المحرر موضوع: علاقة لاهوتيي الكنيسة بالشيطان!  (زيارة 473 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سلام الراوي

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 639
    • مشاهدة الملف الشخصي
كالآباء الأولين:‏ أهُم حماة للمسيحية ام فلاسفة؟‏
:

نفتتح بما يلي....
سفاح القربى،‏ قتل الاولاد،‏ وأكل لحوم البشر ليست سوى بعضٍ من التهم التي أُلصقت بالمسيحيين في القرن الثاني للميلاد.‏ وهذه الاتهامات المنافية للعقل ادت الى مواجهتهم سيلا من الاضطهاد،‏ شعر جراءه كتّاب مدّعون المسيحية بالتزام الدفاع عن ايمانهم.‏ فعزم هؤلاء،‏ وقد عُرفوا لاحقا بالآباء المدافعين،‏ على الاثبات ان ديانتهم بعيدة كل البعد عن الاذية،‏ بهدف ان يحظوا بتأييد السلطات الرومانية والرأي العام.‏ لكن مهمتهم هذه انطوت على مخاطر جمة.‏ فلم يكن بالامكان عادة تهدئة السلطات الامبراطورية والرأي العام إلا بالاستسلام لهم،‏ الامر الذي قد يتسبب بإضعاف الايمان المسيحي من خلال المسايرة التي لا مبرِّر لها.‏ هذا اضافة الى المجازفة بإثارة مزيد من الاضطهاد.‏ فكيف دافعوا عن ايمانهم؟‏ اية حجج استندوا اليها؟‏ وماذا كانت ثمرة جهودهم؟‏

الآباء المدافعون والامبراطورية الرومانية

الآباء المدافعون هم رجال مثقفون عاشوا في القرن الثاني وأوائل القرن الثالث،‏ اشهرهم يوستينوس الشهيد وإقليمس الاسكندري وترتليانوس.‏ وقد كانت كتاباتهم موجهة بصورة رئيسية الى الوثنيين والسلطات الرومانية بغية شرح الايمان المسيحي لهم.‏ كما انها حملت في طياتها اشارات متكررة الى الكتاب المقدس.‏ لكن الامر الاهم هو انهم جابهوا المضطهِدين،‏ انكروا اتهاماتهم،‏ ووضعوا المسيحيين في صورة حسنة.‏

من ابرز المسائل التي عُني بها الآباء المدافعون اقناع السلطات السياسية ان المسيحيين ليسوا اعداء الامبراطور ولا الامبراطورية.‏ فقال ترتليانوس عن الامبراطور:‏ «الهنا قد عيَّنه»،‏ وأيّد اثيناڠوراس ارتقاء العرش الامبراطوري بالوراثة.‏ وهكذا تورطا في سياسات ذلك الزمن،‏ متجاهلَين كلمات يسوع المسيح:‏ «مملكتي ليست جزءا من هذا العالم».‏ يوحنا ١٨:‏٣٦‏.‏

واقترح الآباء المدافعون ان هنالك رابطا يجمع بين روما والدين المسيحي.‏ فعلى حد قول ميليتون،‏ شكّل هذان كيانا ثنائيا،‏ وعمل الدين المسيحي لخير الامبراطورية.‏ كما ان مؤلف الرسالة الى ديوڠنيتُس،‏ المجهول الاسم،‏ شبّه المسيحيين بركن اساسي ‹يجعل العالم متماسكا›.‏ فضلا عن ذلك،‏ كتب ترتليانوس ان المسيحيين يصلّون من اجل ازدهار الامبراطورية وتأخير اتيان نهاية نظام الاشياء.‏ وعليه،‏ بدا مجيء ملكوت اللّٰه اقل اهمية.‏قارنوا:-‏ متى ٦:‏٩،‏ ١٠‏.‏

‏«المسيحية» تمسي فلسفة

تحدث الفيلسوف سلسُس عن المسيحيين بازدراء واصفا اياهم بأنهم ‹عمال،‏ صانعو احذية،‏ مزارعون،‏ اقل الناس ثقافة وأكثرهم حماقة›.‏ فكانت كلماته الساخرة هذه اشد من ان يطيقها الآباء المدافعون.‏ لذا،‏ عقدوا العزم على الفوز باستحسان الرأي العام باعتماد تكتيك جديد.‏ فتسلحوا بالحكمة العالمية،‏ التي نبذوها سابقا،‏ بغية الدفاع عن القضية «المسيحية».‏ على سبيل المثال،‏ اعتبر إقليمس الاسكندري ان بعض الفلسفات هي «‏لاهوتٌ حق».‏ ورغم ان يوستينوس ادّعى رفض الفلسفة الوثنية،‏ كان اول مَن استخدم اللغة والمفاهيم الفلسفية للتعبير عن الافكار «المسيحية»،‏ معتبرا هذه الفلسفة «آمنة ونافعة».‏

ومنذ ذلك الحين،‏ تبدلت استراتيجية المدافعين،‏ فما عادوا يعارضون الفلسفة،‏ بل صبَوا الى تحويل الفكر المسيحي المزعوم الى فلسفة ارقى من فلسفة الوثنيين.‏ كتب يوستينوس:‏ «اننا على اتفاق على بعض النقاط مع أجلِّ فلاسفتكم وشعرائكم،‏ وعلى نقاط اخرى لنا تعليم اكمل وأكثر ألوهية».‏ وبعد ان تدثَّر الفكر «المسيحي» بعباءة الفلاسفة،‏ وصف المدافعون تعاليمهم المسيحية المزعومة بأنها قديمة العهد وجديرة بالاعتبار.‏ فأشاروا الى ان الاسفار المسيحية اقدم بكثير من كتب اليونانيين،‏ وأن زمن انبياء الكتاب المقدس يسبق زمن فلاسفة اليونان.‏ حتى ان بعض الآباء المدافعين خلصوا الى الاستنتاج ان الفلاسفة نقلوا افكارهم عن الانبياء.‏ فقيل ان أفلاطون هو تلميذ موسى!‏

تحريف المسيحية

ولّدت هذه الاستراتيجية مزيجا من المسيحية والفلسفة الوثنية.‏ فقد قورنت الآلهة اليونانية بشخصيات الكتاب المقدس.‏ وهكذا شُبِّه يسوع بپَرسييوس،‏ وحبَل مريم بحبَل دانيْيي —‏ أُم پَرسييوس —‏ التي اعتُقِد انها هي ايضا عذراء.‏

هذا وقد أُجريت تعديلات جذرية على بعض التعاليم.‏ مثلا،‏ في الكتاب المقدس يدعى يسوع «‏لوغوس‏»،‏ الذي يعني «كلمة» اللّٰه او الناطق بلسانه.‏ قارنوا:-(‏يوحنا ١:‏١-‏٣،‏ ١٤-‏١٨؛‏ رؤيا ١٩:‏١١-‏١٣‏)‏ لكن يوستينوس حرَّف هذا التعليم في زمن باكر جدا حين استخدم،‏ بوصفه فيلسوفا،‏ المعنيين المحتملين للكلمة اليونانية لوغوس:‏ «كلمة» و «عقل».‏ فذكر ان المسيحيين قبلوا الكلمة ممثَّلة بشخص المسيح نفسه،‏ في حين ان لوغوس بمعنى «عقل» موجود في كل البشر،‏ بمن فيهم الوثنيون.‏ وهكذا استخلص ان الذين يعيشون بمقتضى العقل هم مسيحيون،‏ ولو ادّعوا انهم ملحدون او حُسِبوا كذلك،‏ من امثال سقراط وغيره.‏

فضلا عن ذلك،‏ بذل الآباء المدافعون،‏ بمن فيهم ترتليانوس،‏ جهودا حثيثة لإنشاء رابط يجمع بين يسوع و لوغوس الفلسفة اليونانية الذي هو وثيق الصلة بشخص اللّٰه.‏ فكانت هذه انطلاقة ادت بالمسيحية لاحقا الى اعتماد عقيدة الثالوث.

ايضا،‏ ترد الكلمة «نفس» اكثر من ٨٥٠ مرة في الكتاب المقدس،‏ بما فيها ما يزيد على ١٠٠ مرة بصيغتها اليونانية.‏ وهي تشير من حيث الاساس الى المخلوقات الحية غير الخالدة،‏ بشرية كانت او حيوانية.‏ قارنوا:-(‏١ كورنثوس ١٥:‏٤٥؛‏ يعقوب ٥:‏٢٠؛‏ رؤيا ١٦:‏٣‏)‏ غير ان الآباء المدافعين حوَّروا تعليم الكتاب المقدس هذا،‏ وذلك بالربط بينه وبين فلسفة أفلاطون القائلة ان النفس منفصلة عن الجسد،‏ وإنها غير منظورة وخالدة.‏ كما اكد مينوكيوس فِليكس ان جذور الايمان بالقيامة ترجع الى تعليم فيثاغورس عن تقمص النفس.‏ وهكذا،‏ ابعدهم التأثير اليوناني كل البعد عن تعاليم الكتاب المقدس.‏

الخيار الخاطئ

ادرك بعض الآباء المدافعين خطر الفلسفة على الايمان المسيحي.‏ ولكن،‏ رغم انتقادهم للفلاسفة،‏ احبوا منهج الفلسفة الفكري.‏ خذ مثلا تاتيان الذي ندد بهم باعتبار مساعيهم عديمة الجدوى،‏ وفي الوقت نفسه دعا الدين المسيحي «فلسفتنا» وأطلق العنان لتخميناته الفلسفية.‏ وفي حين انه شجب تأثير الفلسفة الوثنية في الفكر المسيحي،‏ اعرب من جهة اخرى عن رغبته في اتِّباع خطى «الفيلسوف والشهيد يوستينوس،‏ وسوفسطائي الكنائس ميليتيادِس»،‏ وآخرين ايضا.‏ علاوة على ذلك،‏ سُمّي اثيناڠوراس «فيلسوف اثينا المسيحي».‏ وارتأى إقليمس،‏ حسبما يقال،‏ «ان المسيحيين يمكنهم بحصافة ان يتخذوا من الفلسفة سبيلا الى الحكمة والدفاع عن الايمان».‏

مهما كان النجاح الذي احرزه هؤلاء الآباء في الدفاع عن ايمانهم،‏ فقد ارتكبوا خطأ جسيما.‏ كيف؟‏ ذكّر الرسول بولس المسيحيين انه بين الاسلحة الروحية التي في متناولهم،‏ ليس سلاح امضى من ‹كلمة اللّٰه الحية والفعالة›.‏ وقال انه بالتسلح به يمكننا ان «نهدم افكارا وكل شامخ يُرفع ضد معرفة اللّٰه».‏ قارنوا عبرانيين ٤:‏١٢؛‏ ٢ كورنثوس ١٠:‏٤،‏ ٥؛‏ افسس ٦:‏١٧‏.‏

وحثّ يسوع تلاميذه في الليلة التي سبقت موته:‏ «تشجعوا!‏ انا قد غلبت العالم».‏ (‏يوحنا ١٦:‏٣٣‏)‏ فالمحن والضيقات التي اختبرها في العالم لم تزعزع ايمانه وولاءه لأبيه.‏ على نحو مماثل،‏ كتب يوحنا آخر الرسل:‏ «هذه هي الغلبة التي غلبت العالم:‏ ايماننا».‏ (‏١ يوحنا ٥:‏٤‏)‏ فصحيح ان مراد هؤلاء الآباء كان الدفاع عن الايمان المسيحي،‏ بيد انهم اساءوا الاختيار حين تبنوا افكار الفلسفة العالمية ومنهجها.‏ وهكذا تركوا فلسفات كهذه تغويهم،‏ سامحين بالتالي للعالم ان يغلبهم ويغلب مسيحيتهم.‏ فوقع الآباء المدافعون للكنيسة الباكرة —‏ ربما عن غير دراية —‏ في شرك الشيطان الذي «يغيِّر شكله الى ملاك نور»،‏ عوض ان يكونوا حماة ومناصرين للايمان المسيحي الحق.‏قارنوا‏ ٢ كورنثوس ١١:‏١٤‏.‏

واليوم،‏ غالبا ما يسلك رجال الدين واللاهوتيون في كنائس العالم المسيحي السبيل نفسه.‏ فبدلا من الدفاع عن المسيحية الحقة بالتسلح بكلمة اللّٰه،‏ كثيرا ما يستهينون بالكتاب المقدس في تعاليمهم ويلجأون الى الفلسفة العالمية لكي يحظوا بتأييد الرأي العام وأصحاب السلطة.‏ وعوضا عن اطلاق التحذير من مخاطر اتِّباع تيارات العالم المناقضة للاسفار المقدسة،‏ يبذل هؤلاء المعلمون كل وسعهم من اجل «دغدغة آذان» سامعيهم لكسب مؤيدين لهم.‏ كما في:-(‏٢ تيموثاوس ٤:‏٣‏)‏ ومن المؤسف انهم،‏ على غرار الآباء المدافعين الاوائل،‏ يتجاهلون تحذير الرسول بولس:‏ «احذروا لئلا يسبيكم احد بالفلسفة والخداع الفارغ حسب تقليد الناس،‏ حسب مبادئ العالم الاولية وليس حسب المسيح».‏ ولا شك ان «نهايتهم ستكون وفق اعمالهم»،‏ حسبما يؤكد بولس.‏ كما في:-( كولوسي ٢:‏٨؛‏ ٢ كورنثوس ١١:‏١٥‏).‏

المصادر.
١-الكتاب المقدس.
٢-مكتبة برج المراقبة الالكترونية/ اصدار شهود يهوه