شؤون الحياة المعاصرة (4)
العمل الطوعي في المؤسسات المدنية ولجان الكنيسىة.
بقلم يوحنا بيداويد
ملاحظة
نشر المقال في نشرة ارسالية الروح القدس للسريان الكاثوليك في ملبورن
ان العمل الطوعي هو عمل مقدس لا يستطيع ان يقوم به اي شخص الا من لديه الروحية والشعور بالمسؤولية العالية اتجاه مجتمعه، وله قلب طيب يعشق خدمة الاخرين، اي متفوقا على اقرانه في حبه للعطاء، وقد يكون له كارزما القيادة ومؤهلات اخرى. من خلال دراسة التاريخ ومقارنة احداثه مع بعضها، نجد ان تقدم الامم والشعوب وتطورها وابداعها كان ولا زال يعتمد على قوة نظام الحكم، وحكمة وثقافة الحاكم واستجابة الشعب لهما. حتى افلاطون اوصى في جمهوريته بان يكون الحكام او ملوك الشعوب من الفلاسفة او بدرجة حكمتهم.
هنا نضرب امثلة معروفة عن تقدم الشعوب بسبب حكمة حكامها، كانت الفترة الزمنية الذهبية في التاريخ الروماني حسب المؤرخ ول ديورانت في كتابه "قصة الفلسفة" هي الفترة المحصورة بين " 96 – 180م"، التي اطلق عليها عصر الملوك العظام. في الزمن الحديث، يعد "اوتو فون بسمارك" رئيس وزراء بروسيا الاتحادية (1871-1890) الاب الحقيقي لتأسيس دولة المانيا الاتحادية الحالية. كما ان الحضارة العربية تقدمت في زمن الخليفة المأمون (813-833) ومن بعد اخيه معتصم (833-842) حيث كان كلاهما من اكثر الخلفاء مهتمين بالثقافة والعلم فوصل الانتاج الفكري في الدولة العباسية قمته في عصرهم، ومن بعدها غلب التطرف الديني على الفكر، فحل الانحطاط والتخلف والضعف فيها لحين سقوطها عام 1258م.
اما لماذا نجد اليوم هناك شحة وتصحر في ظهور قادة لمجتمعنا لهم الروحية والنفس الطويل للعمل الطوعي في خدمته في كافة النواحي؟ واذا كان هناك من يعمل اي عمل، لماذا يشعر بالاحباط في نهاية خدمته؟ او يبدا بالتذمر والنميمة عن الذين ياتون وياخذون موقعه في العمل الطوعي؟.
حينما نطالع سيرة بعض من الذين ذخروا حياتهم في خدمة المجتمع نجد شيئا من التذمر، سواء كان ذلك القائد خدم وطنه كسياسي، او خدم ابناء جاليته كما هو الحال في بلدان المهجر او خدم قوميته في بلدان الشرق الاوسط لكونها اقلية، او عمل في لجان كنيسته. طبعا هذا التذمر او الندم على تقدم الخدمة المجانية ليس في محله في كثير من الاحيان، واحيانا اخرى هو رد فعل بسبب التعليقات التافهة المفبركة، او بسبب المطاليب والاراء الفجة من قبل عامة الناس الذين يفتقدون الى الروحية والشعور بالمسؤولية الجماعية.
في هذا الزمان الذي تشك الناس حتى في ظلها!، هذا الشك غير المبرر الذي اصبح بمثابة مرض منتشر بين عامة الناس هو احد اهم العوامل المسببة لانحطاط وسقوط الامم وتوقفها من التقدم الابداع و لعدم ظهور عباقرة وعظماء ومفكرون يقودون مجتمعهم نحو الافضل، نحو التمسك بالاخلاق والقييم الانسانية وحماية ارث اجدادهم ، لا بل هذه المواقف والاعمال اصبحت مبتذلة عند البعض ومن يتحدث عنها يجد نفسه شاذا او غريبا في محيطه.
حتى رجال الكنيسة احيانا يشعرون بالحيرة في كيفية التعاطي مع الافراد الذين تحت سلطتهم الروحية وجعلهم اكثر قربا للايمان من خلال تشجيعهم على الالتزام بالقواعد والمباديء المسيحية في الحياة الاجتماعية.
هنا نذكر بعض اهم الاسباب التي تجعل من القائمين بالعمل الطوعي يتذمرون او يندمون على تضحيتهم وهي:
1- التسقيط والنظرة السلبية من قبل القلة القلية في جماعتهم، بسبب موقف او عمل او قرار يتخذه المسؤول (المتطوع) يظنون (هؤلاء القلة القليلة) ليس من حقه.
2- الحسد والغيرة والنفس المريضة والنظرة الضيقة بسبب نيل المتطوع بعض الاحترام من قبل افراد مجتمعه، فالمرضى نفسيا لا يريدون رؤية من هو افضل منهم عند الاخرين او محترم عند غيرهم.
3- رفض المتطوع القيام باعمال خارج نطاق مسؤوليته، مثل تسهيل تمشية امورهم او تحمل مسؤولية قانونية اكبر من حجمه وهو في غنى عنها لانه متطوع!.
4- بسبب الجهل وفقدان الثقافة ونقص في التربية الصحيحة عند بعض المعلقين واصحاب النميمة انهم يخالفون القيم والاخلاق وعادات مجتمعهم وحتى التعاليم الدينية بمواقفهم السطحية، وان ما يقمون به من الابتذال هو امر مروفض.
5- بعض المتطوعين ايضا لهم ذنب فيما يحصل، لانهم يفهمون العمل الطوعي بصورة خاطئة، لا بل يحاول البعض منهم استغلاله لمصلحتهم الشخصية فيجلب نقمة المجتمع ضدهم.
6- بعض المتطوعين لا سيما العاملين في الهيئات الادارية للجمعيات والمؤسسات الثقافية حتى لجان الكنيسة، لديهم قصر نظر ايضا في تقدير مسؤوليتهم او مهمتهم، يعتقدون لا يوجد من هو اكثر تاهيلا للقيام بها، فيتذمرون ويقومون ببث اشاعات ملفقة حول من اتى بعدهم، وبعض الاحيان الجدد يتهمون القدماء بالتقصير والتبذير واحيانا السرقة.
الخلاصة
هذه المواقف من الشعب او من العامة تجعل من الصعب ظهور متطوعين يرغبون بخدمة المجتمع، في نفس الوقت لا يتم تقيم جهودهم بعد عشرات السنين من العمل المضني لا من قبل المجتمع او اي مؤسسة اخرى الامر الذي لا يشجعهم . لكن هذا امر متوقع وعادي، ليتذكر ماذا قال بني اسرائيل لموسى حينما بقوا في الصحراء اربعين سنة، وكذلك نتذكر قول يسوع المسيح حينما كان يقودونه جنود الرومان الى قمة الجلجلة وهو حاملا صلييبه:" إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْعَلُونَ هذَا، فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟»" (لو 23: 31).
ليتذكر العاملون طوعيا في المؤسسات الخدمية للمجتمع، ان عملهم له طعم خاص، بل هو مقدس، انهم اشخاص نادرون، بين ابناء مجتمعهم الذي يثمن اغلبهم تضحيتاتهم. لا تنسوا قبل كل شيء انتم كنتم مثالا صالحا لافراد عائلتكم وخميرة خيرة لمجتمعكم. بدونكم المجتمع بدون بوصلة. فانتم تحملون مشاعل النور امام مجتمعكم. انتم لكم مواهب وقلب وثقافة واخلاق ومشاعر سامية تختلف عن اقرانكم ولهذا الله منحكم الكارزما والروحية في خدمة الاخرين.
[/b][/size]