قصة بولص كومنايا وسِتّو نرويثا
بولص آدم ..أخطأ بولص الطريق الى قرية درگني لشراء جرة ماء فخارية من تلك التي تشتهر بها. وعرف ذلك فقط بعد ان اطل على قرية اخرى هي نيروا، كانت المرة الأولى التي يقوم فيها برحلات في ذلك الأتجاه، وما جعله يشتط غضباَ، هو صعوبة الطريق التي قطعها، فالگلي العميق الذي يشقه نهير ضيق يصفع ماؤه المتدفق الصخور بقوة، يعني صعود بعد صعود اكثر واكثر ارتفاعا حتى لتضنَّ انه بلانهاية. بشق الأنفس، ستصل الى نهاية گلي سَرگلي وهو عبارة عن نفق جبلي مظلم حتى عند تلك الظهيرة التموزية، ولولا الشق الطولي الذي من خلاله يمكن رؤية السماء، لما رأيت دربك.
وصل بولص الى قرية مجهولة وماهمه في تلك الساعة المنحوسة غير لقائه أول نبع ماء، ليشرب بجفنة كفيه قليلًا منه وربما سيحصل هنا على لقمة وشاي، كان الغريب في ذلك الزمان اينما حل، ضيفاً يُخدَم بما تجود اليد به.. يأخذُ فيها قسط راحة بعد مسير مُهلك ابتدأ عند الفجر. وما اروع مصادفات الحياة احياناً، فالفتاة ستو التي سحرته وامتلأ المكان عند النبع بطيفها الجميل ونظراتها الخجولة الباسمة من قزحيتين خضراوين وشفتين لوزيتين.. تملأُ الجرة وهي تُغني ( دَلي دَلي دَلالي..) قد سلَّمَتهُ اولَ كلمةٍ سريةٍ من كلمات رسائل العشق اللآمرئية، المحسوسة بعنفوان اخاذ، فاستسلم للمصادفة وطوع هيامه الكامل وتزوجا بعد سنين سبع، بعدما طالت ممانعة عائلتيهما، وأخيراً تمت الموافقة المنتظرة بصبر، تحاشياً لوقوع ما يُخجل ويُلحق العار وما يتبعه من مخيف. فالكل صار في قريتي كواني ونيروا يعرف ان رجلاً يذهب الى درگني ويخطئ طريقه عمداً ليلتقي بحبيبته عند النبع.
ظل والده يكرر مراراً ندمهُ حول قصص حكاها لولده عن استخراج الآثاريين في تل كوينجق في نينوى، للجرار الفخارية التي عمرها الآف السنين، كان قد سمعها من معلم في العمادية اثناء شرب الشاي في مقهى.. تلك الحكايات التي اثرت في بولص الفتى الحالم بأن يصبح فخّاراً ماهراً في قرية دريگني التي لاتعطي اسرار الحرفة لأحد ما من خارج أهاليها. ولكنه أخطأ الطريق ليس إلا ان يؤدي به الى المرأة الصح، صورتها طبق الأصل مما كان في خياله، وهكذا استمر في الفلاحة بدل عجن صلصال الجرار والأوعية الفخارية، وقضى نهاراته الطويلة بسقي الأشجار وتحويل السواقي نحو اراضي الرٌّز وبساتين الكروم والجوز والرُّمان. وكان يخافُ على سِتّو اكثر من خوف أبٍ على أبنته، مُلبيا كُلّ طلباتها فوراً، يحرصُ عليها من الأذى. كيف لا ولحظة وداع اهليها عند بدء زفها وهي تمتطي حماراً أبيض، قال والدها له بوجه واجم:
-يابولص، لو حصل لأبنتي مكروه فسأربطك محل البغل لتسحب الجرجر في البيدر!
كان آخر طلباتها صعباً ومُكلفاً.. توجه الى مدينة الموصل للمرة الأولى، ليشتري ماطلبته منه وعاد بمذياع ابو اربع بطاريات كبيرة ولم تكتفي بذلك، بل امرتهُ ان يتجه الى العمادية ليُركبوا له اذنين معدنيتين على الطرفين يربطهما حزام جلدي للتعليق، وهكذا أصبحت تسمع المذياع وهي تتجول في طرقات القرية واثناء الحصاد وحتى عند حلب البقرة، اجمل الأغاني وبكل اللغات.. يتجمع حولها في ساحة الكنيسة القديمة مجموعة مقالب شبابية تُجيد السخرية البريئة وصناعة الضحكة وهي تُسمي بنبرة واثقة بدل أٌم كلثوم كلثومتا وبدل الثورة الكردية، تَورا د قورذايي وهكذا..
بعد حرب الشمال بسنة، تم شق طريق ترابي للمرة الأولى يبدأ من العمادية يمر محدودبا من شمال قرية كوماني ، مما سهل عليها الوصول الى سوق العمادية، كانت تقف على حافة الطريق وتتحمل هبات الغبار التي تثورها عجلات الشاحنات اللوريات القلابات المتوجهة الى كلي بالندا رواحاً وعودة، تنتظر ستو من يرأف بحالها ويتوقف فتركض لتصعد .. ستأخذ لنفسها قسطاً باذخاً من لمس وتقليب الأقمشة الجميلة زاهية الألوان لدى البزازين، وهي احلى لحظاتها في سوق العمادية..
لكن جوقة الشباب اصحاب المقالب، لم يسلم منهم أحد في قرية كوماني، توجهوا الى دار العم بولص وطرقوه بقبضاتٍ قوية.
لم يفتح الباب بل ردَّ عليهم بأعلى صوته:
-ماهذا، من هُناك؟
- ياعمّنا، حلّت علينا وعليك الكارثة، انقلبت الشاحنة على ستو وتسطح جسدها مثل قرصة خبز تحتها!
رَدَّ عليهم بصوت أعلى:
- اذا كان الأمر كذلك، مدّوا تلك الخُبزَة لي من تحت الباب!