المحرر موضوع: مهزلة الانتخابات والديمقراطية والثورة  (زيارة 561 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31627
    • مشاهدة الملف الشخصي
مهزلة الانتخابات والديمقراطية والثورة
في بلد فيه زعيم متلعثم ينصاع له مئات الألوف ورئيس لا يُتقن لغته في الخطاب ويقرأ ما يُملى عليه، وآخر ينهي ما يزعم ثورة الشارع بدقائق معدودة، هذه هي عمق مهزلة الثورة.
MEO

الملايين من خلف زعيم لا نفهم بالضبط ماذا يريد أو يقول
ربما لم ولن تجد نموذجاً سياسياً يضاهي ما هو قائم في العراق بأي بلد آخر حتى في الأزمنة الماضية من حيث التعقيد والتشابك في الأجندات والتضليل المثير للسخرية.

كل طرف، بل وكل نائب يدافع عن الشعب وعن حقوق المواطنين من خلال استهلاك شعارات جوفاء تستخدمها وتتلفعُ بها القوى السياسية لإمتصاص غضب الشارع المقسم أصلا على غرار تقسيمات الأحزاب السياسية والطائفية.

العراق بلد الحضارات والأمم المتقدمة كان في صدارة الدول الغنية واليوم صار مرتعا للشحاذين والفاسدين والمفسدين والمتشبثين بالسلطة، بل وأصبح مهزلة وألعوبة ومتجرا فاقدا لسيادته وهيبته في ظل ثلة من السياسيين الإنتهازيين.

إعلان العراق دولة منكوبة.. بعد سنة من الإنتخابات

في هذه الظروف التي يمر بها العراق بأزماته المتتالية من الاعتداءات العسكرية المتمثلة بالغارات والضربات الجوية والصاروخية من الدول المجاورة على أراضيه ناهيك عن إستفحال الفساد وعمليات الإغتيالات ونهب الثروات وأموال الشعب، تقع المسؤولية الكبيرة على عاتق الممثلين الدوليين لنقل الصورة بزواياها المختلفة إلى المجتمع الدولي للبت فيها، وقد حان الوقت لفرض الوصايا الدولية على العراق للاطاحة بالأطراف الغارقة في الفساد والنظام الحالي وآن الأوان لإصدار مذكرات قبض بحق المسؤولين المخذولين وملاحقتهم دوليا لتجميد أرصدتهم في البنوك والمصارف الأوروبية، وتفكيك حسابات اللصوص والسارقين الذين ينهبون مليارات الدولارات أمام أنظار العالم، والوثائق تُعلن إعلاميا لتتبخر لاحقا.

حقوق الإنسان والمواطنة باتت أكذوبة بجميع صيغها السياسية والإعلامية والقانونية، بل أن الأكذوبة والنفاق أصبحا أقوى سلاح بيد الأطراف السياسية وممثليها لمحاربة الشارع وحقوق المواطنين.

كل يدعو، بل ويشدد على تغليب المصلحة الوطنية والعليا على المصالح الحزبية والطائفية! أين الوطن؟ وأين الشعب أصلا؟

هنا كل شيء مباح حملات الإعتقالات والإغتيالات وقمع الإحتجاجات وسلب حقوق المواطنين والأزمات تتوالى وتزداد تفاقما يوما بعد آخر لاسيما في ظل صمت المجتمع الدولي الذي يكتفي بإصدار بيانات الإدانة والإستنكار لما تؤول إليه الأوضاع المزرية.

الممثليات والسفارات الدولية في العراق توجه دعوات بين الفينة والأخرى إلى الأطراف والقوى السياسية الفاعلة لحل المشكلات القائمة ثم تختار الصمت، ثم تدعو ثم تصمت لأن وراء الصمت مليارات الدولارات.

هذا هو حال العراق، ربما لم تجد يوما أن عجلة التأريخ تُدفع إلى الوراء إلا في العراق المبلل المغتصب من قبل سياسييه وزعماءه الذين يستترون وجوهم الشاحبة وراء الخطابات الطائفية والقومية والديمقراطية الهزيلة.

في بلد هناك زعيم متلعثم ينصاع له مئات الألوف ورئيس لا يُتقن لغته في الخطاب ويقرأ ما يُملى عليه، وآخر ينهي ما يزعم ثورة الشارع بدقائق معدودة هذه هي عمق مهزلة الثورة.

ثمة مهزلة أخرى وهي أن الأحزاب ذات التوجهات اليسارية والعلمانية تستنجد بالمفردات الدينية والشرائع السماوية لإنقاذ موقفها كما أن التيارات الدينية والطائفية تلجأ إلى مفردات شيطانية لتنجو بنفسها.

المشكلة الاساسية ليست وليدة السنة، ثمة فترة أطول وهي تمتد لنحو عشرين سنة حيث هؤلاء وصلوا إلى سدة الحكم من على أكتاف الجيوش الغازية المحتلة.

بعد مرور سنة تُصدر القوى السياسية والأحزاب بيانات وبلاغات وتدعو بعضها البعض للركون إلى لغة الحوار والتفاهم لحل المشكلات والخلافات الكارتونية، الدعوات والمناشدات والمطالبات تحت عناوين مختلفة لعلَّ أبرزها الحفاظ على البلد والمسيرة الديمقراطية والإنتخابات وهي الأخرى تثقل كاهل المواطنين والعملية السياسية برمتها.

فشل الثورات في العراق

التظاهرات الشعبية في العراق إنما تأتي لترويض الشارع والسيطرة على غضب المحتجين وأنها عادة تعزز مكانة الفاسدين والمفسدين والمنظومة الفاسدة كليّا على خلاف العرف السائد، لجملة من الاسباب، أبرزها الإفتقار إلى موقف وشعار ثوري موحد لأن التظاهرات التي تتواصل بشكل متقطع منذ عام 2011 إبان ما يعرف بالربيع العربي ليس لها خط ثوري بمعنى أن الثورة تحتاج إلى توحيد جموع المتظاهرين تحت مظلة هموم وطنية دون رفع شعارات ذات الطابع الطائفي في أرجاء البلاد وإتفاق منسقي التظاهرات على شعار واحد لمواجهة ومقارعة نظام إداري وسياسي بعينه، مثلما حصل في تونس ومصر وبعض الدول العربية، ورغم خروج التظاهرات والإحتجاجات الشعبية الواسعة فإن الثورة التي بدأت في المناطق في العراق لم تجن ثمارها بل أدت إلى تقوية مكانة القوى السياسية وزعماءها البالونية المطاطية كما أفسحت المجال أكثر وأكثر أمام تعزيز وتمتين الفساد وعجلة السرقة وتوطينها، بمعنى أن الفساد صار ضانة للعملية السياسية، كما أن العراق يعاني من أزمات طائفية تفتح الأبواب مشرعة أمام تدخلات خارجية لإخماد الثورات وإجهاضها.

الأطراف السياسية الرئيسة تركض موجة إحتجاجات منتسبة إلى بعضها البعض وكل جهة تفرض في مفاوضاتها مع الجهة المقابلة منطق الشارع بالشارع والسلاح بالسلاح وبالنهاية المنصب بالمنصب.

الأطراف الشيعية منقسمة لكنها وراء الإنقسام تدعم بعضها البعض والصورة تتكر في الأطراف التي تمثل السنة وكذلك بالنسبة للأطراف الكردية كل حزب بما لديهم فرحون، بعد جولة طويلة من الخلافات والمعضلات المصتنعة التي تستمر لأكثر من سنة وجولة أخرى من المناوشات والصراعات المسلحة تجد فجأة زعماء الأطراف السياسية يجتمعون على طاولة المقاهي الحكومية ليتبادلوا الإبتسامات بوجه بعضهم البعض على الشاشات والسوشيال ميديا وكأن شيئا لم يحصل وكأن البلد لم يغرق في ملفات الفساد وأزمات الجفاف والتصحر وتغير البيئة والضائقة والغلاء المعيشي وكأنهم ليسوا في العراق بل في إحدى الدول الأوروبية.

الساسة الذين يحكمون العراق باتوا منبوذين إلى قصى الحدود من الشارع والشاشات حتى على مستوى المحافل الدولية والإقليمية إذ أنهم فقدوا هيبتهم وسيادة بلدهم بسبب تورطهم بقضايا إختلاس الأموال والفساد المستشري والضلوع في الجرائم الإرهابية وقتل المواطنين العزل، لن تجد يوما ما تشهده في العراق، لعلّ آخرها شراء طائرات مسيَّرة عاطلة بقيمة مائة مليون دولار.

تمر سنة ولم نسمع خبرا عن إنتحار سياسي أو قيادي وكأنهم ليسوا مسؤولين عن الدمار والخراب والأزمات التي تعصف بالبلد، وأن أصوات المواطنين ذهبت سدى علما أن الإنتخابات الأخيرة تفتقر إلى الشرعية إذ أن منظمات وصحفا دولية نشرت أرقاما تخجل زعماء ورؤساء الأطراف والقوى السياسية حيث سجلَّت الإنتخابات أدى نسبة المشاركة للمقترعين فيها إنما يدل على إنعدام ثقة الناخبين بالطبقة السياسية الحاكمة وشاشاتها الإعلامية المتعجرفة التي تروج لسياساتها المضللة، وصارت الأغلبية صامتة.