المحرر موضوع: شجرة جميلة وقد تناثرت أوراقها  (زيارة 460 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل صباح پلندر

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 126
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

شجرة جميلة وقد تناثرت أوراقها

ذات يوم من ايام الخريف الجميلة كنت جالسا تحت تلك الشجرة التي أحببتها طالما كنت أجلس تحت ظلها الوارف وأنا أتخيل عظمة وجودهابأغصانها الباسقة وعظمة خالقها وفجأة أحسست بهبوب رياح قوية تلوي أفرعها لتأخذ معها أوراقها الخضراء وقد جردتها من منبتأغصانها التي عانت هي الأخرى من عذاب العاصفة الهوجاء وقد تكسر البعض منها...، وعلى غفلة مني وأنا بين حالتي الإنسان اليقضانوالنائم أخذتني أفكاري إلى عالم آخر وكاني في حلم ، حيث وجدت نفسي وأنا أسير بين الأزقة القديمة لبلدتي العزيزة عنكاوا وأنا أقراهموم الأهل والأحبة على جدران بيوتها الطينية وقد رحل عنها منذ أمد بعيد ساكنيها وبقيت أطلال تحكي عن ماض من الزمن الجميل وأناأتخيل كيف كانت تعشعش العصافير والسنونو وحتى الطيور المهاجرة في سقوفها وبين شقوق جدرانها لتحفظ نفسها وفراخها من حرارةالصيف اللاهب وبرودة الشتاء القارص ومن الصياد الغادر بأدوات صيده المختلفة وبين تلك الأخاديد كنت أقرا قصص مكتوبة في بقاياالغبار المتكدس عليها وتلك كانت ذكريات عظماء سكان بلدتي بوجوههم المشعة نورا وحكمة لنرى نحن اللاحقون دروب سيرنا ، ولكن للأسفلم نستطع أن نكمل المسيرة بما تركه السلف الصالح بسبب ما ألم بنا من مآسي وقد جزئتنا المواقف إلى فئات عدة كل حسب مصالحهالفئوية الضيقة وهذا كان كفيل بالأعداء أن يجعلوا الفرق كبيرا بين الماضي الجميل والحاضر الأليم الملئ بأشخاص ذات مصالح فرديةيهتفون باسم الغريب ويصفقون له وهم  هاملين لأبناء بلدتهم بهدف الحصول على مكاسب آنية واستفادة مؤقته محاولين تعويض تاريخهمالمجيد بحاضر أليم مع سياسيين غريبي الأفكار والأطوار بعد أن كانوا أقوياء بوحدتهم مع البعض وأشداء على المعتدي قانعين بعيشةبسيطة مؤمنين بمبدأ التسامح حتى مع الغريب...
لا زلت مع حلمي الجميل وأنا أعبر من أمام الكنيسة القديمة ( كنيسة مار كوركيس) وقد خرج من بابها الواسع رجالا ونساء واكثرهم قد عبرالخمسين من عمره وللحال أخذني الحزن وملىء قلبي حسرة ومرارة وأنا أفكر بشبابنا/ شاباتنا الأذكياء وأغلبهم حاملين شهادات جامعيةبمسميات واختصاصات مختلفة كأجدادهم الذين كانوا مبعث فخر واعتزاز دون مراعاة لأحاسيسهم الوردية ودون أن نكون لهم عونا فيتحقيق احلامهم في الوظيفة والزواج والسكن اللائق ليتركوا البلدة التي ولدوا وترعرع في أحضانها الى ديار الغربة ...أما عن نساء بلدتيوجمالهن الخلاب كجمال ريش الطاووس لهن من الذكاء المتقد الكثير وهو مليئ بالعاطفة يحملن معه قصصا تحاكي قصص ألف ليلة وليلةوتقرأ في كل منها قصة عن دار مهجورة كان يتواجد بها بطلا يحارب أعداء الحرية ، وفي إحدى قصصهن الجميلة كيف كان لأحدهمأصدقاء يثق بهم كثقته لنفسه وقد خانوه وقدموه هدية على طبق من الياقوت للعدو وأمام تلك الكنيسة ذرفت لجميعهم دموعي وقلت لنفسيكيف بنا أن نقبل ما يجري على أبناء بلدتنا من ظلم وتغيير غير مقبول والكل ساكت ، فرفعت يداي الى الله مبتهلا أن يحمي بلدتي وأن ينقذما يمكن انقاذه من براثن الغادرين...لم أتمالك نفسي على ما أراه في بلدتي الكريمة إلا وأنا اخذا بيد أحفادي الصغار صاعدين تل قصرافوجدنا حفرة هنا وأخرى هناك وفي إحداها بقايا لعظام متروكة لا يهتم بها أحدا، وهنا سألني أحد الأحفاد ما هذا مشيرا الى الحفر ،أجبته : منذ زمن ليس ببعيد كانت قمة التلة المسطحة مقبرة لأجدادنا واليوم المعنيون بالآثار وبحجة منع التنقيب تركت مهملة وحتى سياجهابدء يتاكل في أطرافها ليبدأ التخريب المتعمد وليرمى ضعاف النفوس أوساخهم من وراء السياج، يا لها من تلة مسكينة ومتواضعة ومع هذاالاهمال المتعمد أصبح كل شيء من دون طعم أو فائدة...بقيت مع حلمي الجميل متوجها نحو الشرق من بلدتي حيث كانت تتواجد الىستينات القرن الماضي عين جميلة  كانت تعيش فيها أسماك صغيرة تدعى باسم بلدتي كهريز أو كاريز عنكاوا ، تلك العين كانت تعطي حياةهانئة وهادئة الى أهل مدينتي وهم فلاحون بسطاء يزرعون أراضيهم المعطاء كما كانوا يربون الحيوانات والمواشي وعند فترة الاستراحةكانوا يأخذون مواشيهم ليشربوا من مجرى ماء العين الذي كان يمر عبر متعرجات داخل بلدتي، كما جرت العادة في صباح كل يوم أنيخرجوا أهالينا وخصوصا النساء منهم حاملين براميل صغيرة ( يدعى بالعامية ودرا) أو أجران من الفخار على أكتافهن أو كانت تحمل فوقظهور الدواب لينقلوا الماء الصافي إلى منازلهم للاستعمال اليومي في الطبخ أو تحضير استكان شاي والباقي لغسل الملابس ورش ارضيةالمنزل بغية كنسها لتظل نظيفة، للأسف تلاشت رويدا رويدا ويبست العين التي كانت مؤلفة من عدة آبار احداها تغذي الاخرى الى مخرجهاالرئيس ...وفي طريق عودتي استوقفني عابر سبيل وقال لي من أنت وإلى أين تسير ؟ أجبته بكل فخر بأني حفيد من قاد أجدادي نحوالمجد،  أنا إبن هذه التربة التي شيد عليها أسلافي تجمع سكني كبير يكنى بمجتمع محب للخير ومأوى للغريب وعطوف على القريب ، أناأخ لكل شهداء أمتي (دون تمييز في اللون) وأعتز بشهادتهم وإن كان لي بينهم أخ جسور وشهم أذاق الدكتاتورية الامرين إنه الشهيدسوران ووالده الشهيد بولص وأمه الشهيدة نركز ومعهم أخواتي الاربعة وزوجة أخي الشهيد وإبنته التي لم تتجاوز الأربعون يوما من عمرهاوصعدوا المشنقة مرفوعي الرأس واحدا تلو الآخر ... تعجب من كلامي وسألني أين يقيم تمثال أحبتكم من الشهداء ، أجبت بمرارة وألموحسرة اسأل الامبراطورية الكوردية كيف وضعت الحواجز وفرقت بين الشهداء ...فقال متأسفا كنت قد سمعت بل شاهدت يوما صورةشهيدكم سوران كانت تتصدر مدخل مدينتكم عنكاوا فماذا حل بها ؟ قلت : ذهبت ضحية الاقتتال الاخوي( الكوردي لأخيه الكوردي) ولم يكنلابناء بلدتي فيها لا ناقة ولا جمل كوننا مسيحييون كلدان مسالمون ، ولكن للاسف  سيطرت العاطفة على عقولنا ونحن ندافع عن الارضوالعرض يدا بيد مع اخو تنا الاكراد المغلوب على أمرهم وعندما نالوا جزءا بسيطا من الحقوق بدءت مرحلة جديدة من الصراع وهي مرحلةالاستحواذ على الكراسي واحتكارها ليتم تجزئة الشعب الى مجموعات ليستحوذ كل حزب بشهداءه لنفسه بدلا من أن يحسب شهيد الثورةوالحرية والكرامة التي حارب الطغاة من أجلها وفي سبيل حياة أفضل لي ولغيري أعطوا أنفسهم فداء لنا... من هنا بدأت الأحزاب المتنفذةبتخدير العقول والأفكار بحسب مزاجها وبما يناسبها حول من هو صالح لخدمتهم ومن هو في خانة الأعداء بعيدا عما كان يناضل الشهيدمن أجله، هنا تكمن الطامة الكبرى والخسارة التي لا يمكن أن تقدر بثمن عندما تدافع عن عزة الوطن وكرامته ويأتي من يحكمك ويعمل علىتمزيق نسيج المجتمع لصالح نفسه وبواسطة أعوانه من الذين تربوا على سياسته ... وعلى رنة الموبايل فقت من غفوتي وأنا أرى نفسيمغتربا كالكثير من اقراني يالها من غربة وان كانت جيدة في موضع فانها سيئة في أخرى ولله في خلقه شؤون .

صباح بلندر
 كندا