المحرر موضوع: حول تصاعد الهجمة السلفية في إقليم كردستان العراق  (زيارة 517 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل سامي المالح

  • ادارة الموقع
  • عضو فعال جدا
  • *
  • مشاركة: 164
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
حول تصاعد الهجمة السلفية في إقليم كردستان العراق
سامي المالح
17/12/2022


في بيان أصدرته مجموعة كبيرة من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين والناشطين المدنيين، بتاريخ 14/12/2022، نشرته العديد من الصحف والمواقع الألكترونية، حذروا الرأي العام في الإقليم من خطورة تصاعد هجمات القوى الإسلامية السلفية على كل ما هو مختلف و تنويري ومعرفي ونشاط مدني، وذلك بأساليب وطرق مختلفة، منها التكفير والاتهام بالعداء للدين الإسلامي وتحدي الشريعة وتقاليد المجتمع الإسلامي. البيان وهو ينبه ويحذر، يسهب في شرح خطورة هذه الهجمة على الأمن الاجتماعي والاستقرار والحريات والتقدم والبناء والتعايش السلمي في الإقليم بكل مكوناته الدينية والاثنية والفكرية والاجتماعية. ويؤكد في ذات الوقت أن التعددية والتعايش واستقلالية المراكز العلمية والثقافية والمعرفية التي تضمنها القوانين والدستور و تنالها هذه الهجمة الواسعة، إنما كانت من الأمور الإيجابية والرافعة لمكانة الإقليم والداعمة لإستقراره وآفاق تطوره.
يقينا ان صدور هذا البيان، يعكس الواقع الذي يمكن تحسسه وتلمسه في الأجواء العامة بالإقليم، سواء في الشارع او في الأسواق والمقاهي وتعامل الناس أو في المدارس والمعاهد والجامعات، ناهيك عن آلاف المنابر في الجوامع والفضائيات والمناسبات الدينية والاجتماعية التي تحيط بحياة الناس ليل نهار. فالتحدث بلغة العلم والمعرفة والدعوة إلى الحياة المدنية والمعاصرة والحداثة، باتت من الأمور التي تواجه غالبا، بالغضب والتشدد والتشهير والتكفير.
بالإضافة الى قلق بل وخوف النخب والأكاديميين والناشطين المدنيين واغلبية الشعب الكردي من التشدد وتصاعد الهجوم السلفي على كل ما هو مختلف، فإن القلق والخوف يتزايد ويشتد بين مكونات المجتمع الغير مسلمة ويعقد حياتها ويهدد أمنها ومستقبلها.
ففي مئات المناسبات ومختلف المحافل، عبّر الكثير من رجال الدين والنخب والناشطين من الأديان و الإثنيات المتعددة عن هذا القلق والخوف، مطالبين السلطات و رجال الدين والمؤسسات الإسلامية لوضع حد لهذا النشاط المخيف ولإيجاد الحلول الفعلية المؤثرة والملموسة، عبر القانون والتشريع وتنشيط الحوار والتربية والتعليم وتعزيز روح قبول الآخر والتعايش الاخوي وتوفير الحقوق والأمن والحريات المكفولة دستوريا، للجميع.
من الواضح أن الدول المحيطة بإقليم كردستان بأنظمتها الإسلامية، تدعم بكل الوسائل وتغذي وتشجع الأحزاب والقوى والمراكز والمنظمات الاجتماعية والسياسية والفكرية الإسلامية في الإقليم. وهي بذلك تبغي تحقيق العديد من الأهداف الآنية والاستراتيجية.
أن أحد أهم تلك الأهداف هو حصر أو خنق أي تطلع للتطور والارتقاء والاستقرار والتفرغ لبناء نظام  في الإقليم يكون نواة دولة مدنية ديمقراطية يضمن التعددية والمواطنة والحريات.

لا يمكن التجاهل، بأن ثمة توجهات إيجابية ومواقف ونشاطات من قبل السلطات في الإقليم تدعم التعايش المشترك وتدعو لاحترام التعددية وقبول الآخر. وهناك تأكيدات على مستويات عليا، في مناسبات مختلفة، بأن هذه التعددية هي مصدر قوة واستقرار ولابد من الحفاظ عليها. وهناك أيضا، ولو بشكل محدود، نشاطات معرفية وفكرية وإعلامية وفنية، تتجاوز التقوقع القومي والايديولوجي، تدعو للانفتاح والحداثة والمدنية والمساواة والتكافؤ والحريات الفردية.
غير أن القوى الإسلامية السياسية عموما ولا سيما المتشددة والسلفية، فضلا عن الدعم الخارجي الذي تتلقاه دون توقف، تستفاد بذكاء وبنفس طويل من الكثير من نقاط الضعف والخلل والتقصير والفوضى والصراعات التي تنهك المجتمع الكردستاني لثلاثة عقود.  واستشراء الفساد والصراعات على السلطة والنفوذ وضعف الخدمات وتحديد الحريات وضعف نشاط وتنظيم القوى المدنية و تعمق الفوارق الطبقية والاختلاف الفاحش بين حياة الطبقات الفقيرة وبين الأقلية التي تزداد ثراء، أضعفت مجتمعة ثقة الجماهير بالتغيير حد اليأس، وبالتالي جعلها لقمة سائغة للغيبيات ووعود القوى الإسلامية وانتظار الخلاص من السماء.
أن البيئة الاجتماعية السائدة في الإقليم، في الكثير من جوانبها، باتت بيئة مثالية لنمو الإسلام السياسي والتوجهات والنشاطات السلفية، بيئة تسهل لها أن تتغلغل في كل مفاصل المجتمع الرخوة والمؤسسات الضعيفة الخاضعة غالبا لإرادة الحزبين الحاكمين، والتخفي حتى بين قواعد والمفاصل القيادية لأغلب القوى والأحزاب الفاعلة في الإقليم.
في الحقيقة، أن تصعيد القوى السلفية وهجومها اليومي في السنوات الأخيرة، يرتبط الى حد كبير، بشعورها كونها قوية الى حد التمادي أكثر لبسط المزيد من السطوة والوصاية باسم الدين والله على مؤسسات المعرفة والتربية والعلم والإعلام ومراكز ومحافل النشاطات المدنية، والسعي لخنق كل الأصوات، على قلتها، التي تتحدى هيمنتها وتنشط من أجل المعرفة والتعددية والحريات وكرامة المرأة والتعايِش وفضح الغيبيات والنفاق والشعوذة والجهل.

ما السبيل لمواجهة تصعيد الهجوم السلفي؟
أولا – قبل كل شيء من المهم في سياق البحث ومناقشة الطرق والأساليب والنشاطات الضرورية لمواجهة التصعيد السلفي، أن تأخذ السلطات والمؤسسات في الإقليم إضافة للرأي العام الكردستاني تحذيرات النخب الاكاديمية والمثقفين والناشطين المدنيين محمل الجد، وأن تعترف بالواقع ورؤيته كما هو بعيدا عن الصراعات على السلطة والنفوذ والمصالح الحزبية والطائفية والعشائرية.
ثانيا – موديل حكم الإسلام السياسي وممارسات القوى السلفية التي نعيش نتائجها في الدول التي تحيط بالإقليم، لا يمكنها القبول بنجاح تجربة الإقليم وتطويرها وصولا لتحقيق حرية وأهداف وحقوق الشعوب والمكونات في الإقليم. فهذه القوى والأنظمة والحكومات لن تتردد في إجهاض هذه التجربة وفرض بديلها ما أن تكون موازين القوى لصالحها. هذا يعني أن مهمة التصدي لهذه المساعي هي مهمة وطنية للمجتمع بكامله وتعدده، سلطات وأحزاب قومية ويسارية والمجتمع المدني بكل تفاصيله.
ثالثا – الطريق الوحيد والصائب لإنجاح وتطوير تجربة الإقليم، يمر عبر إغناء التجربة بالقضاء على الفساد ونهب وإهدار المال العام وبناء المؤسسات الوطنية العابرة للحزبية التي تضع القانون فوق الجميع خدمة المواطنين وحرياتهم وحقوقهم وكرامتهم في أولويتها. والتركيز على بناء الإنسان مع بناء المدارس المعاصرة وتطوير التعليم والمناهج والقيم الإنسانية العليا التي ترسخ التعايش والتضامن التكافؤ والمساواة وتمنح المواطنين دون أي تمييز الكفاءة والقدرة والوعي لتحمل المسؤولية والعمل والبناء. فثروات الإقليم، بوجود وتطوير كفاءات الإنسان وتعزيز ثقته بالمستقبل، تكفي لبناء الطرق والمواصلات الآمنة وتوفير الكهرباء وبناء نظام صحي معاصر وتوفير السكن والسقف المشرف لكل المهاجرين والمهجرين والفقراء، والاهتمام بمسؤولية عالية بمشاكل المياه والبيئة والزراعة والصناعة والسياحة. بهكذا سياسات يمكن القضاء على البطالة وتطوير الحياة ورفع مستواها وإنعاش الأمل لدى الناس وخاصة الأطفال والشباب صانعي المستقبل.
كل هذا سيؤدي، من دون أي شك، الى تجفيف المنابع الفكرية والاجتماعية والسياسية والنفسية التي تغذي مجرى التشدد والسلفية واي تطرف آخر يهدد أمن وسلامة ومستقبل إقليم كردستان.