المحرر موضوع: المعلومات والشائعات في مصر  (زيارة 499 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31641
    • مشاهدة الملف الشخصي
المعلومات والشائعات في مصر
مع ضعف الردود على ما يتردد حولها وعدم القدرة على تكذيبها وتفنيدها بأدوات علمية نالت الشائعات حظا من التغلغل في نسيج مجتمع كانت أغلبيته مرصوصة خلف الدولة وأجهزتها الرسمية.
العرب

مصر تحتاج إلى المصارحة والشفافية
تحدث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن خطورة الشائعات وأهدافها الخبيثة كثيرا، ووجّه وسائل الإعلام إلى ضرورة توفير المعلومات اللازمة للرد عليها ودحضها بذكر الحقيقة، وكان صائبا في طرحه، لكن الشائعات لم تتوقف وبدأت تمثل منغصا كبيرا للقاهرة، لأن المعلومات التي طالب الرئيس بتوفيرها لم يستجب لها المسؤولون، ولم تجهد وسائل الإعلام نفسها في البحث عنها والوصول إليها.

تمثل الشائعة خطرا على المجتمعات القلقة والدول التي تتعرض إلى تحديات مصيرية، وإذا كانت مصر تواجه القلق والتحديات معا فالخوف من التأثيرات يصبح كبيرا، فمنع الشائعات وبترها من جذورها ثبت عدم جدواهما، حيث لا تنتقل الآن شفهيا من لسان إلى أذن، بل من حساب على وسائل التواصل الاجتماعي إلى حساب آخر أو منصة ثانية.

ولذلك فالمعلومات والمصارحة والشفافية من أهم الأسلحة التي تواجه الشائعة، وهذا أبرز ما تحتاجه مصر، وليت المسؤولون فيها يدركون المعاني التي أشار إليها الرئيس السيسي في مرات عديدة عندما عبر عن انزعاجه البالغ من انتشار الشائعات، والتي وصلت إلى حد التشكيك في مشروعات تنموية كبرى وناجحة.

◙ ضخ المعلومات الصحيحة هو الطريق الوحيد الذي يستطيع شل سلاح الشائعات، لأن القفز عليها يمنح مروّجيها مزايا تمكّنهم من تحقيق أهدافهم

لم تمتنع وسائل الإعلام المختلفة عن التجاوب مع النداء الرئاسي للرد على الشائعات، واستجابت له بالطريقة التي تناسبها وتدربت عليها، حيث اكتفى غالبيتها بالنفي من دون ذكر الأدلة التي تعززه، فعندما ترد شائعة بشأن تكلفة مشروع ما في مصر والجهة الممولة والمنفذة له والمدة الزمنية التي يستغرقها والأهداف الحيوية التي يخدمها، لا يجد المتابع إجابات محددة وشافية حولها، ويصبح من البديهي أن تكتسب الشائعة مصداقية وتزداد انتشارا، وتلوكها الألسن بعد فترة باعتبارها حقيقة.

يتم التعامل مع الرد على الشائعة بطريقة بدائية أو كأن ذلك من الأسرار الحربية التي تستوجب عدم ذكر معلومات عنها، وإذا كانت هذه القناعة موجودة في عقل من يتولون الرد عليها فلا طائل من نفيها، حيث يتحول نفي النفي بلا حيثيات إلى إثبات.

لم تتوقف الشائعات لحظة منذ تولي الرئيس السيسي الحكم قبل حوالي ثمانية أعوام، وكلفت جماعة الإخوان كتائب إلكترونية نشطة للقيام بهذه المهمة، أخفقت في تحقيق نجاحات في الفترة الأولى التي كانت فيها أجهزة الدولة توفر كمية جيدة من المعلومات، والمواطنون متحدون خلف النظام الحاكم ويقومون بالرد نيابة عنه وعدم تصديق ما يتردد حوله.

زاد القلق مع الندرة الرسمية في توفير مصادر المعلومات، وتضييق هامش الحركة والحرية أمام وسائل الإعلام، وتأثرت شريحة كبيرة من المواطنين بالأزمات الاقتصادية للدرجة التي وصل فيها البعض إلى ترديد الشائعة وهم يعلمون أنها كاذبة، فقد حولوها إلى وسيلة للسخرية للتعبير عن آلامهم الحياتية.


◙ الشائعات لم تتوقف وبدأت تمثل منغصا كبيرا للقاهرة، لأن المعلومات التي طالب الرئيس بتوفيرها لم يستجب لها المسؤولون

يرتبط صعود الشائعات وهبوطها بالعلاقة بين النظام الحاكم والمواطنين، وفي كل الأنظمة المصرية التي مرت على البلاد في العقود الماضية لم تتوقف الأكاذيب، غير أن السخونة التي تبدو عليها الآن نابعة من متغيرين يكملان بعضهما البعض، بما يؤدي في النهاية إلى حالة غريبة من الارتباك تعيشها الدولة ونخبتها وقيادتها وشعبها.

الأول الدور الخطير الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي وتحولها إلى منبر تستقي منه فئات كبيرة المعلومات منها وهي عاجزة عن فرزها، فتراجع تأثير وسائل الإعلام أسهم في الهروب إلى المنصات التي حوّلت أصحابها إلى أشبه بصحافيين يقومون بنقل خواطرهم وتقديراتهم ورؤاهم كأنها حقيقية، لأن جزءا منها يقدم بدرجة عالية من الجاذبية والحرفية.

والثاني، وقوف جماعة الإخوان التي تعرف خبايا المجتمع المصري، فقد كانت الشائعات في الماضي تأتي من دول معادية، أو من أفراد وقوى سياسية معروفة ومحدودة وتسهل ملاحقتها، ولا تملك من وسائل نشرها الكثير، فكان التأثير ينحصر في نطاق ضيق، وإذا تجاوزه لا يصل إلى مستوى الكثافة التي عليها الآن بكل ما تنطوي عليه من انتشار ومردودات مباشرة.

راج العنصر الأول مع التقدم الحاصل في وسائل التواصل، وكثّف من يقفون خلف العنصر الثاني من أنشطتهم، وسط فراغ معلوماتي فاضح، وفضاء سياسي على استعداد لتلقف الشائعة، وأدى كل ذلك إلى نتيجة تعاني فيها أجهزة الدولة من عجز عن التصدي للشائعات، وهي الحقيقة العارية التي يقود الاعتراف بها إلى علاج الخلل.

على كثرة أوجه الخلل، إلا أن وضع روشتة علاج لها أمر ليس صعبا، ولا يحتاج المعاناة الناجمة عن انتعاش سوق الشائعات، وتظل نقطة البدء توافر المعلومات، والتي يؤدي الالتفاف حولها إلى تخبط، يحوّل الولادة الطبيعية إلى قيصرية مصحوبة بمعاناة.

تواجه القاهرة حالة شبيهة بذلك، لأن استسهال الحلول والتقليل من أهمية الشائعة سوف تترتب عنه نتائج كارثية تضيع معها جهود دولة تحاول عبور فيض الأزمات الاقتصادية بشتى الطرق، ويفضي تصاعدها إلى ارتفاع القابلية لتصديق الشائعة التي تحوّلت إلى ما يمكن وصفه بالمرادف التلقائي للأزمة.

أول ما يثير الانتباه في مسألة الضخامة اللافتة لانتشار الشائعات البحث عن علاج للأزمات، ولأنها باتت هيكلية سوف تصطحب معها كل العيوب التي تحملها الأخرى.

◙ إذا كانت مصر تواجه القلق والتحديات معا فالخوف من التأثيرات يصبح كبيرا، فمنع الشائعات وبترها من جذورها ثبت عدم جدواهما

يصبّ ذلك في حرص الجهة أو الجهات المعنية بنشرها على الانتقال من خفض معنويات الشعب إلى التكسير في الأركان الأساسية للنظام الحاكم، مرورا بالتقليل من حجم الإنجازات على الأرض التي يمكن أن تتحول من ميزة إلى عيب بعد أن بدأ الحديث عن أولويات الدولة ينتقل من مناقشات النخبة إلى منتديات الشوارع والمقاهي.

ازدهرت جلسات النميمة التقليدية في مصر، وأخذت وسائل التواصل الاجتماعي تصدح بأعلى صوتها مؤخرا عند الحديث عن التشكيك في الجدوى الاجتماعية والاقتصادية للمشروعات القومية، على الرغم من أهميتها وقدرة البرامج التي دشنت على تخفيف معاناة شريحة من المواطنين.

ومع ضعف الردود على ما يتردد حولها وعدم القدرة على تكذيبها وتفنيدها بأدوات علمية، نالت الشائعات حظا من التغلغل في نسيج مجتمع كانت أغلبيته مرصوصة خلف الدولة وأجهزتها الرسمية.

ضخ المعلومات الصحيحة هو الطريق الوحيد الذي يستطيع شل سلاح الشائعات، لأن القفز عليها يمنح مروّجيها مزايا تمكّنهم من تحقيق أهدافهم، وهي معادلة ليست هينة وتحتاج إلى تصويب في الآلية والجهة التي تحتكر عملية الحصول منها على المعلومات.

ومهما فرضت الطبيعة السرية عدم التفريط فيما تملكه من مصادر حية، وسواء أكانت الآلية أو الجهة عسكرية أو شرطة أو حتى مدنية، فهناك أسئلة لن تتم الإجابة عليها بطريقة علمية وشاملة، لأنه لا يفلّ الشائعات ويهزمها سوى المعلومات.