المحرر موضوع: طهران تلعب على المكشوف في العراق  (زيارة 638 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31508
    • مشاهدة الملف الشخصي
طهران تلعب على المكشوف في العراق
الهجوم الإيراني الصاروخي الأخير يذكّر العراقيين بحماقة نظام الخميني في تحرشاته المُدبّرة على العراق قبيل اندلاع الحرب العبثية في الرابع من سبتمبر عام 1980 وفقدان أكثر من مليوني عراقي وإيراني.
العرب

في معركة مفتوحة مع القيادات الولائية
انقسم العراقيون والمهتمون بشأنهم السياسي إزاء ما أطلق عليه رضوخ مقتدى الصدر للضغط الإيراني إلى فريقين، الأول وجد أن استجابته ليست مفاجئة إنما نابعة من ارتباطاته العميقة بطهران، أما الفريق الثاني فيحاول تبرير خطوة التراضي الشخصي مع غريمه نوري المالكي، وهو الذي لم يتردد بإطلاق صفات قاسية عليه تتعلق بنزاهته المالية والوطنية.

يُحكى أن طهران وأذرعها السياسية ببغداد قد وضعت الصدر بحالة حرجة من بعض تداعياتها احتمالات قتله شخصيا، حيث رحب بهذا المصير أكثر من مرّة كتعبير عن التزامه الوطني ووفائه لقيم عائلته الصدرية، مواصلا إصراره على مشروع الإصلاح الجذري، متحديا القوى الشيعية الراعية للميليشيات الولائية، إلى ما أسماه تحالف الأغلبية الوطنية الثلاثي مع الأكراد والسنة.

خلال الشهور الأربعة الماضية، بعد نتائج الانتخابات في العاشر من أكتوبر 2021، تصاعد شوط الخلاف السياسي بين الاستقطابين الشيعيين؛ الأول لا يتردد عن إعلان ولائه لطهران ونفوذها في العراق يقوده المالكي وبعض رموز الهزيمة الانتخابية، والثاني الفائز الأول بالانتخابات التيار الصدري زائدا الفائزان الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السنّي.

اكتفى الإطار التنسيقي في المرحلة الأولى بالمضموم من أسلحته السياسية بوجه التحالف المناوئ الجديد لعرقلة الخطوات التقليدية في ترشيح الرئاسات الثلاث، تحت عناوين مختلفة لإطالة ما سمي بالمُهَل الدستورية، وأوحت فعاليات الإطار الإعلامية، بخداع مُقنن من ولاة الأمر، بعدم الاستهداف الشخصي للصدر، والإيحاء الطائفي السياسي بأن الأغلبية “الشيعية” هي التي يجب أن تدير الحكم، ولا يجوز استثناء أي فصيل من قادتها، حتى وإن خسر أي منهم الانتخابات، والآخرون من السنة والأكراد هم شركاء.

طهران تريد استثمار فرصة الحرب الروسية – الأوكرانية لتمرير طلباتها، وإرغام الرئيس الأميركي جو بايدن على قبول ما يعرضه التحالف الروسي – الإيراني

اضطرت القيادات الولائية بعد وصولها إلى حالة العجز، رغم الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس إسماعيل قاآني للعراق، إلى فتح المعركة مع قيادة مسعود بارزاني بترويج مفاده أن بارزاني تخلى عن التحالف الاستراتيجي مع القيادات الشيعية ورموزها التقليدية، رغم أنه أكّد لهم إخلاصه لقانون المحاصصة الذي تأسس برعاية أميركية وإيرانية منذ العام 2003، وإصدار وثيقة الدستور عام 2005، التي عبرّت عن تلبية مصالح الطرفين الكردي والشيعي دون السنّة الذين همشوا على امتداد السنوات اللاحقة.

لهذا كان من الطبيعي إشهار الأسلحة المضمومة بوجه الأكراد عبر المحكمة الاتحادية، التي استعادت دورها المفصلي عام 2010، في استبعاد الفائز بالانتخابات إياد علاوي الذي ارتضى تلك اللعبة وانقاد لتبعاتها، بل أصبح في الأيام الأخيرة، دون سبب موضوعي وسياسي، صديقا حميما للمالكي ومدافعا “عقائديا” عن قيس الخزعلي. وتم إشهار إبطال قانون ملف النفط والغاز في إقليم كردستان بعد منع ترشيح مسعود بارزاني لخاله هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية.

كان الهدف المطلوب استفراد الصدر، بلا حلفاء، وضمّه مجددا إلى بيته الشيعي، رغم الخلاف الشخصي الذي بدا مستعصيا مع غريمه المالكي الحالم بالعودة مجددا إلى السلطة التنفيذية.

فاجأ الصدر الجمهور العراقي بفتحه قنوات الاتصال الشخصي بالمالكي وبقيادات الإطار التنسيقي، كتعبير فُهم منه شعبيا بأنه تراجع عن ثوابته، التي سبق أن التزم بها بخطابه الإعلامي، وعودته للتحالف مع المسؤولين عن الفساد والمتسببين بدمار العراق، وهو ما وعد الصدر بإصلاحه بعد عزل هؤلاء عن قيادة البلد.

المرشد الإيراني علي خامنئي مهتم بوضع ضمانات قوية لأركان الحكم في بغداد، بالاعتماد على وكلائه الأوفياء الأيديولوجيين من الشيعة، أما الزعامات الأخرى، كردية أم سنية، فهي في نظره ونظر أجهزته القيادية في الحرس الثوري، قوى مساعدة يمكن الاستغناء عنها في أي لحظة إذا ما تطلبت الظروف ذلك، رغم الوصفة السحرية الطائفية التي قدمتها لهم إدارة بوش الابن بعد احتلال العراق عام 2003.

نظرية وتعليمات ولاية الفقيه هذه تفسّر التفصيلات السياسية والأمنية التي وقعت في الأيام الأخيرة، بانتقال الضغط السياسي إلى حرب ميدانية اقتصادية وأمنية ضد قيادة بارزاني، بنزع قدراته الاقتصادية في النفط والغاز لإجباره على الإذعان لتفصيلات شروط الهيمنة الولائية في بغداد، ومن بينها قبول مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني برهم صالح، رغم فضيحة المرسوم الجمهوري الأخيرة.

توقيت إدخال الملّف المُركب، الأكثر حساسية، الخاص بالصراع المخابراتي الإيراني – الإسرائيلي في ظرف توليد حكومة محلية ببغداد، بمواصفات النظام الإيراني بعد إخضاع الصدر، يعني أن نظام طهران قد وصل إلى مرحلة الإفصاح عن أسلحته الهجومية المضمومة، وأن مرحلة جديدة من التعاطي الفظ مع الزعامات السياسية العراقية الشيعية المعتدلة والكردية والسنية قد دخلت طاردة لغة المجاملات السابقة.

الهجوم الإيراني الصاروخي اليوم يذكّر العراقيين بحماقة نظام الخميني في تحرشاته المُدبّرة على العراق، قبيل اندلاع الحرب العبثية في الرابع من سبتمبر عام 1980

هذا يعني، بكل شراسة وعنجهية النظام الإيراني، إرغام كل من الأكراد والسنة على الإذعان مجددا لسياساتهم التقليدية، وشروطهم التي فرضوها على العراق منذ عام 2003، وعدم التطلع إلى بدائل تحالف قد يُغيّر لو تمّ في قواعد اللعبة مع الصدر الذي أُرغم أخيرا، حسب تقديراتهم، للتراجع عن شعاراته المتمرّدة، إلى جانب القبول بفرضية أن خسارة القوى الميليشياوية في الانتخابات الأخيرة لا تعني الخروج عن ثوابت وإرشادات الولي الفقيه خامنئي.

التعقيد الأكثر خطورة على الوضع العراقي الحالي هو التزامن الأمني غير المحسوب بمرحلة مخاض الحكومة الجديدة، هذا الجنين المعوّق حامل ذات فايروسات التدمير والقتل والتجويع للعراقيين، مع الوضعين الإقليمي والدولي، حيث نشهد المراحل الأخيرة لتوقيع اتفاق فيينا النووي، كذلك في الهجوم الإيراني الصاروخي المباشر على أربيل فجر  الأحد الثالث عشر من مارس الحالي.

مهما كانت دوافع هذا الهجوم المُفتعل، بادعاء وجود مركز للموساد في أربيل سبق الإعلان عن عملية إيرانية في أبريل عام 2021 نفذت بواسطة وكلاء طهران في العراق، لكنه يكشف عن غباء لا يمكن تبريره في ما يسمى بحرب المخابرات بين طهران وتل أبيب.

الهجوم الإيراني الصاروخي اليوم يذكّر العراقيين بحماقة نظام الخميني في تحرشاته المُدبّرة على العراق، قبيل اندلاع الحرب العبثية في الرابع من سبتمبر عام 1980 وفقدان أكثر من مليوني عراقي وإيراني.

دبلوماسيا، وفي الحدود الدنيا من تقاليد العلاقات الدولية، شن هجمات صاروخية على مدينة في بلد آخر في زمن يُفترض أنه زمن سلم تعني مقدمة لحرب عسكرية، لا تفسير آخر لها، وهو ما يتطلب إجراءات طوارئ دبلوماسية عالية لا تتقيد باستدعاء سفير الدولة المعتدية، إنما بخطوات مترابطة بينها، في الحالة العراقية، توجيه مذكرة لمجلس الأمن الدولي وللجامعة العربية واستدعاء السفير العراقي في طهران، واعتبار سفير طهران ببغداد شخصا غير مرغوب فيه، وسلسلة أخرى في التعبئة الإعلامية الرسمية والشعبية، إضافة لإجراءات تقييد وتعطيل العلاقات التجارية.

في العراق، الحكومي، لم يحصل ذلك، ما جرى هو الاكتفاء بالحدود الدنيا من عدم الرضا، وكأنما الموضوع يخص بلدا آخر. واكتفاء رئيس الحكومة بزيارة مجاملة لرئيس إقليم كردستان بارزاني.

طهران تريد استثمار فرصة الحرب الروسية – الأوكرانية لتمرير طلباتها، وإرغام الرئيس الأميركي جو بايدن على قبول ما يعرضه التحالف الروسي – الإيراني عليه على طاولة فيينا، رغم تنازلاته التي وصلت إلى درجة خلت فيها من الحد الأدنى للياقة السياسية التقليدية داخل الولايات المتحدة.