المحرر موضوع: العم(بهنام) من قمة دير مار متي حتى قلعة آشور وحكايات( الغليون) للقاص كريم إينا_____فهد عنتر الدوخي  (زيارة 13722 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فهد عنتر الدوخي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 750
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
 العم (بهنام) من قمة ديرمار متي  حتى قلعة آشور وحكايات( الغليون) للقاص كريم إينـــا                                                           فهد عنتر الدوخي
 تطوف بنا حكايات عمي (بهنام)*, تاريخ بأكمله يجوب القرى, يدخل منازلنا كرسول يحمل الفرح,تمضي راحلته من قمة( ديرمار متي) حتى قلعة (آشور ) جنوب مدينة الشرقاط, يتوغل بين البيوت الطينية المرابطة على نهر دجلة, يطرق أبوابها الخشبية البدائية بعفاف راهب, يدخل البهجة في عرين كهل ينتظر بساط ملون ينسجه عمي( بهنام) بمهارة فائقة..  وعلى شاكلة هذه الرؤية هنالك حكايات أخر, ظلال الأديرة ورهبتها وعبق الحضارة وبريقهاوجيل حمل رسالة مشحونة بالألم والهم والكبرياء, واجهات المدن التي خرجت مؤخرا من سباتها,يرصدها الكاتب والقاص البارع كريم أينا في مجموعته القصصية ( الغليون), إذ جمع فيها ثروة طائلة من الأفكار والمشاعر والمشاهدات والذكريات, وقد إجتهد فيها الكاتب بخياله الخصب  ورسمها بلغته الراقية, ليوثق لنا حقبة من الزمن تركت بصماتها في حياتنا والكثير منها لفت سهل نينوى بأهواءها وأجواءها العامرة بالبهاء والجمال, تشاطرها أعواما تحفها البساطة وتزينها أخلاقيات الناس بكل مشاربهم, تحتوي مجموعة( الغليون) على كم هائل من العناصر الفنية التي وظفها الأخ  كريم ,الماهر في صياغتها حتى روضت ذائقة المتلقى بإنعاش ذاكرته ووفرت له متعة جميلة طالما جعلته في أشتياق مستمر وإنشداد راسخ لها, ومتابعة مايروم الكاتب قوله في نهاية الأمر و بما فيهم النخبة, يكتب برؤى مدروسة, يخترع  صور المكان بتقينة رائعة ومؤثرة, يخلق بيئة تتوائم مع مجريات الحدث,يوزع إهتمامات المتلقي على مساحة شاسعة من التأملات والتوقعات وبالتالي يضعه أمام سطوة النص وتراكيب الجمل الرصينة التي تشكل مشهدا قصصيا محبوكا ومنسوجا بخيوط محكمة.
تضم مجموعة( الغليون) للكاتب كريم إينا الصادرة عن إحدى دور النشر السورية, خمسة عشر قصة نذكر أسماءها بالتتابع(أفعى ليل خريفي, شهيق النفاخات, جرأة بوم, أنا والجني, السعادة, الغليون, يعسوبتي, إنتقام القط, الصورة, الكلب المسعور, قداس في بيتنا, ظل صديق, رعشة الخوف, هادي والكلاب, الغطاء الطائر).
ففي قصة ( الغليون) التي أخذت عنوان هذه المجموعة لسطوتها على مثيلاتها, لغرابة فكرتها وللجرأة التي إستخدمها الكاتب إذ كانت مغامرة محسوبة النتائج, عندما نجح في إيصال خطاب قصصي فريد في معترك السرد,حتى وضع للغليون قيمة إعتبارية ومادية من خلال إستنطاق الجماد ليعبر عن حاله وكأنه كائن حي يرزق يحاور نفسة ويستأنس بإصحابه الذين وقروه وإصطحبوه بذلك التوقير والإحترام.. ففي صفحة32 يتكلم عن حال الغليون الذي عثر عليه صاحب معرفة بهذه المقتنيات عندما حفظه في خزانته الخاصة(ماذا ينفع من الكائن الثمين أذا خسر حريته داخل مجر صغير؟),إذ قرأ رد الفعل أوالثأر(يسد فمهه حتى لايمر الدخان من قناته اللولبية) حتى يقول:( بدأ يسترجع ذكرياته عندما كان يمسكه العم وديع المنجم), من المؤكد أن القاص قد وظف الغليون لتوضيح مهام عدة في متن الناتج النهائي الرمزي, وهي ذات الرسالة المتوخاة لأيصالها الى المتلقى بإسلوب جديد ناطق بالحكمة  والمعرفة ولغرض مراجعة النفس ومافي حوزتها من أشياء أعتبارية مادية ومعنوية, أن يدرك قيمتها قبل أن يفقدها  حتى يستدرك أمره عندما يخاطب نفسه بذلك الحوار الصريح(ما أنا إلا سوى تحفة فنية تائهة تنتظر من ينتشلها من الأتربة) ويذهب الى أبعد من ذلك حتى أن لسان حاله يقول:أمنيتي أن أحظ بعرض في متحف أوأشمخ بقامتي في مزاد علني.
في قصة( أفعى ليل خريفي) في هذه القصة والأخر اللاحقات التي إحتوتها  مجموعة(الغليون) من مسميات والتي وسع فيها من حضور لافت الى جنس الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات, مثل( كلب, أفعى,بوم ,قطة , سمكة يعسوبة,بلبل, ديناصور,ضفدع , فأر, عصفور,صقر,فراشة, قنفذ,عظاية, عنكبوت,إخطبوط,جرادة,حمامة,دجاجة,نمر)..فقد شحذ ذاكرتنا يوم كنا نقلب مناهجنا الدراسية, هل نحن أمام حي بني يقظان لإبن طفيل الإندلسي, حتى قيل أوذكر في دراسات كثيرة أن(دانتي) الإيطالي صاحب الكوميديا الإلهية والذي إستمد أشعارة وآثاره الأدبية من حي بني يقظان,إذ لازالت الكوميديا الإلهية الى اليوم من أعظم مادون من موروث في أوربا برمتها..ربما كان كريم أينا قد أوجد علاقة مشتركة لإستنطاق هذه الحيوانات ليتجاوز المألوف من القص وقد أعطى لكل منها دورا محوريا في صناعة الحدث..(أفعى ليل خريفي) تستنجد به جدته لمقاتلة الأفعى بنخوة أهل الريف غير أنه يخاطب نفسه برهبة هذه الأفعى وشكلها المخيف وصوتها المزمجر( أنا الضال الذي لايستطيع أن يهدي نفسه, فكيف يستطيع أن يهدي مخلوقة خرافية كالأفعى؟)ص6..
نتوقف عند قصة( جرأة بوم) ص19(كنت أشجع نفسي واراقبها مليا , مجرد طير يتأرجح في غصن الشجرة  وقد لفت رقبتها بحبل من الغرور مع ذلك فهي تستبسل دفاعا عن أملها الضائع في لجة السراب) تلك إذن هي صورة أخرى وظفها الكاتب في هيئة الطير المشؤؤم (البوم) وهذا يؤيد ماذهبنا اليه للكشف عن أدوات جديدة قد وظفها لأيصال رسالة مشفرة بهذا العمق وهذه التقنية التي إبتدعها.
في قصة(أنا وجدتي) ص22 عودة الى طفولتنا التي تتسم بالعفوية والبساطة والغيرة يوم كانت  جداتنا تحكي لنا عن الجن ومصباح علاء الدين حتى يستبد بنا الأرق  في فراشنا والخشية من السعلاة والمسميات الخرافية وغيرها(أيها الجني المحبوس الى الأبد,لاشيئ يحتويك غير هذا المصباح الذي يصور تاريخ حياتك).. وهنالك في قصة (السعادة) ص27 مناجاة روحية وعتاب وخيال واسع ووصف لأنفعالاتنا الإنسانية وماترسمه الذات في فرشاتها الناعمة وما تضعه من ألوان بهيجة كلوحة ليلة العيدفي خلدنا,بين هذا وبين أن لايدرك الحبيب قيمة إهتمامك  ومحبتك له(مابين الخيبة والسعادة لايهم,صرت ضائعا بين أمكنة زماني وأحبو كطفل رضيع)..
وعندما نتجول بين سطور قصة(يعسوبتي)ص35(ضوء القمر ينير سماء قريتي بغديدا الجميلة, وإنقشعت الظلمة في كل زاوية من زوايا القرية)و ما أجمل هذه اليعسوبة التي وضع ثقته بها لتكون بطلة أحلامه, والملهم الوحيد لأفكاره, عندما يناجي ضوء القمر الذي ينير سماء بغديدا وطريقها لتطرق بابه أخيرا وتعود اليه لينعم بحبها ويقضي معها مشوار حياته بهناء (كالإخطبوط أمد ذراعي لإحتويها).
 ويقع إختيارنا على قصة( أنتقام القطط) ص42( أياك أن تحاصر قطا أوقطة أوقطة في زاوية ما فإنهما قد ينقلبا الى نمر) وهنا تظهر بطولة القط في ملاحقة الجناة حتى غياهب السجن, إن اللصوص الثلاثة الذين سرقوا مقنيات العجوز من بيتها, فإن الوفاء كان هو المعيار لهذا القط الذي تطوع للثأر من المعتدين على حرمات هذا المنزل..(الصورة) عنوان القصة التي تتحدث عن الجدة التي ظهرت من باطن الصورة المعلقة  على جدار غرفتها, فتاة تصعقها الدهشة ويستبد بها البكاء من فرط ما رأت في غرفة جدتها في الطابق الاول, عندما  دخلت لإمر ما..ص50(لفرط سعادتها راحت تسمع أصواتا تلتصق في ذا كرتها وكأنها ترى بتلك الإذن صورة جدتها).. وأخيرا أحست أن ذلك لم يكن سوى حلم نهاري فأجهشت بالبكاء, هذه الفكرة, ورغم أنها ربما تكون مألوفة في مجتمعنا, عندما نحدق في صور ذوينا وأصدقاءنا ممن فقدناهم إلا أن القاص المثابركريم إينا قد عبر عنها بشكل ممتع إذ أعطى للسيناريو بعدا دراميا وصورة  خيالية وقد إقتربت من الواقع بشكل ملفت للنظر.. قصة( الكلب المسعور) ص54(كنا ثلاثة نزلنا من أعلى نقطة من سقف بيت خرب, رأينا كلبا  ابيضا نائما يعاني من إنطوائه, يحلم بعظمة سميكة يسد بها جوعه القاتل بعد هروبه من فعلته أياها, عندما عض خالد)..  القصة برمتها عبارة عن صراع بين المعتدي الآثم الكلب المسعور والأصدقاء الثلاثة الذين يخططون للنيل من هذا الكلب المجرم الذي أودى بحياة صديقهم خالد وهكذا دواليك.
تتبعثر أحلامنا ونشعر باليأس عندما نستيقظ وقد توغلنا في أتون نوم مضطرب في قصة(قداس في بيتنا)ص58 وحكاية ماجدة التي تحكي مارأته في منامها لجارتها, عندما قفزت على سطح الجيران لتسرق الخبز ولتوزعه على الفقراء, هذه النفس الطيبة التي تزين روح هذه المرأة, ولتعففها في مآلها وهدفها البسيط الساذج كلما في الأمر تريد أن تصبح آمنة مؤمنة(  غمرني بين ذراعيه وقال لي, الأهم أنك آمنت, فإذهبي بسلام وشاركي في القداس).
..(ظل صديق) ص58, رأيتها رائعة من روائع الكاتب المبدع كريم إينا, حتى جمح خيالة بهذه الأوصاف للبيئة والزمن الذي إحتضنهما وكأننا نختبئ خلف ستار الحدث الذي تداعت مقدراته حول مترادفات وإنشاء محكم ورمزية عجيبة ومقنعة, الأمر الذي جعله يتحرك  في فسحة الزمن براحة وخبرة  ممتازة تنم عن مشاهدات وأفكار وقراءات ومعايشات لمختلف المناخات(أمضيت سنوات من عمري وأنا أبحث عن ظل صديق).. (بدأت أراجع صور الماضي الجميل, وكيف أنا والى أين أصبحنا؟),( من يعمق مفاهيم الصداقة؟).(هل هذا زمن الخسارة؟) تساؤلات في محلها يضعها بينه وبين نفسه عندما التقى بوالدة صديقه الذي سبر أغوار المجهول يبحث عن لاشئ عندما دهسته عربة بمحض صدفة, حتى أيقنت والدته أن صديق إبنها هو  بمثابة أخوه الذي إنتفض لهذه الحادثة  عندما أقنعها بأفعاله الحميدة إتجاه إبنها.. وكذلك في قصة (رعشة الخوف) ص65 نعثر على حوار ذاتي حول قدرة الإنسان على تخطي  شعور الخوف في أذهاننا عن الظلمة والإشباح والعنف والعداء المصطنع( وأنا أترقب كل القضايا بالصحف والمجلات عن مخالفات إرهابية وتشهير ومشاجرات, كل صباح أقف أمام حادثة جديدة بإحساس عميق ملئ بالبلاهة)..  وأخيرا في قصتي(هادي والكلاب)و(الغطاء الطائر)ص71—77.. هادي العريف في الجيش العراقي يتعرض الى هجوم من كلاب شرسة, بسبب عطل الحافلة التي كانت تقله من مسقط رأسه في مدينة الموصل الى العاصمة بغداد, كان يحسب هذه الكلاب عدوا من نوع مختلف,إذ أنه وحده يجابه هذا الخطر دون معونة تذكر حتى خيل أن خطرها أدهى من العدو الذي يحاربه خلف الحدود(مجموعة من الكلاب وراءه تلهث,تمنى لوظهر مغناطيسا في تلك اللحظة وإنتشله منهم).. أما في قصة( الغطاء الطائر)  فهي مزحة يضيفها الاديب كريم إينا للتخيف من ثقل الحمل الذي أودع لذائقة المتلقي وهو يتحول من عصف الى آخر, حتي يصف لنا غطاء خزان المياه الثقيلة الذي يطير في الهواء نتيجة التفاعل الكيمياوي الذي عبث به أحد المدرسين عندما دس فيه عود ثقاب مشتعل ليرى أثر المادة الكيمياوية الفاسدة التي وضعها في الخزان, والذي أحدث دويا هائلا وعصفا أحدث رجة في كيان المدرسة ..
•   العم بهنام.رجل من مدينة قرقوش(بغديدا) طيب الذكر, ودود كان حائك بسط الصوف يجوب قرى جنوب الموصل يسوق بضاعته وله مآثر وحكايات رائعة يعرفها الناس في تلك المناطق.


غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1284
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لقد صدقت
إلى الناقد فهد عنتر الدوخي
تحية طيبة: وبعد
حقيقة إنك لناقد بارع لأنك فعلاً كشفت للمتلقي عن ما يجول في مشاعري وقرارة نفسي من فرحة ودمعة وأنا قرأت لك الكثير عن كتاباتك لشعراء وشاعرات وأفلام ودراسات أتمنّى لك الصحة والعافية وأن تزورك السعادة بأقرب ما يكون. عزيزي فهد أرجو من الله أن يسيّر خطاك وأن اردّ لك هذا الدين الكبير مع الحب
مع وافر التقدير والإحترام
كريم إينا

غير متصل فهد عنتر الدوخي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 750
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
لازال في رقابنا دين لمن علمنا الحرف, أساتذتي في الدراسة الإبتدائية, المتوسطة , الإعدادية.... نجوم سطعت في سبعينيات القرن المرتحل من أهلنا الطيبون  في سهل نينوى... مع أصدق أمنياتي الأخ الاديب كريــــــم أيـــنا..