الآشوريون في ايران وبلاد الرافدين
1919 - 1918
ان مقال الكولونيل (جي. جي. مكارثي) قائد البعثة العسكرية الانكليزية الى الاشوريين خلال
الحرب العالمية الاولى سيقدم الادلة الشاهدة على الخيانة البريطانية للآشوريين بما لايدع أي مجال
للشك، كما وسيبدد تصريحات الحكومة الانكليزية بادعائها أنها لم تكن التي سألت الاشوريين لمحاربة
الاتراك.
" لم تكن الا قبيل أو بعد مغادرته بغداد الى ايران حين اتصل الجنرال (دنسترفيل) بالآشوريين
قرب بحيرة اورميا بفكرة اعدادهم للانضمام الى قواتنا لمحاربة الاتراك. فوافقوا تلقائيا بشرط قيام
الضباط الانكليز على قيادتهم حيث لم يكونوا قد وثقوا بالروس الذين كانوا معهم حتى تلك المرحلة.
وتقرر ارسال بعثة قوامها ( 75 ) ضابطا انكليزيا الى بحيرة (اورميا) حاملا معه اوامر خاصة من
مركز قيادتنا في (همدان). ومع انني لم اتصفح الاوامر شخصيا، الا انني كنت على معرفة تامة انها
كانت تحمل تصديقا للتعهدات السابقة المكتوبة، ولاحاطة الاشوريين علما بقدومنا للانضمام اليهم.
كانت وصول الطائرة وانتشاو الخبر عن توجه القوات الانكليزية من ايران نحوهم، قد اعطت
الاشوريين بدون شك، فكرة مضخمة عن قواتنا في ايران، وفكرة خاطئة عن امنهم وسلامتهم بالذات.
وعلى الرغم من ذلك فانهم، لو لم يعتمدوا كليا على المساعدة التي كانوا نحو استلامها منا، ولم يأخذ
(آغا بطرس) كافة الاسلحة والذخيرة التي ارسلناها لهم، لنظروا الى مواردهم الخاصة بعين الاعتبار،
ولما اعتمدوا على مساعدتنا بهذا الشكل.
كانوا قد تمكنوا في عدة اشتباكات مع الاتراك، اكثر من الدفاع عن مواقعهم، وكانت المواد الغذائية
متوفرة. ولو قاموا برعاية الذخيرة التي كانت في حوزتهم لاستطاعوا الصمود امام اي هجوم تركي،
بينما لم يكن الاتراك حتى تلك المرحلة على استعداد لخوض الحرب، ولو فعلوا ذلك لكانوا خرجوا منها
في الحال. وحتى لو حدث الاسوأ وتمكن جيش متفوق بالعدة والعدد من دحرهم واخراجهم من المنطقة-
بينما لم يكن ذلك من المحتمل حتى ذلك الحين - فقد كان بمقدورهم التقهقر الى جبالهم المنيعة، وربما
الاتصال بالجيوش الانكليذية المرابطة عند الموصل. لكنهم لم يتقهقروا بسبب قوات متفوقة بكل تأكيد،
بل بسبب المناشير الكاذبة التي وزعها العدو ولاعتقاذهم ان (آغابطرس) قد هجرهم في (اورميا). ولو
لم تكن للاسباب السابقة فان الفرار المذعور والتشتيت لما كانت لتحدث على الاطلاق. الا ان ما يجت
تذكيره مرة اخرة، اننا كنا قوة صغيرة مقيمة في الريف، وكان الجنرال (دنسترفيل) مشغولا حينئذ
بالتحضير لعمليات الانزال في (باكو) بينما عينوا كافة الضباط للقيم بأعمال اخرى ولم يكن بالمستطاع
الحاثهم وفي اللحظات المناسبة بتلك الامكنة، الى جانب وجود فرقتين من المجندين الاشوريين
الايرانيين اللتين كانت بحاجة الى عدد كبير من الضبات وضبات الصف، كما وتسببت امتداد خطوط
الماصلات بين بغداد وبحر قزوين، لاستعمال عدد كبير آخر من الضباط.
كان علينا ان نعتمد في نقلياتنا على امقاولين المحليين كليا، وعلى الرغم من كونهم غشاشين، فقد
كانوا غير كفوئين للقيام بالعمل. أما العدد اللازم من الضباط لتبني المسؤولية في المهمة التي كان علي
قيادتها لم يكن متوفرا وبالاخص حينما كان التطوع الاختياري ضروري جدا وانتقاء العدد اللازم منهم
بحرص.
وعندما اصبح من المعروف ان الأمة باسرها كانت في تقهقر، فقد توجهت اليهم في الحال بقسم من
قواتي لاعادة الرجال المقاتلين منهم والسماح لعائلات بالاستمرار نحو (همدان). فالتقيت بهم وهم
يتقهقرون على جبهة واسعة، العائلات على الطريق الرئيسي بينما كان المقاتلون يمتدون على مسافة
اميال على على جانبي الطريق لحماية التراجع. كان من المستحيل الاتصال بغالبية المقاتلين المعتدين
بأنفسهم - كما كنت - على الطريق الرئيسي.
وبدا الى جانب تحرشات العدو، ان كافة امم العالم المعروف بأسره كانت تتصدى هذا الشعب
البائس من كا جانب. فمات الكثيرون بالتيفوئيد والدوسانتاريا والحصبة ومئات اخرى بسبب المشقات
والاهوال. كانت وؤية الاطفال ملقيين على جانبي الطريق وهم مايزالون على قيد الحياة، من الامور
الطبيعية، ولربما بسبب موت ابائهم وامهاتهم. أما الارض اينما حلوا، فقد كانت تكتسي في صبيحة اليوم
التالي بجثث الموتى واشباهها.
قلة قليلة جدا تدرك فعلا ماقاساه هذا الشعب البائس. الى جانب كل فان الاتراك كانوا قد قطعوا خط
الرجعة لما يقارب ال ( 10000 ) نسمة منهم- وكما اعرف - فان ما من خبر قد ورد عنهم مرة مرة
اخرى حتى الان. اخيرا، كانت البقية الباقية من هذه الأمة قد بلغت (همدان). اما الفكرة الوحيدة التي
كانت لدى جميع الذين قابلتهم خلال التراجع، فلم تكن الا انهم ذاهبون الى همدان للانضمام الى القوات
البريطانية الموعودة ومن ثم العودة حالا لطرد الاتراك واسترجاع بلادهم. كانت هذه، كل ماكان في
تفكير الجميع تماما.
بعد بضعة اسابيع من ذلك بينما كنت قائما على انشاء وحدة الطوارئ الاشورية، فقد اعتقد الرجال
جميعا انهم راجعون الى بلادهم لامحالة. لم يكن ذلك اعتقادا وحسب، بل كنت قد اعلمتهم بصورة
مطلقة، انهم سيؤخذوا الى بلادهم تحت اشراف الضباط الانكليز، وانني كنت الذي سيقودهم شخصيا.
ليس هناك اي مجال للشك بالتأكيد، كما انني على يقين تام بأن مامن احد في مركز المسؤولية بامكانه
ان يدحض في الزمان والمكان، حقيقة الأمر، بان الغاية عندما تم تشكيل وحدة الطوارئ الاشورية من
الجال المقاتلين ووضعها في معسكر منفصل خارج همدان بعد اجتياز التدريب المرهق الشاق تحت
توجيه الضباط الانكليز مباشرة، كانت من اجل تلك النهاية وبالتحديد، اعادتهم الى بلادهم.
كنا بحاجة ماسة الى السلاح والذخيرة. فارسلت الى طهران ضابطا انكليزيا لشراء البنادق
والذخيرة التي كان يبيعها الجنود الروس في الاسواق العامة، ويجب العول ان القيام بكل هذه الاعباء
وتدريب هؤلاء الرجال لم تكن من اجل حماية ايران على الاطلاق.
وعندما تقرر توجيه وحدة الطوارئ مرة اخرى الى بلاد الرافدين فقد اعلمت الرجال ان الغاية منها
كانت من اجل تدريبهم وتحضيرهم بصورة أفضل، وتسليحهم بالبندقيات الانكليزية عوضا عن الانواع
المختلفة المتعددة التي كانت بحوزتهم، حيث لن يكون تزويدهم بالذخيرة اللازمة في حال اعتراض خط
الرحعة الى بلادهم أو بعد بلوغها، امرا صعبا. كان من المفروض عدم الاحتفاظ بهم في بلاد الرافدين
أو استعمالهم للدفاع عن البلاد. لكنهم استعملوا لتلك الغاية اخيرا، وبرهنوا عن مقدرتهم الفائقة في اكثر
من مناسبة ومعركة.
بقيت آمرا لقوة الطوارئ الاشورية في بعقوبة لمدة ستة اشهر اخرى بعد توقيع الهدنة، وخلال كل
هذه المدة كانوا قد وضعوا بالرجال تحت تدريب مرهق شاهق حيث وضحت لهم ان استمرار التدريب
بعد انتهاء الحرب لم يكن لجعلهم أكثر فعالية لقيادة شعبهم الى بلادهم الخاصة فقط، بل ولجعلهم أكثر
قدرة للدفاع عن انفسهم بعد بلوغها ايضا. تلك كانت التوضيحات التي قدمت لي ايضا في مركز القيادة
العامة في بغداد. اما هذه، فقد استوعبوها بتفهم بحيث ان مامن جيوش اخرى قط كانت اكثر قابلية
للتعديل والتطوير، من هؤلاء الجبليين من (تياري) و (تخوما) بحيث ان كافة الضباط الانكليز الذين
يقلوا من مختلف الافواح للخدمة في وحدة الطوارئ الاشورية، كان قد اعياهم التعبير عن الميزات
الفائقة التي لمسوها ينهم.
كان وجود الاشوريين في اورميا قد ساعد، منذ البداية حتى فرارهم المذعور، على حصر تنقلات
العدو من ايران نحو الشرق والعودة منها، وشكلوا الحامية الكبيرة الوحيدة لخطوط مواصلات الجنرال
(دنسترفيل) بين كرمنشاه وهمدان خلال الجزء الاخير من عام 1918 . ولو اننا استطعنا الانضمام اليهم
في اورميا بحامية من الضباط الانكيز وعدد من الرشاشات الخفيفة، لكان بمقدورنا حماية (باكو) ضد
الاتراك بما لاتدع أي مجال للشك.
أما بالنسبة للتعديلات الاخيرة خول انظمة الاسلحة الانكليزية المرخصة واحتفاظ الاشوريين
بالنوعية المخصصة للجيش بالاضافة الى معارضة حكومة جلالته البريطانية وكذلك الحكومة العراقية
من ذهابهم الى سوريا أو أية جهة اخرى، باعتبار موافقة مضيفيهم لرغباتهم وتحمل التكاليف، فمن
الصعوبة رؤية الجريرة التي اقترفوها لتمنع عنهم البندقيات المستحقة شرعا ولينعتوا باثوار ايضا.
ان الغاية الوحيدة كما يبدو من وراء سعي الاتراك لتملك هذه البلاد على الرغم من صعوبة الحياة
في مرتفعات هيكاري كما يشير اليها الدكتور (ويغرام) في كتابه (معد الحضارة) عن خطر الفيضانات
وانزلاق الثلوج التي تهدد المزروعات على الجرود باستمرار، لم تكن الا لمنعها عن ملاكيها الحقيقيين،
بينما لم يكن لهم اي احتمال لاستعمالها في اي غرض آخر عدا ذلك.
أما وقد تفرر اخيرا للقيام بالاستعدادات اللازمة لتوطين الاشوريين في سوريا فانني ادرك جيدا ان
الحكومة الفرنسية على الرغم من قيامها بالتحضيرات الضرورية لتسلم اعداد محدودة منهم، فانها لن
تستطيع القيام برعاية الأمة باسرها، والاصح ما تبقى منها. كما ان تقسيم هذه الأمة على هذا النحو لن
تكون مرضية على الاطلاق، وليس من المحتمل موافقة البطريرك أو الشعب عليها.
أما اذا سمحنا للحكومة الفرنسية لاراحتنا من مسؤولياتنا وانهاء هذه المعضلة لنا، فانها لن تزيد من
هيبة بريطانيا في الشرق. ولكن يجب القيام، مهما كان الامر لتوطينهم في وحدة متجانسة، لا على النحو
الذي تريده الحكومة العراقية وذلك بوزيعهم بين اعدائهم، أو تهجيرهم الى سوريا.
أن لجنة الانتدابات الدائمة تأمل في حال البرهان عن استحالة توطينهم في وحدة متجانسة، عن
امكانية الزام الحكومة التركية لاعادة وطنهم في جنوب هيكاري اليهم، تلك المنطقة التي نكرت عنهم
بسبب خطأ في قرار عصبة الامم عام 1925 . أن هذا يبدو الحل الصحيح الافضل لهذه المشكلة في
حين يجب على انكلترا الخياربين احد امرين:
إما مواجهة الوضع القئم والضغط على تركيا، أو حتى تعويضها، لاعادة هيكاري الى اصحابها
الشرعيين، أو .. توطينهم في وحدة متجانسة في منطقة كردستان تحت رعاية البطريرك فيما اذا كان
من اسهل اظن عن مكانية الصلح مع الاكراد والعيش معهم بسلام.
لعد كان ولاؤهم للحكومة البريطانية السبب في طردهم من وطنهم، كما ان نكرانهم شرعية العودة
الى وطنهم لم يكن الا بسبب خطأ لجنة العصبة عام 1925 . انها احدى المستحيلات ان تسمح الحكومة
البريطانية للقضية بالبقاء حيث بلغت الآن، وستحاول بالتأكيد لاعادة وطنهم اليهم مهما كان الامر،
" . الوطن الذي وعدتهم به عام 1918
التوقيع
العميد الركن ج.ج. مكارثي - قائد وحدة الطوارئ الاشورية
1933 . نادي ديفون شاير / شارع سانت جيمس / 17 ت 2
منقول
اشوريونان داود
Ashur younan dawood
Master of Philosophy and Theology
Oceania\ NZ
ashuryounan@yahoo.com