المحرر موضوع: مسرحية للفتيان مستوحاة من رحلة كلكامش للبحث عن الخلود  (زيارة 4201 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامر ألياس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 379
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


مسرحية للفتيان مستوحاة من رحلة كلكامش للبحث عن الخلود


الجد (هيثم بردى ) يقدم تجربته الثالثة في أدب  الطفل عبر (العشبة )



قراءة –سامر الياس سعيد
بينما كنت أتابع موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) في احد الأيام لمست فرحا عارما يغمر  القاص هيثم بهنام بردى وهو يعلن عبر صفحته على  الموقع بانه اصبح جدا .. هذه الفرحة لفتت انتباهي وجعلتني  اقلب صفحات متنوعة من إبداعات بردى لاسيما  في محور ادب الطفل لاجد ان هنالك ثمة اهتمام بارز يصدر من جانب القاص  المذكور  في المحور الذي يتطلب اجادة تامة  وخزين معرفيا مهما ليخاطب فئة من فئات المجتمع الاوهي الفتيان الذي قدم لهم بردى عملين كانت احدهما عبارة عن مسرحية للفتيان  بعنوان (الحكيمة والصياد )صدرت في اربيل عام 2007 والأخرى سيرة قصصية  للفتيان
 حملت عنوان (مع  الجاحظ على بساط الريح ) وصدرت في دمشق عام 2010 والملاحظ ان  توجيه بوصلة القاص هيثم بهنام بردى نحو ضفة الفتيان  ملاحظة جديرة بالتامل خصوصا وان هذه المرحلة تشهد  اكتساب خبرة مضاعفة  اهمها الغوص  في متون الكتب وتكثيف القراءة لمن اجل اختبار العالم وفي  هذه المرحلة العمرية بالذات برزت رغبات كثيرين بالولوج الى عالم الأدب  عن طريق القراءات  لذلك فمن الطبيعي جدا ان يصدر العمل الثالث هذا العام وفي محور ادب الطفل من قبل القاص هيثم بردى ليحمل عنوان( العشبة) وهو مسرحية للفتيان فازت بالجائزة الثانية  لمسابقة دار ثقافة الأطفال
 التي أقامتها  باسم جائزة( عزي الوهاب ) للمسرح عام 2010 وتنطلق هذه المسرحية عبر الإصدار الجديد بمقدمة للدكتور (فرح أدور  حنا ) يستعرض فيها عبر قراءة  في مرجعيات  مسرحية العشبة يشير فيها  الى  القاص بردى  استوحى عبر هذا النص طقسا اسطوريا  يحمل في جذوره  قدسية من  نوع خاص  تجعله يرتقي  الى مصاف النصوص  القومية المعبرة  عن هوية امة  وثقافة عاشت  في بلاد ما  بين النهرين ، ويتابع  حنا  حول اختياره  لمسرحية العشبة  بوصفها  عينة إجرائية منتخبة  وملائمة لشغل  مساحة التطبيق  كونها تحاكي  الأسلوب الأمثل  في التعاطي مع الموروث والتفاعل معه  ولاسيما
 المثيولوجي  فهي تختزل –بحسب  الدكتور فرح أدور حنا – ذاكرة ثقافة  شعبية  متعددة ومتنوعة حيث ارتكز النص  على السرد الأسطوري  لملحمة كلكامش  وتحديدا  رحلة البحث  عن الخلود الذي قام به  كلكامش  ومحاولة اللقاء  مع رجل الطوفان (اوتنابشتم )فضلا عن تطعيمه  بمرويات  شعبية  وحكايات  خرافية  وروايات دينية ..
أما المسرحية فتتألف من سبعة مشاهد يقوم بتجسيد أدوراها عدد من التلاميذ في مدرسة عبر المشهد الاول يتحاورون مع صبي في الحادية  عشرة من عمره  يبدو وجهه اقرب  الى الدمامة منه الى الطبيعي فيما يبرز المشهد الثاني  امرأة شاحبة ممدة  على حصيرة بالية في غرفة  مشيدة باللبن وصبي يسقيها الدواء وعند قدمي المرأة الشاحبة التي تئن من الألم  جلست  الحكيمة العجوز  ويعاود الصبي حضوره في المشهد الثالث  بثياب عتيقة  وزوادة قماشية  معلقة بعصى على كتفه  ويقف مندهشا عند مفترق طرق  في ليل وبرد وخلاء موحش  أما المشهد الرابع فيشير توقيته  الى الفجر  بينما
 المكان عبارة عن أسوار  شاهقة  وبوابة ضخمة  تنفتح ببطء  ليظهر حارسان  مدججان بالسلاح  وخلفهما  رجل بثياب مزركشة  وعمامة كبيرة  ويحيط الحارسان بالصبي وتدور محاورة بينهما  تستغرق المشهد كله ليأتي بعدها المشهد  الخامس بتوقيت يختلف عن سابقه حيث يحل ضحى  نفس الصباح  والمكان هذه المرة  عبارة عن قاعة فسيحة  تتصدرها دكة  انيقة  يقتعدها القاضي  ويجانبه يقف المنادي ويحل الصباح في المشهد السادس بينما يتغير المكان حيث يتحول الى  غار في سفح  الجبل  وفيه يقف الصبي امام بئر  ليسحب الحبل  ويظهر الدلو ويشرب الماء  ثم ينظر  نحو الأرجاء لتملاه  نظرة فزع
 حيث يرى انتشار جماجم  وعظام ادمية  قرب مربط حصان الصبي وتنتهي المسرحية بالمشهد السابع حيث تتشابك الأحداث وتبرز بنهاية  يلتفت فيها التلميذ مذهولا  وهو  يقول هل كنت احلم  لكنه يستطرد فيقول  لا لم يكن حلما  وينسدل الستار بعدها ..
لقد وظف  هيثم بهنام بردى الحكايات الشعبية  ليسكبها في اطار مسرحية تجسد معطيات ودلالات حياتية على  الفتيان ان  يستفيدوا منها خلال حياتهم فتنطلق من خلال  حوارات المسرحية العديد من التجارب المأخوذة من موروثات  سواء اكانت بالسريانية  البيئة التي  استوحى منها بردى الكثير من النصوص الإبداعية لابل  عنون  بعضا من تلك النصوص  بهذه اللغة مثل (تليباثي )وهي مجموعة من القصص القصيرة التي صدرت للقاص عن دار ناجي نعمان ببيروت عام 2008 لكن الأبرز من خلال هذه المسرحية  الواقع الذي يمكن ان يستحضره المتابع  حيث يمكنه ان يبحث عن الخلود الذي عناه كلكامش في
 ملحمته بالبحث عن الخلود ولو كان الحصول عيها يمر عن طريق عشبة ففي المشهد الثاني تختزل الكثير من الأساطير والحكايات المستوحاة من أسفار العهد القديم  لكي تقدم تجارب حياتية لفئة الفتيان  خصوصا في المحاورة  بين الصبي والحكيمة العجوز فبين كل كلمة تبرز  إطلالة  لأسطورة وحكاية وسفر  فبينما  تقول الحكيمة  كلمة الصبر يردفها الصبي باقتران الكلمة ومدى التحمل بأيوب النبي  واذكانت الحكيمة تتحدث عن الحيلة  يبرز الصبي حيلة  ابن آوى  والشجاعة كما تقول  الحكيمة فيقرنها الصبي بشجاعة الاسدولكن الصبي لايتوقف عن المقترنات بتلك الكلمات لكنه يقول
 تاليا  بان كل تلك القصص والحكم  رغم انطباعها في ذهنه لكنه سيتصرف على هدي مغزاها وفيما يتيحه الوقت المناسب ..
حقيقة ان جهد توظيف الحكايات الشعبية  وإبرازها في نصوص تقدم للفتيان وشرائح تتخصص في أعمال الطفولة هو جهد مهم وبارز يتطلب عدم  اكتفائه بالإصدار والنشر لتلك النصوص المسرحية فحسب  لكن في الوقت نفسه يستدعي من الجهات التي تعنى بثقافة الأطفال ومديريات النشاط المدرسي في تربيات  العراق  ان تقدم تلك النصوص للشريحة ذاتها مجسدة على خشبة المسرح فالكثير من تلك النصوص المسرحية تطبع وتنشر  بأعداد كبيرة ويشار إليها الى انها مسرحيات للفتيان لكنها  ما لبثت ان ركنت على الرفوف تنتظر مخرجا حاذقا ومجموعة من الممثلين  لتوظيفها في عمل مسرحي  يعيد
 للخشبة  القها المفقود  والأمر الملاحظ ان الكثير من النصوص المسرحية باتت  تنتشر في وسط غاب عنه المسرح عن طريق ترجمة هذا النص او ذاك الى عمل مسرحي يبرز الواقع الذي تتابعه الأعين  وتكتب حوله الآراء النقدية التي من شانها الدفع بالحركة المسرحية الى امام وهنيئا لحفيد القاص هيثم بهنام بردى بجد مازالت بوصلته تؤشر الكثير من  محاور الإبداع  ولاسيما انه لا يهمل محور ادب الطفل فهو التخصص الذي  يتطلب  واقعية مهمة وخيال واسع ليقترن  الاثنان بإنتاج نصوص  تبرز فيها دلالات عمل الخير والشر  وتتصارع فيها  لينتصر في النهاية من يسلك طريق الحكمة
 والصبر ..ختاما اسجل إعجابي بالرسوم الداخلية التي رافقت  مشاهد المسرحية في صفحات الكتاب  الذي ضم 80 صفحة من القطع الصغير  والتي ابدعتها أنامل الفنان الحاذق عمر طلال بالإضافة الى الغلاف  والتي أسهمت بابراز جوانب من المسرحية عبر شخصيات جميلة ..