المحرر موضوع: العولمة قديما وحديثا  (زيارة 679 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نجيب اسطيفانا

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 7
    • مشاهدة الملف الشخصي
العولمة قديما وحديثا
« في: 21:46 24/09/2019 »

العولمة قديما وحديثا

 
بقلم : نجيب يوسف اسطيفانا

تطرق آذاننا مفردة العولمة يوميا وربما لمرات ومعناها إشاعة أو تعميم أو عولمة فكرة أو عقيدة أو عبادة أو نمط اقتصادي أو منهج سياسي أو مفاهيم اخلاقية وقيم روحية أو ربما لغة. ولبسط العولمة لا بد ان يكون هناك طرف أو اكثر يمتلك الفوق والقدرة المادية أو الفكرية أو العلمية والعسكرية تؤهله للعب هذا الدور. لا تولي العولمة اعتبارا للحدود الجغرافية وتسعى لجعل العالم أو معظمه مسرحا واحداً لبسط أنشطتها.
أرجو الا يظن القارء العزيز بان العولمة ظاهرة تخص القرن العشرين والواحد والعشرين. بالرغم من اضافة كلمة العولمة حديثا الا ان تطبيقاتها ولو بشكل بداءى ومحدود قديم جدا. وبدا منذ ان تجاوز الحكم محيط دولة المدينة وتأسيس الدولة الوطنية ومن ثم إدارة ممالك تشمل وطنيات وأقوام ثم التوسع وإقامة إمبراطوريات مترامية. في هذه الحالة كان لا بد من عولمة واقع اقتصادي وتعميم عقاءد وأنشطة مادية ومهن ومهارات وعملة وربما لغة تساعد في التخاطب المشترك.
قبل اكثر من أربعة آلاف سنة تخطى الملك الاكدي سرجون حدود دولته الوطنية ووصلت قواته إلى سواحل البحر المتوسط الشرقية. بالنتيجة تعولمت الثقافة الاكدية وعقاءدها الدينية وأصبحت الاكدية لغة التخاطب المشترك ولعدة قرون وعند تراجعها تركت لها بصمات بارزة على لغات اقوام ما بين النهرين وما جاورها. بعد الأكديين أضاف البابايون والآشوريون لمسات للعولمة في مجال القوانين والفنون القتالية والثقافة.
اسهم الفينيقيون والااراميون في عولمة جوانب من الحضارة والثقافة وفن التجارة ونظام الكتابة الأبجدية. حينها ارتقت الآرامية إلى مستوى لغة التخاطب المشترك في الشرق الأوسط ولاكثر من ستة قرون. ازدهرت هذه اللغة على يد السوريان المبشرين بالمسيحية وسبقهم الرسول بولس والتلاميذ بعولمة رسالة السيد المسيح. هنا لا بد من الإشارة إلى دور الديانات الفاعلة قبل المسيحية مثل اليهودية التي أسهمت في عولمة المفاهيم الثيولوجية أي الأهبة. ساعدت الظروف الموضوعية على انطلاق الديانة الإسلامية بطريقة وأخرى من محيطها الضيق في شبه جزيرة العرب وحققت عولمة عقاءدية وثقافية ولغوية وصلت اثارها حينها إلى حافات إيطاليا وفرنسا.                                                                لعب الإغريق والحضارة الهيلينية دورا مميزا في عولمة العلوم والفنون والآداب والفلسفة ونظام إدارة الدولة واستعراض المهارات الرياضية واللياقة البدنية. والدليل على ذلك عولمة ألعاب ومنافسات اولومبياد التي تعني موطن الآلهة وركضة الماراثون التي تعني المطاولة والمثابرة. هذه الأنشطة العولمية لا زالت محط إعجاب وحب البشرية جمعاء.
تمكن الرومان من عولمة الآداب والحضارة والثقافة وطراز العمارة والتقويم السنوي وارتقت اللاتينية إلى لغة التخاطب المشترك في أوروبا وخارجها ولعدة قرون. رغم اختفاء هذه اللغة من الصورة فان ظلالها لا زالت واضحة في العديد من لغات أوروبا واستخدام مفرداتها قاءم في العلوم والأدب والفلسفة ومجال القضاء والسياسة.
عند تدشين عصر النهضة والتنوير في أوروبا وانطلاق الثورة الصناعية والعلمية والاكتشافات الجغرافية اكتسبت العولمة زخما كبيرا واتسع تأثيرها. فرضت العولمة الجديدة نفسها بجدارة لعولمة نمط الاقتصاد والتجارة وشكل السياسة والعلاقات الدولية. أفرزت هذه العولمة في بداياتها تناقضات، فمن ناحية حولت المجتمعات المتلقية إلى أشباه عبيد ومن الناحية الأخرى أنهضت واقعهم الصحي والتعليمي والعمراني والخدمي وايقضت عندهم الوعي القومي. تدريجيا كيفت العولمة نفسها وعولمت الفكر اللبرالي واقتصاد السوق والمنافسة الحرة ومفاهيم حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية المعتقد وغيرها. كانت النتاءج ظهور نباتات هجينية وسط الشعوب المتلقية للعولمة الجديدة لان بعض خصاءصها اصطدمت مع الخصوصيات الثقافية والعقائدية والقومية ومع خزين العقل الجمعي لبعض المجتمعات. قاومت النخب المحافظة والتقليدية توجهات العولمة واعتبرتها تهديدا لهويتها الثقافية وعقيدتها الدينية ونظر اليها البعض كضاهرة استعمارية بثوب جديد. إلى جانب هذا الشعور لاقت العولمة تربة خصبة واعطت ثمار جيدة ونالت رضى العديد في أوساط المجتمعات المتلقية.
قبل استهلالة العقد الثاني من القرن الماضي انطلقت عولمة خاصة من شرق أوروبا واعتمدت الفلسفة والاقتصاد الماركسي. بادرت تلك العولمة لعولمة منظومة فكرية تتبنى الاشتراكية وتفرض وعي اجتماعي غير تقليدي وتلغي الملكية الخاصة. بالرغم من تغلغل هذا النمط من العولمة بين كتل بشرية ضخمة ولعدة عقود فهي لم تستطع المطاولة .
تصدر اعتراضات واحتجاجات ضد العولمة بين الحين والآخر من احزاب ومكونات اجتماعية حتى في دول المصدر ومع ذلك تستمر في مد خطاها وتستثمر القفزة الهاءلة في ثورة المعلومات والاتصالات واستخدام الشبكة العنكبوتية ووساءل النقل السريعة. وتعتمد كذلك على نجاح التجربة الديمقراطية واللبرالية وصيانة الحريات بكل جوانبها.
نجيب اسطيفانا