(الأنا) توقف انهيار الروح في قصة (في حجرة صغيرة)
ابراهيم كولان
[/b]
بالرغم من بعض الهنات والزيادات هنا وهناك في القصة القصيرة جدا الموسومة (في حجرة صغيرة) لصفاء جميل الجميل، في حين اعتبرها الكاتب قصة قصيرة، لكنها في الحقيقة تحمل كل شروط القصة القصيرة جدا، تقدح فكرة مدهشة تهز الوجدان...
ولكي نتعرف على القصة سأحاول ان ألخصها وأكثفها دون المساس بهيكليتها...
-في حجرة صغيرة بلا سقف فوق احد المنازل، عاشت الأرملة الفقيرة مع طفلها الصغير، حين جاء الشتاء ومع ساعات الليل الأولى هطل المطر بغزارة، نظر الطفل الى أمه بحيرة واندس في أحضانها، لكن جسد الأم مع ثيابها كان غارقا في البلل، أسرعت الأم الى باب الغرفة فخلعته وأسندته مائلا على احد جدران الغرفة، وخبأت الطفل تحت الباب، نظر الطفل الى أمه في سعادة بريئة، وقد علت على وجهه ابتسامة الرضا، وقال لامه: ماذا يا ترى يفعل الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب، حين يسقط عليهم المطر؟!-
قصة سيكولوجية بمضامين إنسانية، وتحليل بارع لسيكولوجية النفس البشرية، تحمل محمولات فلسفية عميقة ازاء موقف الإنسان أمام وجوده، وموقف الذات أمام كيان يداهمه الانهيار....
فكرتها مدهشة وصادمة، ومضة النهاية نابضة بالحياة، ذلك هو الإبداع، والإبداع بؤرة التطور في الطبيعة والكون، تحمل هذه القصة فكرة هائلة الضخ بمضامين إنسانية، انها تمثل دفاعات النفس البشرية امام انهيار الكون في دواخل هذه النفس، لإثبات وجودها وتبرير أهميتها، فغريزة إثبات الوجود وتثبيت الذات، تشكل رابع غريزة من هرم الحاجات الإنسانية الأساسية –فرويد-.... في مداخل النفس البشرية تتيح مرونة هائلة للتنقل من موقف الى آخر، بحسب مستويات الدفاع حين تتعرض الى انكسار او هدم، انها (الأنا) تستصرخ كل وسائل الإنقاذ، لتسيطر على سكتتها الدماغية، وتبقي سكتها سالمة، حتى تمسك بسلم النجاة من السقوط في البحر الخالد....
الأنا هنا صمام أمان يمنع تمزق الروح، حين يتعرض وجودها الى الزوال، انها تعيد توازن الانسان الى مكانه في لحظات اهتزاز الروح لتمنع الخلل القادم....
ذكرتني بمسرحية قرأتها، الثمية الأساسية فيها، أصدقاء في معتقل محكوم عليه بالإعدام، فكلما يأخذون احدهم للإعدام، لا يفكر أصدقاؤه الباقون الا بالاستحواذ على سكائره، وفراشه، وطعامه، وليس أمامهم غير الموت المحتم بعدها! ترى كيف تتصرف الانا في مستوى من مستويات الوجود؟!....
الومضة النهاية لكلمات الطفل تحمل العزاء للروح حين تنغمس في ضيق لا مخرج منه... (انا) الطفل في هذه القصة عزاؤها بانها ليست الأفقر بين الجميع، فهناك أناس ليس لهم باب، فيرثي لهم، انه ثري بالنسبة اليهم كما تقول القصة، والنفس البريئة الصغيرة لا تؤسس لما بعد الآن، فهذا يحملها فوق طاقتها، فالبراءة لا تتحمل ما بعد الفعل الواحد...
في النهاية ارجو للاخ صفاء دوام العطاء وأقول، ان القصة القصيرة جدا يسمونها فن الحذف والاختصار، لخص الفقرة في جملة واحدة والجملة في كلمة، أتمنى ان يستمر قلمك بهذا الإبداع....
...........................................