المحرر موضوع: حركة الكلدان الجديدة، زمن المكاسب والمغانم لمن يستطيع إلى ذلك سبيلاً  (زيارة 580 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 428
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حركة الكلدان الجديدة، زمن المكاسب والمغانم لمن يستطيع إلى ذلك سبيلاً
لويس إقليمس
 بغداد، في 15 تشرين ثاني 2022

لا أخفي تردّدي بالخوض في هذا الموضوع الشائك، لكنّ شجاعتي المعهودة لتبيان الرأي وكشف بعض الحقائق كانتا دليلي.أشكرُ القرّاء لتفهم السبب وحقيقته.
\

كلّ القوى والطوائف والمكوّنات والأحزاب من جميع البشر وعبر ساداتها وزعاماتها في أي مكانٍ وزمانٍ تسعى فيما تسعى إليه لنيلِ المكاسب والتمتّع بالمغانم بأية وسيلة، حتى لو دخل فيها إبليسُ شريكًا ومشاركًا وناصحًا. هذه غاية البشر وهذا مسعى صنف الطبقة الدينية والسياسية خاصة، التي تتحيّن الفرص وتستغلّ الأوضاع لاختراق ما تستطيعُ إليه وصولاً إلى غاياتها القصوى في نهاية المطاف. أليست هذه "شطارة" البائع والشاري والمُتاجِر الحاذق باسم الدّين والوطن والطائفة والمكوّن والمذهب؟ لستُ هنا بصدد لوم جهةٍ أو فئةٍ أو شخصنة فعلٍ أو سعيٍ، مهما بلغت حدةُ المسعى في الأسلوب، ومهما اشتدّت وطأة الفعل على الجيران وفاق تأثيرُها على النظراء والأشباه ومَن في مستوى هذه الفئة ممّن لم يجتهد أو تغافلَ أو تقاعسَ في بلوغ ما بلغه غيرُه من قيمة عليا وأداءٍ حاذق وسعيٍ حثيث في تطوير وتقدّم الجماعة ونيل المبتغى بأية وسيلة متاحة في ضوء الرفعة والمكانة والقدرة التي هو عليها أو بلغَها هذا الشخص أو ذاك المسؤول بجدارة ورقيّ. كلّ هذا جميلٌ وحسنٌ وبديعٌ يستحق الإجلال والتقدير والاحترام عندما يتعلّق الأمر بتطوير طاقات وتغيير مناهج وابتكار أساليب أكثر فاعلية لبلوغ الأفضل والأحسن. فقد أدرك الجميع أسرار اللعبة وحماقة الوضع وضحالة الشخصية باستخدام الرموز الدينية سندًا وتأييدًا وملجأً لبلوغ المآرب. وليس في هذا أيّ اعتراض شخصيّ طالما لم يفلح الساعون بالوسائل الديقراطية والعلاقات العامة والخاصة. فالسياسة في العراق والمنطقة تتطلب هذت السلوك وهذا النهج بالرغم من خطورته في نهاية المطاف!
فشل متكرّر
من هنا، فلكلّ جهة أو جماعة أو طائفة أن تعيد ترتيب أوراقها وتنظمَ بيتها الداخلي بعد الفشل المتكرّر في الحصول على مكاسب وامتيازات صارت تمثل ديدنَ الكتل والأحزاب والساسة والمكوّنات في عراق ما بعد الغزو الأمريكي الأهوج في 2003. ولكنْ ليس من المفترض أن يحصل كلّ هذا وغيرُه وما يُحاكُ في الكواليس ويقع تحت المناضد على حساب طوائف وجماعاتٍ ومجتمعاتٍ أخرى تقع تحت صنف ومصير ومستقبل ذات المكوّن الهشّ الذي فقد توازنَه وكادَ بصيصُه يتضاءلُ ويتلاشى بسبب هذه الأسباب وتلك الأساليب و" التقنيات" المستحدثة بسبب طبيعة الوضع العام ومدى الاختلال الحاصل في المجتمع وفي مكوّناته الهزيلة في كلّ شيء وايّ شيء! وأقصدُ هنا تحديدًا، ما يتعرّض له المكوّن المسيحي في عراقنا المتهالك ومنطقتنا الهشّة من تهديدٍ حقيقيّ بالانقسام والتشظي والضمور أكثر ممّا هي حالُه وظروفُه القائمة في ضوء سعي رئاسة الكنيسة الكلدانية ومؤسساتها والأحزاب المنضوية تحت خيمتها لاختزال المسيحية بدائرة "الكلدان" في مطالبة الحكومات المتعاقبة بتصحيح أوضاع هذه الطائفة حصرًا بحجة الأكثرية التي يمثلونها في العراق وبلدان الشرق ودول الاغتراب على السواء، وبدالّة الموقع الكنسي العالمي الرفيع الذي يحتلُه شخص رئاسة كنيستهم، غبطة البطريرك - الكاردينال لويس ساكو الذي أثبت  للجميع ومن دون شكّ بكونه الصوتَ النابض بالحيوية والصارخ بوجه الظلم والرافض للتمييز والمعروف بالمواقف الجريئة التي يتبناها إزاء الانتهاكات المتواصلة ضدّ مكوّن اصيل في المجتمع العراقي والعربي على السواء. وكلّ هذا يُحسبُ له ولنا جميعًا مسيحيين و"أقليات" ومواطنين عراقيين على السواء ضمن خانة الوطنية والحرص الصحيح الحقيقي الرامي لبناء وطن مقتدر وعيش حياة حرة رغيدة آمنة ومطمئنة. وهذا ممّا حدا بغبطته مؤخرًا لفورة وطنية وكنسية جديدة ناطقة باسم الحق، رعايةً ومساندةً ووقوفًا مع المظلومين والمقهورين والمهمَّشين في الحياة العراقية بصيغة الشكوى التي رفعها غبطتُه إلى فخامة رئيس إقليم كردستان بتاريخ 1 تشرين ثاني 2022 برسالة صريحة ووافية، وفيها يتطرق صراحةً إلى الجرح العميق الذي أصابَ المكوّن الكلداني من وراء التسمية المركبة "الهجينة" التي شوّهت اسم الكلدان التاريخي "كنسيًا وحضاريًا" كمكوّن من دون التطرق إليه بصيغته القومية، داعيًا إلى "تثبيت التسمية كشعب وأمّة كلدانية بصورة مستقلة بحسب الدستور". أمّا العيب والقصور في مثل هذا الطلب، فهو عدم تطرّقه لذات الحق الذي ينبغي أن تتمتع به كنائسُ شقيقة لكنيسته وجماعاتُها التي تعاني من ذات المشاكل وذات الانتهاكات، لاسيّما وأنّ غبطته يمثلُ كنيسة العراق أيضًا بدالّة الكرامة الكاردينالية التي يحملُها والتي تتيح له النطق باسم إخوته عندما يتعلّق المصير بحقوق مكوّنات وطوائف شقيقة متناظرة في الأصالة والتاريخ والمستقبل والمظالم.
إلى هنا، لا نرى بأسًا في المطلب، بصفة غبطته رئيسًا لكنيسته التي أصابها العجز العددي كسائر غيرها من كنائس المنطقة في العراق والمنطقة بسبب تفضيل نفرٍ من أبنائها شكلَ الحياة الوردية التي سعوا إليها حثيثًا لبلوغها خارج الوطن، فنالت رواجًا وطلبًا متزايدًا للهجرة بحثًا عن الأمان والعيش الرغيد والحرية المنقوصة في بلد الأصل والتاريخ والحضارة. ويبدو في النقص المتزايد في أعداد أبناء الكنيسة الكلدانية وغيرها من كنائس العراق الرسولية الأصيلة، وكذا الخشية من تداعيات إفراغ البلاد من هذا المكوّن المتميّز، فد خضع في جزءٍ منه لدغدغات وهمسات نفرٍ من جماعة الشتات التي مازالت ذكرياتُها الجميلة وحنينُها لأرض الآباء والأجداد ومجرسات الكنائس الجميلة وشوارع القرية وبساتينها وهوائها العليل بالحنين إلى هذه جميعًا. كما أنّ فكرة العودة لنفرٍ آخر عندما يحين الظرف والزمن وتتهيّأ الأوضاع ماتزالُ قائمة لأخذ الدور الوطني المطلوب في إدارة البلاد وتنميتها بطريقة حضارية متمدنة تضع في منظورها ومفهومها فكرة المواطنة والوطن ضمن أولويات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية. وهذا حق مكفول وأملٌ قائمٌ للجميع، بمن فيهم مَن آثر البقاء في الوطن أو سعى هاربًا أو باحثًا عن ملجأ ورزق ورفاهةٍ خارجه. وأضيف هنا سببًا آخر يتعلّق بالمغانم والمواقع في شبه الدولة العراقية والتي فشل فيها ممثلو هذه الطائفة في السنوات الأخيرة ببلوغ عتبة تمثيل مكوّنهم والمسيحيين عامةً.

المصير والمستقبل على المحكّ
في هذه الأيام التي تُشيد فيها زعاماتٌ مسيحية مقربة من الفاتيكان في عراق ما بعد الغزو الأمريكي المجرم الحاقد وتتهيّأُ له بموجب دعوة قداسة البابا فرنسييس إلى ما أسماه ب"السينودالية" في الكنيسة بالدعوة للعمل على تجديدها إنسانيا وروحيا واجتماعيا من الداخل كعلامةٍ على وحدة الصف، نتفاجأُ في الجانب المقابل على صعيدٍ آخر بخطواتٍ أقلَّ ما يُقالُ عنها أو يجدر وصفُها بطبيعتها السلبية التي لا تبدو سالكة صوبَ طريق وحدة المصير والتطلّع نحو مستقبل واعدٍ يحفظ ما تبقى من الوجود المسيحي وكيانه المجتمعي ممّا أصابه من شطط وتنافر في القرارات وصولاً لانفراط عقد واضح وتباعدٍ مخفيّ في وحدة الصف المزعومة في الجماعات المسيحية. فصورة هذه الوحدة التي تجتمع من أجلها الرئاساتُ الكنسية بحضورٍ مسيحيّ متراجع سنةً بعد أخرى، للصلاة من أجل بلوغها في نهج بروتوكوليّ دعائي عَكِرِ النوايا ومضطربِ الأمنيات وفاقدِ الهدف، يمكن الحكمُ عليها برياء الشخوص ووضوح الخلل في الرؤى والضبابية لدى هذه الرئاسات المنتفخة (عذرًا على الوصف). وهذا واقع الحال وحقيقتُه بالرغم من قسوته. فأنا شخصيًا أعزف ومنذ سنواتٍ عن الصلاة لأجل هذه النيّة "غير الواقعية" المليئة بالمغالطات والرياء عبر الضحك على ذقون البسطاء من مرتادي الكنائس وسواهم من المؤمنين المصدّقين كلّ ما يدور أمام أعينهم من تصريحات ومناشدات وأمنيات في أي لقاءٍ مسكوني تقليديّ أو مناسبة دينية موسمية وما سواها. فما زلنا لم نتوصل بعدُ، بل بالأحرى رئاساتُنا لم تتوصل لتوحيد أعيادنا الرئيسية وطنيًا، وهذا أقلُّ ما يجول في خزاطر معظم المسيحيين، كما فعلت كنائس الأردن وسواها على سبيل المثال.
في الحقيقة، لا أريد الخوض فيما بلغته بعض رئاسات الجماعات المسيحية وكنائسُها ورعاتُها (طبعًا من غير تعميم) من سذاجة وإسفافٍ واستخفافٍ في التعامل مع المؤمنين وفي الحياة الرعوية اليومية بعد أن امتلأت بعضُها بُركًا من مياهٍ آسنة في بعض تجلياتها ويومياتها وأدواتها بسبب ضعف الأداء وفقدان الجدارة وتفشّي المحسوبية والمنسوبية والمصالح الشخصية والعائلية واقترانها بصفتها الوظيفية المادية في إدارة شؤون الكنائس وأوقافها والترقيات والأهمّ في ضعف مشاركة الرعية في الإدارة والإشراف على الشؤون الوقفية والإدارية الأخرى، إلاّ ما ندر صوريًا حصرًا. أقول هذا، كي لا يقع جزءٌ من هذه المآخذ على ذاتي أنا أيضًا. ويكفي الوصف الذي أطلقه بابا الفاتيكان على مثل هذه الفئة ب"الأمراء وأصحاب الأعمال" في واحدة من مداخلاته وانتقاداته لبعض الرئاسات الكنسية التي يبدو قداستُه على اطّلاعٍ واسعٍ بحركاتها وسلوكياتها، تمامًا كما استشفّيتُ هذا الموقف الراقي من رسالة قداسته الجوابية لي شخصيًا عبر أمين سرّ حاضرة الفاتيكان الكاردينال "بارولين" ردّا على رسالة شخصية سلّمتُها لقداسته يوم زار كنيسة سيدة النجاة في 5 آذار 2021، عندما سردتُ له في هذه الجزئية بالذات نتفًا من ملاحظاتي عن وضع ساسة العراق وأحزابه الحاكمة وكنيسة العراق ورئاساتها وبعض فعالها وسلبياتها كما يرصدُها المواطن الأصيل والمؤمن البسيط.
ولا يخفى على الجميع أيضًا، ما عند الكثيرين من أصحاب الإرادات الطيبة والنوايا الصالحة من طيبِ أعمالٍ ورُقيّ تعاملٍ وبذلِ نفسٍ وتضحية صالحة وسماحةِ محبةٍ وفضيلة في أداء الخدمة من منطق الخدمة وليس الوظيفة لأجل الوظيفة، كما نشهدُه في الضفة الأخرى السلبية "الاستعراضية" الدعائية للخدمة الكهنوتية الصحيحة، بما فيها مَن هم اليوم في سدّة رئاسة الرعايا من دون تحديد أو تعريض أو تشخيص. ففي كلّ مجتمع أو جماعة، هناك الغثّ والسمين، الضعيف والقوي، الصالحُ والطالح، الناضج والمريض، المنتفع والمضحّي... وبعبارة أخرى، هناك الجيّد والسيّء، وهذا الصنوُ طيّبُ الثمرة وذاك معاكسُه سيّءُ السلوك. فالهدف من وراء هذا النقد الإيجابي تقويمُ الكلمة المعوجّة والتنبيه للفكرة الخاطئة والإنذار بالقادم الأكثر تعاسة، بل الأكثر قتامةً وخطرًا على الوجود والمصير!

لمّ الشتات خيرٌ من تفتيت المقامات
تقتضي الحكمة من أية رئاسة أو زعامة لمكوّن أو طائفة أو جماعة أن تتحاشى كلَّ ما يمكن أن يفرّق ولا يجمع، يمزّق ولا يرتق، يخرّب ولا يبني. هنا العبارة الصريحة في نقدي الإيجابي، رغم قساوته وما يعتمرُ في فكري ورؤيتي ومفهومي لما صدر من لدن صديقي وزميلي وسيدي البطريرك الكاردينال لويس ساكو، رئيس "الطائفة الكلدانية" في العراق والعالم مِن "خربشات" و"تحرّشات" و"توصيات" و"ترتيبات" في مفهوم ترتيب البيت الكلداني وبالذات في جزئية تعزيز مفهوم "القومية الكلدانية" وتمييزها عن سواها من مجتمعات الطوائف المسيحية الأخرى التي لا أحبذ تسميتها بمسمياتها في مفهوم ما ذهب إليه غبطتُه في نهجه الحثيث لشقّ الصف المسيحي "السرياني والآراميّ القومية والتسمية" عبر التاريخ، كما تشيرُ إليه بطونُ الكتب، ومنها كتابُ غبطته " آباؤُنا السريان". لستُ في موضع تسويغ ما رأيتُه معقولاً في مفهومي لجزئية القومية التي تخصّ مسيحيّي العراق والمنطقة منذ اقتران هذه الأخيرة ب"المسيحية" انطلاقًا من أنطاكية. فهذا السؤال والجواب عنه وعليه مختَلف عليه وسيبقى كذلك ما بقي "الفكرُ التجزيئيّ للمجزّأ" و"النهج التقسيمي للمقسّم" باقيًا معشعشًا في أفكار وعقول وأدمغة المتاجرين بهذا المفهوم والمتشبثين بالرؤية القاصرة غير التاريخية وضعيفة المنطق والنهج والتبرير. أمّا لو كان حصل مثل هذا الخيار أو يحصل في نطاق تعزيز استقلالية جميع الطوائف الرئيسية الأصيلة المؤمّل الاعتراف بها في أي دستور تلتزم به الدولة العراقية، فلا بأس به، ولكن ليس بالسعي المتهالك بتفرّد الطائفة الكلدانية على حساب غيرها من الطوائف الشقيقة التي تتشارك ذات المصير وذات الجذور وذات الأصول "الآرامية- السريانية" قوميًا وتاريخيًا ومسيحيًا.
أنا شخصيًا، لم يعد يهمّني أبدًا مَن أكون وماذا أستحق من "تسمية قومية" مختلَف عليها وجودًا مسيحيًا طالما يبقى هدفي الأسمى أن أكون "إنسانًا" صالحًا قبل أيّ شيء و"عراقيًا" "وطنيًا" أصيلاً يتطلعُ قبل كلّ شيء وأيّ شيء لبناء دولة ديمقراطية حضارية مدنية علمانية صحيحة الأهداف والتطلعات تسعى لتهيئة مجتمع متمدّن مثقّف ومتعلّم يحظى باحترام حقوق الإنسان وخياراته في حرية التعبير والرأي والعيش والحركة والنقل والعمل والعبادة والمعتقد وما سواها ممّا يحميه من أية عواصف في التشدّد الفكري الأعمى والدينيّ الضيّق الذي يقتل ثمرة الخالق في خلقه. فما أبغي وأرنو إليه هو التمتع بحياة مواطنية جميلة، مستقرّة، حرّة، عادلة، متساوية مع أبناء وطني ومجتمعي في السرّاء والضرّاء، ومتسامحة في الجدول اليومي المتناغم مع سائر البشر في العالم ضمن أرض الحضارة والثقافة والتعددية الجميلة. وكلّ هذا ضمن حدود المستطاع في التمتع بخيرات البلاد الكثيرة التي أصابها الكدر وعابَها الفساد بعد أن اقتنصتها ايادي الغدر وأرباب المكاسب والمغانم بأية طريقة أو وسيلة أو أداة ممكنة، حتى لو حصل ذلك على حساب الآخر الضعيف القَدَر والبسيط في التفكير والمظلوم في التعامل مع المقابل المتمكّن المتجبّر المتسلّط. وهذا في اعتقادي، هو عينُ ما يرتئيه كلُّ مثقف وعاقل وحكيم ومدرِك وفاهم لواقع حال عموم الجماعة المسيحية "الوطنية" غير المتشدّدة. ومثلُه بطبيعة الحال أيضًا، ما نتمناهُ لعموم مكوّنات الشعب العراقي متعدّد الأعراق والأديان والإثنيات التي نتحمّس جميعًا ونسعى جاهدين للافتخار بها أمام الملأ، وحتى في مهاجر الاغتراب القسري للبعض. فهذا ما يمنع التضحية بما تبقى من وجودنا المتهالك سنة بعد أخرى ويحفظه من التشتت في بلدان الاغتراب المرّ حين نخسر قاماتنا. ولاتَ ساعةَ مندم!
 لذا ومن منطلق الحرص على ما تبقى من شتات الجماعة المسيحية في عراق الفراتين، وبخاصّة من أبناء الكنائس الرسولية التي تنحدر منها الجماعات المسيحية الأصيلة من الآثوريين والكلدان والسريان والروم والموارنة وما سواهم ممّن ينتمون إلى صنوها من جماعات مسيحية أصيلة كالأرمن وسواهم، أرى خطوات غبطة البطريرك ساكو في غير محلّها، بل هذا نهجٌ لدقّ الأسفين بين هذه الطوائف جميعًا وخروجٌ عن الإجماع الذي كان ينبغي أن يكون عليه بالتوافق والاتفاق والتفاهم قبل اتخاذ أية خطوة فردية غير محسوبة النتائج، لاسيّما وهو كبيرُهم في الموقع المسيحي الذي يستحق ارتقاءَه بجدارة الكاريزما والثقافة والمواقف الشجاعة التي يتحلى بها دون سائر نظرائه من الكنائس الأخرى. فأنا لا أجافي الحقيقة حين تقتضي الساعة.
 في اعتقادي المتواضع، مهما بلغت خطواتُ غبطته من إنصاتٍ وتقبلٍ وتعاطفٍ من جانب متابعي الكنيسة الكلدانية الشقيقة ومن تضامن وتصفيق وتشجيعٍ سواءً من هؤلاء أو من أمثالهم لمثل هذه الخطوة "التمزيقية" للصف المسيحي، مع كلّ احترامي للآراء والرؤى ووجهات نظر في انطلاقة هذه الأفكار، فهي بالتالي ستكون شوكة في خاصرة أي نداء للوحدة الحقيقة التي ينتظرهاا الجميع أو أية دعوة للمّ الشمل مستقبلاً. ومن ثمّ، فلا يمكن القبول بها أو تقبلها مِن جانب مَن حثّ وحرّضَ ودفعَ باتجاهها في خلسة من الزمن لعدم منطقيتها وخطأ تاريخيّتها إلاّ في حالة الإجماع على الفكرة كاملة غير منقوصة والحصول على تطمينات من السلطات الرسمية، الاتحادية منها وفي الإقليم، بإحقاق الحق لسائر الجماعات والطوائف المسيحية الأخرى بالاعتراف الفرديّ بكيانها جميعًا، وقبولها دستوريًا وتمثيلها وجوديًا وتمكينها مصيريًا ضمن اللوائح والقوانين والتشريفات والتشريعات السائدة. ولو فعلَ غبطتُه هذا من منطلق الشعور بالمسؤولية العليا لموقعه وحصلَ من الجهات الرسمية على ضمانةِ حقوق واستقلالية باقي الطوائف ك"طوائف" أو "جماعات" أو "مكوّنات" عراقية مسيحية مستقلة طقسيًا ومذهبيًا وراعويًا وليس ضمن مفهوم "قوميّ" خارج سياقات التاريخ والتجذّر، لكان نالَ من الجميع كلَّ تقدير وإطراءٍ على جهوده، وذلك باعتباره تقليديًا رأس كنيسة العراق وجاهةً. ذلك أنّ المدافعين والدافعين باتجاه هذه الخطوة المشوبة بالمخاطر كما يبدو، قد تحينوا فرصة درجة الكرامة الكاردينالية لغبطة البطريرك وموقعه البارز الذي يستحقه بجدارة ضمن الرقعة السياسية للحكومات المتعاقبة، وصولاً لغاية قاصرة في الرؤية في نهاية المطاف من حيث شقّ الصف المسيحي بدل البحث والتوجه صوب لمّ الشمل ورتق المثلوم وردم الوديان والتلال وجعلها سواقي رائجة للمحبة والتسامح والتحاور والتفاهم حول ترسيخ الوجود وتثبيت الكيان الآيل إلى الاندثار بعيدًا عن منغّصات القومية التي لا تغني ولا تسمّن. فالتاريخ وحدَه كفيلٌ بتوجيه دفّة تسمية الكيان المسيحي وضمّه تحت خيمة وطن واحد وإيمان واحد ومَلِكٍ واحد هو المسيح. وإلاّ ما حصيلة الفعل بل الأفعال المشكوك فيها من جانب رئاسات دينية مسيحية تقول غيرَ ما تفعل، وتجترُّ غيرَ ما تشتري، وتسوّقُ غيرَ ما تُعلن. أليس هذا رياءً وكذبًا ودجلاً واستخفافًا بعقول العامة ومَن يتستّرُ لها وعليها بغرض إخفاء الإخفاقات وتشتيت الانتباه إزاء الهفوات واستغلال الفرص من أجل حصد المكاسب والمغانم، تمامًا كما يفعل ساسة البلاد ونوابُهم منذ السقوط الدرامي على أيدي الغازي الأمريكي الأحمق؟ فالهدف واضحٌ من وراء هذه الخربشات والمواقف والتصعيد غير المبرّر، لعلم الجميع تاريخيًا بعدم وجود قومية أو لغة كلدانية أو آشورية، وإنّما جميعُنا ننحدر تاريخيًا من شيءٍ يُسميه التاريخ "آراميين وسريانًا" قوميةً ولغةً. وواضحٌ في هذا التوجّه الجديد، سعيٌ حثيثٌ من جانب هذه الجماعة وهذا المكوّن ورئاسته لترتيب البيت الداخلي والتهيئة لانتخابات قادمة للوقوف بالضدّ من جهة سياسية مغمورة منافسة استغلّت قربها من مراكز القرار الحاكم في اعتلاء أغلب المقاعد والمناصب المخصصة للمكوّن المسيحي، ما حملَ جهاتٍ منافسة خاسرة للسعي للتصدّي للمقابل.

كنتُ أتمنى!
كنتُ أتمنى مخلصًا على سيدي البطريرك ساكو ومَن حواليه من علّية القوم ووجهاء الكلدان وعقلائهم أن يعملوا جاهدين وبإخلاص أيضًا مثل أمثالي، على جمع المبعثر ممّا تبقى من حطام الجماعة المسيحية تحت الكنف البطريركي وكبيره رئيسًا لكنيسة العراق، وراعيًا وخادمًا للجميع كما تجمع الدجاجةُ فراخَها تحت جناحيها، لا أن يجري تبديد القطيع شذرا مذرا بهذه الطلبات والقرارات والتوجهات الطائفية بفصل المكوّن الكلداني عن سواه من المكوّنات المسيحية الشقيقة الأخرى، سواءً من لدن الحكومة الاتحادية أو في إقليم كردستان العراق. فبالرغم من اتفاقي مع غبطته ومع الصوت المنطقي بعدم قبول التسمية المركبة الدخيلة سمةً قومية ل"طوائفنا" وجماعاتنا المسيحية لعدم اتساقها مع التاريخ والحقيقة الأرشيفية التي تنقلها بطون الكتب، إلاّ أن في المسألة زوغانًا وخروجًا عن جزءٍ كبير من هذه الحقيقة التاريخية التي يعرفها الجميع ويتغاضى عنها أو يتجاهلُها جهلاً أو قسرًا بكون الانتماء التاريخي الصحيح يكمن في "سريانية" و"آرامية" المكوّن من دون لبس أو تحيّز. لكنني لا أوافقُه الرأي في سعيه الأخير بالمطالبة بتمثيل سياسيّ ونيابيّ وحكومي متميّز لأبناء "القومية الكلدانية" على حساب غيرها من الجماعات المسيحية الشقيقة المتساوية في أصالة التاريخ والجغرافيا واللغة والإيمان وحلاوة الطقس وكنوز الألحان. فهذا ينمّ عن استغلالٍ واضح لفرص متاحة بفضل كارزميته المعروفة وتمتعه بثقافة واسعة وإدراكٍ للمعروض من الأحداث أمام غبطته وما يجيدُه من نسج علاقات مع شخصيات وطنية وحزبية ودولية، وأخيرًا من دعمٍ من جهات فاتيكانية متحيّزة لطائفته لها أثرُها في فرض رؤيته المسيحية وعلوّها على غيرها من رئاسات كنسية لطوائف أخرى لا تتمتع بذات الكاريزما، ربّما بسبب هشاشة وزن هذه الأخيرة وضعف تدبيرها وتراجع دورها وعديدها في طوائفها. هذا إذا ما أضفنا تقاطع رأيه السابق إزاء هذا التوجّه الجديد المستجدّ وفي هذا الظرف بالذات بعد سنواتٍ من تراجع دور "ساسة الكلدان" واختفائهم عن المشهد السياسيّ. ولا حاجة للمزايدات في موضوع الأغلبية والأقلية. فالأسبقية لمَن في الساحة ومَن يعيش في عشّ الزنابير وقربه! وكلُّ ما سواها جعجعة فارغة واستهلاك للاستجداء وفرض الجاهز من الأطعمة غير النافعة.

كلمة أخيرة
كلمتي الأخيرة لسيدي البطريرك ساكو ولأشقائنا المؤمنين من الطائفة الكلدانية مع تقديري وجلّ احترامي للجميع. في اعتقادي، قد يندرج الإخلاص والحرص لدى البعض من أتباع هذه الكنيسة في اختيار "الكلدانية" سمةً قومية والسعي لتميّزها عن غيرها في هذا التوقيت بالذات، كأداة وسبيلٍ لبلوغ المغانم والمكاسب في هذا الزمن الأغبر من وضع البلاد التعس في كلّ مفاصل الحياة. وفي هذا لا بأس به من توقيت مناسب لدى طلاّب المكاسب. فنحنُ جميعًا مع هذه الخطوة الحريصة، وسوف نتقبّلُ هذه الجهود الحثيثة والكريمة والأبوية في هذا المسعى، على أن تنال كلّ الجماعات المسيحية من الكنائس الرسولية وغيرها من الطوائف الأصيلة في كنيسة العراق على ذات الاعتراف الرسميّ والحقوق في المكاسب والمغانم التي أصبحت شكلاً من أشكال الترف والحظوة و"السطوة" في بعضٍ من أساليبها. وللتذكير فقط، كان للنواب الكلدان في عصرهم الذهبي ما بعد السقوط مباشرة، عندما كانت كلمتُهم تحظى بالقدح المعلّى للأسباب التي يعلمُها مَن عاصرَ تلك الفترة من رواد الطوائف المسيحية، الدورُ المشين والمعيب في فرض تسمية "الكلدان" و"الآشوريين" حصرًا بتجاهل "السريان" عمدًا، في خطوة تزاوجٍ ارثوذكسي بينهما لم يدم طويلاً في حينها. إذ لاحقًا، تعرّض ذلك الزواج المصلحيّ المؤقت للطلاق بعد تقاطع المصالح وتشابك المغانم وتقاسم الكعكة المسيحية الهزيلة أصلاً في المواقع والمناصب الحكومية. ولنا في هذا حقائق ووثائق صادرة عن أول مؤتمر عقدته الطوائف المسيحية تحت سطوة الجهات الحزبية المسيحية آنذاك والتي كانت تتمتع بالحظوة لدى الحاكم المدني سيّء الصيت "بريمر". وحينها عندما رفع ممثلو السريان أصواتَهم، تم الاستخفاف بهم وإهمالُ مطالبهم نظرًا لهشاشة موقفهم وضعف حضورهم السياسي آنذاك ولعدم تنظيمهم في صفوف حزب خاصٍّ بهم، مثلما كان عليه الكلدان والآشوريون. وقد اعترف بهذه الحقيقة مَن كان ضمن هذه المجموعة التي غيّبت اسم السريان، نكاية بالتسمية "السريانية" و"الآرامية" التاريخية. فقد كان الهدف من كلّ ذلك، إلغاء كلّ ما يمت بصلة إلى ذكر "السريان" و"الآراميين" في دستور البلاد. ففي حين نجح "الكلدان والآشوريون" في تسجيل ماركتهم القومية في دستور البلاد عند كتابته في 2005، أخفق "السريان" مكرَهين بإسناد "الثقافة واللغة السريانية" بالقوميتين الكلدانية والآشورية تخفيفًا للإحباط لديهم ومجاملة للأصوات التي انتفضت آنذاك ضدّ هذه الجزئية من استغلال المواقف.
مهما كانت النوايا، ففي الأخير لن يصحّ إلاّ الصحيح. ونترك هذا للتاريخ كي يقول كلمته وللباحثين كي يدلوا بأصواتهم ومداخلاتهم وآرائهم فيما جرى ويجري. ويقيني أن صديقي وزميلي وسيدي غبطة البطريرك لويس ساكو، سيعاتبني كعادته في كلّ مرة أكتب في المحظور وفي العميق كما في هذه المداخلة الصريحة، متقبلاً في الوقت ذاته اعتراضًا وربما هجومًا أيضًا من ذواتٍ أتمنى لهم وأتوسمُ فيهم سدادَ الرأي وتغليب الحكمة والعقل والتعمّق في فحوى هذه السطور قبل أن يُقدِموا بالحكم عليها وعليّ. فمَن يعرفني جيدًا سوف يفهم ما أعنيه وما أتوق إليه وما أرجوه مثل سائر العقلاء الذين عرفتُهم في مسيرتي ومهنتي وكتاباتي. كلّ التقدير والمحبة للجميع.