المحرر موضوع: الله  (زيارة 687 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل نبيل قرياقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 261
  • الجنس: ذكر
    • ياهو مسنجر - you_nabil90@yahoo.com
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الله
« في: 12:48 19/12/2022 »

الله -1-
[/size]
تُشير الأبحاث والتقارير العلمية  الى أنّ الجنس البشري تطوّر وراثياً منذ ما يُقارب المائتي ألف عام الى الجنس المعروف علمياً بجنس الـ (هومو هابيلس) وهو الأقرب الى شكل الإنسان المعاصر، حيث تدرّج الإنسان منذ ذلك الوقت في تطّوير صناعة الأدوات الخشبية والحجرية لأغراض صيد الحيوانات، وتمكّن أيضاً مِن التوجّه تدريجياً الى الزراعة وتربية الحيوانات بدلاً مِن الإعتماد الكلي السابق على التنقل وقطف الثمار وصيد الحيوانات، كما تدرّج الإنسان في إبتكار وتطوير وسيلة الـ (لغة) للتحدث والتفاهم مع البشر المحيطين به، وهكذ أستمر التطور التدريجي البطيء في قدرات العقل البشري الى أنْ حصلت فيه خلال الخمسة آلاف سنة الأخيرة قفزة نوّعية مفصليّة كبرى في قدراته حيث تمكّن ذلك العقل البشري مِن التفنُن في إبتكار (الرسم والكتابة) وتطوير أدوات وأساليب المعيشة والسكَن والمَلبس، كما تمكّن مِن إكتشاف (المعادن) وإستخراجها والتمييز بين أنواعها وتصنيعها، وبعدها تمكّن مِن إبتكار وتصنيع العُملة النقدية المعدنية (المال) لأغراض التعامل التجاري بدلاً مِن أسلوب المُقايضة البدائي، الأمر الذي حفّز بالضرورة إبتكار نظام (الدين)  ليكون أول نظام (دولة وقانون) في مجتمعات بشرية كانت تخلو حينها تماماً مِن أيّ شكل مِن أشكال القيادة والإدارة والتنظيم، وأستمر الإنسان بعدها في تطوير أنظمة إدارة المجتمعات جنباً الى جنب تطوّره علمياً وحضارياً لغاية يومنا هذا، الا إنّ معرفة مصدر أو أصل الكوّن وكذا أسرار الحياة والموت فما تزال لغاية يومنا هذا غامضة جداً وقد تحتاج الى حصول قفزات وراثية في مستوى قدرات العقل البشري لتجعله قادراً على التعرف على المزيد مِن الحقائق المُبهمة حالياً.
نعم، حالَ تطوّر الجنس البشري منذ ما يقارب المائتي ألف عام بدأ بإدراك حقيقة الموت المحتوم لكل كائن حي، كما إبتدأ عقله وبدافع مصلحته الذاتية بإفتراض حتمية وجود قوة عظيمة صنعَتْ الكوّن وخلقتْ الإنسان والكائنات الحية ليتمكن مِن التوسّل اليها لمساعدته في مقاومة ظروف الحياة، وقام الإنسان منذ ذلك الحين بصنع تماثيل خشبية وحجرية وطينية ليرمز بها الى تلك القوة العظيمة الخالقة لكل الأشياء مِن إنسان وحيوانات ونباتات وأرضٍ وشمس قمر ونجوم وجبال وأنهار وشرّ وخيّر وحياة وموت.
كان تصنيع الإنسان لتلك التماثيل أو الأصنام التي ترمز الى (الله) وبأسماء مختلفة يُمثِل رغبة نفسية أوجدها العقل البشري لضرورة وجودٍ ماديّ ملموس لتلك القوة العظيمة السحرية الخالقة لكل شيء وليتمكن الإنسان مِن خلال هذا الوجود المادي الملموس والمحسوس إيصال توسلاته الى الله لحمايته مِن مخاطر الطبيعة وتمنّي العودة الى حياة أخرى بعد الموت.
كان إفتراض العقل البشري لوجود خالق ذي مواصفات سحرية خارقة لقوانين الطبيعة بسبب مصلحته الذاتية في تمنّي وجود مَن يساعد الإنسان على متاعب الحياة ومَرارة الموت المحتوم، فالإمكانيات العقلية للإنسان كانت وما تزال الى يومنا هي في المستوى الذي يجعلها  ترى إستحالة وجود الحياة والكون بلا وجود (خالق)، فلا وجود لـ (شيء) مِن الـ (لا شيء)، مثلما أنّ الـ (لاشيء) هو إشارة للمقارنة مع وجود (شيء) ما!
العقل البشري ووفقاً لمصلحته الذاتية كان مُضّطراً لإفتراض وجود (الله) كخالق للكوّن مُستغِلاً القناعة المنطقية المُمكنة أمامه في عدم وجود إحتمالية لوجود شيء مِن اللاشيء، فالتركيبة العضوية لهذا العقل البشري كانت وربما ما تزال محدودة الإمكانيات بأتجاه توّقعِ إحتمالات أخرى، ولهذا لم يُعِر العقل البشري أهمية للتفكير في إجابة مًنْ يتساءل عن الجهة التي خَلقتْ (الله) وفق نفس القناعة المنطقية السابقة!
العقل البشري كان، وربما ما يزال لغاية يومنا هذا، بصورة إرادية أو لا إرادية، لا يُعير أهمية كبرى للإهتمام بالتساؤل عن مَن خلق (الله) نظراً لأن الإهتمام بهذا التساؤل سيُدخل الإنسان في متاهات لا تصل به الى نتيجة، كما أنّ مثل هكذا متاهاتٍ لا تخدم المصالح الذاتية للعقل البشري والمتمثلة بتمنّي وترجيح إحتمال وجود قوة عظيمة كقوة (الله) ليَعبِدها ويمدحها مُتوسلاً منها المساعدة وأعادة الحياة له بعد الموت.
العبادة الفردية للتماثيل أو الأصنام التي صنعها الإنسان القديم لتُمثِل القوة الألهية في المجتمعات البدائية لمْ يكن يعني وجوداً لـ (دين) في تلك المجتمعات طالما لمْ تَكن هناك أصول وأحكام دينية مفروضة على جميع أفراد تلك المجتمعات، لكنّ قيام فردٍ مِن أفراد المجتمع البدائي بِتَرأس مجتمعه كـ (مَلِك) وقيامه بتنظيم العلاقات الإقتصادية والإجتماعية فيه وفقاً لأصولٍ وأحكامٍ دينية مزعومة هو الذي كان يعني ولادة (الدين) لأول مرّة في تاريخ البشر، مثلما كان يعني ذلك بنفس الوقت قيام أول نظام دولة وقانون في التاريخ الإنساني.
يتبع ..
اعلاه هو الجزء الاول من المقال الاول من الفصل الاول من كتاب ( أحترمُ جداً هذا الدين ! ).

[/size]


غير متصل نبيل قرياقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 261
  • الجنس: ذكر
    • ياهو مسنجر - you_nabil90@yahoo.com
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الله -2-
« رد #1 في: 12:17 20/12/2022 »
يتفق أغلب مثقفي العالم في عصرنا هذا على الكثير من الملاحظات المهمة المُرتبطة بموضوع الخالق (الله)، أدرج بعضاً منها أدناه ( مُحتفظاً بعدم الكشف عن رأيّ الشخصي حولها ):
أولاً:
أنّ خالق الكون المُفترض (الله) ما يزال أمراً علمياً مجهولاً أمام إمكانيات العقل البشري الحالية، كما أنّ جميع كتب وأدبيات الأديان لا تتضمن أيّ جديد أو مفيد عن (الله) وأسرار الكون والحياة والموت أكثر مما كان العقل البشري قد تَصوّره عن هذه الأمور قبل عشرات الألوف من السنين، رغم أنّ كل دين أو مذهب ديني يدّعي أنه هو الأفضل والأصح بين كل الأديان والمذاهب الدينية وأنه يحوي على كل الإجابات المطلوبة!
ثانياً:
أنّ توصّل العقل البشري في منتصف القرن التاسع عشر بعد الميلاد الى نظرية داروين التي أثبتتْ أنّ جميع الكائنات الحية على سطح الأرض تنحدر مِن أسلاف وراثية مشتركة، لا علاقة له مطلقاً بمسألة وجود (الله) أو عدم وجوده، وأنما نظرية داروين تدْعم بقوة المنطق الذي يرى أنّ جميع الأديان هي إبتكارٌ توصّل اليه العقل البشري قديماً من أجل وضع أسس إدارية وقانونية تُدير العلاقات بين أفراد المجتمعات البشرية البدائية والتي كانت تخلو حينها تماماً من أيّ شكل من أشكال الإدارة والقانون.
ثالثاً:
أنّ التركيبة العضوية للعقل البشري كانت وما تزال تتصف بأنها تبحث دائماً عن المصلحة الذاتية للفرد، ولذا فإن الإنسان الذي ما يزال يعيش في مجتمعات لا تتوفر فيها فُرص العيش المناسبة لا يجد طريقاً لمساعدة نفسه سوى إفتراض وجود قوة سحرية خالقة للإنسان وليتوسل اليها لتقوم بإنقاذه مِن صعوبات العيش، وهكذا ترى أنّ المجتمعات التي تعاني من سوء إداراتها ومن كثرة متاعب الحياة فيها تتصف بزيادة تمسك أفرادها بـ (الدين) أو المذهب الديني المتوارث مِن الآباء والأجداد من أجل التواصل مع (الله) وعبادته وإستجداء مساعدته مما يؤدي الى إزدياد وتتوسع أعداد وواردات دُور العبادة في مثل هذه المجتعات  مُقابل إستمرار الظروف والأوضاع التي تنتقِص من حقوق وكرامة الإنسان، مُنوّهين الى أنّ واردات دُور العبادة قد تزداد أيضاً في عدد قليل من المجتمعات القليلة السكان والغنية بمواردها الطبيعية بسبب ما تحصل عليه دُور العبادة في تلك المجتمعات الصغيرة من أموال الأغنياء الذين يعتقدون أنّ أموالهم ستزداد إذا ما مَنحوا المزيد منها الى دور العبادة شاكرين (الله) الذي أغناهم وأفقر الآخرين من بشر الأرض، بينما تقل مظاهر الإلتزام بالتفاصيل والأحكام الدينية الموروثة وتقل مظاهر الإستجداء من (الله) في عموم المجتمعات التي تتوفر فيها المساواة وفرص العيش المناسب والكريم للجميع كما هو الحال في الكثير من المجتمعات الغربية، حيث تتحول فيها المعابد والأماكن الدينية تدريجياً الى أماكن تراثية، ويكون الإحتفال بأيام العطل الدينية في الغالب بإعتبارها مناسبات للراحة والمتعة أكثر من كونها مناسبة دينية بحتة، دون أنْ يعني ذلك ضرورة عدم إعتقاد أغلبية تلك المجتمعات بوجود (الله) ودون أنْ يعني ذلك أيضاً عدم وجود مَنْ يحافظ على إعتقاده الديني الشخصي دون أنْ يفرض نتائج إعتقاده على الآخرين، فعموم أفراد المجتمعات الغربية تدرك جيداً أنّ أسرار وجود (الله) وأسرار الحياة والموت ما تزال غامضة ومبهمة علمياً وربما قد يحتاج العقل البشري لطفرات وراثية للتعرف على بعض من خبايا تلك الأسرار!
رابعاً:
(الله) ليس محتاجاً لتعبُد وتذلل الإنسان له إستجداءاً للرحمة والعون والمساعدة لأنّ مِن المنطق أنْ يكون (الله) أدرى بما يعمل دون أنْ  يتصِف بالصِفة السيئة التي يتصف بها القادة الدكتاتوريين من البشر الذين لا يسامحون ولا يرحمون ولا يساعدون كل مَنْ لا يمدحهم ويتوسل اليهم ويتذلل أمامهم.
إصرار رجال أغلب الأديان والمذاهب الدينية على تحميل (الله) صفات الدكتاتور البشري الذي ينتقم من كل إنسان لا يعترف بوجوده حتى وأن كان ذلك الإنسان يتصِف بالأخلاق المثالية الفاضلة، هو ليس نتيجة إيمان اولئك رجال الأديان والمذاهب الدينية بصحة هكذا أحكام غير منطقية وإنما هو نتيجة رغبة خفيّة وأحيانا رغبة مُعلنة لأغلب رجال الأديان والمذاهب الدينية لفرض سلطتهم على جميع أفراد مجتمعاتهم بإعتبارهم هُمْ مَن يمثلون (الله) على الأرض والى الحد الذي يُلبي كل أطماعهم الخفيّة والغير معلنة في السلطة والمتعة والمال، بينما قد ستخْلو مجتمعات العالم من جميع رجال الأديان فيما لو توفرت أمام هؤلاء الرجال فُرص عمَل أخرى ذات موارد مالية ومنافع إجتماعية ومتعة أكثر من تلك التي تُوفرها لهم المِهن الدينية!
خامساً:
ليس صحيحاً التمييز في التعامل بين إنسان وآخر بسبب اللون أو الجنس أو الدين أو إيمان الإنسان بوجود (الله) أو عدم وجوده، فكل إنسان ومهما كان لونه أو جنسه أو دينه أو أيمانه أو عدم أيمانه بـ (الله) يتمنى بحكم مصالحه الذاتية المشروعة أنْ يُعامله الآخرون بالمساواة والأخلاق الحسنة، مثلما يترتب على هذا الإنسان أنْ يُعامل كل الآخرين أيضاً بذات الأخلاق حسنة من عدل ومساواة وصدق وأمانة ونزاهة وتضحية ورحمة ومحبة وحرص ووفاء للوالدين ومساعدة كل الضعفاء والمحتاجين، وهكذا يُمكننا تَوقُع تعايش جميع أفراد المجتمع بظروف وأخلاق إنسانية راقية لا علاقة لها بالمعتقد الديني الشخصي لكل فرد، حتى أنّ (الله) سيكون راضياً ومسروراً وسعيداً بِسواد مثل هذه الأخلاق بين البشر الذين خلَقهم!
سادساً:
لكل إنسان الحرية المُطْلقة بالإعتقاد أو عدم الإعتقاد بدين أو مذهب ديني مثلما له الحرية المطلقة في الإعتقاد أو عدم الإعتقاد بوجود (الله)، فكل ذلك هو ضمن أبسط حقوقه الإنسانية، لكن ما هو غير منطقي وغير صحيح هو أنْ يقوم الإنسان بالتجاوز على الحقوق المماثلة للآخرين من أفراد مجتمعه، وذلك حينما يقوم ذلك الإنسان بفرض قيود وأصول وأحكام ما يُؤمن به من دين أو مذهب ديني على بقية أفراد مجتمعه حارماً إياهم من حقوقهم في رفض أو قبول تلك القيود والأصول والأحكام الدينية.
سابعاً:
كل مُثقفي المجتمعات التي يتمتع أفرادها بالعدل والمساواة والعيش النسبيّ الكريم يُجمِعون على أن الحالة الطبيعية للتركيبة العضوية لعقل الفرد الذي يعيش في مجتمعاتهم تجعله، سواءاً إعتقد بوجود الله أمْ لمْ يعتقد، يختار التصرف مع الآخرين بمثل ما يتمنى أنْ يعاملوه به، ففي ذلك تتحقق مصلحته الذاتية المماثلة لمصالح الآخرين أيضاً، أما بالنسبة للأفراد الذين يُحاولون التجاوز على حقوق الآخرين فيتم محاسبتهم حسب قوانين المجتمع التي لا علاقة لها بـ (الدين) أو بمسألة الإعتقاد أو عدم الإعتقاد بـ (الله)، مُشيرين الى أنّ التجاوز على حقوق الآخرين يتضاعف مئات المرات في المجتمعات التي يتوارث أغلب أفرادها إجتماعياً الإيمان أو الإعتقاد بـ (الله) وبالأحكام الدينية والى الدرجة التي غالباً ما تجعل مثل هذه المجتمعات في مقدمة المجتمعات إساءةً لحقوق الإنسان فيها، وهذا ما يؤكد أنّ الظن بأنّ تبني ثقافة (الخوف) من الله ليست الحل المناسب لبناء مجتمع يتمتع أفراده بحقوقهم الإنسانية، كما أنّ تربية الإنسان بأسلوب (الخوف) عموماً يؤدي الى نتائج سلبية كثيرة تفوق الإيجابات المزعومة، ناهيك عن أنّ أسلوب التخويف والتهديد لا يليق عموماً بالإنسان والإنسانية ولا يصلح إستخدام مثل هذا الأسلوب مع الإنسان الا في حالات خاصة ومحدودة جداً وبإعتباره آخر الحلول، في حين قد يكون أسلوب (الخوف) مناسباً لإستخدامه كأول وآخر الحلول في تدريب بعض الحيوانات وليس (جميعها)!
 ثامناً:
أغلب أفراد المجتمعات التي يَسود فيها العدل والمساواة والعيش النسبي الكريم يتعاملون مع أيّ فرد من أفراد مجتمعهم وفقاً لمؤهلاته وأخلاقه وتصرفاته مع الآخرين بدون التعرّف أو الإطلاع مطلقاً على رأيّ ذلك الفرد في الـ (دين) أو في مسألة وجود الله أو عدم وجوده، فتلك هي مسائل خاصة وشخصية عائدة الى الفرد ولا يحق لأحد التعرف عليها أو التدخُل فيها.
يتبع ..
اعلاه هو الجزء الثاني من المقال الاول في الفصل الاول من كتاب ( أحترم جدا هذا الدين ).



غير متصل نبيل قرياقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 261
  • الجنس: ذكر
    • ياهو مسنجر - you_nabil90@yahoo.com
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الله -3-
« رد #2 في: 15:01 21/12/2022 »


الله -3-

 

أدناه ، هو الجزء الثالث من المقال الاول في كتاب ( احترم جدا هذا الدين ) :

تاسعاً:

الخلافات التي تنشأ في المجتمعات المتخلفة والغير متحضرة بين مَنْ لا يؤمنون بوجود (الله) وبين مَنْ يُصرّون على وجود (الله) هي خلافات تَعود الى رغبة مَنْ يُصرّون على صحة وجود الله على فرْض أحكامٍ وقيود دينية أو مذهبية على الآخرين مِن أفراد مجتمعاتهم، حيث أنّ هؤلاء المؤمنين بـ (وجود الله) يَربطون هذا الإيمان بشكل كامل بموضوع آخر يتمثل بـ (الدين) أو (المذهب الديني) الذي توارثوه إجتماعياً.

أغلب القادة المُصرّين على وجود (الله) يكون (الله) لديهم وسيلة لتحقيق هدف آخر مخفي وغير معلن بشكل واضح الا وهو إخضاع الآخرين لواقع إنّ الإعتقاد الفعلي بوجود (الله) لا يتحقق فعلياً الا من خلال الإيمان المطلق بـ (الدين) أو (المذهب الديني) الذي يترأسونه والذي يحوى الأحكام الواجبة التنفيذ مثلما يحوى المؤوسسات ودور العبادة التي تدرّ على اولئك القادة الدينيين والمذهبيين بالسلطة والأموال، وهكذا فهؤلاء القادة الدينيين أو المذهبيين لا يكتفون بمَن يقول لهم بأنّ إحتمال وجود (الله) هو إحتمال قائم، بل أن هؤلاء المُصرّين على وجود (الله) غالباً ما يُوسعون إصرارهم هذا بالقول بأنّ وجود (الله) يُلزِم بالضرورة إعتناق (الدين) أو (المذهب الديني) وما يتطلبه هذا الإعتناق من رضوخٍ لجميع أفراد المجتمع الى الأحكام والتقييدات الدينية أو المذهبية المتوارثة منذ آلاف السنين والتي بات الكثير منها منافياً تماماً لحقوق الإنسان في عصرنا الحاضر.

هكذا يتوضح للجميع أنّ وجود (الله) ليس هو الهدف الحقيقي لأغلب الدينيين أو المذهبيين، بل أنّ الهدف الحقيقي يتمثل بالمصالح المادية والمعنوية الخفيّة لأغلب رجال الدين أو المذهب الديني، فأغلب رجال الدين أو المذهب الديني واثقون أنّ إصرارهم على وجود (الله) سيَعطي شرعية للوجود الإجباري لدينهم أو مذهبهم الديني، وهذا ما يخدم مصالحهم الحقيقية الخفيّة والغير مُعلنة، حيث أنّ السلّطة الدينية ومواردها وإمتيازاتها المادية والمعنوية تزداد بإزدياد عدد المَحسوبين على الدين أو المذهب الديني، ولولا هذه المصالح المادية الخفيّة والغير مُعلنة لكانت مناقشة مسألة وجود الله أو عدم وجوده لا تتعدى كونها نقاشاً فكرياً متحضراً، بل أنّ جميع مثقفي العالم يدركون أنّ الإنسان عموماً (يتمنى) وجود (مَنْ) يساعده في مِحن الحياة على الأرض، مثلما (يتمنى) كل إنسان وجود (مَنْ) يُعيد له الحياة بعد الموت!

عاشراً:

قلة الإلتزام بالتفاصيل الدينية الموروثة وقلّة مظاهر التعبُد والإستجداء من (الله) في المجتمعات التي لا يُلاقي أفرادها صعوبة كبيرة في العيش المناسب لا يعني أبداً أن هؤلاء الأفراد يرفضون فكرة وجود (الله) أبداً مثلما قد لا يعني ذلك أيضا ضرورة تأييدهم لإفتراض وجود (الله)، فأغلب أفراد هذه المجتمعات يحاولون التعامل مع الآخرين في تفاصيل حياتهم اليومية بنفس شكل ومضمون التعامل الذي يتمنون أنْ يعاملهم الآخرون به، وهكذا فأن هذه المجتمعات تسنّ قوانينها وفقاً للمنطق والعلوم التي توفر العدل والحرية والمساواة للجميع بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو دينهم أو معتقدهم أو إيمانهم بوجود الله أو عدم وجوده، حيث أنّ هذه المجتمعات تؤمن بحق كل إنسان في الإعتقاد بما يُناسبه دون أنّ يتجاوز على الحقوق المماثلة للآخرين.

أحد عشر:

يظنّ أغلب أفراد المجتمعات المُتخلفة حضارياً والتي تفتقد وجود العدل والمساواة فيها، بأنه لولا وجود عامل (الخوف) من الله فأن الإنسان لا ولن يتصرف بأخلاق حسنة مع الآخرين، وذلك وفقاً لما توارثه اولئك الأفراد من أصول وثقافة دينية، لذا فهم يعتبرون أنّ قيام أيّ فرد فيهم بمناقشة مسألة الـ (دين) أنساناً منحرفاً ويمكن أنْ يَصدر منه الكثير مِن أخلاق السوء تجاه الآخرين طالما أنه يَشك في مدى صحة أحكام وأصول الـ (دين)، وهكذا تُحارِب مثل هذه المجتمعات كل فرد فيها يحاول أنْ يُناقش صِلة الأحكام والأصول الدينية الموروثة بموضوع تَواصل فُقدان العدل والمساواة والعيش الكريم في المجتمع، حيث يتم إعتقال أو قتْل مثل هؤلاء الأفراد، بينما يَهْجر الآخرون مجتمعاتهم وبلدانهم بحثاً عن حقوقهم الإنسانية في حرية التفكير والتعبير.

إثنا عشر:

معظم أفراد المجتمعات التي لا تتوفر لأفرادها فرصة العيش المناسب، يعتنقون لا إرادياً الدين أو المذهب الديني الذي يتوارثوه إجتماعياً من آبائهم وأجدادهم، حيث غالباً ما يتمّ تثبيت أسم الدين أو المذهب الديني في الوثيقة الرسمية لولادة الطفل في تلك المجتمعات، وهكذا تصبح المصالح المادية والإجتماعية هي التي تجعل أفراد هذه المجتمعات غالباً ما يتظاهرون بالإلتزام بإنتمائهم الديني أو المذهبي رغم عدم قناعة الكثير منهم بصحة الأحكام والأصول الدينية والمذهبية الموروثة من آلاف السنين، بينما يحاول البعض من أفراد هذه المجتمعات أنْ يخدع أو يُقنع نفسه بشتى السبل بأنّ أحكام وأصول الدين أو المذهب الديني الذي تَوارثه هي أحكام صحيحة بل هي الأفضل بين أحكام كل معتقدات البشر الأخرى، في حين كان سيشعر ويعتقد بنفس الطريقة لو أنه ولِدَ في عائلة أخرى تعتنق ديانة أو مذهب ديني آخر!

ثلاثة عشر:

تشترك جميع المجتمعات التي تفتقد تطبيق أبسط مباديء العدل والمساواة بين أفرادها بصِفة كثرة إستخدام وتداول وتعظيم أسم (الله) أو أسم (الكتاتور السياسي الحاكم) وأحياناً كلاهما!

أربعة عشر:

هناك أعداد محدودة من رجال الأديان والمذاهب الدينية مِمَن يتصفون بسعة الأفق الفكري والأخلاق الإنسانية الفاضلة، حيث يدركون جيداً إنّ محاولاتهم الدينية أو المذهبية لتأكيد (وجود الله) يجب أنْ تهدف بشكل رئيسي الى منْح كل إنسان قوة نفسية للصبر ومقاومة الكآبة والإنتكاسات الحياتية والتمسك بالمزيد من الأخلاق الفاضلة مع الآخرين من البشر.

هؤلاء القلة المثالية من رجال الأديان والمذاهب الدينية لا يستخدمون محاولات تأكيد (وجود الله) وسيلةً للوصول الى هدف إخضاع الآخرين لأحكام وقيود الدين أو المذهب الديني العائد لهم حصراً، فهم لا يُعقّدون أو يَربطون موضوع وجود (الله) بشرط إنتماء الإنسان الى دينهم أو مذهبهم أو الى أيّ دين أو مذهب آخر بقدر ما يَعتبرون أنّ قيام الإنسان بمعاملة الآخرين بمثل ما يتمنى أنْ يعاملوه هو كل ما يريده (الله) من الإنسان.

غالباً ما تكون سعة الأفق الفكري والأخلاق الحسنة لمثل هؤلاء القادة الدينيين المثاليين متأتية ليس فقط بسبب إيمانهم بـ (الله) أو بأحكام الدين أو المذهب الديني الذي يُمثلونه حسْب، وأنما بسبب تركيبتهم العقلية الشخصية والوراثية ونوع بيئتهم العائلية والإجتماعية والإقتصادية المساندة لتركيبتهم الشخصية وغالباً ما يكون مثل هؤلاء مِن رجال الدين وعوائلهم مَحدودي السلطة والمال، كما يكون أغلبهم مَنبوذين أو مُحاربين مِن قبل زملائهم في المهنة.

خمسة عشر:

هناك نسبة كبيرة من رجال الأديان مِمّن تَفرِضُ عليهم قياداتهم الدينية أو المذهبية أوضاعاً أو شروطاً لا منطقية تكون سبباً مهماً في إعاقة عملهم بشكل كبير، حيث تقوم بعض القيادات الدينية مثلاً بِمنع الذي يُزاول مهنة دينية لديها سواءاً أكان رجلاً أو إمرأة من ممارسة الجنس طوال العمر، حيث تؤدي مثل هذه الأوضاع أو الشروط القاسية بِمُمتهِن مِهنة الدين الى حالة من المعاناة الإنسانية الصعبة والتي غالباً ما تقوده لا إرادياً الى سوء التصرف مع رعيتّه ومع الآخرين.

ستة عشر:

الأغلبية العظمى من سكان الأرض حالياً لا يُمارسون الطقوس الدينية العامة بمناسبات الأعياد وغيرها أو الطقوس الدينية الخاصة بمناسبات الزواج أو الوفاة بسبب إدراكهم صحة تفاصيل وأحكام الدين أو المذهب الديني الذي توارثوه لا إرادياً من آبائهم وأجدادهم وأنما بسبب الإنضمام الجمعي للعادات السائدة إجتماعياً.

سبعة عشر:

الغالبية العظمى من جميع بشر الأرض يتفهمون ويدركون صحة كل ما تمّ ذِكره في النقاط أعلاه لكنهم لا يتجرّأون على أعلان ما في سِرّهُم خوفاً على أنفسهم أو مصالحهم.

في مقالات قادمة سنعرض المزيد مِن الآراء حول الأديان والمَذاهب الدينية!

يتبع ..

 

نبيل قرياقوس

كاتب ومؤلف مستقل سياسيا وفكريا

 

 
[/size]

غير متصل نبيل قرياقوس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 261
  • الجنس: ذكر
    • ياهو مسنجر - you_nabil90@yahoo.com
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
(الله) الشرق الأوسط -4-
« رد #3 في: 17:42 22/12/2022 »

لغاية يومنا هذا، ما تزال بعض المجتمعات الشرقية، لاسيما مجتمعات الشرق الأوسط التي تسود فيها ديانة واحدة، تربط مسألة وجود (الله) بموقف بعض الأفراد فيها من مسألة (الدين).
في عموم مجتمعات الشرق الأوسط يتم إجتماعياً إتهام الفرد فيها بكونه كافراً لا يؤمن بوجود الله حالما يُعلن ذلك الفرد بأنه يرى أنّ (الدين) هو إبتكار بشري حصِل نتيجة حاجة مجتمعات بدائية قبل آلاف السنين الى نظام إداري يُنظّم العلاقات الإقتصادية والإجتماعية فيها بعد ظهور العملة المالية لأول مرة في التاريخ البشر،  ويستند الإتهام المجتمعي لذلك الفرد وفقاً لإعتبار أنّ (الدين) هو مجموعة أحكام إلهية لا تَقبل المناقشة والتشكيك مُطْلقاً حتى لو كانت مجموعة الأحكام الدينية تلك لمْ تعُد تتناسب مع أسس الفهم الحديث لـ (العدل) و (حقوق الإنسان)، وهكذا فأن عموم أفراد معظم مجتعمات الشرق الأوسط  ترى في عدم قناعة أيّ فرد فيها بالإحكام والقصص الخيالية الواردة في الكتب الدينية ما يدل على أنّ ذلك الفرد هو إنسان لا يعتقد بوجود الله، وأنه إنسان شاذ وقد يقوم بكل الأعمال والأخلاق السيئة مِن قتلٍ وسرقةٍ وكذبٍ وإعتداءٍ على الآخرين طالما هو لا يخاف من عقاب (الله) الذي لا يؤمن بوجوده!
عموم مجتمعات الشرق الأوسط ما تزال لا تتفهم إن العقل البشري ومنذ عشرات العقود إبتكر في مجتمعات شرقية عديدة وفي معظم المجتمعات الغربية أنظمة جديدة متتالية في تسمياتها وتنوّعها وتطوّرها لغرض إدارة الشؤون الإقتصادية والإجتماعية والسياسية وفقاً لقوانين لا صلة لها مطلقاً بمعتقد الإنسان حول الدين أو حول الله، حيث يَخضع جميع أفراد هذه المجتمعات الى مجموعة قوانين غير جامدة يتم تطويرها بإستمرار لكي تكون متناسبة مع المتغيرات الإقتصادية والإجتماعية ومع الفهم المتطوّر للحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
يرى أغلب المُثقفين في العالم أنّ سبب أستمرار ربط موضوع (الدين) بمسألة وجود (الله) في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط لغاية يومنا هذا يرجع الى بعض أو كل العوامل الآتية:
أولاً:
الرغبة الدائمة واللامحدودة لأغلب رجال الدين لزيادة نفوذهم وأموالهم القادمة من إدارة وتشغيل أماكن ومؤسسات العبادة، حيث غالباً ما يقوم الأغنياء الشرقيون بتسديد الأموال لدى تلك الموؤسسات الدينية بدافع من المصلحة الذاتية المشروعة لعقولهم البشرية بهدف الحصول على المزيد من الغِنى والصحة والتوفيق بعد تسديد المبالغ المالية التي تُقررها الأحكام الدينية الإلهية (حسب إعتقادهم)، وكذا يقوم الفقراء أيضاً بِتسديد الأموال والتبرعات في تلك الأماكن الدينية لكي يلتمسون من الله الرحمة بهم وتحسين أمورهم المالية والصحية والإجتماعية، في حين يدّعي رجال الدين قيامهم بتوزيع تلك الأموال المُتجمِعة لديهم على الفقراء والمحتاجين وعلى أدامة دُور وأماكن وموؤسسات العبادة.
يسعى أغلب رجال الدين في مجتمعات الشرق الأوسط الى إستغلال الحالة الطبيعية العامة السائدة عند كل إنسان في تمنّي وجود (الله) وليقوموا بتحشيد عموم الناس ضد كل مَنْ لا يعتقد بصحة (الدين)، عن طريق الترويج الدائم لثقافة مجتمعية تُفيد بأنّ الذي لا يعتقد بصحة (الدين) هو إنسان لا يؤمن ولا يعتقد بوجود (الله)، وأنه إنسان شاذ ويمكن تَوقُع كل أخلاق السوء منه نظراً لأنه لا يخاف من حساب وعقاب الله!
ثانياً:
الثقافة والأصول الدينية التي يتم توارثها من جيل الى آخر إجتماعياً تُساهم في تهيئة البيئة المناسبة والمجال الواسع للأمكانيات والقدرات الماديّة المؤثرة لأغلب رجال الدين ومؤسساتهم الدينية لمعاداة وتحجيم أيّ إدراكٍ أو نشاطٍ مجتمعي مُضاد يُنادي بأنظمة وقوانين وأحكام جديدة وغير دينية متماشية مع ما حققه العقل البشري فعلياً من تطوّر في مجال إدارة شؤون الحياة في مجتمعات أخرى شرقية وغربية، وهكذا يستمر حال التخلف في أغلب مجتمعات الشرق الأوسط، كما يستمر حرمان الأنسان الشرقي من حقوقه في حرية الفكر والتعبير وحريته في نمط حياته الجنسية الخاصة.
ثالثا:
في حال قيام أي مجتمع بأدارة نفسه بأنظمة قانونية حديثة متطوّرة تُؤمِّن العدل والمساواة وتُوفر العمل والمعيشة الكريمة والسكن والرعاية الصحية للجميع في ظلّ حرية المُعتقد وحرية التفكير والتعبير فأن ذلك يؤدي طبيعياً الى قلة حاجة الأغلبية من الناس الى الذهاب الى دُور ومؤسسات العبادة لطلب الرحمة والمساعدة من رجال الدين وموؤسساتهم، وهذا يؤدي بالنتيجة الى إنحسار نفوذ أغلب رجال الدين وإنحسار مواردهم، وهذا ما لا يُريدونه ولا يتمنونه رغم أنهم كرجال دين يتظاهرون بالعكس تماماً حيث أنهم دائماً ما يُعلنون رغبتهم وعملهم لكي يحصل كل إنسان على ظروف الحياة الكريمة، وهكذا يكون إستمرار حالة التخلف ومصادرة حقوق الإنسان في أيّ مجتمع هو الهدف الحقيقي الغير مُعلن لأغلب مُمتهني مهنة (رجل دين) أينما كانوا، مُنوّهين الى :
دوام وجود نسبة محدودة جداً من بسطاء المجتمعات مِمّن قد يُؤمِنون فعلاً بكل تفاصيل (الدين) لكنهم خارج إتّجاه دائرة رجال الدين في تمنّي إستمرار حالة التخلف والعوز ومصادرة حقوق الإنسان في مجتمعاتهم، ومثل هؤلاء القلة من الأفراد تراهم لا يتقبلون أيّ مَنافع أو مبالغ مقابل إيمانهم وإعتقادهم الديني، كما أنّ مثل هؤلاء القلة من الأفراد لا يُؤثرون سلباً أو أيجاباً في مجتمعاتهم في المجال الديني، بل يمكن إعتبارهم أحياناً مِن ضحايا أصحاب المهن الدينية.
يتبع ..
أعلاه هو الجزء الاول من المقال الثاني من كتاب ( أحترم جداً هذا الدين )!
نبيل قرياقوس
كاتب ومؤلف عراقي - مستقل سياسيا وفكريا