المحرر موضوع: هل تؤسس مسودة الدستور لعراق ديمقراطي؟  (زيارة 1643 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل fahd1

  • عضو فعال
  • **
  • مشاركة: 39
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
هل تؤسس مسودة الدستور لعراق ديمقراطي؟
سمير طبله
كلمة اللجنة العراقية من أجل دستور ديمقراطي
في ورشة عمل معهد الدراسات الاستراتيجية – العراق
معهد الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن 9 – 10/9/2005
[/b]

السيدات والسادة الحضور
تحية طيبة،
شكراً لمعهد الدراسات الاستراتيجية – العراق لاتاحته الفرصة لنا للتحدث في هذا المحفل الكريم، مساهمة في النقاش حول أهم وثيقة تاريخية ستحدّد، اضافة لعوامل كثيرة أخرى، وجّه العراق المستقبلي.
عسى ان نوفق وأياكم بجهدنا المتواضع هذا في خدمة شعبنا ووطننا العراق المبُتلين.
انبثقت اللجنة العراقية من أجل دستور ديمقراطي، في لندن، بداية صيف هذا العام كحركة ضاغطة خارج الوطن مساندة لتبني دستور ديمقراطي، وشكّل عراقيون لجان مناظرة في العديد من عواصم العالم ومدنه، واستطاعوا جمع ألاف التواقيع، من داخل الوطن وخارجه، على مذكرة رئيسية حدّدت أهدافها بخلق رأي وطني وديمقراطي عام يساهم في الترويج لثقافة ديمقراطية ويساند تبني دستور دائم يكون الاساس لاقامة دولة ديمقراطية عصرية، ويعزّز الوحدة الوطنية في اطار عراق حر ديمقراطي فيدرالي موحد، والمساهمة في تثبيت أسس ومبادئ في الدستور الدائم تركّز على اقامة نظام حكم جمهورية ديمقراطي تعددي برلماني واتحادي (فيدرالي)، وتقر بأن العراق بلد متعدّد القوميات والاديان والثقافات، وتعتمد مبدأ حق المواطنة، كحق مقدس لا يمكن المساس به اطلاقاً، والمساواة بين المواطنين، والتأسيس لدولة القانون والمؤسسات والعدالة، والفصل بين السلطات الثلاث، والفصل بين الدين والدولة، مع احترام الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، وضمان حقوق الأديان والطوائف الاخرى وممارستها لشعائرها وطقوسها، وتبني الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والمساواة بين المرأة والرجل، وتحريم كل أشكال التمييز، وتأمين الفيدرالية لكردستان العراق وضمان حرية الثقافة والابداع واحترام التعددية الفكرية والسياسية والقومية. وقضايا اخرى تهدف لبناء عراق عصري ديمقراطي متحضر.
أطلعت اللجنة، كغيرها، على ما أعلن عنه كمسودة للدستور الدائم، وتتابع باهتمام ردود الفعل عليه بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، رغم ان الصيغة النهائية لم تُعلن بعد، والتجاذبات بشأنها لا زالت قائمة حتى هذه الساعة.
إلا ان هناك سؤالا يدرك كثيرون اجابته هو: لماذا هذا الاستعجال في اعداد دستور وسط أجواء يسود فيها الاضطراب والارهاب والدمار والفساد ونقص الخدمات الاساسية للمواطن العراقي المبُتلى.
وأذ نؤشر، سوية مع العديد من قوى شعبنا ومهتمين عرب وعالميين، الى حقيقة ان هذه المسودة هي حصيلة مناقشات طويلة ومناورات سياسية ارتبطت بنتائج انتخابات بداية هذا العام، وما أفرزته بوجهها السلبي من استقطاب قومي - طائفي، للاسف الشديد. وإذ نؤشر ايضاً لحقيقة ان المسودة المعلنة حتى هذه الساعة تحمل العديد من الجوانب الايجابية والمتقدمة على كل دساتير المنطقة، خصوصاً العربية منها. ولكنها – بتقديرنا – لا تحمل نفساً واضحاً لبناء عراق ديمقراطي. بل انه يمكن تأشير ان النفس القومي – الطائفي (استناداً الى الاستقطاب السائد في الجمعية الوطنية) طغى على العديد من موادها، التي حملت الشيء وضده في الوقت نفسه، وتُركت عشرات المواد فيه لتفسيرات مجلس النواب المنتخب القادم.
فالمادة الثانية، مثلاً، ثبتت ان الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع. والمجال لا يسع، هنا، للدخول بتفاصيل التفسيرات المختلفة، إن لم تكن المتناقضة لـ "ثوابت احكام الاسلام" المنصوص عليها في الفقرة أ، المادة 2، من الباب الاول. ما يهمنا هو التأكيد ان هذا يتقاطع تماماً – برأينا – من تأسيس دولة حضارية تفصل الدين عن الدولة. فها هي الدولة المتحضرة، ومنها اوروبا تحديداً، لم تتقدم إلا بعد ان فصلت الدين عن الدولة، فلماذا نخترع البارود ثانية؟! لا يقلل هذا الرأي من احترامنا الشديد لانتماء الغالبية العظمى من شعبنا للدين الاسلامي الحنيف، إلا اننا بصدد التأسيس لدولة ديمقراطية حضارية تأخذ مكانها بين شعوب العالم المتقدمة الاخرى، دولة تسع لجميع العراقيين، لا مكان فيها للاضطهاد والظلم والعسف والجور بأي شكل كان. دولة يُقر فيها لكل ذي حقٍ حقه.
وتعسفت المادة 123 بعدم جواز تعديل المبادئ الاساسية الواردة في الباب الاول، إلا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناءً على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية. أي ان وجهاً سلبياً لنتائج انتخابات 30 كانون الثاني من هذا العام ألزم هيئات ستنتخب، في ظروف أخرى، لمدة ثمان سنوات مقبلة، على الاقل، بعدم تعديل أي مبدأ أساس ورد في مسودة الدستور، وهو ما يتنافى مع أسس الديمقراطية الحقة. فشجرة الحياة خضراء دائماً، على حد تعبير حكيم سبقنا بقرنين.
وهناك العديد من مواد الدستور التي أخلّت بالطابع المدني – الديمقراطي، بل وحملت ألغاماً يصعب التنبأ الآن بنتائجها المدمرة على تطور عراقنا اللاحق، أخطرها تلك المقيدة لحقوق المرأة وحريتها، التي يقدر نفوسها الآن بأكثر من نصف سكان العراق، اضافة لمواضيع أخرى كثيرة يصعب الحديث عنها لضيق الوقت. نشير لبعض منها بعجالة مثل:
-   اعتماد مبدأ "العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم" (المادة 39) الذي يشكل تراجعاً خطيراً عن مكسب حققته المرأة العراقية قبل اكثر من اربعين عاماً. فتطبيقاته العملية ستعيدنا لايام الحريم المنقرضة، مما يشكل تقاطعاً صارخاً مع اللوائح العالمية.
-   وكذا الحال لاخضاع المعاهدات والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان الى ما لا يتنافى مع مبادئ واحكام الدستور المقترح (المادة 44).
-   اما ما تضمنته الفقرة (ثانياً) من المادة 90 من تكوين للمحكمة الاتحادية العليا من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون فهو نص ربما يؤسس لاحقاً لولاية فقيه صارخة، كما اشار بحق أحد الباحثين.
-   اعتبر خبراء اقتصاديون عراقيون ان ما نصت عليه مسودة الدستور سيسبب ارباكاً اقتصادياً ومالياً في موارد الدولة العراقية القادمة. (صحيفة "الحياة" 7/9/2005).
مما تقدم، نرى ان أمثل حل للخروج من المأزق الحالي ومما قد يسببه اقرار دستور عاجل، لا يرعى فيه مصلحة جميع العراقيين، هو تأجيل النظر في المسودة لاتاحة الوقت لمزيد من التوافق بين مكونات الشعب العراقي القومية والدينية والطائفية والسياسية، والمكون الاخير يتعمد أغلب الاعلام الغربي، ومن ورائه القوى المتنفذة عالمياً، اسقاطه من المعادلة لحسابات معروفة.
شكراً لاصغائكم.[/size]