المحرر موضوع: عراق الطوائف هو قبر مفتوح  (زيارة 639 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31575
    • مشاهدة الملف الشخصي
عراق الطوائف هو قبر مفتوح
« في: 13:57 14/12/2022 »
عراق الطوائف هو قبر مفتوح
حين يزعم العراقيون أن السلاح موجه إلى رؤوسهم بدليل أن عددا من الناشطين السياسيين قد تعرضوا للاغتيال فإنهم يتماهون مع كذبة خوفهم.
MEO

دموع تكفي لتحويل التراب إلى طين
منذ حمورابي وحتى نهاية العصر الملكي لم يُقتل في العراق إلا عدد ضئيل من البشر. أما في العصر الجمهوري الزاهر فقد ذهبت الجماهير إلى الجحيم وقُتلت الملايين، أما عن طريق الحروب أو الخصومات الحزبية. تلك تقنية وعادة عراقيتان. القسوة ضرورية، بل هي تاريخ.

"أحنا مشينا للحرب" تلك أنشودة عراقية ظهرت في ثمانينات القرن العشرين. هناك شعب جُهز للحرب من أجل أن يموت. لم يكن العراقيون في حقيقتهم محاربين. كانوا شعراء وموسيقيين ورسامين وفي الأعم كانوا بكائيين بزعم أنهم عاطفيون. ما الذي حدث لذلك الشعب لكي ينتقل من الحياة العاطفية إلى اللعب بالسلاح باعتباره دمية حياة خيالية؟ لقد تسربت المعاني الحقيقية للحياة من بين أصابعهم فصار العراقيون يشعرون بالخواء. لم تكن هناك حياة حقيقية في العراق. فكرة العراق العربي كانت كذبة. كان الألم العراقي أكثر سعة من أن تحتويه الجغرافيا. وهو ألم تاريخي غير أن خرافته تهزأ بالتاريخ.

غالبا ما يتحدث العراقيون عن التاريخ. ولكنه تاريخ مضلل. لقد قسى العراقيون، بعضهم على البعض الآخر عبر سنوات طويلة من الظلم. فهل يُعقل أن تستمر المعادلة كما لو أن أحدا غير قادر على وضعها في المكان الصحيح؟ هناك خطأ في مكان ما. العراقيون الذين مشوا إلى الحرب لم تكن لهم دراية بالسلم. لم يكونوا مواطنين أحرارا لكي يتعرفوا إلى أنفسهم أو ينظروا في المرآة. لم يكن العراقي يملك وقتا للنظر في المرآة. ما خسره العراقيون من الزمن لا يمكن تعويضه لذلك يُفضل أن لا يكون هناك ذكر للماضي. وبالرغم من أن عراقيي الحاضر يفضلون أن لا يسئلوا عن الحاضر فإنهم يتخلون عن ماضيهم.

هل هو سوء الحظ وحده؟ ليس صدفة أن يلتحق الحاضر بالماضي وما من أحد في إمكانه أن يتوقع مستقبلا أقل سوادا من الزمنين. يبكي العراقيون قتلاهم في زمن الحروب. وهي حكاية فيها الكثير من الاحتمالات. ولكن الحروب لم تنته. فالنظام الطائفي هو حاضنة لحروب تقع من غير أن تحتاج إلى اختراع أسباب غير تلك الأسباب التي يتداولها الطائفيون فيما بينهم.

لا يحتاج الطائفيون إلى أن يتهامسوا فيما بينهم بتلك الأسباب في ظل نظام سياسي أقر في دستوره الطائفية قاعدة حياة. العراقيون إذا يكذبون حين يبكون موتاهم في العهد الجمهوري أو العهد الوطني، ما قبل طائفي. وهم أيضا يكذبون حين يبكون الأمام الحسين الذي تخلى عنه عراقيو زمانه حين تمرد على الدولة الأموية. لو أنهم كانوا صادقين لما انجروا إلى زمن الطوائف الذي يعرفون جيدا أن فناءهم يقف خلف بابه. عراق الطوائف هو قبر مفتوح. 

في زمن البعث كان الخوف من قسوة النظام هو السبب الذي اتخذ منه العراقيون حجة لصمتهم المذل. وحين أسقط الأميركان ذلك النظام خرجوا عن صمتهم لينتقدوا الماضي. اما الدروس فظلت مرجأة. لا رغبة في التعلم. وليس ثمة معنى للبكاء. البكاء من أجل البكاء. عملية عبثية تقع في دائرة من العدم. لا يمكن أن يعترف العراقيون أن بعضهم يكره البعض الآخر. ولكنها الحقيقة. ولو لم تكن تلك هي الحقيقة لما وافقوا على إقامة نظام الطوائف واستمراره لعشرين سنة مضت ولمئة سنة قادمة. مثلما لم يحرر العراقيون أنفسهم من نظام العبودية الذي سخرهم لخدمة حروبه فإنهم لن يسعوا إلى التحرر من نظام الطوائف.

ما حجة هذا الصمت؟

الخوف ثانية من الميليشيات. من الحشد الشعبي. تلك كذبة. أيعقل أن يتمكن مقتدى الصدر ونوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزاعي ومحمد الحلبوسي ومسعود البرزاني وعمار الحكيم من السيطرة على شعب الحضارات (ذلك هو اللقب الذي يطلقه العراقيون على أنفسهم)؟ وهو ما يعني أن أربعين مليونا تخضع لمشيئة عصابة مسلحة يتألف أفرادها من أبناء ذلك الشعب. حين يزعم العراقيون أن السلاح موجه إلى رؤوسهم بدليل أن عددا من الناشطين السياسيين قد تعرضوا للإغتيال فإنهم يتماهون مع كذبة خوفهم. ما كان لأولئك الناشطين أن يُقتلوا بيسر لو أن الشعب أظهر نوعا التعاطف معهم ووقف بتماسك مع أفكارهم. كان الأولى بالشعب أن يُخيف الميليشيات بدلا من أن يخاف منها.

أخيرا لو كان هناك شعب يعتد بإرادته وبحريته وكرامته لما تمكن مقتدى الصدر من بيع الأصوات الانتخابية أو التخلي عنها لإعداء ذلك الشعب من أتباع إيران.