المحرر موضوع: غوتيريش.. لماذا جئت إلى بغداد؟  (زيارة 678 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31658
    • مشاهدة الملف الشخصي
غوتيريش.. لماذا جئت إلى بغداد؟
هل يفكر غوتيريش بعد تقاعده أن يتحدث في فصل من مذكراته عن قضية العراق التي أصبحت مادة جاذبة لدور النشر الأميركية وهو الذي يغرّد اليوم داخل عش بارد محاطا بالعواصف.
د. ماجد السامرائي

ألا تكفي تجربة عشرين عاما لأن يتعظ غوتيريش؟
زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى بغداد بعد عشرين عاما على الاحتلال الأميركي، تفتح ملف مهادنة المنظمة الدولية الأولى وتنفيذها لمشروع تدمير العراق وشعبه من قبل الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1991 وإلى حد اليوم، ودعمها للمنظومة السياسية الحاكمة وتخليها عن أبسط مقومات مسؤولياتها الإنسانية وتنفيذها لسياسات الولايات المتحدة والدول الأربع الأخرى.

لماذا يزور غوتيريش العراق اليوم؟ هل أراد أن ينعم بمشاهدة جنات بغداد تزهو بالعمران والرخاء وسعادة الإنسان، أم حصل حدث استثنائي في البلد يتطلب المعاينة الميدانية بعد وصوله تقارير مبهمة من ممثلته في بغداد جنين بلاسخارت، وأراد التحقق منها والوصول إلى قناعات برؤية أممية للحالة العراقية قد تقود إلى قرارات مهمة تعزز أو تدعم سيناريوهات التغيير المتوقعة في العراق ومحيطه، والتي تقودها الولايات المتحدة في الأيام المقبلة.

اللقاءات والفعاليات الإعلامية التي أجراها في بغداد وإقليم كردستان، لا تشير إلى توقعات أكثر من كونها زيارة دعم للنظام السياسي القائم وقادته المتهمين بالعزلة عن الشعب، وبالفساد الأكثر بشاعة في العالم.

◙ شعب العراق يختزن من الصبر ما يفاجئ غوتيريش وغيره من منفذي الإرادات الدولية الكبرى، وسيثور هذا الشعب بتوقيت يفاجئ العالم

هل تستحق هذه المنظومة السياسية في بغداد خلال هذه الأيام التي تتصاعد فيها عزلتها، إلى دعم الأمين العام للأمم المتحدة شخصيا، ظنا منه وممن دفعه إلى هذه الزيارة – وقد تكون ممثلته بلاسخارت – بأنها ستُعطّل انهياره.

إن كانت ممثلته بلاسخارت قد شجعته على زيارة الدعم هذه، فبماذا تفسّر حملتها النقدية الغريبة لمنظومة الحكم خلال الستة شهور الماضية أمامه وأمام أعضاء مجلس الأمن، حين قالت في إحدى مداخلاتها “خيبة أمل الشعب العراقي وصلت إلى عنان السماء، والعراقيون فقدوا الثقة بهذه الطبقة السياسية الفاسدة”. وفي مداخلة أخرى قالت فيها أن “دبلوماسية الصواريخ هي أفعال متهورة، مع ما قد يترتب عليها من عواقب مدمرة محتملة. العراق ليس بحاجة إلى حكام مسلحين ينصبون أنفسهم زعماء”.

معنى ذلك أنّ هذه الإدانات السياسية ليست حقيقية إنما لعبة. وللتذكير في عام 2019 خلال ثورة شباب أكتوبر، جاهرت بلاسخارت بلقاءاتها مع متورطين بالقتل والعنف، وأهانت ثوار أكتوبر بوصف الحالة بـ”العنف المتبادل” خلال جولة استعراضية في ميدان التحرير ببغداد مستفزة للثوار.

حضر الأمين العام للأمم المتحدة إلى بغداد ليؤكد المسيرة التاريخية لما حظيت به طبقة الحكم العراقي من دعم دولي لم ينله حكام آخرون في العالم، لكي يستغلوه بزيادة تغييب حقوق أبناء شعب العراق ونهب أمواله وإهانته.

الزيارة تضمنت برنامجا سيئا لا يتناسب مع حجم الوظيفة الأممية التي يحملها هذا الغوتيريش، رغم عدم احترام شعب العراق له ولزيارته،  لأنها وسيلة لاستمرار الظلم والقهر وتتناقض مع أبسط قواعد وأهداف المنظمة الدولية.

خلال وجوده ببغداد زار غوتيريش المتحف العراقي. وهي ليست زيارة سائح. اطلع على جوانب من تاريخ العراق الذي يحاول حكام اليوم إهانته وإهانة رموزه المشعة في فصول النهضة العظيمة. كان الأجدر به توجيه خطاب الإشادة بهذا التاريخ للحكام وممثليهم الذين ينفذون اليوم مشروعا فارسيا ثأريا، من بين فصوله عمليات التغيير الديموغرافي لإزالة وطمس معالم تاريخ الحضارة العراقية، مرتبطة بحملة إعلامية حاقدة تستهدف رموزها كباني بغداد العظيمة أبوجعفر المنصور، والمعتصم باني مدينة سامراء، التي يراد تهديم رمزها “الملوية”، وهارون الرشيد الذي ملأ صيته الدنيا.

◙ هل تستحق هذه المنظومة السياسية في بغداد خلال هذه الأيام التي تتصاعد فيها عزلتها، إلى دعم الأمين العام للأمم المتحدة شخصيا

مقابلات بروتوكولية، كلقائه برئيس الحكومة محمد شياع السوداني الذي لم يقدم ولو بدقيقة واحدة بعضا من  إنجازات العهد الجديد لأنها لا توجد أو خوفا من الحسد كما يقال. كان الحديث حول عموميات مثل الاحتباس الحراري والجفاف. من المؤكد أن رئيس الوزراء لم يكشف الحقائق المرة التي يعيشها العراقيون اليوم في جميع مجالات الحياة، ومثالها خدمة الكهرباء التي صرف عليها 45 مليار دولار ذهبت إلى جيوب الفاسدين، كان حادث انقطاعها عن وزيرة الخارجية الأميركية خلال مؤتمرها الصحفي بالموصل قبل أيام مخجلا لها وللحكومة.

لماذا لم يطلب غوتيريش زيارة مدينة جرف الصخر كنموذج لوحشية جريمة منع أصحاب الأرض من العودة إلى ديارهم بحجة الإرهاب، وهي المدينة التي لم يتمكن أو يجرؤ مسؤول عراقي على زيارتها، لأنها تحولت إلى معسكر يحتوي على سجون للحرس الثوري الإيراني، أو يطلب زيارة مدن الخرق الطائفي الفاضح لحقوق الإنسان، كالطارمية وديالى وصلاح الدين.

ما أثار سخط واستياء الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في الولايات المتحدة، هو لقاء غوتيريش بممثلي الأحزاب والميليشيات وبينهم من هم مدانون بالإرهاب في واشنطن. لكن الضيف الأممي لم يلتق بممثلي ثورة أكتوبر الذين عبروا عن الوجه الثاني الحقيقي للعراق، وتعرفهم بلاسخارت جيدا. لماذا صرفت ذهنه عن مثل هذا اللقاء، هل لأن هؤلاء الشباب سينقلون الحقيقة التي ستكون محرجة له ولمهمته الداعمة للنظام القائم.

ذكّر رؤساء وأعضاء منظمات المجتمع المدني والناشطون السياسيون والمثقفون والنخب العراقية غوتيريش في مذكرة شديدة اللهجة بمحنة العراقيين منذ عام 2003 وإلى حد اليوم، والقلق البالغ من انتهاكات حقوق الإنسان والحريات العامة وسط صمت غريب وغير مبرر من بعثة الأمم المتحدة في العراق “يونامي”، وأشاروا في مذكرتهم إلى أن الحكومة الحالية والسلطات القضائية والتشريعية تنتهك بشكل خطير التزامات العراق المثبتة في مجالات حرية الرأي والتعبير، واستمرار ظاهرة التغييب القسري المدونة بقانون أممي لم تنفذه أحزاب السلطة الحاكمة منذ صدوره عام 2010، وكذلك الإفلات من العقاب، وعدم ظهور عمل جدي من قبل الممثلية الأممية لحث الأحزاب المسلحة على ترك سلاحها والانتقال إلى العمل السياسي المدني، وبوادر عودة الشحن الطائفي في بعض مدن العراق.

لا شك أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وهو السياسي المخضرم، وكان رئيسا لوزراء البرتغال ثم المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة ورئيس الاشتراكية الدولية، قد قرأ فصول ظلم هذه المؤسسة ضد الشعب العراقي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، فهل سيفقد هذا السجل السياسي بسبب محاباته لسياسات الدول الكبرى التي خضعت لسياسة واشنطن وإجراءاتها ومن بينها الاحتلال العسكري ضد شعب العراق؟ ألا تكفي تجربة عشرين عاما لأن يتعظ غوتيريش؟

◙ اللقاءات والفعاليات الإعلامية التي أجراها غوتيريش في بغداد وإقليم كردستان، لا تشير إلى توقعات أكثر من كونها زيارة دعم للنظام السياسي القائم وقادته المتهمين بالعزلة عن الشعب

نذكرّه ببعض الوقائع لأقرانه من الأمناء العامين، كذلك المشتغلين في ملف أسلحة الدمار الشامل، الذي استخدمته واشنطن وحليفتها لندن كمبرر للعدوان والاحتلال. صحيح إنهم ينفذون الأوامر العليا خلال وظيفتهم، لكنهم يكشفون الحقائق فيما بعد، ولكن للأسف تأتي متأخرة ولا تنفع الجريح والموجوع.

في العاشر من مارس – آذار 2003 قبيل غزو العراق، قال كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة حينها “إذا قامت الولايات المتحدة بعمل عسكري دون موافقة مجلس الأمن فلن يكون موافقا لميثاق المنظمة”. وفي مقابلة له مع قناة بي.بي.سي البريطانية في سبتمبر 2004 أكد عنان أن غزو أميركا للعراق عمل غير مشروع ويتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. مما دفع كولن باول وزير الخارجية في حينه إلى الرد عليه، لكنه بعد أعوام وقبل موته ندم على فعلته برفع القنينة الكاذبة أمام اجتماع مجلس الأمن الدولي ووصفها بالبقعة السوداء في حياته.

مفتش الأسلحة السابق في الأمم المتحدة هانز بليكس، الاسم الذي تداوله العراقيون كثيرا، بعد عشرين عاما على جريمة احتلال العراق اتهم الإدارة الأميركية في مقابلة مع مجلة  “E&T” بتضليل المجتمع الدولي بالاستناد إلى وثائق مزورة وشهادات كاذبة تزعم امتلاك النظام السابق أسلحة دمار، لضمان تأييد إطلاق العمليات العسكرية لاحتلال العراق. وقال إنّ “الحرب كانت خطأ فادحا”.

هل يفكر غوتيريش بعد تقاعده أن يتحدث في فصل من مذكراته عن قضية العراق التي أصبحت مادة جاذبة لدور النشر الأميركية والعالمية؟ ننصحه، وهو الذي يغرّد اليوم داخل عش بارد محاطا بالعواصف والزلازل بألا يفعل ذلك، ليتحدث عن أمجاده في مجالات اللاجئين وبينهم سوريون وعراقيون.

شعب العراق يختزن من الصبر ما يفاجئ غوتيريش وغيره من منفذي الإرادات الدولية الكبرى، وسيثور هذا الشعب بتوقيت يفاجئ العالم.