المحرر موضوع: في ندوة بمناسبة مار مارون حبيب افرام: كم نحتاج الى الفكر والعقل في زمن السخاف  (زيارة 1237 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل الرابطة السريانية

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 771
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
في ندوة بمناسبة مار مارون
حبيب افرام: كم نحتاج الى الفكر والعقل في زمن السخافة
الاب البروفسور جورج حبيقه: الويل لهذا الشرق اذا تحولت ثوابت لبنان الى هواجس

                 أقامت الرابطة السريانية بمناسبة عيد مار مارون ندوة فكرية مع رئيس جامعة
          الروح القدس الكسليك الاب البرفسور جورج حبيقة  بعنوان " مستقبل لبنان بين
          الثوابت والهواجس " في مقر الرابطة في الجديدة حضرها المطران جورج صليبا 
          وضمة من المفكرين والأدباء ورجال الفكر.
         
                   
                في البدء قال افرام : في أخطر الأزمنة، كم نحن بحاجة الى الحقيقة  والضمير والكرامة
         الى كلمة العقل والفكر والقضية والنضال، بدل الجنون والهذيان!
               في زمن يكاد يحتلنا  العمر والتفاهة والسطحية والتبعية وشهوة المال.
               أردنا في عيد مار مارون، ابننا الذي نعتز به، أن نساهم في العودة الى الجذور في طرح
         عميق حول مستقبل لبنان، الوطن الذي بيته الخطر، بين الثوابت والهواجس.
                لقد سئمنا من ببغاءات الاعلام  وتأليه الزعامات. الوطن بحاجة الى ثورة ما، الى تغيير
         في كل نظرتنا الى أنفسنا ودورنا وحضورنا ومثقفينا ونخبنا.
                نحن مسؤولون عن غدنا.
                ومَنْ أجرأ وأعلم من رئيس جامعة الكسليك، هذا الصرح العلمي والوطني والذي
        يشرفني أني واكبت ضمّة من رجالات لجنة أبحاثه في بدايات حرب لبنان – كي يدل
         على الطريق وينير الدرب.
                إنه الاب البروفسور جورج حبيقة. أهلاً بكَ في الرابطة السريانية وأهلاً بكم  أحباء
       وأصدقاء علّنا نضيء نوراً في ظلام !
                 واسمع أن أقدّم  لك باسم رفاقي وباسمي هذا الدرع،  صلاة ربانية باللغة السريانية
      المقدسة وهذا الكتاب المقدس ليحمينا.



                 ثم القى الاب البروفسوركلمة قال فيها: ثوابتِ لبنان أنّه لم يكن يوماً بلداً عادياً. وتقوم معجزة                                استمراريته  على انه لم يخرج قط من دائرة المخاطر عبر كل حقبات تاريخه الطويل
              والضارب في عُمق الزمنِ الإنساني. قدرُه أن يعيشَ في دائرةِ المخاطر عبرَ كلِّ حقباتِ
              ذلك أنه كان على .(Vivre c’est risquer) خطر، لأنه بلد الحياة. والحياة لا تنمو إلا في المخاطر
             الدوام، حتى الآن أقلّه، تلك المساحة الحرّة والفريدة لبشريّةٍ متألّمة، هاربةٍ من عذابات ماضيها تائهة
            في حاضرٍ متقلّب وغامضٍ ومتوجّسةٍ من غدٍ أفجع وأهول، في شرقٍ ميّال،
             حضاراته وثقافاته وتقاطعِها الغني، إلى نوعٍ من الأحاديّة اللغويّة والدينية والسياسيّة واﻟﻤﺠتمعيّة. من
            أنَّ الوحدة التي يسعى إليها كمدخلٍ إلى القوّةِ المنشودة، مصائب هذا الشرق الكبرى أنه يتوهّم أحياناً
            الناس نسنَ حتى المرضِ والهزال على وقعِ حُرّ تولَدُ من رَحم الانصهار. وحدَهُ لبنان الذي
             م وآلامِهم وتشرّدهم، استطاع أن يُسقط، بممارسةٍ يوميّة دؤوبة وهادفة، مبدأين خطيرين، وتطلّعا
            لتالي، الانصهارَ والتسامحَ اللذين يتعارضان وحقوقَ الإنسان الطبيعيّة والأساسيّة، ويتهدّدان
    ميشه ثم إلغائه.
               ١ - مفهومُ الانصهار.
      إنَّ الانصهارَ الذي تتناوله وتُشدِّد عليه، بكلّ أسف، نصوصُ اتفاقيّة الطائف ويطفو كزبدٍ مَرَضيٍّ
     على سطح الخطب السياسيّة، إنما هو مصطلحٌ يُستعمَل، أصلاً وحصراً، للمعادن التي تدخل متنوّعةً
     واحداً وتركيباً كيميائياً واحداً. فلبنان لم يعشْ قطُّ هذه الحالةَ إلى الأتّون لتخرج منه شكلاً واحداً ولو
     لاختلاف. تقومُ رسالةُ لبنان الاجتماعيّة والسياسيّة على أنّه ليس الانصهارية المذوّبة لحقِّ الآخر
     مطلقاً مشروع انصهارٍ، بل دائماً مشروعُ وحدةٍ إنسانيّةٍ ووطنيّةٍ بين عائلاتٍ روحيّةٍ ومجموعاتٍ إتنيّةٍ
     وأعضاء لا وثقافيّةٍ وحضاريّة، على شاكلة وحدة الجسد القائمة على التكاملِ الوظائفي بين خلا
    نيّة تنطلقُ من هيكليّةِ الجسد البشري يجمعها إلاّ الاختلاف في التآلف. وكما كانت الفلسفاتُ اليو
    لتضعَ تصوّراً لأكمل تصميمٍ إداري للمدينة الفاضلة والمثاليّة، كذلك علينا أن ننظُرَ إلى سرِّ الحياةِ
   مدىً مميّزاً لتمظهره. هل أمعنّا النظرَ في وظيفةِ كلِّ عضو وكلّ خليّة، وكيف خذُ من جسدِ الذي
   جره وأصبح عضواً واحداً، هل يبقى حياً؟ ألا يتمُّ التكاملُ والتناسقُ في التمايز؟ إذا انصهر جسدُ
   الحياةُ وتدعه أشلاء هامدةً ترتعُ فيها سكينةُ الموت؟ هل نريدُ للبناننا خطرَ الحياة في الوحدة، أم
   طمأنينةَ الموتِ في الانصهار؟ الحياةُ لا تسكنُ إلاّ في التنوّع، والموتُ لا يقيمُ إلاّ في الأحاديّة.

             ٢ – مفهومُ التسامح.
       أما  بالنسبة إلى مفهوم التسامح، ولئن عَرَفَ هذا المصطلح رواجاً كبيراً بشكلٍ خاص في عَصر أما
      التنوير واعتُبر شرطاً أساسياً لتلاقي الشعوب المتمايزة وتضَامُنِهم، فإنني أرى فيه، من زاويةٍ بحت
      فلسفيّة، مسّاً قاسياً بحقوق الإنسان الطبيعيّة والأساسيّة، إذ ينطوي على المدلولات السلبية التالية:
      لبقاء معه لا المتسامحُ هو المقتدرُ الذي يتحمّل وجودَ الآخر المختلف والمستضعَف ويسمحُ له
     كشريكٍ متساوٍ في الحقوق والواجبات، بل كإنسانٍ ينتهي طموحه عند سقف الاستمراريّة في الحياة
     ليس إلاّ. في التسامح، يستعطي الإنسانُ الأقلي بقاءَه في الوجود من الآخر الأكثري والقوي.

٣ – الميثاقُ اللبناني وميثاقُ المدينة.
عطائه كلَّ مضطهد وكلَّ هاربٍ وكلَّ امرئٍ هذا هو البُعدُ الذي سعى لبنانُ دوماً إلى عيشه،
خائفٍ على ذاته في هذا الشرق المعلّقِ على خشبة الأحادية، بعضاً لا يستهانُ به من حقّه الإنساني
في وجودٍ حرٍّ وكريم. فكان ما نسمّيه الميثاقُ الوطني أو الصيغة اللبنانية التي نستشفُّ منها امتدادً
مباشراً لا مواربة فيه "لميثاق المدينة" أو "صحيفة المدينة" أو "دستور المدينة"، المبرمِ في زمن النبي محمّد
بين اليهود، الجماعة الأكبر في مدينة يثرب والأغنى، والجماعة الإسلامية الأولى، المهاجرين، والنصارى
والصابئة والوثنيين، والذي يُنشئُ بصريحِ العبارةِ مجتمعاً سياسياً واحداً تحت لفظة أمّة، في تعدّديةٍ دينيةٍ وثقافية.






     غير أنَّ هذا الاتفاق الذي يعتبرهُ الباحثون، أمثال المستشرق، هنري بايمن أول نص مكتوب في
      القانون المدني في العالم ٢، سقط ودخل بعده الإسلامُ تدَرُّجياً في ذهنيَّةٍ مغايرة بفرضه الشريعة
      الإسلامية على المسلمين وغير المسلمين، من دون أن يفقدَ كلّياً بعضَ الحنينِ المتقطّع ما تداعى
      من روحيّة "ميثاق المدينة" وفلسفته، كما يظهرُ لنا ذلك في تأنيب عُمر بن الخطاب لعمرو بن العاص
     وولده في حادث ضرب ابن عَ مرو بن العاص للفتى النصراني المص ري : " متى استعبدتم الناس وقد 
     ولدتهم أمهاتهم أحراراً.
    من هنا القفزة النوعيّة التي أنجز الصيغة اللبنانية في ترجمتها للميثاق الوطني عندما أبت أن تبقي
    أحداً أو جماعةً من اللبنانيين خارجَ التمثيلِ النيابي وخارج  دارة دفة الحكم أو السيطرة على الآخرين
      أو تطويعهم أو السلطة، وحا لَت دون استئثارِ أية طائفةٍ لآخر المختلف ليس كعدوٍّ لي أو خطرٍ على
        نموّ ذاتي إلغائِهم، وأرست الحكمَ على قاعدةِ الاعترافِ المغايرة، بل شرطٌ أساسي لتأطير ذاتي
     ولوجودِها، إذ لولا الآخر لما كان من الممكن أن أعي ذاتي في الآخرُ دينياً وعرقيّاً وثقافياً،
     بفضل الصيغة اللبنانية المستندة إلى التشارك الطائفي غيريّتها. وهكذا ، المنفتح والمتفاعل
      والبناء، جزءاً لا يتجزّأ من ذات الجميع، وشريكاً فاعلاً لا متفرّجاً في رسمِ السياسات
     التي من خلالها تُدارُ شؤون لبنان كافةً. وكذلك بفضل الصيغة اللبنانية، قامت الديموقراطية اللبنانيّة
      دراً في على التناوب السلمي على الحكم، وضمن مُهلٍ زمنيّة محدّدةٍ في الدستور، الأمرُ الذي يبدو
     لفاظ شرقنا العربي البائس. وعندما نسمع بعض السياسيين اللبنانيين يتكلمون عن النظام اللبناني
    تحقيرية ولا أقسى، لا نستغربُ البتّة وجعَهم واشمئزازَهم وخيبةَ أملهم من هكذا نظام، لأن هذه
    لبغيضة، هي التي تمنعهم فعلا من احتكار السلطة وإقصاء الآخرين ومن الطائفية التي يصنف و
     التحكم الكامل من دون أي منازع في مفاصل الإدارة في الدولة اللبنانية.
     لا نغالي البتة إذا قلنا في هذا اﻟﻤﺠال إنَّ لبنان هو البلدُ الوحيد في جامعة الدول العربيّة الذي نرى
    فيه رؤساءَ للجمهو ريّة سابقين، يتمتّعون بكامل حقوقهم، ويواصلون نشاطهم السياسي بكل حريّة،
   م يُشيّعهم لبنان الرسمي، والشعبُ، والبعثاتُ الأجنبيّة بكلّ إجلالٍ إلى مثواهم الأخير. إنَّ