المحرر موضوع: الآشوريون في العراق على تقاطع طريق بغداد – أربيل  (زيارة 1324 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل أبرم شبيرا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 396
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الآشوريون في العراق على تقاطع طريق بغداد – أربيل
==============================
أبرم شبيرا
أربع ملاحظات توضيحية مستوجبة:
--------------------
أولا: الآشوريون... لماذا؟:
----------------
ذكرنا "الآشوريون" في بداية عنوان الموضوع، فهذا لا يعني بأن غيرهم من الكلدان والسريان غير مشمولين بأمر هذا الموضوع، فكون الجميع سواء أكانوا أمة واحدة أو كمسيحيين تشملهم بدرجة أو أخرى التحديات المميتة التي تهدد وجودهم التاريخي القومي والديني في بلادهم ما بين النهرين. ذكرنا "الآشوريون" لكونهم أكثر إنخراطاً في المسائل القومية والسياسية ولكون أحزابهم  السياسية ومنظماتهم المدنية والقومية أكثر تفاعلا و"ضجيجاً" أن صح التعبير، وهم على تقاطع هذا الطريق.
ثانيا: هذا الموضوع... لماذا؟
-----------------
الموضوع حساس جدا على الساحة السياسية القومية للآشوريين لأنه يبحث في الطريق الذي يجب أن يسكله الآشوريون في تحالفاتهم مع القوى المهيمنة سواء في بغداد أم في أربيل. فعلى الرغم من كثرة الحديث عنه على الساحة السياسية إلا أنه من النادر أن نرى كتابات حوله، ربما خشية من الإنتقادات والهجمات على كاتبه. فإن أختار بغداد أتهم بشتى التهم منها التشيع واللهوث وراء المال والكرسي. وإذا أختار أربيل أتهم بالاستكراد والتحالف مع "المحتل لبلاد آشور". وهكذا الغوص في هذا الموضوع هو نوع من المغامرة الفكرية عند التطرق إلى التحديات التي تواجه الآشوريين في العراق وسبل تحالفهم مع القوى السياسية للقوميات العراقية الأخرى لأن الحقيقة "المطلقة" هي أنه لا يمكن للآشوريين، كأقلية قومية وبإمكانيات شحيحة أن يحققوا مصالحهم الخاصة إلا بالتحالف مع القوى السياسية التي تقر بوجود الآخر و التي هي الأقرب إلى تفهم مطامحهم المشروعة. 
ثالثا: بغداد – أربيل... لماذا:
-----------------
كلنا نعرف بأن بغداد هي عاصمة جمهورية العراق الفيدرالية وأن أربيل هي عاصمة إقليم شمال العراق ضمن هذه الفدرالية، والمعروف حاليا ورسمياً بـ "كردستان" وكانت أربيل تاريخياً وحضارياً معروفة بـ "أربائيلو" العاصمة المقدسة للأمبراطورية الآشورية والإقليم كان تاريخياً وحضاريا معروفاً بـ "بلاد آشور. وللعاصمة أهمية سياسية قصوى تنعكس أهميتها على أهمية الدولة. فبإزدهارها وتطورها وإستقرارها يعني بشكل ما إزدهار الدولة وتطورها وإستقرارها. ولسقوط العاصمة أو إحتلالها من قبل المحتل يعني سقوط الدولة أو نظامها السياسي. وفي كثير من الأحيان، وبسبب أهميتها في الدولة، يذكر أسم العاصمة كبديل لأسم الدولة خاصة في الأخبار والتقارير السياسية، لذلك عند الإشارة إلى بغداد أو أربيل في هذا الموضوع فهذا يعني العراق المركز وكوردستان الإقليم.
رابعا: تقاطع طريق بغداد – أربيل... لماذا:
------------------------
ليس هذا فحسب، فللعاصمة مضامين ديموغرافية وسياسية وفكرية وثقافية وإجتماعية وإقتصادية تعكس هويتها الخاصة أو بالأحرى هوية الدولة. وهي الحالة التي تنطبق على بغداد وأربيل. وعلى هذا الأساس نقول بأن بغداد، وبشكل عام هي عربية شيعية، وأن أربيل، وبشكل عام، هي كردية سنية. إذن، فتقاطع طريق بغداد – أربيل هو تقاطع بين مضمونين ولكل منهما محتويات ديموغرافية وسياسية وفكرية وثقافية وإجتماعية وإقتصادية تختلف وتتناقض في بعض من جوانبها وتتسق وتتوافق في جوانب أخرى، وهو الأمر الذي يضع الآشوريين على محك إختيار طريق من التقاطع يسلكونه سواء نحو بغداد أم أربيل. وعلى ضوء الإختيار الصحيح والمناسب فمن المفترض أن يتحقق بعض من مصالحهم القومية والسياسية، اما إختيارهم لطريق غير مناسب وغير صحيح فإنهم سوف يعجزون عن تحقيق حتى الحد الأدنى من مصالحهم القومية المشروعة.
حقائق تاريخية ومعاصرة على تقاطع طريق بغداد - أربيل:
---------------------------------
لا يمكن لأي إنسان أن يختار الطريق الصحيح للوصول إلى مبتغاه إلا أن يكون هذا الإختيار مبنى على حقائق تاريخية ومعاصرة. فالعجز في إدراك وفهم هذه الحقائق لا مفر منه إلا فشل الإنسان في الوصول إلى مبتغاه وبالتالي مواجهة معاناة فشله وتأثيره على سير حياته. والعكس صحيح، فالإنسان المدرك والمستوعب للحقائق التاريخية والمعاصرة والقادر على التعامل معها بشكل إيجابي وفاعل تتاح له فرصة الإختيار الصحيح للطريق الذي يقوده نحو تحقيق مبتغاه وبالتالي إنعكاس هذا الإختيار الصحيح على تعزيز موقعه وكيانه ودوره في الحياة العامة. وهذه الحالة تنطبق على الآشوريين، وتحديدا على أحزابهم السياسية وتنظيماتهم القومية لإدراك هذه الحقائق التاريخية والمعاصرة والتفاعل معها لإختيار الطريق الصحيح من تقاطع طريق بغداد – أربيل الذي سيقودهم إلى تحقيق أهدافهم القومية والسياسية؟   
لا يختلف إثنان، إلا الحاقد والجاهل، في كون الآشوريون الشعب الأصيل للعراق من جنوبه إلى شماله ووجودهم في بلاد ما بين النهرين يسبق وجود كل القاطنين فيه من عرب وكورد وتركمان وغيرهم. ولكن مع هذا فأن الحقيقة الديموغرافية التاريخية والمعاصرة تؤكد بأن وجود الآشوريين في المناطق الشمالية، وتحديدا في منطقة الحكم الذاتي للإقليم، أي أربيل بذكر المعنى أعلاه، أكثر كثافة من المناطق الجنوبية، أي بغداد بذكر المعنى أعلاه. وهذه حقيقة منطقية لأن موطنهم التاريخي الأصلي كان ولا يزال شاملا لمعظم المناطق الشمالية، لا بل وأن أسمهم القومي (الآشوريون) مستمد ليس من إلههم القومي والديني (آشور) فحسب بل أيضا من أسم بلادهم (آشور).
زد على هذا فإن الحقيقة الجغرافية المعاصرة تؤكد أيضاً بأن هناك عدد كبير من القرى والقصبات والمزارع والحقول وحتى الأثار تشكل حقيقة ناطقة لموطن الآشوريين في الإقليم أي في أربائيلو والتي لا يمكن مقارنتها بعدم وجود مثل هذه الحقيقة الجغرافية والتاريخية في المناطق الجنوبية، أي بغداد. وهنا أورد مثال بسيط ولكن كبير في مضمونه يعكس هذه الحقيقية. هناك العشرات من المطربين والشعراء الآشوريين الذين يتغنون وينشدون أشعارهم بأشور وأربائيلو ونينوى وحتى بأرادن وبروراي بلا وألقوش وغيرهم من القرى والقصبات التاريخية، ولكن بالمقابل لا نجد إطلاقاً أغنية أو قصيدة عن بغداد والناصرية والديوانية والبصرة. والأكثر من هذا هناك في أربائيلو العديد من الأحزاب السياسية الآشورية ومؤسسات قومية وأندية إجتماعية ومراكز ثقافية ولها نشاطات مختلفة جديرة بالإهتمام والإشادة أكثر بكثير مما هو موجود في بغداد، إن لم نقل لا وجود لها إطلاقا. صحيح  كان هناك وجود آشوري معاصر في بعض المناطق الجنوبية، خاصة في بغداد وحتى في الموصل وكركوك إلا أنه وجود لا أساس قومي تاريخي له بل هو وجود إضطراري معاصر فرضته ظروف قاسية أودت بهم إلى النزوح من الشمال إلى الجنوب خاصة بعد تأسيس الكيان السياسي للعراق في بداية العشرينيات من القرن الماضي وقيام الحركة الكردية في بداية الستينيات من نفس القرن ونزوج الكثير من الآشوريين نحو الجنوب والسكن في المدن الكبرى كبغداد والموصل وكركوك. وخلال فترات الإرهاب والتفجيرات بعد سقوط نظام البعث عام 2003 وسيطرة داعش الإجرامي على الموصل وبعض قرى سهل نينوى جرى نزوح معاكس من الجنوب إلى الشمال فأزداد الوجود الآشوري والمسيحي في مناطقهم التاريخية.
أيضا ما يميز الشمال عن الجنوب هو وجود إمتداد ديموغرافي للآشوريين نحو إيران وتركيا وسوريا وحتى أرمينيا وجورجيا وأوكرانيا ولا وجود لمثل هذه الحقيقة الديموغرافية التاريخية والمعاصرة في الجنوب. ولهذا الإمتداد الديموغرافي أهمية جيوبوليتكية في بعض الظروف، خاصة ظروف الحرب والنزاع المسلح بين الدول التي للآشوريين أمتداد ديموغرافي فيها حيث تسقط أو تضعف الموانع الحدودية وبالتالي تتسع الرقعة الجغرافية والديموغرافية للآشوريين وتصبح الساحة الخلفية، أو المجال الحيوي، بمفهوم الجيوبوليتكس، للآشوريين في العراق، وهذا ما شاهدناه أثناء الحرب العراقية – الإيرانية و هجمات نظام بغداد على المنطقة الشمالية.
الآشوريون بين الصراع الديني والنزاع القومي:
---------------------------
هنا يستوجب علينا أن نتحدث عن مسألة واقعية ومهمة في حياة الآشوريين من الجانبين القومي والديني وعقد المقارنة بينهما ومدى علاقة الآشوريين بهما ومن ثم وعلى ضوء هذه المقارنة وظهور نتائجها يمكن تجاوز تقاطع الطريق سواء نحو بغداد أم أربيل. وهنا الضرورة تستوجب أيضا أن نفرق بين الصراع الديني والنزاع القومي. فالصراع الديني يكون عادة محتدم ولا تنطفي نيرانه لأنه مرتبط بمسألة عقائدية إيمانية يستحيل أي طرف من طرفي الصراع أن يتنازل عنها أو جزء منها، وأن هدأ في مراحل معينة فأن نيرانه ستبقى تحت الرماد ومن دون أن تنطفي فتظهر مرة أخرى على السطح وتفعل فعلها الإيماني بمجرد زوال الظروف التي نقلته من السطح إلى الباطن، خاصة عندما يتسيس الصراع ويسعى في التحليل الأخير تحقيق أهداف دينية وبوسائل سياسية وعسكرية كالأحزاب والسلطات الحكومية والميليشيات. أما النزاع القومي، ولا نقول صراع قومي، فأنه أخف بكثير من الصراع الديني وإيضا استمراريته ودمويته أقل من إستمرارية الصراع الديني ودمويته، لهذا نقول بأن معظم المذابح والإبادات الجماعية كانت في التحليل الأخير مصدرها صراع ديني بين ديانتين أو طائفتين أكثر مما كان مصدرها قومي. وهذا ينطبق على الآشوريين فيما يخص مذابح سيفو عام 1915 وما بعدها وسميل عام 1933 وجرائم داعش كانت في مضمونها دينية قائمة على مفهوم الجهاد الإسلامي ضد الكفرة أكثر مما كانت من نتاج صراع قومي. فالأتراك والكورد والفرس والعرب والشيشانيون كلهم كمسلمين متوحدين بدين واحد لا كقوميات متحالفة، شاركوا في هذه المذابح ضد الآشوريين لا كقومية مختلفة عنهم بل كمسيحيين يختلفون عنهم في الدين. وهنا نقول بأن إحتمالية الوصول لحلول ممكنة أكثر في النزاع القومي من الصراع الديني. فبنظرة بسيطة على دول العالم  نرى بأن معظم النزاعات القومية قد حلت وأستقرت تقريباً، في حين نرى بأن معظم الصراعات الدينية والطائفية أستمرت ولم تفضي إلى النهاية والوصول إلى حلول للإستقرار، والعالم الإسلامي يشكل نسبة كبيرة من هذه الصراعات الدينية. 
إذن وفق هذه البديهية في التمييز بين الصراع الديني والنزاع القومي، نقول بأنه طالما الأحزاب الدينية والطائفية "الشيعية" العراقية هي المسيطرة على بغداد وهي الفاعل المؤثر في السياسة العامة وفي صنع القرار السياسي إذن بالنتيجة والمنطق فإن الآشوريين كمسيحيين مختلفين دينياً عن هذه الأحزاب التي إيمانياً لا تقر ولا تعترف بوجود الآخر المختلف دينيا، سوف يبتلون بنيران الصراع الديني ويحترق وجودهم الديني المرتبط عضوياً بوجودهم القومي. فهناك العشرات من الكنائس التي دمرت والعديد من رجال الدين المسيحي الذين تم أختطافهم أو قتلهم والكثير من الممارسات الرسمية والقانونية والسياسية تجاه الآشوريين كلها ذات مضامين دينية لإنهاء الوجود المسيحي في العراق. وعلى العكس من بغداد ففي أربائيلو، بالمعنى الوارد أعلاه، نرى بأنه بشكل عام تسيطر الأحزاب السياسية الكردية القومية وهذه السيطرة لا تنفي وجود بعض الأحزاب الدينية ولكن التوجه السياسي العام هو قومي علماني وتحديدا بالنسبة للأحزاب الكبيرة كالحزب الديموقراطي الكوردستاني (البارتي) وحزب الإتحاد الوطني الكردستاني (يكتي) وحركة التغيير الكردية (كوران). من هنا نقول وطبقاً لكل الإعتبارات الواردة أعلاه بأن إختيار الآشوريين من تقاطع الطريق أعلاه سيكون نحو أربائيلو حتى يتجنبون إحتراقهم بالصراع الديني في بغداد. وحتى نفهم وبمنطقية واقعية هذا الإختيار نحو أربائيلو علينا أن نحلله وفقاً لمفهوم السياسة لكي يتعزز ويُفهم هذا الإختيار.
الآشوريون واختيار تقاطع طريق بغداد - أربيل في ضوء مفهوم السياسة:
--------------------------------------------
سبق في مكان ما وزمان مضى قد حددنا مفهومين للسياسة وهما، الأول: السياسة فن الممكن وصاحبه هو لينين (1898 - 1924 مؤسس الحزب الشيوعي الروسي. والثاني: السياسة: هي ديموغرافيا على جيوغرافيا وصاحبه بسمارك (1815 – 1898) الأب القومي والروحي للألمان ووحدتهم القومية. وبإختصار لو أبتدئنا بالمفهوم الثاني نقول بأن الديموغرافيا هو علم السكان الذي يدرس جميع النواحي المختلفة لسكان منطقة معينة وما يهمنا منها هو حجم السكان وكثافته أو تركزه في منطقة معينة. تؤكد دراسات علم السياسة بأنه عندما يتوفر للسكان حجماً معقولا وكثافة في منطقة معينة يكون إحتمال نشؤء حركة قومية وارد جداً. أما إفتقار أي مجموعة أو قومية لهاذين العاملين، الحجم والكثافة، يصعب أو يستحيل نشؤ حركة قومية خاصة بهذا السكان. فما فائدة أن يكون حجم السكان بالملايين ولكن مبعثر في أنحاء العالم ولا كثافة له في بقعة أرض معينة؟. هذه الحالة قد تنطبق على الآشوريين المبعثرين بين دول العالم ولا كثافة لهم مؤثرة وفاعلة. في فترة ما أحتدم النقاش مع بعض أصدقائنا المهتمين بالشأن القومي الآشوري حول سهل نينوى وفيما إذا حصل على نوع من الإدارة الذاتية أو حكم ذاتي أو تشكل كمحافظة مستقلة فبأي جهة يرتبط إدارياً؟: بغداد أم أربيل، أي المركز أم الإقليم؟ فعندما وضعنا المصلحة القومية بأعلى اعتبار من دون أي أعتبارات أخرى، مثل من يسيطر أو يحكم في بغداد وأربيل وموقفهما من حقوق الآشوريين المشروعة، وجدنا بأن الإرتباط بأربيل خير للمصلحة القومية الآشورية. لماذ؟: لأنه ستتوسع المساحة الجغرافية للموطن التاريخي للآشوريين بإضافته إلى مناطقهم الأخرى في الإقليم فتصبح حينذاك بلدة تلكيف مرتبطة ببلدة زاخو من جهة، وسيزداد حجم السكان وكثافته من جهة أخرى، وبالتالي تتوفر فرصة نشوء حركة قومية آشورية أكثر فاعلية. ولكن مما يؤسف له بأنه لم يعد يشكل سهل نينوى إي أعتبار لعامل حجم السكان وكثافته في موازين القوى السياسية الآشورية بعد سيطرة الذئاب الكبيرة ووكلائها عليه.
 أما المفهوم الأول، أي السياسة فن الممكن، هو العمل السياسي الممكن والذي تتيسر له ظروف تجعل تحقيق الأهداف السياسية ممكنا. وهذا المفهوم مرتبط عضويا وبقوة بالمفهوم الثاني (السياسة: ديموغرافيا على جيوغرافيا) وتشكل كلمة (على) عامل الربط العضوي والتي تعني هنا الممارسة السياسية لديموغرافيا – الشعب على جيوغرافيا – الأرض أو الوطن. وقد سبق وأن عالجنا هذا الموضوع عندما بحثنا عن العمل السياسي القومي الآشوري بين الوطن والمهجر – دراسة مقارنة, ونشر في موقع عنكاوه كما حاضرنا عنه قبل بضعة سنوات في النادي الثقافي الآشوري في عنكاوه. من هذا المنطلق وذاك وطبقاً للمصلحة القومية الآشورية سيكون إختيار الآشوريين لتقاطع طريق أربائيلو أكثر منطقياً وربما أقرب لتحقيق مصلحتهم ولو بالحد الأدنى، خاصة وأن الأحزاب الكوردية العلمانية هي التي تسيطرة على الإقليم وإمكانية الدخول في نزاع قومي سياسي معهم لربما سيكون تحقيق مصالح الآشوريين وارد فيما إذا أعتمدوا سياسة (العمل مع) وليس(العمل له). كما وهناك مواضيع مهمة تجعل (العمل مع) ممكاناً خاصة وأن للحركة القومية الآشورية تجارب مع الكورد، بحلاوتها ومرارتها. فليس من المنطق والشهامة أن ينكر الكورد التضحيات الكبيرة التي قدمها الآشوريون للحركة الكوردية وأن يضاعفوا أحزابها وحكومة الإقليم من مرارة تجارب الآشوريين مع الكورد عندما يعتبرون سمكو الشيكاكي بطلا لهم في الوقت الذي هو مجرماً من الدرجة الأولى لدى الآشوريين بإغتياله شهيد الأمة والكنيسة البطريرك الخالد مار بينامين الذي قدمت عائلته حماية لزعيم العائلة البارزانية الشيخ عبد السلام عندما كان مطاردا من قبل القوات العثمانية. كل هذه الأمور وحتى بمرارها يمكن الجلوس مع البعض ومناقشتها والعمل معا فيما إذا: أولاً: أستوعب الكورد أكثر فأكثر مطامح الآشوريين المشروعة وإيقاف التجاوزات على أراضيهم والسيطرة على الذئاب المنفلتة الجشعة والطامعة بأراض الآشوريين والكف عن سرقة تاريخهم ورموز حظارتهم. وثانيا: فيما إذا وحد الآشوريون كلمتهم وخطابهم السياسي القومي عند (العمل مع) الأحزاب الكوردية العلمانية وإلا سيعود السيد مسعود البارزاني مرة أخرى ويقول لهم "روحوا وحدوا كلمتكم حتى نعرف ماذا تريدون ثم تعالوا" حقاً هذه كبد الحقيقة سواء أكان هذا القول بمصداقية أم مجرد تبرير لتجنب البحث في مطالب الآشوريين المشروعة. من هنا نقول بأنه مهما تكون الظروف الموضوعية والعوامل الجغرافية والديموغرافية متوفرة للآشورين فإنها ستصبح بلا قيمة تذكر فيما أذا بقى كل حزب من الأحزاب الآشورية يغني على ليلاه، أي بمفهوم أخر، نقول بأن العوامل الموضوعية متوفرة للآشوريين ولكن يفتقرون إلى عوامل ذاتية قادرة على التفاعل مع العوامل الموضوعية وتحقيق بعض النتائج.
نماذج من السائرين على تقاطع طريق بغداد - أربيل:
------------------------------
هنا نأخذ نموذجين، سياسي وكنسي في هذا السياق. النموذج السياسي يتمثل في الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا). والنموذج الكنسي يتمثل في كنيسة المشرق الآشورية (كنيسة)
النموذج الأول: الحركة الديموقراطية الآشورية (زوعا):
------------------------------
لا نختلف مع الحقيقة الواقعية في القول بأن زوعا هي من أكبر الحركات القومية الآشورية في تاريخنا المعاصر وحققت بعض الإنجازات المهمة لأمتنا عندما أدركت كل الإعتبارات الموضوعية والذاتية المتوفرة في أربائيلو، التي ذكرناها في أعلاه، ووضعتها بعين الإعتبار وأستوعبتها وتفاعلت معها كعامل ذاتي نشط. والأكثر من هذا فقد نجحت في عملها السياسي عندما عملت (مع) القوى السياسية العلمانية والديموقراطية الفاعلة في أربائيلوا. وتمثل هذا العمل بمشاركتها في "الجبهة الكوردستانية" والوصول إلى برلمان الإقليم بأربعة كراسي من خمسة، وبالتالي تحقيق بعض النتائج لصالح أمتنا. وإذا نظرنا وبشكل أعمق إلى إمكانية تحقيق هذه النتائج، وبالأخص إقرار التعليم السرياني على مراحله المختلفة والعطل الرسمية لأعياد الآشوريين الدينية والقومية من قبل برلمان الإقليم نجد بأن بعض الشخصيات الآشورية، كالمرحوم الشهيد فرنسو الحريري والسيد سركيس أغاجان قد لعبوا دورا مهما من مواقعهم القيادية في "البارتي" وفي برلمان الإقليم في التأييد والمساندة لأقرار هذه القوانين. وهنا  يجب أن لا ننسى البطل المغوار توما توماس (أبو جوزيف) رحمه الله من قياديي الحزب الشيوعي العراقي ودوره في أسناد زوعا في أحلك ظروف مقاومة النظام البعثي في العراق. فمثل هذه الشخصيات لا نجدها إطلاقا في بغداد وإن كان هناك في البرلمان نفر ممن يدعون تمثيلهم للـ "المكون المسيحي" فأنهم ليسوا أكثر من ذيل للأحزاب الطائفية المسيطرة.
ولكن... نعم ولكن... بعد عام 2003 وسقوط النظام البعثي في بغداد أمتلئت الساحة السياسية بغنائم سياسية وإقتصادية ومالية فهرعت الأحزاب والكتل السياسية ومعضمها شيعية للإستلاء على هذه الغنائم وبأكبر قدر ممكن. ومن المؤسف ووفق حسابات خاطئة شاركت زوعا، وهي حركة قومية مسيحية هذه الأحزاب والكتل السياسية التي هي في الجوهر لا تقر ولا تعترف بما هو قومي أو مسيحي لأنه لا يتوافق مع معتقداتها الدينية والطائفية. ومن المؤكد بأن جانب من الحسابات الخاطئة لزوعا ومشاركتها مع هذه الأحزاب الدينية الطائفية قبل سقوط النظام البعثي ضمن ما كان يعرف بالمعارضة و ما بعد السقوط يكمن في عجز إدراك قيادتها بأن هناك حقيقة سياسية مؤكدة تقول بأنه عندما تستولي احزاب المعارضة على السلطة، خاصة في منطقتنا الشرق أوسطية وتحديدا في العراق، وتنتقل من المعارضة إلى الحكم فتتحول 180 درجة عن مواقفها السياسة السابقة فتنتقل من معارضة إلى حكم سلطوي ضاربة عرض الحائط كل ما كان قبل السلطة. بالنسبة لزوعا، في البداية أختير زعيمها كممثل للمسيحيين في مجلس الحكم وحصلت على بعض الكراسي البرلمانية ولكن بعد تعزيز الأحزاب الشيعية مكانتها ضمن الصراع الطائفي بدأت تتوحش أكثر فأكثر في هضم حقوق المسيحيين فأبتلعت "الكوتا المسيحية" وأستولت على مناطق واسعة من سهل نينوى وقراه فطارت كراسي زوعا البرلمانية ووصل الحد إلى إنتزاع مقرها في منطقة زيونه ببغداد وأصبحت تقريباً "Homeless" ونتيجة لذلك فقدت زوعا بعض من شعبيتها المعهود بها عند نزول بعض من قيادتها من أربيل إلى بغداد، وإستمرار تعاملها مع الأحزاب الطائفية الشيعية وبالتالي خروجها من "المولد بدون حمص" كما يقول المثل، ليشكل ذلك  خطأ إستراتيجياً الذي أثر كثيرا على شعبيتها وبالتالي إنهيال التهم والإنتقادات الشخصية الجارحة عليها وعلى قادتها سواء أكانت بمبرر معقول أو بدونه.
نعود ونقول ولكن أيضا... طالما لا زالت العوامل الموضوعية في الإقليم قائمة بدرجة أو أخرى وإن لزوعا أمكانيات في توفير العوامل الذاتية والدخول في نزاع قومي مع القوى السياسية العلمانية والبحث في المسائل العالقة وفي مقدمتها التجاوزات على ممتلكات الآشوريين، خاصة وأن هناك تفهم واضح من قبل بعض قياديي البارتي على دور زوعا في العملية السياسية والعمل (مع) وليس (له). كما هناك خلفية لعلاقات خاصة ونضالية، لبعض قيادي زوعا وتحديدا سكرتيرها العام السيد يونادم كنا مع بعض قيادي البارتي، زد على هذا وجود شخصيات آشورية في قيادة البارتي لها مواقف إيجابية تجاه زوعا وتثمن دورها وإمكانيتها في العمل السياسي. فكل هذه هي عوامل مساعدة لكي يتحول مسار زوعا عند التقاطع من طريق بغداد إلى طريق أربائيلو.
النموذج الثاني: كنيسة المشرق الآشورية (كنيسة):
-------------------------------
صحيح القول بأنه يظهر حشر الكنيسة في هذا الموضوع السياسي أمر لا يتسق مع مضمونه. ولكن بغنى عن كون كنيسة المشرق الآشورية مؤسسة دينية فان هناك عوامل موضوعية من جغرافية وديموغرافية السالفة الذكر مع بعض من العوامل الذاتية مرتبطة بشكل وبآخر بهذا الموضوع الذي سيضع الكنيسة على تقاطع طريق بغداد – أربيل. منذ قرون طويل وبسبب المذابح والاضطهادات والتهجير كانت الكنيسة وعلى الدوام (On Move) تنتقل من مكان إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى وهكذا حتى أستقر كرسي بطريركها إضطراريا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد مذبحة سميل لعام 1933 بعيدا عن موطنها الأصلي ومركز نشوءها وإنتشارها نحو الإصقاع الشرقية من الكرة الأرضية.
كان إعتلاء مثلث الرحمات قداسة مار دنحا الرابع (1935 – 2015) عام 1976 سدة البطريركية للكنيسة نقلة نوعية إستثنائية في تاريخ الكنيسة، ليس بالإنجازات الكبير التي حققها قداسته فحسب، بل الأهم من كل هذا هو قراره وبإجماع أحبار المجمع السنهادوسي للكنيسة بنقل، أو بالأحرى، إرجاع كرسي البطريركية إلى موطنه الأصلي ما بين النهرين. ثم بعد زيارة قداسته لأرض الوطن ولقاءه بالمسؤولين في منطقة الحكم الذاتي تقرر في حينها أن تكون أربائيلو مقرا لكرسي البطريركية، فكان هذا القرار حكيماً ومنطلقا من إعتبارات تفوق الإعتبارات الكنسية والتاريخية والتي تمثلت في الكثافة السكانية لمؤمني الكنيسة وفي أحزابهم ومنظماتهم القومية والمدنية في المنطقة من جهة، وجغرافياً كون المنطقة الشمالية الموطن الأصلي التاريخي للأشوريين من جهة أخرى، وكون أربيل عاصمة الإقليم، والتي كانت في يوم ما مقرا لكرسي البطريركية، وتماشيا مع الضرورة التاريخية لوجود الكرسي في العاصمة ليكون بطريركها قريباً من المسؤوليين الحكوميين من جهة ثالثة، زد على هذا توفر هامش ديموقراطي في المنطقة في مقارنته مع المركز. وهنا يجب أن لا ننسى العلاقة التاريخية بين عائلة قداسته مع العائلة البارزانية في هذا السياق وفي كون مسقط رأس قداسته قرية دربيونكه في منطقة حرير من محافظة أربيل.

جاء إنتخاب قداسة مار كوركيس الثالث صليوا الكلي الطوبى كبطريرك للكنيسة ورسامته في أربائيلو تجسيدا لقرار إرجاع الكرسي البطريركي إلى موطنه الأصلي. واليوم نجد قداسة البطريرك مار آوا الثالث روئيل الكلي الطوبى يعزز هذا التجسيد والوجود على أرض الأباء والأجداد من خلال تركه "موطنه" في الولايات المتحدة الأمريكية والعودة إلى أرض أباءه وأجداده وكذك تواصل زياراته المتعددة للقرى والقصبات الآشورية واللقاء بمؤمني الكنسية وبغيرهم من مؤمني الكنائس الشقيقة، كلها ظواهر تؤكد قدرة قداسته، كعامل ذاتي متمثل في وعيه القومي والكنسي، على التفاعل مع العوامل الموضوعية المتمثلة في الجغرافيا والديموغرافية التي أشرنا إليها في أعلاه، وبالتالي الإختيار الصائب من تقاطع الطريق نحو أربيل. ومن المؤكد بأن مثل هذا التجسيد للوجود الآشوري في موطنه الأصلي سيزداد ويتعاظم فيما إذا أختارت زوعا، كأكبر حركة سياسية للآشوريين، نفس  التقاطع نحو أربيل فيتفاعل العامل القومي مع العامل الكنسي ليكون سبيلا نحو تحقيق بعض من المصالح لأبناء شعبنا في موطنه الأصلي. وهنا الأمر لا يتقصر على زوعا فحسب بل يشمل أيضا الأحزاب الآشورية الأخرى التي أيضا لها إعتبار وتثمين لدورها من قبل قداسة البطريرك.
وأخيرا نقول، بأن هناك دلائل نلمسها بأن "الإنتكاسات" التي تعرضت لها زوعا في بغداد، سواء من تطاير كراسيها البرلمانية وتجريدها من مقرها في منطقة الزيونة وإحتواء الحشد الشعبي لوحدة حماية سهل نينوى قد تكون مؤثرة عليها لتتحول عند تقاطع الطريق نحو أربيل أكثر فأكثر ولتعمل، كعامل ذاتي ضمن العوامل الموضوعية المتاحة، (مع) القوى والأحزاب العلمانية المتسيدة في المنطقة، لأن أربائيلو هي ساحة العمل السياسي القومي الآشوري وليس بغداد، طالما هناك مسائل قومية شائكة، وفي مقدمتها التجاوزات على أراض شعبنا وسرقة رموز حضارتنا والتلاعب بـما يسمى "الكوتا المسيحية" والتهميش. مسائل مهمة ومصيرية يستوجب على زوعا الجلوس مع الأحزاب الآشورية الأخرى والوصول إلى خطاب سياسي موحد فلربما يكون ذلك سبيلا لإيجاد بعض الحلول لهذه المسائل الشائكة.


 








غير متصل بولص آدم

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1185
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
  ميُقرا رابي أبرم شبيرا
  شلاما
  شكراً على جهدك في وضع هذا البحث، في العديد من الفقرات التي تستحق التوقف للتأمل فيها. لدي سؤال حول ( العمل معه) وليس (العمل له):
 هل بامكان الحزب الآشوري أن (يعمل معه) دون محاولات جره بشتى السبل ل (العمل له) ؟
أطرح السؤال لأن سقف المطالب الآشورية أعلى من السقف المتوفر لهم ضمن النظام الديمقراطي الصوري العراقي. كم واضم صوتي واتفق معك حول ما تفضلتم به: (...يستوجب على زوعا الجلوس مع الأحزاب الآشورية الأخرى والوصول إلى خطاب سياسي موحد فلربما يكون ذلك سبيلا لإيجاد بعض الحلول لهذه المسائل الشائكة.).
 شكراً مع التقدير.