المحرر موضوع: 2) شجرة الحياة الآشورية: سر الكون والانسان والنبات  (زيارة 1293 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل دانيال سليفو

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 117
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي

العلاقة الوثيقة والعضوية بين الإنسان والنبات بحسب اسطورة إنانا أو عشتار
حينما كانت تعشق عشتار. وحينما تفور طاقات الحب في جوانحها وفي خلجاتها الداخلية وعناصر قواتها المخفية عن البشر! يعمُ الحب وينتشر الحنان والألفة والتفاؤل والأمان بين بني البشر، وتفيض الأنهار العذبة بطعم العسل، ويندمج الانسان ويتفاعل مع ألوان الطبيعة البهيّة الزاهية، ومع خيراتها وغلاتها الوفيرة. حينها تتعطل نشاطات وطاقات الآلهة جميعاً الى حين، وتستكين قوى الشر وجنّياتها، خائبة مهزومة بلا حول ولا قوة. حينها يبدأ الانسان الضعيف المستكين يُردد جملة واحدة ولا يعرف غيرها مُساقاً بالحب والفرح المتفوق الى المستوى الآلهي: ها قد جاءت عشتار. ها قد جاء الخير.
تتكلم عشتار باسم عذريتها المتسامية مع الطبيعة والكون بشكل روحي غيبي بالمطلق، فهي الاله والانسان، الكون والأرض، المكان والزمان، الهواء والماء، الزرع والضرع. وتتكلم بالحب العائم فوق جميع الموجودات، وليس بالغرائز العليلة المكبوتة والرخيصة كما قد تتصور الروح المكبوتة والمريضة بقوى الشر.. ينشد الشعب لعشتار ليعزيها بتموز، وينهمر الغيث بتناغم من السماء والجبال والوديان، ويصدح سقف الفضاء بصدى الأصوات المؤمنة بأناشيد وادعية ومزامير، مُرددةً معها بالروح: -
ها قد جاء بي، قد جاء بي ... الى البستان، دموزي جاء بي
تمشيت معه بين الأشجار، قرفصت بالوضع المناسب ... وامام دموزي القادم بالنشيد
دفقتُ الزرع من رحمي، وضعت الزرع أمامه ... دفقتُ الزرع أمامه
وضعت الحبوب أمامه، دفقتُ الحبوب أمامه..
يبدو ان المفاهيم الحياتية حول العلاقة الزوجية والعمل الزراعي انطلقت الى آفاق كونية، وتقع على عاتق القوى الإلهية الميتافيزيقية، فأسطورة الزواج الإلهي المقدس بين عشتار وتموز، يُحرّض الدافع الجنسي لدى الافراد ويضمن خصوبة الأرض والحيوانات. فبينما كان تتوجه أنظار العالم القديم نحو السماء وتنتظر مياه الامطار المقدسة لتخصيب الأرض وزيادة المنتجات الزراعية في علاقة حميمة بين السماء والأرض، كان المعابد تمتلئ بالمصلين والعابدين، هكذا نفهم من أناشيد عشتار كأن علاقة الزواج تتماثل مع الحراثة والزراعة ومع علاقة السماء بالأرض.

بوابة الاكيتو: بوابة الدخول الى العام الجديد الأخضر.
وصراع الحوت والحمل
يبدأ الأكيتو (الفرح بقدوم عام جديد) في 21 آذار ويستمر الى الأول من نيسان، حيث تُقدم القرابين والنذور، وتُسّير مواكب احتفالية. ويبدأ الشعب الاحتفال بقدوم الأكيتو بالأناشيد بقدوم الربيع، (ܪܹܫܵܐ ܕܫܲܢ̃ܬܵܐ ܐܵܫܘ݂ܪܝܬܵܐ)، وكان عيداً للسومريين والبابليين وصولا للآشوريين، بل الى شعوب العالم أجمع حينذاك، حيث يُعلّق الأجداد (وبعض المعاصرين أيضاَ) في اليوم التاسع والعاشر، باقات الورود وعشب سنابل القمح الأخضر على الأبواب لتتعرف عليهم الالهة وقواها الخيّرة في تجوالها حول المدن والقرى لتجزيهم في العام الجديد، وتُعاقب المتلكئين من عن الاحتفال والغير مؤمنين بها ممن لم يعلقوا الباقة (البوكيه) على الأبواب!
ومن فكرة الصراع بين الماضي الآفل الزائل مع الحاضر والمستقبل الآتي، تم تشبيه دورات السنين وتعاقبها في المسيرة الزمنية للحياة. فالماضي يتشبث بالقادم الجديد ولا ينوي الرحيل، ليترك بصماته على الأجيال الجديدة وليكبح تقدمها. فالشهر الأخير من العام مُمثلاً بالحوت (برج الحوت)، يحاول جاهداً الإمساك بالشهر الأول من العام الجديد مُمثلاً بالحمل (برج الحمل) لإيقاف الزمن! وفي استعارة متطابقة مع الرواية الأسطورية للصراع بين الأبراج، تم تشبيه خسوف القمر المُستمر زهاء الثلاث ساعات، بمحاولات الحوت إبتلاع القمر ومنع قدوم العام الجديد!، وذلك بقتل المُنقذ المُخّلص للبشرية والذي أخذ أسماءاً عديدة مثل (الحمل وتموز ومردوخ، واسماءاً أخرى عديدة للآلهة والملوك الذين نذروا أنفسهم للحرية ولخير الشعوب.
وفترة الخطر المُحيط بالمُنقذ المرتبط بالخسوف، تخرج الشعوب القلقة على مصير المملكة، بالدق على المواد المعدنية لتصدر أصواتاً مزعجة عالية لإخافة الحوت الذي يُشكل هلالاً بهيئة الفم المفتوح، مرددين بما معناه (حوته يا منحوته.. هدّي گمرنا العالي!). ليبتعد الحوت (عند نهاية الخسوف)، ويتوقف عن محاولة ابتلاع والتهام الملك الذي يخرج من العالم السفلي بمساعدة عشتار! ليعود الرخاء ويعم والخير والازدهار. ويلبس العالم عباءة خضراء بألوان زاهية، وليُقدس النقط المنثورة من القطرات الحمراء (شقائق النعمان- ܟܲܠܘܢܬܵܐ) من دم المُنقذ (تمـوز) على ارجاء سجادة خضراء ممتدة على السهول والجبال على طول حدود البصر، وتتعزى الشعوب بالمُضحي بدمه من أجل خير البشرية! ثم ليحكم الشعب وينشر الفرح، ويقرر مصائر الشعوب والمحتفلين به من الشعوب والأراضي التابعة.
أيام اكيتـو والمواكب المتنوعة للشعوب
أكثر الأيام فرحاً يبدأ من اليوم الثامن، حيث مواكب الكهنة وموكب إنانا(عشتار)، وفيه تُتلى الأدعية والصلوات بانتظار خروج المُنقذ من العالم السفلي (عالم الموت) وقيامته، وتبدأ أيضاً طقوس الحب العُذري الروحي والزواج المقدس، والواجب ان نحاول فهم هذه الاعتبارات بمعايير الماضي السحيق وليس بما عايشناه اليوم من معاني سطحية ورخيصة وإيقاد للغرائز. وبنفس السياق الأسطوري وعلى المستوى الكوني العابر لمستوى المشاعر والأدراك البشري الا لمجموعة العارفين من الكهنة والمؤمنين، تنشدُ إنانا بصوت الاله والانسان والأرض قائلةً:
فرجي قرني الهلال، قارب السماء ... مليئة بالرغبة كالقمر الجديد
أرضي متروكة بلا حرث، فمن لي بمن يحرث أرضي
من لي بمن يفلح لي حقلي؟، من لي بمن يفلح لي أرضي الرطبة؟
أي سيدتي العظيمة، أنا دموزي الملك، سأحرث لك فرجكِ
إذن احرث فرجي يا رجل قلبي ... احرث لي فرجي
في حضن الملك ارتفع الأرز سامقاً، ومن حولهما تدافع القمح عالياً ... وازدهر كل بستان.
وفي لُغتنا السريانية العريقة نجد هذه المفردات وما يماثلها من موروثات حضارية، وفيها بؤر مضيئة ومنبثقة من التراث العالمي العظيم بما يُعاصره اليوم عن علاقة الانسان بالنبات. اذ لا زلنا نُطلق على البذور الزراعية بـ ܒܲܪ ܙܲܪܥܵܐ. بتناسق واضح مع كلمة الزرع للنسل (الأبناء والاحفاد) ܙܲܪܥܵܐ.
الالهة أيل وآنو وأصل كلمة الشجرة أيلانو (أيلانـا- ܐܝܼܠܢܵܐ).
* أيل: انتشرت عبادة الآلهة النهرينية المعروفة باسم أيل (ܐܝܠ) أو ألـ، الالهة الأعلى منذ فجر السلالات في بلاد النهرين. والمُلاحظ ان أسماء الملائكة جميعها ارتبطت أسماءها بأيل كمقطع يضيف القدسية لها. مثل: (كبير-أيل: جبرائيل) وميخائيل واسرافيل، وأضيفت أيضاً الى أسماء الأنبياء أحياناً مثل: يعقوب-أيل ويوسف- أيل، وكذلك أسماء بعض الملوك من منطقة الحضر والمناذرة (النساطرة المنذورين! – ܢܙܝܼܪ̇ܐ) والذين عرفوا بـ(آل لخم)، وبـ (آل النعمان)، وبـ (آل عدي). ويبدو ان الـ التعريف في اللغة العربية مصدرها اسم الاله أيل!، وبدونها تصبح الأسماء نكره. وكذلك استخدامات الضمائر في اللغة السريانية لـ: ܐ̄ܝܠܐ- ܐܝܠܗ قد تكون مُشتقة من أيل (موجود).
*آنـو: هو الاله الأكبر ويقع في المرتبة الأولى في سلسلة الالهة (بحسب الأساطير) في حضارة بلاد النهرين، وتم تسميته بأبي الالهة، ومقره (عرشه) في السماء العليا، والاسم الأول (في أعلى شجرة الحياة الآشورية. ومن المحتمل ان اسم الاله أنـو مصدر كلمة انا- ܐ̇̇ܢ̇̇ܐ. ومن هنا وكاحتمال أعتقد بأننا: عندما نتطّير من رأي أو حادث، نلجأ الى الدق على الخشب لأيقاظ الاله (أيل وآنـو) المُخبئين في الأشجار (الخشب)! ليطردوا الشر والحسد.
*وكما يمكن ملاحظة التبادل والتناسق في المعاني وبشكل متوازي بين المصدر النباتي (الخبز) والمصدر الاحيائي أي (اللحم)، وانعكاس ذلك في اللاهوت المسيحي. مثل سر التناول أو القربان المقدس ويحتفل بها جماعة المؤمنين، الاحتفال يكون بصيغة تناول قطعة صغيرة ورقيقة من الخبز (تعرف بالـبرشان والتي تمثل جسد يسوع وتُغمس قطعة الخبز في القليل من الخمر الذي يمثل دم يسوع.) وقد نحتاج الى المزيد من الدراسة والبحث لاكتشاف الترادف الواضح في الكلمات بين العربية والسريانية وحتى بين اللغات الأخرى، مثل كلمتي لحم العربية ولخما السريانية (لحم - بشر- ܒܣܪ̇ܐ وكذلك الخبز ولخما - ܠܚܡ̇̇ܐ)، فهاتان الكلمتان لهما دلالات ايمانية واضحة. فهل ان طبيعة العقائد تُشكل صياغة الكلمات أم العكس هو الصحيح؟ والأرجح وجود بون واسع بين الشعوب المؤسسة للعقائد والاساطير، والتي تجد سلاسة وإنسيابية في الربط بين الكلمة ومعناه الروحي، وبين المُستقبلة لها من الشعوب التي تستورد العقيدة وكلماتها ككل لا يتجزأ، ولا يمكنها فهم عُمق المعنى بالدقة التي أرادها المؤسسون الأوائل من أبناء سومر وبابل وآشور. وهذا كان سبباً في وجود اختلافات وخلافات بين الشعوب وظهور المذاهب والاجتهادات العديدة، واستغلت سياسياً من القوى الطامعة الغالبة، ممن كتبوا التاريخ وفسروه على هواهم، ولمصالحهم.( يُتبع....)

Danyal Slifo


غير متصل قشو ابراهيم نيروا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 4732
    • مشاهدة الملف الشخصي
                            ܞ
ܡܝܘܩܪܐ ܪܒܝ ܕܢܝܐܝܠ ܨܠܝܒܐ ܡܘܚܒܐ ܘܣܘܓܘܠ ܀ ܗܕܟܐ ܐܝܠܢܐ ܕܚܝܘܬܐ ܐܫܘܪܝܬܐ ܐܪܙܢܝܐ ܕܒܪܢܫܐ ܦܐܪܹܐ ܀ܚܝܐ ܓܢܘܟܘܢ ܩܐ ܕܐܗܐ ܡܠܘܐܐ ܘܚܒܪܢܘܟܘܢ ܕܗܒܢܝܐ ܡܠܝܐ ܡܢ ܝܘܬܪܢܐ ܐܘܡܬܢܝܐ : ܗܹܐ ܐܒܗܬܢ ܐܫܘܪܝܐ ܟܐܢܐ ܘܙܕܝܩܐ 12 ܝܘܡܢܐ ܐܫܘܪܝܐ ܘܒܒܠܝܐ ܗܘܐ ܗܘܐ ܡܙܝܘܚܐ ܥܐܕܘܬܐ ܕܪܫܐ ܕܫܢܬܐ ܐܫܘܪܝܬܐ ܚܕܬܐ ܗܠ ܝܘܡܐ 1 ܒܢܝܣܢ ܕܟܐ ܥܒܪܐܗܘܐ ܓܘ ܫܢܬܐ ܚܕܬܐ ܀ ܪܒܝ ܕܢܝܐܝܠ ܚܒܝܒܐ ܐܢ ܡܪܝܐ ܡܢܬܗ ܚܕ ܝܘܡܐ ܒܘܬ ܟܬܒܢ ܚܕ ܡܠܘܐܐ ܒܘܬ ܡܬܐ ܒܬ ܒܠܘܟ ܕܐܝܟ ܚܕ ܪܥܝܐ ܕܥܪܒܐ ܚܙܐܠܗ ܒܫܢܐ ܕܬܡܢܝܐ ܚܕܐ ܨܦܪܐ ܙܥܘܪܐ ܒܥܒܪܐ ܓܘ ܚܕ ܗܙܗܙܐ ܝܢ ܫܟܝܪܐ ܒܨܚܝܐ ܓܘ ܡܝܐ ܕܥܝܢܐ ܕܒܠܘܟ ܡܤܘܟܪܬܐ ܒܝܕ ܝܘܢܢܝܐ ܀ܗܕܚܐ ܗܘ ܪܥܝܐ ܐܚܪܢܐ ܩܕܡ ܛܫܐܠܗ ܒܙܐ ܕܥܝܢܐ ܘܛܠܒܠܐ ܪܒܐ ܙܘܙܐ ܩܕ ܡܚܙܐ ܗܘܐ ܠܗ ܗܝ ܥܝܢܐ ܒܚܝܠܐ ܕܐܠܗܐ ܐܢ ܗܘܢ ܡܬܡܨܝܢܐ ܒܬ ܟܬܒܢܐ ܩܨܬ ܕܐܝܟ ܕܐܝܘܢ ܫܡܥܐܠܗ ܕܟܐ ܝܘܢܝܐ ܡܤܟܪܐ ܗܘܐ ܥܝܢܬܐ ܕܡܝܐ ܐܡܝܢ܀ ܩܫܘܐܒܪܗܡ ܢܪܘܝܐ 14-3-2022