المحرر موضوع: الكلب المسعور  (زيارة 828 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل كريم إينا

  • عضو مميز
  • ****
  • مشاركة: 1311
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الكلب المسعور
« في: 22:38 05/01/2023 »
قصة قصيرة 
الكلب المسعور
كريم إينا

الكلاب السائبة خطرة على المجتمع، كان التلميذ خالد يتجوّل بعد خروجه من مدرسته الإبتدائية في ضواحي إحدى القرى ويمرّ بسواقيها ليرعى الغنم، وفجأة خرج من بين الحشائش كلبٌ أبيض من ساقية مصلصلة، وظلّ يركض وراءهُ إلى أن عضّهُ في رجله مرتمياً بنفسه تحت ظلّ أحد البيوت الخربة، ظلّ صامتاً لمدّة ثمانية وعشرون يوماً لا يحركُ ساكناً، لم يخبر أهلهُ بما جرى، ظهرت على جسمه علامات التغيير، كإنتفاخ الوجه، وإرتفاع درجة الحرارة، وتقليد الكلاب بالنباح، بعد أن عرف والده وأخيه الأكبر بالأمر، ألبستهُ والدته يشماغاً أحمراً، ثمّ أرسل إلى المشفى، تم إعلان الحجر الصحي عليه بعد ضربه أربعين أبرة في بطنه لمدة ثلاثون يوماً، لم يستطع خالد مقاومة داء الكلب إلى أن فارق الحياة، بينما الكلب المسعور وجدهُ الأصدقاء يتجولُ على هواهُ وسط إحدى السواقي، دفن خالد في قبر بباحة الكنيسة بعمق ثلاثة أمتار مع وضع مادة خرسانية من الإسمنت فوقهُ كي لا ينتقل مرض داء الكلب على بقية تلاميذ مدرسته، الوقت شتاء، كانت الساعة الرابعة مساءاً، كنّا ثلاثة نزلنا من أعلى نقطة من سقف بيت خرب، رأينا كلباً أبيضاً نائماً يعاني من إنطوائه، يحلمُ بعظمة سميكة يسدّ بها جوعهُ القاتل بعد هروبه من فعلته إياها، أو ربّما يعاني من برد شديد، يعلوهُ العثير، حينها مسكتُ بيدي قضيب من الحديد، العصا الغليظة بيد ماجد والماسحة بيد سمير، أحدثنا لهُ ضجة مفزعة مدوّية بواسطة الطرق على صفائح من النحاس، نهض من طوله يضربُ جدران الغرفة الأربعة يبحثُ عن مخرج لينفذ منهُ، ولكن هذا محال، كلّ الأبواب موصدة بوجهه، وغضبنا نازل عليه من سقف الدار، بدأ ينبح بشدّة ولعاب فمه يسيل ويتطاير في الهواء،هل هذه مجرد تسلية نخوضها بضع ساعات؟، أم من أجل الإنتقام لصديقنا خالد، حدث شيء لم يكن بالحسبان، لتعرضي لإغماء مفاجىء في باحة البيت، لم أجد نفسي إلاّ وأنا أمام رأس طويل فاغراً فاههُ، يريدُ إلتقاط قطعة لحم منّي، ضربهُ ماجد بعصاهُ الغليظة على فمه، بدأ يعوي ثانية بشدة، وأظافر يديه تحفرُ بالأرض من لهف التشبث، لم أتوان لحظة من غضبه رغم سجيّته المجنونة، وقفتُ لمواجهة الشرر الذي يتطايرُ من عينيه، إبتعدتُ عنهُ قليلاً بضع خطوات، مسكتُ بقضيب الحديد مجدداً،بدأتُ بوخزه بطعنات مؤلمة، لم أكن متخيلاً مدى شراستهُ، ومن حلاوة الروح ضرب الباب الخشبي الموصد بشدّة إخترقهُ هارباً إلى عالمه المجهول، كنتُ في صراع ثبور معهُ، أترددُ ذعراً، أرمي بنفسي من سقف شاهق وأتدحرجُ على قارعة الطريق، سؤال واحد يترددُ في أصداء ذاكرتي ماذا أفعل؟!. إتخذتُ قراري باللحاق به مع زملائي بإتجاه الساقية،الحيرة تقتلنا من خوف عميق يعمي البصيرة لوجود مجموعة كبيرة من الكلاب في تلك الساقية، ربّما ذهب ليشكي حالهُ لقائده، وما أن وصلنا هناك رأينا كلباً أسوداً بدت أصابعهُ وشعرهُ كأنّها سهامٌ مسمومة، يتحمحمُ بين حجر وطين، وكأنّهُ يقول: لنا تراجعا وإلاّ سيحلّ عليكما زمن الألم، نظرتُ إليه وحييّتهُ بأحجار جامدة، هجم عليّ وفي عينيه عتب كبير لإعتدائنا على أحد أفراد فصيلته، مجرد تسلية ليس إلاّ، ولكنّ القدر لا يرحم، إنسحقت أحلامي، وغابت كلّ الصور الجميلة التي كانت تتراءى لي، جاء صوت ماجد أنقذوني...! أبعدتهُ من أحدهم بضربة صارمة على وجهه، رغم ذلك نال ماجد عضّة غمرتهُ بالصياح، فإمتلأت روحهُ بالغثيان، وكأنّها تريدُ الصعود إلى السماء، تراجعنا أنا وسمير وأسلحتنا بيدنا لحين الوصول إلى عتبة الدار نقلنا ماجد إلى المشفى، كلّ ذلك كان نتيجة لهونا في لحظة الكبرياء، بعد أن رأينا الكلب ميتاً في ساقية الصلصال، ومنذُ تلك اللحظة لم نعد نعتدي على أيّ كائن كان، بل عملنا العكس، نأوي ونطعم من يمرّ في طريقنا من الكلاب، تحت وساطة الأدعية وتوسلات أمهاتنا بالكف عن ثني عزيمتنا، وإحترام الأقدار أكثر من أي وقت مضى.