المحرر موضوع: .محاولات التدوين الموسيقى لالحان طقس الكنيسة الكلدانية  (زيارة 1023 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Faiz Salman

  • عضو جديد
  • *
  • مشاركة: 1
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
.محاولات التدوين الموسيقى لالحان طقس الكنيسة الكلدانية
كتابة واعداد: فائز ميناس
صادفت العديد من المواقف تحدث فيها النقاشات الودية مع اشخاص مهتمين بتراث كنيستنا المشرقية فمنهم من الموسيقيين أو شمامسة واحيانا مع الاكليروس. ومن المواضيع التي تثار بين فترة واخرى هي امكانية تدوين الالحان الطقسية فياتي السؤال التقليدي (لماذا لاتقوم بتدوين الحاننا الطقسية فيكون لنا تراثا محفوظا من الضياع؟). في الحقيقة تثير هكذا مواضيع الرغبة في العمل والاهتمام فهى علامة ايجابية تنم عن الوعي والتفكير السليم, ولكن في الوقت نفسه اتجنب الاجابة المباشرة على هذا السؤال خاصة اذا كان اللقاء سريعا او عفويا فاكتفي باعطاء جوابا مقتضبا لاعبر فيه عن تاييدي للفكرة واستقبالها بايجابية, فالخوض في هذا الموضوع يحتاج الى الرجوع الى اوليات معينة تساعدنا فهم عملية التدوين والحاجة اليها واغراضها المتنوعة وهذا ما احاول القيام به و معالجته من خلال هذه المقالة.
من المعروف بان الالحان الطقسية لكنيسة المشرق توارثت ووصلت الينا شفاهيا عن طريق السمع   والتلقين وهكذا اصبحت تراثا حيا في ذاكرة ووجدان المؤمنين, فالنصوص هي مكتوبة بلغة الام  مع ان القليل ممن يجيد القراءة والكتابة لهذه اللغة للاسف, وهناك بعض الرموز والعلامات تشير الى مد او تقصير نهايات المقاطع..الخ. لتسهل بذلك على جمع المؤدين ادائها بشكل منسجم وموحد.
ان الكتابة الموسيقية (النوطة) الشائعة والتي اصبحت اليوم لغة موحدة لجميع شعوب العالم تعود جذورها الى القرن الثامن الميلادي عندما بدأ الانسان يشعر بالحاجة الى تهذيب الالحان من الارتجالية وبالاخص الالحان الغريغورية (نسبة الى البابا غيرغوريوس), كما ننسب العديد من الابتكارات والاسهامات في التدوين الموسيقي الى الراهب الايطالي كويدو الاريزوي (حوالي سنة الف ميلادي) عندما قام بتسمية النغمات ووضع نظام لكتابتها وقد تطورت عبر عقود حتى اتخذت شكلا مكتملا في نهايات القرن السابع عشر في اوروبا حيث بلغ الفن الموسيقي ذروته في التعددية الصوتية واشكال التاليف الموسيقي والغنائي ولازال نظام الكتابة هذا معتمدا من ذلك الحين. ويبدو ان انتشار الثقافة الموسيقية الاوربية في بلداننا الشرقية في بدايات القرن المنصرم قد الهمت الكثير من الموسيقيين ممن لهم صلة في الكنيسة واقصد بذلك كاهن, شماس موسيقي, فكانت هنالك مبادرات وخطوات ملموسة في تدوين الالحان الطقسية وفق قواعد الكتابة الموسيقية المتبعة, وسوف استعرض في هذا المقال بعض الامثلة في التدوين الموسيقي للالحان الطقسية للكنيسة الكلدانية مدعومة بوثائق.
أستعرض في هذا المقال تموذجين للتدوين الموسيقي لالحان طقس الكنيسة الكلدانية
النموذج الاول هو مدونة موسيقية لترنيمة (عونيثا) طاس ونحيث والتي تنسب الى الموسيقار باباي الجبلتي (القرن السابع الميلادي) قام بتدوينها الشماس والموسيقار الرائد حنا بطرس (1896-1958) عام 1931, اما النموذج الثاني فهو كراس لمدونة موسيقية للالحان التي ترافق رتبة الذبيحة الالهية حسب الطقس الكلداني قام بتدوينها الاب بطرس يوسف والمطبوعة في روما في عام 1961.
في النموذج الاول لترنيمة طاس ونحيث (انظر الصورة 1), المدونة مكتوبة بخط يد بشكل انيق ومتقن وموزعة الى خطين لحنيين يشتركان غالبا في نفس التراكيب أو الانماط الايقاعية لنفس النص واحيانا يستخدم الموزع (اي حنا بطرس) اسلوب المحاكاة Imitation وهو تقنية شائعة في التاليف الموسيقي مستغلا النهايات الطويلة (المد) للمقاطع, نجد ذلك على سبيل المثال في المازورة رقم 21, وقد كتب النص باللغة الكلدانية تحت النوتة الموسيقية من اليسار الى اليمين لكي يساير الخط اللحني وقد حدد سرعة النبضات Tempo في بداية المدونة بمصطلح Lento اي بطيء. ان كتابة خطين لحنيين لترنيمة طقسية تعود الى القرن السابع الميلادي يدل على الرغبة والطموح في تطوير وتوسيع هذا الموروث الكنسي الى مستوى فني متقدم يلائم روح الموسيقى الحديثة وتقنياتها والتي تطورت عبر قرون وذلك من خلال استخدام علوم التعددية الصوتية والبناء العمودي للاصوات والذي يعرف بعلم الهارموني. لا اعلم ان كان الموسيقار حنا بطرس قد نفذ هذه الموسيقى حسب المدونة ام كانت مجرد فكرة قابلة للتنفيذ.
                         

صورة 1 المدونة الموسيقية لترنيمة (طاس ونحيث) بخط يد حنا بطرس 1931



ألنموذج الثاني وهو كراس يتضمن مدونة موسيقية للالحان التي ترافق رتبة الذبيحة الالهية للاب بطرس يوسف والمطبوعة في روما سنة 1961 (انظر الصورة 2) وقد كتب في غلاف الكراس باللغة اللاتينية قداس الرسل حسب الطقس الكلداني مع اسم المدون وقد ذكر المدون في تقديمه للكراس بأن القداس هو حسب تقليد كنيسة مسكنتا في الموصل. ويتضمن الكراس التدوين الموسيقي لالحان القداس ابتداءا من المجدلة وحسب التسلسل حتى نهاية القداس. أما النص الذي يساير الالحان فمكتوب بالحروف اللاتينية مع اضافة بعض العلامات للتمييز على سبيل المثال بين التاء و الثاء من خلال وضع اشار صغيرة تحت حرف t, وقد كتب اسماء اجزاء القداس باللغة اللاتينية فمثلا كتب كلمة Exordium التي تعني الاستهلال (انظر الصورة 3) أما ادوار المؤدين فمؤشرة بوضوح على كل جزء,  Sacerdos اي الكاهن و chorus تشير الى جمع المؤمنين. كما قام بتحديد سرعة النبضات لكل جزء من خلال الاشارة بواسطة مصطلحات السرع المعروفة مثل Moderato  اي معتدل السرعة و Andante   ويعني سرعة هادئة. وقد ارفق المدون الكراس ببعض الترانيم منها ترنيمة تودي لطاوا (انظر الصورة 4)

تعتبر هذه المدونة الموسيقية وثيقة مهمة فقد حفظت لنا ملامح الالحان التي هي حسب تقليد كنيسة مسكنتا في الموصل والتي تتميز, كما يقال, عن تقاليد اخرى مثل القوش ونصيبين. ليس لدي للاسف اي معلومات اخرى حول الغاية التي طبع من اجلها هذا الكراس. فهل كان مشروعا دراسيا؟ ام لغرض اشراك جماعات من دول اخرى في القداس الكلداني من خلال لغة الموسيقى؟ وهل تم استخدامها بشكل واسع؟  لكني استطيع الاستدلال من خلال تقديم المدون للكراس بأنه يعبر عن شكره وامتنانه لزملاءه من الاباء الكلدان من بينهم الاب (المطران) سرهد جمو, كما انه يشكر زملاء له في معهد الدراسات الشرقية في روما على طبع الكراس. اتمنى ان احصل على المزيد من المعلومات.
 صورة 2 غلاف كراس مدونة القداس الكلداني للاب بطرس يوسف

صورة 3 الصفحة الاولى من الكراس: المجدلة و يتبعها الصلاة الربية


صورة 4 ملحق ترانيم وتظهر ترنيمة تودي لطاوا

ألخلاصة

ان محاولات تطبيق اسلوب الكتابة الموسيقية بقواعدها وعلومها على الحان الموروث الكنسي القديمة يعد امرا هاما, فهذا التطبيق هو وسيلة لحفظ سمات هذه الموسيقى وشخصيتها خاصة اذا كانت قد كتبت بدقة وحرفية. كما ان هذا التطبيق يتيح لنا الامكانية لتطوير وتوسيع هذه الموسيقى مع الحفاظ على روح اللحن كما اشرنا ذلك في مدونة حنا بطرس. كما يعد هذا النوع من المدونات الموسيقية مادة للدراسات الموسيقية التحليلية والتي تعرف بعلم الاثنوميوزيكولوجي Ethnomusicology, ومن الجدير أن هناك العديد من الاسهامات في هذا المجال من قبل اساتذة موسيقيين لا مجال لذكرهم في هذا المقال فالامر يحتاج الى تخصيص مقالة ارشيفية لجمع كل هذه الاسهامات في تدوين الالحان االليتورجية المشرقية.
 ورغم كل هذه النتاجات الا انها تبقى متناثرة بل وقابلة للاختفاء بسبب عدم وجود نظام ارشيفي يتيح الامكانية للمهتمين الاستفادة منه فنجد مثل هذه الوثائق عند اشخاص قاموا بحفظها أو ربما نعثر عليها بالصدفة.

فائز ميناس