المحرر موضوع: العراق الذي يقيم في شبح البعث  (زيارة 714 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31502
    • مشاهدة الملف الشخصي
العراق الذي يقيم في شبح البعث
يكفي أن تكون غاضبا من الأوضاع المتدنية والفساد المستشري في العراق لكي يُحكم عليك بأنك بعثي إرهابي، تحن إلى عودة النظام السابق.
MEO

موجود في قطر أكثر مما له أثر في العراق
لا يزال حزب البعث يُخيف النظام السياسي الحاكم في العراق. تلك فكرة يمكن أن تكون مدعاة للسخرية لولا أن ذلك النظام فشل في أن يعيد للعراق هيبته ويحافظ على سيادته ويمنع انزلاقه إلى الهاوية الإيرانية.

البعث انتهى ليس بإعدام صدام حسين ولكن قبل ذلك بكثير يوم قرر الرئيس الراحل أن يصفي الحزب من أجل أن ينفرد بالسلطة عام 1979. غير أن تلك الحقيقة لا تنسجم مع قيام نظام المحاصصة الطائفي باتهام معارضيه بأنهم ينتمون إلى البعث. كل معارض عراقي بغض النظر عن أسبابه الإنسانية والوطنية هو بعثي من وجهة نظر ذلك النظام الذي لم يسع إلى إنشاء أسس وطنية للحكم.

وحين سُن قانون "اجتثاث البعث" فإن ذلك الاجراء كان تعبيرا عن أن النظام الجديد الذي أقامه الأميركان قد بدأ خطوته الأولى بالانتقام من العراقيين الذين لم يتعاونوا مع المحتل ومع الأحزاب التي ارتضت أن تكون واجهته المحلية. ولو لم يكن الأميركان راغبين في أن يبدأ العراق مرحلته الجديدة بالانتقام على أساس الكراهية، كراهية العراقيين لما استطاع أحمد الجلبي أن يصل إلى مبتغاه ويحقق هدفه في ترؤس هيئة اجتثاث البعث.

اليوم بعد عشرين سنة من السياسة التعسفية، القهرية التي مورست مع العراقيين تحت ظل ذلك القانون الانتقامي يفكر سادة الحكم في العراق في العودة إلى القانون الجنائي للنظر في قضية تم تسيسها واللعب بوثائقها وتمرير ما علق بها أكاذيب وشهادات زور.

الآن بعد كل الظلم الذي لحق بالكثيرين وقد توفي معظمهم يقول حزبيو النظام وجلهم من أتباع إيران "علينا أن نعود إلى القانون لنحكم في مسألة البعث". لقد تأخر الوقت كثيرا والعدالة ستظل عمياء ما دامت السلطة السياسية بيد فئة حزبية لا تجد لها مصلحة في إطلاق الحريات لكي يقول المواطنون المؤجلون حقيقة ما جرى لهم عبر العشرين سنة الماضية.

وما يُقال عن المصالحة الوطنية لا يعدو سوى اعتراف بالكذبة التي سوقها النظام وحصر بموجبها البعث في أبناء مذهب ديني بعينه وفي مدن بعينها في حين أن التاريخ يقول غير ذلك. لسان حال النظام يقول "إعادة النظر بقانون اجتثاث البعث هو خطوة في طريق المصالحة الوطنية" والمقصود هنا مد اليد لـ"سنة" العراق باعتبارهم مادة البعث وحملة أفكاره والمستفيدين من عودته.

عن طريق زيف النوايا الطيبة يسعى النظام إلى طي صفحة، ينبغي على العراقيين أن يطالبوا بإبقائها مفتوحة لكي تتم محاسبة ومساءلة النظام نفسه على ما ارتكبه من جرائم في حق العراقيين انطلاقا من فكرة الاجتثاث التي دمرت الكثير من العوائل من خلال حرمانها من حقوقها في أقل الأحوال تأثيرا. كان الاجتثاث نوعا من العنف لم يكن المحتمون بالمظلة الأميركية في حاجة إليه لو أنهم أرادوا فعلا البدء ببناء دولة جديدة في عراق حطمته الحروب وأزاحته من خارطتها الإنسانية.

"جئنا من أجل أن ننتقم". تلك جملة قالها رئيس سابق لمجلس النواب العراقي. وهو سني المذهب. كان مصطلح "إجتثاث" في حد ذاته تعبيرا عن ذلك الانتقام. ولقد صنع الانتقام لغته التي تم تعميمها بحيث صار الكثير من أعداء النظام السابق الذين غادروا العراق قبل عقود من سقوطه بعثيين. وفي ذلك عودة إلى مقولة صدام حسين "العراقيون بعثيون وإن لم ينتموا". يكفي أن تكون غاضبا من الأوضاع المتدنية والفساد المستشري في العراق لكي يُحكم عليك بأنك بعثي إرهابي، تحن إلى عودة النظام السابق.

هناك نوع من الاستغفال والاستغباء في ما يقوله ويفعله النظام العراقي. الآن كما في الماضي. فالبعث مات. بل شبع موتا. وليس له أثر على الأجيال العراقية الجديدة التي لم تعش زمن صدام حسين. كما أن فكر البعث لم يكن سوى شذرات مأخوذة من هنا وهناك. لقد استند البعثيون في وجودهم على استلام السلطة لينجزوا أحلامهم الطوباوية في الوحدة العربية. نجحوا في بناء دولة قوية سرعان ما ضيعها صدام حسين.

لذلك فإن الخوف من البعث لا مبرر له بالنسبة للنظام إلا إذا كان تعبيرا عن الخوف من العراقيين. وذلك خوف لا يمكن معالجته إلا من خلال استعادة النظام لعراقيته اي وطنيته. وهو أمر غير قابل للتحقق بسبب الهيمنة الإيرانية لا على العراق وحده، بل وأيضا على عقول الحاكمين فيه.