المحرر موضوع: حكاية إمتثال... بقلم الأستاذة ليلى الدردوري  (زيارة 588 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل فهد عنتر الدوخي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 750
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني


حكاية امتثال

 قصة قصيـرة
  ليلى الدردوري _ المغرب


من أوصال صفرة أعطافنا انبثقت (امتثال) كشماتة من ندم، وأجمة انتصار ولفح اختيار رجع لنا كل كلام الورد . لمحنا فيها مرآة صرختنا الزاعقة. وجرحا مندملا ينفذ من شهقة صمتنا عنقاء تهتك سطوة أيام ترشقنا بالإياب إلى ركام جذوع نخرنا في يباسها إدمان التغاضي وعاهة الانبطاح.
يتم رفع الصورة
فاقتنا (امتثال) حدوسا وإشراقة استقطبتها - كما نعتقد - من جحود واقع رفضنا بأي ثمن أدنى تصالح معه، نمت فينا رفضا قائما ضد الانتزاع ونهارا يمقت بقايا تجاعيد سواد يكشف عن خطاياه في اعتراف ملتهب. حتى وهي تجالس وحدتها كنا نرهف السمع إليها تدندن لحنا غيواني الرنين:
امتى يتفاجى الظلام يا أهلي؟؟
لم يكن ل(امتثال ) وقت تأكل فيه بتلذد ، تستحم فيه باسترخاء ، وتعشق فيه فارسا أحلام يعتصر زنابق الخدود، لم تمتلك (امتثال) ولا وقتا تبرد فيه الأظافر، تزجج الحواجب، تربي السوالف وتتأنق فيه أو تتزوج كبقية الرفيقات، كانت تعيش اللحظة بالأخرى مجرد جسد يقبع في زاوية منا والروح الفياضة في قبضة النداهة (نضال) ، عبرت إليها (امتثال) بهيافة شعابا ومسالك وأسلاك شائكة بحميا اصطبار، أتذكر ما قالت لنا آخر ليل ونحن نحذرها مغبة جنون التمادي ولهفة الاندفاع :
•- لا تجزعوا ، حتما لست بعائدة، سجني أنا قصي، بعيد، بعيد، لأن كوة جداره أقوى من أن تخون. هل سيأخذوني إلى ما وراء السور، سيصرخ صداي لقاب بناذقهم : غير خدوني لله خدوني...
تجددت الأيام تجري في أعطافنا دما زكيا، و(امتثال) تنذلق فينا شلالا من غيوب عن بكرته يجرف عمرا ليلاته من مهابة اليأس تولت، يتوجها حديثها السحر عن المنافذ والقوادم إلى غاية الفجر، تتلو حكاية زوجة فلسطينية خبأت مفتاح بيتها لعلها تعود إلى الفرحة والحناء بعد سنين؟! وعن( سعد ) و(جعفر )، وكل قرية بكف( أحمد) تقرع الطبول. رشفنا بالنواجذ رفقة (امتثال) كأس الوطن، وعمر الوطن، ووطن الوطن. بدت عوضا لنا عن زمن المابين أو هكذا تخيلنا (امتثال) وهي توقع بعنفوانها الوليد ملامح أشجار ينهمر منها الأزل، أتذكر كيف نقضي ليالي الخريف كالحريق ، نتعب البوح ويتعبنا، نعد محاجرنا لمظالم العالم، وملاجئ لصبية( فلسطين) ونساء(الأفغان) وعطشى( النجف ) وضحايا (البوسنة) إلى أن تسبقنا الدقائق ويهلكنا الوقت، وفي الغسق ينفتح جرح غزة في صدورنا فنضمده بشعار غائر عاصف في وجه الريح حلو رجاء ينتحب كالبرتقال اليابس:
                      ارحلوا من أرضنا فإنها عليكم أرض حرام
                    اخرجوا من أرضنا يا سارقي الصبح من أكفنا
بعدها اختفت (امتثال) ومن دون سابق إشعار، لم تعد تداوم جلساتنا ونزاعاتنا المشاكسة أحيانا والوجيهة الطوال، الحقيقة أننا افتقدنا جرعات وثوقية خطبها الجريئة وهي ترعرع فينا نبتة ربيع التحرر ومجد المساواة، بحثنا عن (امتثال) في كل المقاهي التي نرتادها للنقاش لكن من دون جدوى، بعدها عثرنا عليها ذات غروب وحيدة، شاردة تنهشها الحيرة وذاك الشيء المبهم يقضمها ، شيء كالتمزق الذي يشطره حد قاطع في صلابة قرارين غامضين، تجلوه انطفاءة طرفها وبشرتها المتعبة، لم يكن في البدء ما يدعو إلى احتراز أو ارتياب ، الافتقاد وحده كان باعثا على استفهام كل هذا الغياب والبعاد؟
أجابت (امتثال) بحسرة وكأنها تتبرأ من سأم:
•- سأنسحب إلى درب آخر.
تساءل (خالد) الذي تلقى المفاجأة أكثر منا كضربة فأس تنهال على قفاه:
-كيف تجرئين (امتثال) ؟ غريب أمرك يا من لم نعد نعرفها.
الحقيقة أن الموقف أقوى علينا من رجة زلزال، وأفضع من أي غرابة قاتلة. صرخنا فيها بلا صدى ومن دون تروي يتوخى كنه القصد:
_قلال قلال حنا واش فينا ما يتقسم؟
نزلنا فيها كإدانة في هشيم، الأكيد أن (امتثال) باعت بالشك يقيننا حول اختيارها الذي اهتز فجأة فبدا من أصله غادرا ومهزوزا ، صاعقا كاللذغ الأسم ، كيف تشرد منا ونحن لازلنا نرمم انهيارا نصبناها في أثونه فنارا أقوى على إضاءة بحار من صخور، إذن غدت (امتثال) اليوم حلما متناثرا أضاع ومضة الطريق وشهوة السبحة؟
- قررت الانسحاب من الدرب لا عن رغبة، لكن لأني سأتزوج حان وقتي أظن ألا ترون أني شخت من النضال والانتظار=قالت
- سألها (عبد الإله) برصانته المعهودة:
- وما علاقة الارتباط بخارطة الطريق إلى وارف الشمس. الارتباط يا رفيقة ما كان بمنطق المبدأ طريقا مسدودة، الارتباط امتداد، واعتداد وانشداد وانقياد.
بدا الليل أطول من قامته،ومن تباريحنا، فتطايرت من أوداجنا المتهتكة أبراد الأمل ونحن بالكاد كنا ندشن مناه غلابا علنا نستميل اختيارها الأناني أو المحبط ربما بالعتاب توابا، لكن تلابيبه انشدت قطوفها سدى، هكذا انفلتت (امتثال) فجأة من دواخلنا كوهم خلاسي خذل الكلام المرصع الذي ذبجناه بالأروقة في المساءات حرفا براقا. ياه كيف خانته (امتثال) فانضمت هائمة الهامة إلى جموع السابلة.
- أدنى مبرر لعودة إقحامية لامتثال الى حلقة الرفاق سيدفن شموس الاحياء منا بألف خسارة=قلت بجسارة وجها لوجه في الجموع
وربما كانت (امتثال) أنذاك تقرع سنها ندما وهي الطائر الحر الذي ظل يغرد فينا كاستثناء وقد ملك عليه الجو والصائدون مكامل السبل.
أما نحن، فالتهمنا العجب وقصمنا شطرين وزعناه هما مباغثا بيننا بالخنجر المنغرس فينا بطعنة، ثم شربنا كأس خذلانها تبرءا ، وأزلنا باستعجال من ثنايانا حربة حريفة كادت تخرق أمداءنا كتائب صغيرة وزمرة رؤى ضيقة، كيف استحالت (امتثال) إدانة بعدما تفرعت بين أحشائنا مبدأ ونحن من حسبناها نشيدا تمدد في باب الروح وترنيمة نراهن فيها على حكاية من شموخ.
حنقت (امتثال) أو ضاقت بوابل الطوفان وهو ينثال مثل حجارة لعنة، ويقصف بها رياحا من دجى.
أعلنت سرها الخبيء وكأنها تطمع في تفكير أو تترجاه توبة. كيف استباحت أسطورة حمى تحت وارفها المصقول لازلنا ننزوي بصمود. ونستعذب أية ضربة شمس؟ كيف امتنعت أن تعطى كاس سقراط منية مثلنا، وآثرت على المبدأ هوى مقيدا مغلولا انتهى بها فتيلا ضئيلا قبل الهروب .
كيف غاب عنا أن هذه الآلهة الصغيرة المترنحة في سدرة وهم ستفتك يوما بقبضة أحلام الياسمين، وستنفذ قطرة أو بالأحرى دمعة ذات أصيل كزيت قنديل مكسور.يبدو لي الان أنها لم تكن في الأصل مبدأ لكن مجرد غلالة ، وكتلة سفسطة ووعود قلابة، هذا ما حسمنا فيه معا ونحن نشهد كيف نفضت يديها من اختيار يطفح بأوجاعها كأنثى أولا. كيف أبلته نشيدا؟ فصار هراء؟ وهي رهن لحظة ضعف تهاوت فيها كورقة جوفاء ، أضنتها شروخ الجسد فارتمت تبيع( لا )، زهيدة بالجرح من أجل نصف يوم زواج . كيف انهارت دون أن ترفض على الأقل أدنى مساومة قبل أن ترمي بنفسها إلى قرار واهن، ؟ كيف تعبر على القرار بتدفق رخيص قبل أن تتركه يعبر إليها ؟ وهي من انقادت إلى الدرب قبلنا، وأقسمت أن يخلد المبدأ في روحها، وفي وشم الصفد في كفيها، وتحت عين الجلاد حتى الممــــــــــــــــــــــــــــــــــــــات.