مدرسة الحكمة الابتدائية في عنكاوا
بين ماضيها المجيد وحاضرها المنسي
( ذكرى ونكبة)
كانت مدرسة الحكمة الابتدائية الواقعة في الطرف الشمال الغربي من عنكاوا اول مدرسة ابتدائية تأسست بداية القرن الماضي ابان تاسيس الدولة العراقية عام ١٩٢١ وبنيت بسواعد أبنائها البررة من الطين واللبن وعلى مساحة مناسبة من الارض تعود ملكيتها الى كنيسة مار كوركيس لتكون مكان تربية وعلم وثقافة ، في بدايتها كانوا التلاميذ فيها يتعلمون الى الصف الرابع ولاحقا الى الصف الخامس ومن ثم في عام ١٩٣٥ تم استحداث الصف السادس وبعدها يكملون دراستهم في مركز اربيل وفي اواسط خمسينات القرن الماضي انتقل تلاميذ هذه المدرسة الى بناية جديدة باسم مدرسة عنكاوا الابتدائية والتي لازالت قائمة الى اليوم...حقا وقتها كانت هذه المدرسة( مدرسة الحكمة) منارة مضيئة لا في سماء بلدتنا الحبيبة فقط وإنما في سماء المناطق المحيطة بها وكانوا يحسدوننا عليها وكانت الثقافة تتعدى التعليم الى التربية السليمة حيث كان يعمل فيها نخبة متميزة وقديرة من رجال الدين ومعلمين مؤمنين برسالتهم وحبهم لوطنهم وابناء بلدتهم أمثال القس عبدالاحد كوندا و متي عسكر و لوقا دميانوس و...غيرهم ، فتخرج منها العشرات بل المئات واخذوا تخصصات مختلفة وبما ان اغلبية الدارسين كان اتجاهه وظيفيا كمعلمين فكانوا يكملون دراستهم المتوسطة في مركز محافظة( لواء) اربيل ليلتحقوا بعدها بالمدرسة الريفية او دار المعلمين في بغداد ليتخرجوا معلمين اكفاء متسلحين بالعلم والمعرفة والحقيقة تقال بانهم رفدوا مدارس محافظة اربيل بغزارة علمهم وكفاءتهم وهم مؤمنين برسالتهم التربوية محترمين لتقاليد بلدتهم ولم يألوا جهدا في سبيل خدمة وطنهم ورفع اسم مدينتهم من خلال عملهم الدؤوب ،فنشىء على أيدؤهم جيل متعلم ومدرك لمهامه المستقبلية وقد تقلد الكثير من اهالي اربيل ممن كانوا تلاميذ معلمي عنكاوا وظائف عامة مختلفة في دوائر الادارة المحلية للمحافظة...لكن للاسف لم يستغل اسم هذه المدرسة ليكون مفخرة لأبناءها ( خصوصا الجيل الجديد) وكان لزاما على الكنيسة بالتعاون مع ابناء المجتمع المحلي النهوض بها من جديد وترميمها وان كان على حساب أبنائها وكل حسب مقدرته المالية فأهل عنكاوا يمتازون في كل شيء: في الايمان والفصاحة والمعرفة والحماسة والمحبة ، وانا لا اخجل ان بالغت بعض المبالغة في الافتخار بأبناء بلدتي العزيزة وكل واحد كان يعطي ما نوى قلبه غير مجبرا وكانت تبنى بنفس الخارطة التي بنيت عليها سنة إنشائها لتتحول الصفوف فيها الى قاعات تحمل كل منها اسم احد المدراء الذين تعاقبوا على ادارتها لغاية يوم غلق بابها( كما اسلفنا) وقاعات اخرى الى شخصيات عنكاوا كأول معلم وأول معلمة واسماء الذين درسوا فيها وتستغل صفوف اخرى لمسابقات ادبية وعلمية بين طلبة المدارس الكثيرة والمنتشرة حاليا في عنكاوا وبالتالي كانت تتحول الى متحف وارشيف تربوي على غرار مدرسة أربيل الاولى في مركز المحافظة والتي انشأت عام ١٩٢٨ وتحولت لاحقا في عام ٢٠١٤ الى متحف تربوي يزوره العشرات كل يوم ... وعجبي في الذكرى المئوية لتأسيس مدرسة الحكمة يقام احتفال خاص في مدرسة عنكاوا الابتدائية حضره وزير التربية في الاقليم والبعض من رجال الدين وقسم من المعنيين بشؤون التربية بدلا ان يقام هذا الاحتفال على ارضها التي اعطيت في اواخر التسعينات كمساطحة لاحد الاشخاص( المحسوب على المتنفذين) ليقيم على ارضها المباركة قاعة حفلات للرقص والشرب بديلا عن التعليم وبديلا عن حماية اثارنا القديمة وهي رمز هويتنا وبعملهم هذا قد محو اوراقها القديمة المضيئة بذكريات تلامذتها القدامى ومعلميهم الاجلاء وبسبب تغطية أخطاءهم وإخفاء جرمهم اقيم ذكرى تأسيسها المئوية في بناية اخرى لا يحمل اسمها.
واخيرا تم تسوية كل شيء مع الارض بضمنها القاعة وللاسف لم نستطع احياءها من جديد ... لقد فقدناك يا مركز تراثنا وفخرنا الذي علمنا الكثير في الاداب العام. واحترام المقابل الى جانب التربية والتعليم... للاسف تلاشى رويدا رويدا معلم هام من معالم بلدتي الجميلة ونرى اليوم ارض بناية مدرسة الحكمة التي اشتراها السيد سرتيب وهو من اهالي شهرزور بمبلغ ٢٥٠ الف دولار معروضة اليوم للبيع من قبله ويطلب فيها ٤٠٠ الف دولار ومساحتها حسب قوله ٢١٥٠ متر مربع ...يا لسخرية القدر أرض مباركة لم تستطع لا الكنيسة ولا أبناءها الحفاظ عليها وأمست في خبر كان وتحول ماضيها الجميل الى حاضرها المنسي القبيح ولا يزال متسع من الوقت امام ابناء بلدتي الكرام ( وانا معهم) ليتعاونوا على شراء الارض هذه وبناء مدرسة على اصولها القديمة ليكونوا خير خلف لخير سلف صالح وبخلافه ستلاحقنا النكبة( لا سامح الله) في مواقع اخرى من تراثنا .
ملاحظة : كتبت مقالتي هذه متصورا بان فترة المساطحة انتهت وعادت الارض الى الكنيسة وستستغل لاغراض تربوية ولكن خاب ظني عندما علمت انها مباعة وبيعت معها الحكمة .
صباح بلندر
كندا
١٤ آيار