المحرر موضوع: جزء من رواية صراع التاريخ (فرسان الهيكل) سلمى البكري  (زيارة 889 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل د. بهنام عطااالله

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1509
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
جزء من رواية صراع التاريخ (فرسان الهيكل) للروائية سلمى البكري

                           

                                   قصر الشر
 
نحن الآن في أحد المحيطات النائية، وبالقرب من قصر واجهتهُ تشبه تلك التي نشاهدها في أفلام الإثارة والرعب الأمريكية. المشهد أمامي مليء بالظلام الحالك والقابع في كل مكان.
القصر يُحيط به الدخان الأسود الكثيف، الذي يعيق رؤيته بوضوح. صوت المياه والأمواج المتلاطمة يتوغل في أعماق أذني. أشعر أن خطرا ً حقيقيا ً سيداهمني.
ها نحن الآن نقترب أكثر فأكثر لنرى قصرا ً مساحتة كبيرة جدا ً، ذا طابع معماري فخم، فيه الكثير من الأعمدة الممتدة على طوله، لا يوجد له سور، كأنه يقول: " لا حدود لمملكتي ". يُخيل لك للوهلة الأولى بأن لونه أبيض، ولكن كلما إقتربتَ منه تجد نفسك في ذهول تام.
يتدرج اللون من الأبيض إلى الرمادي، تحركتُ الى أقرب نقطة منه، لأرى أن لونه قد تحول الى أسود غامق كالفحم. روائح نتنة لم أشم مثلها من قبل، أصوات مختلطة مع بعضها البعض تصدر من الداخل، يتبعها زئير قوي مستمر ينطلق بين آونة وأخرى من بين ثنايا القصر..عجباً القصر يزئر!!  أجنحة كبيرة تشبه أجنحة النسور المحلقة، هنا وهناك وبأعداد هائلة لا أستطيع عدّها لتشابكها.. إنها  ُتغطي القصر كله من الخلف.
المشهد الأول للقصر مرعب للغاية، دعنا ندخل لنرى ماذا يوجد داخل هذا القصر.
نحن الآن عند البوابة الرئيسة للقصر، إنه عبارة عن مُجسّم كبير مليء برؤوس الثعابين، التي ُتخرج ألسنتها لتنال منا، وبسبب هذا الرعب الذي تملكني، أردت ُ العودة من حيث أتيت، ولكن صوتا ً أتاني من بعيد يصرخ ويقول : "  تراجعي .. تراجعي " .
ولكن كيف أتراجع وأنا في هذا الموقف المخيف والمرعب ؟..
أنا لا أستطيع فعل ذلك الآن.. فلا يوجد طريق للرجعة مطلقا ً.
لقد اختفت من أمامي ملامح الطريق الذي أتيت منه.. ها أنا الآن أشعر بصداع ودوار شديدين. أغمضتُ عينيَ للحظة ثم فتحتهما، ها أنا الآن أسمع صوت صرير البوابة الكبيرة وهي تفتح أمامي.. قوة كبيرة جذبتني إلى الداخل كالمغناطيس وكأنها تنزع روحي من جسمي.. وفجأة تركتني تلك القوة التي أحسست بشرّها، كي أرى الرعب الحقيقي الآن.

                         
أبو العهود الأسود المغضوب
 (حامل الضوء)

على الماء مباشرة عرش عظيم جدا ً..عرش مرصع بالألماس ورؤوس الثعابين مع تباين أحجامها وألوانها. للعرش تسعة أرجل على هيئة ثعابين حية، وفي الحقيقة لا أعلم أهي حية حقا ً أم يُخيل لي ذلك؟
على العرش يجلس كائن غريب الشكل مرعب للغاية، بشرته سوداء متفحمة، جسم ضخم ورأس كبير. قرنان كبيران سوداوان، عينان ممشوقتان بشكل طولي لونهما أحمر قان، مشرئبتان بقليل من السواد، أنف صغير مائل لليسار قليلا ً، متكور بعض الشيء. فم كبير وأنياب طويلة، وأذنان تشبه آذان الخيل من ناحية الشكل المدبب. شعر كث وغزير يكاد يغطي معظم جسمه، الأرجل والأيادي بنفس الطول تقريبا ً مع أظافر طويلة منحنية في نهايتها إلى الأمام.
ومع كل هذه البشاعة، إلا أنه يمتلك ثوبا ً قرمزي اللون جميل للغاية، ومجوهرات لا تقل فخامة عن ذلك الثوب. لفتت نظري تلك القلادة، التي بداخلها عين تنظر يمينا ً وشمالا ً ، بنظرات كلها خبث ومكر.ومع كل هذه الفخامة في الهندام والمجوهرات، إلا أنه يرتدي نعلا ً مصنوعا ً من ورق البردي.
أمسك هذا الكائن المخيف بريشة طاووس، ثم غمسها في قارورة بجانبه وأخرجها ببطء شديد، فإذ بها رأس أفعى ُتخرج لسانها، إستعدادا ً للكتابة على ورق البردي.
انتابني الفضول أكثر..أقتربُ لأرى ماذا يكتب هذا الكائن ؟.
ها أنا الآن أراه بوضوح إنه يكتب على الورقة التي أمامه، أقتربتُ منه أكثر لأرى شيئا ً مما كتب، حدقتُ بتركز، لم أر على الورقة سوى عنوان كبير، وبخط واضح  كتب في أعلى المخطوطة اسم (مخطوطة الشر).
أنظر الى يساره فأركز نظري بتمعن لأرى كرة زجاجية كبيرة يميل لونها الى السواد مع قليل من الخطوط البيضاء تدور بسرعة في فلك دائري ضمن فضاء الشر ومداراته، وكل ما يكتب هذا الكائن الغريب يخترق الكرة وينفذ داخلها حالا ً .
اقتربتُ أكثر لكي أرى ما يحدث بوضوح، ولكن قوة جذب هائلة موجودة داخل هذه الكرة العجائبية جذبتني إلى داخلها، فإذا بي أحلقُ في أجواء السماء عاليا ً في زمن غير هذا الزمن، وخيال لا يمكن أن يتصور. ومع أنني قد حلقت مع الكرة الى ارتفاع عال فالمفترض بي أن لا أرى ما يجري على الأرض جيدا ً بسبب بعد المسافة، لكنني  وبإعجوبة  أرى كل شيء بوضوح كبير أمامي.
ها إنني أرى كل ما يدور على الأرض، وكأنه شاخص أمام عيني.. أرى حشودا ً وجموعا ً كثيرة من الناس، رجالا ً ونساء ً متوجهين بطوابير طويلة نحو الكنيسة الصغيرة الجاثمة أسفل الجبل، وكل يحمل في يده قطعا ً من الذهب أوالفضة أو نقودا ً معدنية، وقد وقفوا في طوابير طويلة تحت اشعة الشمس المحرقة. إنهم يتدافعون كخلية نحل ليسلموا ما لديهم من أموال ومقتنيات للكاهن، الذي اعتلى مكانا ً مرتفعاً أمام باب الكنيسة لينالوا صكوك الغفران.


                                     صكوك الغفران

امتطى أدريان صهوة جواده وهو في حالة هستيرية، لا يعلم إلى أين هو ذاهب، لكنه يعلم ضخامة الذنب الذي اقترفه.
انطلق الجواد بسرعة فائقة، وكأنه أحس بصاحبه وبالخطيئة التي إرتكبها. بعد حوالي ساعة من السير، توقف الجواد بجانب كنيسة قديمة، كانت أجراسها ما زالت تدق بإستمرار، لتعلن عن إنتهاء صوم دام خمسين يوما ً، سمع أدريان أصوات الأجراس فزاد ألمه.. ألم الخطيئة.
ترجّل أدريان من فوق فرسه، وهو يتساءل لماذا توقف الفرس بجانب الكنيسة، هل الرب يريد مني أن أتوب ويغفر خطيئتي؟
مشى بخطواتٍ بطيئة، وهو مثقل بالذنب الذي اقترفه .
الكنيسة تغص بالمصلين، فتى يرتدي قميصا ً أبيضا ً، يفتح الباب، سامحا ً بوصول نسمات من هواء بارد جدا ً الى الداخل.
اتجه إلى منبر الإعتراف الخشبي الذي في داخل الكنيسة، أخذ الكاهن توماس مكانه خلف الشباك الصغير، ومن الجهة الأخرى، وقف أدريان وقد وضع جبهته على الشباك الفاصل بينهما، ثم بدأ بتلاوة صلاة خاصة، قبل أن يتكلم بصوت بطيء ومنخفض، بما يشبه الهمس ثم تنفس ببطء وبعمق ليردد:
" اللهم يامن لا يريد هلاك الخاطئ، ولكن يريده أن يتوب فيحيا، أعترفُ بأنني أخطأت إلى السماء وأمامك وقابلتُ عظيم إحسانك بالنكران ".
- تكلم أيها الشاب.. قال له الكاهن توماس - وحده الله يسمع ما يقال هنا – تكلم .. أعطِ نفسك له واعترف بذنوبك.
- لقد اقترفتُ ذنبا ً كبيرا ًً يا أبت، لقد خنت الأمانة. في الحال شرد بخياله وراح يتذكر عندما كان طفلا ً، كان يذهب هو وأمه إلى الكنيسة، كانت أمه تسعى جاهدة لأن تجعله لا يخالف وصايا الله العشر..ثم رجع بذهنه ليوم الحادث ليروي ماحدث في ذلك اليوم المشؤوم للكاهن توماس فقال:
- ذهب العم سيمون - في الصباح الباكر كعادته - ليفتح محل بيع الزيت خاصته، فانتهزتُ أنا الفرصة - مثل كل يوم - وصعدت إلى مخدعه.
 كانت أديليا في انتظاري، كان جهها كالبدر يشعُ نورا ً، جسمها ممشوق فارع، وشعرها الذهبي. لقد همت بها فأسرت عيني وقلبي وكياني في كل لحظة تمرّ وأنا معها.                     
ولكن الذي حصل -  يضيف أدريان - إن العم سيمون وهو في منتصف الطريق، تذكر أنه نسي مفتاح المحل على منضدته في غرفة نومه، فعاد إلى المنزل مسرعا ً وصعد السلم متوجها ً إلى غرفته، نظر يمينا ً ليرى باب غرفتي مفتوحا ًً على مصراعيه فتحدث مع نفسه وقال:
- أدريان يا لك من فتى مشاكس تستيقظ باكرا ً، ولا تأتي للمحل إلا عند الظهيرة.
وما أن صل إلى غرفته في آخر الرواق، ومسك مقبض الباب، حتى سمع صوت زوجته وهي تطلق ضحكة عالية ثم قالت : اللعنة عليك يا أدريان ".
إرتسمت الدهشة على وجه العم سيمون عندما سمعها، وبدت شرارة الغضب تشع من عينيه. فرددتُ أنا أيضا ً " عليكم اللعنة جميعا ً ".
نزل مسرعا ً إلى الأسفل، وأخذ سكينة حادة من المطبخ وصعد إلى الأعلى، وهو في حالة هستيرية وغضب شديد.
فتح الباب بسرعة، كانت أديليا في وضع تسمح له بطعنها أولا ً، فسدد لها طعنات عديدة متتالية، أسقطتها أرضا ً. حاول تسديد طعنة لي ولكنني أمسكتُ بذراعيه وأحكمت قبضتي على عنقه بقوة وضغطت بشدة إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة، وخارت قواه ففارق الحياة. حينها تركته وتجهت إلى أديليا مسرعا ًً.
صرختُ بأعلى صوتي: "أديليااااا .. أدليااااا" .
لقد ماتت أديليا..
حملتها وذهبت بها إلى قبو المنزل فدفنتها هناك. لم أستطع دفن عمي؛ لأنني لا أستطيع رؤيته بعدما شاهدني أخونه مع زوجته، أو ربما لأنه قتل حبيبتي أديليا .
بعد ذلك يا أبت ِ امتطيت فرسي - وأنا لا أعلم إلى أين أذهب – فساقني الى إلى هذه الكنيسة.
قال له الكاهن توماس بعد أن سرد القصة كاملة:
- ألتمسُ من الرب أن يسامحك على فعلتك، وسيكون لك عونا ً كبيرا ً، يا بني فباسمه،  أطلب أن يصفحَ عنك وباسم الكنيسة أعطِ لك صك الغفران، بشرط أن تبقى معنا في الدير كي ُتكفر عن ذنوبك كلها.
الكاهن توماس ثعلب ماكر ومراوغ، لا يهب صكك الغفران مجانا ً، يا ترى  ماذا يريد، وما الشيء الذي يُخطط له، ولماذا يريد من أدريان أن يبقى في الدير؟
يكمل أدريان الصلاة مرددا ً: " أشكر صلاحك يارب يا محب البشر، لأنك لم تشأ هلاكي، بل أيقظتني من غفلتي وأهديتني إلى طريقك القويم، ثم انتشلتني من وادي الهلاك ونقلتني إلى حصنك الأمين".
بعد مرور ثلاث سنوات، كان أدريان قد أصبح تلميذا ً في رهبنة الدير، حيث عوّد نفسه على عادات وقيم الدير القاسية، ووضع تحت الإختبار.
عندما تأكدوا من صدقه ومدى جديته والتزامه بقوانين الدير، قرروا اعتماده راهباً  في الدير، على أن يلتزم بقوانين الرهبنة من خلال ثلاثة نذور، وهي البتولية، والطاعة، والفقر الاختياري. فكان يقضي كل وقته في عبادته الفردية وتأملاته  فضلا ً عن تدريباته العسكرية.
كان أدريان طويل القامة ذا بنيه عضلية جيدة، تشير هيئة جسمه على أنه يتبعُ برنامجا ً صارما ً في حياته، هو عبارة عن تمارين رياضية يومية، وصوم وصلاة وتأمل. عيناه زرقاوان شاحبتان جداً، لدرجة أن نظراته الحادة تبدو كنظرات شخص يراقب كل شيء بدقة. شعره الكثيف يسطع بلمعان ذهبي. فارس شجاع شارك في العديد من الحملات والمعارك، وكان قائدا ً محنكا ً، إلا أن الدسائس التي أوقعه فيها منافسوه تسببت في طرده من المعسكر.
عندما كان يتدرب في الباحة الواسعة وبين الأعمدة الممتدة حول الدير، كان خياله يشرد بعيدا ً نحو أديليا وهو يتذكر ما حدث لها في ذلك اليوم، بينما كان الكاهن توماس يراقبه من النافذة وعلى وجهه ارتسمت ابتسامة خبيثة، مرددا ً مع نفسه: لم يخب ظني فيك، منذ الوهلة الأولى كنتُ أعلم أنك فارس مقدام، ولكن ليس مثل أي فارس. ها أنت قد أصبحت جاهزا ً الآن، ثم صمت قليلا ً وأضاف : لنبدأ العمل إذن.

                        *     *    *

اتخذ الكاهن توماس كل الاحتياطات، بإقفال جميع النوافذ، وإسدال الستائرعليها حتى لا يُلاحظ أحد ما يقوم به .
وضع يده داخل فتحة صغيرة أعلى الجدار، وضغط عليها للأسفل فانزاح الجدار، ليظهر أمامه رواق ينتهي في مدخل كهف صغير، رفع الباب الأرضي ثم تقدم إلى مكان مظلم لينزل بضع درجات، ليصل إلى مكان آخر في مستوى أدنى.
 قناديل عديدة تضيء المكان، وتابوت ملقى الى يسار بول وهو منحنٍ عليه، مخاطبا ً بقايا جسم طفل صغير واضعا ً يده على جمجمة محطمة .
- اليوم ستعود لي يا أرثر يا طفلي الجميل، لا أستطيع أن أغفر لنفسي كل تلك السنين، أشعر بالذنب يلاحقني منذ الحادثة.
وبينما كان بول يخاطب كومة العظام التي أمامه، كان الكاهن توماس قد بدأ طقوسه الغريبة، فحضر الإناء الموجود على المنضدة بالقرب من التابوت، وضع فيه بعضاًً من الأوراق التي أخرجها من جيبه، ثم سحب يد الشماس بول وضربها بقطعة معدنية حادة، كانت في الجوار.
بدأت قطرات من دم بول تتصبب بغزارة على الورق، دخان خفيف مع كل قطرة دم تنزل، أفلت الكاهن يده وراح يتمتم بعبارات غير مفهومة، ركع على الأرض وهو ممسك بإناء صغير يحتوي على سائل لزج فيصبه داخل التابوت، ثم يطوف حوله ببطء شديد مغمض العينين.
يتشكل اللحم حول العظام ببطء شديد، يحاول الطفل أن يتحرك، يا إلهي لقد تحرك فعلا ً! ها هو أرثر يعود للحياة ثانية - هذا ما قاله بول بفرح شديد - وركع على ركبتيه قائلا ً: أشكرك يا ابن حامل الضوء، لقد رجع ابني الى الحياة. بينما الكاهن توماس مازال راكعا ً مغمضا ً عينيه محركا ً شفتيه وهو يقوم بطقوس غير مفهومة، في اللحظة أخذ بول الطفل إلى حضنه وبدأ يلاعبه ثم راح يتذكر يوم الحادثة المشؤوم بحزن كبير.
ماتت أم أرثر أثناء ولادته فربّى بول الطفل واعتني به فكان بمثابة أمه بالضبط.
في ليل أحد الأيام وبينما كانت هناك بومة عنيدة مزعجة لا تتوقف عن النعيق بصوت مشؤوم، دخل البيت رجل ملثم من نافذة، كانت قد تركت مفتوحة. لم يكن هناك أحد في الغرفة سوى أرثر وصندوق مليء بالذهب والمجوهرات.
كان الملثم لصا ً من أصدقاء بول، في آخر مرة كانا قد سرقا معا ً قافلة في الليل، وعند اقتسام الغنائم حدث شجار عنيف بينهما، طَعن خلاله بول صديقه في بطنه وأخذ الذهب وتركه ينزف، لقد اعتقد حينها أنه قد قتله، إلا أنه كان قد نجا من هذه الضربة بفضل رجل طاعن في السن أنقذ حياته، حينما كان يمر من نفس المكان.
وبينما كان بول يستحم في الحمام، سمع حركة غريبة في غرفه أرثر، فخرج سريعا ً بعد أن وضع قصعة قماش على جسمه وحمل فأسا ً بيده، فتح الباب ليشاهد الملثم أمامه، وبحركة سريعة رفع الفأس ورمى به باتجاه الملثم، الذي بدوره تصدى للضربة قاذفا ً بالفأس باتجاه الطفل أرثر فأصابت رأسه فمات في الحال. بينما هرب الملثم سريعا ًمن النافذة.
بول في حالة صدمة وذهول وهيستريا، لا يريد أن يصدق ما حدث، مسك ابنه وجلس على الأرض وهو يصرخ ويولول عاليا ً إلى أن طلع النهار. وعند الصباح حمل طفله وذهب به إلى فناء المنزل وهمّ بدفنه في قبر صغير، وبينما هو يقوم بذلك ظهر أمامه رجل ملثم يتلحف بغطاء أسود - لا يُرى وجهه - قال له : أتريد رأس الذي قتل ابنك؟
لم يعط بول أهمية للرجل، فأعاد الرجل عليه العبارة ثانية.. هل تريد رأس من قتل ابنك؟ لم يجبه أيضا ً.. فغير الرجل الحديث هذه المرة وقال: هل تريد أن تستعيد ابنك؟ وتطعمه، فأنت لم تطعمه منذ البارحة، لقد أجلت إطعامه لما بعد الاستحمام.
- من أنت؟
قال بول وهو يحاول الإمساك بالرجل الملثم، الذي كان يختفي مرة ويظهر أخرى.
- أنا إبن حامل الضوء       
- أحقا ً تستطيع أن تعيد أرثر لي؟
انحنى الرجل الملثم على قبر أرثر ووضع فمه بالقرب من فمهِ .. فتح فمه فأصدر صرخة قوية أدمت أذن بول، مع خروج دخان أسود، تحرك الطفل ببطء ثم بكى .. بعدها نظر إلى والده بابتسامة خفيفة. 
ذهب بول إلى الكنيسة وكان في انتظاره الكاهن توماس، عرفا بعضهما دون أن يتكلما. أخذه من يده وذهب به إلى غرفة في آخر الرواق وأراه صكوك الغفران .
عاش بول بعد ذلك في الدير يدرس ويتعبد كراهب مخلص لخدمة الدير، ولا يتحدث مع أي شخص إلا بأوامر من الكاهن توماس.               
                                               *     *     *
لقد رجع .. لقد رجع.. آآآآه يا إلهي.. رجع ابني الوحيد الى الحياة.. لا أصدق ذلك، صرخ بول بذلك وهو في نوبة هسترية شديدة، بينما الكاهن توماس مازال راكعا ً يصلي مغمض العينين.
 يستمر بول على هذه الحالة فيحتضن ابنه الصغير بسرعة، وبدأ يلعب معه ويطعمه وهو في حالة هذيان شديد، إنه يطلق عبارات غير مفهومة، هو يتوهم على بأنه يطعم طفله، ولكن لا نرى شيئا ً بين يديه، فعلا إنه يهذي. وفجأة تتغير الامور كلها ويتموه المشهد ليسقط جزءا ً من لحم أرثر علي الأرض ويتبخر، وما أن يلامس التراب حتى يرجع الى كومة من العِظام.
همَ الكاهن توماس بالخروج تاركا ً بول في المكان. لفّ بول الحبل الموجود أمامه على رقبته وصعد فوق التابوت، ليدخل طرف الحبل من الجهة الأخرى، في قطعة حديدية مثبتة في السقف، وشنق نفسه فأخذ جسده يتأرجح كالبندول من السقف في مشهد مخيف.
                     
                                      *      *     *
في اليوم الذي حضر فيه أدريان إلى الدير، طلب الكاهن توماس من بول أن يقنعه بالإله المخلص - ابن حامل الضوء - وأن يكون صديقه مثل ظله ليتهيأ نفسيا ً للأحداث القادمة. وكأنه يقول له ماذا سيحدث غدا ً، وقد يحدث بالفعل وينسب لابن حامل الضوء – الوحش- .
إنه يخبره بكل شيء، وبأنه سيكون له شأن كبير في المستقبل، وستكون له السلطة والقوة والنفوذ، فكان طوال الليل يحكي له عن ابن حامل الضوء، حتى دخل الفضول إلى قلبه وأحب تلك القوة الإلهية التي صورها له بأنها للخير.