المحرر موضوع: عبداللطيف رشيد رئيس جمهورية جديد يمشي بصعوبة على سجادة التوازنات  (زيارة 730 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31678
    • مشاهدة الملف الشخصي
عبداللطيف رشيد رئيس جمهورية جديد يمشي بصعوبة على سجادة التوازنات
خبير ري عراقي في مواجهة جفاف السياسة والتربة.
العرب

صمام أمان التوازنات
بغداد - حتى وقت قريب كانت السليمانية تشهد مظاهرات حاشدة ليس فقط للاحتجاج على هيمنة أربيل والحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني على الاقتصاد والقرار السياسي في شمال العراق الذي بات يعرف باسم “إقليم كردستان”، بل أيضا للمطالبة بالانفصال عن هذا الإقليم، والتحوّل إلى “إقليم مستقل” مرتبط مباشرة بالحكومة الاتحادية في بغداد. وقد شرع الطالبانيون بالفعل في تنفيذ هذا المشروع للضغط على بغداد وأربيل معاً، وتم جمع تواقيع 30 ألف مواطن من المدينة طالبوا بأقلمة السليمانية، مستندين إلى الدستور العراقي الذي يحتم جمع تواقيع ما نسبته 2 في المئة من سكان المدينة لإجراء استفتاء الانفصال رسميا، على أن يحصل المشروع على موافقة ما نسبته “50 في المئة +1” من سكان المحافظة التي تكرّس بهذا النهج المزيد من الانفصال عن الإقليم، لكننا اليوم نرى أحد أبنائها في منصب رئيس جمهورية العراق.

وفيما لا يزال سكان كردستان العراق بشقيه يدفعون ثمن الإقدام على خطوة الاستفتاء الذي أجري في العام 2017 للانفصال التام، يعاني مواطنو السليمانية بدورهم من أوضاع اقتصادية صعبة، في بلد نفطي غني تتحكم فيه المحاصصة والتدخلات الإقليمية والدولية ولعبة الولاءات.

الرئيس عبداللطيف رشيد قادم من عمق هذه التناقضات ومفاعيلها، وهو حين يعبّر عن إصراره على السعي لإقامة علاقات متوازنة بين بغداد ودول الجوار يبدو كمن يبيع الوهم لمواطنيه، فالعالم كله يعرف درجة تغلغل المشروع الإيراني في العراق وأحزابه ومؤسساته.

رئيس التفاهمات
الرئيس رشيد لم يصل إلى كرسي الرئاسة إلا بعد احتدام الأزمة السياسية في البلاد، ووصولها إلى حافة الاصطدام والاقتتال الداخلي

قال رشيد في كلمة متلفزة من قصر السلام في بغداد بمناسبة تسلمه مهامه من سلفه الرئيس برهم صالح إنه سيعلن برنامج عمله لرئاسة الجمهورية قريبا، متعهدا ببذل قصارى جهده للتقريب بين القوى السياسية ورعاية حواراتها، مضيفا أنه سيعمل أيضا على حماية الدستور والمساهمة في حل المشاكل بين إقليم كردستان والحكومة المركزية.

ولم يصل الرئيس رشيد إلى كرسي الرئاسة إلا بعد احتدام الأزمة السياسية في البلاد، ووصولها إلى حافة الاصطدام والاقتتال الداخلي بين  التيار الصدري الذي يقوده مقتدى الصدر والإطار التنسيقي الذي يضم ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي وتحالف الفتح وفصائل أخرى موالية لإيران. وتسبب ذلك في مقتل 30 عراقياً في أغسطس الماضي، سقطوا في اشتباكات وسط بغداد، منذرا بعودة العنف مجددا.

لكن التفاهمات الدولية فرضت على الفرقاء إرادتها، وكانت أولى علاماتها انتخاب رشيد رئيساً للجمهورية، رئيساً للتوازنات أكثر من كونه ممثلاً لتوجه عام.

وأمام رشيد البالغ من العمر 78 عاماً فترة رئاسية واحدة لترك أثر يذكره به التاريخ، وباعتباره منتجاً من منتجات التوازنات بوسعه أن يبقى صمام أمان لها، مع الصلاحيات المحدودة التي يتمتع بها رئيس الجمهورية وفقاً للدستور الحالي.

تكنوقراطي أم سياسي

وصول رشيد إلى كرسي الرئاسة قد يُحدث تهدئة "مؤقتة" للنزاع الكردي – الكردي
ليس الرجل جديداً على العملية السياسية في عراق ما بعد الغزو الأميركي في عام 2003، فقد كان أحد أعضاء أول حكومة تم تعيينها بعد إسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وقبل ذلك كان في طليعة جيل المؤسسين في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقياة الرئيس الراحل جلال طالباني، وكان ممثلاً للحزب في لندن خلال تسعينات القرن الماضي، وكانت له أدوار خفيّة ومعلنة في قيادة الحزب وتقديم المشورة لطالباني. والعلاقة بين الرجلين لم تكن سياسية فحسب، فقد وثّقها زواج رشيد من شاناز إبراهيم أحمد عضو الهيئة العامة في المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، وشقيقة زوجة طالباني.

في العام 1968 قدّمت له الحكومة العراقية منحة لدراسة الهندسة المدنية على حسابها في جامعة ليفربول في بريطانيا، بعدها حصل على درجة الماجستير من جامعة مانشستر بمنحة مقدمة من مؤسسة “كلبنكيان”، ودرجة الدكتوراه من الجامعة ذاتها بمنحة من مؤسسة “روبرت أنكس سميث”.

عمل في جامعة السليمانية منذ نهاية الستينات، ثم مع شركة “سير وليام هالكرو” للاستشارات الهندسية، وهو أيضا ليس بعيداً عن الساحة العربية التي يشير إلى حرصه على إبقائها متوازنة، فقد عمل لسنوات في المملكة العربية السعودية والصومال، في مجال البحوث والأعمال الميدانية ومشاريع الري والتنمية.

قرب طالباني من إيران حتّم على رشيد أن يكون محكوماً بمعادلات الفلك الإيراني
وتولى منصب مدير مشروع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) في جنوب اليمن المُمَول من قبل البنك الدولي وصندوق الكويت في مطلع الثمانينات، قبل أن يتوجه إلى مشروع سد جيزان وتطوير واديها في السعودية مجدداً، وبسبب خبراته تم اعتماده وزيرا للموارد المائية في عراق ما بعد الغزو وبقي في منصبه حتى العام 2010 ليتم ترشيحه بعد ذلك من قبل الحكومة العراقية لشغل منصب أمين عام منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.

وتعود مواقفه السياسية إلى ستينات القرن الماضي حين انخرط في الحركة السياسية الكردية، ومن ثم بدأ نشاطه الطلابي في أوروبا تحت لوائها، وصولاً إلى مشاركته في اجتماعات المعارضة العراقية التي عقدت في الخارج، وعضويته في المجلس التنفيذي لحزب المؤتمر الوطني العراقي الذي أسسه أحمد الجلبي عام 1992، وكان رشيد أحد قيادييه البارزين.

وحتّم قرب طالباني من إيران على رشيد أن يكون في الفلك الإيراني والتيارات السياسية العراقية الموالية له، ولذلك كان يحظى بحصته في حكومة نوري المالكي خلال معظم فترة وجود الأخير في السلطة، فكان واحداً من الذين شاركوا في الصفقات السياسية المبرمة بين الأحزاب والكتل العراقية، وهو يدرك أبعاد التباينات بينها وكذلك حدود وفرص التفاهمات.

أزمة مياه أم أزمة سياسية

نبرة رشيد السابقة حول أزمة المياه في العراق لن تروق لإيران وتركيا اليوم
يلبّي قدوم رشيد إلى منصبه الحالي عدة أهداف سياسية، على رأسها تأكيد هيمنة التيار الموالي لإيران، وهو الذي سارع إلى تكليف محمد شياع السوداني، مرشح تحالف الإطار التنسيقي، بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

فوق ذلك يأتي دور رشيد في تهدئة “مؤقتة” للنزاع الكردي – الكردي الذي صار على وشك الانفجار، وفي آخر القائمة يمكن النظر إلى دوره كخبير في الري ومشاريعه في زمن يعيش فيه العراق أسوأ الظروف التي سبَّبَها المناخ وتقلباته وسوء الإدارة والفساد الذي انعكس على حياة المواطنين.

وعلى الرغم من وجود نهريه الكبيرين دجلة والفرات، يحتل العراق اليوم مرتبة بين أكثر خمس دول عرضة لتأثيرات التغير المناخي. وبسبب ضعف الحكومة المركزية في بغداد، تجاهلت كل من تركيا وإيران مصالح العراق المائية طيلة السنوات الماضية، علاوة على مشاكل الأهوار التي يحيق بها الجفاف، بعد أن كان لرشيد دور في إعادة الحياة إليها حين كان وزيراً للموارد المائية.

المخزون المائي في العراق يسجل انخفاضا بنسبة 60 في المئة، إضافة إلى تراجع نسبة الأمطار خلال السنوات الثلاث الماضية، ما تسبب في انحسار مساحات الأراضي الزراعية

ولدى رشيد تصورات عن حلول لأزمة المياه في العراق، وسبق له أن أعدّ مقترحات للخروج منها، بالاعتماد على البعدين الداخلي والخارجي. فهو يطالب بتشكيل مجلس أعلى للمياه من الخبراء والمتخصصين خارج الأطر البيروقراطية المعتادة في العمل الإداري والحكومي، مهمته وضع سياسات لإدارة ملف المياه، على أن تحظى توجيهات وخطط المجلس بقيمة اعتبارية ومهنية ملزمة للجهات الحكومية التنفيذية.

أما البعد الخارجي فينطوي على تحرك سياسي دبلوماسي لإطلاق حوار إقليمي موسع بهدف التوصل إلى توافقات واتفاقات بين حكومات الدول، وبالأخص تركيا وإيران والعراق وسوريا، لإيقاف الخطوات والمشاريع الأحادية مثلما تفعل تركيا ببناء السدود العملاقة التي تؤثر بشكل كبير على الإمدادات المائية في نهري دجلة والفرات.

ومن أفكار رشيد عقد مؤتمر دولي أو إقليمي للمياه، باعتبار ملف المياه من أبرز عوامل الاستقرار لبلاده وكذلك لبقية دول المنطقة. وحتى تنجح مخرجات مثل هذا المؤتمر يجب أن يتم تشكيل إدارة تشغيلية مشتركة مع دول الجوار، فالمشاريع المائية في تركيا وإيران بدأت منذ عقود وأثرت على كمية المياه ونوعيتها القادمة من دول المنبع إلى دولة المصب؛ العراق.

ويشدّد رشيد كذلك على أن المفاوض العراقي لن يكون قويا إلا إذا ساندته الدولة العراقية كلها، بكل مفاصلها، وأبعدت المؤسسات والقوى السياسية مصالحها وعلاقاتها عن هذا الملف المهم الذي يتعلق بالحياة اليومية للعراقيين كما يؤثر على أمن واستقرار البلاد أكثر بكثير من الإرهاب والحروب.

فكرة رشيد بعقد مؤتمر دولي أو إقليمي للمياه تطمح إلى تشكيل إدارة تشغيلية مشتركة مع دول الجوار

لكن هذا كان قبل وصوله إلى كرسي الرئاسة، وحديثه السابق لن يروق لإيران وتركيا اليوم، أم أن حديث الأمس سيجري طيّه في ظل تراجع منسوب بحيرة دوكان ونهر الزاب، وغالبية مجاري المياه في العراق الذي انخفض مخزونه المائي بنسبة 60 في المئة، إضافة إلى تراجع نسبة الأمطار خلال السنوات الثلاث الماضية، ما تسبب في انحسار مساحات الأراضي الزراعية.

وتقوم إيران ببناء سدود على نهر الزاب، لاسيّما سدّ كولسه الذي تسبب في انخفاض بنسبة 80 في المئة من منسوب النهر. وسبق أن أرسل العراق وفداً إلى إيران لمناقشة الموضوع، لكنّ الإيرانيين لم يكونوا متعاونين، وقالوا إن المياه القادمة من أراضيها تمثل فقط 6 في المئة من مياه العراق، ملقية باللوم على تركيا مع نصيحة للعراقيين بأن يحلوا مشاكلهم معها. إقليم كردستان أيضاً ينوي بناء سدود جديدة لضمان أمنه المائي، دون تنسيق بين أربيل والحكومة الاتحادية في بغداد.

وبرئيس جمهورية مقرّب من إيران، ورئيس حكومة من التيار المرتبط بها عضويّا، قد يكون من الصعب على العراق أن يحقق إنجازاً على مستوى القضايا الحساسة التي تمس معيشة العراقيين ومستقبل بلادهم السياسي والاقتصادي بشكل مباشر.

لكن التوازنات الحالية ليست نهائية على كل حال، ويمكن لها أن تنهار في أي لحظة، حينها سيجد رشيد نفسه في مواجهة إرث من سبقوه من رؤساء الجمهورية الذين مشوا على سجادة حمراء تفرض عليهم الارتباك والخروج الاضطراري عن النسق، سواء أرادوا ذلك أم لم يرغبوا فيه.