب المكتسبات التي تحققت للكرد بالإصرار على إجراء الإستفتاء ومطالبة المكونات الغير كردية للحكومة الإتحادية في كركوك وبقية المناطق "المتنازع عليها" بالعودة الى ما أطلق عليه "الخط الأزرق" قبل الإحتلال الأمريكي في عام 2003م.
http://kitabat.com/news/%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a7-%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%b1-%d8%a8%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%88%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%83%d8%b1%d9%83%d9%88%d9%83-%d8%aa/
الرابط أدناه: تقدم القوّات الإتحادية لفرض سيطرتها على محور شيخان وفيشخابور بمعبره الحدودي مع تركيا:
https://kitabat.com/news/%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%85-%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a8/
علاوة على ذلك فأنّ المجتمع الدولي الآن ينظر بعين الإرتياح الى ما تحققه القوات العراقية بكل صنوفها والحشود الشعبية المتجحفلة معها بكل مسمياتها من إنتصارات على تنظيم "داعش" الإرهابي الذي نال من أذيته وإجرامه المجتمع الدولي الكثير والذي تسبب في هجماته بإيقاع مئات الضحايا في الدول الأوربية، وحيثُ إرتفع رصيد رئيس الوزراء حيدر العبادي وثقة رؤساء دول العالم بنهجه وخططه وتأكيدهم بمكالماتهم الهاتفية على مساندته، لكن في المقابل خسر رئيس إقليم كردستان/العراق مسعود البرزاني تلك الثقة الدولية وبانت عزلته الدولية بإصراره وتعنته على إجراء الإستفتاء الذي ولد ميتاُ كما ذكرتُ في مقالتي السابقة قبيل الإستفتاء، والأكثر من ذلك حالة الإنكسار والصدمة للمكوّن الكردي بمجمله سواء المؤيد أو الرافض للإستفتاء بكل شرائحه من القاعدة وصولاً الى القمة، تماماً كما حدث للشعب العراقي ككل بعد (نكسة) حرب الخليج عام 1991م والتي أجْهَضَت نتائجها المدمرة والكارثية حالة الزهو والفخر بالإنتصار الذي كان يتمتع به الشعب العراقي بعد حرب الثمانية سنوات المريرة مع إيران، ورجائي ألاّ يخرج لي أحدهم ليتكلم بالشعارات الرنّانة ويقول إن "الشعوب لها حق تقرير المصير" و "إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر" وما الى ذلك من (المورفين) الذي أهلكنا وجعلنا نسير بعيون مغمضة خلف قادة همهم الأول والأخير الزعامة والمنافع الشخصية وشعارهم الأبدي "سيروا أيها الشعوب المغفلة الى أتون الموت والدمار ونحن ورائكم ننظر اليكم متى ما ضعفتم وإنتكست أعلامكم نطلق أرجلنا مع الريح ونذهب لنمارس النضال من المنتجعات في البلدان المضيفة!!، وعندما يبدأ الشوط التالي سنكون ورائكم أيضاً لتصديع رؤوسكم بالشعارات والخطابات الثورية والقومية".
ففي قناعتي مَنْ يُحب شعبه ووطنه عليه رفع صوته وتشخيص أخطاء قادة الحكم الفردي فيه الذين أوصلوا شعوبهم ومكوناتهم الى الهاوية.
الرابط أدناه: "دول أسسها الأكراد لم يُكتب لها النجاح":
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32421-2017-10-23-19-14-34.html
والرابط أدناه: "حركة التغيير تطالب رئيس الإقليم ونائبه بالإستقالة وتشكيل حكومة إنقاذ وطني":
https://kitabat.com/news/%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%b2%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%88%d9%86/
فهل الإصرار على "إجهاض" روحية الإنتصار والزهو عند الشعب العراقي بكل مكوناته جاء صدفة أم إنه ضمن المخطط الموضوع لعدم تمكين هذا الشعب من النهوض بغض النظر عن التقسيمات الجغرافية وديموغرافيتها؟؟!!، والشئ الواضح والذي ربما حيّر القيادات الكردية هو غياب الصوت المؤيد الإسرائيلي الرسمي ما بعد الإستفتاء عكس ما كان قبله وهذا شئ طبيعي لدولة مؤسسات مثل إسرائيل، فهي كما ذكرت سابقاً ويعلم الجميع تبحث عن مصالحها التي رأت في البعض من القادة الكُرد المتحالفة معهم (الحليف الضعيف) الذي لا يمكن الإعتماد عليه عندما بانت لها الحقائق على الأرض من ضعف وإنهيار المنظومة العسكرية الكردية في سويعات وهشاشة جبهتها الداخلية وعدم إنصياع "البيشمركة" لأوامر رئيس الإقليم بالقتال وعُمْق الصراعات الحزبية والفئوية فيما بينها، وهي (أعني إسرائيل) بكل تأكيد تحتاج الى وقت قصير لتقييم الموقف والمبادرة من جديد حسب المعطيات على الأرض، خاصة وإنها تتطلع الى أن يكون لها موطئ قدم متقدم خلف حدود بعض الدول الإقليمية ذات الأنظمة الدينية التي بدأت بخلق المشاكل لها بجعجعات وتصريحات قادتها السياسيين وبمداعبة الشعور الديني لشعوبها لإهداف سياسية داخلية على أغلب الظن، أو لربما كان الموقف الإسرائيلي السلبي في نظر الكُرد بعد الإستفتاء كجزء من المخطط للإيقاع بمسعود البرزاني والخلاص من تسلطه الفردي على مكونه، وحيثُ يرى أصحاب القرار الإسرائيلي في البعض من المناوئين لسياسة رئيس الإقليم بأفضل منه في تبؤء القيادة لتستطيع التحالف معهم على المدى الطويل ولتحقيق هدفها (الغير معلن) في حال سقوط البرزاني وخروجه من موقع القرار السياسي.
وحيثُ بَدأتْ في الأيام الأخيرة تتوارد الأنباء عن نيّة رسمية إسرائيلية للتحرك الدبلوماسي الدولي بشكلٍ مباشر أو بواسطة اللوبي الدولي المؤيد لها لدعم "الإنفصاليين" في إقليم كردستان/العراق ومحاولة تغيير الموقف الدولي الحالي الرافض لإستفتاء الإقليم الى موقف أقل حدّة ووضوحاً في الرفض الدولي المُعلن لما أقدم عليه رئيس الإقليم مسعود البرزاني ومحاولة رأب الصدع بينه وبين قادة دول العالم المؤثرة، وعليه فعلى الحكومة العراقية إذا ما كانت جادة فعلاً بتحقيق أهدافها في وأد فكرة الإنفصال والى الأبد أن تأخذ هذا المسعى الدبلوماسي الإسرائيلي على محمل الجد لما هو معروف عنهم من أنهم قادرون بكل تأكيد الى الوصول لنتائج مهمة ربما ستغير الكثير من المواقف الدولية الحالية الإيجابية مع الحكومة الإتحادية العراقية، كما على الحكومة الإتحادية واجب المسئولية في إيجاد السُبل (لتحييد) الموقف الإسرائيلي الرسمي وحرق الورقة الوحيدة التي يلعب عليها "الإنفصاليون" بدعم إسرائيل لهم!!، وحيثُ أتمنى أن لا يذهب البعض في تفكيرهم الى أنني أنادي الى "تطبيع" العلاقات مع إسرائيل بالقدر الذي أبين فيه بوضوح وبدون رتوش من أن معاداة إسرائيل بالطريقة التقليدية المعروفة وإنفراد العراق بها من بين كل الدول العربية قاطبة لا تستحق التضحية بالعراق وتقسيمه، خاصة وإنّ هذا الموقف الرسمي العراقي المعادي لإسرائيل ليس له أي تأثير فعّال حالياً، ولا يتجاوز في أحسن الظروف أبعد من التأثير المعنوي/الرمزي تحت حكم المتغيرات الحالية الدولية والإقليمية والعربية وبوجود معاهدات السلام العربية ـ الإسرائيلية خاصة مع دول المواجهة فليس هنالك أي جبهة مباشرة مفتوحة لتحرير الأرض!!، ولم يغير هذا العداء من واقع الصراع أي شئ وعندها سنتمنى لو فكرّنا بحكمة وبطريقة أكثر ديناميكية ومرونة للحفاظ على وحدة العراق وتجنب شرور أعدائه وهذا هو جوهر السياسة في "فنّها الممكن" وهذا هو ظرفها الصحيح الذي يجب أن تُطبّق فيه أُسسها، فلا توجد دولة عربية واحدة حتى أصحاب الشأن الفلسطينيون وبكل أجنحتهم لم يفتحوا قنوات (التفاهم) الدبلوماسي مع إسرائيل ويحاولوا حتى كسب ودّها (الإتفاق المبرم أخيراً بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية المتفاوضة مع أسرائيل يضع  حماس في موضع القبول الضمني بالتفاوض مع إسرائيل)!!!، فمصر الشقيقة الكبرى ترفع العلم الإسرائيلي في القاهرة منذ ما يزيد على (38) عاماً وعمان/الأردن ترفعه منذ ما يزيد على (22) عاماً وسوريا ستتصالح اليوم قبل الغد مع إسرائيل لو أعادوا لها الجولان!!، وجميع الدول العربية ذات التأثير الإقليمي لها قنوات إتصال دبلوماسية وإقتصادية مع إسرائيل من الدول الخليجية والمشرق العربي الى دول المغرب العربي، إلاّ رأس الحربة العراق الذي يتصرف قادته دون مرونة سياسية تبعد شبح التقسيم لا بل ضياع العراق ككل متجاهلين خطورة الموقف الذي تتسارع وتيرته نحو هاوية خسارة العراق الموحد، وحيثُ تظهر في ذات الوقت وبوضوح بوادر الإنفتاح الدولي على العراق والرغبة الشديدة في مساعدته للخروج من عنق الزجاجة الذي هو فيها منذ عقود طويلة حتى ما قبل الإحتلال الأمريكي له في عام 2003م، أفلا يستحق شعب العراق تنفس الصعداء بعد مرحلة المآسي وطريق الآلام الذي سلكه لعقود طويلة؟! ـ ـ ألا تستحق نسائه نزع ملابس الحداد السوداء أم إنها أصبحت ماركة مسجلة بإسمهن؟! ـ ـ آلا يستحق أطفاله إنتظار آبائهم على عتبة الدار في نهاية كل يوم عمل بدل من زيارة قبورهم وذرف الدموع على فقدانهم؟!، أكرر إن هذا الطرح ليس دعوة مفتوحة للحكومة العراقية للمصالحة مع إسرائيل بقدر ما هي دعوة لتجنب تقسيم لا بل ضياع العراق، فالعراق الموحد قدسنا ومحرابنا الذي نحجُّ اليه، فعليكم واجب حمايته بـ (التفاهم) حتى مع الشيطان إذا تطلب الأمر!!، وحيثُ أن الفرصة المواتية الآن لتغيير بوصلة السياسة الدولية المعادية للعراق التي أنتجتها السياسات الخاطئة السابقة الى أخرى إيجابية تخرج العراق من بحور الدم التي هو فيها والتي قد لا تتكرر مرة أخرى، فعلى المعنيين بالقرار السياسي في العراق إستغلالها ومنع أي ثغرة لإجهاضها!!.
الرابط أدناه: نتنياهو يحشد زعماء العالم لنصرة البرزاني:
http://kitabat.com/news/%d9%86%d8%aa%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%87%d9%88-%d9%8a%d8%ad%d8%b4%d8%af-%d8%b2%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d9%84%d9%86%d8%b5%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%b2/
وقد بدأت نتائج هذا التحرك الرسمي الإسرائيلي بالظهور السريع بعد طلب واشنطن من الحكومة الإتحادية للحد من تحركاتها في المناطق المتنازع عليها وزيارة وزير خارجية أمريكا للعراق ولقاءاته بأطراف المعادلة السياسية العراقية!!، وإتهام منظمة "رايتس ووتش" للحكومة الإتحادية العراقية بالسكوت على الإعتداءات التي حدثت على ممتلكات الأهالي والمدنيين الكُرد في كركوك من قبل جهة معينة، وإذا صحّ هذا الخبر فعلى الحكومة المركزية واجب تقديم من قاموا بهذه الإعمال الإنتقامية الغير مسؤولة والغير مبررة الى المحاكم لينالوا عقابهم وتعويض المتضررين من أهلنا الكُرد لإثبات صحة إدعاءاتها من إنها لا تفرق بين المكونات، والرابط أدناه لتصريح "رايتس ووتش":
http://kitabat.com/news/%d8%af%d8%b9%d8%aa-%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%83%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%b1%d8%aa%d9%83%d8%a8%d9%8a%d9%87%d8%a7-%d8%b1%d8%a7%d9%8a%d8%aa%d8%b3-%d9%88%d9%88%d8%aa%d8%b4-%d8%aa%d8%aa%d9%87%d9%85/       
الرابط أدناه: برنامج "الإتجاه المعاكس" الحلم الكردي أفشلته التناحرات الداخلية أم الإتفاقات الخارجية:
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32358-2017-10-18-09-36-51.html
                       
و"ما طارَ طيرٌ وإرتفع إلاّ كما طار وقع"، و"إنّ الزرازيرَ لّما قامَ قائُمها ـ ـ تَوَهّمَتْ أنّها صارَتْ شَواهينا":
 وهذان المثلان ينطبقان تماماً على حال الدكتاتوريات وأصحابها في العالم، فقد ولى زمن الحُكم الفردي المتسلط وزمن الحُكم العائلي والعشائري الذي كان منتعشاً أبان العقود الماضية والذي ظهر جلياً مع ظهور الحرب الباردة بين القطبين الرئيسيين وتشجيعهما لتلك الإنظمة بغية منع سيطرة أفكار كل قطب وتوسعه على حساب القطب الآخر دولياً وإقليمياً وحيثُ إنتفت الحاجة اليه الآن.
الرابط أدناه: "مفاوضات كتلة الإتحاد الإسلامي في برلمان إقليم كردستان حول إمكانية الغاء منصب رئيس الإقليم ونائبه وتوزيع صلاحياتهما بين حكومة الإقليم والبرلمان أو إستقالة البرزاني":
https://kitabat.com/news/%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%88%d8%b6%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%b1%d8%af%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%84%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d9%86%d8%b5%d8%a8-%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d8%a3%d9%84/
وإذ يدعي "الإنفصاليون" ضمن التبريرات الإعلامية لإخفاقاتهم الميدانية العسكرية تورط إيران وتركيا ومساعدتهما للقوات الإتحادية العراقية بإعادة الإنتشار والسيطرة مرة أخرى على الأراضي "المتنازع" عليها في كركوك وما جاورها ومناطق سهل نينوى وديالى وواسط وصلاح الدين، وقد تناسوا من أنّ حركتهم المسلحة وأحزابهم ما كان لها وجود لولا دعم هاتان الدولتان وبإختلاف فترات ومراحل أنظمتهما السياسية وعلى مدار الصراع المسلّح بين "الإنفصاليين" الكُرد من جهة والحكومات العراقية المتعاقبة من جهةٍ أخرى (إيران الشاه ومن بعده الخميني ونظام دولته الإسلامية / وتركيا العلمانية ومن بعدها نظام أردوغان الديني والى وقت ما قبل الإستفتاء)، وهذا ما يصرّح به دائماً قادة الكُرد ومنهم العضو السابق في الحزب الديمقراطي الكردستاني السياسي المخضرم محمود عثمان الذي ذكر في برنامج "خطى" على قناة العراقية تاريخ ومراحل المساعدات الإيرانية للحزب الديمقراطي الكردستاني بشكل مفصّل!!، وليذكر لي أحدهم متى إستطاعت أحزابهم الكردية الوقوف ضد السلطة الإتحادية/المركزية وإعلان العصيان المسلح عليها دون دعم هاتين الدولتين لهما بشكل منفرد أو متحد؟، ومتى إستطاعت تلك المجاميع المسلحة الصمود أمام الآلة العسكرية الضخمة للدولة العراقية دون وجود دعم لوجستي كبير من هاتين الدولتين وحلفائهما الغربيين الذين كانوا وما زالوا لهم أجنداتهم لزعزعة إستقرار العراق والإستمرار في إضعافه وإستمرار مسلسل الضحايا من جرّاء أعمال العنف؟، فبمجرد إتفاق الحكومة المركزية العراقية مع تلك الدول الإقليمية أو العظمى ينهار العصيان المسلح بأيام ويخرج عشرات الآلاف من المسلحين من بين ثنايا الجبال رافعين أسلحتهم للإستسلام للقوات الحكومية ليلاقوا مصيرهم أما بالعفو المشروط بالمراقبة المستمرة لهم من قِبَل الأجهزة الأمنية المركزية طوال تواجدهم داخل مجتمعاتهم التقليدية أو بنفي بعض المتنفذين منهم الى جنوب العراق مع الإقامة الجبرية أو طلب اللجوء الى الدول الأوربية، أما قادتهم الرئيسين فيحزمون حقائبهم المملوءة بملايين الدولارات ويذهبوا في إستضافة إحدى الدول الإقليمية أو العظمى الراعية لهم معززين مكرمين بإنتظار أوامر أخرى تأتيهم من تلك الدول عند تعثر إتفاقياتها مع الحكومة المركزية للدولة العراقية فيتم إستدعائهم مرة أخرى للملمة فلولهم ومداعبة الحس القومي للمكوّن الكردي المغلوب على أمره و"تعود حليمة الى عادتها القديمة"!!.
الرابط أدناه: عن إتهام الحرس الثوري الإيراني والمخابرات التركية بمساعدة القوات الحكومية العراقية في إعادة الإنتشار في كركوك:
http://kitabat.com/news/%d8%a3%d8%aa%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%8a%d8%a9/
الرابط أدناه: "كيف إستخدمت الدول الغربية الأكراد كورقة":
https://algardenia.com/2014-04-04-19-52-20/qosqsah/32340-2017-10-17-09-11-48.html
وربما آن الأوان لتبديل الوجه القومي المتزمت الذي لم يعد مجدياً ومتماشياً مع السياسات الدولية والعودة الى حاضنة المجتمع العراقي بوجوه سياسية معتدلة أثبتت كفائتها وقدرتها وإحترام كافة الدول المعنية بالشأن العراقي لها من أمثال السياسي المخضرم محمود عثمان والدكتور برهم صالح والنائبة آلاء الطلباني الذين يحملون في صدورهم نفسهم القومي الذي نحترمه جميعنا والمبني على أساس التعايش الإنساني والوطني مع بقية مكونات الشعب العراقي، فليس من الصحيح إستمرار الجناح العسكري لحركتهم المتمثل بقادة الحزبين التقليديين (الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني) بسيطرتهم على جناحها السياسي أيضاً على الرغم من أنّ الراحل "مام جلال" كان بارعاً في قيادة الجناحين وهذه حالة نادرة لا تنطبق على مسعود البرزاني الذي لم يستطع أن يكون "رجل دولة" ولم يرغب في تبديل اللون "الخاكي" حتى وهو يرتدي الملابس الكردية التقليدية تماماً كما كان الرئيس الأسبق صدام حسين مغرماً بالبدلة العسكرية حتى خارج فتراتها التقليدية.
إن إحدى مسببات سقوط بعض القادة الكُرد في فخ الزهو بالإنتصارات والمكاسب المتحققة جاء نتيجة لضعف إدارة الدولة العراقية وليس لقدراتهم وقوتهم العسكرية وقد حدث الجزء الأكبر منه في زمن أسوء رئيس للوزراء في العراق على مدار مراحل الدولة العراقية الحديثة نوري كامل المالكي ـ ـ أقول إنّ إحدى مسببات السقوط في فخ الزهو هو إحاطة مسعود البرزاني نفسه بالمستشارين العسكريين والسياسيين والإعلاميين المطبلين والمنتفعين الذين صوروا له إمكانية الذهاب الى أبعد مما تحقق من أحلامه دون الأخذ بنظر الإعتبار التوازنات السياسية الدولية والأوضاع الإقليمية والتحالفات المتغيرة حسب ما تقتضيه المصالح المشتركة تماماً كما سقط في نفس الفخ من قبله الرئيس الأسبق صدام حسين، وهذا واضح من خلال خسارة مسعود البرزاني لتحالفاته مع الدول العظمى المؤثرة على الساحة العراقية بالإضافة الى الدولتين الإقليميتين المهمتين لإقليم كردستان/العراق إيران وتركيا، بالإضافة الى خسارته للمملكة العربية السعودية كحليف عربي مهم للكرد وتوحد روءى جميع دول العالم ضد الإستفتاء وتراصفهم مع الحكومة الإتحادية العراقية برئاسة حيدر العبادي على الرغم من تباين سياساتهم الأخرى لا بل تضاددها فأصبح "أعداء الأمس أصدقاء اليوم"، وبهذا قد مَنحَ البرزاني الفرصة الذهبية لحيدر العبادي بإعادة ترتيب وتقوية وضعه الدولي والإقليمي، وكذلك تقوية وضعه الداخلي برص الصفوف للكتل السياسية المتابينة مذهبياً ودينياً وعرقياً ووقوفها جميعها معه في رفض الإستفتاء على تقسيم العراق، إضافة الى مناصرته من قِبل البرلمان الإتحادي بأغلب أعضائه حتى من هم ممثلين للكُرد وحيثُ مَنَحَهُ الصلاحيات المطلقة لوأد الإستفتاء حتى بالعمل العسكري إن تطلب الأمر!!، والخاسر الوحيد في هذا المشهد كان مسعود البرزاني وقادة الإنفصال!!.
الرابط أدناه: المانيا توقف مساعداتها وتدريبها للبيشمركة:
http://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%b3%d8%a8%d8%a8-%d8%a3%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%aa%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d8%aa%d9%88%d9%82%d9%81-%d8%aa%d8%af%d8%b1/
وربما من المفيد في هذا الصدد سؤال الحكومة الإتحادية عن سبب تغيير شروطها وموقفها المتشدد بالغاء نتائج الإستفتاء من أفواه مَنْ دعوا اليه كشرط لا يمكن التنازل عنه للبدء بالحوار بين المركز والإقليم؟!، فهل كان هذا الشرط مجرد ورقة ضغط على "الإنفصاليين" ليتعنتوا أكثر ويكون سبباً معقولاً ومبرراً لأصحاب القرار في الحكومة المركزية لإعادة إنتشار القوات الإتحادية في المناطق المتنازع عليها؟، أم هو صفقة مع بعض الأطراف الكردية بالتخلي عن المناطق المتنازع عليها دون قتال مقابل تخلي الحكومة الإتحادية عن مطالبتها للجانب الكردي بالغاء نتائج الإستفتاء؟.
 فما قاله رئيس الوزراء حيدر العبادي في مؤتمره الإسبوعي مع الإعلاميين أثناء إعادة إنتشار القوات الحكومية في المناطق المتنازع عليها من "أن الإستفتاء قد إنتهى منطقياً وعملياً على الإرض وأنه يعتبره كما لو أنه لم يحدث أصلاً"!!!، هذه (الفرضية) التي بدأت الأوساط الحكومية بالترويج لها بعيدة كل البعد عن واقع الحال وهي (فخ) واضح للرضوح الى الأمر الواقع الذي حاول "الإنفصاليون" في سعيهم لفرضه على الحكومة الإتحادية والشارع العراقي وسيكون مستقبلاً الخنجر المسموم في الجسد العراقي، وسيكون الزمن كفيلاً بظهوره كورقة مهمة للإنفصال بعد إعادة مروجيه ترتيب أوراقهم وربما عندها ستؤيده دول كثيرة ومهمة!!!، فعلى أصحاب القرار السياسي في الحكومة المركزية الإنتباه والحذر من هذا التوجه، فبمجرد جلوس الحكومة الإتحادية للتحاور مع فئة من الكُرد التي أيدت الإستفتاء رسمياً دون نفي تلك الفئة وبشكل رسمي أيضاً الغاءها وتنصلها من الإستفتاء سيكون إعتراف ضمني من الحكومة الإتحادية بشرعيته والقبول بنتائجه!!!!، ولو كان لا بد من تجاوز الأزمة بالجلوس حول طاولة الحوار، فعلى الأقل على الحكومة الإتحادية إقناع الجهات الكردية المعتدلة على إصدار بياناً واضحاً يتنصلون فيه من تأييدهم للإستفتاء مقابل رفع الحظر الإقتصادي عن المناطق الكردية التي تحت سيطرتهم وهذه الخطوة المتبادلة المنافع يتخذها الطرفان الحكومي والكردي المعتدل كمبرر وطني وأخلاقي أمام مواطنيهم لبدء حوار بنّاء يقوم على أساس الدستور ووحدة العراق
.     
الرابط أدناه: بعد الإستفتاء "حلم الإستقلال بات صعب المنال":
http://kitabat.com/news/%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%aa%d8%a7%d8%a1-%d8%ad%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%b5%d8%b9%d8%a8-%d8%a7/
من جانب آخر فقد أثارت قضية الإستفتاء وما رافقها من تداعيات تجاوزات رئاسة الإقليم المالية والقانونية بوجه عام، فالحكومة الإتحادية تطالب حكومة إقليم كردستان بمبلغ (70) مليار دولار لبيعه النفظ خارج صلاحياته الإقليمية وإتفاقاته مع الحكومة المركزية وذلك خلال فترة سيطرة الإقليم على آبار النفط الشمالية!!، هذا ما جاء في نشرة الثامنة الصباحية للأخبار في قناة العراقية الإخبارية ليوم (20) من الشهر الجاري (تشرين الأول)، وحيثُ طرح التقرير الإخباري التساؤلات عن مقدار (14) مليار دولار كدين للشركات النفطية العالمية المستثمرة في الإقليم والمترتب على حكومة الإقليم إيفاءه حسب إدعاء الحكومة الإتحادية، وتسائلت عن مصير الأموال المتحققة من تصدير ما يزيد على (600) الف برميل يومياً كمعدّل!!!.
فلو فرضنا من أنّ حكومة الإقليم كانت تصدّر ما بين (450 ـ 600) الف برميل يومياً للثلاث سنوات الماضية فقط وبمعدّل (40) دولار للبرميل الواحد (سعر برميل النفط قد تجاوز منذ ما يقارب السنة حاجز الخمسين دولار للبرميل الواحد)، فإنّ المردود المالي بالعملة الصعبة سيكون ما بين (540 ـ 720) مليون دولار شهرياً وهذا الرقم قريب الى ما كان الإقليم يحصل عليه شهرياً من وزارة المالية الإتحادية لدفع رواتب الموظفين في الإقليم (كانت الحكومة الإتحادية ترسل مليار دولار شهرياً كرواتب للموظفين قبل إنخفاض أسعار النفط عالمياً وقبل إيقافها له قبل أقل من سنة نتيجة عدم التزام رئاسة الإقليم بما أتفق عليه ورفضهم السماح لديوان الرقابة المالية الإتحادي في التدقيق والإشراف على الميزانية للإقليم حسب التصريحات الرسمية)، هذا بالإضافة الى عائدات الإقليم من الرسوم الكمركية للمنافذ الحدودية الرسمية البالغة ستة منافذ (ثلاثة على الحدود مع إيران وإثنان منها على الحدود مع تركيا ومنفذ واحد على الحدود مع سوريا) إضافة الى خمسة وعشرين منفذاً غير رسمياً لتهريب البضائع على الحدود مع إيران!!!، كذلك الواردات الضخمة التي لا تقل أهمية عن الواردات الأخرى المستحصلة من شركات الإتصالات (الهواتف الخلوية) والرسوم المستحصلة عن مرور الطائرات للخطوط الجوية العالمية فوق أجواء الإقليم، يضاف اليها المبالغ المستحصلة من الزائرين والسوّاح سواء من بقية العراقيين من غير مواطني الإقليم أو الأجانب القادمين جواً يضاف اليها المردودات المالية (الغير مسجلة والغير مرصودة) مع جميع المساعدات المالية للدول المانحة، والسؤال الذي يفرض نفسه أين ذهبت كل تلك الأموال ومن المستفيد منها  هل هو شعبنا الكردي أم بعض قادته؟!!، وهل تمّ صرفها كرواتب للموظفين الذين ما فتئوا يتظاهرون في السليمانية وغيرها من مدن الإقليم لدفع رواتبهم المتأخرة؟؟؟!!!.
الرابط أدناه لتصريحات منسوبة الى النائب عن حزب الإتحاد الوطني الكردستاني في البرلمان الإتحادي "آلاء الطلباني":
 http://nnciq.com/news/6655/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86%D9%8A--%D9%83%D8%B1%D8%AF%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86-%D9%84%D9%86-%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%85-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%84%D8%A8%D8%BA%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%B3%D8%AA%D8%AD%D9%84-%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D8%AA%D8%A8   
وقبل أن أختم هذا التقرير أتسائل كغيري من العراقيين عن الموقف (المخزي) لبعض الساسة العراقيين تجاه قرار الإستفتاء وما بعده وغياب أصواتهم المنددة له أو تظاهرهم بالحيادية والموضوعية بين كلا الجانبين (الجانب الحكومي الإتحادي من جهة والإنفصاليين من الجهة الأخرى) وقيامهم بزيارات لا تغني لإقناع رئيس الإقليم على قبول مبادراتهم التي لا تتضمن في كل الأحوال تأكيدهم على رفض الإستفتاء والتأكيد على وحدة العراق الذي أكد عليه جميع قادة الدول الأجنبية بوضوح أفضل بكثير من موقف و(حيادية) هؤلاء الساسة!!!، أقول لهؤلاء السياسيين أما أن تكونوا عراقيين قلباً وقالباً أو لتخرجوا من دائرة ما يسمى بالمشهد السياسي العراقي، فالوفاء للهوية الوطنية العراقية الموحدة ليس فيه حيادية وموضوعية، لكن بكل تأكيد موقفكم هذا كشف أكثر محاولاتكم للحفاظ على (مكتسباتكم) في إقليم كردستان/العراق وملجأكم عند الضرورة وربما خوفكم مما قد تمّ تسريبه من تهديد مبطن لكم من داخل الإقليم لبعض الممارسات الخاطئة خلال تواجدكم داخله في حال إعلانكم رفض الإستفتاء!!، ولا أخفي عليكم سرّاً من إنكم خسرتم آخر أوراقكم للإنتخابات المقبلة، فالشعب العراقي لا ينسى من يسئ الى وحدته.
الرابط أدناه يبين تطورات الأوضاع بملاحقة القضاء العراقي لمن تسبب في وصول الأحداث لما هي عليه الآن بإصدار مذكرة إعتقال بحق نائب رئيس الإقليم كوسرت رسول:
 http://kitabat.com/news/%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d9%82%d9%8a-%d9%8a%d8%a3%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d8%a3%d8%b9%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%86%d8%a7%d8%a6%d8%a8-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d9%88/
 إننا كشعب عراقي ما زلنا ننظر بعين المحبة والأُلفة لإخواننا الكُرد المشاركين لنا في الوطن الواحد من شماله بجباله الشمّاء الى جنوبه بأهواره الغنّاء، وما أصابنا من حزن وغضب على دعاة الإستفتاء والإنفصال لم يكن فقط لإحتمال خسارة رقعة جغرافية عزيزة على قلوب كل العراقيين وإنما لإحتمالية خسارة المكوّن الكردي برمته الذي نعتبره شقائق النعمان بالوانها الزاهية وورود النرجس بنقاء لونها الأبيض ورائحتها الزكية، وأملنا أن تنعم جميع مكونات الشعب العراقي بالعدالة الإجتماعية والمواطنة الحقيقية البعيدة عن التحزب والطائفية تحت سقف العراق الموحد ودستور عادل يتساوى أمام بنوده كل العراقيين بحقوقهم وواجباتهم، وحيثُ نرى على شاشات التلفزة عفوية الكلام للعراقيين في كل مدنهم بتأكيدهم على أنه لا يوجد خاسر ورابح بين أبناء الشعب العراقي فيما حدث من تطورات على الأرض ما دام الجميع يستظلون تحت مظلّة العراق الموحد، فما يصيب إبناء البصرة والأنبار ونينوى من السرّاء والضرّاء سيصيب أبناء السليمانية ودهوك وأربيل بكل تأكيد.

25
مجلة "فرسان كولومبس" في كندا ترصد عودة المسيحيين العراقيين الى مناطقهم
كتب سالم إيليا نقلاً عن مجلة "فرسان كولومبس" التي تصدرها الكنيسة الكاثوليكية في كندا ما يلي:
نشرت مجلة "فرسان كولومبس" الشهرية التي تصدر عن الكنيسة الكاثوليكية في كندا في عددها لشهر أيلول/2017م تقريراً مصوراً مفصلاً بثلاث صفحات كاملة عن بدء عودة مجموعة من العوائل المسيحية المهجرة الى قراهم المتواجدين هُم ومن قبلهم أسلافهم فيها منذ القِدم في القرى والأقضية والنواحي المحيطة والتابعة لمدينة الموصل المحررة.
وأفردت المجلة غلافها لصورة مجموعة من منتسبي قطعات الجيش المحرر وبعض الأهالي في محاولتهم لنصب صليب كبير على إحدى الروابي تحدياً لداعش وإرهابها الفكري.
كما عرضت المجلة إصرار تلك العوائل على العودة والمباشرة بإعادة إعمار دورهم وكنائسهم، وحيثُ تجولت كاميراتهم في قرية كرمليس لتصور وتوثق الجهد الذاتي لأبناء القرية العائدين لبناء بلدتهم التي دمرتها داعش والعمليات الحربية القائمة عليهم وحيثُ أسفرت عن طردهم منها.
وأوضح التقرير معاناة المكوّن المسيحي من خلال الزيارات الميدانية التي قام بها عدد من أعضاء "فرسان كولومبس" للوقوف على حجم الأضرار العمرانية وإمكانية زيادة المساعدات المالية المقدمة من المنظمة والمنظمات الدينية الأخرى التي ساهمت بما مجموعه 35.5 مليون دولار منذ سنة 2011م لدعم مخيمات اللاجئين المسيحيين في كل من سوريا والعراق حسب ما ورد في تقريرها، وحيثُ بين التقرير من أن تلك المخيمات تعتمد بالدرجة الأساس على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الدينية والإمكانيات الذاتية للكنائس المحلية كونها لم تشمل برعاية الحكومة المركزية أو حكومة الإقليم بشكلٍ كامل. 
وقد حثّ التقرير المؤمنين في أرجاء المعمورة على دعم برنامجهم الإغاثي الإنساني الذي سيساعد بلا أدنى شك على تشجيع العوائل المهجرة في العودة الى ديارها وإيقاف نزيف الهجرة لما تبقى من هذا المكوّن الأصيل على أرضهم وأرض أجدادهم، خاصة إذا علمنا من أنه لم يتبقى منه في العراق أكثر من (300,000) نسمة بعد أن كان تعداده يزيد على (1.5) مليون نسمة قبل سنة 2003م كما ذكر التقرير.   

26
ما هي الأسباب التي دعت رئيس الجمهورية فؤاد معصوم لإلغاء زيارته المقررة الى نيويورك؟
بقلم: سالم إيليا
تُعرّف السياسة في قواميسها على أنها "فن الممكن" بناءاً على أحكامها في تقديم المصلحة العامة والمصلحة الوطنية العليا على المصلحة الشخصية في تحاورالسياسيون مع الفرقاء داخلياً وخارجياً، أي بمعنى أوضح جلوس القائد السياسي الحقيقي حول طاولة المفاوضات (إن تطلب الأمر) مع قاتل أبيه للتوصل الى الحلول إذا كانت فيها مصلحة لبلده!!!.
أما في العراق فمن الممكن تعريفها على إنها: "فن اللعب بالبيضة والحجر" بناءاً على المصلحة الخاصة للمسؤول السياسي!!!.
فموقع رئيس الجمهورية في العراق الآن مثل بقية المواقع السيادية والغير سيادية الأخرى هو عبارة عن تحاصص (للبزنس) بين الأطراف المسيطرة على مقدرات البلد ومستقبله، ومن غير المعقول خسارة هذا البزنس الذي يدر الملايين من الدولارات سنوياً من الميزانية العامة للدولة على صاحبه وهو جالس فقط في مكتبه الفخم لا يفعل شيء غير مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية التي تتخللها فترات إستراحة و(قيلولة) لمعاودة النشاط لمشاهدة برامج أخرى وهكذا!!!، وهذا ليس ذنب مَنْ يشغل هذا الموقع، لكن ذنب من وضع وصاغ الدستور الذي حدد وظائف منصب الرئيس وجعلها (تشريفية) أكثر من كونها مسؤوليات حقيقية تضعه على المحك في إدارة البلد.
 فمعظم مسؤوليات رئيس الجمهورية شكلية وبروتوكولية وهي لا تتجاوز أكثر من (مباركته) بوضع توقيعه على بعض القرارات الصادرة من مجلس النوّاب أو رئاسة الوزراء أو السلطات القضائية!!!، وسأقف عند فقرة مهمة في الدستور هي محور مقالتي هذه التي ربما تستحق أن (يلغف) عليها صاحب هذا (البزنس) الملايين من الدولارات سنوياً هو وبطانته، ألا وهي مسؤوليته عن "وحدة العراق" التي تهرب منها (الرئيس) في أول إمتحان له عليها عندما جاءت لحظة المواجهة الحقيقية!!!.
 فنص المادة (67) من الدستور تقول: "رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق، وسيادته، ووحدته، وسلامة اراضيه، وفقاً لاحكام الدستور".
وتؤكد المادة (68) التي تليها الخاصة بشروط ومؤهلات المرشح لهذا المنصب وفي فقرتها (ثالثا) تأكيدها على مَن يشغل هذا المنصب شرط  "الاخلاص للوطن"!!!.
ومن الملاحظ إنّ الدستور خصص مادة كاملة لا تتجاوز السطرين لتعريف هذا المنصب دون إقحامها بفقرات أخرى لإعطاء الوضوح والرمزية لمدلولاتها الإعتبارية ـ السيادية في كل كلمة وردت في التعريف وذلك لأهميتها، وهذا يعني بالمختصر المفيد إن الملايين من الدولارات التي يتقاضاها رئيس الجمهورية وكابينته هي للمحافظة فقط على ما ورد في هذين السطرين!!!، فهل وفق سيادة الرئيس في هذا الأمر؟!، وهل يعتقد إنّ ما يتقاضاه من مردودات مادية هي "حلال" عليه إستناداً على الشرع من خلال دراسته له ولأحكامه والذي حصل بموجبه على شهاداته الدراسية العُليا الثلاث من جامعة الأزهر؟!!!.
ـ فهل نطق (سيادته) بجملة واحدة فقط إحتجاجاً على التدخل العسكري التركي الذي إنتهك (إستقلال وسيادة العراق وسلامة أراضيه)، وهل طالب بالضرب بيدٍ من حديد على رأس كل خائن (عراقي) أيد وزمّر لهذا الإحتلال؟!!، وماذا فعل للحيلولة دون ذلك الإنتهاك؟!!.
ـ وهل إحتج على التدخل الإيراني السافر بكل صغيرة وكبيرة بأمور البلد منتهكاً إستقلال القرار السياسي العراقي ومحاولة نظامه تنفيذ سياسته من خلال أخطبوطه  المنتشر في معظم مؤسسات الدولة العراقية وفرض أجنداته على أراضي البلد ومواطنيه، وهل أمر بتقديم عملاء إيران المأجورين داخل الوطن الى المحاكمة ليكونوا عبرة لغيرهم؟!!.
ـ وهل إعترض ولو من باب الإخوة (الكردية ـ الكردية) على من سمح للأحزاب الكردية ـ التركية بإتخاذهم للأراضي العراقية (التي هي تحت سيطرة إدارة الإقليم) مرتعاً لهم فراحوا يصولون ويجولون ويحكموا ويتحكموا بالأرض والعِرض فيها دون وجود من يوقفهم عند حدهم؟!!.
ـ وهل صرخ بوجه (كاكه مسعود) محذراً من إنّ إصراره على إجراء الإستفتاء يُعتبر إنتهاك صارخ للدستور الفدرالي الذي إشترك في صياغته الكُرد وإنتهاك لوحدة العراق الذي هو حاميهما؟!!.
إذاً هل تحقق (الإخلاص للوطن) الذي نصَّ عليه الدستور في نهاية الفقرة الثالثة للمادة (68) كشرط رئيسي لأهلية من يشغل هذا المنصب؟؟؟!!!.
ولا أعتقد من أن (سيادته) سيلومني لأنني طرحتُ هذه الأسئلة التي حيرّتني كمواطن بسيط حريص على (إستقلال وسيادة ووحدة وسلامة) العراق و(الإخلاص له) وحيثُ لم أختلق مفرداتها أنا، وإنما أخرجتها من بين الكلمات القليلة الموجودة في السطرين المخصصين لرئيس الجمهورية للمادتين الآنفتي الذكر في الدستور لتعطي الغطاء القانوني لمنصبه الذي هو مصدر رزقه لـ (يلغف) من خلاله هو وحاشيته جزء ليس بالقليل من ميزانية الدولة العراقية وشعب العراق بحاجة للكهرباء والماء والخدمات الضرورية الأخرى التي يتزود بها قصره الجمهوري ومنطقته الخضراء على مدار الساعة!!!، فهل هذا ما تعلمته خلال دراستك يا سيادة الرئيس؟!، ألا يتعارض هذا الموقف مع ما نهلته خلال سنوات دراستك الأكاديمية من بواطن الكتب الرصينة والأخلاقية وأمتحنت فيه (نظرياً) وحصلت من خلاله على شهادة الدكتوراه وربما بإمتياز، وعندما حانت ساعة الإمتحان (العملي) فشلت فيه وبإمتياز أيضاً!!!.
فلماذا لم تكن يا سيادة الرئيس شفافاً وواضحاً بإعلان السبب الحقيقي وراء الغاءك لرحلتك المقررة منذ زمن الى نيويورك لإلقاء كلمة (العراق الموحد) في الجمعية العمومية للإمم المتحدة وهي من صلب مسؤوليات رؤساء الدول؟!، فهل كانت هنالك حاجة ملحّة لإنابة مسؤول آخر رفيع المستوى؟، فالصدق يا سيدي الكريم صفة المؤمنين!!، وحيثُ كان عذرك بالإلغاء غير مقنعاً، فكيف ستتفرغ لمبادرة الحوار بين الزعماء السياسيين بشأن الإستفتاء وأحد أهم الأطراف فيها وهو رئيس الوزراء سيكون غائباً!!!، أياتي قرار الغاء تمثيلك للعراق الموحد في أهم محفل دولي لشعورك الآن من إنك لم تعد مؤهلاً للتكلم بإسم العراقيين جميعاً في المحافل الدولية؟!!، فإن كان الأمر كذلك فلك العذر!!، لكن عليك وضع طلب إستقالتك على مكتبك الفخم والخروج من الباب الرئيسي مزهواً بمصداقيتك، عندها سيحترم قرارك كل أبناء الشعب العراقي وستكبر شعبيتك عند أبناء شعبنا الكُردي، وربما ستداعب أحاسيس من يطالبون بالإستفتاء ليكون لك شأناً فيه!!!.
فهل هنالك أسباب غير معلنة لإلغائك مهمتك الوطنية هذه كتجنبك الإحراج مثلاً؟!!!، وحيثُ ستكون مضطراً للتصريح أمام وسائل الإعلام ورؤساء الدول عند إجتماعك بهم على هامش إجتماع الجمعية العامة على إنك ترفض الإستفتاء المخالف للدستور العراقي الذي أنت حاميه وتماشياً مع تصريحات المسؤولين السياسيين لجميع دول العالم الذين تجرأوا على رفض الإستفتاء لكنك لم تفعل؟!!!، أو ستكون مضطراً  لتمثيل العراق بهويتك العراقية وليس هويتك الإقليمية نزولاً عند رغبة الأكثرية من العراقيين وإحتراماً لمسؤولياتك القانونية التي نص عليها الدستور؟، وهل أنّ الغاء رحلتك هو نوع من أنواع المراوغة والهروب لتفادي الإحراج أمام من يطالب بالإستفتاء من الكُرد؟، وهل هذا الأمر يجنبك المواجهة المباشرة مع "كاكه" مسعود البرزاني؟، وهل هو تهرباً من لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كونك ستكون مضطراً حينها للإتفاق معه على لجم جماح من يطالبون بالإستفتاء وستتفق معه على الآليات حتى ولو تطلب الأمر إعطاء (مباركتك) بإستخدام القوة المسلحة؟، وهل أنت محرج من أنّ وجودك في هذا اللقاء سيكون بهويتك العراقية الوطنية وليس القومية مما سيضعك في موقف صعب أنت وجميع الفرقاء على حدٍ سواء؟!!، وعندها ستكون مسؤولاً أمام جميع الدول عن كل ما سيتمخض عنه هذا اللقاء من إتفاقيات؟، أم إن الغائك لرحلتك جاء بطلب من رئيس الوزراء حيدر العبادي (ربما) لشكوكه وعدم قناعته بمقدرتك للدفاع عن العراق الموحد بصدق؟!، أو لتجنبك الإحراج في التصريح الواضح عن رفضك للإستفتاء؟!!، أو لشعورك الوطني الذي لا تريد الإفصاح عنه علانية إستيحاءاً وخجلاً أو ربما (خوفاً) من البعض من أبناء جلدتك ممن يزمرون للإنفصال!!!، لذا قررت إعطاء الفرصة لرئيس الوزراء للذهاب نيابة عنك لحشد التأييد الدولي بفاعلية أكبر ضد قرار السيد مسعود البرزاني وإفشال إستفتاءه الذي ترى ويرى فيه الكثيرون من السياسيين الكُرد وأحزابهم بأنه قرار متسرع وخاطئ لا يستطيع أحد التكهن بعواقبه، وكأنك بحركتك الدبلوماسية (الذكية) هذه حميت نفسك وأبعدت عنك تهمة إفشال الإستفتاء أو تأييده ولسان حالك يردد قول الملكة "الزبّاء" المضروب كمثل لكنك إستخدمته بصيغتة المعكوسة "بيد عمرو لا بيدي"!!!.(*) 
لكنني أطمئنك يا (سيادة الرئيس) بأن الإستفتاء على الأغلب سوف لن يحدث في موعده المحدد، ليس فقط لأن هنالك معارضة دولية وإقليمية وعربية شديدة له، أولأنه ولد ميتاً، أو لأن رئيس الوزراء حيدر العبادي جاداً هذه المرّة بتهديده، وإن لم يفعله هو فهنالك مراكز قوى أخرى ستتجاوزه وتنفذ التهديد وعندها سيخسر الكُرد كل الإمتيازات التي ناضلوا للحصول عليها وسالت دماء الكثير من الأبرياء فيها لأكثر من سبعين عاماً وسيعود الوضع الى المربع الأول!!، لكن الأهم من هذا كله من أنّ ما خطط له "كاكه" مسعود من أهداف قد تحققت سواء حصل الإستفتاء أم لم يحصل وذلك بتعاطف الشعب الكردي معه بعد أن عزف على أوتار أحاسيسهم وإسترجع جزءاً كبيراً من شعبيته التي وصلت الى أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة، كذلك وهذا هو المهم عند السيد مسعود البرزاني فلربما سيحظى بدعم مالي من أطراف عربية لتأجيل أو الغاء الإستفتاء خاصة بعد زيارة وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان لأربيل ولقاءه به وكذلك ربما دعم مالي آخر من الدول العظمى الرافضة للإستفتاء.
 لكن لو فرضنا بأن هذا الأمر سيحدث (أي تأجيل أو الغاء الإستفتاء) فكيف سيكون موقف إسرائيل من رئيس الإقليم الذي سيحرجها قراره وهي التي وقفت مؤيدة بشكل رسمي لقرار الإستفتاء ومساندتها الى حق تقرير المصير للكُرد؟!!.   
وسأختم مقالتي هذه بهمسة صغيرة في إذنكم قائلاً: هل تعلمون يا سيادة رئيس الجمهورية من إنّ (المواطن العراقي الوطني الحقيقي) الجالس على كرسي هذا المنصب (يجب) وهي كلمة ملزمة أن يكون ضد مصلحة (أبيه) إذا إقتضى الأمر لصالح مصلحة (الوطن) في حالة تعارضهما، وهل تعلم إن "كاكه" مسعود ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وكل الفرقاء سوف لن يكونوا سعداء جداً بفن سياستكم باللعب "بالبيضة والحجر" لمصلحتكم الشخصية وعلى طول الخط !!!.
إنتباهة:
(*) كنتُ متقصداً أن أذكر مقولة الملكة الزبّاء "بيدي لا بيد عمرو" بصيغتها العكسية تماشياً مع الغاية المقصودة، أي بمعنى لسان حال فؤاد معصوم كان يردد (ليكن تحشيد الرفض الدولي لإلغاء الإستفتاء بيد حيدر العبادي وليس بيدي).






 


27
النصر الذي نحن بإنتظاره
بقلم: سالم إيليا
أيها السياسيون ـ ـ نصركم هذا هو نصراً سياسياً معنوياً ربما يفيدكم في صناديق الإقتراع ولا يهمنا بقدر ما يهمكم إلاّ فيما يتعلق بعودة الأرض وإن عادت محروقة وأنقاضاً!!، وقد يستغرب البعض لإفتتاح مقالتي بهذا الإتجاه!! ـ ـ فلا تستغربوا أيها الإخوة والأخوات فالنتيجة دائماً ضد الشعب المُستخدم كالوقود لماكنة القاطرة التي توصل الساسة الى أهدافهم الشخصية ومقاعدهم الحكومية!!!.
أما نصرنا كشعب عراقي الذي دفع ثمنه الشهداء والجرحى وكل المقاتلين بكل صنوفهم ومسمياتهم فلم يكتمل بعد ما لم يتم تثمين الدماء الزكية التي فُتِحتِ صنابيرها من أوردة المقاتلين والمدنيين الذين إستشهدوا ـ ـ ونصرنا لا يكتمل إلاّ بتثمين خسارتنا لمعالمنا التاريخية وصروحنا الدينية والعلمية ومعالم مدننا الحضارية ـ ـ فمن يُعيد الينا منارة الحدباء التي هُدمت ـ ـ ومَنْ يعيد الينا أديرتنا وكنائسنا التاريخية وعبقها التاريخي التي دُمرت ودُنست ـ ـ ومَنْ يعيد الينا أضرحة ومقامات رُسل الله وأنبيائه التي أبيدت ـ ـ ومَنْ يعيد عفاف وعذرية الصبايا المسبيات، فتثمين كل ما ذكرته يا سادة يا كرام ويا أيها السياسيون يكمن في محاسبة المتسبب بهذه الكارثة ـ ـ وحيثُ شَخّصَت لجانكم التحقيقية "الجمل والجمال" ووضعت النقاط على الحروف ولم يبقى إلاّ قراراً شجاعاً بتتويج النصر الميداني وإستكماله وجعله واقعاً ملموساً في كل بيت عراقي من زاخو الى الفاو ومن الرطبة الى خانقين وذلك بمحاسبة المقصرين حتى وإن كان (نائب) الحاكم في العراق!!.
ولو حصل ما حصل في بلدٍ غير العراق لسقطت حكومات ـ ـ لا بل رؤوس من على أكتافها ـ ـ لكن في بلد الغرائب والعجائب ـ ـ فكل شيء مباح ـ ـ الخيانة للوطن مباحة ـ ـ نحر أكثر من الف وسبعمئة طالب عسكري في سبايكر مباح ـ ـ السرقات لمليارات الدولارات من خزينة الدولة وقوت الشعب مباحة ـ ـ الخطف والإغتصاب مباح ـ ـ سيطرة العصابات على مدن بأكملها مباحة ـ ـ إستعباد البشر والحجر مباح ـ ـ تهديم مدن بأكملها مع معالمها مباح ـ ـ قتل وتهجير ملايين المواطنين مباح!!!، فلا وجود للمذنب الذي ترك ورائه الضحية مخضبة بدمائها وحولها الخراب.
فلقد سكت العراقيون وكان لسكوتهم سبباً لعدم إعطاء الفرصة للعدو الداعشي بإستغلال الظرف وعاضدوا قواتهم المسلحة وحشود الحشد الشعبي بكل مسمياته، أما بعد أن هدأ أزيز الرصاص وإنقشع غبار المعركة فمن حق الشعب ومواطنيه المطالبة بالقصاص العادل من المسببين للكارثة، هذا فيما إذا كانت الحكومة جادة بحماية العراق الموحد.
فيا رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي، لم يتبقى على فترة رئاستكم لمجلس الوزراء إلاّ أشهر معدودة وقد كانت فترتكم حُبلى بالأحداث والمآسي التي خلّفها لكم سلفكم الجالس على يمين رئيس الجمهورية!!!، وللتاريخ إستطعتم وكابينة وزارتكم إجتياز الكثير من المِحن وأولها عودة الأرض العراقية الى أهلها ولكن بأغلى الأثمان!!!، وحيثُ لا تزال (المفخخات) السياسية مزروعة في طريق ما تبقى من مساركم وأولها الإستفتاء المزمع إجرائه في إقليم كردستان/العراق في الخامس والعشرين من أيلول من هذا العام، والشعب العراقي سوف لن يهدأ إلاّ بعد أن يرى من تسبب بهذه المآسي قد نال عقوبته القانونية على فعلته وتقاعسه، ولتكن خاتمة فترتكم بداية لفترة أخرى جديدة يُبصمُ عليها الشعب بملء إرادته وليس بمقايضة البسطاء منهم على منحهم البطانيات والإراضي وغيرها من المغريات كما حدث في الإنتخابات الماضية!!، فقد لامكم البعض وأعذركم البعض الآخر على عدم إستغلالكم للفرص بالضرب بيدٍ من حديد على كل من أساء لوظيفته، وكان لمن أعذركم تبريره من إنكم بدأتم مهمتكم بالعوم في بحرٍ تحيطكم فيه القروش السياسية وأنتم لا نصير لكم، لكن الآن وبعد مرور أكثر من ثلاثة سنوات على إدارتكم فمن المفروض أن تكونوا قد جمعتم حولكم عدد لا يستهان به من المخلصين للدفاع عن سياستكم وبرنامجكم، هذا إذ كنتم مؤمنون حقاً بما وعدتم به الشعب في خطاباتكم.
 فكل الذي تحقق من منجزات لا تكتمل إلا بخاتمته، وخاتمته قد وعدتم الشعب بها في أكثر من مناسبة وهي محاسبة من تسبب بتلك المآسي وملاحقة الفاسدين والسارقين للمال العام وإستحصاله الى آخر دولار تم سرقته، وخاتمته أيضاً تكمن بفرض القانون وتوفير الأمن والأمان على مدار الساعة، وخاتمته بكل تأكيد تتجلى بتوفير كل مقومات الحياة الحديثة من البُنى التحية الى البُنى الترفيهية المكملة للحياة الرغيدة ـ ـ نعم الحياة الرغيدة، فشعب العراق بمقوماته كان من المفروض أن يكون أول الشعوب في المنطقة والعالم يتمتع بالحياة الكريمة لولا غباء ساسته على مر المراحل المتعاقبة، وليكن حافزكم أنتم وفريق عملكم هويتكم (الوطنية) وليس (الحزبية) فقد سَئِمَ الشعب بغالبيته من التكتلات الحزبية، ولو لم تفعلوا هذا فستبقى منجزاتكم ومنجزات فريق عملكم ناقصة وسوف ينساها التاريخ والشعب العراقي بعد فترة وجيزة من الزمن، ولربما إن لم تخطوا الخطوة الأخيرة في ملاحقة من تسبب بتلك الكوارث وسرّاق المال العام فستغادرون وأنتم متهمون بإشتراككم في كل تلك الجرائم!!!.           

28
المسيحيون ودورهم في الإستفتاء المزمع إجراءه في كردستان العراق وأشياء أخرى
بقلم: سالم إيليا
لا يخفَ على المتتبع للشأن العراقي التَغَيُّرات الديموغرافية والجيوسياسية التي تحصل الآن في العراق وتوقيتاتها المحسوبة بدقة من قبل بعض الأطراف الدولية والإقليمية، وكان آخرها إعلان بعض القادة في كردستان/العراق عن تحديد موعد الإستفتاء للبقاء مع العراق الموحد من عدمه والذي تزامن مع قرب تحرير الموصل بالكامل!!!.
وقد بدأ المروّجون لهذا الإستفتاء بإستخدام المكونات الأخرى والمتواجدين جغرافياً في مناطقهم التاريخية التي فرض عليها الإنفصاليون سيطرتهم الإدارية بالقوة المسلحة مستغلين ثقافتهم المسالمة والظروف القاسية التي تعرضوا لها خاصة في السنوات الأخيرة بعد سيطرة عصابات داعش وجرائمهم ضدهم، ومن هؤلاء المكونات الأيزيديين والشبك والتركمان والمسيحيين بمختلف مسمياتهم القومية.
وقد جرت في الآونة الأخيرة محاولات لإقصاء الممثلين الحقيقيين لتلك المكونات في قصباتهم وقراهم بآخرين ربما سيتسامحوا ويتساهلوا وربما سيروّجوا أيضاً للتشجيع على الإنفصال بطرق الترغيب تارة والتهديد تارة أخرى!!!، وبتركيز واضح على أبناء المكوّن المسيحي لِما لهم الآن من ثقل دولي وعدد لا يزال لا يستهان به في مناطقهم شمال الوطن، خاصة بعد أن واجه مروّجوا الإستفتاء الممانعة الدولية في تأييدهم بخطوتهم الإنفصالية وبهذا التوقيت الخاطئ حسب رأي أغلب المحللين السياسيين الدوليين!!!.   
وعليه نتمنى على جميع المكونات المتواجدة جغرافياً داخل كردستان/العراق ومنهم المسيحيين أن لا ينجرّوا وراء أجندات مكتوب لها الفشل والمآسي المستمرة ونقول لهم بكل محبة: إذا أُجْبِرتُم على الإستفتاء أيها الأصلاء بحكم تواجدكم الجغرافي في مناطقه وبضغط ظروفكم التي لا تخفَ على أحد، فإجهضوه في مهده بالتصويت بكلمة "لا" للإنفصال عن العراق الموحد وهو رقم لا يقبل القسمة على إثنين، وقفوا وقفة أجدادكم ورجال دينكم الذين أجهضوا من قبلكم محاولة إنفصال الموصل عن العراق وضمها الى تركيا بالإستفتاء الأممي في ربيع سنة 1925م، فأنتم ليس أقل منهم وطنية ومحبة للعراق الموحد، فقد وقف أبناء العراق من كلدانٍ وآشوريين وسريانٍ وأرمنٍ وبقية الملل بممثليهم رجال الدين ووجهائهم يتقدمهم البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني توما والمطران كريكور والخوري أنطوان زبوني والوجيهة "سورما خانم دبيث مار شمعون" وغيرهم الكثيرين وقفة رجل واحد حينها ليعلوا صوتهم جهوراً بكلمة "لا" للإنفصال عن العراق، فأفعلوها ثانيةً وليسجل التاريخ مأثرة أخرى من مآثركم الوطنية كما سجله لأجدادكم من قبلكم.
 فما نمر به اليوم من مصاعب ما هي إلاّ "مزنة صيف" بحساب الزمن لا تلبث أن تنجلي وإن طالت، فافعلوا هذا من أجل أحفادكم الذين لا ترضوا لهم العيش في زمن الحروب التي نعيشها، وحيثُ ذكرتُ في مقالة سابقة كانت معنونة بالعنوان التالي "هل سيكون هنالك سلام في المنطقة فيما لو قسّم العراق؟" والتي بينّت فيها الإحتمالات الواردة لِما سيحدث من مآسي وحروب فيما لو قسّم العراق وسأقتطف منها الآتي للتذكير بها:
"أما إقليم كردستان فسيكون من بين أسوأ الأقاليم الثلاثة (فيما لو قسّم العراق الى ثلاثة أقاليم أو إنفصل الإقليم بمفرده عن العراق) لأنه سيكون بين كماشتي الأمبراطوريتين السابقتين اللتين سوف لن تتركانه ينمو ويقوى بتطلعاته الوحدوية لقيام دولة كردية تضم المناطق الكردية في إيران وتركيا، وستكون لعائلة البرزاني المسؤولية التاريخية الكبرى في إبادة الشعب الكردي وتعرضه للتنكيل من قبل الفرس والأتراك بدلاً من بقائها (أي العائلة) الآن في نظر الكُرد في المنطقة كرمز لتحقيق الكثير من المكاسب لكُرد العراق، وربما لم يدرك السيد مسعود البرزاني قواعد اللعبة السياسية الدولية بعد، فصديق اليوم في السياسة من السهولة أن يصبح عدو الغد وينقلب عليه حلفائه بلمح البصر لمصلحة بلدانهم، أو لتغيير الإتفاقيات بين الأقطاب الرئيسية في السياسة الدولية، وأمامنا خير مثال على ذلك في موافقة كل الأطراف على بقاء الرئيس السوري في السلطة، عندها ربما ستعطي هذه الأقطاب الدولية الضوء الأخضر لإيران وتركيا لضرب الكُرد ولجم جماحهم، وسوف لن تفيدهم حتى إسرائيل لأنها ستبحث عن مصالحها أيضاً".
 هذا ما قلته كجزء من السيناريوهات والتصورات فيما لو فكر بعض قادة الكُرد بالإنفصال، فمن غير المعقول أن تضحي إسرائيل بعلاقاتها الإستراتيجية مع أهم دولتين إقليميتين إعترفتا بها مبكراً (إعترفت إيران بإسرائيل سنة 1948، ثمّ تبعتها تركيا سنة 1949 ولا تزال علاقاتهما قوية معها وليس كما تظهران للعالم)، أو حتى لو أخذنا بفرضية سوء العلاقات (مرحلياً) لإسرائيل مع نظام إحدى هاتين الدولتين، لكنها بكل تأكيد سوف لن تجازف بخطأ إستراتيجي وتاريخي يجعلها دائماً في موضع المتهم الأول أمام شعوب الدولتين والدول المجاورة المتضررة الأخرى في دعم إنفصال الكُرد في هاتين الدولتين وإعلان دولتهم المستقلة!!، وبهذا الفعل ستضع إسرائيل نفسها في موضع العدو الأول لشعوب المنطقة وستعطي الحجة على طبق من ذهب للمتطرفين في المنطقة لتأليب شعوبهم عليها وبشكلٍ مطلقٍ وستصبح المنطقة أكثر غلياناً وحروباً، خاصة وإن القضية الكردية وتطلعات الشعب الكردي على مدار فترة علاقتهم مع إسرائيل كانت مجرد ورقة بيد الكثير من الأطراف ومنهم إسرائيل، وكانوا الكُرد ولا يزالون بحاجة اليها أكثر من حاجتها اليهم وحسب إعتراف قادتهم في الكثير من المقابلات على الفضائيات.
 ولو سلّمنا جدلاً بفرضية قناعة المخططون الإسرائيليون في تشجيع الكُرد على تشكيل دولتهم على حساب كسر شوكة الأنظمة للدول الإسلامية في المنطقة سواء العربية منها أو الأقليمية (تركيا وإيران)، فبكل تأكيد ستكون غايتها وهدفها الحقيقي هو نقل الحرب ما بين إسرائيل من جهة والدول الإسلامية في المنطقة (العربية والغير عربية) من جهة أخرى وجعلها حروب فيما بينها (أي بين الدول الإسلامية، لكنها ستكون حروب قومية)!!!، وسيكون طرفها الأول الدولة الكردية الفتية المفترض إعلانها بشعبها الذي سيتجاوز بكل تأكيد العشرين مليون نسمة (يوجد أكثر من أربعة عشر مليون كردي في تركيا وأكثر من أربعة ملايين في إيران وبحدود ثلاثة ملايين في العراق ومليونين في سوريا) وطرفها الثاني (المضاد) تركيا وإيران والعراق وسوريا وربما لبنان، وستكون الحرب إسلامية ـ إسلامية ولكن بدوافع قومية!!!، وستكون الأضعف فيها منطقياً والتي سينالها الجزء الأكبر من الضحايا والتدمير هي الدولة الكردية الفتية، عندها ستنشغل دول المنطقة المعنية بالخطر المباشر الذي سيتهددها من الدولة الكردية وستنسى ما تعتبره "القضية المركزية" للدول الإسلامية وهي القضية الفلسطينية!!!، وبهذا الأفتراض سيكون الشعب الكردي بمآسيه كضحية وكورقة أيضاً بيد المساومات الإقليمية والدولية، إضافة الى أنّ إسرائيل والدول المصنعة للأسلحة ستنتعش بسوقها مقابل الإستنزاف المادي الذي سيصيب الدول المتحاربة.   
وندائي أوجهه لشعبنا الكردي أيضاً: لقد كان الشعب العراقي برمته متفهماً ومتعاطفاً مع قضيتكم ومطالبتكم لحقوقكم منذ بدايتها بعيداً عن القادة السياسيين وقمعهم الذي شمل الجميع دون إستثناء، ولقد كنتم متواجدين في كل أرجاء العراق وبنسب كبيرة خاصة في مناطق تواجدكم التقليدية والتاريخية التي شاركتم فيها من كان قبلكم من الأصلاء من المكونات الأخرى الذين لم يمنعوكم في مشاركتهم لأرضهم!!، وحيثُ كنتم متعايشين معهم عبر مئات السنين بأمن وسلام وقبل أن يبدأ البعض بالتحريض على إيذائهم والتنكيل بهم عبر مذابح يندى لها جبين الإنسانية!!، ومع ظهور بوادر النزعة الإنفصالية لإعلان تلك المناطق المشتركة للجميع على أنها أحادية الإدارة السياسية من قِبَل القومية الكردية فقط تمهيداً لإعلانها دولة كردية (وهذا الأمر لا يختلف عليه مؤرخان)، عندها بدأت الحكومات المركزية المتعاقبة في العراق بالإنتباه وأعتمدت بعضها على الإجراءات القسرية لتحجيم أماكن تواجدكم جغرافياً خوفاً من زحفكم سكانياً الى مناطق أخرى بفعل الحرية التي كانت متاحة لكم للعيش والتنقل قبل بدأ إنتفاضتكم القومية المسلحة، ودليلي على هذا الكلام مشاركة أبنائكم بتولي الوزارات السيادية (وزارتي الدفاع والداخلية) ضمن التشكيلات الوزارية المتعاقبة منذ بداية تكوين الدولة العراقية الحديثة، وحيثُ لم يعترض على مناصبهم تلك أي عراقي كونهم كانوا يتمتعون بالكفاءة المهنية لإشغالها وأوفياء لهويتهم العراقية ولوطنهم العراق، وحيثُ نتمنى أن يفشل الوطنيون منهم الآن (وهم كُثُر) محاولة الإنفصال.
 وأنا أتذكر جيداً كيف كان طلاب المدارس في المرحلة المتوسطة والإعدادية لا يخفون تعاطفهم مع الشعب الكردي وكيف كانت الفرحة كبيرة حين أُعلِنَ بيان الحادي عشر من آذار بعدها بسنوات، وكيف إستقبلت الجماهير العراقية قادة الكُرد في بغداد، وذهبت الوفود الطلابية في الذكرى الأولى للبيان الى المدن في شمال الوطن للإحتفال وحناجرهم تصدح بدون تردد لكردستان/العراق بيچي ـ ـ بيچي كردستان (تعيش ـ ـ تعيش كردستان)!!، فلا تخذلوهم بتصويتكم على الإنفصال ولا تخذلوهم بمحبتهم لكردستان/العراق وأهلها، فإذا كانت الموصل كما وصفها البطريرك يوسف عمانوئيل الثاني من إنها رأس العراق أبان الإستفتاء الأممي في القرن المنصرم لإثبات عائديتها للعراق ورددها من بعده الملك فيصل الأول، فأنّ كردستان هي قلب العراق النابض بالتعددية والتآلف المجتمعي، وحيثُ كانت مصائركم سابقاً بأيدي السياسيين الحقيقيين الذين إنزوا في بيوتهم الآن تاركين الأمر لتجّار السياسة ومافياتها لقناعتهم بأنّ الهدف السامي لنضالهم القومي قد إختفى وحلّت محله الأطماع الشخصية!!، وأنتم تعيشون الآن نتائجها بشكلٍ واضحٍ ويتراءى لكم مستقبلها الذي لا يبشر بخير في كل الأحوال!!!.
وتذكروا هذه الكلمات والجُمَل فيما لو صوّتم لا قدر الله على الإنفصال، فسيأتي اليوم الذي سيجعلكم تعضّون أصابع الندم، وهذه الكلمات ليست إنشائية ولغوية لتخويفكم، فالعراقيون يعلمون مدى شجاعتكم وإنّ الخوف بمنأى عنكم، لكن هذه لغة المنطق وفق سياقات التحالفات والسياسات الدولية وبديهيات دهاليز السياسة!!.
فهل أنتم مستعدون على العيش والتأقلم مع الحروب بشكلٍ دائم يا من لكم حق التصويت على الإنفصال من مختلف المكونات المتواجدة جغرافياً في الإقليم؟؟؟، وحيثُ سيكون عندها السلام في ربوع الإقليم هو الإستثناء بلا أدنى شك!!!، فلحد الآن هنالك صراع سياسي داخلي بين القادة الكُرد والذي سيتحول بكل تأكيد الى صراع مسلح دموي حال إعلان الإنفصال للسيطرة على المناطق المتنازع عليها بين الأحزاب الكردية، خاصة وإن قادة تلك الأحزاب يحكمون عائلياً وعشائرياً ويرفضون مبدأ المشاركة القيادية الجماهيرية من خارج العشيرة أو العائلة!!، وإن حدث وكان هنالك سلام ظاهري بين الأحزاب الكردية، فبكل تأكيد سيكون هنالك توتر وحروب بينهم وبين حكومة المركز في العراق على المناطق المتنازع عليها، خاصة وإنّ بعضها مثل كركوك والموصل لا مجال نهائياً للتخلي عنهما من قِبَل أي حكومة مركزية حتى لو كلّف هذا الأمر تجييش الجيوش!!!، وحيثُ أنّ حكومة المركز في العراق لديها أيضاً من يؤيدها من الدول الكبرى بحكم المصالح المتبادلة، وأعتقد قد عَلِمَ الجميع الآن مدى قوة الجيش الحكومي والميليشيات الشعبية التي إنضمّت اليه في مقاتلة داعش والقضاء على معظم مقاتليه الذين لم يكن من السهل الإنتصار عليهم قبل سنتين!!، ناهيكم عن التدخلات والصراع المسلّح (في حالة الإنفصال) الذي ستختلقه إيران وتركيا لقضم أجزاء من الإقليم أو حتى الدخول الى عمقه دون أن يكون هنالك رد فعل دولي فعلي لمنعهم الى أبعد من إطلاق التصريحات السياسية لذر الرماد في العيون، وخير دليل على ذلك تواجد تركيا الآن بجيشها قرب تلعفر التي يعتبرها الكرد منطقة كردية دون وجود رد فعل دولي واضح أو رد فعل من الحكومة المركزية أو من حكومة الإقليم!!، فهل أنّ الشعب الكردي مهيأ لهذه الحروب برمتها؟؟!!، خاصة وإنّ الأقليم سيكون محاط بحدوده من كل جهاته بالأطراف التي تتطلع الى إفشال تجربته الإنفصالية وسيكون تطبيق الحصار الإقتصادي عليه من أبسط خياراتها!!، وهل فكر القادة الكُرد من أنهم وشعبنا العراقي الكردي سيكونوا ضحية مؤامرة دولية متفق عليها مع الدولتين الإقليميتين العدوتين اللدودتين (إيران وتركيا) لقيام دولتهم في المنطقة؟؟؟!!!، كونهم الأقلية بحساب النسبة العددية الى ما موجود من الكُرد في تلك الدولتين!!!، وليكونوا فيما لو فشلت تجربتهم الإنفصالية وحدثت المآسي للكُرد العراقيين عبرة لغيرهم من الكُرد في تلك الدولتين لتخويفهم وردعهم عن المطالبة بالإنفصال ولتفشل وللأبد تطلعاتهم بعدما سيشاهدون ما سيحل بإخوانهم كُرد العراق!!!، ولدينا دليل واضح لا يزال ماثلاً بتسليم الثائر الكردي مؤسس حزب العمال الكردستاني التركي "عبدالله أوجلان" بمؤامرة دولية وصفقة سياسية الى الحكومة التركية.
وربما سيقول قائل من الذين يتطلعون الى الإنفصال: لولا الغُبن الذي يمارس بحقنا ما فكرنا بالإنفصال!!، أقول هل ما تحقق لحد الآن للكُرد ضمن حدود الدولة العراقية يُعتبر غير كافي أو غير مقبول على الأقل في هذه الظروف الإستثنائية؟؟؟!!!، ومَنْ مِن شرائح المجتمع العراقي ومكوناته في مدن الجنوب والوسط والغرب والشرق قد حصل على أكثر مما حصلتم عليه من حقوق في ظل الفوضى السياسية القائمة؟؟؟!!!، وهل حصل إخوانكم الكُرد في الدول المجاورة على نصف ما حصلتم عليه في العراق من مكاسب في ظل حكم ذاتي سياسي شبه مستقل ومردودات مالية وافق عليها ممثليكم في البرلمان العراقي؟؟؟، وهل من الضروري التلويح دائماً أما بالثورة المسلحة أو الإنفصال لإنتزاع الحقوق؟؟؟!!!، ولماذا إخوانكم المتداخلة أراضيهم مع أراضيكم من المسيحيين بكل مسمياتهم القومية لم يرفعوا السلاح على الرغم من أنّ تاريخ إضطهادهم يعود الى القرون الأولى حتى قبل الإضطهاد الأربعيني في زمن الملك سابور الثاني الساساني وأستمر بين مدٍ وجزرٍ ولحد الآن وقد إشتركت بعض قبائلكم بإضطهادهم؟؟؟!!!، والشئ ذاته يصلح كمثل على أبناء المكوّن الأيزيدي الذي تعرض لما تعرض له المسيحيون وغيرهم من المكونات الأخرى!!، ألا يمكن إنتزاع الحقوق بغير طُرق العصيان المسلح أو إعلان الإنفصال؟؟؟!!!، أعتقد من الممكن فعل ذلك لو كان المعنييون يفكرون بأرواح شعبهم وإبعاد المآسي عنهم!!، ولنا في هذا المضمار مثالين لشخصين فقط إستطاعا دحر أكبر إستعمارين مدججين بالأسلحة والتأييد الدولي الذي تخلى فيما بعد عنهما (أي عن المستعمرين) ووقف مع الحق، وحيث كان أحد هذين الشخصين يناضل من داخل زنزانته وهو الخالد "نيلسون مانديلا" في جنوب أفريقيا وقبله حصل المهاتما "غاندي" إبن الهند البار على إستقلال بلاده بالطُرق السلمية والنضال السلمي أيضاً.   
وأملنا كبير بالوطنيين الكُرد وقادتهم السياسيين الحقيقيين لتنوير العامة ومنعهم من تغليب لغة العواطف والإندفاع الغير محسوب على حساب لغة العقل والحكمة، والتوقف عن مداعبة عواطفهم من قِبَل البعض لتحقيق مكاسب شخصية وزعامة شكلية على حساب آلامهم ومعاناتهم، فليس قليلاً ما حصل لهم من مآسي.       
وأقول للمسيحيين أيضاً المتواجدين جغرافياً في المناطق التي سيتم الإستفتاء عليها، لا تضعوا رقابكم تحت سيف من كان سبباً بإبادتكم في المجازر التاريخية التي نعرفها جميعاً من المجازر الحميدية (نسبةً للسلطان العثماني عبدالحميد) ومذابح الأرمن (الجريمة الكبرى) خلال الحرب العالمية الأولى ومروراً بمذابح "سيفو" و "سميل" ومَنْ كانوا أدواتها من قبل بعض القبائل الجاهلة وأبطالها مثل بكر صدقي وغيره من المحسوبين على الكُردِ وللأسف الشديد، وحيثُ أنّه ليس هنالك أي ضمان لعدم تكرارها في المستقبل، وبوادر أعمال العنف لبعض المتعصبين تظهر بين الآونة والأخرى في مختلف المناطق في كردستان/العراق ضد المكونات الأخرى من حرق محلات بيع الخمور في السليمانية الى الإعتداءات والتحرشات في عينكاوة وغيرها الى الغبن في التمثيل السياسي والإداري والتدخل به ضد رغبة مواطني المكوّن المسيحي وغيرهم وحكومة الإقليم تقف مكتوفة الأيدي لا بل تكون طرف فيها في بعض الحالات!!!، فأين هي قُراكم في أعالي الجبال أيها المسيحيون؟؟؟!!!، ولماذا تركتموها ومَنْ الذي إستولى عليها؟؟!!، وأعلموا يا أهلنا بأنهم بحاجة اليكم أكثر مما أنتم بحاجة اليهم في مناطقكم التاريخية وإنْ هم يدعون بعائديتها إدارياً لسلطتهم، لكن تاريخها يثبت عائديتها لكم منذ آلاف السنين، فهم يستخدمونكم كورقة رابحة في المحافل الدولية لكسب تأييد الدول الكبرى لتتطلعاتهم الإنفصالية بحجة حمايتكم مستخدمين بعض المأجورين من مكوننا المسيحي المستعدين لبيعنا جميعاً من أجل مصالحهم الشخصية.
وليتذكر من يقرر التصويت لصالح الإنفصال "ولات ساعة ندمٍ" بعده، إننا جميعنا أقوياء بالعراق الموحد، وتأثيره دولياً (مهما كان ضعيفاً) سيكون بكل تأكيد أقوى من تأثير أقاليم الإنفصال المقسمة، حتى ونحن نعيش التدهور ومآسيه بكل تفاصيله الآن، فالقادم سيكون أسوء فيما لو تضاربت فيه المطامع الشخصية للقادة الإنفصاليين مع بعضهم البعض ومصالح الدول الكبرى والإقليمية أيضاً، وربما سيتعرض الإقليم الى جميع تلك الحروب ومن كلّ صوب وفي آنٍ واحد، وحيث سيصُعب التكهن ماذا سيحصل للمكونات الكردية وغيرها من المكونات داخل الإقليم من المآسي، فأمامنا مثال حي حينما وقفت قوات الحماية الكردية التي كانت داخل الموصل عاجزة عن حماية المكونات الأخرى من مسيحيين وشبك وتركمان مشاطرة بذلك عجز القوات الحكومية، لا بل وقفت حكومة الأقليم مكتوفة الأيدي أمام الكارثة والإبادة الجماعية التي حصلت للمكوّن الأيزيدي الذي يعتبره القادة الكُرد جزءاً منهم لكنهم يختلفون عنهم بمعتقداتهم الدينية.
 نتمنى من الصميم أن يجهض الوطنيون بمختلف مكوناتهم هذا الإستفتاء من أجل مستقبل أبنائهم وأحفادهم وأجيالهم القادمة وبكل تأكيد سيذكره لهم خلفهم والتاريخ بأحرفٍ من نورٍ.   



29
متحف ونصب تذكاري لضحايا الإرهاب في الموصل
بقلم: سالم إيليا
لم يعد خافياً على أحد حجم المآسي التي تعرضت لها المناطق التي كانت تحت سيطرة "داعش".
وحيثُ أنّ مدينة الموصل بثقلها السكاني وأهميتها الجغرافية والتاريخية التي جعلها كثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد قد أصابها ما أصابها من ويلات سيطرة هذه العصابة المجرمة عليها ومن بعدها عمليات التحرير التي إستغرقت أكثر من تسعة شهور ثقيلة بتفاصيلها المؤلمة من حصارٍ قاسٍ وهجرةٍ جماعيةٍ وقتلٍ ممنهجٍ وجوعٍ وصل الى حد أكل الأعشاب البرية خلال سيطرة "داعش" أو أثناء تحريرها، وحيثُ لم يتبقى من معالمها الأثرية وصروحها العلمية ومعالمها الحضرية وبُناها التحتية وأحيائها السكنية ودور عبادتها لمختلف الأديان والطوائف التي يتميز بها إقليم نينوى بشكلٍ عامٍ إلا العدد القليل والتي أصابها أيضاً بعض الأضرار.
وتقف في مقدمة المآسي الأعداد الهائلة للضحايا المدنيين الذين لم يتم لحد هذه اللحظة حصرهم بشكلٍ كاملٍ ودقيقٍ، لكن الأنباء تتحدث عن عدد مَهُول يتجاوز عشرات الآلاف (أحد الأطباء الذين أعرفهم في المهجر قد فقد سبعة أفراد من أقاربه من درجات قربة مختلفة ما بين قتيل على يد داعش لرفضهم الإنتماء اليهم وبين ضحية نتيجة القصف).
لذا فمن الواجب توثيق هذه الفترة المظلمة من تاريخ المدينة من خلال متحف خاص ينتصب في محيطه نصب تذكاري يتم إختيار موقعه في الجانب الغربي من الموصل مطلاً على نهر دجلة ليكون على مرأى من الجانب الشرقي أيضاً (طال الجانب الغربي والذي يُطلق عليه بالأيمن النسبة الأعلى من الخسائر البشرية والعمرانية).
 وليحتوي هذا المتحف على كل ما سجلته عدسات المصوريين الإعلاميين ووكالات الأنباء المحلية والأجنبية ومراسليهم وتسجيل وتوثيق المآسي بالصوت والصورة على لسان أصحابها وشهود العيان مع جمع الأدلة المادية كنماذج على الممارسات الهمجية للتنظيم المذكور ووضعها جميعها في قاعات داخل هذا المتحف وحسب تصنيفها (قاعة خاصة لعرض الصور والسلايدات، وأخرى خاصة لعرض الفيديوهات، وغيرها لعرض آلات القتل ـ ـ ـ الخ).
ولغرض تنفيذ هذا المتحف المهم، يجب تشكيل لجنة مهنية وحيادية متخصصة تتسم بالموضوعية تراجع كل صغيرة وكبيرة وتدقق المعلومة بشكلٍ لا يقبل التأويل أو التشكيك بها وتُحَدَد مهامها على الأسس التالية:
ـ جمع البيانات الدقيقة عن عدد الضحايا المدنيين وأسمائهم من الموصل/المركز ومناطقها التابعة لها إدارياً من أقضية ونواحي وقرى لكتابتها (حفرها) على جدار النصب التذكاري مع بيانات مقتضبة لتاريخ ومكان وسبب إستشهادهم وأعمارهم (قسم منهم قضى على أيدي داعش والآخرين بالقصف).
ـ ذكر الأرقام (الحقيقية) للنازحين والمهجّرين من أطياف ومكونات المجتمع الموصلّي ومناطقه الإدارية المجاورة وتخصيص قاعة خاصة لعرض معاناتهم وما أصابهم من ضرر ودمار وتهجير وقتل وسبي على أيدي هذه العصابة الدولية.
ـ توثيق الأعداد الكبيرة للنازحين أثناء عمليات التحرير ومعاناتهم في معسكرات الإيواء، مع ذكر البيانات الدقيقة للعائدين منهم الى بلداتهم وتواريخ عودتهم، وكذلك الأرقام الحقيقية لِمَنْ فضلوا المغادرة بشكلٍ نهائي لبيان الضرر الديموغرافي الذي تعرضت له نينوى بشكلٍ عامٍ، مع تسجيل قصصهم المأساوية على السنتهم والتي قد تكون في البعض منها أغرب من الخيال.
ـ جمع الأدلة المصوّرة عن حجم الدمار العمراني مع بيان مقدار الضرر للبُنى الخدمية الأساسية.
ـ تدوين كافة القوانين المجحفة التي فرضتها هذه العصابة الدولية على المجتمع الموصلي وقصباته بكافة أطيافه وشرائحه.
ـ تسجيل وتوثيق البيانات عن حجم الضرر التعليمي والتربوي (إيقاف التعليم بمختلف مراحله والتدمير الذي أصاب الأبنية التعليمية)، وحجم الضرر الذي أصاب الجانب الصحي ونتائجه الكارثية (تدمير المستشفيات والمراكز الصحية وقلّة الأدوية وإنعدامها للمرضى بالأمراض المزمنة كأمراض القلب والسكري والربو والسرطان ـ ـ الخ)، ومعانات السكان نتيجة إنعدام أبسط الخدمات وتدمير البُنى التحتية، وممارسات "داعش" القسرية خلال فترة سيطرتها على المدينة ومناطقها الإدارية.
ـ تخصيص قاعة لشهداء الجيش والقوات المسلحة والقطعات المساندة والمتجحفلة معها بكافة صنوفها ومسمياتها مع ذكر مناطقهم الجغرافية لتعزيز اللحمة الوطنية، وحيثُ إشترك العراق بكافة مدنه في عملية التحرير، بالإضافة الى تسجيل أسماء مَنْ أبلى البلاء الحسن في تقديم المعونة للمدنيين، وقد شاهدنا بعضهم عبر الفضائيات المختلفة التوجهات وهم يعرّضون حياتهم للخطر من أجل إنقاذ طفل أو إمرأة أو كبار السن.
ـ من الممكن شمول المحتوى الفني للمتحف بحملة إعادة الإعمار بصيغة المقارنة الميدانية المصورة للمناطق المدمرة قبل وأثناء التحرير وبعد إعادة إعمارها لتكون حافزاً للمعنيين على الإيفاء بوعودهم في إعادة إعمار الموصل بكافة صروحها وأحيائها.
ـ درج النشاط الإعلامي المميز بمشاركته الميدانية وفعالياته التي أسهمت بشكلٍ ملحوظ في تقديم الدلالة للممرات الآمنة وبقية التعليمات من خلال توجيه السكان عبر الإذاعات المحلية التي أوجدتها الحكومة أو عبر الفضائيات المختلفة خلال عملية التحرير، وتوثيق أسماء شهداء الصحافة والإعلام والمراسلين الحربيين العراقيين والأجانب، مع توثيق ما تعرضت له الكوادر الإعلامية من أخطار كبيرة أثناء تغطيتها للأحداث وتعزيز هذا التوثيق بالأفلام الناطقة (صورة وصوت).
إن هذا المقترح يقع ضمن سلسلة المقترحات المهمة الواجب دراستها والنظر فيها لتنفيذها ولو بعد حين لتذكير الأجيال القادمة بالمآسي التي حدثت، ولتكون تلك التوثيقات الرادع مستقبلاً لمنع وتفادي تكرارها، وأملنا كبير بتجاوز هذه المحنة لكل أهلنا في نينوى والمدن العراقية الأخرى التي تعرضت لسيطرة داعش.

30
مكتبة المفهرست والمعجمي "كوركيس عوّاد" أمانة في أعناقكم
بقلم: سالم إيليا
قرأتُ قبل سنة ونصف تقريباً خبراً مفاده إقتناء (شراء) مؤسسة دار التراث في النجف لمكتبة المفهرست والمعجمي الراحل الأستاذ "كوركيس عوّاد" الجالس في صَدرِ ديوان الخلود الأدبي في العراق، وحيثُ وصفها المدير العام لمؤسسة دار التراث الأستاذ علاء الأعسم "من أنها من أهم المكتبات المهمة والنادرة"، وبتوكيده الواضح بذكره لجملة "أهم المكتبات المهمة والنادرة"، يكون قد توّجها وبدون منازع للجلوس على عرش المكتبات المهمة والنادرة في العراق، وحيثُ وصَفَ صاحبها الموسوعي "كوركيس عوّاد" من أنه:
 "من نخبة الشخصيات التراثية على مستوى العراق والعالم والذي كَتبَ عنه الكثيرون وأشادوا بعلميته وعِشقه لتراثِ العراقِ وتاريخه ويعد من اهم المفهرسين في العراق بلا منازع بعد ان حصر جلّ اهتمامه في هذا المجال"، وحيثُ يضيف الأستاذ الأعسم في تصريحه بوصفه لمحتويات هذه المكتبة النادرة والعملاقة قائلاً:
 "تضمنت المكتبة عشرات الآلاف من الأوعية المعرفية المهمة والنادرة ما بين وثائق وحَجريات وكتب ومراسلات وصحف ودوريات، بالإضافة الى العديد من الوثائق المهمة والنفيسة ولعلّ من أهمها مراسلاته الشخصية مع العلماء والشخصيات المهمة على مستوى العالم وبمختلف الديانات والفرق والمذاهب واجوبتهم عليه"، ثمّ ينهي المدير العام وصفه لمحتوياتها بتصريح: "وقد تم بحمد الله تعالى ضمّها لمكتبة المؤسسة"!!!.
الرابط أدناه للخبر المنشور في 25 شباط/2016م والذي تناقلته معظم المواقع الألكترونية ووسائل الإعلام العراقية وتحت عنوان "دار التراث تقتني مكتبة كوركيس عوّاد ببغداد ضمن خطتها للحفاظ على الموروث الثقافي":
 http://www.shafaaq.com/ar/Ar_NewsReader/d1549cc8-d8f4-4470-9397-979cec4d4b01
 وسوف لن أتكلم عن الظرف الذي حدا بعائلته الى قرار التفريط بجهد ما يقارب السبعين عاماً لوالدهم في البحث والتقصي والتأليف وشراء النوادر من المخطوطات والكتب من أرجاء العراق وخارجه، إذ أنّ السبب يبدو لي وللجميع واضحاً وحيثُ أنهم جزء من العراقيين بمجمل طوائفهم الذين قرروا المغادرة نتيجة الظروف الغير طبيعية والإستثنائية، وهم من طائفة أُجْبِرت في معظمها بفعل الظروف إلى مغادرة العراق نتيجة القلق والخوف من العنف الذي طال الكثير من مواطنيها، خاصة في المناطق التي كانت تعتبر ساخنة وحيثُ إنتقلت العائلة عام 1984م من منطقة الكرادة إلى منطقة الدورة في بغداد.
 إذ أخبرني الراحل الخالد الذكر المؤرخ "جورج البناء" من أنه والراحل الخالد الذكر "كوركيس عوّاد" كانا يجوبان المكتبات المهمة في لبنان وبقية الدول الأخرى خلال زياراتهما العائلية الموسمية لخارج العراق (ترتبط العائلتان بروابط صداقة قوية) بحثاً عن النوادر من المؤلفات لشرائها وشحنها إلى العراق لضمّها إلى مكتبتيهما، جاء ذلك من خلال اللقاء الصحفي الذي أجريته مع المؤرخ جورج البناء في مدينة سان دييغو الأمريكية/كاليفورنيا في اليوم الثاني من عيد الفصح الموافق السابع من نيسان سنة 2010م وقبل وفاته بسنوات قليلة حين سافرتُ اليه خصيصاً لإجراء ذلك اللقاء الذي لم أنشره بعد بإنتظار رد عائلته على بعض المعلومات التي طلبتها عنه بعد وفاته رحمه الله (كُنت قد كتبتُ قبل سنوات مضت مقالة مطوّلة بجزئين عن الراحل المؤرخ جورج البناء التي نشرتها الكثير من وسائل الإعلام المحلية والمهجرية، وحيثُ سَلطتُ الضوء فيها على الكثير من نشاطاته وتاريخه الأدبي ورحلاته السياحية وتقليده وسام رجل عام 2006 من قِبل عمدة مدينة سان دييغو الأمريكية مع منحه أربعة شهادات تقديرية أخرى).
فالذي أرجوه من القائمين على "مؤسسة دار التراث في النجف" تشكيل لجنة متخصصة نزيهة تتسم بالمهنية والحِرفية العالية لجرد مؤلفات المفهرست والمعجمي الخالد الذكر "كوركيس عوّاد" وتدوينها وتوثيقها والإعلان عنها في وسائل الإعلام، خاصة (المخطوطة) منها التي لم تُنشر ولم ترى النور بعد حفاظاً على حقوق مؤلفها ومنعاً للسرقات الأدبية وإكراماً لجهود مؤلفها الذي أفنى سنوات عمره منكبّاً على المصادر ومناهل العلم لتأليف جواهر الأدب والتراث العراقي، ولتوثيق ما وصل اليه فِكره وبحثه عن تراثنا الموغل في أعماق التاريخ وحِقبِهِ الزمنية.
كما أتمنى على القائمين على "مؤسسة دار التراث في النجف" أيضاً تخصيص قاعة تليق بمحتويات المكتبة وصاحبها وكل ما يتعلق به من مقتنياته الشخصية ووضع إسمه على باب القاعة (وردني بشكل مؤكد من أنّ مكتبته قد إحتوت حتى على لعبة النرد/الطاولي الخاصة به أيضاً)، وهذا أقل ما يمكن أن يُكَرِّم به أبناء النجف الأصلاء أصحاب العلم والأدب وأحد جهابذة العلم والمعرفة في العراق الذي أفنى حياته من أجل أن يترك لنا كنزاً ثميناً من المعلومات الموثقة والمُبوّبة والمُفهرسة بدقة متناهية، كما أنني على علمٍ أكيدٍ بما تحتويه مكتبته من نفائس المخطوطات والكتب التي ربما لا يوجد نسخٍ أخرى منها أو نسخ قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ومنها النسخة الأصلية لمطبوع أول مسرحية أو رواية عراقية طُبِعت في مطبعة دير الآباء الدومنكيين الحجرية في الموصل سنة 1893م وهي "رواية لطيف وخوشابا" لمؤلفها (إستخرجها بتصرف عن الفرنسية) الأستاذ الراحل "نعوم فتح الله السحّار"، وحيثُ أنّ العلاّمة الراحل كوركيس عوّاد كان قد عرضها أمامي أثناء تشريفي بترحيبه لزيارتي له في مكتبته العظيمة في دار ولده البكر "سهيل" في منطقة الدورة في بغداد قبل وفاته بسنواتٍ قليلةٍ، إذ كنّا نتجاذب أطراف الحديث عن المقتنيات الأدبية النادرة فأفضيتُ لهُ بإمتلاكي للنسخة الأصلية للرواية المذكورة، فبادرني بالقول من أنه يمتلك نسخة منها أيضاً في نفس اللحظة التي أمتدت فيها يده الكريمة لتستلها من على أحد رفوف مكتبته الضخمة العامرة، وحيثُ ذكر لي حينها من أنه أصبح من المؤكد وجود ثلاث نسخ منها أو ربما أكثر بقليل إحداها بحوزته والأخرى بحوزتي من الأرث الأدبي لوالدي (أي بحوزة كاتب هذه السطور) والأخرى تمتلكها عائلة المرحوم مؤلف الرواية "نعوم فتح الله السحّار" الذي كان معلماً في مدرسة الآباء الدومنكيين حينها.
وربما من المفيد ذكر نبذة مختصرة عن الأستاذ المفهرست والمعجمي "كوركيس عوّاد" الذي لم يبخل من وقته على بلده وأجياله بالمشورة الأدبية والمساعدة العلمية والعطاء الأدبي الثر، وحيثُ ذكر لي ولده "باسل" وهو صديقي منذ ما يزيد على الأثنين والأربعين عاماً ورفيق دراستي الجامعية وخدمتي العسكرية بعد تخرجنا، والمقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية "من أنّ والده الجليل كان يؤجل أو حتى يلغي بعض الإلتزامات العائلية له بمجرد إتصال أحد المعنيين بالشأن الأدبي أو أحد طلبة الدراسات العليا لطلب المساعدة منه في أمرٍ ما له علاقة بالعلم والأدب"!!!، هكذا كانوا الأوائل من عظماء العراق المعطاء دائماً إنشاء الله.
وقد ذكر الباحث "كريم إينا" في بحثه الموسوم "المفكر الموسوعي كوركيس عواد" الذي نشره على موقع "قناة عشتار الفضائية" في الثاني عشر من آب سنة 2015م ما يلي:
"ولد كوركيس عواد في مدينة الموصل، يوم 9 تشرين الأول سنة 1908 وتلقى مبادئ العلم في بعض مدارسها. – واصل الدراسة في دار المعلمين الإبتدائية بغداد، وتخرج فيها عام 1926.- عمل في التعليم عشر سنوات (1926 – 1936).- في عام 1936، عين أميناً لمكتبة المتحف العراقي، وكان فيها من الكتب حينذاك 804 مجلدات فلما أحال نفسهُ إلى التقاعد سنة 1963، كانت محتويات تلك المكتبة، قد بلغت نحواً من 60000 ألف مجلد.- في سنة 1950، إجتاز دورة مكتبية في جامعة شيكاغو. – في أواخر عهده بالوظيفة، أنشئت في بغداد "الكلية الجامعة" التي أصبحت بعد ذلك "الجامعة المستنصرية". فعهد إليه رئيسها يوم ذاك أن يتولى إدارة مكتبتها التي كانت خالية من أيّ كتاب، فبدأ عملهُ بالكتاب ذي الرقم (1). فلمّا إعتزل إدارتها بعد تسع سنوات، كانت محتوياتها قد جاوزت 90000 مجلد. – أحبّ المطالعة، وأقبل على البحث والتأليف منذُ مطلع شبابه، وصار من أصدقاء الكتاب المخلصين لهُ، وإجتمعت لديه بتوالي السنين مكتبة ثمينة حافلة بأمّهات المصادر والمراجع. – نشر عدداً من المباحث، ما بين كتاب ورسالة ومقالة ونبذة، يتعلق بالتاريخ واللغة والحضارة والبلدان والتراث العربي. – في سنة 1948، أنتخب عضواً مُراسلاً في المجمع العلمي العراقي. – في سنة 1980، أنتخب عضواً مؤازراً في مجمع اللغة العربية الأردني. – وهو إلى ذلك، عضو مؤازر في المجمع  العلمي الهندي في نيودلهي. – متزوج ولهُ إبنان وإبنتان"(*).
ثمّ يضيف الباحث "كريم إينا" في مقدمة بحثه عارضاً رأيه في المفهرست والموسوعي أستاذنا الجليل "كوركيس عوّاد" قائلاً: "وكوركيس عواد المؤلف التاريخي المبدع هو مثال الإنسان للخلود . . يحول اللحظة العابرة التي قد تضيع الى لحظة حية من الإبداع الملموس . . انه أداة من أدوات التغلب على الموت". كذلك يصف كاتب البحث الموسوعي "كوركيس عوّاد" في خاتمة بحثه بصَّنْوُ "إبن النديم"، إنتهى الإقتباس من البحث المقدم بواسطة الباحث القدير "كريم إينا"، ومن يرغب من القارئات والقرّاء الأكارم في الإطلاع عليه كاملاً فسيجده على الرابط أدناه:
http://www.ishtartv.com/viewarticle,62677.html
ومن الضروري أن أوثق بشكلٍ دقيق اليوم الذي غادرتنا فيه روح مؤرخنا الجليل الى دار الخلود الأبدي لعلمي بعدم إدراجه في بعض المصادر حين تتحدث عن سيرة حياته، فلقد أسلم الروح لخالقها في يوم الأحد المصادف التاسع عشر من تموز عام 1992م، هذا ما أخبرتني به عائلته مشكورة، ومن الصُدف أن يأتي نشر هذه المقالة أو (النداء) بعد إسبوعين تقريباً من ذكرى مرور ربع قرن على رحليه.
ومن خلال متابعتي المستمرة لكل ما يُكتب عن الموسوعي النجيب "كوركيس عوّاد" ومعرفتي به عن قربٍ كوالدٍ لصديقي "باسل"، أستطيع نعته بـ "قديس الأدب والتراث العراقي"، لما كان يحمله من خصال وأدب جم وهدوء مفرط ومصالحة مع النفس ومع الآخرين وكياسة إنسانية راقية ونفس طيبة ومتواضعة وروح فيّاضة بالمحبة للجميع وإهتمام وشغف وإيثار قلّ نظيرهُ لبلده وتراثه وتاريخه ولأهل بلده دون تخصص أو تفرقة. 
وكلمتي الأخيرة أقولها لأبناء النجف الأصلاء وأدبائها من أنّ التاريخ سيسجل لهم حتماً وللقائمين على منافذها وصروحها الأدبية هذه الوقفة الجليلة والمبادرة الكريمة فيما لو إستجاب لندائنا هذا فرسان الأدب والمعرفة فيها، فمن غير المعقول أن يُكرَّم جهابذتنا في مهاجرهم من قبل الغرباء كما كُرِّم المؤرخ "جورج البنّاء" ولا يُذكر لهم أي ذكر أو تخليد لأسمائهم من خلال عطاءاتهم في بلدهم العراق!!!.
تحية إكبار وإجلال لكل أدبائنا وأعلامنا الذي أعطوا دون مقابل وتركوا لنا نتاجاتهم التي تنتظر مَنْ يقيّمها ويضعها في موضعها الصحيح وينشر مخطوطاتهم في زمنٍ أصبح النشر فيه أسهل من شرب قدح الماء وبطرق مختلفة بتطورها التقني والشكلي الجمالي.
وتحية إكبار وإجلال أخرى لكل من ينفض غُبار الزمن والإهمال عن مدوّنة أو مخطوطة أو أي عمل أدبي لأي من أدباء العراق ليحافظ عليه بإخراجه من دهاليز الإهمال والنسيان ليرى النور على يديه.

إنتباهة:
(*) ورد في مدونة المؤرخ الجليل أ.د. ابراهيم العلاف في البحث المقدم من قبله مشكوراً والموسوم "كوركيس عواد بصمة واضحة في جدار الثقافة العراقية المعاصرة" والمنشور في يوم الخميس ،20 مايو، 2010 :
من أنّ الموسوعي كوركيس عواد قد "ولد في ناحية القوش بمحافظة نينوى سنة 1908".
لكنه وحسب معلوماتي من والدي الأديب الراحل "يقين إيليا الأسود"، والمؤرخ الراحل "جورج البناء" الذي كانت تربطه مع المعجمي الراحل "كوركيس عوّاد" علاقة صداقة طويلة وعميقة ومتينة منذ الصغر، وكذلك بالعودة الى عائلة الأستاذ "كوركيس عواد" بخصوص مكان ولادة والدهم الجليل، وإستناداً الى ما ورد على لسان المؤرخ القدير "بهنام سليم حبابة" بهذا الخصوص خلال لقاء مراسل موقع "عينكاوا دوت كوم" به الأستاذ "سامر الياس سعيد"، مع العودة أيضاً الى الموقع الألكتروني للـ "المجمع العلمي العراقي" الذي كان المفهرست القدير "كوركيس عواد" عضواً فيه، تأكد بما لا يقبل الجدل من أنّ الأستاذ "كوركيس عواد" كان قد ولد في الموصل/المركز وعلى الأرجح في منطقة الميدان ثم إنتقلت عائلته الى منطقة الساعة، أي أن أصول عائلته "أباً عن جد" من داخل مدينة الموصل/المركز، ولربما هنالك التباس قد حصل بسبب خدمة الأستاذ "كوركيس عواد" كمعلم في مدرسة "القوش" الإبتدائية لمدة أربع سنوات بعد إنتقاله اليها من مدرسة "بعشيقة"، وعليه وجب التنويه مع تقديرنا العالي للجهد التوثيقي العظيم الذي يتبناه مؤرخنا الكبير أ.د. ابراهيم العلاف.

31
نصرٌ مخضّبٌ بالدماءِ الزكيةِ ـ ـ فمتى نتعض؟!!
بقلم: سالم إيليا
ثلاث سنوات مرت ثقيلة بإحداثها بعد أن سيطرت عصابة مجرمة بأيامٍ قلائلٍ على أكثرِ من ثلثِ العراق كشفت خلالها الحالة السياسية والعسكرية المزرية التي كان يعيشها البلد كنتيجة لقيادة الأحزاب الدينية بكل مشاربها ومذاهبها الغير مؤهلة بأفكارها ورؤاها لمنطق العصر والغير مدركة لتكوينة المجتمع العراقي.
وقد جَمّلَت تلك العصابة الدولية أفعالها الدنيئة بإسم أطلقتهُ على نفسها لمداعبة العواطف والمشاعر الدينية للبعض ممَنْ تُطرِبُهم نغماتها الطائفية وتطرفاتها المذهبية والدينية وكره وتكفير الآخر حتى لو كان من أقربِ المقربين أو جار مشارك لهم في الأرض بسرّائها وضرّائها!!، فإنتُهِكَت الحُرمات وسُبيت النساء وحُرقت الممتلكات وهُجّرت المكوّنات بشيوخها وعجائزها وأطفالها ـ ـ رضيعهم قبل صغيرهم الذي يحبو بعفوية الى أمام ظناً منه من إنه يحبو الى مستقبلٍ زاهرٍ وغدٍ مشرقٍ!!.
 ثمّ بدأ السيل الجارف يبتلعُ حتى مَنْ فتح سدود الحصانة المجتمعية السلمية مرحباً بشواذِ العقلِ والفكر الإنساني وفاقدي الصفة الإنسانية بكل تفاصيلها، فسمحَ ذلك البعض الخائن للوطن ولهويته الوطنية لتلك الشراذم بإنتهاك الحُرمات وأصبحَ كل شيء مباح بإسم الدين وتحت صيحات التكبير ظلماً وتزييفاًـ ـ جَزّ الرقاب والتفنن بطرق القتل التي لم تفعلها حتى الحيوانات التي لا تقتل إلا جوعاً أو دفاعاً عن النفس!! ـ ـ سَبي النساء ـ ـ خطف الأطفال ـ ـ تهجير مكونات أصيلة بكاملها ـ ـ تفجير المعالم الدينية والتاريخية وكان آخرها منارة الحدباء التاريخية وجامعها النوري (الكبير) ـ ـ سرقة الأثار والنفائس من القطع التاريخية التي لا تقدر بثمن ولا يمكن تعويضها ـ ـ سرقة الذهب الأسود والأصفر وكل ما نالته أياديهم الدنيئة ـ ـ حرق الكتب والمخطوطات النفيسة ـ ـ إيقاف التعليم العلمي وإستبداله بالتعليم المُحرِّض على العنفِ وكراهية الآخر وتحويل الكليّات الى أبنية ومعامل لصناعة أسلحة القتل والتدمير ـ ـ فرض القوانين الشاذة ليس عن منطق هذا العصر فحسب وإنما الشاذة على مر العصور، فنال ما نال مِن الأذى الملايين من أبناء المناطق المحتلّة مِمَنْ لم يكن لهم "لا ناقة ولا جمل" بمجملِ تلك الأفكار الغريبة والدخيلة على مجتمعهم في تكريت والأنبار وديالى ونينوى وغيرها مِن الأقاليم العراقية، فهُجِّروا زرافات زرافات الى المجهولِ تحت وابل القصف العشوائي من هذا الطرف أو ذاك وهُدّمَت البيوت على ساكنيها، وتزايدت أعداد الضحايا والأرامل واليتامى وكأنّ المجتمع العراقي لم يكتفي بعد من الأعداد المذهلة لضحايا الحروب ومآسيها!!، وحيثُ أصبح اللون الأسود يغطي الأجساد والحيطان.
 لكن مَنْ بيدهم دفة السياسة الغبية والملعونة لم يكتفوا بعد من رؤية مشاهد الدمار والخراب، وحيثُ لا يزال التعنت يركبُ رؤوسهم الخاوية إلا من معتقداتهم وأيديولوجياتهم الحزبية التي إبتلى بها المجتمع العراقي منذ بداية الثلاثينات من القرن المنصرم ولحد هذا اليوم!!، فما الذي جنيناه منها غير البؤس والآلام والتصدع المجتمعي؟!!، فبات الأخ يعادي أخيه ـ ـ لا بل ينحره بدمٍ بارد وقلبٍ ميتٍ ويدٍ ثابتةٍ كيد قابيل عندما حزّ رقبة أخيه هابيل!!.
 فهذا أُممي يطالب بفرض إشتراكيته حسب نظريته التي يُؤمنُ بها وحيثُ فشلت بإمتياز في جميع البلدان التي حاولت تطبيقها!!، وذاك قومي يَرغبُ بصبغِ المجتمعِ المتعدد الأعراق والأجناس بصبغته التي لا يُهادن على فلسفتها الأحادية!!، والآخر ديني لَبسَ "عمامة" التعنت والتطرف المذهبي وصاحَ برعاعِ القوم "حيَّ على الجهاد" لقتل القومِ الكافرين حتى وإن كانوا إخوة له في الدين لكنهم إجتهدوا برؤيتهم التي تعارضت مع رؤيته!!، وفي خِضَم هذه المتناقضات أضعنا هويتنا الوطنية وسحقناها تحت أقدام الجحافل السياسية الثائرة والمتشبعة بتلك الأيديولوجيات، وسَحِقنا معها "المواطنة" وأصحابها ممن كانوا يجلسون على مدارجِ حَلبة الصراعات السياسية بملايينهم ينظرون بأسى وحزن مشاهد السحل في الشوارعِ وردود أفعالها ـ ـ والتعليق على أعوادِ المشانق وعسكرة المجتمع وتسييسه ـ ـ وصعود المتصيدين والوصوليين ومتعطشي السلطة وإمتيازاتها الى مواقعِ القرار لإدارة البلد.
 وتكالبت قوى الشر من هذا الحلف وذاك البلد لإذكاء النار المستعرة وديمومة حرائقها التي أتتِ على الأخضر قبل اليابس ـ ـ كيف لا والكل يبحثُ عن ليلاه إلاّ (أولاد الخايبة) فهم يتطوعون مجاناً لمد يد العون للغرباء لتسهيل مهماتهم في القتل والتدمير وحصد الغنائم من البلد المباح بأرضه وشعبه ـ ـ فنحن لا نجيد التخطيط فنتركه للعم سام والعم أبو ناجي ومن لفّ حولهم من الحاقدين من العربان والفرس والعثمانيين ليمرروه الينا لتنفيذه حتى دون فرز صالحه من طالحه ـ ـ فهم لا يجدون أفضل منّا في التنفيذ المدمر ـ ـ لا بل نفاجئهم بنجاح نتائجه بأكثر مما خططوا ومما يتوقعون منّا ـ ـ كيف لا ونحن الكرماء دائماً حتى شمل كرمنا نحر مواطنينا في كل زقاق وحي إكراماً للمخططين!! ـ ـ وحيثُ أننا (ملوك) التدمير لكل ما تركه لنا السلف الصالح!! ـ ـ وكوننا (نفتخر) بأننا الخلف الطالح!! ـ ـ  فيا لبؤسنا وسذاجتنا ـ ـ ويا لجهلنا وضحالة فكرنا ـ ـ فالى متى نبقى مطيّة لهذا وذاك حتى لِمن كنّا لا نحسب لهم حساب في الأمس القريب!! ـ ـ فبتنا اليوم نذهب اليهم زاحفين على بطوننا وفوداً وفرادى نتوسلهم ونقبّل أكتافهم ليمنّوا علينا بكلمةِ عطفٍ وصدقةٍ تخرجُ من أفواههم المُزْبدة ذو الرائحة النتنة وبعلياءٍ وتشفّي على ما آل اليه حالنا!!.
ويا عجبي على من أطلقوا على أنفسهم رجال سياسة وحكم وهم يتباهون بضخامة شواربهم لكنهم قد غسلوا وجوههم بالبول ـ ـ فذاك الذي سَخّرَ أبواق آلته الإعلامية لتقول بكل صلافة لنا وللعالم الذي شهد على هزيمته المنكرة بأنه إنتصر بعد أن فعلت آلة الدمار المعادية بكل أنواعها ومسمياتها فعلها في القتل الجماعي والتدمير وخسارة شعبه لكل شيء من الألف الى الياء حتى خسر هو نفسه بأذل الطرق وأرذلها لكنه لم يتنازل حتى آخر لحظات حياته عن غروره وعنجهيته الفارغة!!! ـ ـ وهذا الذي يتربع الآن على منصب نائب رئيس الجمهورية كمكافئة له على هزيمته وهو بطل تسليم ثلث العراق بأيام معدودة لعصابة لا تتجاوز المئات من شراذم تقيئتها مجاري المياه الثقيلة لدولهم فرمت بهم الينا ليَحكموا ويتحكموا على شعب إبتلى بالفاشلين من السياسيين أو مِمَنْ أطلقوا على أنفسهم هذه الصفة التي من المفترض أن يكون صاحبها متقد البصر والبصيرة وليس جاهلاً وغبياً ومنحرفاً وممتلئاً بالعقدِ النفسيةِ.
فأي نصرٍ هذا الذي نتكلم عنهُ وقد خُضِّبَ بدماءِ الآلاف من أصحابِ الغيرةِ المقاتلين بكل صنوفهم من كل قرية ومدينة عراقية ودماء المدنيين الأبرياء بعد أن إستغرق عودة المدن المدمرة بالكامل الى أصحابها ردهاً من الزمن وبعد أن سُلِبت بأيام على يد الرُعاع وهي في عِزّ زَهوها ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل والجرحى المقاتلين الأبطال لا يزالون يناشدون السياسيين بتوفير الخدمات الطبية لهم وصرف رواتبهم ورواتب إخوانهم من الشهداء ـ ـ وكيف لنا أن نتغنى بنصرٍ تعلو على صوته أنين وصرخات الحرائر المسبيات الأيزيديات ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل بنصرٍ لا تزال فيه مئات الآلاف من العوائل مشردة في الصحارى والبراري تعاني ما تعاني!! ـ ـ وكيف لنا أن نحتفل بنصرٍ كان ثمنه إختفاء منارة الحدباء وجامعها النوري ومراقد النبي شيت والنبي يونس والنبي جرجيس والأديرة والكنائس التاريخية ودور العبادة لبقية المكونات وآثار أجدادنا التي تركوها لنا شاهداً على تحضرهُم ونحن أزلناها من على وجه الأرض كشاهدٍ على تخلفنا وبؤسنا.
 فلا نصر يكتمل إلا بمحاسبة السياسيين الفاشلين والقادة العسكريين المتخاذلين ممن كانوا سبباً على الهزيمةِ ـ ـ ولا نصر يكتمل إلا بمعاقبة أفراد تلك العصابات ومن وقف معهم بالفعل والقلب واللسان ودعاهم "بالمجاهدين" ظلماً وعدواناً ـ ـ ولا نصر يكتمل إلاّ بطرد عوائل المجرمين من الموصل والأنبار وتكريت وسامراء وديالى ممن كانوا على علمٍ بأبنائهم وكانوا حاضنة للدواعش ليكونوا عبرة لغيرهم ـ ـ ولا نصر يكتمل إلا بإعادة بناء ما دمرته الحروب اللعينة وبصروح وأنظمة أفضل من أفضل البلدان التي كنّا بالأمس القريب نتفضل عليها وعلى شعوبها ونرثي لحالها، فشعب العراق الذي عانى ما عانى يستحق أن يعيش مثلما تعيش غيره من الشعوب، وحيثُ كنّا نتمنى أن يكون لدى السياسيين الفاشلين ذرّة من الغيرة ليعاقبوا أنفسهم وينهوا حياتهم ليكون لشواربهم معنى رجولي بحق تحت أنوفهم التي مُرِّغَت بالتراب.
ومتى نتعض ونتعلم من أخطائنا ونستغني عن التشبث بأحادية معتقداتنا والغاء الآخر الذي هو شريكنا في الوطن والعزوف عن الخلط ما بين إنتماءاتنا الدينية والقومية والوطنية لنحيا كما يحيا غيرنا في القرن الواحد والعشرين.
فهل وصل الى غايته مَنْ رحّب "بالمجاهدين" وصفق لهم بتدمير منارة الحدباء وجامعها الكبير ومراقد الأئمة والأنبياء ودور العبادة الدينية والصروح التاريخية والمتاحف والمكتبات ودور العِلْم والمعرفة حتى لم يسلم من التدمير حارة أو زقاق أو بيت؟؟!!، وهل شفى غليله نزوح مئات الآلاف من  العوائل الكريمة من كل مكونات المجتمع ودمار الأحياء والبيوت على ساكنيها؟؟!!، وهل تنبه الآن مَنْ أيّدهم (وبعد فوات الآوان) الى مَنْ أرسل هؤلاء "المجاهدين" والغاية منهم؟؟؟!!!، فلا ماء ولا كهرباء ولا حتى هواء نقياً بدءاً بالعاصمة بغداد الى أبعد ناحية في العراق الذي حباه الله بكل مقومات العيش الرغيد لكنه أسير بيد رعاع القوم ودونهم الذين نعتوا أنفسهم بالسياسيين وأمتهنوا (مافيا) السياسة في أزقة وأروقة الأحياء المشبوهة في بلدان اللجوء.     
         

32
الشهيدة منارة الحدباء أنقذها من الموت "عبودي الطنبوره چي" وإغتالها داعشي!!
بقلم: سالم إيليا
كنتُ أتواصل تلفونياً مع إحدى أخواتي التي تسكن مع عائلتها (قسراً) كمغتربة في إحدى البلدان الأوربية في مساء يوم الأربعاء المصادف الحادي والعشرين من حزيران/2017م، وإذا بها تصرخ ـ ـ ويييييييي ـ ـ فجروا المنارة (أثناء محادثتها معي كانت تشاهد القنوات العربية كالمعتاد من خلال شاشة التلفاز التي أمامها)، كنتُ حينها خلف مقود السيارة على إحد الطرق السريعة وكانت زوجتي بجانبي فكُدت أن أحرر كلتا يدي لأشبك بهما على رأسي وصرخت مستفهماً منها بجملة (لا مستحيل الرجاء تأكدي من الخبر) فجائني الجواب منها بعد لحظات من الصمت الرهيب بأنّ الخبر صحيح!!!!، قلت لها كلمتي "لا مستحيل" لأنني لم أكن أتوقع أن تصل الدناءة والخسة واللؤم والجهل بالفاعلين الى هذا المستوى ـ ـ لماذا؟!!، لأنني وغيري من المتابعين ربما نجد سبباً (فقهياً) كما يدعون بترويجهم لأفكارهم وأحكامهم وسيكولوجية أتباعهم عندما فجروا أضرحة الأنبياء على إعتبار إنها قبور!!، ولا أعلم بأي منطق أو مفهوم (فقهي) يتم تفجير ضريح لرسول أو نبي ذُكِر إسمه في الكتب المقدسة للديانات الإبراهيمية الثلاث؟؟!!، وبأي مفهوم تم تفجير وتدمير الأثار على إعتبار إنها أصنام؟؟!!، وحيثُ أنّ المنصف والمتنور يعتبرها أعمال فنية رائعة تبين عظمة الخالق في خلقه حين منح البعض منهم مواهب دون غيرهم!!، فنحتوا هذا الصخر لإبراز جمالية المقدرة البشرية وإبداعها التي خصّهم بها الخالق دون غيرهم من الكائنات الحيّة!!، فهل يستطيع أي حيوان نحت طينة أو صخرة ليحيلها الى عمل إبداعي؟؟!!، الجواب بالطبع لا، لماذا؟ ـ ـ لإن الخالق أكرم الإنسان بالعقل ليميزه عن باقي الكائنات الحيّة!!، والخالق أيضاً وضع الحدود لمقدرة البشر وإبداعاتهم لكي لا يتوهم البعض منهم أنّ بإستطاعتهم تجاوز حدودهم البشرية، ولهذا فمهما بلغ النحّات من مقدرة وفن فأنه لا يستطيع تحويل نحته أو عمله الفني الى كائن حي ويبث الروح فيه، لأن هذا الأمر هو من إختصاص وقدرة الخالق الذي وضع الحد الفاصل بينه وبين المخلوق ـ ـ أي بين الإله والإنسان!!!، فالإنسان المؤمن السوي هكذا يفهم الأمور وهكذا يؤمن من أنّ الخالق لا يحتاج الى وصاية أو حماية من أحد للدفاع عن عظمته ومقدرته التي لا يستطيع خلقه منافسته عليها، فهو الذي وضع القوانين الإلهية وهو الذي صاغ الإنسان بحدود لا يستطيع تجاوزها مهما بلغ من المقدرة!!، إذن لماذا هؤلاء المتشددون يدمرون التماثيل التي مِن الإستحالة على مَنْ نحتها أن ينفخ الروح فيها؟؟!!، كذلك ليس هنالك أي خوف ونحن في القرن الواحد والعشرين من أن يأتي أحدهم ليقدم فروض الطاعة والتأليه لهذه التماثيل والحجارة كما كان يفعلها الأولون جهلاً وتخلفاً، فالزمن الحالي غير ما كان عليه البشر قبل الف أو الفي عام، إذن ممن الخوف؟؟!!.
وربما نعرف أيضاً سبب حقد المتشددين على دور العبادة للمكونات الأخرى من كنائس وأديرة ومعابد للديانات القديمة كالأيزيدية وغيرهم.
لكن لنعود الى الشهيدة منارة الحدباء وجامعها، فهي ليست ضريح وليست تمثال وليست معبد أو دار عبادة للأديان المرفوضة بالفكر الداعشي لتدخل ضمن مفهوم المتشددين على أنها حرام ويجب إزالتها من على وجه الأرض!!، وإنما دار عبادة حالها هي وجامعها كحال أي منارة جامع آخر، ولو كانت تُعتبر غير ذلك برأي المتشددين فلماذا خصّها البغدادي بإعلان خلافته من على منبر جامعها، إذن السؤال الذي يفرض نفسه لماذا فجروها؟ هل هو الخوف من إنهيار معنويات من تبقى منهم كونها مثلت رمزاً لهم بعد ظهور البغدادي وخطبته المشهورة من على منبرها؟؟؟، أم نكاية بالقوات المقاتلة لحجب فرحتهم بالوصول اليها؟؟؟، أم نكاية بالموصلين الذين لم يدعموا في معظمهم دولة الخلافة المزعومة؟؟؟، أم هنالك أصابع حاقدة خفية ترغب بإنتهاز حالة الفوضى فدست من يفجرها من المتشددين حالها حال كل الصروح التاريخية دينية كانت أم عمرانية؟؟؟.
وهنا أقف للمقارنة بين فعل وفعل آخر مضاد له في كل المعاني والمعايير الإنسانية، وحيث أنّ الفرق الزمني بين الفعلين لا يتجاوز (78) عاماً وهو عُشُر (أي واحد من العشرة) من عمر المنارة أو ما يزيد قليلاً (عمر المنارة بحدود 850 سنة).
الفعل الأول كما حدّثنا عنه تاريخ الموصل القريب يعود لحكاية حقيقية ربما لا يزال البعض ممن عاصروها على قيد الحياة تتكلم عن شخص يمتهن مهنة البناء إسمه "عبود الطنبوره چي" وباللهجة الموصلّية يدعونه بعبودي الطنبوغه چي ـ ـ و"عبودي الطنبوره چي" إنسان كادح بسيط من مسيحيي الموصل كان يعمل خلفة أي (أسطة) أو عامل بناء ماهر مع بقية إخوانه الموصليين من جميع المكونات في هذا الصنف (الكار أو الكاغ) كما يُطلق الموصلييون عليه والذي يمتاز بكثرة مشاهيره محلياً من جميع مكونات المجتمع الموصلّي المتجانس حينها، وفي سنة 1939 (بعض المصادر تذكر سنة 1940م) تحديداً أرسل متصرف الموصل (محافظ الموصل) بطلب عبودي الطنبوره چي لسمعته الجيدة في مجال مهنته وكلّفه بترميم الجزء المتهدم من منارة الحدباء والذي يقع في وسطها من الخارج وحيثُ كان يُعتبر الوصول اليه ضرب من الخيال لعدم توفر الإمكانيات من الأليات والعُدد المطلوبة، وبعد أن (درس) الإسطة عبود الحالة بصعوده على سطوح البيوت المجاورة للمنارة لمشاهدة الجزء المتهدم من مسافات أفضل من رؤيته له من على الأرض قرر المجازفة بحياته بإستخدامه لصندوق صنعه له النجارون بناءً على طلبه وربطه بحبال من أطرافه ودعا ستة من عماله الأقوياء الى الإمساك بإطراف الحبال لينزلوه مع عُدَدِه وما يحتاجه من مواد البناء من أعلى المنارة الى الجزء المتهدم من الجهة المائلة للمنارة!!، وجرت محاولات عديدة صعوداً ونزولاً للصندوق الخشبي وبداخله الإسطة (عبود) للوصول الى هذا الجزء حتى إستطاع الوصول اليه والمئات أو ربما أكثر من الناس المتجمهرة حول المنارة وجامعها وسطوح البيوت المحيطة بها كانت تنظر اليه حابسة أنفاسها وتدعوا له بالنجاح في مهمته، وحيثُ كانوا مساعديه الذين يمسكون بالحبال يعدون الثواني لإنهاء هذه المهمة الصعبة خوفاً من إخفاق أحدهم بالمطاولة في مسك الحبل فيحرره وعندها سيخسر عبود حياته!!، وخلال ترميم عبود للجزء المتهدم الذي عشعشت فيه الطيور تفاجأ بوجود ثعبان كبير كان يتوقع وجوده لفطنته العالية، وحيثُ كانت حينذاك تتواجد الثعابين في داخل الموصل وبيوتها التي تحتوي في أغلبها على السراديب التي تعتبر الملاذ الآمن لبعض الزواحف ومنها الثعابين، وكان عبود قد أخذ الحيطة لمثل تلك المفاجئات بضم مذراة الحصاد الى عُدده التي حملها معه، وبشجاعة وسرعة خاطفة سحب الثعبان من الفتحة بواسطة المذراة ورماه أرضاً وحيثُ تكفل مَنْ هم على الأرض بقتله.
وبعد أن أنهى "عبودي" عمله على أحسن ما يرام وسط هلاهل وتصفيق الجموع المحتشدة سأله متصرف (محافظ) الموصل عن أتعابه وأتعاب فريق عمله، فقال له "عبودي" مؤشراً على الجامع ومنارته: هذا بَيتُ مَنْ؟؟؟.
أجابه المحافظ: هذا بَيت الله.
قال له "عبود الطنبوره چي": إذن حسابي سيكون عنده وليس عندك وسط ذهول مَنْ كان حاضراً!!!، ثمّ دفع مِن جيبه الخاص أجور عُماله وتحمل مصاريف عمل الصندوق الخشبي الذي حملهُ وجميع مصاريف العُدد ومواد البناء التي إستخدمها لتنفيذ مهمته.
والروابط أدناه بالتتابع للباحثين والكتّاب الأفاضل: أزهر العبيدي والقصة التي كتبها بقلمه (حكايات عمّو مشتاق الدليمي/ حية البيت: الجزء الثاني/ عبودي الطنبورجي ومنارة الجامع الكبير) والدكتور غازي رحّو نقلاً عن ما أعده الكاتب مؤيد ناصر وكذلك الدكتور سيار الجميل، وجميعهم كتبوا ونقلوا حرفياً فعل "عبود الطنبوره چي" الحسن، وهنالك آخرين من الباحثين الأجلاء كتبوا عن هذا الحدث أيضاً ووثقوه بتفاصيله:
http://www.baytalmosul.com/1575160416051607160615831587-1587157516041605-1575160415811587160016001608/15
https://www.youtube.com/watch?v=z7UYhXLWgzY
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=640703.msg5909445#msg5909445
http://www.algardenia.com/maqalat/30695-2017-06-27-16-39-12.html
الرابط أدناه لحفيد عبود الطنبورجي (وأسمه جرجيس) وقصته مع محافظ الموصل سنة 2014م، كما نشرتها صحيفة المدى في عددها (3070) ـ السبت 03/05/2014:
 http://almadapaper.net/ar/printnews.aspx?NewsID=463836
ولكي نصل الى المقارنة بين الفعلين، فإنّ "عبود الطنبوره چي" لم يتصرف إعتباطاً في موقفه النبيل هذا لأنه شعر عندما قرر مع نفسه المجازفة بحياته التي لا تساويها كنوز الأرض لتصليح وترميم منارة (بيت الله) لقيمتها الدينية والتاريخية وعَلِمَ بفطرته مِن أنّ أسمه سيخلده التاريخ وسيذكره في صفحاته الناصعة.
أما مَنْ فجّرَ في لحظات مجنونة ما بناه ورممه "عبود الطنبوره چي" فسيلعنهُ التاريخ في نفس كتابه لكن في صفحاته المظلمة، وسيبقى الموصليون والعراقيون يتذكرون الفعل الحسن لعبود والفعل السيء لمَنْ هدّم المنارة، وسيبقى التاريخ أيضاً يذكر في صفحاته السوداء زمننا (الأغبر) وسياسييه الذين سلموا لتلك العصابات مدن وأقاليم بكاملها ولم يستطيعوا الحفاظ على تراثهم وآثارهم.

 

33
على هامش تداعيات تصريحات رئيس الوقف الشيعي ـ ـ برنامج "بالحرف الواحد" وتقييم متابع
بقلم: سالم إيليا
على الرغم من ذهاب وفد من الوقف الشيعي كما ذكرت الأخبار الى مقر البطريركية الكلدانية وتقديمه الإعتذار لما ورد على لسان رئيس الوقف الشيعي خلال إحدى خطبه قبل ثلاث سنوات تجاه المسيحيين ونعتهم (بالكفار) حسب ما أوردته الأنباء وما الى ذلك!!، وعلى الرغم أيضاً من سحب الفديو من اليوتوب، إلاّ أنّ تداعياته لا تزال قائمة ومتداخلة مع الكثير من الأسئلة التي يتقدمها التساؤل الذي يفرض نفسه وهو عزوف رئيس الوقف الشيعي لمشاركة الوفد الذي قدم الإعتذار وهو الشخص المعني بتقديم الإعتذار!!، فهل هذا يعني تمسكه بخطابه وما ورد فيه؟؟؟!!!، ولماذا إستنكر الآن بيان البطريركية الكلدانية ونوّاب مكونهم في البرلمان هذا الخطاب وبعد مرور ثلاث سنوات عليه والذي ربما يؤكد تقاعس الجهات الدينية والسياسية المسيحية عن كل ما يسيء الى مكونهم وعدم مواكبتهم للحدث في لحظته؟؟!!، وهل له علاقة بقرب الإنتخابات ولعبتها بالنسبة لنوّاب المكوّن المقصود بالإساءة؟؟!!، ولماذا تم تداول هذا الفيديو في هذا الوقت العصيب ونحن على أبواب التحرير النهائي للأراضي العراقية من براثن عصابات داعش الإرهابية والخطوات التي ستليها في تحقيق المصالحة المجتمعية؟؟!!، وما هي الغاية من إثارة الموضوع الآن دينياً وسياسياً؟؟!!، وهل له علاقة ببيان بعض المكونات المسيحية للمطالبة بحكم ذاتي لمناطقهم في سهل نينوى؟؟؟، ومن هي الجهة التي تقف وراء نشره؟؟!!، والكثير من الأسئلة الأخرى المطروحة حتى وصلت تداعياته الى قيام بعض المواقع الألكترونية بإعادة نشر بيان المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني الذي أصدره في 22/جمادي الآخرة 1427 هـ (19/تموز/2006 م) أي قبل ما يزيد على أحد عشرة سنة للتذكير برفض الممارسات والخطابات الطائفية أياً كان نوعها.
رابط بيان المرجع الديني السيد علي السيستاني:
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=840294.0
وحيثُ سارعت الفضائيات ومنها "قناة الشرقية" الى عرض ونشر تداعياته، خاصة بعد إستنكار البطريركية الكلدانية ببيان موَقّع من البطريرك لويس ساكو وبيانات أخرى لبعض السياسيين للمكون المسيحي على ما جاء في تصريح رئيس الوقف الشيعي ومطالبته بالإعتذار ومخاطبة جميع المنابر الدينية من خلال بياناتهم الى التوقف عن نشر وترويج الخطابات التحريضية ضد مكونات عراقية دينية وإثنية أصيلة وحثّهم على نشر لغة الحوار والمجتمع الواحد بين جميع المكونات.
فقد خصصت قناة الشرقية المعروفة بتوجهاتها حلقة كاملة لبرنامجها "بالحرف الواحد" لمعدّه ومقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال لهذا الحدث، وحيث حَمَلت الحلقة عنواناً مثيراً للجدل يدلل على الواقع المأساوي للعراق، إذ عُنْوِنت الحلقة بـ "الدين لله والوطن للمسلمين"!!!، وحيثُ إستضاف مُعد ومقدم البرنامج كل من سيادة المطران شليمون وردوني المعاون البطريركي للكنيسة الكلدانية والشيخ خالد الملاّ رئيس جماعة علماء العراق والشيخ مجيد العقابي /الكاتب والباحث الإسلامي، وبعد مشاهدة البرنامج لأكثر من مرّة تولدت لي ملاحظات أعرضها كمتابع مهتم لِما يجري في العراق:
ـ ترَكتْ المقدمة الأكثر من جيدة التي وردت قبل البدء بمحاورة الضيوف أكبر الأثر في نفس المُشاهد الوطني الذي ينشد الى مجتمع مدني يتساوى في واجباته وحقوقه المواطن العراقي بشكلٍ عامٍ، لكنها (أي المقدمة) وللأسف لم تكن حلقة الوصل بين ما تم طرحه فيها من تساؤلات مشروعة وبين ما تم مناقشته أو محاورته من قِبل الضيوف فيما بينهم أو ما بين مقدم البرنامج وضيوفه، وحيثُ إنسحب الجميع الى فخ التكتل الفئوي والدفاع عن مكوناتهم بشكلٍ أو بآخر!!.
 فالمطران "شليمون وردوني" دافع عن مكونه بطريقة ساذجة وبسيطة تاركاً بقية المكونات المتضررة الأخرى من جرّاء مثل تلك الخطابات لتدافع عن نفسها!!، وسأتي بشيء من التفصيل على الإخفاقات التي وقع فيها والتي لا تعطي للمتلقي أو المُشاهد أية بيّنة أو دليل واضح على (ظاهرة الكراهية) والعداء من البعض المتطرف لمكوّنه وبشكلٍ علمي ومنطقي يُقنع المتابع بما يدعيه رؤساء مكونه ورعيته.
 أما الضيف عن المكوّن الشيعي الشيخ "مجيد العقابي" وعلى الرغم من تظاهره بالإعتدال الفكري والإنفتاح المذهبي!!، إلاّ أنّ خطابه أو مناقشته كانت تبريرية غير مقنعة أسقطته بشكلٍ واضحٍ في خندق الدفاع عن مكونه وعلى مبدأ "إنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" على الرغم من إستعراضه لتاريخه المعتدل والمنفتح على بقية المكونات!!.
ولكي أكون منصفاً فإنّ رئيس جماعة علماء العراق الشيخ "خالد الملاّ" كان أكثر الضيوف إعتدالاً في خطابه والأكثر منهجية ومنطقية في طروحاته، وحيثُ تجاوز في الكثير من الأحيان السقوط في خندق الطائفية على الرغم من ردود أفعاله القليلة التي حاول السيطرة عليها والدفاع عن وجهة نظره تجاه ما يطرحه الضيفين الآخرين ومقدم البرنامج، ولقد كان واضحاً في تقبله لِما الصق بمكونه نتيجة أفعال بعض المتشددين عارضاً الحلول المنطقية الواضحة في تغيير الخطاب الديني المتشدد ومناشداً الجميع للسيطرة عليه وتغييره بخطاب آخر يتماشى مع روح العصر وليعكس جوهر الدين الحقيقي وهدفه، لا بل إستطاع ملئ الفراغ الثقافي والمعرفي لممثل المكوّن المسيحي وأخذ زمام الدفاع عنه وعرض تظلّم هذا المكوّن وهذه نقطة تحسب له!!!.
ـ لقد وفِقّ مقدم البرنامج أحمد ملاّ طلال في إختيار ضيفه رئيس جماعة علماء العراق الشيخ خالد الملاّ، لكنه في نظري أخفق في إختيار ضيف المكوّن الشيعي وكنتُ أتمنى لو كان الضيف رجل الدين أياد جمال الدين ليتماهى أكثر مع الشيخ خالد المُلاّ بفكره ونظرته الدينية الحداثوية التي بلا أدنى شك نحن بأمس الحاجة اليها الآن لطرحها وتَبَنيها خدمة للدين والمجتمع معاً.
أمّا من ناحية إختيار مقدم البرنامج لرجل الدين المسيحي المطران شليمون وردوني فلا أعلم هل اللوم يقع عليه أم على البطريركية الكلدانية التي لا تزال لا تحسن الإختيار لِمن يمثلها في مثل هذه البرامج المهمة على القنوات الفضائية أو المؤتمرات الدولية؟؟!!، وحيثُ لا يزال أصحاب المراكز العُليا فيها متشبثين بـ "الأنا" لتمثيل مكوناتهم على الرغم من فشلهم المتكرر في إيصال مظلوميتهم سواء للطرف المقابل أو المحافل الدولية، فليس عيباً أن لا يستطيع رأس الهرم التحاور مع الآخرين بمنطق الحجج والحكمة والثقافة العالية الدينية أو التاريخية على الرغم من حمله للشهادات اللاهوتية والفلسفية العليا المختلفة، ولهذا نجد من أنّ الدول أوجدت لها وزير خارجية وأعتبرته رئيس الدبلوماسية الممثل لها على الرغم من وجود الأعلى منه منصباً في السلطة التنفيذية كرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. فموقف المكوّن المسيحي صعب ويحتاج الى محاورٍ "لَبِقٍ" وملمٍ ونبيهٍ في طريقة عرضه لمأساة مكونه أو مجمل المكونات المتأثرة بالأحداث المأساوية وأن يستطيع الإجابة على الأسئلة التي تُطرح عليه خاصة في مجال خلط الأوراق ونفي تعرض مكونه لظاهرة الإقصاء والتهجير من قبل المتشددين من الطرف الآخر وتحت مبرر إنّ ما تعرض له مكونه من مآسي قد تعرض له كل أبناء الشعب العراقي وبالقفز والإلتفاف الذكي على النسب المئوية لبيان الضرر الفعلي للمكون وديموغرافية تواجده في العراق قبل وبعد الأحداث، فالمكوّن الأيزيدي مثلاً كان الأكثر ضرراً بمقدار المئة بالمئة بالنسب المئوية على الرغم من أن ضحاياه عددياً لا تتعدى العشرين الف الى الخمسين الف كما يشاع من الشهداء والنساء المسبيات والبقية الباقية منه قد هجّر والذي يصل عددهم الى النصف مليون، فمن غير العدل أن نحاججهم من أن ضحايا المكوّن العربي من المسلمين في العراق جرّاء العنف الطائفي قد تجاوز أعداد الأيزيديين من مجموع ثلاثين مليون (أقدم إعتذاري لقرّائي الأعزاء عن دخولي في تفاصيل المكونات لأن طبيعة الندوة في قناة الشرقية كان بهذا الإتجاه)، ونفس المقارنة يخضع لها المكوّن المسيحي الذي فقد خمسة وسبعين بالمئة من مجموعه بين مهاجر ومهجّر ومفقود وشهيد، وهذا الأمر يسري على معظم المكونات الأخرى من الصابئة المندائيين الذين لم يكن حالهم بأفضل من أولاد خالتهم المسيحيين والتركمان والشبك والكاكائين وغيرهم.
  فهل أنّ إختيار مقدم البرنامج لضيوفه جاء عن قصد ليرجّح كفة على الكفة الأخرى؟؟!!، أم إنّ عدم المامه بشكلٍ واسعٍ بخلفية ضيوفه المعرفية والفكرية أوقعته في الإخفاقات وعدم بلوغ الحلقة المخصصة للموضوع المطروح لهدفها؟؟؟!!!.
ـ نعود لنركز على المحاور لممثل المكون المسيحي كونه المعني الرئيسي بهذه الحلقة أو البرنامج:
فقد كان على البطريرك لويس ساكو الذي إستلم مكونه من خًلفِهِ الكاردينال "عمانوئيل دلّي" بأردئ حالته وتشرذمه بين مهاجر ومهجّر ومفقود ومختطف وضياع ممتلكات الرعية وممتلكات كنيستهم التاريخية والوقفية التي أهدرها الفساد في عصر سلفه، وحيثُ وعد البطريرك لويس ساكو رعيته في الإعلان بشفافية عن الأموال والممتلكات (الضائعة) عند تسنمه منصبه، لكنه وللأسف لم يفي بوعده ولحد علمي!!!.
أقول كان عليه حال تسنمه منصبه أن يختار فريق محاور ثابت عالي الحُجّة والثقافة والمعرفة القانونية والتاريخية ليكون دائماً مستعداً لشرح ظروف مكونه وما آل اليه حاله بطرق علمية ومنطقية وتاريخية توثيقية دقيقة جداً بأعداد المهاجرين خارج العراق والمهجرين داخله وأماكن تواجدهم داخل العراق وخارجه واعداد الضحايا والمحتجزين والمخطوفين وما تبقى من مكونه في العراق بشكلٍ دقيق جداً أيضاً معتمداً على سجلات الولادات والوفيات وشهادات مطلق الحال وغيرها التي تحتفظ بها الكنائس، وإن يتم تخصيص فريق عمل من رجال الدين والعلمانيين في كنيسته لديمومة ومتابعة تحديثها ونقلها على أقراص الكمبيوتر وبنسخ متعددة تحتفظ بها الكنيسة في أماكن مختلفة ليتجاوز هو ومن في معيته الإحراجات حين يُسأل عنها في المحافل الدولية وعلى الفضائيات الإعلامية فيعطي أرقام تخمينية ربما تكون بعيدة عن الواقع ولا تقنع المتلقي!!، وكان عليه وعلى رؤساء المذاهب المسيحية الأخرى تكوين غرفة طوارئ جاهزة على مدار الساعة لمواجهة الأزمات خاصة بعد حادثة كنيسة "سيدة النجاة" المأساوية.
وربما هذه المرة الأولى التي أتدخل فيها كناقد لأقطاب المكون المسيحي ورجال الدين فيه، لأنني أؤمن بضرورة الكتابة عن ما يتعرض له العراق ككل، لكن المستوى الضعيف الذي يتكرر في ظهور غالبية المحاورين السياسيين والروحانيين للمكون المسيحي دفعني للتنبيه له، ليس لأجل الإنتقاص والتشهير لكن لمعالجته وتصحيحه، وكمثال بسيط لذلك فلم يكن المطران شليمون وردوني موفقاً للإستشهاد بالآية القرآنية (29) من سورة الكهف: "فمَنْ شَآءَ فليُؤمِنْ وَمَنْ شَآءَ فَليُكفُر"، ولسبب بسيط من أنه لم يقرأ أو يطلع على تكملة الآية التي تهدد وتتوعد الكفّار بالنار!!، وهو بهذا الإستشهاد الذي ليس في محله يضع مكونه بموضع "الكفّار" وهذا غير صحيح، فالمسيحيون ليس بالكفرة يا من تدافع عنهم، وكأنك أردت القول للطرف الآخر: (بأنهم مؤمنون وهذا خيارهم ونحن كفّار وهذا خيارنا فدعونا وشأننا)!!، إذن لماذا أتيت الى هذا البرنامج؟!، اليس إحتجاجاً على ما تفوه به رئيس الوقف الشيعي بنعت المسيحيين بالكفّار وحسب ما أوردته بياناتكم؟!!.               
الرابط أدناه لحلقة برنامج "بالحرف الواحد" الذي عرضته قناة الشرقية الفضائية  لمقدمه الإعلامي أحمد ملاّ طلال والخاصة بتداعيات تصريح رئيس الوقف الشيعي:
https://www.youtube.com/watch?v=5zNvagvUMvc
الرابط أدناه لتوضيح رئيس ديوان الوقف الشيعي الشيخ علاء الموسوي على ما جاء في محاضرته قبل ثلاث سنوات:
http://www.ankawa.org/vshare/view/10405/ala-almosawi/
وربما لي وقفة أو نقطة نظام على الشيخ علاء الموسوي وغيره من رجال الدين لأقول لهم اليس بالإمكان عدم طرح مثل هذه المعتقدات الفقهية كما صَرحتَ لتبريرها، الم يكن الأجدر تحييدها بعد أن تجاوزت زمنها ومكانها مثلما أكدتَ أنتَ في الرابط أعلاه وإستبدال الحديث عنها بالتذكير بمعتقدات فكرية تشجع التسامح والعيش المشترك والتي نحن الآن بأمس الحاجة اليها لتغيير الأفكار المتطرفة خاصة عند الشباب وليس لتذكيرهم بمعتقدات تؤجج وتدعم تطرفهم.
بقي أن أجلب إنتباه رجال الدين المسيحي ورأس هرمهم على ضرورة إختيار ممثليهم في الإعلام الذين يظهرون على القنوات الفضائية وليس في جعبتهم غير المفردات التي حفظها الشعب العراقي والعالم عن ظهر قلب من أمثال التسامح والسلام والمحبة وصولاً الى جملة "المكوّن الأصيل"وغيرها وإن كانت هي المحرك وبيت القصيد في مجمل تداعيات الحالة العراقية، وإن يتمتع ممثلهم في الإعلام ببلاغة وفصاحة وبلغة عربية قوية وسليمة متجاوزاً اللهجات المحلية وخاصة الموصلية منها مع محبتنا لها، كونه يخاطب كل من يسمع له من المحيط الى الخليج ولكي يفهم الجميع على ما يود إيصاله من فكرة وتحقيق الغاية المنشودة لهدف الظهور للإعلام وما يبغي المحاجج أو المتكلم إيصاله للناس وطرح البيّنات والأدلة والبراهين وبحجج يقتنع بها المتلقي.     

34
رمضان كريم ـ ـ فأكرموا أمتكم أيها البائعون بتخفيض أسعار سلعكم
بقلم: سالم إيليا
الصوم هو فرض ديني تتبعه معظم الأديان سواء أكانت سماوية أم غيرها لهدف جليل يسمو بمستحقاته وفروضه وواجباته على كل مَنْ يقع تحت حكمه وطاعته، وحيث يعطي جوهره رسالة الهية لمبدأ التكافل الإجتماعي والشعور الإنساني من قبل الإنسان لأخيه الإنسان وهي فترة لمراجعة النفس المبتعدة عن هذا الشعور خلال سنة كاملة من الإنغماس في التعاملات والتصرفات الدنيوية التي غالباً ما تبعد الإنسان عن واجباته ومستحقاته الروحية والإلهية.
فجوهر رمضان هو الصوم الجسدي/الغذائي للشعور بجوع الفقير والصوم الروحي لحجب النفس عن الكثير من المغريات المادية والروحية وما تأمر به النفس البشرية من سوء وعلى رأسها القسوة على الفقراء وعدم مد يد المساعدة لهم .   
لكن وللأسف الشديد فقد أصبحت هذه الفروض فرصة معاكسة لجوهرها الذي وضعه الخالق!!، كما وأصبحت عبأً كبيراً على الفقراء الذين من المفروض أن يكونوا هم هدفها الأسمى لإنصافهم بشهرهم الفضيل الذي خصهم به الخالق وحيثُ يتشوقون اليه كل سنة ليشعروا بعطف إخوانهم من البشر عليهم وسموهم الى مستوى التعاضد المادي والمعنوي لهم لتتكلل نهايته بفرحة العيد التي تضع البسمة على شفاه الفقراء قبل غيرهم لإحساسهم بإنسانيتهم ومعاضدة إخوانهم في الإنسانية لهم، وشعورالأغنياء بالرضى من فعلهم الحسن تجاه إخوانهم الفقراء.
وقد تولدت لي فكرة الكتابة عن هذا الموضوع منذ سنوات عديدة لما أشاهده وأقرأ عنه في المهجر وفي بعض البلدان العربية والإسلامية من سباق محموم وممنهج لجعل هذا الشهر الفضيل من أكثر الشهور قسوة على الفقراء وذوي الدخل المحدود حتى باتوا يتمنون أن لا يأتي ليروا أفواه القُرُوش الآدمية مفتوحة على آخرها لإفتراسهم!!، لكنني في كل مرة كنت أمني النفس ليتغير الحال ويعود الى ما كان عليه مذ كنّا صغاراً ونرى التكافل الإجتماعي والطيبة العفوية والتسابق الإنساني من المتمكنين من التجّار وبقية الميسورين فتمتلئ دور العبادة بكل مستويات المجتمع وطبقاته وبكل مصنفاتهم المجتمعية كما كان يروي لنا أصدقائنا ليجلسوا بعد الصلاة على شكل مجاميع حول الموائد التي تضيع عندها الفوارق الطبقية ليأكلوا من نفس الإناء الذي لا يعرف أياً منهم مَنْ مِنَ المحسنين المشاركين لهم بطعامهم قد تكرم به عليهم، وحيث تفتح دور العبادة أبوابها لتجهيز المتيسر من الطعام لطالبيه من الفقراء قبل موعد الإفطار!!!، لكن الأمر لم يتغير في العودة الى جوهر وغاية هذا الشهر الكريم، لا بل إزداد سوءاً سنة بعد أخرى حتى فوجئت ومنذ سنوات قريبة وأنا في المهجر ببادرة أسعدتني وأحزنتني في آنٍ واحدٍ وهي شروع محلات التسوق الكندية الكبرى بإعلانها عن تخفيض أسعار سلعها بنسب قد تصل الى 30% من أسعارها الأصلية، خاصة لما يحتاجه الصائم منها مقرونة بالتهنئة بالشهر الكريم والعيد من بعده وبكلمات متداولة في المجتمعات الإسلامية مثل "رمضان كريم" و "عيد مبارك" وباللغة الإنكليزية وكما سيشاهدها القارئ الكريم في النماذج التي سأرفقها مع هذه المقالة ليس دعاية لهم ولا لغاية غير بريئة سيئة المقاصد، ولا سذاجة مني لجهلي من إنهم ربما يفعلون ذلك لكسب ود زبائنهم وزيادة مبيعاتهم، ولكن هذه هي الحقيقة التي يجب أن نعي لها ونحذو حذوها.
ففي رمضان الماضي وجدتُ من أنّ القصّاب العربي الذي أتسوق منه اللحوم (الحلال) قد رفع من أسعاره بنسبة تزيد على 35% ثم عاد بعد إنتهاء العيد الى تخفيضها الى سعرها الحقيقي!!، كذلك معظم محلات البقالة العربية التي أتسوق منها رفعت أسعار سلعها بنسب تصل الى المئة بالمئة حتى أنني نبهت المحاسبة (الكاشيرة) لإحدى السلع التي يكثر بيعها في رمضان والتي أظهرت شاشة الكمبيوتر ضعف سعرها الأصلي الموجود تحتها على الرفوف، فكان جوابها بأنهم غيروا سعرها على الكمبيوتر ولم يتسنى لهم تغييره موضعياً لكثرة المواد وضيق الوقت!!، وهذا الرفع بالأسعار سرى على جميع السلع التي يحتاجها الصائم!!، فشعرتُ بالأسى على أصحاب الدخل المحدود والعوائل التي تعتمد في دخلها على برنامج الرعاية الإجتماعية وهم كثر في المهجر خاصة وإن لمعظمهم عدد كبير من الأطفال، فلربما لي ولغيري من القادرين والحمد لله على تحمل تلك الفروقات في الأسعار لا تؤثر في مجمل التسوق على ميزانيتنا لكن ماذا عن الذين ذكرتهم من إعتمادهم على المساعدات الحكومية في معيشتهم؟!!.
وهذه السنة تفاجئت من خبر قرأته ولا أعلم مدى صحته على المواقع الألكترونية وكما هو مبين في الرابط أدناه وخلاصته من أنّ الحكومة الألمانية قررت إعفاء المحلات ذات العلاقة ببيع السلع من الضرائب خلال شهر رمضان!!، وإن صح الخبر فهي رسالة إيجابية وودّية وإن كانت في مضمونها تتصل بالإنتخابات وجمع أصوات الناخبين من القوميات والأديان المختلفة، إلا أنها في ذات الوقت تعتبر بادرة فريدة ستتبعها دول أوربية عديدة لما في طياتها من إنعكاسات إيجابية ليس فقط للمعنيين بها وإنما لجميع أفراد المجتمع.   
الرابط أدناه يبين حسب الخبر المنشور قيام الحكومة الألمانية ببادرة إعفاء أصحاب بيع المواد الغذائية من الضرائب لتشجيعهم على تخفيض أسعار السلع خلال شهر رمضان:
http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?t=299320
فليحذوا من هم في أيديهم إسعاد الفقراء من تجار وباعة وميسورين في بلداننا المعنية بالشهر الكريم حذو الحكومة الألمانية ليس لكسب الأصوات الإنتخابية وإنما لكسب صوت الخالق الذي يعلو على كل أصوات البشر وليعملوا على تخفيض أسعار سلعهم التي سيزداد بيعها بدون أدنى شك وتكثر أرباحها ويحققوا في ذات الوقت جوهر الصوم ورضى الله.
وليكن رمضان هذا العام هو رمضان الفقراء والمهجرين لنكرمهم به ونسمو بمقاصده لأجلهم.
وأختم قولي وقولنا جميعاً رمضان كريم على كل من يصومه أو تصومه إيماناً منه أو منها بجوهره.


35
مناجاة أم عراقية لولدها المهاجر
بقلم: سالم إيليا
الغربة ليست دائما كما يظنها البعض هي قارب النجاة من الموت والمنقذة من الحياة المليئة بالمعاناة والمآسي والحروب وويلاتها التي تعاني منها بلدانهم، ففي بعض الأحيان تكون الغربة أقسى بتفاصيلها من كل الأسباب التي جعلت المهاجرين يتركون بلدانهم ويركبون المخاطر منشدين لحياة أفضل!!، لكنهم يصدمون بالواقع فيختارون أما الضياع في بلد الغربة أو الموت إنتحاراً أو العودة من حيث أتوا !!!.
وهناك معاناة في الطرف الآخر لمن تركهم المهاجر في بلده من أهل وأحباب خاصة الأم والأب والإخوة والأخوات أو ربما الأبناء والزوجة أو الزوج.
ولقد شاهدتُ وسمعتُ مقدار الحزن الذي يتركه عزيز مهاجر في أفئدة محبيه وهو في الغربة، وهذه المناجاة لأم تعرض فيها حنينها لولدها التي أصبحت رؤيته بمثابة حلم صعب المنال بالنسبة لها!!!، وهي ليست أبيات شعرية كما قد يظنها البعض وإنما مناجاة من القلب الى القلب بين الأم وفلذة كبدها بلسان عفوي صادق نقلْتهُ عن لسانهما ووضعْتهُ في صيغته الأدبية، فماذا قالت الأم لإبنها معاتبة:
بَسْ تعال وشوف إسوّه بيه فراگكْ ـ ـ
وشوف دمعة عيني اللي أبد ما جفّت بصحرا غيابكْ ـ ـ
تعال واگعِدْ بحضني الما أبد يوم بُرْدَتْ بي دُفو اجنابكْ ـ ـ
تعال يا وليدي ولا تخلّي الهجرْ يقسّي عليك أحبابكْ ـ ـ
ما أدري شگد بُگه من العمر حتى أحرگه جوّه عتبة مداسكْ ـ ـ
تعال ولا تخلّي االغربة تنسيك وجه أمك الذِبْلتْ إخدوده بعد ما چانت تضوي (چِدامكْ) ـ ـ
تعال وودّع أمك گبلْ ما ياخذها الموت بشهكه أبعادكْ ـ ـ
رد الإبن قائلاً:
مِنْ گلچ يا يمّه آني مرتاح بغربتي ـ ـ
كل يوم أديحنْ بالدرابين وتعالي وشوفي دَمعتي ـ ـ
أبد لا تظنين ناسي دفو إحضانچ، عدما البَرِدْ يلسع وجنتي ـ ـ
غريب وعايش بين الخَلَكْ أستجدي خبزتي ـ ـ
وگلبي هَلْ تَرفْ واگف على شعرة حلم رجعتي ـ ـ   
تشوفيني يا يمّه بالصور أضحك!!، وما تدرين بحسبتي ـ ـ
نعم هذه هي الحقيقة لإحدى مآسي الغربة، فهنالك من يعاني من الطرفين بعد أن غزت الحروب دولاً عديدة وشردت العائلة الواحدة بين الدول والأمصار البعيدة، فقسمت أجزاء الجسد الواحد للعائلة وقذفت بها بالإتجاهات الأربع للمعمورةِ!!، فبات التلاقي حُلم يراود الجميع فيدفعون ثمنه في كل لحظة ودقيقة، وقولي الأخير أستعيره من هذا البيت الشعري لإبن الملوّح، فقد يعطي أملاً لطالبيه: "وقد يجمع الله الشتيتين بعدما ـ ـ يظنان كل الظن أن لا تلاقيا".

   


36
هل ستصبح سدود تركيا المائية أسلحة دمار شامل ضد العراق؟
بقلم: سالم إيليا
على الرغم من أنّ المياه تشكّل مع الهواء روح الحياة للكائنات الحيّة على الكرة الأرضية، إلاّ أنها أيضاً تعتبر سيف ذو حدّين في حالة شحتها أو كثرتها إذا لم يتم السيطرة عليها، لذا دأبت الدول الى إيجاد الوسائل الفنية للسيطرة على كميات المياه السطحية المتواجدة على أراضيها خاصة بواسطة السدود.
في سنة 1969م كنتُ طالباً في الصف الثاني المتوسط، وكان مدرّس مادة الجغرافية شاب ذكي من محافظة السليمانية أسمه "هيوا عزالدين" تم تعيينه في العاصمة بغداد حال تخرجه لتفوقه على أقرانه في كليته، وكان طيب الذكر إستاذي العزيز ذو ثقافة عامة واسعة وحريصاً على تخصيص ثلث راتبه شهرياً أي ما بين (20-30) ديناراً لشراء الكتب والمجلات العلمية التي تعنى بتخصصه بشكلٍ خاص حسب ما ذكره لنا كطلاب، وغالباً ما كان يخرج عن المنهاج الدراسي المقرر أو بالأحرى يقوم بدعم ما موجود في المنهاج المقرر بمعلومات إضافية واسعة عن جغرافية العالم وعلى الأخص الدول الإقليمية المتاخمة للعراق، وكان يركز دائماً على موضوع السدود المقترح إنشائها في تركيا ومدى تأثيرها على كميات المياه القادمة الى العراق، وحيثُ بدأت تركيا منذ سنة 1954م بالتخطيط لبناء السدود داخل أراضيها بإستراتيجية متعددة الأوجه منها الإقتصادية والزراعية والصناعية وحتى السياسية!!!.
وكنّا كطلبة لا تتجاوز أعمارنا الرابعة عشر من العمر قد نظرنا الى قلق أستاذنا الجليل بذهول حين ذكر وبألم شديد سعي الجانب التركي لتنفيذ بناء هذه السدود مع تجاهل واضح من الحكومة العراقية!!، مبيناً لنا خطورة هذا التوجه التركي على حياة المواطن العراقي العادي، وما زال وجهه ماثلاً أمامي بإمتعاضه من إهمال وإستخفاف الجانب العراقي وعدم مواكبته لما عزمت تركيا على تنفيذه ومجاراتها بوضع الخطط اللازمة لبناء سدود مماثلة داخل الأراضي العراقية لدرء الخطر عن المدن العراقية وسكانها في حالة ما لا تحمد عقباه وكأنّ الكارثة ستحصل في اليوم التالي!!!.
لقد كان هنالك فرص متاحة وميسرة للعراق لبناء سدوده، وحيثُ كانت العائدات المالية للعراق على مدار السنوات الخمسين الماضية والى وقتٍ قصيرٍ أفضل بكثير من تركيا ومن السهولة عليه تنفيذ برنامجه الإروائي والمائي ببناء سدود ضخمة تعود عليه بتأمين إحتياجاته المائية وتوليد الطاقة الكهربائية التي هو بأمس الحاجة اليها!!!، تساعده في ذلك معاهداته الثنائية الإستراتيجية التجارية والعمرانية مع الكثير من الدول التي لها باع طويل في بناء السدود ومنها الإتحاد السوفيتي السابق، خاصة في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم، وحيثُ لم يكن العراق ليخسر أي عملة صعبة بالسيولة النقدية لبناء سدوده فيما لو طلب المساعدة في بنائها من تلك الدول!!، وإنما يدخل بندها تحت بنود معاهدات التبادل التجاري أو التعاون المشترك!!. 
ويحضرني في هذا المجال سعي الحكومة العراقية في أواسط السبعينات من القرن المنصرم وبالتحديد سنة 1975م للحصول على المفاعلات النووية من الإتحاد السوفيتي الذي رفض بناء مفاعل كبير للعراق ما لم يكن مراقباً من قبل الوكالة الدولية للطاقة (كان الإتحاد السوفيتي السابق قد وقع مذكرة تفاهم سنة 1959م مع الحكومة العراقية لبناء مفاعل نووي صغير للعراق غير قادر على إنتاج القنبلة النووية، وبالفعل تم بناء المفاعل سنة 1968م)!!، ثمّ وافقت فرنسا على بناء المفاعل بعد رفض الإتحاد السوفيتي لطلب العراق الغير مشروط وتحت  ضغط الأزمة المالية التي كانت تمر بها ومغريات المبلغ الكبير لبنائه في منطقة التويثة قرب بغداد، إذ بلغت تكلفته ما بين (3 ـ 5) مليار دولار أمريكي!!، فتمّ توقيع العقد خلال زيارة النائب الأول لرئيس مجلس قيادة الثورة العراقي حينذاك صدام حسين لفرنسا، وكان تبرير العراق لحصوله على المفاعل هو لتوليد الطاقة بشكلٍ أساسي إضافة الى الإستعمالات الأخرى!!، وحيثُ أصبح فيما بعد الحجة الرئيسية التي إعتمدت عليها الولايات المتحدة وحلفائها لتدمير العراق ووصوله الى ما هو عليه الآن مع خسارة ثمنه الذي أصبح أنقاضاً!!!.
ولو صُرِفَ ذلك المبلغ الكبير جداً في وقتها على بناء السدود، وحيثُ لم تكن تكلفة أكبر السدود سعةً تساوي عُشر (أي واحد من العشرة) من تكلفة بناء المفاعل النووي لحصلنا على عدد من السدود يتراوح عددها ما بين (6 ـ 10) مختلفة الأحجام تستطيع تزويدنا بالطاقة الكهربائية اللازمة لإنارة العراق من أقصاه الى أقصاه وتشغيل مصانعه مهما بلغ حجمها وإستهلاكها للطاقة وأصبحنا بلد مصدّر للطاقة الكهربائية لبلدان الجوار، إضافة الى توفير خزين مائي هائل إستراتيجي يكفي العراق لعشرات السنين حتى لو إنخفضت مناسيب مياه أنهاره الى أدنى مستوياتها، وأيضاً يؤدي بنائها لزيادة الثروات السمكية والمائية بشكلٍ عامٍ والحيوانية البرية خاصة الطيور المهاجرة الباحثة عن البحيرات المائية خلال هجرتها، علاوة على تأمين وزيادة الإنتاج الزراعي، وإعتبار تلك السدود مناطق جذب سياحية تدر دخلاً إضافياً للعراق فيما لو أنشأت حولها المدن السياحية، ولسحبنا أيضاً البساط من تحت أقدام الجانب التركي في تهديده لنا بين فترة وأخرى بقطع المياه عنّا!!!، ولكان العراق الآن هو الذي يتحكم بأمر وارداته المائية وخزينها وليس العكس!!!.
لقد سمعنا مراراً من أعلى المستويات للمسؤولين الأتراك من إنهم عازمون على مقايضة نفط العراق بكميات المياه التي سيسمحون بتوريدها له، وحيثُ أنّ هذه المقايضة المجحفة ستكون بمثابة قرصنة مكشوفة وسرقة بمحض إرادتنا نتيجة إهمال الحكومات العراقية المتعاقبة في تأمين الوسائل المطلوبة لتخزين المياه التي من المفروض أن تكون مجاناً من منابعها لجميع الدول التي تمر فيها مجاريها وأنهارها حسب كل الإتفاقيات الدولية ومنها إتفاقية سنة 1947م التي تنظم الحصص المائية للدول المستفيدة من مرور الجداول والأنهار المائية في أراضيها.
فليس من العدل والإنصاف أن يكون ضرر هذه المياه المتدفقة من الأراضي التركية علينا كبيراً عند فيضانها بأغراقها للأراضي الزراعية ونفوق المواشي وبقية الحيوانات التي يعتمد على منتجاتها الفلاح العراقي البسيط، علاوة على تدميرها لكل ما يقف بطريقها من مبانٍ وبنى تحتية إضافة للخسائر البشرية، لكن عندما يحين الوقت للإستفادة منها يتم حجبها عن العراق ومقايضته عليها!!!، وكم من حربٍ إندلعت بين الدول من جرّاء تخاصمها على كميات المياه المشتركة فيما بينها!!!.
ولنعود الى موضوع مقالتنا لبيان خطورة هذه السدود وتهديدها للعراق أرضاً وشعباً فيما لو أستخدمت كسلاح من مورد طبيعي مهم تستطيع مياهه إكتساح بلدان بكاملها فيما لو حررت فجأة عن عمد أو دونه لا قدّر الله!!!، خاصة وإن سياسة تركيا مضطربة ولديها مشاكل داخلية وخارجية كبيرة وتحديات إقليمية ودولية لا يستهان بها قد تقودها الى حروب مدمرة!!، إضافة الى وقوعها في منطقة تأثير الزلازل والكوارث الطبيعية المدمرة والتي تعتبر الأخطر على سلامة السدود!!، كما أنها واقعة تحت تأثير المناطق ذات الأمطار الموسمية الغزيرة، وقد كانت تركيا قاب قوسين أو أدنى قبل سنوات وتحديداً سنة 2011م عازمة على تحرير مياه بعض سدودها لغزارة الأمطار المتساقطة على مناطقها الجنوبية والجنوبية الشرقية لوصول مناسيب المياه فيها الى حدودها الحرجة لطاقاتها الإستيعابية كما إعترفت بذلك الجهات التركية ووسائل إعلامها، وحيثُ لم يتبقى إلا (35) سم لإرتفاع منسوب المياه في سدودها لتقوم بفتح بوابات الطوارئ لتصريف المياه قبل حدوث الأسوأ!!!، وهذا يعني إغراق مساحات واسعة داخل الإراضي العراقية بمياه الفيضانات!!!، فكل هذه المخاوف والإحتمالات قد تؤدي بما لا تقبل الشك الى قتل الملايين من البشر داخل الدول الواقعة في منطقة تأثيرها بمدة لا تتجاوز الساعتين أو الثلاث ساعات لا أكثر فيما لو أخفق أي سد من السدود التركية في السيطرة على مياهه!!!، خاصة وإنّ سد الموصل في العراق القريب من الحدود غير مؤهل بطاقته القصوى بسبب المشاكل الفنية وخطأ إختيار موقعه بسبب تربته الرخوة القابلة للذوبان!!، وحيثُ كنّا سنعوّل عليه درء الخطر أو التقليل منه في إستيعاب أي تحرير مفاجئ لمياه السدود التركية، لا بل يضاف هو كخطر قائم الى قائمة مخاطر السدود التركية، وإذ يعتبره بعض الخبراء أخطر السدود قاطبة في العالم!!.
فتركيا لديها الآن الخطط لأمتلاك (22) سد!!!!، تم بناء العديد منها مثل سدود "أتاتورك" و"كيبان" و"اليسو" الذي سينتهي العمل منه قريباً وبطاقتة الإستيعابية البالغة (10.4) بليون متر مكعب وسيحتاج الى مدة تتراوح ما بين السنة الى الثلاث سنوات لملأه بالماء وتتوقف المدة على كميات الأمطار المتساقطة لتلك السنوات، وحيثُ سيؤثر هذا الأمر بشكلٍ كبيرٍ على حصة العراق المائية المقررة دولياً، وسد "جزرة" المقترح إنشائه الذي لا يبعد عن الحدود التركية ـ العراقية سوى (38) كم وهذا السد بموقعه القريب جداً من الحدود يبين النيّات المبيتة للجانب التركي للإضرار بالعراق أرضاً وشعباً لمحدودية فائدته بالنسبة لتركيا، لكنه سيكون القشة التي ستقصم ظهر البعير للحصص المائية العراقية وتهديده المباشر للعراق في حالة إخفاقه لأي سبب كان للإحتفاظ بخزين مياهه، فهذا السد سيستهلك 40% من مياه دجلة ويقضي على آخر أمل لحصول العراق على حصته المائية السنوية!!، وهنالك سدود كثيرة قائمة ومقترحة أخرى على الجانب التركي لا مجال لذكرها الآن!!.
 وإذا ما أعلنت تركيا الحرب المائية على العراق فبإستطاعتها حجب المياه بشكل كامل لتكون حصة العراق في أي سنة من السنين صفر (أي لا شيء) لتحويل حصته لملأ السدود المذكورة!!!، فليتخيل القاريء الكريم ماذا سيحصل لشعب العراق وزراعته ومياه شربه فيما لو حصل هذا الأمر، خاصة وإنّ العراق يتجه الى التصحّر بسرعة مخيفة ؟؟!!، وعلينا أن لا نستبعد حدوث هذا الأمر في ظل ظروف عالمية سياسية قلقة، إذ باتت دول العالم بشكلٍ عام لا تحترم الإتفاقيات الدولية وتحديداً في المناطق الساخنة ومنها منطقتنا الشرق أوسطية مع ضعف واضح لدور الأمم المتحدة في دفع الدول لتنفيذ قراراتها!!، لذا سارع الجانب العراقي للتفاوض والتفاهم مع الحكومة التركية ومناقشة خطتها لملأ سد "اليسو"، لكن ستبقى جميع الإحتمالات قائمة في التنصل من الوعود!!.
ربما هنالك من يقول بأنّ هنالك ضوابط وقوانين دولية تجبر الجانب التركي على الإلتزام بها، ومنها إتفاقية عام 1947م التي تنص مادتها الخامسة "على قيام دول المنبع بإطلاع الدول المتضررة على النيّة في إنشاء السدود وإعطاء كامل التفاصيل قبل الشروع بتنفيذها ليتسنى للجانب المتضرر إتخاذ الإحتياطات اللازمة وإيجاد السُبل والبدائل أو التفاهم على تقسيم المياه حسب الحصص المقررة دولياً"، لكنني أرى بأننا نعيش في زمن الغاب، وسأكون في هذه المرّة متشائماً من جرّاء مشاهدتنا لمعظم الدول حتى الضعيفة منها تضرب عرض الحائط القوانين الدولية بحروبها المدمرة وإنتهاكاتها ضد شعوبها وضد الدول الأخرى، وحيثُ أصبحت الأمم المتحدة "حارة كلمن إيدو الو"!!!.
فبعدما كان يُضْرَبُ المثل بالعراق في وفرة مياهه وتسميته بلاد ما بين النهرين أو بلاد وادي الرافدين، بات الآن يفكر جدياً بكيفية دوام حصوله على المياه والسيطرة الفنية عليها لدرء مخاطرها المدمرة لشحتها أو إكتساحها لأراضيه الخارجة عن السيطرة بسبب إهمال وغباء حكوماته المتعاقبة التي شغلت الشعب بالحروب وأهدرت أمواله.
وتقع الآن مسؤولية حماية المواطنين من المخاطر التي ذكرناها على عاتق الحكومة الحالية والحكومات التالية المتمثلة بوزارة الموارد المائية وعليها واجب إيجاد السبل والموارد المالية اللازمة لبناء السدود لتخزين مياه الفيضانات الموسمية التي تهدر دون الإستفادة منها وكما يحدث الآن (حتى لو إستطاعت عقد الإتفاقيات للدفع بالآجل أو بالمقايضة النفطية)، لا بل عادت هذه الفيضانات لتهدد العاصمة بغداد ومعظم المدن العراقية وحيثُ أرجعتنا الى مآسي الإحتلال العثماني بداية القرن العشرين أو ما قبله حين كان العراق ومواطنيه على موعد يكاد يكون سنوياً مع الكوارث الفيضانية وتفشي الأمراض الفتاكة التي تصاحبها، وعلى الوزارة المتخصصة أيضاً واجب تفعيل كافة الإتفاقيات المائية الدولية والثنائية ومنها إتفاقية سنة 1947م، لا بل على الحكومة العراقية نقل مخاوفها من تهديد السدود التركية للعراق وشعبه الى الأمم المتحدة لإصدار قوانين جديدة أكثر فاعلية لتنظيم العلاقة المائية بين العراق وتركيا، كأن يقترح العراق مثلاً إستحداث قانون أممي جديد يجبر الجانب المستفيد (تركيا) على عدم تجاوز 60% من الطاقة الإستيعابية لكل سد وإبقاء ربعه أو أكثر وعلى مدار السنة مهيأ لإستيعاب مياه الأمطار الموسمية أو أي طارئ آخر لدرء الخطر عن الجانب المتضرر (العراق)، ووضع السدود التركية تحت المراقبة الدورية لتنفيذ التزاماتها، كما يتم وضع شروط جزائية على الجانب المستفيد (تركيا) لأي ضرر فعلي على الجانب المتضرر (العراق)، وحتى لو رفضت تركيا بعد إقرار القرارات تنفيذها إلاّ أنها ستكون بمثابة دليل على مسؤوليتها عن أي ضرر يصيب العراق مستقبلاً، خاصة وإنّ السياسة الدولية التركية الآن في الحضيض، وعكسها هنالك تعاطف من المجتمع الدولي مع العراق لتحمله الوِزْر الأكبر في محاربته للإرهاب الدولي، فهل هنالك من سيصغي الى مخاوفنا هذه ويعمل على عدم إضاعة الفرصة الذهبية المتوفرة الآن لتصحيح أخطاء الحكومات المتعاقبة في هذا المجال ؟؟؟!!!، خاصة وإن رئيس الوزراء الحالي الدكتور حيدر العبادي أخذ على عاتقه متابعة ملف المياه بترأسه للجنة التي شكلها مجلس الوزراء قبل عدّة أيام لمتابعة الثروة المائية في البلد.


37
التعايش السلمي في المجتمع: هل هو شعور فطري أم ثقافة مجتمعية؟
بقلم: سالم إيليا
إنعقد في بغداد مؤتمر للتعايش السلمي للمجتمع في الثالث من نيسان الجاري برعاية كلية الإعلام من أساتذة وطلبة تحت شعار "المؤتمر العلمي لدور الإعلام في التعايش السلمي".
حضرَ المؤتمر نخبة من الأكاديميين والمسؤولين السياسيين يتقدمهم المتحدث الإعلامي الرسمي لمكتب رئيس الوزراء سعد الحديثي ونخبة من الإعلاميين لتغطية فعالياته.
وقد توصل المؤتمرون بعد مناقشات ودراسات مستفيضة على أن: "التعايش السلمي هو شعور فطري بين مكونات المجتمع "!!!، هذا ما ذكرهُ عن لسان المؤتمرين مراسلي الفضائيات التي غطت المؤتمر!!!.
و"الفطرة" بجوهرها ومفهومها العام تعني: "الْخِلقة التي يكون عليها كل موجود أوّلَ خَلْقِهِ"، أي أنّ المولود الإنساني يكتسب صفاته الإنسانية الإيجابية والسلبية من طبيعته الإنسانية التي خصّه الخالق بها.
ففي أعماق المولود الإنساني المتضاددات من الصفات، لكن عدم إكتمال النضوج العقلي والفكري المرتبط بعدم إكتمال النضوج الفيزيائي/الفسيولوجي للأعضاء البشرية للطفل ومنها المخ مركز السيطرة العقلية والفكرية في جسم الإنسان تجعل الطفل وبسبب ضعفه البدني أيضاً مسيّر ومستعد للإنقياد اللاشعوري الى ما يُملأ عليه من حواضنه وغالباً ما يكون البيت المتمثل بالأم والأب في المقدمة منها ثم يليهما البيئة والمدرسة بعد التدرج العمري والنضوج البدني.       
وصحيح أنّ الطفل يحمل صفة البراءة وكل الصفات الإنسانية السليمة والسلمية في ساعة ولادته، لكنه أيضاً لديه الإستعداد لتغيير هذه الصفات مع نموه كلما تقدم به العمر لتتحدد صفاته وتتوضح أكثر إعتماداً على نوعية بيئة منشأه وهنا يكمن بيت القصيد!!، أي أنّ ما كان عليه الطفل ساعة ولادته من صفات قابلة للتغير حسب طبيعة ومكان وزمان نشأته.
وبعد ما ذكرته من توضيح وتفسير للمعنى الجوهري لمفهوم "الفطرة" التي يولد عليها الإنسان، فإني أتسائل: هل أنّ التعايش السلمي هو شعور فطري أم ثقافة مجتمعية تبدأ من أصغر وحدة إجتماعية ألا وهي العائلة برأس هرمها المتمثل بالأب والأم وحيث تعتمد على مقدار ثقافتهما ومقدرتهما على زرع بذور السلم الأهلي والمجتمعي وتقبّل الآخر وأهميته في فكر أبنائهما والمجتمع ككل على حدٍ سواء؟؟؟، هذا إذا كانا أساساً مقتنعان تماماً بضرورة العيش السلمي في المجتمع ولديهما الثقافة الكافية لنقلها الى أبنائهما والمرتبطة بمقدار النسبة المئوية لثقافة مجتمعهما بشكلٍ عامٍ!!، وهذه الثقافة يجب أن تكون مدعومة بالقوانين المشرّعة من أعلى السلطات التشريعية والمنبثقة من دستور وطني في بلد مثل العراق متعدد الأديان والمذاهب والأعراق لتعطيه القوة التنفيذية في حالة تجاوز بعض أفراد المجتمع للخطوط الحمراء لشرخ السلم المجتمعي.
وسأعطي مثالاً حياً على ذلك: ففي نفس يوم إنعقاد هذا المؤتمر في بغداد جرى في جنوب لندن عاصمة إنكلترا إعتداءً عنصرياً في منتصف الليل على مراهق مهاجر لم يتجاوز السابعة عشر من عمره بالقرب من إحدى الحانات، وحيثُ تبين من أنّ المُعتدى عليه كردي إيراني وإنّ المعتدين مجموعة من المتطرفين الشباب الإنكليز الذين تتراوح أعمارهم ما بين العشرين الى أربع وعشرين سنة، فتحركت الشرطة بسرعة والقت القبض على مجموعة تقدّر بثمانية عشر متطرفاً، ولا تزال التحقيقات والملاحقات جارية للقبض على ما تبقى منهم!!، ووجهت اليهم الشرطة حال القبض عليهم تهمة الإعتداء العنصري على لاجيء/مهاجر قد تلحقها بتهمة أخرى وهي القتل الغير متعمد كون إنّ الضحية في وضع قلق وغير مستقر، وقد لاقى هذا الإجراء القانوني الحكومي المتمثل بالسلطة التنفيذية من الشرطة التأييد الشعبي الواضح في الشارع الإنكليزي!!.
طرحتُ هذا المثال الحي لسببين: أولهما، على الرغم مما قد يبدو من أنّ هنالك تغيّر سلبي ونسبي في نظرة المجتمع الغربي تجاه المهاجرين بشكلٍ عام والقادمين منهم من دول معينة بوجهٍ خاص بسبب إستغلال العناصر الإرهابية المتطرفة لموجات النزوح الى تلك البلدان والتخفي بين اللاجئين الأبرياء للدخول في دول اللجوء والقيام بأعمال إرهابية مشينة بطريقة تنفيذها ووحشيتها وإختيارها لضحاياها من المدنيين دون إستثناء والتي ذهب ضحيتها العشرات لابل المئات من الأبرياء المدنيين مما ولّد حالة من الغضب الشعبي في الشارع الغربي، إلاّ أنّ هذا الأمر لم يثني الجهات التنفيذية المؤيَدة بإجراءاتها شعبياً من تطبيق القانون الجنائي بحق من يعتدي على اللاجئين أو المهاجرين الأجانب دون وجه حق وبدوافع عنصرية!!.
وثاني السببين: على الرغم من أنّ المُعتدى عليه لم يمضي على وصوله الى لندن ربما أشهر أو سنوات وربما لم يتمتع بعد بكامل حقوق المواطنة، إلاّ أنّ القانون يحميه بشكلٍ كاملٍ من أي إعتداء لفظي أو فعلي ويقف الى جانبه أمام القضاء!!.   
ولو قارنا بين ما حدث في لندن وما يحدث في العراق من إعتداءات على مكونات عراقية أصيلة يقف القانون فيها عاجزاً عن حمايتها أو الدفاع عنها أو ردع المعتدين المسببين لها لوجدنا من أنّ الخلل الأساسي يكمن في إتجاهين: الأول، عدم وجود قوانين حقيقية لحماية المواطن العراقي بغض النظر عن عرقه أو دينه أو مذهبه!!، لا بل على العكس من هذا فإنّ الدستور الحالي الذي يُعتبر المصدر الأساسي لتشريع القوانين يشجع على الطائفية وبث التفرقة العنصرية بكل أشكالها!!، كما يشجع على تقاسم النفوذ والسلطة على أساس طائفي!!، ويفرد مواد خاصة على أحقية المكوّن الأكثر دينياً وقومياً عن غيره من المكونات!!، وحيثُ يمتاز بميزة لا يوجد مثيلها في دساتير كل بلدان العالم المتطورة والمتخلفة على حدٍ سواء وهي تناقض مواده مع بعضها البعض مما يولّد الضبابية وسوء الفهم في تنفيذها!!، فالمادة (2)/أولاً/ الفقرة (أ) من الباب الأول تتعارض تماماً مع الفقرة (ب) و (ج) من نفس المادة، كذلك فإنّ الشطر الأول يعارض الشطر الثاني من المادة (2)/ثانياً، والمادة (7) من الباب الأول تتناقض مع واقع الحال تماماً والمباركة من أعضاء الحكومة بمختلف إنتماءاتهم ـ ـ وهكذا!!!.
أما الإتجاه الثاني في المقارنة بين ما حدث في لندن وما يحدث في العراق، فهو يخص مقدار تجذر الثقافة المجتمعية السلمية النوعية لدعم القوانين التي تحد من ظاهرة التطرف الطائفي بكل أشكاله، وإصطفاف أغلب مواطنوا المجتمع الإنكليزي خلف الجهات التنفيذية لوقف العنف العنصري وتداعياته بغض النظر عن تأثر المجتمع بحوادث إرهابية فردية لتغيير قناعاتهم وثقافاتهم المجتمعية السلمية وإستمرار التعايش السلمي الإنساني المبني على أساس إحترام الحقوق والممارسات والإنتماءات أو القناعات الشخصية ما لم تؤثر على حقوق الآخرين. 
ولهذا نجد من إنّ المغتربين في الدول الغربية (دول أوربا وأمريكا الشمالية وإستراليا ونيوزلندة) خائفون من أن تتحول ثقافة هذه المجتمعات السلمية التعايشية الى ثقافة عنصرية بسبب الأعمال الإرهابية التي تحدث في بلدانهم، وحيثُ قد تترك أثرها النفسي العميق بين أفراد مجتمعاتهم على الرغم من وجود دراسات حقيقية وقوانين صارمة تقف بوجه أي توجه عكسي في هذا الخصوص لتحويل هذه المجتمعات الى ساحات للصراعات الطائفية.
وهنا لا بد من التوقف عند ظاهرة مهمة وجديرة بالإنتباه والمراقبة ربما لم يعِ المغتربون اليها بشكلٍ عام دون أن أعني دين أو مذهب أو قومية بذاتهم، وإنما يمكن ملاحظتها عند الكثير من المهاجرين بشكلٍ عامٍ، وهذه الظاهرة ربما سيكون البعض منهم سبباً في ظهورها وإستفحالها نتيجة سعيهم الى تلقين تراثهم المجتمعي الذي فرّوا منه في بلدانهم الى أبنائهم وليعودوا الى تطبيقه في مهاجرهم من حيثُ يعلمون أو لا يعلمون!!، وقد عاد البعض منهم لممارسته وإنعاشه بين أفراد عوائلهم في المهجر إعتقاداً منهم لضرورة تحصين أبنائهم من المجتمع الجديد المنفتح بحريته الشبه مطلقة خاصة في مجال الحرية الشخصية، وأعني بها بشكل أوسع تشجيع أبنائهم على الإنغلاق وعدم الإنفتاح على المجتمع الجديد بطريقة عقلانية ومدروسة، وحثّهم على التمسك بالتراث الديني الى أقصاه الغير قابل للنقاش!!، وحيثُ سيكونوا هم السبب الرئيسي لتأسيس ثقافات أحادية متطرفة أو بأحسن الأحوال ثقافات منغلقة قابلة الى تقبل أي فكرٍ متطرفٍ، فتمسكهم المنغلق والرافض للإنفتاح العقلاني المقبول على مجتمعاتهم الجديدة دون التأثير على جوهر إيمانهم الحقيقي الروحي أو التراثي المعتدل سيودي دون أدنى شك الى خلق أجيال مهيأة للتغيير السلبي مما سيؤدي الى تكوين حواضن لمجتمعات مبتلية بأمراض التعصبية الفكرية بنواحيها الدينية أو المذهبية أو العرقية، وخوف المغتربين من تغير نظرة دول المهجر عليهم يقابله تخوف من نوع آخر لمواطني تلك البلدان من نقل المهاجرين لمشاكلهم الإجتماعية الى مجتمعاتهم المتميزة بالتطور الفكري والإنساني.
 والمشكلة الكبيرة في هذا الأمر هي عدم إدراك المهاجرين الذين يسلكون هذا التوجه لخطورة فعلهم ومدى ضررهم مستقبلاً على أبنائهم، وحيثُ سيقعون في نفس الخطأ الذي أجبرهم على الهجرة من بلدانهم الأصلية، وبكل تأكيد سيكون تأثير هذا التوجه السلبي واضح بسبب تباين الثقافة والمعرفة والخلفية المجتمعية الجغرافية بين المهاجرين أنفسهم الذين هاجروا من كلّ حدبٍ وصوب من قارات العالم الى بلدان اللجوء أو الهجرة المتميزة بأنظمتها.
وظاهرة نقل الكثير من المهاجرين الى بلدان المهجر التي لجئوا اليها لموروثهم التي ورثوه من تراكمات الثقافة الإحادية في مجتمعاتهم لقوميتهم أو دينهم أو طائفتهم والتي نطلق عليها في مراحلها المتقدمة بـ "التعصب" وإنغلاقهم عليها في بلدان اللجوء أو المهجر كرد فعل على تخوفهم من فقدان هويتهم، لا بل يحاول الكثير منهم تعزيز هذا التعصب وزيادته في أبنائهم وإجبارهم على ممارسة طقوسهم الدينية والإجتماعية بأعلى مستوياتها التي لم يكونوا يفعلونها في بلدانهم الأصلية قناعة منهم في حصانتهم وحمايتهم من المجتمعات المنفتحة المتجاوزة لتقاليدهم المجتمعية والدينية التي نشأوا عليها في أوطانهم، وحيثُ تناسوا من أنّ سبب لجوئهم أو هجرتهم الى تلك البلدان هو للهروب من نفس الثقافة وتداعياتها التي يحاولون غرسها من جديد في عقول أبنائهم في المجتمعات الجديدة الخالية منها بأنظمتها العلمانية، وهذه الأزدواجية هي التي دمرت بلدانهم الأصلية وستدمر حتماً مجتمعاتهم الجديدة.
وهذا التصرف من بعض اللاجئين أو المهاجرين بشكلٍ عامٍ لا يشمل شريحة قومية أو دينية محددة منهم وإنما يشمل الجميع دون إستثناء، ولأنهم ببساطة لم يأتوا من بلدان تتمتع بأنظمة سياسية أو مجتمعية منفتحة ومتعايشة سلميا،ً وإلاّ لما كانوا قد قرروا ركوب المخاطر لمغادرة أوطانهم وأحبائهم والتغرّب عن بيئتهم.
وأعتقد من يقرأ هذه السطور من المغتربين سيوافقني على ما طرحته وبأمثلة كثيرة لديهم وليس مثل واحد أما عن نفسه أو محيطه من المهاجرين الذين يعلم علم اليقين بأنهم كانوا أكثر إنفتاحاً في بلدانهم الأصلية، لكنهم عندما هاجروا الى هذه البلدان إنغلقوا على أنفسهم حماية لأبنائهم وعوائلهم وحسب إعتقادهم، وحيثُ نرجوا جميعنا أن لا تتحول بلدان المهجر بعد عقود من الزمن الى ساحات صراع قومية أو دينية أو طائفية بين المهاجرين أنفسهم والتي بدأت بوادرها بالظهور في مناطق معينة في تلك البلدان التي يسيطر عليها المهاجرون جغرافياً بحكم معيشتهم فيها بكثافة سكانية عالية قابلها تواجد آخرين من نفس موطنهم الأصلي أو من أوطان مختلفة في أماكن أخرى قريبة منهم لكنهم يختلفون معهم أما قومياً أو دينياً أو مذهبياً فبدأت من جديد بوادر الصراع الذي هربوا منه في بلدانهم، لكن هذه المرّة في أماكن إستيطانهم الجديدة، وحيثُ ذهبوا اليها آمنين طلباً للسلام لكنهم عادوا لبلورة صراعاتهم الفكرية فيها من جديد، وقد بدأوا بتكوين كيانات طائفية على غرار كياناتهم في مواطنهم الأصلية بسلبياتها التي دمرت مجتمعاتهم التي هربوا منها!!. 
إذاً الحل الذي بإستطاعته إيقاف هذا التناحر هو تقبل الثقافة السلمية للمجتمعات التي هاجروا اليها طوعاً ودعمها طلباً للإستقرار السلمي الإنساني دون فقدانهم بالضرورة للهويتهم الشخصية، والإستفادة القصوى مما وفرته لهم بلدان اللجوء والهجرة بأنظمتها العلمية الحديثة وإمكانياتها المادية الضخمة ونظامها التكافلي المجتمعي بكل تفاصيله للعيش في حياة خالية من الصراعات الفكرية وحروبها ومآسيها.

38
وداعاً شاعر الموصل وعاشقها معد الجبوري
بقلم: سالم إيليا
غادرنا شاعر العراق والموصل معد الجبوري (أبا حارث) الى عليين في الساعة الأولى من يوم السبت المصادف الأول من نيسان لهذا العام (2017) عن عمرٍ ناهز (71) عاماً أثر مرض لم يمهله كثيراً.
لقد عرفتُ الفقيد إنساناً وطنياً مبدئياً لا يحييد عن وطنيته غير راغباً بالتسلق الى أعلى المناصب الزائلة التي كانت مفتوحة أمامه على مصراعيها، لكنه رضي بإن يخدم معشوقته الموصل من خلال منصب مدير المجمع الإذاعي والتلفزيوني فيها قبل سنوات الإحتلال.
أمتعنا الراحل/الخالد الذكر معد الجبوري بشعره الذي كانت تشع من مفردات كلماته وأبياته صفات النُبل والشموخ والوطنية الحقّة ـ ـ وقد أفرغ فيه عظيم محبتهِ لبلدته الموصل وبلدهِ العراق وإنتمائه القومي النقي المتفاعل إيجابياً مع محيطه الإنساني المتنوع، كما كان آخر عمالقة مؤلفي المسرحيات الشعرية الذين من الصعب تكرارهم وملئ فراغهم الأدبي والفني.
لقد كان لي مع "أبي حارث" تواصل عبر موقع "بيت الموصل" ومن ثمّ عبر البريد الألكتروني، وكم تمنيتُ أن يسعفني الزمن للقائه والتعرف عليه عن كثب، ولقد إستمر التواصل بيننا عبر المخاطبات في البريد الألكتروني كلما نشر قصيدة من قصائده في وسائل الإعلام، فينبئنا نحن ممن تشرفنا بحمل صفة "الأصدقاء" له بمتابعة نشاطاته الأدبية الغزيرة بمحتواها الأدبي والمعرفي حتى جاءت أسراب الجراد "الداعشية" غازية للموصل وقطعت سبل التواصل الإنساني والمعرفي بين محبي الحياة وجماليتها، فجازفتُ يوماً ما بإرسال رسالة له عبر البريد الألكتروني وبعد أن فاض بي الشوق والحيرة والقلق لسماع أخبار الأصدقاء من أدباء وأساتذة أجلاّء المتواجدين داخل الموصل ومنهم شاعرنا الراحل وفي ظل الظروف والأحداث التي كانت تتناقلها وسائل الإعلام وتبثها حول معاناة الموصليين تحت حكم داعش وبالأخص أصحاب القلم والمعرفة، وكان هذا مع بداية زمن الإحتلال الداعشي، فأجابني الراحل العزيز بمقتضب الكلام وبما قلّ ودل وأوضح لي الصورة المأساوية المحددة بإطارها أو الأصح بسورها الذي أحاطت به "داعش" مناحي الحياة، وأحاطني علماً بما يجري تحت حكم الدواعش بكلمات معبّرة لشاعر وأديب متمكن يستطيع إختصار كتاب ضخم بكلمات وجيزة مختارة تماماً كما كان يفعل عندما كان يُعلّق على مقالاتي ونشاطات بقية الأدباء والأساتذة الأدبية في موقع "بيت الموصل" بصدق ومهنية وبعيداً عن المجاملات المُسْرِفة إلا بحدودها الإنسانية الطبيعية.
وعندما قررتُ كتابة مقالة بعنوان "إنها الموصل أيها المحررون" قبيل تحرير الموصل لحثِ الطرف المحرر على العناية بأقصى ما يستطيعون بأهلنا في الموصل وصروحها الباقية التي سلمت من تدمير داعش وتذكيرهم بعظمة الموصل ومكانتها ومكانة أهلها عبر التاريخ، لم أجد بداً إلا أن أزينها وأدعمها بأبيات من قصيدة الشاعر الراحل معد الجبوري "أم الربيعين"، وكم كانت المفاجئة لي حين نشر الإعلام نموذجاً لإحد المنشورات التي أسقطتها الطائرات العراقية على الموصل في نفس يوم نشري للمقالة تحتوي على أبيات نفس القصيدة لشاعرنا وأديبنا معد الجبوري!!!.   
وحين تحرر الجانب الشرقي للموصل تواصلتُ مع أ.د. سمير بشير حديد وتمنيتُ عليه إطلاعي على أخبار الأصدقاء من جهابذة بلدتنا الموصل فرداً فرداً ومنهم إستاذنا الجليل الدكتور حسيب حديد الذي شرفني وفاجئني برسالة الكترونية لا يزال محتواها عالقاً في ذهني أيام ما كان التواصل من داخل الموصل مع خارجها يُعتبر جريمة بنظر داعش!!!، وأيضاً كان مِن بين مَنْ حرصتُ بسؤالي عنهم شاعرنا الراحل العزيز معد الجبوري وولده العوّام في نفس بحر والده الشعري "حارث" وصديقنا الفنان المسرحي صبحي صبري وجميع أصدقائنا وإخواننا الآخرين الذين أحجب أسمائهم الآن خوفاً عليهم من أنهم ربما في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة داعش، فطمئنني الأستاذ الدكتور سمير حديد مشكوراً على البعض منهم ممن يسكنون في الجانب الشرقي ومنهم أبو حارث (معد الجبوري) فبعثتُ له بإيميل مهنئاً بسلامته وإنتظرتُ ردّه ولم يكن في خلدي من أنّ المرض قد داهمه وحجبه على غير عادته في الرد السريع على إيميلات معارفه وأصدقائه، وجاءني الجواب في اليوم الذي أُطْلِقَ عليه كذبة نيسان بخبرٍ قرأته ونزل كالصاعقة على كياني برحيله الى دار حقه ناعياً مغادرته على غير موعد إبنه الشاعر حارث معد الجبوري، وكم تمنيت أن يكون خبر وفاته كذبة ككذبة نيسان التي يتداولها الناس في مثل هذا اليوم من السنة!!!.
وسأورد أدناه بعضاً من مراسلاتنا الألكترونية لما فيها من أهمية أدبية وتوثيقية:
حيثُ كنتُ قد أرسلتُ له إيميلاً جواباً على إرساله لإيميل الى نخبةٍ من أصدقائه ومنهم كاتب هذه السطور يدعوهم فيه الى قراءة إحدى قصائده التي نشرها في الف ياء جريدة الزمان الدولية  بعنوان "للبلاد التي تسكنني" ، أدناه نص جوابي:
"والله وأنا أقرأ قصيدتك (للبلاد التي تسكنني) تراءى لي الوطن بما أحمله له في صدري وأعماقي من صورة جميلة حملتها بين ثنايا جوانحي وتحت أضلعي حين غادرته مكرهاً، أمنّي النفس بعودة بلدي الحبيب الى ربيعه الذي ما عادت تتفتح فيه أزاهيره البرّية المعبّقة بأريجها الربّاني، دمت للوطن شاعراً يحمل همومه التي أثقلت كاهله"
أخوكم ـ ـ
سالم إيليا ـ ـ
وفي تبادل للمراسلات الألكترونية بيننا وقفت عند معلومة فريدة ذكرها فقيدنا الشاعر معد الجبوري في إحدى مقالاته وذكرياته عن مهرجان "أبي تمّام" ربما لم يتطرق اليها الشاعر الكبير نزار قباني إلا أمام نخبة قليلة من الشعراء والأدباء ومنهم شاعرنا الكبير معد الجبوري، وحيثُ تُعتبر معلومة مهمة عن أصول الشاعر نزار قباني!!، وستجدونها من خلال ردّي على رسالته الألكترونية والرابط المرفق لمقالته:
05/21/13 at 9:46 pm  ـ ـ
أصدقائي الأعزاء ـ ـ
إليكم من التحيات أطيبها ـ ـ
على الرابط أدناه:
(من الذاكرة: مهرجان أبي تمام عام 1971) ـ ـ
حديث لي نشر في صحيفة (المثقف) ـ ـ
وكنت قد نشرته قبل سنوات في (ملتقى أبناء الموصل) ـ ـ
والمنشور في المثقف هو (الحلقة الأولى) ـ ـ
وستتبعها حلقات أُخَر ـ ـ
وددت أن تطلعوا ـ ـ
مع فائق تقديري ـ ـ
معد الجبوري ـ ـ
 http://www.almothaqaf.com/memoir/74832.html

وكان جوابي له:
05/30/13 at 10:31 am ـ ـ
رفوف ذاكرتك أيها الشاعر الموصلّي الأصيل الأستاذ معد الجبوري تحتوي على نفائس المخطوطات التي لم تُنشر بعد !! ، فلأول مرة أسمع من أن الشاعر الكبير نزار قباني يعود بأصله الى مدينة الموصل بقولك: "ثم فاجأَنا قباني بقوله (الله .. يا مدينة أجدادي) وأضاف (لا تستغربوا، فأنا أَصْلِي من مدينة الموصل وقد هاجر جدي منها منذ زمنٍ بعيد، إلى الشام)". هذا التوثيق المهم لجذور شاعر كبير كنزار قباني يضفي أهمية مضاعفة لِما تجود به علينا ذاكرتك الوقّادة، حيثُ تتحفنا بنوادر الأحداث التي تعرضها علينا بإسلوبك الأدبي الآخاذ إذ نعيش فيها بأزمانها، ومن المؤسف حقاً أن تصل المماحكات بين الشاعرين الكبيرين البياتي والقباني الى هذا المستوى، وحسناً فعلت أيها الصديق الصدوق الإستاذ معد الجبوري في تدوينها، أشكرك جزيل الشكر على هذا التدوين الشفاف الصادق والخالي من التزويقات لطريقة سير الأحداث بأماكنها وشخوصها والى المزيد من النفائس التي تزدحم فيها رفوف ذاكرتك الحادة دائماً بعونه تعالى.
كان هذا هو تعقيبي الذي نشَرْتُه في موقع المثقف على ما جادت به ذاكرتك الرائعة فأتحفتنا بدرر الأحداث، مع محبتي الصادقة.
أخوكم ـ ـ
سالم إيليا ـ ـ
وفي إحد ردوده على مداخلتي لقصيدة من قصائده قال :
شكرا لك أيها المتلقي الرائي القاص والكاتب المبدع الأستاذ سالم إيليا، على قراءتك المتفردة الخاصة، المبشرة  بمجيء شهدائنا ، يوم يبدأ يوم جديد لعراق جديد حقا وليس كما ادعى المحتلون وحلفاؤهم .. وإنه لآت مهما طال الليل .. أحييك عزيزي ابن الموصل الأصيل الأستاذ إيليا، وأشكر لك هذه الإطلالة الشفافة على قصيدتي .. دمت متألقا ـ ـ
ستجد هذا التعقيب منشورا في صحيفة المثقف. ـ ـ
معد الجبوري ـ ـ
لقد رحلتَ يا أديبنا وشاعرنا معد الجبوري كمداً والماً على ما أصاب معشوقتك الموصل من الهول والدمار على يد الضلاليين، فهكذا هم العشّاق لا يموتوا من علّةٍ إلاّ علّة الحزن على معشوقتهم. 
لا أعلم هل نعزي أنفسنا أم نعزي عائلتك وإبنك حارث على رحيلك؟!!.
وداعاً يا صائغ حروف الأبجدية وأبيات شعرها المطهّمة بفيروز عشقك وحبك لبلدتك الموصل وبلدك العراق.
نَمْ يا أبا الحارث قرير العين، فقد رحلتَ وما رحلتَ!!! ـ ـ وحيثُ رحل الجسد وبقيت أشعارك وأعمالك الأدبية مخلّدة تحمل إسم شاعر جلس على أعلى قمة هرم الشعر العربي يُكنى بمعد الجبوري.


39
من المسؤول عن قتل المدنيين في الموصل؟
بقلم: سالم إيليا
صُدِمَ الشعب العراقي والعالم أجمع بمنظماته المدنية والإنسانية بكارثة سقوط العشرات لا بل المئات من المدنيين خاصة في الساحل الغربي الذي لا تزال العمليات الحربية جارية فيه وكما تناقلتها وسائل الإعلام (المعادية) والصديقة ووسائل الإعلام الرسمية التي لم تنفي ما جاء في الأنباء عن إنتشال جثث للمدنيين من أطفال ونساء وكبار السن من قِبَل فرق الدفاع المدني وحيثُ أكدته أيضاً منظمات المجتمع المدني والمرصد العراقي لحقوق الإنسان من خلال تواصلهم عبر البريد الألكتروني مع المهتمين بالشأن العراقي ومنهم كاتب هذه السطور.
ومن الطبيعي تبادل التُهم عن المسبب لها في مثل هذه الكوارث المروعة بين طرفي النزاع، فالدواعش يتهمون طائرات التحالف بقصف المناطق السكنية متناسين حقيقة كونهم متواجدين بين المدنيين وإتخاذهم لهم كدروع بشرية بالإضافة الى تفخيخهم للكثير من مضافاتهم التي هي أساساً بيوت سلبوها من سكانها الأصليين في وسط الأحياء السكنية، علاوة على إجبارهم للمدنيين على السماح لهم بإستخدام سطوح منازلهم لعمليات القنص والرمي العشوائي بمختلف أنواع الأسلحة ضاربين عرض الحائط سقوط الضحايا من المدنيين، هذا بالإضافة الى جرائمهم في التصدي للقطعات المحررة عن طريق تفجير السيارات المفخخة وسط الأحياء السكنية.
أما الطرف الحكومي المحرر والمتمثل بالجيش والشرطة وطيران التحالف فينأى بنفسه عن الجريمة متهماً داعش بتفخيخ جدران المنازل التي إحتلوها لسكان مدنيين أجبروهم للنزول الى السراديب كمحتجزين وإستخدام دورهم كقواعد لقتال الجيش والشرطة المهاجمين لإسترداد المدينة من سيطرة داعش.
ولغرض بيان الحقيقة علينا أولاً ذكر بعض الثوابت التي لا يختلف عليها قائدان عسكريان محايدان ومهنيان وغير مسيسان أو غير مؤدلجان بأيديولوجيات طائفية دينية أو عرقية أو سياسية من أي جهة أو بلد أو جيش في العالم، وأولى هذه الثوابت توقع سقوط ضحايا من المدنيين في حرب شوارع تحسب بالأمتار من بيت لآخر ومن غرفة لأخرى في البيت الواحد في مدينة كبيرة مثل الموصل التي يصل عدد سكانها الى أكثر من مليون ونصف نسمة وبتباين واضح بجغرافيتها المنقسمة بين ضفتي نهر يُعتبر من أكبر وأهم أنهار العالم وبتباين واضح أيضاً بهندسة عمارتها للدور السكنية والأبنية والشوارع بين ضفتيها، إضافة الى قِدَم الكثير من أحيائها خاصة في الساحل الغربي الذي يحتضن الصروح التاريخية المهمة والتي أجبرت الجيش على تحييد الكثير من إمكانياته، مضافاً اليها شراسة ووحشية وعدم مهنية الطرف المدافع وأقصد به عناصر داعش، علاوة على تباين الكفاءات القتالية بدرجاتها العالية والأقل منها ما بين قطعات وصنوف القوات الحكومية المهاجمة وإستخدامها لأسلحة تقليدية غير ملائمة لهكذا حروب، وهذه حقيقة يجب الإعتراف بها.
 ومما يزيد الأمر تعقيداً هو صعوبة فرز عناصر داعش من بين الأهالي لتجنيدهم للنساء وحتى الفتيان في صفوفهم، وحيثُ يُصعب على أي جيش في العالم كفوء ومدرب على التعامل الميداني المهني بشفافية في ظروف حربية وميدانية معقدة وصعبة للغاية ومصاحبة لظروف جوية قاسية لفرز العنصر المعادي (الشبح) من بين الأهالي، فبمجرد أن يحلق الداعشي ذقنه أو حتى إبقائه (لأن داعش أجبرت كافة الرجال على إطلاق لحاهم) ويقوم بتبديل ملابسه (القندهارية) عندها يصبح شبح متخفي بين الأهالي والقوات الأمنية المهاجمة على حدٍ سواء!!!، وهنا يأتي دور الأهالي ومستوى وعيهم في ضرورة مساعدة الأجهزة الأمنية للإخبار عن تلك (الأشباح) لأن السكوت عنهم معناه إعطائهم الفرصة للقيام بعمل إجرامي قد يكون ضحيته نفس الأشخاص الذين تستروا عليهم.
أما طائرات التحالف التي ترمي بقذائفها الذكية والغبية على أهدافها التي تحددها عناصر الإستخبارات العسكرية العراقية ووكلائها من أبناء الموصل المتعاونين مع القوات الحكومية فيقع على عاتقهم دقة المعلومة والإصابة للهدف بتأثير تدميري لا يتجاوز بأي حالٍ من الأحوال عدة أمتار مربعة!!، وهذا ما لم يحصل دائماً خاصة عند إستهداف العجلات والصهاريج المفخخة التي تختفي في الأزقة وتظهر فجأة على بعد عشرات الأمتار من القطعات المهاجمة فلا تترك الخيار إلا لضربها وتدميرها في نفس النقطة التي تم رصدها فيها مخلفة ورائها دمار شامل مع سقوط ضحايا من المدنيين كما حصل في الكارثة الأخيرة وحسب إدعاء الجانب الحكومي في تبريره المعلن، لذا على قيادة القوات المشتركة وغرفة العمليات إيجاد طريقة أنجع لمعالجة تلك الأهداف.
ومما زاد الأمر صعوبةً وتعقيداً  هو تشجيع الحكومة للأهالي للبقاء في دورهم السكنية وعدم مغادرتها لعدم قدرتها بإمكانياتها المحدودة لإستيعاب النزوح المليوني فيما لو حصل، وذلك لأسباب مادية ولوجستية وأمنية ومن جميع النواحي الإدارية والإغاثية وغيرها وخاصة في الجانب الغربي الذي تجري فيه المعارك الآن، وجميعنا سمعنا وشاهدنا ولاحظنا عدم إرتياح قائد عمليات "قادمون يا نينوى" الفريق الأول الركن عبد الأمير يار الله حين صرّح لوسائل الإعلام من أنه سيوجه القادة الميدانيين بضرورة إقناع سكان الساحل الغربي للبقاء في دورهم تنفيذاً لأمر سياسي وليس عسكري كان قد إستلمهُ قبل أيام قليلة فقط من حدوث الكارثة التي راح ضحيتها مئات المدنيين لتخفيف الضغط على الوزارات الخدمية التي ظهرت وكأنها "ريشة في مهب الريح" بخدماتها الهزيلة للاجئين، وهو الأعلم (أي قائد العمليات) من أنّ هذا الإجراء سيعيق قيام القطعات المحررة بواجبها على أكمل وجه!!، وهذا برأيي خطأ إستراتيجي كلّف الحكومة خسائر إضافية بالأرواح من المدنيين ومن القوات الحكومية أيضاً مما وضعها في موقفها المحرج الآن محلياً ودولياً وحتى عسكرياً.
نأتي الى جوهر السؤال: من هو المسبب لهذه المآسي الإنسانية المروعة بدءاً بدخول داعش وتهجير وقتل وسبي مكونات دينية وعرقية بكاملها وصولاً الى تهجير وقتل المدنيين الأبرياء من مختلف الأعمار للمكوّن الأكبر في الموصل: هل هي القطعات المحررة من جيش وشرطة وحشد شعبي يضم بين صفوفه جميع الطوائف؟ أم السياسيين الطائفيين الذين سلّموا الأرض والعِرض بيد داعش سواء من هذه الطائفة أو تلك؟ أم الدول الإقليمية والعالمية المتهمة بتكوين داعش وتهيئة عوامل نجاحها المرحلي في تدمير البلدان التي إحتلتها بأرضها وسكانها وديموغرافية تنوعها وخصائصها الفريدة وتراثها وتاريخها بصروحه وأثاره؟ أم إنّ هنالك عوامل أخرى محلية كانت الحاضنة المساعدة لتفقيس بيوض الثعابين الداعشية من حيثُ ندري أو لا ندري والتي أثبتت الأحداث مسؤوليتها ولو جزئياً لكن مهماً في الترويج للفكر المتطرف الغريب عن منطق العصر والحضارة، والغريب عن تعاليم الأديان السماوية؟؟ أم المجتمع نفسه المتمثل بأصغر وحدة فيه وهي العائلة التي يجاهد الوالدان فيها في غرس بذور التفرقة الطائفية الدينية/المذهبية أو العرقية ومبدأ القطب الطائفي والعرقي الأكثر والأكبر والأوحد مع تنمية شعور "الأنا" ضد مكونات من المفترض أن تكون متعايشة إنسانياً قبل كل شيء في مجتمع موحّد متجانس إعتقاداً منهما من أنهما يحميان فلذاتهما من الإنصهار المجتمعي الخليط والغير منفرد بهويته الدينية والمذهبية والقومية؟؟؟!!!.
وللإجابة على كل تلك التساؤلات المنطقية علينا الإعتراف من أننا جميعاً كعراقيين نتحمل المسؤولية وبنسب مختلفة عمّا يجري في وطننا من مآسي، فالساكت على الظلم ـ ـ والداعم لطائفته على حساب الطوائف الأخرى ـ ـ والمرتشي والسارق ـ ـ والسياسي الوصولي المتاجر بدماء مكونه ـ ـ والعسكري الغير مهني والغير كفوء ـ ـ والقلم الإعلامي المُطبّل للذي يدفع أكثر ـ ـ وأصحاب الفكر التنظيري الذين (لغفوا) مليارات الدولارات وذهبوا الى الدول المجاورة وسكنوا في قصورها الفارهة ـ ـ ومالكوا الفضائيات (العاهرة) بأبواقها وبرامجها المحرّضة ـ ـ ومريدوا المؤتمرات الإقليمية والدولية المشبوهة، كل هذه الشرائح المجتمعية مسؤولة عن مآسي الملايين من أبناء الشعب وإنسانه البسيط.
وحيثُ أنّ ما يحدث في الموصل الآن من مآسي وتدمير لم تشهد مثيله هذه المدينة العريقة على مدار تاريخها حتى في حصار نادر شاه (طهماسب) سنة 1743م جعلنا نميط اللثام عن كثير من السلبيات التي أثقلت كاهلنا كشعب عبر مئات السنين!!!، فهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها إحتلال الموصل وتدميرها من عصابات جاءت من كلّ فجٍ عميقٍ وللأسف بمساعدة البعض القليل من ضعاف النفوس والمغرر بهم من سكانها وسكان القرى المجاورة لها، حتى في حروب العراق الحديثة منذ سنة 1980م لغاية 2003م لم تتأثر الموصل جغرافياً بالعمليات العسكرية لبعدها عن مسرح العمليات مقارنة بمدن الجنوب والوسط على الرغم من مشاركة أبنائها في غالبيتهم للدفاع عن الوطن من خلال قطعات الجيش، ومن المفارقات المزعجة والمستهجنة: كيف إرتضى هذا النفر الضال من المحسوبين على أهل الموصل المعروفين بتحفظهم المجتمعي وقوة تمسكهم بقيمهم الدينية والعرقية على الترحيب بالشيشاني والروسي والكازاخستاني والصيني والأفغاني والأوربي والألباني وغيرهم من حثالة مجتمعاتهم لكي يأتوا ويتحكموا بمقدراتهم المجتمعية؟؟!‍!، وحيثُ إستهجنت إحدى الموصلّيات النجيبات الطاعنات في السن على شاشات التلفاز قوانين داعش المفروضة عليهم بقولها: "نحن من نعلّم الغير الإيمان والتقوى، نحن مدينة الأربعين نبي من أنبياء الله، فكيف يأتينا الروسي والشيشاني ليعلمنا الدين"، وللحقيقة صحّ وصدق لسانها.
إذن علينا أن نرفع الملامة والإتهام العشوائي عن الجيش والقطعات المحررة التي تنفذ واجب التحرير بكل طاقاتها المتاحة وحيثُ يضعون أرواحهم في راحاتهم كل لحظة ودقيقة، ولنلقي اللوم على أنفسنا نحن الذين وضعنا على كاهلهم مسؤوليات التحرير والإغاثة والعلاج الميداني الطبي والإنقاذ ونقل المهجّرين والمحافظة على المدنيين والبنى التحتية والصروح المعمارية والأثرية وقائمة المسؤوليات تطول وتزداد أكثر مع  كل متر محرر دون أن نرى وللأسف الشديد كتائب والوية الموصل التي شهدنا لهم صولاتهم ضد عناصر داعش في مقاطع الفيديوهات المسرّبة عبر وسائل الإعلام قبل بدأ عمليات "قادمون يا نينوى"، وكان أملنا أن نراهم بجهدهم المضاعف أثناء التحرير، وكنّا كشعب نعوّل عليهم الكثير في إختصار زمن التحرير وتقليل الخسائر بين المدنيين وليسجَلْ عملهم البطولي في سفر صفحات مدينتهم وتاريخها، خاصة وإنّ الشهود من سكان المناطق التي تتعرض الى القصف الجوي يؤكدون بأن مناطقهم لا تتواجد فيها عناصر داعش بكثرة وعددهم محدود بعدد أصابع اليد الواحدة ـ ـ إذن الم يكن الأجدر قتلهم والسيطرة عليهم بواسطة كتائب والوية الموصل تجنباً لقصفهم بالطائرات وإيقاع الضحايا من الأبرياء المدنيين؟؟!!، أم إنّ هذا الأمر أيضاً يدخل في حسابات تجيير الإنتصارات لهذه الطائفة أو تلك أو لهذا الحزب السياسي أو ذاك وليذهب مئات الضحايا من المدنيين بأطفالهم ونسائهم الى الجحيم وقرباناً لأيديولوجيات سياسية ودينية مسيسة لم يرى المواطن العراقي منها غير الدمار والخراب!!، فكفانا أيها الأخوة هذه الحسابات المغلوطة والتي أثبتت السنوات العجاف التي يعيشها العراق منذ سقوط الملكية ولحد الآن بؤسها ونتائجها الكارثية.
وأنا أعلم تماماً مَنْ أخاطب في كلامي هذا ـ ـ إنني أخاطب شجعان الموصل من أهل الغيرة والحمية ـ ـ أخاطب فرسان القبائل والعوائل الموصلّية العريقة بأمجادها ـ ـ أخاطب إخواني وأبنائي الذين إذا التقيتُ بهم خارج حدود مدينتنا الموصل يسارعون الى تحيتي بجملة "هلا بإبن الِلّوا"!! ـ ـ أخاطب مَنْ يشدّهم إنتمائهم لبلدتهم الموصل وبلدهم العراق قبل أي إنتماء آخر سياسي أو طائفي ديني أو قومي، فإثبتوا وجودكم ونظفوا أحيائكم من العناصر الظلامية الدخيلة على مجتمعكم وما تبقى من ذيولها وحواضنها لتنهوا مآسي الأبرياء وتوقفوا صراخ الأطفال المرعوبين من الحرب وويلاتها وبكاء إمهاتهم، ولتنتهي هذه الحرب اللعينة بخاتمة تكون صولاتكم فيها هي مسك الختام ليسجل التاريخ مآثركم وثأركم ممن أرادوا إباحة الأرض والعِرض من مجرمي ومرتزقة الحروب، فهل سنسمع صدى لندائنا هذا؟؟؟. 
ولقد كنتُ قبل أيام أهاتف إحدى النجيبات الموصلّيات التي تربطنا وإياهم علاقات عائلية متينة لأكثر من خمسين عاماً، وحيثُ لم يكن إختلاف الدين والمعتقدات إلاّ عاملاً رئيسياً على التقارب العائلي بأروع صوره، ولقد كان والدها رحمه الله وإخوانه يتبؤون المراكز المهمة في مدينة الموصل سياسياً وعسكرياً قبل رحيلهم الى دار حقهم، وحال سماعها لصوتي أجهشت بالبكاء فرحاً وخاطبتني بلهجتنا الموصلّية: " أخويي سالم إحنا هسع (أي الآن) ببغداد وإختي وإختك الثانية الحمد لله خلّصه هي وعائلته الجيش (أي خلّصها هي وعائلتها) من داعش الظالم الكافغ (أي الكافر)، والله العظيم يا أخويي سالم تقول وتحلف (تقصد إختها التي لا تزال في الساحل الشرقي من الموصل) إنو أهل الموصل لازم يعملون تماثيل ال عبد الوهاب الساعدي وللأسدي، الله يحفظم وينصرم مع جيشم (أي جيشهم) على هذولي الما يخافون من الله (تقصد الدواعش)"، الحقيقة أفرحتني كثيراً لشعوري من إنّ العراق لا يزال موحداً بنسيجه على الرغم من كل المحاولات لتمزيق وحدته، فها هي إبنة الموصل النقية من كل المعتقدات الدخيلة المسيسة تقول كلمة حق لمنقذها مع عائلتها من براثن داعش. 
ولو إفترضنا جدلاً عدم إتخاذ الحكومة لقرار تحرير الأراضي التي إحتلتها داعش ومنها الموصل، فهل هذا سيرضي سكان المناطق المحتلّة الذين أنهكتهم قوانين داعش القسرية وجرائمها ضدهم يومياً وبطرقها الوحشية السادية؟؟، وهل ستسكت السِنة (جمع لسان) الملامة لنعت الحكومة وجيشها بالضعف؟!، وهل سيتوقف الإعلام الأصفر الذي يعمل كالمنشار صعوداً ونزولاً في تأجيج الوضع الداخلي لغايات سياسية خبرناها صغاراً وكباراً؟!، فالتحرير كان يجب أن يبدأ اليوم أو غداً أو بعد غد، وسقوط المدنيين الأبرياء يتحمل وزره كل من أوصل الأمور الى ما وصلت اليه وخاصة من غرسوا في أولادهم ثقافة الطائفة الواحدة.
أم إننا نحن الذين ننظر من خارج المناطق المحتلة سواء المتواجدين داخل العراق أو خارجه لا يهمنا إلا أن نؤشر على الأخطاء وننتقد الحكومة والقوات المحررة على كل خطأ ميداني أو لوجستي عملاً بالمثل القائل : "الأيده بالميّ مو مثل الأيده بالنار".
فكفانا أيها الإخوة المزايدة والمتاجرة بأرواح أهلنا وشعبنا من أجل أجندات معروفة المقاصد والغايات رافعين شعارات إستهلكنا جوهرها
الحقيقي النبيل من أجل غايات سياسية ومؤامرات تقودها بلدان بعيدة وقريبة وشقيقة للأسف الشديد.
رحم الله كل ضحايا الموصل والعراق من الأبرياء المدنيين الذين ستكون دمائهم شاهدة أمام الخالق على كل من تسبب بإهدارها عن قصد أو غير قصد نتيجة ضخهم وتشجيعهم للفرقة والتناحر والغاء الآخر لغايات سياسية لعينة لم نجني منها غير الخراب والدمار.     


40
أيها السياسيون: هذا هو وفائهم . . . فأين وفاء الأغلبية الغالبة منكم؟!!
بقلم: سالم إيليا
"الشيء الوحيد الضروري لإنتصار الشر . . . هو أن لا يفعل الرجال الجيدين شيء"!!!، هذه المقولة للمفكر السياسي الإيرلندي إدموند بيرك (من روّاد الفكر المحافظ الحديث، عاش ما بين 1729-1797م، وقد نُسبَ اليه إطلاقه لمصطلح السلطة الرابعة)، وكم ينطبق قوله هذا على الحالة العراقية منذ زمنٍ بعيدٍ.
وسأورد مقدمة قصيرة (لتبرير) مقالتي هذه التي وضعتني في موضع الدفاع عن مكونات وشرائح عراقية معينة أصيلة دون غيرها لما أصابها من إضطهاد وتهجير أوصَلَ البعض منها الى نقطة محو مكوّنها من على الخارطة الديموغرافية للعراق وبنسب قد تصل الى المئة بالمئة من مكوّنها العددي!!، وحيثُ لم يبقى منها حتى مواطن واحد أوعدد قليل بعدد أصابع اليد أو عدّة آلاف لا غير!!!، وإنّ البقية من المكونات التي أعنيها في طريقها الى الزوالِ السريعِ!!!.
وبما إنني أمقت لا بل أعادي كل من يتكلم ويدعم طائفته أو مكونه فقط على حساب المكونات الأخرى دون الكلام عن شعب موحد حمل إسم العراق متباهياً ومتفاخراً بتاريخ مشرّف سعينا جميعنا الى إخماد بريق حضارته السالفة التي شعّت بالإتجاهات الأربع للبسيطة وحاضر مظلم أصبح مضرباً للأمثال السيئة بين دول المنطقة والعالم عموماً ومستقبل مجهول يتأرجح على كف عفريت!!!، لذا أتمنى على من يقرأ المقالة أن يكون قاضياً وطنياً عادلاً غير منحازاً لإنتماءاته الشخصية ومتمسكاً بالإنتماء الوطني الأسمى ليصل في حكمه على المقالة الى ما أبغيه من طرح الحقائق المؤلمة فيها.
وما دفعني الى الكتابة وبجرأة القلم الحر عن هذا الموضوع هو أملي في إستنهاض الهِمم للغالبية الوطنية الساحقة من المكوّن الذي صنفه المصنفون على أنه (الأكثرية) دينياً وعِرْقياً، وعسى أن تكون هنالك صحوة وطنية خالصة بعيدة عن دهاليز السياسة ومؤامراتها!!.
 نعم إنها مقالة قد يصنّفها البعض في خانة المقالات (الإستفزازية) القاسية التي تضع النقاط على الحروف، لكن الغرض منها ليس لوضع هذا المكوّن العريق بشقيه في قفص الإتهام بكل تاريخه وتضحياته الكبيرة، لكنها بكل تأكيد هزّة عنيفة لمحاولة صحوة الوطنين الأحرار المغيبين من هذا المكوّن والمستكينين تحت وابل التبعية الدينية/المذهبية والعٍرْقية التي يقودها السياسيين العنصريين المحسوبين عليهم والمنضوين تحت مظلة الدول الطامعة بالعراق والمتسابقين لنيل رضاها!!، وهي دعوة أيضاً للوقوف بوجه توجهاتهم التي حان الوقت فيها الى إستئصالها من جذورها و"عدم ترك الحبل على الغارب" بعد الآن!!.
 والسبب الآخر لكتابتي عن هذا الموضوع هو تنامي ظاهرة "اللاوطنية" المشفوعة بالمبررات "اللامنطقية" للدفاع عن التواجدات الأجنبية من الدول الإقليمية أو القوى الدولية البعيدة والتي تصل وبشكلٍ لا يقبل الشك أو الجدل الى إعتبارها خيانات مذلّة لأصحابها المباركين لها بأعدادهم التي لا يستهان بها من هذه الطائفة أو تلك تحت ذريعة "نصرة المذهب أو الدين أو العِرْق" على حساب "نصرة الوطن والإنتماء الوطني".
وسوف لن أعود بمحاججتي هذه الى العصور الأولى لأجدادنا الذين بنوا حضاراتنا السالفة وهم في أغلبهم من تلك المكونات المهمشة والمطرودة من جنة عدن!!!، لكنني سأبدأ مع بداية الدولة العراقية الحديثة سنة 1921م والذي يحاول البعض (الكثير) وللأسف الشديد تدميرها وتقسيمها لتتوزع كغنائم مع مواطنيها على بقايا إمبراطوريات زالت وإندثرت ولم يتبقى منها إلاّ رماداً متطايراً يذر في عيون مَنْ حيّدوا بصرهم وبصيرتهم فتشبثوا (بالنازيين) الجدد المتعصبين لعِرْقهم من تلك الدول الإقليمية للإتحاد معهم تحت يافطة الإنتماء الديني/المذهبي أو العِرْقي الذي يستخدمه هؤلاء المتصيدين النازيين كطُعْمٍ للسيطرة على العراق.
وأنني في هذه المقالة أخاطب مَنْ ظلموا تلك المكونات بدافع التمييز المتعدد الأوجه، وحيثُ أطلقوا عليهم تسمية (الأقلية) العددية تصغيراً لدورهم الوطني الكبير في بناء العراق الموحد قبل وبعد نشوء الدولة العراقية الحديثة، وحيثُ ضلّلوا ونكروا عليهم دورهم الوطني وإيثارهم لبلدهم وصبابتهم له وهم منفيون قسراً عنه.
فهل جرّبَ أحد مواطني (الأكثرية) يوماً ما شعور الأسى لأحد مواطني (الأقليات) بحجب منصب إحدى الرئاسات الثلاث (التشريعية، التنفيذية والقضائية) عنه أو منصبي وزيري الدفاع والداخلية أو غيرها من المناصب السيادية المهمة في حالة رغبته في تبؤء أحدها والمحظورة عليه كونه من (الأقليات) وليس بسبب عدم كفائته أو عدم ولائه لوطنه أو الشك في أصالته أو إفتقاره للشهادات الأكاديمية التي تؤهله لإشغال هذه المناصب؟؟؟!!!، وإنما حُجِبَ المنصب عنه بسبب معتقده الديني أو العِرْقي!!، وحيثُ أنّ هذا الإستحقاق حقاً مشروعاً وواجباً لكل من يحمل الجنسية العراقية؟!!، وهل جرّبَ أحدهم يوماً شعوره عندما يُسأله سائل بمغزى طائفي عن دينه أو قوميته ليرسل السائل رسالة تحذير وربما شماتة الى المتلقي على أنه من (الأقليات) لكي لا يتعدى حدوده للمطالبة بنفس حقوق مواطنه من (الأكثرية)!!، وربما هنالك مَنْ لم يدرك المعنى الإعتباري لما ذكرته حتى من تلك المكونات ويستسخف هذا الطرح الوطني ويقول "هي بقت على الرئاسات الثلاث"!!.
وأرجو أن لا يقفز أحدهم على المنصّة مدافعاً ومبرراً ليقول لي أنّ الجميع متساوون في العراق ولا وجود للتفرقة أو الغبن على (الأقليات) في هذا الزمن أو الأزمان التي سبقته وغير ذلك من الكلام المعسول بالمفردات الرنانة وإعطاء أمثلة بسيطة عن هذا الوزير أو ذاك المدير العام من (الأقليات) لتبرير التفرقة المدعومة بالقوانين الوضعية والمبررة خطأ وظلماً بغطاء االتوصيات الإلهية!!!!، فبمجرد رفع البطاقة الحمراء بوجه أحد مواطني (الأقليات) لمنعه من التمتع بنفس إمتيازات وحقوق مواطنه الآخر الكاملة والغير منقوصة من (الأكثرية) بسبب دينه أو عِرْقه هو تمييز وإنتهاك صارخ لمواطنته وإنتمائه حسب كل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية وإعتباره مواطن من الدرجة الثانية أو الثالثة!!.
ومن المفارقات المزعجة والمؤلمة أن هؤلاء المتعصبون المَذهبيون/العِرْقيون هم أنفسهم الذين تآمروا على العراق على مدار مراحل وفترات نشأة الدولة العراقية ووضعوا أياديهم بيد المحتل الأجنبي الإقليمي والدولي، وهم أنفسهم الذين وضعوا العراق في سوق المزايدات السياسية محاولين بيعه لهذا الطرف أو ذاك متجردين من عراقيتهم ومبررين خياناتهم بأغطية مُهَلْهَلة من أسمال التبعية المذهبية الدينية أو العِرْقية، علماً بأنّ مَن ْشرّدوهم من يهود ومسيحيين وصابئة مندائيين ويزيديين أو غيرهم هُم من ذرية الأصلاء الأولين الساكنين على هذه البقعة الطيبة ممن يختلفون مع الأكثرية الساحقة من أبناء الوطن أما بالدين أو العِرْق أو الإثنين معاً والذين أصبحوا (أقلّية) في نظر العنصريين بعد أن فعل السيف فعله في إبادتهم أو تغيير معتقداتهم ثمّ تلاه التهجير القسري بسوط القوانين الجائرة وأبرزها قوانين الأحوال المدنية التي فرضت تغيير المُعتقد المُكتسب للقاصرين عنوة في حالات معينة وقوانين أخرى باركتها البرلمانات الشكلية على أمتداد مراحلها الزمنية، ثمّ إعتداءات و(غزوات) المتشددين على مناطق تواجد تلك (الأقليات) بتساهل وتقاعس واضح من الحكومة الفدرالية ومؤسساتها الأمنية، مروراً بقوانين تحريم ما هو مسموح به في المعتقد الديني للبعض منهم والداخل في ليتورجيات طقوسهم الدينية (الأفخارستيا) وأعني به الخمر كرمز ديني، تاركين المشرّعين لتلك القوانين القسرية الأهم في تحريم السرقات للمال العام والفساد المالي والإداري والمجتمعي!!!.
وأسأل هنا غالبية السياسيين ممن تظاهروا بنصرتهم لدينهم أو مذهبهم أو عِرْقهم سؤالاً محدداً: مَنْ هم التابعون الآن لإيران أو لتركيا أو للسعودية أو للمحتل الأمريكي أو غيرهم من الطامعين؟؟؟، ومَنْ هم الذين تآمروا مع بعض الدول العربية والإقليمية والدولية ما قبل سقوط الملكية وبعدها ولحد الآن على العراق والذين أوصلوه الى ما هو عليه الآن؟؟؟، هل هم من أولئك المنتمون الى (الأقليات) كما أطلقتم عليهم والذين شرّدتموهم بلا هوادة من ديارهم وأبحتم أعراضهم وحلالهم وممتلكاتهم ونكرتم عليهم إنتمائهم الوطني الذي لم يتخلى معظمهم عنه وهم في العراءِ ـ ـ ولم يتخلوا عنه وهم في طريقهم عبر اليَم القاتل الى الضفة الأخرى حتى وصل مَنْ وصل اليها بكسوة جلدهِ فقط ـ ـ ولم يتخلوا عنه وهم في (جنتهم) الحقيقية في دول المهجر والتي أعطتهم من الحرية في ممارسة طقوسهم وبناء حياتهم الإجتماعية أكثر مما أعطاهم بلدهم الأم وللأسف الشديد؟؟؟!!!، لكنهم ومع هذا لم يشعروا بإنتمائهم الى موطنهم الجديد على الرغم من تقديرهم العالي لإحتضانه لهم!!!!، فلم يتركوا فرصة فرح لهم في مَهَاجِرُهُم إلاّ وصدحت حناجرحم بحُبِ العراق ـ ـ وجنة جنة جنة والله يا وطنّا!!!، وكأنّ لسان حالهم يردد أمنياتهم التي لم تتحقق في ظلِ وطنهم العراق وجنته الحالمين بها!!، وقد تحدّوا حتى الدول المضيفة لهم حين تحالفت ضد العراق في حربي الخليج الثانية والثالثة فكانوا يفتتحون حفلاتهم الشخصية والعامة بأغنية "يا گاع ترابچ كافوري" وهم في عقر دار (العدو)!!!.
 أما مَنْ هُجّروا من اليهود العراقيين فلهم قصصهم المأساوية المقرونة بالحقائق والتسجيلات الصورية والسمعية لِما تؤكد لحد الآن إخلاصهم بمعظمهم لإنتمائهم العراقي الذي نقلوه الى أبنائهم المولودين في المنافي خارج وطنهم العراق، ومع كل هذا فقد كانوا يصرخون وبكائهم وعويلهم يشق عنان السماء مستذكرين عراقيتهم وإنتمائهم الوطني في نفس اللحظة التي كان البعض من السياسيين المحسوبين على (الأكثرية) يتآمرون فيها على العراق مع هذه الدولة الإقليمية أو تلك الدولة العربية ويتسابقون في عرض ولائهم لها وعارضين خدماتهم لتقسيم العراق الى مناطق وأقاليم طائفية ولغايات شخصية زائلة، متظاهرين نصرتهم لإنتمائهم الديني/المذهبي أو العِرقي ظلماً؟؟؟.
فمَنْ أحَب وأوفى لجذوره ومسقط رأسه العراق أكثر من البروفيسور د.اليهودي سامي (شموئيل) موريه ومواطنه الشاعر أبراهيم عوبديا حين نقل لنا عنه البروفيسور د.سامي موريه مناداته ودعائه للعراق وهو على فراش الموت بعيداً عنه ومناجياً ربّه:
  يا رب نجِّ العراق اليوم من محنتِهِ وإجعله يزهو كما كان في زمنهِ ـ ـ
يا رب وانعم عليه بالسلام، فقد آن الأوان لينجوّ اليوم من شجنهِ ـ ـ
دعْ الرخاء يعمّ الشعب أجمعه والخير في ريفهِ يجري وفي مُدُنِهِ ـ ـ
كما كتب د. سامي موريه إحدى قصائده سنة 2006م وعنونها الى سياسيي (الأكثرية) في العراق "كفاك ضياعاً يا عراق"، يقول المقطع الأخير منها:
أصيحُ بالعراق، يا عراقْ ـ ـ
يا واهب الشباب اليُتْمَ والردى ـ ـ
عُد الى رُشدكَ يا عراقْ ـ ـ
عُد الى الوفاقْ ـ ـ
وخلّي شباب العراقْ مرّة أبعُمرَه يتْهنّا ـ ـ
ومن أحَب وأوفى للعراق أكثر من حبِ الصابئي المندائي الشاعر الكبير عبدالرزاق عبدالواحد الذي توفي بعيداً عن وطنه حين بلغ ذروة حبه في قصيدته الخالدة "سفر التكوين"؟، ومَنْ وصَلَ الى ذروةِ وجعهِ على العراقِ حين صدح في إحدى قصائدهِ قائلاً؟؟:
ما قلتُ يوماً سوف أفتحُ منفذاً لدمي على هذه القصيدة لأرى بها وجعي يراقْ ـ ـ
إلاّ وجدتُ منافذي سدّت بأوجاعِ العراقْ ـ ـ
وقالَ في قصيدةٍ أخرى مهنئاً مَنْ أحبَّ العراق!!:
هنيئاً لِمَنْ لا يخوُنكْ ـ ـ هنيئاً لِمَنْ إذ تكوُنُ طعيناً يكوُنكْ ـ ـ
هنيئاً لِمَنْ وهو يَلفظُ آخرَ أنفاسه ـ ـ تتلاقى عليهِ جُفونُكْ ـ ـ
وأقسى الشعور أن يشعر أحد الأبناء في البيت الواحد لظلمِ والده له وتفضيل بقية أبنائه وتمييزهم عنه لأنهم من رحمٍ ثانٍ، هكذا يشعر يا إخواننا من (الأكثرية) إخوانكم من (الأقليات) طوال حياتهم، لكنهم لا يجاهروا بشعورهم هذا خوفاً مما لا يحمد عقباه!!.
وحسناً فعلتا رئاستي الجمهورية والوزراء بالإقتراح المقدم للبرلمان للموافقة على تخصيص مقعداً برلمانياً للأرمن وحيثُ أعتبرهم أنا نموذجاً رائعاً في إخلاصهم للإنتماء الوطني العراقي، فلربما الكثير منهم آخر مَنْ إستوطنوا في العراق بحساب الزمن وبأعداد كبيرة، لكنهم أثبتوا ولائهم المطلق للعراق وقبلهم فعلوا التركمان في إثبات ولائهم للأرض التي إحتضنتهم، وهذان النموذجان يعطيان الدليل القاطع على وفاء كل من شرب من نهري دجلة والفرات، فهل (للأكثرية) العددية الحق في سلب كل تلك (الأقليات) كما يطلقون عليها لحقوقهم المشروعة؟؟!!، لا بل طردهم وإباحة قتلهم وتشريدهم وإنهاء تواجدهم على أرضهم وأرض أجدادهم التي أخلصوا لها ودافعوا عنها وسالت دمائهم عليها وشاركوا في بناء صروحها.
وهل سيستمر العمل للبعض من (الأكثرية) على تهجير ما تبقى من (الأقلية) ثمّ يجلسوا بعد هنيهة من الزمن ومن معهم يندبون تلك الساعة الشيطانية المتسرعة ويشحذون هممهم وأقلامهم بعد حدوث التهجير في تعداد خصائل تلك المكونات وإخلاصها للوطن ويعددون مَنَاقِبُها وأفعالها الحميدة وما فعله مواطنيها للعراق من خير وإيثار، ثمّ ينهي المجتمعون مناحتهم هذه بإستغفار ربّ العالمين وجملة "لا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم" ويذهب كلٌ الى داره وينتهي الأمر؟!!.
فلو كان عضو البرلمان يمثل بحق كل أبناء الشعب العراقي دون تخصص طائفي لإنتفت الحاجة الى مطالبات تلك المكونات بمقاعد لها في البرلمان للحفاظ على حقوقها، لكن الذي نراه على أرض الواقع نخجل من ذكره لما فيه من صلافة المجاهرين بتعصبهم الطائفي العِرْقي والديني بشقيه المذهبي من البرلمانيين وغيرهم من السياسيين.
 ولقد أثبتت النتائج من أنّ المتشددين قد أضرّوا معتقداتهم وإنتماءاتهم الفكرية والروحية أكثر مما أضرّوا معتقدات الآخرين، فمن أراد لإنتمائه الخير والسمو والقوة والإستمرارية من أي دينٍ أو مذهبٍ أو عرقٍ أو حتى فكر سياسي عليه أن يدعمهُ بتحديث خطابه وإنفتاحه على مجتمعه المتعدد الأديان والمذاهب والأعراق والأفكار وتفاعله إيجابياً مع البيئة التي يحيا عليها ومع العالم أجمع، ـ ـ وليقف لحظة كل من ينتصر لإنتمائه بالقوة المسلحة والتشدد بالقوانين المفروضة قسراً على بيئته ويفكر بنتيجة تشدده هل إنعكست إيجاباً على إنتمائه أم سلباً؟؟!!، إذن فليجرب الإنفتاح والتحديث في كيفية عرض قناعاته بالنقاش والحجج وليس بقوة السلاح والقوانين الوضعية الجائرة أو بالإقصاء القسري لمكونات كاملة وتهميشها.
ولقد أثبتت النتائج بكل مآسيها على أرض الواقع من أنّ سبب كل مصائب العراق وعدم تقدمه خطوة واحدة الى أمام هو تمسك السياسيون المحسوبين على (الأكثرية)  بأرائهم في فرض إنتماءاتهم الشخصية وتعميمها على الجميع بقوة السلاح تارة أو قوة القوانين التي يشرعونها تارةً أخرى وبخصوصيتها التي يستحيل تعميمها إلا إذا تجاوزوا عصرهم وأعرافه السائدة دولياً بإحترام حقوق الإنسان وهذا ما حصل ويحصل الآن!!!.
ولأكن صريحاً أكثر، فمَنْ أرادَ أن يكون وطنياً فينبغي له أن لا يكون طائفياً ويحتفظ بإنتماءاته وخصوصياتها لنفسه ولعائلته على أبعد حد!!!، وإبعادها وفصلها عن العيش المجتمعي المتنوع الأعراق والأديان والمذاهب، وحيثُ أصبحت تتعارض بشكلٍ واضحٍ مع نقاوة الإنتماء الوطني العام ومستحقاته والذي تستظل تحت مظلته كل مكوّنات الشعب العراقي، وحيثُ أثبتت النتائج المأساوية والكارثية التي لحقت بالجميع تعارض الولاءات الخاصة مع الولاء للوطن، فما دام هنالك أكثرية وأقلية فإنّ نهر الدم سيستمر وتستمر معه المآسي والويلات.   
وهذه دعوة صريحة للوطنيين لتغيير واقع عنصري مرير منذ عشرات أو مئات السنين والذي أوصل البلد الى ما هو عليه الآن من تدهور مريع، وليرقى الجميع بأفكارهم الى المستوى الحضاري والإنساني للقرن الواحد والعشرين، وليعبّر الدستور بفقراته عن تمثيله لجميع المواطنين على حدٍ سواءٍ، وليكن الولاء أولاً للوطن الذي إذا تعافى فستتعافى معه كل الولاءات الشخصية الأخرى بكل تأكيد.
     


41
المنبر الحر / برلين تواسي الموصل
« في: 19:43 09/03/2017  »
برلين تواسي الموصل
بقلم: سالم إيليا
منذُ نهاية الحرب العالمية الثانية في بداية أيلول/1945م ودخول الحلفاء الى برلين مع بداية شهر مايس من نفس السنة لم تتعرض أية مدينة كبيرة مكتظّة بالسكان الى حربٍ شعواءٍ من بيتٍ الى بيت ومن غرفةٍ الى غرفة مثلما تتعرض له الآن الموصل ثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد.
وبعد مرور (72) عاماً بالتمام والكمال على دمار برلين وما أصاب سكانها المدنيين من قتلٍ وتجويع ومآسي مروعة سيبقى التاريخ يذكرها تتكرر مأساتها اليوم على الجهة الأخرى من العالم وتحديداً في مدينة الموصل العراقية وبكل تفاصيلها الحربية المدمرة مع سكوت واضح وإهمال شديد من لدن المنظمات الإنسانية العالمية ومسؤولي القرارات الدولية المنضوين تحت مظلة الأمم المتحدة ومجلس أمنها.
لقد صدقّنا الإعلام الحكومي وأصحاب القرار السياسي والعسكري حين روّجوا لنظرية "الحرب النظيفة" التي ستحرر الموصل من عصابات داعش الإجرامية الدولية، وتفاعل أهل الموصل الأسرى لدى داعش مع وعود الحكومة وتعليماتها بإيجابية كبيرة في دعوتها لهم في البقاء في دورهم والتعاون معها لكي لا يصيبهم الأذى وسوف تعمل الحكومة بوزاراتها الخدمية ذات الصلة على إسعاف المواطنين المحليين بكل إحتياجاتهم من أغذية ووقود وغير ذلك من الضروريات، خاصة وإنهم كانوا محاصرين لأشهر عديدة قبل إقتحام الموصل من جانبها الشرقي وكانوا قاب قوسين أو أدنى لقرب نفاذ خزين طعامهم وذخيرتهم المالية بسبب عدم إستلامهم لرواتبهم لشهور عديدة!!.
وبدأت المعركة وجرى إقتحام الجانب الشرقي ( والذي يطلق عليه خطأ بالأيسر) من الموصل ووقفنا جميعنا مع الجيش المحرر وأستقلبت النساء في الجانب الشرقي القطعات المحررة من جيش وشرطة بالزغاريد، لا بل حتى بالقُبلات متجاوزين تقاليدهم ومعتبرينهم أبنائهم وإخوتهم ومنقذيهم.
والحق يقال لقد شاهدنا المحررين وهم يقومون بواجباتهم القتالية على أكمل وجه رغم صعوبة قواعد الإشتباك داخل المدن مع عصابات تكفيرية تبرر قتل المدنيين إذا لزم الأمر وإتخاذهم لهم دروعاً بشرية، فكان المحررون يقاتلون لحماية أنفسهم وتحرير الأحياء السكنية ويساعدون على إخلاء بعض المدنيين من بيوتهم ومناطقهم المدمرة وينظفون المناطق من العبوات الناسفة والدور المفخخة التي نصبها الداعشيون كأشْرَاك، لا بل تركوا أسلحتهم وخاطروا بحياتهم لإخراج عوائل بكاملها من تحت أنقاض دورهم وهذا الأمر قلما يحدث في حروب المدن التي لا يبعد المقاتل فيها عن خصمه إلاّ أمتاراً قليلة!!!، إضافة الى معالجة الجرحى المدنيين ميدانياً وبشكل مؤقت لحين إخلائهم بالعجلات العسكرية (الهمر) الى الخلفيات وإستغناء الجيش عنها مجبراً وهو في أحوج أوقاته لها، كل هذا الأمر وكنّا كمواطنين ومراقبين متفائلين على الرغم من سقوط عدد قليل نسبياً (بالنسبة لظروف المعركة وعدد سكان الساحل الشرقي) من الضحايا بين شهيد وجريح من المدنيين وفي غالبيتهم سقطوا بتفجير الدواعش لسياراتهم المفخخة على مقربة من دورهم.
نأتي الى الجانب الآخر للمعركة وهو الجانب الإنساني والخدمي الإغاثي وهو مهمة الوزرات والدوائر والمنظمات الخدمية التي ملئت وسائل الإعلام ضجيجاً بإستعدادها لمعركة التحرير وتهيئتها لكافة المستلزمات الضرورية من معسكرات الإيواء الى وسائل النقل الى الطبابة والمستشفيات وبدأت بالتباهي بإستعدادها لإستقبال المهجّرين مهما بلغ عددهم!!، لكن الحقيقة إتضحت مع أول حي جرى تحريره في الجانب الشرقي وتلكؤ هذه الوزارات وخاصة الهجرة والمهجرين والنفط والصحّة في توفير المواد الغذائية ومواد الإغاثة والوقود (النفط الأبيض والبانزين) والأدوية الضرورية لساكني الأحياء المحررة والمهجّرين في معسكرات الإيواء على حدٍ سواء!!، وحيثُ كان من المفروض تهيأت المستلزمات داخل الخيم قبل قدوم العوائل المهجّرة بساعات على أقل تقدير وأن يكون هنالك تنسيق مع الجانب العسكري الذي حمل على عاتقه مسؤولية الإخلاء لتأتي العوائل المنهكة من تداعيات المعارك فتجد الخيمة كاملة بمستلزماتها وموادها الغذائية لا أن تقف بطوابير لساعات وقد أعياها التعب لإستلام المواد الغذائية وتنتظر أيام في البرد القارس لإستلام المدافئ ثم تنتظر الوقود وهكذا، غير أنّ تلك الوزارات إعتمدت على جهود المنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية حتى وصلت مساعدات تلك المنظمات الى البعض من معسكرات المهجّرين قبل وصول مساعدات الوزارات الحكومية المعنية على الرغم من عدم وصول أعداد المهجّرين الى ثلث الأرقام المتوقعة من قبل تلك الوزارات الحكومية!!!.
ولنضع النقاط على الحروف ونشخص الخلل وأسبابه:
فمن الناحية العسكرية كان واجباً على القائد العام للقوات المسلحة وقادة غرفة العمليات تخصيص فوج مدرّب  خاص على أقل تقدير ليقوم بعمليات إنقاذ وإغاثة المدنيين وإخلائهم الى الخلفيات المخصصة والمتفق عليها كونهم الجهة المهاجمة وهم الأعلم بخططهم ومن أين سيبدأ التحرير ولتستلمهم بعدها الجهات المدنية من وزارة الهجرة والمهجّرين والدوائر ذات العلاقة لنقلهم بالناقلات السياحية الى معسكرات الإيواء دون إرباك القطعات الحربية المشتبكة مع العدو والمحررة بهذا العمل!!.
 كذلك كان على قادة غرفة العمليات دعم القطعات الحربية المحررة بشكل متوازي وميداني بالكادر العسكري المدرّب الذي يتنقل معها لتوزيع مواد الإغاثة الطارئة على السكان الذين قرروا البقاء في دورهم تلبية لنداء القيادة العامة للقوات المسلحة وبالتنسيق مع منظمات الإغاثة المدنية والوزارات الخدمية التي لا تستطيع الدخول الى ساحة العمليات بشكلٍ متزامنٍ مع القطعات المحررة، وحيثُ تكون تلك الأفواج أو المجموعات متخصصة ومدربة ومجهزة بمعدات خاصة ( آلات لقطع القضبان الحديدية والمجارف اليدوية والفؤوس ـ ـ الخ) للقيام بأعمال إنقاذ المدنيين من تحت الأنقاض بالطرق الصحيحة لتقليل الخسائر البشرية وإسعافها، وإذا كان هنالك نقص في الكادر العسكري لتكوين هذه الأفواج والمجموعات المهمة لأي معركة من هذا النوع، فكان من الأجدر للقيادة العسكرية والسياسية العراقية الترتيب مع الحشود المحلية الذين دربتهم دول الجوار وفتحت لهم المعسكرات في بعشيقة وغيرها للقتال ولخلط الأوراق لأغراض سياسية، والتفاهم معهم لإحتوائهم في عرض مشاركتهم بعمليات الإنقاذ وإخلاء المهجّرين دون الإنخراط كمقاتلين حربيين، وبهذا تكون الحكومة قد وضعتهم على المحك لإثبات صدق نواياهم لمد يد المساعدة لأهلهم وناسهم دون الإشتراك الفعلي لتحرير ومسك الأرض، وحيثُ تكون بهذا الإجراء قد ضربت عصفورين بحجر واحد!!، خاصة وإنهم جاهزون على التكيّف مع متطلبات ساحة العمليات وبيئتها القتالية!!.
وحيثُ تعذّر القيام بتهيئة ما أوردته أعلاه من مستلزمات الإغاثة والإنقاذ فقد كان لزاماً على القيادتين السياسية والعسكرية  أن تتهيأ لإخلاء المدينة بالكامل لأسباب عديدة منها الإنسانية لتجنيب المدنيين والأطفال والنساء بشكلٍ خاص الرعب الذي يلازمهم على مدار الساعة ومشاهدتهم للجثث المرمية لعناصر داعش حتى في حدائق منازلهم وتعرضهم الى الحصار والموت جوعاً، والسبب الآخر هو سبب  أمني لتفويت الفرصة على أفراد داعش من الإختلاط مع الأهالي بعد التحرير فتضيع فرصة القضاء عليهم نهائياً، فلو أفْرِغَت المدينة لكان واضحاً من أنّ ما تبقى في معظمهم هم من داعش أو مع داعش مع وجود إستثناءات بسيطة يمكن فرزها بسهولة.
كذلك فإن مهمة توفير الممرات الآمنة للمدنيين كما صرّح القادة العسكريين لم تكن بالمعنى الآمنة مئة بالمئة حسب المعطيات على أرض الواقع سواء في محافظة نينوى التي تعتبر من المناطق الساخنة الآن وساحة مفتوحة للعمليات العسكرية بمختلف أنواعها أو مناطق العراق الأخرى التي لا تزال تحت سيطرة داعش، فقد برر هؤلاء القادة الخسائر البشرية في صفوف بعض المدنيين من جرّاء إنفجار العبوات الناسفة عليهم التي زرعها الداعشيون في مناطقهم والتي حاول المدنيون السير من خلالها الى الممرات الآمنة (فرضياً وليس حقيقياً) للوصول الى القطعات العسكرية، وهنا تحضرني قصة مؤلمة هي الأقرب الى الخيال في قصص الحروب ومآسيها التي رواها عبر الفضائية العراقية نيوز قبل أيام النائب في البرلمان عن الموصل عبد الرحمن اللويزي، حيثُ يروي ما أخبرته به إمرأة طاعنة في السن من ناحية "العلم" من أنها كانت تسمع صراخ طفل لأكثر من ثلاثة أيام وكانت تخبر عائلتها والمقربين لها بذلك حتى إنتشروا في البرية يبحثون عن مصدر الصراخ فوجدوا طفلاً لا يتجاوز الخمسة أعوام يحوم حول خمسة جثث لعائلته حاولوا الهروب من قبضة داعش في الحويجة فسقطوا في حقل الغام أبادهم جميعاً تاركاً هذا الطفل لمصيره المجهول!!!.   
أما مآسي الجانب الغربي (الذي يطلق عليه خطأ بالأيمن) والخسائر البشرية من المدنيين فيه فقد بدأت بداية مأساوية مع القصف المدفعي والضربات الجوية لقوات التحالف وطيران القوة الجوية العراقية، وعلى الرغم من تأكيد جميع الأطراف على دقة الإصابات لكن الأخبار المتسربة من المدنيين في الساحل الغربي تؤكد حدوث أخطاء كلفت بعض المدنيين حياتهم، ونقلاً عن الفضائية الشبه الرسمية فقد تمّ إنقاذ (37) مدنياً من تحت الأنقاض لإحدى البنايات من قبل الجيش المحرر لكن بعد عدة أيام من تدمير بنايتهم وبعد إخبار المواطنين عنهم (بعض الأنباء غير المؤكدة تقول تم قصف البناية لوجود مجموعة من قناصي داعش فوق سطح البناية)!!!، فأين هو الجهد الإغاثي الفوري؟!!.
وقد سمعنا قبل بدأ معركة الساحل الغربي من أنه ستكون هنالك مفاجئات لا يتوقعها العدو وإنّ القطعات المحررة ستستخدم الأسلحة (الذكية) وستحيّد الأسلحة (الغبية) لتقليل إحتمالات إصابة المدنيين الى حدودها الدُنيا، لكن تبين في الأيام الأولى للقتال من أن تلك الأسلحة لم تكن في حوزة المحررين إلا بعد مرور أكثر من إسبوع على بدأ إقتحام الأحياء المهمة في الجانب الغربي مما أدى الى سقوط الضحايا من المدنيين والعسكريين نتيجة هذا التأخير في إستلامها!!.   
أمّا من الناحية اللوجستية الداعمة لعمليات التحرير من قبل الوزارات الخدمية المتخصصة، فقد فشلت في مواكبتها وإستمرارها وأعلنت عملياً عن عجزها على مواكبة عمليات النزوح خاصة في الجانب الغربي وبعد تباطؤ عمليات الإغاثة الدولية ومنظمة الأمم المتحدة ورمت باللوم عليها، وقد تناست هذه الجهات من إنّ المنظمات الدولية ما هي إلاّ منظمات ساندة ولا تقع على عاتق مسؤولياتها تباطئ أو فشل إغاثة اللاجئين كون إن هذا الأمر مسؤولية وطنية وقرار التحرير كان قراراً وطنياً كما صرّح ويصرّح المسؤولون السياسيون والعسكريون، وقد صرّح وزير الهجرة والمهجّرين يوم أمس الأربعاء السيد الجاف في كلمته في "ملتقى السليمانية" من أنّ الوزارة عازمة على بناء مئة الف خيمة إضافية لإستيعاب نصف مليون مهجّر!!!، صح النوم يا سعادة الوزير، فأين كنتَ أنت وكادر وزارتك، وهذه الـ (عازمة) التي تذكرها سيكون عندها المهجّرين قد شبعوا من المآسي والبرد والإمطار في العراء، وتكون الموصل قد تحررت وعاد اليها مواطنيها، فبأي منطق تتكلم ومن أي موقع مسؤولية تصرّح، بالتأكيد ليس من موقع هرم المسؤولية وإنما من أدنى موقع لأبسط موظف في وزارتك الفاشلة دائماً في مواكبة الأحداث المتسارعة في العراق. 
وقد إعترف الناطق الرسمي لغرفة العمليات المشتركة العراقية والناطق بإسم الإعلام الحربي العميد يحيى رسول عن أن هنالك تباطئ واضح في عمليات إغاثة المدنيين في الجانب الغربي من الموصل ونحن لا زلنا في بداية تحرير أحيائه، لكنه تدارك الأمر ورمى بالكرة في ملعب الأمم المتحدة متهماً إياها بالتوقف عن أداء واجبها!!!، وقد أيده في ذلك أحد الخبراء الأمنيين الذي كان جالساً في نفس الندوة التلفزيونية!!، ومثلما ذكرتُ سابقاً من أنّ هذا الأمر هو من مسؤولية المؤسسات والوزارات العراقية أولاً، خاصة وأنهم صرّحوا مراراً من أنهم إستلموا الأموال الداعمة من الدول المانحة والخزينة العراقية بشكلٍ كاملٍ وكافٍ لجميع الإحتمالات، فأين ذهبت تلك الأموال؟؟!!.
ولكي لا تتهمني الحكومة العراقية وإعلامها الشبه رسمي من أنني أروّج للدعايات الكاذبة والإصطفاف مع من أطلقوا عليهم الإعلام الأصفر، وحيثُ أؤيدهم من أن هنالك إعلام أصفر لا بل إعلام حاقد وأسود على كل ما هو عراقي، أؤكد من أنّ كل ما ورد في مقالتي هذه قد نقلتهُ عن القناة الفضائية العراقية نيوز التابعة للإعلام الشبه الرسمي!!، وسأورد أدناه ما جاء على لسان المواطنين والمسؤولين والعسكريين والسياسيين والإعلاميين على حدٍ سواء ومن داخل المؤسسة الإعلامية الشبه الرسمية، وسأترك الحُكم أمام من يهمه الأمر لإتخاذ القرار والإجراء المناسب.
فقد صرّح أحد المواطنين أمام كاميرا الفضائية العراقية في الجانب الغربي من أنّ الجوع قد بلغ مبلغه حتى أنّ الأطفال من جوعهم أخذوا علبة فارغة لمشروب البيبسي من يد أحد المقاتلين وبدأوا يشمونها ـ ـ ركزوا معي رجاءاً على كلمة يشمونها لإحساسهم بالجوع والعطش الشديدين ولأنهم لم يتذوقوا الطعام منذ يومين!!!، فما كان من المراسل للقناة إلاّ أن قال له متداركاً الإحراج: المهم الحمد لله على سلامتكم وهذا هو المهم!!، لكن سؤالي: هل هم حقيقة قد سلموا من الموت؟!!، أم أنّ الجوع سيكون العدو الأقسى من طلقة مسرعة لأخذ أرواحهم!!، الم يكن الأجدر بمن في أيديهم القرار أن يأمروا بوضع عدة أكياس من الخبز فقط في كل عجلة من عجلات (الهمر) المهاجمة والتي قد لا تشغل أي حيز يُذكر للإغاثات الطارئة لجياع الجانب الغربي لحين وصول المواد الغذائية لهم!!!. 
يقول أحد المراسلين من القناة العراقية نيوز بعد سؤاله عن مدى تعاون الأهالي مع القوات المحررة في الجانب الغربي التي تجري فيه المعارك الآن: "أنّ المواطنين المدنيين والعوائل المتواجدة في بعض الطوابق للأبنية العالية كانت تعطي الإشارات الى القوات المُحررة لتحذيرهم من وجود القناصين لداعش الإرهابي على سطوح بناياتهم"، إذن المواطنون يقومون بواجبهم معرضين حياتهم للموت على يد عناصر داعش بسبب تعاونهم الأمني والإستخباري مع القطعات المحررة وقد أبيدت عوائل بكاملها من قِبَل عناصر داعش لهذا السبب وكما نقلته الأخبار المتسربة، ألا تستحق هذه التضحيات الرد بالمثل من قبل الدوائر الخدمية الحكومية؟!!.
ثمّ يُسْأل نفس المراسل للقناة المذكورة عن مدى فعالية عمليات الإغاثة، فتهرّبَ من السؤال مرسلاً رسالة تحذيرية لمن يهمه الأمر قائلاً: " العوائل بالرمق الأخير نتيجة نفاذ المواد الغذائية والأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة مع معاناتهم النفسية وحالات الصدمات النفسية التي أصيبوا بها"، وهذه المعاناة التي يذكرها المراسل خاصة للأطفال والنساء وكبار السن هي بكل تأكيد نتيجة ما عانوه وما شاهدوه من جثث متروكة لأيام أمام أنظارهم وقصف مستمر على مدار الساعة.
لقد ذكر أحد المهجّرين وهو جائع من أن عدّة مئات من المدنيين الفارين من قرى "الصمود" و "السكر" وغيرها من القرى قطعوا عدّة كيلومترات مشياً على الأقدام من أطفال ونساء وكبار السن والمعوقين وباتوا ثلاثة أيام في العراء بدون طعام أو ماء!!!، إذن أين هي منظمات الإغاثة، اليس من المفروض أن يكونوا مهيئين لإستقبالهم وتقديم كل أنواع الدعم وخاصة الغذائي لهم، الم يكن بالإمكان للطائرات السمتية وهي تحلّق فوق أجواء المعركة بإستمرار أن ترمي لهم بعض المساعدات الغذائية الضرورية، فهم أكيد تحت مرمى أنظارها!!. 
إذن أهالي الموصل وحسب شهادة القادة العسكريين الميدانيين والمراسلين الحربيين يقومون بواجبهم الوطني بمساعدة القطعات المحررة بالمعلومة الإستخباراتية، لكن من جانب آخر هنالك قصور واضح من قبل منظمات الإغاثة وخاصة الحكومية منها، وللحقيقة فأن ما قدمته وتقدمه المنظمات المدنية والدينية من الجنوب والوسط أكبر بكثير مما تقدمه الدوائر الحكومية المعنية، وبالتأكيد فإن قطعات الحشد الشعبي الذي وقفنا ضدها جميعنا أثبتت إنسانيتها في هذه المعركة أفضل بكثير من غيرها من المتباكين على المكوّن!!!، وهنا أتوقف لأسأل المتباكين على المكوّن من دول الجوار والدول العربية وحلفائهم من الداخل: أين أنتم الآن؟!!، وأين هي مساعداتكم الإنسانية للعوائل التي تباكيتم عليها؟!!، وهل أنتم ناشطون فقط في تزويد الأسلحة وتدريب الجموع على الإقتتال وزرع الموت فقط!!، لكنكم تحجمون عن تقديم يد العون عندما يصل الأمر لتقديم المساعدات الإنسانية من أغذية وأدوية ومستلزمات ضرورية أخرى؟!!، وأين هي تركيا صاحبة اللسان الطويل والتي وضعت نفسها في موضع المدافع عن المكوّن؟؟، وحيث يقول النائب رعد الحيدري الممثل للمكوّن متحدياً ومخاطباً تركيا من أنها لم ترسل حتى رغيف خبزٍ واحد لأهالي الموصل في حين التزمت بتغطية تكاليف وإستضافة مؤتمر إسطنبول الذي يُعقد الآن لأشخاص من المكوّن لم نسمع بأسمائهم من قبل تحت يافطة "نداء الموصل"!!!، فأي نداء تتكلمون عنه يا من خنتم الموصل وأهلها؟؟، هل هو نداء داعش الذي سربته تركيا الى الموصل لزرع الموت فقط!!!.
وأختتم مقالتي بالقول من أنّ القطعات المحررة من الجيش بمختلف صنوفه وتسمياته والشرطة الإتحادية والقطعات المتجحفلة معهم قد أبلوا البلاء الحسن ويقومون بواجبهم في التحرير والإغاثة والإنقاذ بأقصى ما يستطيعون من جهد ومحاولاتهم القصوى في تجنب الإضرار بالمدنيين وممتلكاتهم في ظروف إشتباك صعب جداً مع العدو، لكن ملامتنا تقع على عاتق الجهات الساندة لإدامة فرحة الإنتصارات والتحرير.
كما على كل إعلامي منصف أن يثني على الخدمات التي تقدمها المستشفيات في أربيل وبلدات كردستان الأخرى للجرحى المدنيين والعسكريين، كما علينا أن نثني بحق على جهود المراسلين والمصورين الحربيين وخاصة من الفضائية العراقية الذين سُمِحَ لهم بمرافقة القطعات المقتحمة لنقل الصورة الحقيقية دون رتوش لما يجري في ساحة العمليات.
كما أني أخاطب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي قائلاً: جهودكم مما لا شك فيها واضحة وأنتم تسبحون في بحرٍ مملوء بأسماك القرش المفترسة!!!، وكلامكم وأمنياتكم في "ملتقى السليمانية" الثقافي هي أمنيات أغلب العراقيين بمختلف مكوناتهم وتوجهاتهم، وإذا عنيتم ما ذكرتموه فعلاً فستجدون صداه الوطني قد ملأ الأجواء ودخل الى كل حيز في كل بيت عراقي من زاخو الى الفاو ومن القائم الى خانقين، وعندها سيكون لجميع العراقيين موقف ورؤيا واضحة منكم شخصياً، وسوف يكون للشعب العراقي وإعلامه كلام صريح معكم بعد إنجلاء غبار المعارك والتحرير التي تتخذونها الآن سبباً في عدم ضربكم للفاسدين ومحاسبتكم للذين سلّموا الموصل والأنبار وصلاح الدين للدواعش.       


42
المنبر الحر / طوبى لكم
« في: 18:01 21/02/2017  »
"طوبى لكم"
بقلم: سالم إيليا
ـ طوبى لأهلنا العراقيين المهجرين بكل مكوناتهم ـ ـ وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وعيونهم ترنو الى الفرج القريب.
ـ طوبى للمغدورين بسكاكين (الإيمان) المزيف التي رفعتها أيادي الكُفر والعُهر لتحز رقابهم بها.
ـ طوبى للعذارى والنساء المسبيّات بأمر المخلوق الخارج عن تعاليم الخالق!!!.
ـ طوبى للأبرياء المدنيين الصابرين بساحلي مدينة الإيمان والتعايش الأخوي نينوى الماضي والحاضر والمستقبل ـ ـ طوبى لهم وهم يستقبلون كل يوم أطنان القنابل (العمياء) المنهمرة على مناطقهم بجلدٍ وصبرٍ وبقلوب مؤمنة متطلعين للخلاص من ليلهم البهيم.
ـ طوبي للجياع المحاصرين بأسوار قوانين الغاب ودعاة الإيمان المزيفين. 
ـ طوبى لدموع الأطفال الذين سَرَقت منهم "داعش" برائتهم وطفولتهم وحاولت غَسل أدمغتهم بتحويلهم الى مفخخات تمزق أجسادهم النضرة دون وعي وإدراك منهم.
ـ طوبى لكل من عيّروهُم وإضطهدوهُم بسبب إختلافهم في قوميتهم ودينهم ومذهبهم وجنسهم ومعتقدهم.
ـ طوبى للمحررين الذين يحملون في أيديهم بنادقهم وفي قلوبهم حب العراق وأهل العراق دون تمييز.
ـ طوبى لِمَنْ يمدّوا يد العون بكسرةِ خبزٍ للجيّاع ورشفة ماء للعَطاشى وبسمة فرح للحزانى المهجّرين. 
ـ طوبى لِمَنْ يعملوا من أجل مصلحة العراق ولا شيء غير العراق متجردين من أي تبعية لهذه الدولة الإقليمية أو تلك، أو لذلك الطرف الدولي أو غيره.
ـ طوبى لمن يعيد حجارة أو تمثال أثري صغير سرقته داعش من كنزِ أجدادنا الذين تركوه لنا ليحكي قصة الحضارة التي بادت وحيثُ عجزنا على ديمومتها لفرقتنا وخيانتنا لإنتمائنا الوطني!!!.
ـ طوبى لكل من تجردوا من طائفيتهم وإنتمائهم الضيّق إكراماً للإنتماء الوطني الأسمى وبإيثارٍ لبقعةِ الأرضِ المقدسةِ موطن الأنبياء والرُسل.   
ـ طوبى لك يا عراق يا من تكالبت عليك قوى الشر وتآمر عليك بعضاً من أبناءك إكراماً لإنتماءات أيديولوجية حزبية مستوردة!!!.
وختامها بمسكِ الدعاءِ لقولٍ خالدٍ أبد الدهر:
ـ طوبى لصانعي السلام ـ ـ  فإنهم أبناء الله يدعون.           

43
لكي ننصف الحضريين من أهالي نينوى والموصل
بقلم: سالم إيليا
للدخول في صلب المقالة وهدفها فإنّ ما قصدته من المعنى في كلمة "الحضريين" التي وردت في عنوان المقالة هو معنى "الحاضرة" من أهل الموصل بشكلٍ خاص ونينوى بشكلٍ عامٍ مستنداً على الإحصائيات الرسمية التي تبين من أنّ أهل نينوى يتكون نسيجهم الإجتماعي من 70% من الحضر و30% المتبقية من خلفيات لا تمت للحضريين بصلةٍ، ومعنى كلمة "الحاضرة" هي حياة المدن والقرى على حدٍ سواء التي تأقلم مواطنيها مع الحضارة وتطورها الإنساني. 
فلقد أثارت المقالة السابقة التي كنتُ قد كتبتها كنداء لإنقاذ سكان الساحل الأيمن للموصل بعض الشجون والإمتعاض للبعض (المتصيد) القليل جداً للنيل من أهل الموصل!!، والبعض الآخر المتضرر من أحداث الموصل (ولهؤلاء ربما نتفهم سبب إمتعاضهم، غير أنّ الكثير منهم يشاطرون المدنيين الأبرياء من أهل الموصل في مآسيهم رغم جراحاتهم التي سببتها داعش لهم) وما رافقها بإحتلال داعش للموصل وقراها ومجمل محافظة نينوى ولمدة تزيد على السنتين كانت كافية لتدمير الكثير من القيم الإنسانية قبل تدميرها للصروح التاريخية والمعمارية الحضارية التي تميزت بها نينوى عبر تاريخ حضارتها الإنسانية، لذا وجب عليّ تكملة ما بدأته لتوضيح الصورة بشكلٍ أوسع وذلك من خلال السؤال المطروح في أذهان من أدان وبشكلٍ (مطلقٍ) أهل الموصل لوقوفهم مع داعش وحسب ظنّهم دون الإعتماد على الحجج والأدلة في إتهاماتهم التي وجهوها الى شريحة عراقية يشهد لها تاريخ العراق بلمساتها الحضارية على مجمل الدولة العراقية الحديثة!!.
فلقد إتهم البعض بحكمٍ متسرعٍ مطلقٍ أهالي الموصل بترحيبهم بداعش وفتح بيوتهم لعناصرها ليكونوا الحاضنة لهذا التنظيم الإرهابي!!، ولتفنيد هذا الإتهام علينا أن نبين خلفيات ما حدث وأسبابه وتداعياته للسيطرة على المجتمع الموصلي ودفعه مرغماً على الإستكانة والقبول بتغيير الأسوأ بالسيء أو العكس، وحيثُ ساعدت تصرفات الحكومة السابقة برئاسة نوري كامل المالكي في ترسيخ فكرة تقبل البديل السيء لدى البعض القليل من أفراد المجتمع الموصلّي وبغض النظر عن سوءه، وحيثُ عمدت حكومة المالكي السابقة الى أساليب التهميش والإقصاء للموصل بمجتمعها ورجالها وبشكلٍ متعمدٍ مستفزٍ متجاوزة على كل الحقائق التاريخية منذ نشأة الدولة العراقية الحديثة في أحقية أن يأخذ المجتمع الموصلي المتمثل بشخصياته وأعيانه دورهم الوطني في المشاركة برسم وإدارة العهد الجديد وكإستحقاق جيوسياسي لثاني أكبر المدن العراقية بعد العاصمة بغداد متناسية في الوقت ذاته ريادية أهالي الموصل في تصدر المشهد الإداري المهني والسياسي والعسكري للدولة العراقية منذُ نشأتها لكفائتهم ومميزاتهم المعروفة بجدارتها في المشاركة ببناء العراق.
لذا فإنّ هذا الإتهام المجحف فيه الكثير من التجني على الحقيقة دون ذكر المشهد كاملاً بعيداً عن الإحتقانات الطائفية ضد الموصل ومواطنيها، ولكي نكون منصفين علينا ذكر الحقائق كما هي وأولها بكل تأكيد من أنّ الغلبة الغالبة من عناصر داعش من أهالي نينوى لم يكونوا من أهل الموصل المركز وإنما من المهمشين من خارجها والذين لم يكونوا ليتجرؤا بالدخول الى الموصل قبل سنوات مضت إلا لغرض البيع أو الشراء ولسويعات قليلة وفي أغلبيتهم كانوا من رعاع قومهم ودونيتهم!!.
والحقيقة الثانية وكنتيجة لِما ذكرتهُ من تعمد واضح من قبل حكومة المالكي السابقة في إقصاء وتهميش أهل الموصل، وإيغالها في إثارة مشاعر الموصليين في تنصيب المسؤولين الغير كفوئين والغير مرغوب بهم وفاقدي الشعبية لإدارة الموصل إرضاءاً للمحاصصات السياسية المدعومة من الدول الإقليمية متجاهلة واقع المجتمع الموصلي في رفضه تحت أية ضغوط لسياسة "لَوِي الأذرع" التي إعتمدتها الحكومة السابقة.
أما الحقيقة الثالثة فإنّ داعش إستغلت بشكلٍ ذكي سياسة الإقصاء من حكومة المالكي للموصليين وإعتمدت على وسيلة الخداع السياسي بغية حصولها على الدعم العسكري بإشراك مجموعات أخرى معها بأساليب الترغيب الديني مثل جيش "النقشبندية" وعناصر عسكرية ذو خلفيات سياسية قومية مقبولة نسبياً عند المجتمع الموصلي، ثُمّ ما لبثت أن أقصتهم في الأيام الأولى لإحتلالها للموصل وبعد تأكدها من سيطرتها الكاملة على الشارع الموصلّي وعمدت الى التنكيل بالكثير منهم وسط دهشة وصدمة المجتمع الموصلّي لعنصر المفاجئة وحيثُ إنعكس هذا الأمر على التزام معظم الموصليين لبيوتهم وعدم مغادرتها إلاّ للضرورة مما أجبر الداعشيون الى إستخدام أساليبهم القسرية لإجبار أصحاب المراكز والمهن المهمة الى كسر إضرابهم وإعتكافهم والمباشرة في الدوام في الدوائر المحلية الحكومية مرغمين تحت طائلة العقوبات القاسية.
والذي يعرف طبيعة الموصليين سيتوافق مع طرحي ورأيي بكل تأكيد، أقول هذا الأمر وبكل ثقة لأنني كنتُ على تواصل مع البعض من حضر الموصل وشخصياتها المعروفة بمراكزها ووقفتُ على مدى تذمرها وضجرها.
ولكي لا يتهمني البعض ممن يروق لهم رمي حمم براكين حقدهم على كل ما هو موصلّي ولغايات عديدة منها ما هو شخصي يقع ضمن تركيبتهم النفسية والبيئية، ومنها ما هو غير ذلك دون الدخول في التفاصيل!! ـ ـ أقول لهؤلاء: نعم كان هنالك البعض من المغرر بهم من أهل الموصل المركز الذين إنضوا تحت راية داعش ودولتها، لكن بكل تأكيد هم من رعاع القوم ومن بعض مناطق الموصل المعروفة عند الموصليين ببؤسها وبؤس ساكنيها.
 وكما ذكرتُ سابقا من أنّ نسبة 30% من غير الحضريين سيكون لها تأثير كبير فيما لو إنضم عُشرها فقط الى هذا التنظيم مدفوعين بجهلهم ومغريات السبي والحصول على النساء والغنائم المادية والسيطرة العسكرية على بلدة كانوا يحلمون في زيارتها والتجول في شوارعها قبل إنضمامهم لهذا التنظيم وسيطرتهم على الشارع الموصلّي بقوة السلاح مع الرُعب الذي نشروه بإستخدامهم للإساليب التي لم يتصورها العقل البشري الذي يحيا في القرن الواحد والعشرين.
ولكي أكون أكثر وضوحاً، فما من مجتمع يخلو من ضعفاء النفوس وحيثُ يستطيعون بهمجيتهم تدمير مجتمعات بكاملها على قلّة عددهم، والمثل لا يزال ماثل أمامنا حيثُ سيطرت داعش بثلاثة آلاف الى خمسة آلاف عنصر من عناصرها على ثاني أكبر المدن العراقية التي يربو عدد سكانها على المليون والنصف في كلا الجانبين.
فلننصف أهل الموصل النجباء الذين كبّروا حين دخل الجيش المحرر اليهم مخاطبين ربّهم "ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منّا"، والحقيقة هؤلاء السفهاء ليس منهم لكنهم محسوبين عليهم بحكم تواجدهم في محيط رقعتهم الجغرافية.
 

44
كارثة إنسانية وشيكة الحدوث لسكان الساحل الأيمن للموصل
بقلم: سالم إيليا
يبدو من أن ما خَططت لهُ القيادة السياسية والعسكرية العراقية قبل البدء بتحرير محافظة نينوى من رجس عناصر داعش الإرهابية لم تتضمن الظروف الميدانية لمعاناة الأهالي المحاصرين فيما لو طال زمن التحرير وهذا ما هو حاصل فعلاً الآن؟؟!!.
فلقد وردني من عدّة جهات موصلّية وآخرها من الأستاذ الدكتور سمير بشير حديد المتواصل على مدار الساعة مع أهلنا في الموصل الجريحة المحاصرة من أنّ سكان الساحل الأيمن على وشك الموت جوعاً نتيجة نفاذ خزينهم من المواد الغذائية إضافة الى نفاذ الوقود للتدفئة في ظروف شتائية مناخية وصلت درجة الحرارة فيها دون الصفر المئوي ولكم أن تتوقعوا البرد القارس في الموصل في هذه الأيام التي تساقط فيها رذاذ الثلوج حتى في البصرة جنوب العراق، إضافة لتساقط الثلوج بكثافة في المدن الشمالية المحيطة بالموصل (كركوك والسليمانية) وكما نقلته وسائل الإعلام عبر عدسات كاميراتها!!!.
إنّ عدم إتخاذ القيادة السياسية والعسكرية الإجراءات السريعة لحل هذه الكارثة الإنسانية الوشيكة الوقوع وذلك بفتح منافذ محددة ومسيطر عليها أما لخروج السكان جميعهم أو إدخال المساعدات الإنسانية لهم وعلى وجه السرعة سيعتبر عقوبة جماعية قد تؤدي الى إبادة جماعية بالموت جوعاً لسكان الساحل الأيمن من المدنيين الأبرياء ومعظمهم من النساء والأطفال الذين يربوا عددهم على النصف مليون نسمة حسب التقديرات الرسمية!!، والذين يعانون الأمرين، فهم أسرى بيد داعش بقوانينها المجحفة من جهة، وطائرات التحالف والمدفعية البعيدة المدى ترمي بحمم براكينها وقذائفها على مناطقهم بقصفٍ تمهيدي مركز تمهيداً لإقتحام الساحل الأيمن من جهةٍ أخرى، يضاف الى هذه المآسي نفاذ خزينهم الغذائي والمالي بعد أن تجاوزت فترة التحرير المئة يوم وخلافاً لما هو متوقع (بدأت الحركات الفعلية للجيش والقطعات العسكرية المتجحفلة معه بعد أن أعلن القائد العام للقوات المسلحة في السابع عشر من تشرين الأول/2016م بدأ عمليات التحرير).
إن أبناء العراق جميعهم مطالبون برفع أصواتهم الوطنية النقية الموحدة للضغط على مّنْ بيده القرار لإنقاذ إخوانهم المدنيين المحاصرين في الجانب الأيمن من الموصل.
كما أناشد جميع المسؤولين في المنظمات الإنسانية المحلية والإقليمية والدولية لمد يد العون للمدنيين في الجانب الأيمن والمناطق الأخرى التي لم تصلها بعد جحافل التحرير.
ولكي أكون منصفاً في ندائي الوطني والإنساني هذا عليّ واجب الشكر لكل المنظمات الوطنية الجماهيرية والدينية والحكومية المحلية والوزارات الخدمية المعنية، وأخص منهم أبناء العراق الغيارى من جنوبه ووسطه ومن إقليم كردستان العراق لإستجابتهم لطلب (الفزعة) وهَبَّتهم الأخوية الرجولية والوطنية لمد يد المساعدة للنازحين في المخيمات، وكذلك علينا واجب الشكر للمنظمات الإقليمية والدولية التي تؤدي واجبها الإنساني تجاه النازحين في معسكرات ومخيمات النزوح.       

45
برقية عاجلة الى القائد العام للقوات المسلحة: الرجاء اِتّخاذ ما يلزم
بقلم: سالم إيليا
لقد إستبشر الشعب والعالم وأهالي نينوى حصراً بكل مكوناتهم وأطيافهم خيراً منذُ إعلان رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي بداية تحرير نينوى بمدنها وقصباتها مع بداية الساعات الأولى من فجر يوم الأثنين المصادف السابع عشر من تشرين الأول/2016م ووضعه لآليات ميدانية للحركات العسكرية وتسميته بوضوح للقطعات العسكرية المشاركة في التحرير من صنوف الجيش والشرطة العراقية وقوات مكافحة الإرهاب وتحديد مهام الميليشيات المتجحفلة معها بالإسناد اللوجستي فقط دون الإشتراك في عمليات إقتحام المدن والأقضية وخاصة مدينة الموصل ولأسباب لم تعد خافية على أحد.
وكان لموقف العبادي في إصراره على عدم السماح أثناء عمليات التحرير للجيش التركي الغازي والحشد المتجحفل معه الذي أطلق على نفسه "حشد نينوى" الذي يقوده محافظ الموصل السابق والمطلوب للعدالة أثيل النجيفي (الذي سُلِّمت الموصل لداعش في زمنه على طبقٍ من ذهب) أبلغ الأثر والإرتياح  في نفوس أهل نينوى والموصليين بشكلٍ خاص، وحيثُ سارت عمليات التحرير بمهنية شهد لها الجميع على الرغم من الصعوبات الميدانية للمُحَرِرين وللمدنيين الأبرياء بكل تفاصيلها التي ستظهر جلياً بعد سكوت المدافع والأسلحة المختلفة وبعد أن ينجلي غبار المعركة بمآسيها التي مهما حاول ويحاول الجيش مشكوراً تفاديها إلاّ أنها وقعت ولو بأقل الخسائر بين المدنيين (البيانات الرسمية أكدت سقوط ما يتجاوز المئة قتيل وثمانية مئة جريح بين المدنيين أثناء تحرير الجانب الأيسر من الموصل، ومعظمهم سقطوا نتيجة إستخدام داعش للعجلات المفخخة والهاونات).
وقد أثنى على مهنية الجيش أكثر من مسؤول سياسي أوربي ومنهم رئيسة وزراء بريطانيا "تيريزا ماي" التي كانت وزيرة للداخلية ولها خبرة لا يستهان بها في المجال الأمني والعسكري وأمتدحت القائد الميداني الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من خلال (التقارير الإستخباراتية) التي كانت تصلها ومشاهدتها للجولات المصوّرة التي كانت تسجلها عدسات الكاميرات لمراسلي الفضائيات العالمية، وحيثُ وصفت تعامله الإنساني مع المدنيين "بالمبهر" وأثنت على إبتكاره للخطط العسكرية الحديثة التي ربما ستستفيد منها إنكلترا مستقبلاً إذا ضربها الإرهاب!!!، هذا ما جاء ذكره في الرابط أدناه:
https://www.kitabat.com/ar/page/29/01/2017/93339/%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D8%A9-%D9%88%D8%B2%D8%B1%D8%A7%D8%A1-%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%B7%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D9%85%D8%A8%D9%87%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%A6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%88%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D9%8A.html   
ونحن على أعتاب المرحلة الأخيرة لهذه العمليات بعبور نهر دجلة والبدأ بتحرير الجانب الأيمن (الغربي) للموصل ظهرت مشكلة مسك الأرض في الجانب الأيسر (الشرقي) لمنع عمليات الإلتفاف أو الظهور المفاجيء للخلايا النائمة لغرض إستعادة السيطرة على الأجزاء المحررة والتي يجيدها الدواعش بأساليب التمويه والإختفاء بين المواطنين.
 وتفاجئ أهل الموصل بكل مكوناتهم بقرار القائد العام للقوات المسلحة بتغير بوصلة قناعاته ووعوده بالسماح لما يسمى بحشد نينوى بمسك جزء من الأرض المحررة علماً من أن قائده أثيل النجيفي هارباً وملاحقاً قضائياً (لا أعلم كيف يثق رئيس الوزراء بحشد تدرب عسكرياً وسياسياً على أيدي الجيش التركي ومنظومته الإستخباراتية ويقوده شخص مطلوب قضائياً)!!!.         
خرجت "داعش" من الجانب الأيسر في الموصل بتضحيات الجيش والمدنيين الموصليين على حدٍ سواء، ودخلت مجاميع "داحش" أي عناصر "حشد نينوى" وبمباركة أصحاب القرار السياسي والعسكري والمتمثل برئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة لتحتل بيوت حرف النون "ن" مجدداً في محافظة نينوى ولتسرق البسمة والفرحة من على وجوه وشفاه المتضررين الذين لا يزالون يفترشون العراء بإنتظار جلاء المعركة للعودة الى دورهم التي إغتصبتها عناصر العصابة الدولية المجرمة في وضح النهار، والرابط أدناه الذي نشره أحد المواقع الرصينة المعني بشؤون المكونات المختلفة لأبناء الشعب العراقي ومنهم المسيحيين يؤكد سيطرة عناصر ما يسمى بحشد نينوى على بيوت المسيحيين في حي "المصارف" بعد أن حررها الجيش من عناصر "داعش" الإرهابية وبشهادة شهود عيان ذهبوا لتفقد دورهم التي سيطرت عليها عناصر من حشد نينوى والمرفوضة جملة وتفصيلاً من أهالي نينوى النجباء!!.
http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=831074.0
 وهذا الخبر يتقاطع مع تصريح العميد يحيى عبد الرسول الناطق الرسمي بإسم قيادة العمليات المشتركة على الفضائية العراقية الشبه رسمية في صباح يوم الأحد المصادف التاسع والعشرين من كانون الثاني الجاري والذي يؤكد على عدم السماح لحشد نينوى بدخول الجانب الأيسر المحرر لمسك الأرض وإنما الإكتفاء بإنتشاره خارج المدينة والذي يعلن في نفس الخبر تعميم مذكرة إعتقال بحق محافظ نينوى السابق أثيل النجيفي القائد الميداني لهذا الحشد فيما لو شوهد داخل المدينة!!، وحيثُ أكد تصريحه السابق هذا في اليوم التالي في برنامج "ستوديو النصر" لكن مقدم البرنامج قاطعته متسائلاً من أنّ أثيل النجيفي قد دخل وتجول في الساحل الأيسر من الموصل بحرية ولم يعتقله أحد؟؟!!، وهذا التصريح مُبهَم بصياغته، إذ لم يبين الناطق الرسمي للعمليات المشتركة: هل أنّ أثيل النجيفي متهم مطلوب القاء القبض عليه داخل مدينة الموصل فقط، لكنه بريء حر يقود حشده بحرية خارجها؟؟؟!!!، أم إنّ قرار إشراكه بمسك الأرض جاء من خلال الإتفاقيات السرية وكأحد الشروط التي حددتها المفاوضات التي جرت بين رئيس الوزراء العراقي ومثيله التركي خلال زيارة الأخير الى بغداد بداية السنة الحالية كون أنّ أثيل النجيفي هو رجل تركيا في الموصل؟!!!، وحيثُ يعود العميد يحيى عبد الرسول مؤكداُ على لسان جميع من قابلهم من أهالي الموصل خلال تجواله في الساحل الأيسر بعدم ثقتهم بمعظم السياسيين في الموصل ومناشدتهم للجيش بالبقاء لحمايتهم، وهذا ما أكدهُ الموصليون من خلال تواصلنا معهم من داخل الموصل وطريقة إستقبالهم لقطعات الجيش المُحَرِرة لأحيائهم!!، إذن لماذا لا يتم تهيئة عناصر مدربة على مسك الأرض من الجيش والشرطة خاصة وإنّ ما تبقى من الأراضي الغير محررة داخل الموصل تشمل الجانب الأيمن (الغربي) فقط والذي تبلغ مساحته 40% من المساحة الكلية!!، وحسب ما يروّج الإعلام الحكومي نقلاً عن الناطقين الرسميين والقادة العسكريين بأنّ معركة الساحل الأيمن ستكون أسهل بكثير وبفترة زمنية أقصر لتحقيق النصر!!، وقد إنتظرنا عدّة أيام لنفي هذا الخبر من قبل الجهات الرسمية قبل نشرنا لهذه المقالة، لكن يبدو من أن الخبر الذي نقله شهود عيان ذهبوا لمعاينة دورهم التي لا تزال مغتصبة من قبل جماعة أثيل النجيفي صحيح، وحيثُ إستبدلت "داعش" بـ "داحش" التي تتمثل بالحشود الغير مرغوب بها والمنبوذة من قبل أهالي الموصل.
وأختتم رسالتي هذه لأقول بكل أمانة نقلاً عن لسان الوطنيين المخلصين من أهالي الموصل ومن داخل الساحل الأيسر المُحرر من إنهم ليسوا متفائلين ويتوقعون من أنّ ما سيلاقونه لاحقاً سيكون الأسوأ إذا ما غيّر أصحاب القرار السياسي والعسكري رأيهم بالسماح للحشود المسلحة وبمسمياتها المختلفة والتي ظهرت الى الوجود من خلال التكتلات الإقليمية والمحلية في العودة للسيطرة على مقدرات الأمن في الموصل وكما كان الحال قبل إحتلال داعش.
اللهمّ إشهد إني بلغت. 



46
آهٍ يا شعب الأقليات؟!!
بقلم : سالم إيليا
قال الصحفي والناشر الأمريكي لاري فلينت (بغض النظر عن توجهاته وأفكاره المتحررة): "حكم الأغلبية يصلح فقط إذا كان هناك احترام للحقوق الفردية .. فمن الغير معقول أن تجمع خمسة ذئاب وخروف ثم تأخذ رأي الأغلبية عمن سيأكلون في العشاء"!!!.
  ففي العراق كل المساوئ ما بعد سنة 2003م نعلّقها على شماعة الإحتلال، فالمحاصصة الطائفية لا يختلف عليها خصمان من أنها ظهرت بأقبح صورها بعد الإحتلال ـ ـ ـ  والسرقات المليونية من خزينة الدولة والمكشوفة بأبطالها وشهرتهم التي تجاوزت شهرة "علي بابا" قد باركها وشجعها الإحتلال ـ ـ ـ والدمار والتخريب في البُنى التحتية و(الفوقية) قد نفذته وتنفذه الأيادي الخفية للمخابرات الدولية بأدواتٍ محلية!!! ـ ـ وداعش صنيعة (الشيطان الأكبر) قد سيطرت على ثلث مساحة البلد بسويعات قليلة بمخطط رسمته لها عقول (الفضائيين) القادمين من الأجرام السماوية بصحونهم الطائرة!!!، إلا شيء واحد أتحدى كائن من كان لم يتدخل فيه الملعون المحتل بفرضه حرفياً ولغوياً على ألسُن من يرددونه ويتعاملون بمفردته التي هجمت بيوت العراقيين وسلبتهم كل شيء، وحيثُ يمقته جميع العراقيين لكثرة تداوله حين يُراد به الباطل ألا وهو مصطلح "الأقلية"!!!.
فالسنّة العرب هم أقلية مقارنة بالشيعة العرب في العراق ـ ـ ـ والمسيحيون هم أقلية مقارنة بالمسلمين في العراق ـ ـ ـ والكرد أقلية مقارنة بمواطنيهم العرب في العراق ـ ـ ـ والكلدان والآشوريون والسريان والأرمن والصابئة المندائيون واليزيديون والشبك هم أقلية مقارنة بالعرب والكرد في العراق ـ ـ ـ والأرثوذكس هم أقلية مقارنة بالكاثوليك في العراق ـ ـ ـ وكتلة الصدر هي أقلية مقارنة بكتلة دولة القانون بين الشيعة في العراق ـ ـ ـ وكتلة حيدر العبادي هي أقلية مقارنة بكتلة نوري المالكي في الحزب الواحد ـ ـ ـ وعائلة الأخ الذي لديه خمسة أطفال هي أقلية بمثيلتها للأخ الذي لديه سبعة أطفال ـ ـ وهلم جرا !!ّ!.
وهنالك البيت الشيعي والبيت السني والبيت المسلم والبيت المسيحي والبيت العربي والبيت الكردي والآخر التركماني!!، وكان يا ما كان في قديم الزمان البيت اليهودي الذي هُجّر أصحابه في ليلةٍ ليلاء كما يُهجر اليوم غيرهم، وبيوت ـ ـ ـ وبيوت ـ ـ ـ وبيوت!!!، ولكن أين هو البيت العراقي بين كل هذه البيوت؟!!، وأين هو المواطن العراقي بين كل تلك الأقليات والأكثريات؟!!، وأين هي الروح الوطنية المغيبة والغائبة بين كل هذه المفردات والمصطلحات؟!!، وحيثُ أصبحت كلمة "الأقلية" التهمة التي تُلجم أفواه مَنْ يُطالبون بحقوقهم في هذا المجتمع الذي لا نزال نُطلق عليه كلمة "عراقي" زوراً وبهتاناً.
فالمجتمع العراقي الذي كنّا نعرفهُ ونشأنا وترعرعنا فيه لم يكن إلاّ عبارة عن بوتقة إنصهرت فيها مكونات (الطبخة) المميزة بمحتوياتها الرئيسية التي لا يمكن الإستغناء عنها والتي أفرزت طعمها اللذيذ مع الإحتفاظ لمتذوقها بخصوصية عناصرها التي أضافت الشيء المميز في تكوينها. 
وعجبي على مَنْ يروّج لتلك المصطلحات ويرددها كالببغاوات في الإعلام، فالفضائية العراقية الشبه رسمية المدعومة من أصحاب القرار ملئت مسامعنا بهذه المفردة المستهجنة بمعناها التسويقي البغيض الذي يُراد به الباطل!!، والبرلمانيون تطربهم نغمتها النشاز فلا يتحدثون في الإعلام إلاّ وحشروا كلمة "الأقليات" في تصريحاتهم المملّة لتكتمل بها (توافقيتهم) الملعونة!!، والحكومة بأعضائها المرئيين والمخفيين يروق لهم وضع كلمة "الأقليات" في خطاباتهم السياسية والغير سياسية!!، وأمّا الطامة الكبرى فهي خروج هذه المفردة كمقطوعة موسيقية من أفواه من نصبوا أنفسهم كحماة ومدافعين عن تلك "الأقليات"، فيتغنون بها بإستمرار وكأنهم يتسولون من خلالها كمطربي الدرجة العاشرة من متشردي شارع الشانزليزيه مطالبين بالعدل والمساواة و"لله يا محسنين"!!، ورجال الدين من هذا الدين أو ذاك ومن هذا المذهب أو غيره يصرخون الى الله رافعين أذرعهم ومتضرعين بطلب مساعدته لإحقاق الحق "لأقلياتهم" الدينية أو المذهبية!!.
وكأنّ هذه المفردة لا يوجد غيرها في قاموس اللغة لوصف المواطنين من هذه المدينة أو تلك، أو من هذا الدين أو ذاك، أو من هذه القومية أو غيرها.
وقد غابت عن أذهانهم، لا بل تحجرت وعجزت في مقدرتها على إختيار كلمة أخرى مرادفة أكثر تهذيباً وإنصافاً لهذه الكلمة المهينة بكل معانيها وتفسيراتها، فما الضير من إستبدالها بكلمة "مكوّن" ؟؟؟!!!!.
فهل أنّ كلمة "الأقليات" وحسب موقعها في الجملة والتي شملت كل شرائح المجتمع دون إستثناء ممن ذكرتهم أعلاه لديهم نقص (أي أقلية) في إخلاصهم لإنتمائهم الوطني وأحاسيسهم الوطنية وحق الشعور بالمواطنة الكاملة التي كفلها الدستور (الشكلي) بفقراته وأبوابه التي تجاوزت دساتير العالم أجمع بعددها وتفاصيلها!!، لكنه لا يزال العاجز بتفاصيله الفائضة عن إحقاق العدل والمساواة بين المواطنين؟؟؟!!!.
 وهل أنّ تلك "الأقليات" لديها نقص (أي أقلية) في عطائها وواجباتها تجاه الوطن؟؟!!، أم إن إطلاق صفة "أقلية" عددية عليهم مهمة جداً لسلبهم حقوقهم وإعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية وناقوس لتذكيرهم بأن مواطني الدرجة الأولى يتصدقون عليهم بين الحين والحين بهذا القرار أو تلك المكرمة؟؟!!.
وهل أنّ "عَالِم" مُجتهد ومعروف بمقدار فائدته وعلمه لوطنه وشعبه يُعتبر بالمفهوم الرقمي أو العددي "أقلية" أمام الف جاهل لا فائدة ترتجى منهم غير أن يكونوا رعاع يركضون وراء كل ناعق؟؟؟!!!.   
 ورجائي أن لا ينبري لي أحدهم ليدافع بالقول من أنّ المستعمر قد جاء بهذه المفردة الرخيصة لوصف المواطنين العراقيين، ولو فرضنا جدلاً بصحة هذا الإدعاء، فكيف يرضى بها من يطلقوا على أنفسهم "أقلية" ويرددونها صاغرين مذلولين؟!!. 
وهذه الكلمة بكل تأكيد تعطي معنى عنصري فيما إذا تمّ إستخدامها بين أبناء البلد الواحد، فهي ربما تصلح للتداول السياسي بين الكتل السياسية في الإنتخابات أو ما بعدها في مجلس الشيوخ أو البرلمان وحيثُ يكون فيه الصراع السياسي على أشدّه بين "الأقلية" و "الأكثرية" من الفرقاء السياسيين لتمرير قرار أو رفض آخر.
وربما أستطيع إستيعاب إستخدام هذه المفردة في الدول المتقدمة كون مواطنيها قد تجاوزوا معناها الحرفي المهين، ولكون القوانين الحضارية المكفولة بالدستور الوطني الحقيقي في تلك البلدان تُحيّد هذه الكلمة وتُبطِل مقاصدها وغاياتها السيئة لتبرير سلب حقوق مواطن على حساب الآخر أو كتلة أو طائفة على حساب الأخرى، لكن في بلدنا العراق وفي هذا الوقت الحرج والصعب تستخدم هذه المفردة بأبشع الطرق لسلب الحقوق والمستحقات وتضعف وتستخف بهيبة شرائح كاملة وتنكر تأثيرهم المجتمعي ومكانتهم الإجتماعية التي من المفروض أن تكون مكفولة ومحمية دستورياً.
فإذا سُئِلَ أي مواطن عن هويته، فمن الجُرم أن يقول إنه عراقي لكنه من "الأقلية" الفلانية حسب المفهوم المتداول في بلد الأقليات والأكثريات والبيوت المتعددة، واللعنة الأبدية ستلاحق كل مَنْ سوّق ويسوّق عن قصد هذه المفردة وهذا المفهوم الذي كرّس وزاد من إتساع الفجوة بين مكونات الشعب الواحد، وعلى وسائل الإعلام التي تدعي وطنيتها وإستقلاليتها التوقف عن الترويج لهذه المفردة في وصف المواطنين العراقيين، فهل سيستجيب الوطنيون لندائنا الوطني هذا.               

47
الطيبة العراقية هل هي نخوة وشهامة أم سذاجة مفرطة؟
بقلم: سالم ايليا
كنتُ قد قرأت في أحد مواقعنا العراقية الألكترونية قصة لأحد المهندسين الأجلاء والمنحدر من عائلة عراقية أصيلة شرب وترعرع في بيئة من الصفات الإنسانية الراقية من خلال تربيته البيتية وتعليمه بأرقى المدارس العراقية، وقد بدأ بتدوين تجربته الحياتية هذه عندما كان طالباً في إنكلترا ونَشْرَها في أجزاء على الموقع المذكور، ومما جعلني أندفع لأخصها بمقالة منفردة هو خسارته لسنة دراسية ثمينة في الغربة نتيجة طيبته وشهامته وغيرته لتقديم يد العون لمواطن عربي فأقرضه كل ما يملك على أمل أن يسترجع أمواله من صكّي المسافرين اللذين لا يمكن تحويلهما الى نقد إلا بعد مرور ثلاثة أيام على إيداعها في المصرف واللذين دفع بهما المواطن العربي له كضمان مؤيد من المصرف لإسترجاع ماله، وحيثُ تبين فيما بعد مغادرة المواطن العربي عائداً الى بلده في اليوم التالي من أن الصكّين كانا مسروقين!!، ويوضح العراقي الشهم ملابسات ما حصل له وبشكلٍ جلي على الرابط أدناه:
http://algardenia.com/maqalat/27841-2017-01-09-12-46-48.html
وسوف لا أتخذ من موقف العراقي الشهم سبباً لسرد المئات لا بل الآلاف من القصص المشابهة التي حدثت للعراقيين خارج العراق لا بل حتى بداخله ممن عاملناهم كإخوة لنا، خاصة وإن الطالب العراقي المذكور تصرف وحسب عمره الصغير حينذاك تصرف الفرسان بموقفه النبيل.
 وحيثُ لا يعني هذا الأمر عدم وجود من هم بمستوى الشعور القومي الحقيقي من إخواننا العرب والذين يتواصلون معنا بنفس مستوى شعورنا القومي تجاههم.
لكنني سأركز على ظاهرة أكثر شمولاً من خسارة عدة مئات أو الآلاف من الدولارات أو حتى سنة دراسية لطالب مجتهد أرسلته عائلته العراقية الى المملكة المتحدة وكانت بإنتظاره بفارغ الصبر ليعود مكللاً بالنجاح، وسأعرض خسارة بلد بأرضه ومياهه وسمائه ومواطنيه نتيجة هذه الشهامة والطيبة التي ليس في محلها في أغلب الأوقات، والتي قد تصل الى إعتقاد المستفيدين منها من إنها سذاجة مفرطة من قبل المتبرع أو المانح مُرَسّخة في أذهانهم مقولة "شيّم العْرُبي وأخذْ عبائتهُ".
ومن كثرة طيبتنا وسذاجتنا تبرع رؤسائنا وقادتنا حتى بثرواتنا القومية للدول العربية ودول أفريقية وأخرى لا نعلم أين موقعها على الخارطة ووهبوا (المال والحلال) ولا يزالوا لحد الآن مبسوطي اليد لهذا وذاك وبطيب خاطر دون مسائلة من المواطن عن أموال بل