الحوار والراي الحر > المنبر السياسي

جمهورية البعث الأولى 8 شباط ـ 17 تشرين الثاني 1963

(1/1)

حامد الحمداني:
جمهورية البعث الأولى
8 شباط ـ 17 تشرين الثاني 1963أولاً: البعثيون ينظمون السلطة الانقلابية الجديدة.
ثانياً : ما هو برنامج حزب البعث ؟
ثالثاً : البعثيون  والحزب الشيوعي .
رابعاً: وقوع انقلاب بعثي في سوريا ، ومشروع الوحدة الثلاثية .
خامساً: البعثيون يشنون الحرب على الأكراد .
سادساً: انتفاضة الشيوعيين في معسكر الرشيد.

أولاً: البعثيون يرتبون السلطة الانقلابية الجديدة:

1 ـ عبد السلام  رئيساً للجمهورية والبكر رئيساً للوزراء:
حال ما أستتب الأمر للانقلابيين في السيطرة على الوضع في البلاد ، باشر قادتهم  باقتسام السلطة ، فجرى تنصيب عبد السلام عارف رئيسا ًللجمهورية ، لكونه أعلى رتبة من البكر ، إضافة إلى وجود عدد كبير من المؤيدين له في صفوف الضباط المشاركين في الانقلاب ، ولدوره السابق  في ثورة 14تموز 958 ، والذي أكسبه الشهرة والتأييد في صفوف القوى القومية .
لقد كان البعثيون مضطرين إلى هذا التعيين ، رغم عدم اطمئنانهم له، ورغبتهم في مسك السلطة كلياً بأيديهم ، ولذلك فقد تم معادلة منصب رئيس الجمهورية بمنصب رئيس الوزراء الذي أسند إلى احمد حسن البكر، بالإضافة إلى سيطرة البعثيين على معظم الوزارات المهمة، ومجلس قيادة الثورة الذي شكلوه بعد الانقلاب.
وفي الوقت نفسه كان عبد السلام عارف غير مرتاح لازدواجية السلطة  وهو معروف بحبه  للاستئثار بها، ومحاولته قلب سلطة عبد الكريم قاسم في أوائل أيام ثورة 14 تموز 1958، لكنه تقبل الواقع على مضض، وبدأ يخطط لانتزاع السلطة من البعثيين في اقرب فرصة سانحة، وتصفية نفوذهم، وركز اهتمامه على الجيش نظرا لوجود عدد كبير من الضباط المؤيدين له.
 كان  موقف البعثيين داخل الجيش ضعيفا، حيث كان أغلبية الضباط المشاركين في الانقلاب من القوميين، لذلك وجدناهم يركزون اهتمامهم على قوات الحرس القومي  الذي شكلوه من الحزبيين، والعناصر المؤيدة لهم ، والذي كان تعداده حين وقوع الانقلاب يقدر بـ [5000] عنصرا ، وجرى توسيعه بعد نجاح الانقلاب حتى بلغ تعداده [ 34000] عنصرا لكي يعززوا سلطتهم في البلاد، وعهدوا بقيادته إلي الملازم الأول  [منذر الونداوي] أحد ضباطهم العسكريين، والطيار الذي هاجم وزارة الدفاع بطائرته يوم الانقلاب، ومنحوه رتبة مقدم. (1)

2 ـ مجلس قيادة الثورة:
كانت الخطوة التالية للبعثيين تشكيل ما يسمى [ مجلس قيادة الثورة ]،  في 8 شباط 63 بموجب البيان رقم 15، وأعطى القرار صلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة للمجلس، ومن تلك الصلاحيات:
1 ـ إصدار القوانين وتعديلها.
2 ـ تعين الوزراء، وإقالتهم.
3 ـ منحه صلاحيات القيادة العامة للقوات المسلحة.
4 ـ الإشراف على شؤون الجمهورية.
5 ـ الإشراف على جهازي الأمن، والاستخبارات العسكرية.
وجاء المجلس المشكل مكوناً من [ 18 عضواً]، منهم  15 عضواً من حزب البعث، وعضوين فقط من القوميين، كان أحدهم عبد السلام عارف الذي رقي من رتبة عقيد ركن إلى رتبة مشير ركن، وهي أعلى رتبة عسكرية في الجيش، وجاء تشكيل المجلس على الوجه التالي :
1ـ عبد السلام عارف ـ رئيس الجمهورية.
2 ـ  أحمد حسن البكر ـ عضو القيادة القطرية لحزب البعث.
3 ـ علي صالح السعدي    ـ  أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث.
4 ـ حازم جواد              ـ عضو القيادة القطرية للحزب
5 ـ طالب شبيب            ـ    كذلك
6 ـ حمدي عبد المجيد      ـ    كذلك
7 ـ كريم شنتاف            ـ    كذلك
8 ـ محسن الشيخ راضي  ـ    كذلك
9 ـ صالح مهدي عماش   ـ    كذلك
10 ـ هاني الفكيكي        ـ     كذلك
11 ـ حميد خلخال          ـ    كذلك
12 ـ عبد الستار عبد اللطيف  ـ عضو المكتب العسكري للحزب.
13 ـ خالد مكي الهاشمي  ـ     كذلك
14 ـ حردان التكريتي     ـ      كذلك
15 ـ عبد الكريم نصرت ـ      كذلك
16 ـ أنور عبد القادر الحديثي ـ كادر بعثي، عين سكرتيراً للمجلس.
17 ـ العقيد طاهر يحيى ـ بعثي اسمياً، رقي إلى رتبة لواء.
18ـ الزعيم الركن عبد الغني الراوي، إسلامي النزعة، وصديق لحزب البعث. (2)
ومن هذه التشكيلة يتبين أن حزب البعث قد أحكم سيطرته على هذا المجلس دون منازع ، أصبحت له اليد الطولى في إدارة شؤون البلاد.


 2 ـ مجلس وزراء الانقلابيين :
تشكل مجلس الوزراء من ( 20 ) عضواً، كانت حصة حزب البعث منها ( 13 ) عضواً، أي ثلثي أعضاء المجلس، واحتفظ البعثيون بأغلب الوزارات المهمة، وجاء تشكيله على النحو التالي :
1 ـ أحمد حسن البكر    ـ رئيساً للوزراء
2 ـ علي صالح السعدي ـ نائباً لرئيس الوزراء، و وزير الداخلية.
3 ـ صالح مهدي عماش ـ وزيراً للدفاع .
 4 ـ حازم جواد      ـ  وزيراً لشؤون رئاسة الجمهورية.
5 ـ طالب شبيب     ـ  وزيراً للخارجية.
6 ـ عزت مصطفى ـ  وزيراً للصحة.
7 ـ سعدون حمادي  ـ  وزيراً للإصلاح الزراعي.
8 ـ مهدي الدولعي   ـ  وزيراً للعدل.
9 ـ مسارع الراوي  ـ  وزيراً للإرشاد.
10 ـ صالح كبه      ـ  وزيراً للمالية.
11ـ أحمد عبد الستار الجواري ـ وزيراً للتربية.
12 ـ عبد الكريم العلي ـ  وزيراً للتخطيط .
13 ـ حميد خلخال ـ وزيراً للعمل.
14 ـ عبد الستار عبد اللطيف ـ وزيراً للمواصلات.
15 ـ ناجي طالب  ـ وزيراً للصناعة.
16 ـ شكري صالح زكي  ـ وزيراً للتجارة.
 17 ـ عبد العزيز الوتاري ـ وزيراً للنفط .
 18 ـ محمود شيت خطاب ـ وزيراً للبلديات.
19 ـ بابا علي الشيخ محمود ـ وزيراً للزراعة.
20 ـ فؤاد عارف  ـ وزيراً للدولة. (3)
 وهكذا ضمت الوزارة ثلاثة من القوميين هم كل من:
 الزعيم الركن ناجي طالب، الذي شغل منصب وزير الصناعة واللواء المتقاعد شكري صالح زكي ، الذي شغل منصب وزير التجارة، والدكتور عبد العزيز الوتاري، الذي شغل منصب وزير النفط، وضمت الوزارة واحداً من الإخوان المسلمين هو السيد محمود شيت خطاب، الذي شغل منصب وزير البلديات،  فيما ضمت وزيرين  من الأكراد، هما بابا علي الشيخ محمود الذي شغل منصب وزير الزراعة، وفؤاد عارف الذي عين وزيرا للدولة.

3 ـ الانقلابيون يرتبون أوضاع الجيش والأجهزة الأمنية:

كما أسلفنا سابقاً كان موقف حزب البعث داخل الجيش  ضعيفاً، ومعظم الضباط البعثيون من ذوي الرتب الصغيرة، ولذلك فقد جاءت تشكيلة قيادات الجيش من عناصر قومية في غالبيتها، وكان لتلك العناصر الدور الحاسم في إسقاط سلطة حزب البعث، بعد 9 أشهر من وقوع انقلاب 8 شباط 963 ، وفيما يلي التعيينات التي أجريت في الجهاز العسكري إثر وقوع الانقلاب:
1 ـ تعيين العقيد طاهر يحيى رئيساً لأركان الجيش، مع ترقيته إلى رتبة لواء.
2 ـ تعيين المقدم خالد مكي الهاشمي نائباً لرئيس الأركان وترقيته إلى رتبة عقيد .
3 ـ تعيين المقدم حردان التكريتي قائداً للقوة الجوية، وترقيته إلى رتبة عقيد .
4 ـ تعيين المقدم صبحي عبد الحميد مديراً للعمليات العسكرية وترقيته إلى رتبة عقيد.           
5 ـ تعيين المقدم سعيد صليبي أمراً للانضباط العسكري،  وترقيته إلى رتبة عقيد.
6 ـ تعيين المقدم محمد مجيد مدير للتخطيط العسكري، وترقيته إلى رتبة عقيد.
8 ـ تعين الرئيس محي الدين محمود مديراً للاستخبارات العسكرية.
9ـ تعين العقيد رشيد مصلح التكريتي حاكماً عسكرياً عاماً،وترقيته إلى رتبة زعيم.
وفي الوقت نفسه أصدر الانقلابيون قرارا ت أخرى  بتعين قادة الفرق العسكرية، وجاءت على الوجه التالي:
1 ـ تعين العقيد عبد الكريم فرحان  قائداً للفرقة الأولى، وترقيته إلى رتبة زعيم.     
2 ـ العقيد إبراهيم فيصل الأنصاري قائداً للفرقة الثانية، وترقيته إلى رتبة زعيم .   
3 ـ تعيين العقيد عيد الغني الراوي قائداً للفرقة الثالثة، وترقيته إلى رتبة زعيم .     
4 ـ تعيين الرائد عبد الكريم نصرت قائداً للفرقة الرابعة المدرعة، وترقيته إلى رتبة عقيد.
5 ـ تعيين العقيد عبد الرحمن عارف قائداً للفرقة الخامسة، ورقيته إلى رتبة زعيم.   
أما كتائب الدبابات، فقد أسندت إلى الضباط التالية أسماؤهم:
 1ـ المقدم صبري خلف الجبوري قائداً لكتيبة خالد.
2 ـ المقدم الركن حسن مصطفى النقيب  قائداً لكتيبة الدبابات الأولى.
3ـ المقدم محمد المهداوي  قائداً لكتيبة الدبابات الثالثة.
4 ـ المقدم خالد مكي الهاشمي قائداً لكتيبة الدبابات الرابعة، بالإضافة إلى منصبه كنائب لرئيس أركان الجيش. وكان واضحاً أن البعثيين أرادوا إبقاء هذه الكتيبة التي كان لها الدور الحاسم في الانقلاب بين أيديهم.(4) 
 
ثانيا: ما هو برنامج حزب البعث ؟

لم يكن حزب البعث قد وضع له أي برنامج، سواء قبل استلامه السلطة ولا بعدها، وكل من كان لديه هي شعاراته الجوفاء حول الوحدة، والحرية، والاشتراكية !!!، تلك الشعارات التي أستخدمها عند قيام ثورة 14 تموز مباشرة، لشق جبهة الاتحاد الوطني، واللجنة العليا للضباط الأحرار، وتبين فيما بعد أن تلك الشعارات لم تكن إلا وسيلة للوثوب إلى السلطة واغتصابها، فلا وحدة ، ولا حرية، ولا اشتراكية ، بل كان جُلّ همهم يتركز حول وسائل تثبيت حكمهم، والسيطرة على المرافق العامة للدولة  العسكرية منها والمدنية، وقد جرّت سياستهم تلك إلى فرض حكم الحزب الواحد، وتقليص دور شركائهم القوميين، مما أدى إلى قيام، وتنامي الصراع بين الجانبين بعد فترة وجيزة.
لقد اعتمد البعثيون في تحقيق آمالها  يوسعون قاعدة حرسهم حتى وصل تعداده إلى ( 34 ) ألفاً، هادفين من ذلك إلى أن يكون لهذه القوات اليد الطولى، متجاوزين على الجيش، حتى وصل بهم الأمر إلى التجاوز على ضباط الجيش، وتوقيف بعضهم، وتفتيشهم، وأهانتهم ، وبلغ بهم الاستهتار حدوداً بعيدة .
لكن حسابات البعثيين كانت خاطئة،  فالحرس القومي مهما بلغ تعداده ، فهو لا يصل إلى تعداد قوات الجيش، كما أن السلاح الذي يمتلكه الحرس القومي لا يمكن أن يقاس بما لدى الجيش من أسلحة ثقيلة، ومعدات ، وطائرات، وخبرات قتالية، وإمكانات مختلفة، هذا بالإضافة إلى افتقار الحرس القومي، وقيادته إلى الحكمة، والتبصر، فقد اتسمت كل تصرفاتهم بالاستهتار والتسرع والهمجية، مما أفقدها أي تعاطف سواء كان من الشعب، أو من الجيش، وزاد في الطين بله، سعيهم إلى تقليص نفوذ الضباط القوميين داخل الجيش، مما دفع بالصراع بين الطرفين إلى مرحلة أعلى، وبعد اقل من تسعة أشهر حُسم الصراع لصالح القوميين ، وتم إسقاط سلطة البعث .
ولابد أن أشير هنا إلى أن قيادة حزب البعث كلها، كانت من العناصر الشابة، التي ينقصها الخبرة السياسية، فقد كان 4 من أعضائها في العشرينات من عمرهم و11 في الثلاثينات، واتسمت قراراتها بالتسرع والتهور، والصراع فيما بينهم على السلطة.
لقد أدرك مؤسس الحزب [ ميشيل عفلق ] تلك الحقيقة ، وعبر بوضوح عن حال تلك القيادة في أحد الاجتماعات الحزبية المغلقة حيث قال :
{ بعد الثورة، يقصد انقلاب 8 شباط، بدأت اشعر بالقلق من فرديتهم ، وطريقتهم الطائشة في تصريف الأمور، واكتشفت أنهم ليسوا من عيار قيادة بلد وشعب، بل إنهم يصلحون فقط لظروف " النضال  السلبي "}، ولا يعني ذلك إلا الأعمال الإرهابية، كالاغتيالات، والاعتداءات ، وغيرها من الأعمال الإجرامية التي كانوا يمارسونها قبل انقلابهم .(5)
أما [أحمد حسن البكر] رئيس الوزراء، فقد ذكر لعفلق قائلاً:
{ كنت في السابق ألاحظ المحبة في عيون الناس، أما الآن فإني اهرب إلى الشوارع الخلفية غير المطروقة للابتعاد عن عيون الناس، وتجنب نظرات الكراهية }.(6)
أما ثالثهم [علي صالح السعدي] أمين سر الحزب، ونائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، فقد صرح قائلاً:
{ لقد ضعنا في الحكم، وكان انقلاب شباط يمثل قفزة نحو المجهول}.(7)
 لقد كانت القيادة  تتسم بالتهور لا تمتلك أية خبرة سياسية ، وقد دفعها حقدها الأعمى على الحزب الشيوعي، وعلى الزعيم عبد الكريم   قاسم ورفاقه الوطنيين  قادة ثورة الرابع عشر من تموز ، وكان التعذيب والقتل وسيلتهم الوحيدة لتثبيت حكمهم الفاشي.



ثالثاً: البعثيون والحزب الشيوعي:

عندما اغتصب البعثيون الحكم في 8 شباط 1963  كان في مقدمه أهدافهم شن حرب لا هوادة فيها ضد الحزب الشيوعي،  وسائر القوى الديمقراطية، وكان هذا هو هدف الإمبريالية التي جاءت بهم إلى الحكم ، فلقد راعها المد الشيوعي الذي أعقب ثورة 14 تموز 958، وتعاظم قوة الحزب، ولاسيما بعد مسيرة الأول من أيار 959، والتي رفع  خلالها الحزب الشعار المطالب بإشراكه في السلطة، واعتبرت الامبريالية الأمريكية ذلك تجاوزاً خطيراً على مصالحها في هذه المنطقة الهامة من العالم ، حيث تمتلك نصف الاحتياطي العالمي من النفط ، ولذلك فقد سعت الإمبريالية بكل جهودها من أجل إسقاط حكومة عبد الكريم قاسم ، وإنهاء دور الشيوعيين في العراق، واستعان الإمبرياليون بحزب البعث كما جاء على لسان أمين سر الحزب [ على صالح السعدي ] عندما صرح بأن الحزب جاء إلى الحكم بقطار أمريكي.
جاء البعثيون إلى الحكم  لينفذوا الأهداف التي خططها لهم الإمبرياليون فشنّوا حملة إبادة شعواء ضد أعضاء ومناصري الحزب الشيوعي وجماهيره، لم يشهد لها العراق مثيلاً من قبل، بادئين حملتهم ببيانهم السيئ الصيت [ رقم 13 ] والذي دعوا فيه إلى إبادة الشيوعيين، وهذا نصه :
بيان رقم 13 صادر من الحاكم العسكري العام:
نظراً للمحاولات اليائسة للعملاء الشيوعيين ـ شركاء عدو الكريم !!،في الجريمة، لزرع الفوضى في صفوف الشعب، وتجاهلهم للأوامر والتعليمات الرسمية، فقد كُلف قادة الوحدات العسكرية، والشرطة والحرس القومي بالقضاء على كل من يعكر صفو السلام، وإننا ندعو أبناء الشعب المخلصين إلى التعاون مع السلطات بالإعلام عن هؤلاء المجرمين، وإبادتهم !!! .(8)
لم يشبع نهم البعثيين مئات الشيوعيين وسائر الوطنيين الذين سقطوا دفاعاً عن ثورة الرابع عشر من تموز، يوم انقلابهم المشؤوم، فقد بادروا بعد أن أستتب لهم الأمر إلى شن حملة اعتقالات واسعة شملت العراق ،من أقصاه إلى أقصاه، مستخدمين حرسهم القومي، وجهاز الأمن الذي أنشأه ورعاه الإمبرياليون وعملائهم، وعلى رأسهم [ نوري السعيد ]، والذي لم يناله من حكومة ثورة 14 تموز سوى بعض التغيير الذي شمل عدداً من ضباط الأمن.
وهكذا جاء اليوم الذي ينفذون فيه الهجوم الكاسح على الحزب الشيوعي والشيوعيين، وكل من يحمل فكراً ديمقراطياً تقدمياً، وشملت الاعتقالات  الألوف من الوطنيين، وكانت عصابات الحرس القومي تداهم البيوت، في الليل والنهار بحثاً عن كل من يمت بصلة إلى الديمقراطيين والشيوعيين و القاسمين.   
ونظراً لكثرة المعتقلين، فقد استخدم الانقلابيون الملاعب الرياضية، ودور السينما، والنوادي، والدور السكنية كمعتقلات، ومارسوا فيها أبشع أنواع التعذيب والقتل، وتقطيع الأطراف، وقلع العيون، والأظافر وكل ذلك جرى بموجب قوائم أعدت سلفاً بأسماء الشيوعيين ومؤيديهم من قبل المخابرات المركزية الأمريكية، وكانت إذاعة تابعة للمخابرات المركزية تبث من الكويت، وتذيع أسماء وعناوين سكن الشيوعيين المعروفين لغرض اعتقالهم وتصفيتهم من قبل عصابات البعث.
وقد جاء ذلك على لسان الملك حسين في حديث معه، أجراه الصحفي المعروف محمد حسنين هيكل، رئيس تحرير صحيفة الأهرام القاهرية كما سبق أن مر ذكره من قبل.
لقد بدأت عصابات الحرس القومي التحقيق مع المعتقلين، عسكريين ومدنيين، ومن ضمنهم معظم قادة الحزب الشيوعي وكوادره، باستخدام أبشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي، لمحاولة انتزاع الاعترافات منهم عن تنظيمات الحزب، وقضى تحت التعذيب عدد كبير منهم، بعد أن قطعت أطراف البعض، وقلعت عيونهم، وأحرقت ألسنتهم، ونزعت أظافرهم، وأعتدي على شرف النساء، أمام أزواجهن وأقاربهن، وبنيت أعمدة من الطابوق والأسمنت حول أجساد عدد منهم، وكان من بين الذين استشهدوا تحت التعذيب من قادة الحزب:
1 ـ سلام عادل ـ حسين محمد الرضي ـ السكرتير الأول للحزب .
2 ـ جمال الحيدري           ـ عضو المكتب السياسي للحزب .
3 ـ حسن عوينة               ـ    كذلك   
4 ـ محمد حسين أبو العيس -   كذلك   
5 ـ نافع يونس                 ـ عضو اللجنة المركزية للحزب .
6ـ جورج  تللو                ـ  كذلك   
7ـ طالب عبد الجبار         ـ  كذلك 
8 ـ محمد صالح العبلي      ـ  كذلك
9 ـ عزيز الشيخ               ـ  كذلك
10 ـ شريف الشيخ            ـ  كذلك
11 ـ حمزة سلمان             ـ  كذلك
12 ـ عبد الرحيم شريف      ـ كذلك
13 ـ عبد الجبار وهبي        ـ كذلك
14 ـ مهدي حميد               ـ  كذلك
15 ـ لطيف الحاج              ـ عضو قيادة فرع بغداد .
هذا على مستوى القيادة، أما كوادر وأعضاء، ومناصري الحزب فلا يمكن عدهم، فقد بلغ إجرام الحرس القومي، وعلى رأسه [عمار علوش] و[ ناظم كزار ] و[خالد طبره ] وأعضاء اللجنة التحقيقية العسكرية في معسكر الرشيد ـ حيث يوجد السجن  رقم واحد ـ وهم كل من :
[حازم الصباغ ] و[حازم الشكرجي ] و[طه حمو] ،أقصى درجاته ، فقد كان شغلهم الشاغل في الليل والنهار هو تعذيب المعتقلين، مدنيين وعسكريين لنزع الاعترافات منهم، وقد قضى المعتقلون أشهراً عديدة في المواقف، ومراكز الحرس القومي، وقصر النهاية، السيئ الصيت ومقر محكمة الشعب سابقاً، والتي أتخذها عمار علوش وزمرته مقراً لهم وكانوا يمارسون التعذيب فيها بحق المعتقلين، وكل يوم يمر يموت فيه عدد من المعتقلين بسبب التعذيب، حتى أزكمت جرائمهم الأنوف ، واضطر الحاكم العسكري العام [رشيد مصلح التكريتي] إلى إصدار أمرٍ بعدم جواز بقاء الموقوفين لدى الحرس القومي، ووجوب إرسالهم إلى السجن بالنسبة للمدنيين، وإلى سجن رقم واحد ، بالنسبة للعسكريين . وبعد أن أتمت لجانهم التحقيقية عملها، أحيل المعتقلون إلى المجالس العرفية التي شكلوها، والتي بدأت بمحاكمتهم، وإصدار الأحكام القاسية بحقهم، فأرسلت أعداداً كبيرة منهم إلى المشانق، أو الإعدام رمياً بالرصاص، وبالآلاف منهم إلى السجن، محملين بأحكام الطويلة تراوحت بين السجن لمدة ثلاث سنوات، والسجن المؤبد. 
ولم يكتفِ الانقلابيون بذلك ،بل أعادوا محاكمة السجناء السابقين ، الذين حكمتهم المجالس العرفية في عهد عبد الكريم قاسم ، خلافاً للقانون، وحكموا عليهم بالإعدام، ونفذوا الحكم فيهم في ساحات وشوارع الموصل وكركوك .
وحتى الذين لم يثبت انتماؤهم للحزب الشيوعي أمام المجالس العرفية، فكان رئيس المجلس يطلب منهم سبّ الحزب الشيوعي وقادته، وعند رفضهم ذلك، يحكم عليهم بموجب المادة 31 بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وعشر سنوات، متخذاً من رفضهم دليلاً على الاتهام.
لقد أدى سلوك حزب البعث هذا، وحربه الشعواء ضد الحزب الشيوعي  إلى فقدان علاقاتهم بالاتحاد السوفيتي، والمعسكر الاشتراكي، آنذاك وأخذت إذاعتهم تتهجم على تلك البلدان، وغدت الإذاعة وكأنها إحدى إذاعات أمريكا الموجهة إلى البلدان الاشتراكية، وانجروا نحو الحرب الباردة إلى جانب الإمبريالية . (9)

رابعاً: وقوع انقلاب بعثي في سوريا،ومشروع الوحدة الثلاثية
 
لم يكد يمضي سوى شهر واحد على وقوع انقلاب 8 شباط 963 في العراق ، حتى قام البعثيون السوريون بانقلاب عسكري في سوريا، في 8 آذار 963، بقيادة [ لؤي الأتاسي ] بالتعاون مع عدد من الضباط الآخرين، وقد أثار الانقلاب السوري موجة عارمة من الفرح لدى انقلابيي 8 شباط في بغداد، وتملكهم الغرور، وشعروا أن العالم العربي قد أصبح رهن أيديهم، وجرى لقاء بين قادة الانقلابيين في العراق وسوريا،  وبدءوا يخططون لمشروع وحدة ثلاثية، تضمهم إلى جانب العربية المتحدة، بشروطهم الخاصة، وفي ذهنهم أن يكون لهم اليد الطولى في تقرير أمور الوحدة المنشودة.
وبالفعل سافر وفد من بعثي العراق وسوريا، إلى القاهرة،في شهر آذار 1963 حيث تم اللقاء مع الرئيس عبد الناصر، وجرت مفاوضات بين الأطراف الثلاثة حتى شهر نيسان لإقامة وحدة ثلاثية خلال سنتين يجري خلاها التنسيق بين الأطراف في المجالات المختلفة، وكان المشروع لا يعدو عن كونه أدنى من [الاتحاد الفدرالي] الذي وقف البعثيون ضده بقوة عند قيام ثورة 14 تموز 1958، مطالبين بالوحدة الفورية!! .
وبعد مفاوضات طويلة بين الأطراف الثلاث تم عقد [اتفاقية 17 نيسان 963 ]، لإقامة علاقات وحدوية مع العربية المتحدة، لكنها لم تصل إلى حتى مستوى الاتحاد الفدرالي، وعاد الوفدان العراقي والسوري إلى بلديهما، ولم يلبث الاتفاق المبرم أن تلاشى وتم نسيانه بحلول شهر تموز، وأدرك الرئيس عبد الناصر أن البعثيين لم يكونوا صادقين في شعاراتهم ونواياهم، وخاب أمله بهم وبحزبهم . (10)
ومما زاد في الطين بله، اشتداد التناقض بين البعثيين والقوميين ، ومحاولة البعثيين تحجيم العناصر القومية والناصرية والحركية ، الذين حُرموا من المشاركة في المنظمات المختلفة، ومما زاد في تأزم العلاقة بين الطرفين وقوع مصادمات بين أتباع تلك الحركات وقوات الحرس القومي في الموصل وبغداد، وغيرها من المدن الأخرى، ووقوع عدد من القتلى بين الطرفين، مما حدا بمجلس قيادة الثورة الذي يسيطر عليه البعثيون أن يصدر بياناً في 25 أيار وَصفَ فيه الحركيين بالرجعيين والأذناب والانتهازيين، وبأنهم عناصر حاقدة تدبر مؤامرة سوداء ضد الدولة، وضد حزب البعث(11).
ورد الحركيين على بيان الحزب، واصفين تلك التهم بأنها زائفة، ولا تعدوا عن كونها محاولة خسيسة لتصفية العناصر الوحدوية داخل الجيش وخارجه.     
لقد كان الشقاق الذي حصل بين حزب البعث وبين القوميين والناصريين
والحركيين لا يعني إلا الشقاق بين حزب البعث وعبد الناصر، أما في سوريا فقد سارت الأمور هناك نحو الأسوأ، فقد حدث انشقاق في صفوف حزب البعث، وظهر حزب جديد يقوده [ صلاح جديد] و[حافظ الأسد] و[محمد عمران] وأعلنوا معارضتهم إقامة أية وحدة مع العربية المتحدة، متأثرين بالظروف التي آلت إليها سوريا خلال تجربة الوحدة السورية المصرية عام 1958.
وكان هؤلاء الضباط ذوي تأثير ونفوذ كبيرين في صفوف الجيش، وثبتوا أقدامهم بعد انفصام الوحدة، وعملوا على تطهير الجيش من العناصر القومية المؤيدة للوحدة.
وهكذا كان الفتور في التوجه الحقيقي نحو الوحدة بادياً للعيان، وانتهى الاتفاق بعد وقت قصير من ولادته، وبدأ عبد الناصر يوجه سهامه نحو عفلق وصلاح الدين البيطار متهماً إياهم بالخيانة لقضية الوحدة .(12)
حاول عبد السلام عارف مصالحة عبد الناصر مع البعثيين، إلا أنه فشل في مسعاه، وتوسعت الخلافات بين البعثيين وعبد السلام عارف، والضباط القوميين في صفوف الجيش، وباتت تنذر بالخطر على سلطة حزب البعث.
وهكذا  تخلى البعثيون عن شعار الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة، ذلك الشعار الذي رفعوه منذُ اليوم الأول لثورة 14تموز، وكان سبباً في شق وحدة جبهة الاتحاد الوطني، وحركة الضباط الأحرار، وفي الصراع السياسي الذي تبع ذلك بين القوى ذات التوجه الديمقراطي، والقوى ذات التوجه القومي، والذي أدى بدوره إلى انتكاسة ثورة 14تموز، وقد اثبت الأيام بعد وثوبهم إلى السلطة عبر انقلاب 8 شباط 63 أنهم استخدموا ذلك الشعار، واسم عبد الناصر للوثوب على السلطة وفعل نفس الشيء شريكهم عبد السلام عارف بعد انقلابه على البعثيين.

خامساً:البعثيون يشنون الحرب على الشعب الكردي
اتسمت العلاقة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب البعث العربي الاشتراكي بالفتور والتنافر منذ بداية تشكيل جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 بسبب المواقف الشوفينية لهذا الحزب من القضية الكردية، ورفضه انضمام الحزب الديمقراطي الكردستاني للجبهة رغم كل المحاولات التي بذلها الحزب الشيوعي في إقناع حزب البعث  بقبول الحزب الديمقراطي الكردستاني بعضوية الجبهة، مما اضطر الحزب الشيوعي إلى عقد تحالف ثنائي معه. (13)
وعندما مزق حزب البعث جبهة الاتحاد الوطني، وتآمر على ثورة 14 تموز وقيادتها المتمثلة بالزعيم عبد الكريم قاسم وقف الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى جانب الحزب الشيوعي في الدفاع عن الثورة وقيادتها، وساهم الحزبان مساهمة فعالة في قمع انقلاب العقيد عبد الوهاب الشواف في الموصل عام 1959، وحدثت القطيعة بين الحزبين منذ ذلك الحين وحتى عام 1961 عندما ساءت العلاقات بين حكومة عبد الكريم قاسم والقيادة الكردية بزعامة السيد مصطفى البارزاني، وتعمق الخلافات بين الطرفين حول الحقوق القومية للشعب الكردي، مما أدى في نهاية الأمر إلى تصادم قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بحكومة عبد الكريم قاسم، واندلاع القتال بين الطرفين رغم كل المساعي التي بذلها الحزب الشيوعي لتجنب الحرب.(14)
و دخلت كردستان في حرب طرفيها يمثلان قوى وطنية، و أستمر لهيبها حتى نهاية حكم عبد الكريم  قاسم، وفي تلك الفترة كان أعداء ثورة 14 تموز يعدون العدة لانقلابهم الفاشي مستغلين وقوع الحرب في كردستان وانشغال الحكومة وقوات الجيش في تلك الحرب.
وفي تلك الأثناء حصلت القناعة لدى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني  أن تحالفاً مع تلك القوى البعثية والقومية، لإسقاط حكومة عبد الكريم قاسم يمكن أن يحقق لهم آمالهم في نيل حقوقهم القومية المشروعة !!.
وهكذا بدأت القيادة الكردية بمغازلة الانقلابيين من أجل إقامة التعاون بينهم، وكان ذلك التفكير ينم عن عدم إدراك لطبيعة هذه القوى ، وتوجهاتها القومية الشوفينية، وكراهيتها للشعب الكردي .     
ورغم التحذيرات المتكررة التي وجهها الحزب الشيوعي للقيادة الكردية 
من مخاطر انجرارهم إلى التآمر على ثورة14 تموز، والتي سوف تصيب الشعب الكردي بأفدح الأضرار، إلا أنهم لم يأخذوا بتلك النصيحة، واخذوا يتبادلون المذكرات واللقاءات مع الانقلابيين، وشاءت الظروف أن تقع بين يديّ تلك المذكرات المتبادلة بين السيد إبراهيم احمدـ سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني ـ وطاهر يحيى ممثل الانقلابيين، بعد يوم من وقوع انقلاب 8 شباط مباشرة.
 وهكذا، مع مزيد الأسف ، وضعت القيادة الكردية أيديها بأيدي الانقلابيين، أعداء القومية الكردية، الذين لا يعترفون بالأكراد كقومية، وهللوا وتظاهروا فرحين يوم الانقلاب في الثامن من شباط عام 1963، وأسرع ممثليهم [صالح اليوسفي] و[فؤاد عارف] إلى دار الإذاعة صباح يوم الانقلاب لتقديم التهاني والتبريكات للانقلابيين، وسارعت قيادة الحزب إلى إرسال برقية التهنئة للانقلابيين تقول فيها [ اليوم تعانقت الثورتان .....] وكانوا فرحين مستبشرين بالعهد الجديد يحدوهم الأمل بأن يمنح هؤلاء الشوفينيين القتلة الحقوق القومية للشعب الكردي!.(15)
 غير أن الانقلابيين كانوا يضمرون كل الشر للأكراد، وتظاهروا في لقاءاتهم، ومذكراتهم بحرصهم على تلك الحقوق، وكانوا يهدفون من وراء ذلك تجميد الأكراد يوم الانقلاب، وضمان عدم التصدي لهم كما فعل الشيوعيون، ولاشك أنه كانت لهم كل الإمكانية للقيام بدور فاعل في كركوك والسليمانية والموصل وأربيل وسائر المناطق الكردية  بالتصدي للانقلابيين، وإفشال مؤامرتهم ضد ثورة 14 تموز المجيدة.             
لكن القادة الأكراد وقعوا في الفخ الذي نُصب لهم، وتنكّروا  لثورة 14 تموز، شاءوا أم أبوا، وضيعوا ليس حقوق الشعب الكردي فحسب، بل الشعب العراقي كافة، فلم يكد يمضي سوى أقل من أربعة أشهر على الانقلاب حتى بادر الانقلابيون بدون سابق إنذار إلى شن حملة عسكرية واسعة النطاق على كردستان، مستخدمين كل ما يمتلكون من الأسلحة المدمرة والطائرات  للتنكيل بالشعب الكردي، وهدم قراهم، وتقتيل  الآلاف من أبنائهم .   
لقد شهدت بأم عيني ماذا فعل الانقلابيون في مدينة السليمانية، ففي فجراليوم العاشر من حزيران 963 طافت سيارات عسكرية تحمل مكبرات الصوت، وتدعوا الناس إلى عدم مغادرة منازلهم، وتعلن منع التجول وبنفس الوقت، تحركت قطعانهم العسكرية لتداهم المنازل، منزلاً فمنزلاً وحسب الأرقام ، وتفتشها تفتيشاً دقيقاً، وتعتقل كل شخص تجاوز السادسة عشرة من عمره .
كنت في ذلك الوقت متخفياً في السليمانية منذُ وقوع انقلاب 8 شباط ، حيث أصدر الحاكم العسكري أمراً بالقبض عليَّ، وتمكنت بأعجوبة من الإفلات من قبضة الانقلابيين .
لقد أعتقل الانقلابيون الآلاف من أبناء الشعب الكردي، ولم يسلم من الاعتقال الحكام والأطباء  والمحامون والمهندسون وسائر الموظفين ، وبدأ الانقلابيون يجرون عملية فرز للمعتقلين، فمن كان شيوعياً أو بارتياً أطلقوا عليه الرصاص في الحال، دون محاكمة، حيث استشهد منهم المئات، وكان من بينهم العديد من رفاقي وأصدقائي، وقام الانقلابيون بحفر خنادق كبيرة بالبلدوزرات العسكرية، وتم دفنهم بصورة جماعية، في مكان قريب من معسكرهم .
أما الذين بقوا رهن الاعتقال في معسكرات الجيش  فقد أبقاهم الانقلابيون ثلاثة أيام متوالية دون طعام، ومنعوهم من أخذ أي شيء معهم إلى المعتقل، ومكثوا في الاعتقال عدة أشهر، ويوم خروجهم من المعتقلات كانت لحاهم، وأظافرهم قد أصبحت طويلة جداً، فلم يسمح لهم الانقلابيون حتى بأخذ ماكنة الحلاقة.
لقد قام الانقلابيون أثناء حملة التفتيش للمنازل بقتل العديد من الأكراد أمام عوائلهم، ومنعوا ذويهم من الخروج لدفنهم، مما اضطرهم إلى دفنهم في فناء منازلهم، كما جرى نهب العديد من المحلات التجارية وحرقها، وكل هذا لا يمثل إلا جزءاً ضئيلا  من الجرائم التي أرتكبها البعثيون الفاشست في كردستان، وسائر المدن العراقية.
ولم يكتفِ البعثيون بقواتهم العسكرية بل استقدموا قوات عسكرية من البعث السوري بقيادة الفريق [ فهد الشاعر] بغية تصفية الحركة الكردية. 
أستمر لهيب الحرب في كردستان حتى سقوط حكم البعث ،وتولي عبد
السلام عارف الحكم، إثر انقلابه على البعثيين في 17 تشرين الثاني من نفس العام ، حيث توصل البارتيون وعبد السلام عارف، عبر وساطة الرئيس عبد الناصر إلى إيقاف القتال في 10 شباط 964.
غير أن تباين التطلعات القومية لدى القوميين العرب والأكراد جعل من المستحيل استمرار تلك الهدنة الهشة، واندلع القتال من جديد في 5 نيسان 1965، وعلى عهد عبد السلام نفسه أيضاً.

تصفح

[0] فهرس الرسائل

الذهاب الى النسخة الكاملة