أدباء أتراك قاوموا ثقافة الأفلات من العقاب!
بولص آدم المذابح والإبادة الجماعية للأرمن(1915-1916)التي يصفها أغلب المؤرخين في العالم بأنها أول إبادة جماعية في القرن العشرين، قال عنها الروائي الألماني توماس مان: اول مهرجان عالمي للموت!... إن أصل مصطلح الإبادة الجماعية وتدوينه في القانون الدولي يرجع جذوره إلى القتل الجماعي للأرمن. الموقف التركي الرسمي تجاه مذابح الأرمن على يد العثمانيين. هو ( لن يقول الأتراك أبداً عن آبائهم إنهم كانوا قتلة)! وبهذه الجملة أنهى المؤرخ جستن مكارثي خطابه في البرلمان التركي عام 2005، فوقف النواب الأتراك مصفقين بحرارة لما قاله. تلخص هذه الجملة الختامية موقفهم الرسمي الى حد اللحظة وهو( إن الأرمن كانوا ضحايا حرب سقط فيها أيضاً مئات الألوف من الأتراك والعرب وغيرهم).
بعد المذبحة الرهيبة بثلاث سنوات اي 1919 كتب الروائي التشيكي فرانز ورفل، رواية تناولت جماعة الدفاع عن النفس الأرمينية (الأيام الأربعون لجبل موسى) هذه الرواية انتقلت لاحقاَ سرًا بين اليهود المسجونين في الأحياء اليهودية خلال المحرقة لأنهم رأوا في تلك الرواية تشابهًا ملهمًا لمحنتهم ودعوتهم للمقاومة. منذ اعتراف الأوروغواي عام (1965)بالأبادة الجماعية للأرمن والحكومات التركية تعبر عن غضبها، وحتى آخرها ورغم ان البيان فيه كلمة(لالوم) وانها ( لكي لاتتكرر ثانية)! ونقصد اعتراف الرئيس جو بايدن رسمياً بمذبحة الأرمن على أنها إبادة جماعية للأرمن.
غضب تركيا ليس على الدول والمنظمات المُعترفة فقط، بل مورست اقسى وابشع الممارسات والضغوط على مواطنين أتراك من صحفين وادباء ومؤرخين وعامة، لأنهم أدانوا جرائم الأجداد ولم يتمسكوا بثقافة الأفلات من العقاب! التي أصبح فيها الناس يعتقدون أن بإمكانهم فعل ما يريدون دون عقاب في سياق الإبادة الجماعية، فهذا يعني أن ثقافة البلد كانت لدرجة أن الناس شعروا حرفيًا أنهم يمكن أن يفلتوا من القتل.
تُمارس ضد من يقاوم ثقافة من هذا النوع اعمال انتقامية. ضد كل من يدين الأبادة.. وربما تذكّرنا حادثة الملاحقة القضائية للكاتب الشهير الحائز نوبل للآداب، أورهان باموك، بتهمة إهانة الدولة التركية وجيشها حين تحدث عام 2005 عن مقتل مليون أرمني على يد الأتراك، بمدى حساسية الأتراك تجاه هذا الأمر. الذي هدد بالسجن ثم بالقتل فهرب الى اميركا.. مرورا بالروائية التركية الأميركية ألف شفق، ففي روايتها( لقيطة اسطنبول)تناول متشابك موسع وادانة لتدمير الأرمن وقلع جذورهم وتدمير نسيجهم الأجتماعي ومعتقداتهم واماكنهم الدينية والثقافية بل محي مليون الى مليون ونصف ارمني من الوجود، وصولاً الى الروائي التركي الألماني دوغان أخانلي فهو مستمر بانتقاد السياسة والتاريخ التركي، "تركيا بالتأكيد لا تحب ذلك. تريد إسكاتي". الروائي الذي تعدى 60 عامًا لا يريد الرضوخ للضغط. قال: "لكن ابتداءً من الستين فصاعدًا، لا أريد أن أصمت بعد الآن".. اعتقل وسُجن عدة مرات وطورد حتى في عطلته باسبانيا وكل ذلك لأنه في رواياته ينتقد ويندد بالأبادة الجماعية وعندما أراد زيارة والده المحتضر في صيف عام 2010 تم اعتقاله لدى دخوله تركيا، اتُهم بأنه عضو في منظمة إرهابية. قال أخانلي في مقابلات بعد ذلك إنه شعر وكأنه جوزيف ك. في رواية كافكا "محاكمة" ، ليس أقلها معرفته بأنها كانت التزامه بالمصالحة بين الأتراك والأكراد والأرمن، وقبل كل شيء، هناك كتابات وكتب لا ترضي السلطات التركية وتجعل منه كاتبًا مضطهدًا. في نهاية التسعينيات نشر أخانلي ثلاثية، الجزء الأخير منها "قضاة يوم القيامة"، يتناول الإبادة الجماعية للأتراك في عام 1915 ضد الأرمن. يروي أخانلي أيضًا ما قبل التاريخ لهذه الإبادة الجماعية على عدة مستويات، والمذابح التي حدثت في وقت مبكر من عام 1895/96. الإبادة الجماعية للأرمن هي أيضًا موضوع مسرحيته "صمت آن"، التي عُرضت لأول مرة في برلين عام 2012 في مسرح أونترم داش وفي كولونيا. تكتشف فيه الفتاة التركية الشابة صهيبة، التي نشأت في ألمانيا وتتمتع بموقف قومي للغاية، بعد وفاة والدتها، أن لديها أصول أرمنية.. انه الأدب في صلب مهمته، اهتمامه بالتذكر في التذكر العام ، ثانية، إنه الضمير.