المحرر موضوع: البشرية في انتظار الهدف الأخير  (زيارة 650 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31692
    • مشاهدة الملف الشخصي
البشرية في انتظار الهدف الأخير
من الصيحة إلى القذيفة إلى الكرة. في عشرينات القرن العشرين رسم النرويجي أدفارد مونخ لوحته الشهيرة "الصرخة". البشرية كلها في انتظار الصيحة التي أطلقها مونخ.
MEO

لم يختلف الأمر.. الصرخة صرخة
الاحتجاجات النسوية في إيران والحرب الروسية في أوكرانيا ومونديال كرة القدم في قطر. ثلاثة أحداث يربط ما بينها أنها تقع على كوكبنا وهي ليست جديدة إلا على مستوى مفاجآتها. فالاحتجاجات والحروب ومباريات كأس القدم تحدث في كل مكان وزمان. هناك فريق يفكر بالنتائج وتأثيراتها مقابل فريق آخر يفكر في الحدث نفسه ودلالاته. وهما أشبه بمسافر يود الوصول إلى الهدف فيما هناك مسافر يهمه الطريق. لقد تغير الأدب الروائي العالمي بعد رواية "على الطريق" لجاك كرواك. تلك رواية هي عبارة عن تسجيل لوقائع سفرة يقوم بها إنسان هامشي بين مدن أميركية.

ما يجمع بين الوقائع الثلاث أنها تؤكد حقيقة أن جزءا من منطق الحياة لا يزال قائما على الجنون. فالنظام الحاكم في إيران هو عبارة عن آلة قمع تشرف على تشغليها مجموعة من المتخلفين والظلاميين. أما الحرب في أوكرانيا والتي لم تقع عن طريق الخطأ فقد حيكت خيوطها كما تُحاك المؤامرات التي تهدف إلى إعادة عجلة التاريخ إلى ما كانت عليه من وضع متأزم أيام الحرب الباردة. وعلى صعيد كرة القدم فقد كشف المونديال أن تسييس كرة القدم كان مقصودا من أجل أن ينزه الغرب نفسه عن الخطايا التي ارتكبها في مجال حقوق الإنسان ليلقي بها مجزأة أو مجتمعة على قطر، الدولة المنظمة التي منعت رفع شعار المثليين على أراضيها.

لم يكتف النظام الإيراني بجنونه الذي أدى إلى أن يكون الفريق الكروي الإيراني ضحية لسوء فهم عظيم، بل صار يسرف في ممارسة القمع في مواجهة إرادة شعبية انتقلت من الفضاء النسوي إلى الفضاء العام ومن الحيز الكردي إلى الحيز الإيراني الشامل. وفي أوروبا أدخلت القارة العجوز كما يسميها الأميركان رأسها في ثقب أسود ولم تعد تنتظر سوى الأسوأ فيما يدفع الشعب الأوكراني الثمن ليكون ضحية مشروع حرب باردة جديدة كان غيابها مصدر قلق للأميركان. أما مونديال قطر فقد كان المنتخب المغربي شبح جنونه الذي لم يكف عن اللعب بمشاعر الجماهير العربية التواقة إلى نصر ما إلا حين فرض الفرنسيون منطق الخبرة واستعانوا بالتاريخ.

كاد المغاربة أن يصلوا إلى الهدف الأخير. لو حدث ذلك لسقطت المعادلات الرياضية القائمة بالرغم من أن الفريق المغربي يتألف من لاعبين، كانوا ولا يزالون يلعبون ضمن فرق أوروبية محترفة. هناك منطق ما اعتمده المدرب المغربي هو الذي مكن ذلك الفريق من توظيف جنون الكرة في خدمته. ذلك المنطق نفسه هو الذي أوقف حالة الجنون ليعيد الكرة إلى الفرنسيين الذين سيواجهون الارجنتينيين في السباق نحو الهدف الأخير. وما لا يُنسى أن الفريق الارجنتيني كان قد خسر أمام الفريق السعودي وكان ذلك الحدث قد شكل ذروة الجنون الكروي.

يمكن أن تنسحب تلك المعادلة الرياضية على سلوك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مواجهة عدوه الأوكراني زيلينسكي إذا ما تخلى الأخير عن نظرياته القومية المضحكة. وليس من باب التكهن القول إن بوتين لم يكن يرغب في الحرب وهو لا يرغب أيضا أن تستمر إلى ما لا نهاية. كل سيرته السياسية تؤكد أنه ليس رجلا عبثيا. غير أنه لن يوقف الحرب إلا من خلال اتفاق يوقعه مع أوروبا، تكون الولايات المتحدة مجبرة على القبول به. وهو أمر سيطول انتظاره.

اما حفلة الجنون الإيراني فإن أحدا لن يتوقع أن يصل المحتجون والنظام إلى منطقة، يتمكنان فيها من الوصول إلى نقاط حوار مشترك. فالمرشد الذي يقود ذلك النظام انما يرتبط وجوده بتفويض إلهي. لذلك فإن قبوله بالتفاوض مع الشعب هو بمثابة تخل عن تلك المهمة الرسولية. والشعب من جهته لم يعد قادرا على القبول بالوصاية المطلقة. لذلك فإنه قرر أن يثبت عن طريق الاحتجاج أن المرشد لا يتمتع بالمؤهلات العقلية التي تسمح له بأن يكون وصيا إلى ما لا نهاية.

حفلة جنون متنقل.

من الصيحة إلى القذيفة إلى الكرة. في عشرينات القرن العشرين رسم النرويجي أدفارد مونخ لوحته الشهيرة "الصرخة". هي اليوم أغلى لوحة عالمية تُباع. كانت لوحة احتجاج. صرخة احتجاج هي أشبه بقذيفة لا يزال هواؤها يتحرك وهي الكرة التي ستنهي المونديال بالهدف الأخير. البشرية كلها في انتظار الصيحة التي أطلقها مونخ في بداية القرن العشرين. سيصرخ المتابعون رغبة منهم في أن يروا عالما آخر.