نظرة مقارنة من ثقب الباب على:
----------------------المؤتمر التأسيسي لحزب المجلس القومي الكلداني
و
المؤتمر الثاني لحزب أبناء النهرين
==========================================
القصد من "نظرة من ثقب الباب:
----------------------أود قبل كل شيء أن أوضح بأن القصد من "نظرة من ثقب الباب" ليس بمفهوم التصنت وإستقراء النظر وحب الفضول، بل هو عرض ما يوفره لنا ثقب الباب من فسحة ضيقة للإستدلال ببعض المعلومات عن الموضوع مستندا على ما تم نشره في التواصل الإجتماعي وتحديدا ما يخص موضوعنا هذا عن المؤتمرين اللذين عقدهما حزب المجلس القومي الكلداني في عنكاوه - أربيل وحزب أبناء النهرين في نوهدرا - دهوك خلال هذا الشهر (تموز) من هذا العام 2022. فمن المؤكد بإن النظر عبر ثقب الباب الضيق سوف لا يكون الموضوع شاملاً وضامناً لكل الحقائق والوقائع التي جرت في المؤتمرين، بل سيكون قائماً على التلميحات، وتعرف بالإنكليزية بـ (Hints)، والتي توفرها لنا سطور البيانين اللذين أصدرهما الحزبان عن مؤتمرهما. والأكثر من ذلك هو العدد الكبير من الصورة التي ألتقطت ونشرت مع البيانين وفي أحيان أخرى على معرفتنا بهذا الحزب أو ذاك وعلى الخلفية الموضوعية والعلمية في فهم الأحزاب السياسية وبالتحديد عن مؤتمراتها عامة ومقارنة ذلك بمؤتمرات أحزابنا السياسية. وسنحاول هنا تناول المؤتمرين أولا من حيث الشكل وثانيا من حيث الفعل أو المضمون وثالثا من حيث إنتخاب رئيس وقيادة الحزبين وفي الختام من حيث بعض المفاهيم والمبادئ التي نؤمن بها في فهم الأحزاب السياسية
أولاً: من حيث الشكل:
------------
بالنسبة للبيان الختامي للمؤتمر التأسيسي لحزب المجلس القومي الكلداني الذي عقد في عنكاوه – أربيل بتاريخ 02/07/2022 والذي نشر في موقع عنكاوه أنظر الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1035543.0 نرى بأنه يفتقر إلى أبسط مقومات المنطق وصياغة البيانات الخاصة بالأحزاب السياسية. المنطق الذي لا يمكن فهمه هو كون هذا المؤتمر تأسيسي، أي أن غرض إنعقاده هو تأسيس كيان معين ولكن المجلس القومي الكلداني كيان قائم وموجود منذ زمن. وقد يفهم من هذا بأن الغرض من هذا المؤتمر التأسيسي هو تأسيس حزب للمجلس القومي الكلداني وهو الأمر الذي يزيد الطين بلة لأن بهذا المعنى يكون هناك كيانين حزب ومجلس وهو الأمر الذي يخلق تساولات منها هل الحزب هو الهيئة القيادية للمجلس أم هو جزء منه. ثم لماذا مؤتمر تأسيسي ونحن نعرف بأن هذا الحزب مؤسس منذ زمن باعتباره "تنظيم سياسي وطني ديمقراطي يدافع عن مصالح وطموحات شعبنا الكلداني الذي هو جزء اصيل من مكونات الشعب العراق" كما جاء في موقع أعلام حزب مجلس القومي الكلداني. أمور يصعب فهمها في السياق العام لوجود الأحزاب السياسية. فكيف ينعقد مؤتمر تأسيسي لحزب وهو سبق وأن تم تأسيسه ويمارس نشاطه على أرض الواقع؟ وقد يكون الغرض كله من هذا هو أضفاء نوع من الهيبة السياسية على المجلس وإعطاء له صفة الحزب ليكون أكثر آهلية لتحقيقق متطلبات وشروط الدخول في الإنتخابات العامة في المركز والإقليم، وهي الظاهرة التي وجدناها في حزب الإتحاد الديموقراطي الكلداني وحزب المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، ليس إلا لنفس الغرض الإنتخابي رغم إفتقارهم إلى أبسط مقومات قيام الأحزاب السياسية. ولعل نفس الحال مع كيان أبناء النهرين الذي تحول إلى حزب أبناء النهرين، متجاهلين بأن لأي كيان سياسي تتوفر فيه الشروط المعينة في تعريف الحزب السياسي، فهو حزب سياسي بكل المعنى الكلمة حتى وأن كان أسمه غير ذلك.
لأول مرة، ووفقاً لمعلوماتي البسيطة عن الأحزاب السياسية، أرى بأن حزباً يصدر بيانا يبدأ أول ما يبدأ بسرد أسماء الضيوف والشخصيات والكيانات التي حضرت الجلسة الإقتتاحية. حيث ذكر حضور تسعة شخصيات رسمية ممثلة عن أحزاب وحكومة الإقليم ومن بعض الأحزاب السياسية لشعبنا. لا بل والأكثير من هذا هو إلقاء كلمات للضيوف الحاضرين وبرقيات التهنئة وقصائد شعرية وإلتقاط صور جماعية بهذه المناسبة ليظهر وكأنه ليس مؤتمراً حزبياً، بل مهرجانا خطابياً، لنصل إلى نتيجة فحواها بأن هذه الشكليات قد أخذت وقتاً أكثر بكثير من وقت مناقشة أجندة المؤتمر. إضف إلى هذه الركاكة الواضحة في صياغة البيان وعدم إتساق الأهم قبل المهم، فتاريخ إنعقاد المؤتمر يكون في المتن وليس في العنوان والحال نفسه مع ذكر أسماء الضيوف. وفي ختام البيان أرفق 12 صورة أكثرها عن إستقبال الضيوف ولا فيها صورة تعكس حيوية ونشاط المؤتمر وديناميكية أفعال المؤتمرين.
بالنسبة لبيان المؤتمر الثاني لحزب أبناء النهرين، والذي نشر في موقع عنكاوه، أنظر الرابط:
https://ankawa.com/forum/index.php?topic=1035700.0 فقبل الدخول في الجانب الشكلي للبيان، هناك ثلاثة متغيرات مهمة لهذا الكياني السياسي، أولهما، كما ذكرنا هو تحول الأسم من كيان إلى حزب وللأسباب الإنتخابية التي ذكرناها. والثاني، الأهم، هو تخليه عن التسمية المركبة التي كان يتداولها منذ نشوءه وإكتفاءه مؤخرا بالتسمية الآشورية، ونحن وغيرنا يعرف بأن أحد أسباب خروج أعضاءه من الحركة الديموقراطية الآشورية هو خلافهم على التسمية. والثالث هو أسم الحزب الذي حيرني ومنذ فترة ولم أصل إلى إستنتاج معقول لكونه لا يتطابق مع الواقع والمنطق. ففي جميع قواميس اللغة العربية تُعرف كلمة أبناء وهي جمع لأبن ومعناها الولد الذكر، أي على الأقل من حيث الشكل والنطق والقراءة لا يشمل البنات أو الإناث، في حين في هذا الكيان ذكور وإناث أيضاً، لا بل وكانت منذ البداية سيدة تقود هذا الكيان وأنتخبت في المؤتمر كنائب لرئيس الحزب. فهذه التسمية تعطي إنطباعا عن ذكوريته فقط. وأنا متأكد بأنه لم يكن مقصد مؤسسي هذا الكيان ذلك إلا الإستعجال وردة فعل غير مدروسة لخروجه من الحركة وتأسيس الكيان.
منذ الوهلة الأولى، أي من عنوان البيان، كونه المؤتمر العام الثاني، ثم شعاره القائل "عراق ينعم بالأمن والديموقراطية وحماية حقوق الشعب الآشوري كشعب أصلي". حتى خاتمته هناك دلالات واضحة على إتساق الكلمات والجمل في هذا البيان، من العنوان وتاريخ إنعقاده وحضور المندوبين والمسؤولين الرسمين المشرفين والسند القانوني الذي أنعقد المؤتمر في ضوءه و تقسيم الجلسات ومناقشة الأمور المهمة التي تهم تقريباً معظم الأحزاب السياسية من إنتخاب اللجنة القيادية ورئيس الحزب. كل هذا يدل على الخبرة السياسية والتنظيمية التي يمتلكها المؤتمرون أو المنظمون للمؤتمر، لا بل يمكن القول تطابق شكليات المؤتمر بشكل عام مع الشكليات التي تعتمدها الأحزاب السياسية في إنعقاد مؤتمراتها، وأكثر وضوحاً نجد بين سطور البيان ملامح زوعاوية وإجراءات تدل على الخبرة في هذا المجال. الأمر الشكلي المثير للإنتباه هو إلحاق ما يقارب 37 صورة عن مجريات المؤتمر وهو الأمر الذي نشاهده دائماً في نشاطات أحزابنا أو منظماتنا أو أي نشاط آخر من كثرة الصور عن الحدث لدرجة تكون طاغية على سطور موضوع الحدث. ولكن مع هذا قد تكون بعض من هذه الصور إنعكاساً لمضمون الحدث أو النشاط وهذا ما سنلاحظه في المؤتمر الثاني لأبناء النهرين.
ثانياً: من حيث الضمون:
--------------
بالنسبة للبيان الختامي للمؤتمر التأسيسي لحزب المجلس القومي الكلداني، لقد بدا واضحاً في البيان بأنه كان للشكليات أولية على الموضوع وطغت عليه، فلا يفصح البيان غير أعلانه عن عرضه لجدول اعمال المؤتمر لأعادة صياغة البرنامج المتضمن ( التقرير السياسي – النظام الداخلي – التنظيم – العلاقات – الاعلام – المالية ) وتقارير المقترحات الواردة لتعديلها بما ينسجم مع الواقع السياسي الحالي. ومن الملاحظ بأن البيان يذكر بأن المؤتمر قد أتخذ مجموعة من القرارات والتوصيات والتي وصلت إلى 22 قرار وتوصية، معتقدا بأن الأكثار منها سوف "تقوي العمل القومي الكلداني بما يحقق الطموحات المشروعة للكلدان" ، كما جاء في البيان. فمن تجارب البيانات والتصريحات والقرارات والتوصيات التي تتطاير بين حين وآخر من مؤتمرات وإجتماعات أحزابنا السياسية نجد مثل هذه الحالة في تعظيم الكلمات والتصريحات معتقدين بأنها المعاير التي تعظم من شأنها ولكن بالنتيجة تبقى حبيسة الأوراق غير قادرة للخروج إلى الواقع العملي التطبيقي لكونها بعيدة المنال والتطبيق وذلك بسبب شحة الأمكانيات المادية والسياسية. وما أثار أنتباهي لهذه القرارات هو القرار رقم (3) الداعي إلى ""التأكيد على تقوية العلاقات مع كنيستنا الكلدانية وتنمية روح الأنتماء الكلداني وتعزيز الدور السياسي الكلداني في الحياة الأجتماعية"، وهي مسألة لا يزال الكثير من أحزابنا السياسية لا يدركون العلاقة بينهم كأحزاب سياسية علمانية لا طائفية مع الكنيسة. فتقوية العلاقة مع الكنيسة هي علاقة شخصية إيمانية ولا يجب أن تكون حزبية إلا إذا كان حزباً طائفياً. ولكن من المعلوم والمصرح به أن حزب المجلس القومي الكلداني هو حزب قومي أو كما يقول هو "تنظيم سياسي وطني ديمقراطي يدافع عن مصالح وطموحات الشعب الكلداني" أما تقوية علاقة أعضاء الحزب بالكنيسة الكلدانية فهذا شأنهم الخاص وليس شأن حزبهم.
وفي الختام يذكر البيان الذي أصدره الإعلام المركزي للحزب بأنه "وسط اجواء من البهجة والحماس أنهى المؤتمر أعماله معبرا على تحقيق شعاره (وحدتنا، قوتنا)"... ولا أدري كيف تم تحقيق شعار المؤتمر وهو لا يزال منعقداً وفي خاتمته ولم ينزل للعمل على أرض الواقع السياسي لكي يحقق الشعار. وهذا نموذج بسيط في ركاكة وعدم إتساق البيان لا في شكله ولا في مضامينه.
بالنسبة لمضمون بيان حزب أبناء النهرين، فقد جاء فيه ما نصه: "تضمنت جلسات اليوم الأول للمؤتمر قراءة التقرير السياسي الذي تضمن رؤية وتقييم الحزب للأحداث والتطورات التي برزت خلال الفترة الماضية على صعيد الشؤون الدولية والإقليمية والوطنية والقومية والداخلية للحزب، ومن ثم تمت مناقشة مضامين التقرير والإستنتاجات والرؤى وفق المعطيات والمستجدات الراهنة. وتلا ذلك قراءة البرنامج السياسي للحزب والذي تضمنت مواده ما يؤمن به الحزب ويناضل من أجله ويعمل عليه ويطالب بتحقيقه في الشؤون الوطنية والقومية والاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية وواقع شعبنا في المهجر، حيث جرت مناقشات معمقة شهدت تقديم مقترحات عديدة وبمشاركة واسعة من قبل الحضور وصولا إلى أن يحيط هذا البرنامج بكل ما يهم واقع ومطالب وحقوق شعبنا الآشوري في الوطن وفي بلدان الاغتراب، والشعب العراقي عموما، وليشهد اليوم الأول للمؤتمر اختتام جلساته"
وفي اليوم الثاني تم "قراءة ومناقشة النظام الداخلي للحزب وبحثه وفق المستجدات والتطورات حيث شهدت هذه المناقشة العديد من المداخلات والمقترحات والأراء عبر مشاركة واسعة ... أسفرت إجراء عدد من التعديلات على النظام..." كما جاء في مضمون البيان. ثم في الختام جرى عملية إنتخاب لجنة القيادة الجديدة للحزب وفيما بعد رئيس الحزب وأعضاء المكتب السياسي.
لا أستطيع أن أضيف أكثر مما ذكره البيان غير أن أستنبط من الصور الكثيرة التي أرفق بالبيان حقيقة ما ذكر في مضمون البيان، حيث يمكن ملاحظة ذلك في الحركة الفعلية والديناميكية للمؤتمرين ووضوح مشاركتهم في المناقشات والتصويت على المقترحات مؤكدة كلها بأنها فعلا صور معبرة عن مضمون بيان المؤتمر.
ثالياً: من حيث إنتخاب رئيس الحزب وأعضاء القيادة:------------------------------
أولا: بالنسبة لحزب المجلس القومي الكلداني، يذكر بيانه بأنه " أنتخب المؤتمر رئيسا للحزب ولجنة مركزية" من دون ذكر كيفية أو أسلوب أنتخاب الرئيس واللجنة المركزية ولكن يمكن أن نستشف بأن المؤتمر، أي المؤتمرون هم الذين أنتخبوا الرئيس واللجنة المركزية ما لم يكن عكس ذلك ولم يذكره البيان، وهذا أمر صحيح وطريقة تتسق مع المعايير العامة في إنتخاب الرئيس وأعضاء اللجنة المركزية، وهو الأسلوب الذي يعطي للرئيس قوة وصلاحيات واسعة قائمة على تأييد أعضاء المؤتمر لرئاسته. وقد يكون إعادة إنتخاب نفس الرئيس السابق حالة تعكس قوة وتأثير الرئيس على المؤتمرين. ولكن ما ينقص البيان هو عدم ذكر الهيئة القيادة الدائمة الإنعقاد، أي المكتب السياسي.
بالنسبة لحزب أبناء النهرين، فطريقة أنتخابه لرئيس الحزب واللجنة القيادة أختلفت بعض الشيء. ففي بيانه يذكر "بأنه جرت عملية إنتخاب القيادة الجديدة للحزب بأشراف اللجنة المشرفة على المؤتمر... حيث أسفرت نتيجة العملية الإنتخابية عن فوز أحد عشر عضواً أصليا للجنة القيادة مع عضوين أحتياط". ثم عقدت لجنة القيادة الجديدة إجتماعاً فأنتخبت رئيساً لها ونائباً للرئيس مع ثلاثة أعضاء للمكتب السياسي إلى جانب الرئيس ونائبه ليكتمل خمسة أعضاء المكتب السياسي وحسب الأصول المتبعة، خاصة في أحزاب بلدان العالم الثالث. وبهذا نرى بأن أسلوب أنتخاب الرئيس في حزب أبناء النهرين يختلف عن أسلوب إنتخاب الرئيس في حزب المجلس، أي أن أنتخاب الرئيس لحزب أبناء النهرين من قبل أحد عشر عضوا من اللجنة القيادية ستكون قوته وصلاحته بالنتيجة والممارسة أقبل بكثير من الرئيس المنتخب من قبل مندوبي المؤتمر العام، كما كان الحال في حزب المجلس. وقد يكون إنتخاب رئيس جديد للحزب حالة من التناوب لرئاسة القيادة. بعبارة أخرى، نستطيع القول بأن ممارسة رئيس الحزب المنتخب من قبل اللجنة المركزية أو القيادية ستكون أكثر جماعية من الرئيس المنتخب من قبل مندوبي المؤتمر العام الذي تطغي على ممارساته نوع من الفردية والتسلط ذلك لأن قوته مستمدة من الذين أنتخبوه في المؤتمر العام.
وأخيرا ، ولغرض المقارنة بين الحزبين المذكورين، كان حتى يوم إرسال هذا الموضوع إلى موقع عنكاوه قد قرأ بيان حزب المجلس القومي الكلداني 583 زائر و كان لحزب أبناء النهريين 1081 زائر على موقع عنكاوة دوت كوم... أفهل يعني هذا إهتمام القراء بالحزب الآشوري أكثر من إهتمامهم بالحزب الكلداني؟.
رابعاً: نظرة مبدئية وفكرية حول الموضوع:
------------------------
حتى يكون عرض هذا الموضوع وفق المبادئ الفكرية التي نؤمن بمدى أهمية الأحزاب السياسية لكل قومية ومنها قوميتنا الآشورية أو الكلدانية أو السريانية، نؤكد ما أكدناه سابقاً بأنه (1) - لا يمكن لأي أمة أن تحقق مطامحها المشروعة من دون أن يكون لها أحزاب سياسية، فلا الجمعيات ولا النقابات ولا الكنائس ولا المجالس أن تحقق مطامح الأمة من غير أن يكون لها أداة سياسية فاعلة تتمثل في الأحزاب السياسية. فللأحزاب السياسية أهمية قصوى في حياة كل أمة، وهو موضوع طويل نتركه لفرصة أخرى. (2) – لا يوجد في أي مجتمع أو قومية في العالم، ومنها قوميتنا، من دون تناقضات وإختلافات بين أفرادها والتي تشكل بالمنظور الجدلي أساس التطور التاريخي لكل مجتمع. ففي معظم المجتمعات تنعكس هذه التناقضات والإختلافات في تجمعات تشكل الأحزب السياسية أرقى أشكالها القادرة على التعبير عن هذه التناقضات والإختلافات والعمل وفقها لحلها أو تسويتها بهدف تحقيق الصالح العام. من هذا المنطلق كنُا قد أكدنا سابقاً ونؤكده مرارا وتكرارا بأنه لا يمكن لحزب واحد أن يتعامل مع هذه التناقضات والإختلافات وأن يحقق مطامح الأمة لوحده، بل يتطلب عدد معين من الأحزاب النشطة والفاعلة يتناسب عددها وحجمها مع حجم الأمة ومع أمكانياتها المادية والمعنوية.
فنحن أمة بكل تسمياتها الآشورية والكلدانية والسريانية، أمة صغيرة الحجم في مقارنتها مع جيرانها ومقلة في إمكانياتها المادية والمعنوية في مقارنتها مع التحديات الخطيرة التي تواجهها، لهذا يتطلب أن يكون لأمتنا عدد معين من الأحزاب يتناسب حجمها مع عدد نفوس الأمة ومع إمكانياتها المادية والمعنوية الشحيحة. ولما كانت أمتنا أمة صغيرة وبإمكانيات مادية ومعنوية قليلة فأنه من دون شك تكون التناقضات والإختلافات فيها بسيطة وغير معقدة فلسفيا. وإذا أستثنينا المصالح الشخصية المتصارعة بين قادة الأحزاب السياسية، نرى بأن التناقض أو الإختلاف الأساسي بين أحزابنا السياسية لا يكمن في الفكر والإيديولوجيا ولا في أهداف الصالح العام لجميع أبناء شعبنا بمختلف تسمياته التاريخية، بل الإختلاف الأساسي يكمن في التسميات التي يتبناها شعبنا وأحزابنا السياسية وبمدلولاتها الإنتمائية والتي قد تكون طائفية في بعض الأحيان. لهذا نرى بأن ما ذكرناه بالنسبة للحزبين أعلاه هو أن حزب المجلس القومي الكلداني يمثل أو يحاول تمثيل الكلدان في حين حزب أبناء النهرين يمثل أو يحاول تمثيل الآشوريين وهذا ما نستمده من تسميتهم وما تضمنته هذه التسمية. من هذا المنطلق نقول وبملئ الفم بأن الغرض من عرض هذا الموضوع وما تضمنه من إنتقادات ليس الغرض منه أهانة أو تصغير من هذا الحزب أو ذاك، وإنما هو رغبة او حلماً أو أمنية في أن نرى أحزابنا السياسية، سواء أكانت كلدانية أو سريانية أو آشورية كاملة ومكملة ونشطة تستطيع التعبير عن أبناء التسمية التي يتبنونها...لماذا؟؟؟ لأن في التحليل الأخير نحن أمة واحدة وأهدافها واحدة، شئنا أم أبينا ولا يمكن التفكير في تحقيق الصالح العام لهذه الأمة إلا بوجود أحزاب نشطة وفاعلة من كل جهة تدخل في تنافس منطقي ومقبول عبر خطاب سياسي موحد كسبيل لتحقيق هذا الصالح العام، وإلا ستبقى أحزابنا السياسية منبطحة على الأوراق ومستعرضة على شاشات التواصل الإجتماعي. هنا مرة أخرى ندور في نفس فلك "الخطاب القومي السياسي الموحد". فكيف الخروج من دورانه والتوجه عبر طريق واضح نحو تحقيق الصالح العام؟؟؟ موضوع قد تتاح لنا الفرص لتناوله في المستقبل القريب.