بطاركة المشرق والخطوة الجبارة لإحياء لغتنا السريانية بطقوسها وتراثها وفنونها وريازتها
بعد طويل انتظار، اتحفنا بطاركة المشرق الذين يرئسون كنائس مشرقية عريقة ببيان يثلج الصدر.
وإن جرى تنفيذ ما أتى في البيان على أرض الواقع، سنكون كلنا شعبا بمسمياته المختلفة، وكنائس بمذاهبها المختلفة، على اعتاب نهضة تعيد مجدنا التليد، هوية وخصوصية مسيحية مشرقية تمتد جذورها في أعماق الرافدين والهلال الخصيب.
والبيان مشترك، بمعنى أن البطاركة أجمعوا على ما أتى فيه.
وإن كان لنا أن نزيد شرح أهمية هذا اللقاء، فإن التسمية التي رافقته وأنعقد تحت لوائها كافية لإنارة العقول وشحذ الهمم:"اللقاء الأول لبطاركة الكنائس ذات التراث السرياني" الذي انعقد في لبنان في منتصف شهر كانون الأول لعام .2022
وإن أردنا معرفة مفصلية هذا اللقاء، فمجرد القاء نظرة على قائمة المشاركين فيه كافية لبعث الأمل في النفوس بعد ضياع طويل وتشتت.
لقد حضر اللقاء رؤوساء الكنائس ذات التراث السرياني وهي الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والكنيسة السريانية الكاثوليكية، والكنيسة المارونية، وكنيسة المشرق الكلدانية، وكنيسة المشرق الأشورية.
البيان طويل بعض الشيء، وهذا كان لا بد منه، لأنه أول بيان يصدر عن أول لقاء كبير وعال بهذا المستوى.
وفي هذا المقال سأركز على ما أراه أهم النقاط فيه وهي الموقف الموحد حول التشديد على أن "كنائسنا تعتز بتراثها السرياني العريق الذي يجمعها ويشكّل إرثاً تاريخياً مقدّساً غنياً ينبع من وحدتنا التاريخية ولغتنا السريانية الواحدة وطقوسنا الكنسية والليتورجية المشتركة."
لابد وأن نزل البيان بردا وسلاما على محبي تراثنا ولغتنا السريانية. حقا إنه ليوم مشهود أن نقرأ بيانا مشتركا من قادة الكنائس المشرقية وهم يوعدوننا فيه بالسعي والعمل "على نشر تراثنا السرياني وتسليط الضوء عليه والمحافظة عليه بكلّ حرص كلؤلؤة ثمينة ووديعة مقدّسة."
نعم، تراثنا السرياني هو "الوديعة" التي يجب ان نحافظ عليها بأحداق عيوننا وهو "اللؤلؤة" التي لا أظن تملك أمة أخرى أو كنيسة أخرى ما يرقى الى ثمنها وسموها ورفعتها، ونحن أولى بالمحافظة عليها.
"
وهناك التأكيد على "إنّنا شعب واحد بتراثه السرياني المشترك، متجذّر في صلب هذا الشرق الحبيب وفي أساس تكوينه، رغم تعدّد كنائسنا وتنوّع تقاليدنا الرسولية."
انتظرنا طويلا لسماع وقراءة خطاب مثل هذا، بعد فشل القيادة السياسية لشعبنا – هذا إن جاز لنا هذا التعبير لأن في رأي لا نملك قيادة سياسية بالمعنى الصحيح.
وفي البيان فقرة خاصة بالشتات حيث يقطن الغالبية من المشارقة اليوم. وما شدني في هذه الفقرة هو التأكيد على "التمسك بإيمان آبائهم وأجدادهم وهويتهم وتراثهم ونشر هذا التراث التاريخي المجيد في المجتمعات والأوطان الجديدة التي يعيشون فيها."
وهذا بالتأكيد بالغ الأهمية، لأن في اللحظة التي تفقد فيها تراثنا السرياني بلغته، فإننا نخسر هويتنا وخصوصيتنا المسيحية المشرقية التي هي أمانة في أعناق البطاركة الأجلاء اولا واعناقنا نحن ثانيا.
ونوه البيان "بجهود الباحثين ومبادرات المؤسسات التي سعَت وتسعى لدراسة إرثنا السرياني المشترك ونشره." وأمل أن التنويه يعقبه اعمال وممارسات على أرض الواقع.
وربما لاول مرة نرى بيانا مشتركا يعبر فيه بطاركة المشرق بالإجماع عن رغبتهم "بإيجاد آليات مشتركة لتعليم اللغة السريانية التي تكلّم بها الرب يسوع ورسله القدّيسون، والعمل على نشرها والتعمّق بدراستها بالوسائل المتاحة من تقليدية وحديثة."
لنا الأمل الكبير ان يضع البطاركة المقررات هذه، وهناك المزيد لا يقل أهمية عنها، حيز التنفيذ، ونرى خطوات ملموسة في المضامير هذه لإحياء لغتنا السريانية وتراثها وطقوسها وفنونها وريازتها.
ولنا الأمل ان تبدأ عقارب الساعة في بعض الكنائس بالدوران عكس ما حل بشعبنا وكنائسنا من تغريب وتعريب وإقحام لتراث ونصوص غريبة هجينة على شبعنا وكنائسنا.
وكلنا أمل أيضا أن يبدأ البطاركة بمبادرات لتدريس اللغة السريانية وتراثها وأن نشهد مهرجانات للتراث السرياني والطقوس والفنون والأناشيد والآداب السريانية وعلى مستويات شتى.
إن التراث والفنون والآداب هي من أرقى ثمار الحضارة الانسانية. وإن كانت لغتنا السريانية وتراثها لؤلوءة، كما وصفها البيان، فأقول جازما ليس لأمة او كنيسة أخرى "لؤلؤة" و"وديعة" ثمينة مثل التي لدينا .
يكفينا مار افرام، ومار يعقوب، ومار نرساي، ومار ماروثا وغيرهم كثيرون أن نفتخر بهم بين الأمم والكنائس، ولكن كيف لنا الى ذلك سبيلا إن همشنا وغادرنا تراثنا ولغتنا وطقوسنا وأستبدلناها بالدخيل والأجنبي والركيك والغريب من النصوص والفنون.
لساننا السرياني حضارة. لغتنا السريانية وتراثها لا يجمع كنائسنا وحسب بل يجمعنا كشعب واحد تحت خيمة واحدة.
لا أظن بإستطاعتنا القول إننا شعب صاحب هوية إن خسرنا لغتنا السريانية وتراثها. لساننا السرياني هو البوتقة التي ننصهر فيها جميعا، شعبا وكنائس.
إن أردنا الحفاظ على هويتنا وفنوننا وآدابنا وتراثنا لا بل وجودنا، ، ما علينا إلا الحفاظ على لساننا السريان وتراثه.
من هنا كان البيان خطوة كبيرة تحتاج الى مؤازرتنا كلنا شعبا، بإختلاف أسمائنا، وكنائس، باختلاف مذاهبنا.