المحرر موضوع: حرب التصريحات النارية بين بايدن وترامب  (زيارة 529 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31641
    • مشاهدة الملف الشخصي
حرب التصريحات النارية بين بايدن وترامب
ماريا معلوف
هناك عددٌ من العوامل التي أدت إلى وجود حملة شرسة بين الإدارة الأميركية الديمقراطية ويُمثلها الرئيس الحالي بايدن من ناحية، والجمهوريين ويُمثلهم الرئيس السابق دونالد ترامب.

ويأتي اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، على رأس تلك الأسباب؛ فبينما يُحاول الديمقراطيون الحفاظ على سيطرتهم على مجلسي الكونغرس؛ فإن الجمهوريين يُحاولون استعادة السيطرة على الكونغرس أو أحد مجلسيه. بالإضافة إلى ذلك، حقَّق المرشحون الجمهوريون المدعومون من الرئيس السابق ترامب نجاحات ملحوظة في الانتخابات التمهيدية، مما يشير إلى قوته السياسية، كما أن إدارة بايدن حققت بعض النجاحات التشريعية في الفترة الأخيرة، محاولة استعادة شعبيتها التي تراجعت بصورة كبيرة على مدى الأشهر الماضية، بسبب ارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة وارتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية.

في هجوم مباشر وغير مسبوق، اتهم الرئيس بايدن سلفه ترامب وأنصاره من حركة ماغا MAGA، بتهديد أسس الديمقراطية الأميركية، وإعادة الولايات المتحدة إلى الوراء، ونشر أشكال التطرف التي تهدد الجمهورية الأميركية، مضيفاً أن ترامب وأنصاره من الجمهوريين المتشددين لا يحترمون الدستور، ولا يؤمنون بسيادة القانون، ولا يعترفون بإرادة الشعب. وفي خطابه الساعي لتحفيز الناخبين الديمقراطيين وإقناع المترددين منهم قبل موعد انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، أكد أنهم ليسوا عاجزين عن مواجهة الهجوم المستمر على الديمقراطية. وأكد بايدن أن على الديمقراطيين إنقاذ البلاد من "شبه الفاشية" التي يتبعها أنصار ترامب، ومواصلة السيطرة على الكونغرس في انتخابات منتصف الولاية التي ستُجرى في نوفمبر، مُطالباً الشعب الأميركي بنبذ العنف والاتحاد وراء هدف واحد هو الدفاع عن الديمقراطية الأميركية، بغض النظر عن أي أيديولوجيات. كما انتقد دور ترامب في إضعاف مكانة أميركا العالمية، واصطدامه بالرئيس الصيني شي جينبينغ. بالإضافة إلى ذلك، روَّج بايدن لتورط ترامب في العديد من التحقيقات القانونية حول محاولات محتملة للتأثير على الانتخابات أو حتى قضايا احتيال مالي.

كان أول ظهور علني لترامب منذ عملية التفتيش التي أجراها مكتب التحقيقات الفدرالي في مقر إقامته بمارالاغو بولاية فلوريدا في مطلع أغسطس الماضي، من خلال تجمع انتخابي في ولاية بنسلفانيا تمهيداً لانتخابات التجديد النصفي في الكونغرس. وخلال هذا التجمع، ردَّ ترامب على الخطاب الناري لبايدن، مشيراً إلى أن الرئيس الأميركي هو "عدو الدولة"، وأن خطابه الأخير هو الأكثر شراسة وبغضاً وانقساماً الذي يلقيه رئيس أميركي، لافتاً إلى أن هذا الخطاب يدعو للكراهية.

وندَّد ترامب أمام مؤيديه بعملية التفتيش التي أجراها مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في مقر إقامته، معتبراً أن هذا التحقيق يُشكل المثال الصارخ على التهديدات الحقيقية التي تؤثر في حرية الأميركيين، وفي تنديده بالتضخم وزيادة انعدام الأمن، أراد ترامب، الذي تتزايد احتمالات ترشحه، أن يعطي محصلة لعهد بايدن هي الأكثر سلبية، في خطاب اتخذ -في بعض الأحيان- لهجة الحملة الرئاسية.

ونشر ترامب تدوينة ليرد فيها على خطاب بايدن، والذي اتهمه فيها بالجنون والخرف وعرقلة جهود "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، مشيراً إلى أن خطاب بايدن الغاضب وأفكاره وأفعاله تؤكد على ذلك.

بالطبع، ستؤدي حالة الانقسام المستمرة منذ أعوام والخطابات النارية الأخيرة من كلا الجانبين الديمقراطي والجمهوري، والتي بدأها الرئيس الحالي بايدن، إلى عواقب وخيمة، وربما تأتي بنتائج معاكسة لصالح الطرف المنافس. فعلى سبيل المثال، قبل انتخابات 2016، قدَّمت المرشحة الديمقراطية -آنذاك- هيلاري كلينتون هدية انتخابية كبيرة لمنافسها ترامب، بوصفها أنصار خصمها من الحزب الجمهوري بأنهم "مجموعة من البائسين"، وأنهم "عنصريون، ومنحازون ضد المرأة وضد المثليين ويكرهون الأجانب والإسلام، وغير ذلك". وعلى غرار كلينتون كرَّر الرئيس بايدن الخطأ ذاته، واصفاً مؤيدي ترامب بأنهم يُشكلون تهديداً للبلاد، كما وصفهم بـ"الفاشيين المتعصبين". ولم ينتبه بايدن إلى أنه على الرغم من خسارة ترامب انتخابات 2020 لكنه حصل على أصوات أكثر من 70 مليون أميركي، الكثير منهم جمهوريون تقليديون ومحافظون.

يمكن أن يستفيد ترامب من اقتحام مكتب التحقيقات الفيدرالي لمنزله بعد تصدره الأخبار من خلال تقديم نظرية مؤامرة جديدة إلى قاعدته، وهو ما ينتشر بالفعل على وسائل التواصل الاجتماعي اليمينية المليئة بدعوات إلى حمل السلاح وإلى حرب أهلية. وهذا -بدوره- سيسمح له بتصوير نفسه مرة أخرى على أنه ضحية.

تجدر الإشارة هنا إلى استطلاع الرأي الذي أجرته مجموعة ترافالغار في الفترة (2-5) سبتمبر، والذي كشف أن 56.8% من الأميركيين يعتقدون أن خطاب الرئيس بايدن، الذي ألقاه في الأول من سبتمبر في فيلادلفيا، كان "تصعيداً خطيراً" للخطاب السياسي، ويهدف إلى "التحريض على الصراع" في الولايات المتحدة.

نتيجة لحالة الانقسام السياسي القائمة، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في أوائل العام الماضي، أن 62% من الناخبين يعتقدون أن الحزبين الرئيسيين لا يقومان بدورهما على النحو المطلوب، لدرجة أن هناك حاجة إلى حزب بديل. وبالفعل، أدت حالة الانقسام المستمرة بينهما إلى إعلان 3 مجموعات منفصلة عن الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين عن تشكيل حزب سياسي جديد، يُسمى "إلى الأمام" Forward، في أواخر يوليو الماضي، والذي يستقطب "الناخبين القلقين والمستائين" من الخلل الوظيفي الذي يُعاني منه "نظام الحزبين الأميركي".

وعرَّف الحزب نفسه بأنه "حزب وسطي" بين يسار الحزب الديمقراطي ويمين الحزب الجمهوري، يهدف لإنشاء حزب من نوع جديد يُمثل مصالح غالبية الأميركيين الرافضين للانقسام والتطرف السياسي. وبالتأكيد، فإن وجود حزب ثالث هو علامة فارقة في الحياة السياسية الأميركية، رغم أنه ليس الأول من نوعه في التاريخ السياسي الأميركي، حيث سبقته محاولات عديدة لم تحقق الكثير من النجاح.

وأخيراً، يتضح ممَّا سبق أن المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة يزداد تعقيداً كلما اقترب موعد انتخابات التجديد النصفي، خاصة في ظل حالة الانقسام والاستقطاب الحاد بين الجمهوريين والديمقراطيين، الذي وصل إلى ذروته من خلال التصعيد المستمر بين بايدن وترامب. وربما يدفع الاطلاع على الحملات الشرسة القائمة وتبادل الاتهامات والتصريحات النارية إلى القول بأن الانتخابات المقبلة ستكون معركة حاسمة للشعب الأميركي يتقرر فيها مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة، وقد تكون قادرة على تغيير النظام الانتخابي والحياة السياسية ككل، وربما تدفع إلى المزيد من الاستقطاب داخل المجتمع الأميركي، لأن التطرف السياسي مستمر في تمزيق الأمة إلى أجزاء، في ظل فشل الحزبين الرئيسيين في معالجة الأزمة.