المحرر موضوع: سياسة الصدمة لإنقاذ العراق، تحدٍّ للواقع  (زيارة 466 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 428
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني

سياسة الصدمة لإنقاذ العراق، تحدٍّ للواقع
لويس إقليمس
بغداد، في 28 آذار 2023
في مفهوم عقيدة الصدمة التي تتبعها بعض الحكومات العاجزة عن تقديم الخدمات والاستقرار والخير الوفير للبلد بغية ارتهان حرية وإرادة الشعب بسياسة إدارة السلطة وفق مقاساتها الضيقة، تقف إزاءها آراء أخرى تحمل ذات المفهوم، ولكن في اتجاهٍ إيجابي يحمل في أساريره وبين خطوطه كلّ ما يمكن فعلُه من جانب رأس الطاقم القويّ والمتنفذ في إدارة الحكم ليصبَّ في خدمة الصالح العام ووضع حدودٍ للانفلات الإداري والمالي والمجتمعي والتربوي والتعليمي وما سواها. والهدف بطبيعة الحال يذهبُ باتجاه تكوين سياسة الصدمة الصاعقة التي تسعى بكل قدراتها المعنوية والمادية والتسليحية والأمنية باتجاه إنقاذ البلاد من أزمات مستفحلة ومشاكل مستأصلة وعراقيل لا حدودَ لها تضعها جهاتٌ مستحكمة في دهاليز السلطة وفق مصالح مشبوهة، دينية ومذهبية وفئوية وشخصية وعشائرية ضيقة لا ترقى جميعُها إلى مصاف بديهيات الانتماء للوطن والشعب. تشير أحداث دولية إلى اتباع بعض الأنظمة الردعية الدكتاتورية، الفاسدة منها على وجه الخصوص، مثل هذه السياسة لفرض قوانين وقرارات ومفاهيم اقتصادية أو اجتماعية أو دينية أو مذهبية لفئة محدودة الفكر والرؤية غير معنية اساسًا ببناء مؤسسات صالحة قوية للبلد وصبّ جهودها في خدمة متطلبات الشعب وحاجاته. وقد نجحت مثل هذه الاستراتيجيات التي تبناها أصحاب هذه العقيدة من أجل فرض واقع حالٍ مرير وبائس بالاستفادة من فاقة فئات كثيرة تسعى بكلّ مجهوداتها لتدبير لقمة العيش قبل أي شيء، ومن ثمّ اللجوء للتهاون عوضها في المطالبة بحقوق آدمية، هي أساسًا من بديهيات جملة هذه الحقوق المواطنية.
ما مرّ به العراقيون منذ عقود، ولاسيّما في العقدين الأخيرين من حقبة الغزو الأمريكي الطائش، لا يختلف عمّا عانته شعوبٌ مثله في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية. بل إنّ ذات الحالة والأحوال ما تزال قائمة في أوساط الشعوب العربية والإسلامية بشكلٍ خاص، بالاستجابة لخرافات وتحذيرات وتوصيفات دينية ومذهبية وأعراف عشائرية تسعى لإبقاء المواطن ذليلاً مهانًا عاجزًا عن المطالبة بحقوقه البسيطة خوفًا أو خشيةً من انتقام السماء والدين والمذهب والأئمة في حالة نفوره أو اعتراضه على أولي الأمر، كما يصوّره له أصحاب الأجندات والمفاهيم الاحتوائية بأعذار وأفكار ضيقة الأفق والمنهج والرؤية. كيف لا، وقد صوّرت هذه الفئة للبسطاء من الناس وخائفي "الله والدين والمذهب والأئمة وشيخ العشيرة" غضبَ هذه "المقدسات" بالانتقام منه في حالة عصيانه أو تململه بسبب ما يحصل من خروقات وخطايا كبيرة بحقه وحقّ عائلته ومجتمعه ومكوّنه ومحيطه على السواء. وهذا جزءٌ من مخلّفات هذه المفاهيم القاهرة التي لا هدف لها سوى خلق حالات من الاضطراب والكوارث والأزمات في سبيل إبقاء المواطن خاضعًا خانعًا مرغمًا على قبول مرّ الأمرّين. فهو في موقف لا سبيل للقبول بسواه حتى تمطر عليه سماءُ الرحمة شيئًا من سياسة الصدمة الإيجابية التي ينتظرها المتضررون، وننتظرها جميعًا في بلدنا المكبَّل بشتى هذه الخرافات والأفكار السلبية والمفاهيم غير الناضجة التي لا تبني وطنًا ولا تديمُ شعبًا ولا تحترم إنسانًا خلقه الباري تعالى ليتنعم بخيرات الأرض ويبني ويعمّر ويستمتع بالحياة مع شركائه في الأسرة والمجتمع والعالم بلا قيود أو حدود. فغالبًا يكون المستفيد الأكبر من عقيدة الصدمة السلبية التي تتبعها حكومات فاشلة وفاسدة هم القائمون في السلطة بكافة أشكالها وتضاريسها وليس الفقراء والمحتاجون وأرباب الأعمال الصغيرة الذين يصلون الليلَ بالنهار من أجل تأمين قوتهم اليومي وسلامتهم. هذا إذا تمكنوا منه فعلاً.
تحديات كبيرة بحاجة إلى صعقة الصدمة
قبل أيام، تحدث السيد رئيس مجلس الوزراء أمام نخبة من المعنيين بالمشاريع الخدمية، ووبّخ القائمين على إدارتها علنًا، مهدّدًا بكلام مبطَّن القائمين على إدارة هذه المشاريع التي تعنى بمصالح الناس. ومنها بطبيعة الحال، ما يتعلّق ببوابات بغداد المزرية حصرًا بحكم ما تمثله هذه البوابات من واجهة حضارية متخلفة وبائسة منذ سنوات، سواء كان ذلك بسبب الإهمال من قبل الإدارات المعنية أو من قبل بعض المقاولين غير الرصينين وفاقدي الحسّ الوطني وشرف العمل الناصح. والحال، ما تفضل به دولة الرئيس محمد شياع السوداني دخلَ بردًا واطمئنانًا في أعماق نفوس المتحسرين على رؤية مداخل بغداد بهذه الحالة المزرية التي لا تليق بالعراق وشعبه وحضارته بالرغم من الموازنات الانفجارية التي رصدتها الجهات المالية من أجل البناء والإعمار وتغيير الأحوال نحو الأفضل. لكنّ الواقع يتحدث بغير هذا كلّه. فالتخصيصات المرصودة لمعظم المشاريع المتلكئة كما يتحدث عنها العديدون من داخل البيت العراقي، كانت أجزاءٌ منها تذهب هدرًا إلى جيوب الفاسدين في صفوف أحزاب السلطة والمتنفذين والموظفين عبر عمولات الإحالة قبل التنفيذ وأثناء الإنجاز، إن وُجد شيءٌ منه، أو قبل نهاية الإنجاز الكامل. وهذا ممّا حمل المقاول أو الجهة المنفذة إلى التلكّؤ في التنفيذ أو التحايل في إنجاز الفقرات بالمواصفات المطلوبة، ومن ثمّ حصول تأخر في إنجاز المشروع. وربما هذه هي حال جميع البوابات التي تشرف على مداخل بغداد. فقد تأخر إنجازها بالرغم من إحالة بعضها أو إدراجها في خطط الحكومات المتعاقبة منذ سنوات من دون أن تشهد إنجازها أو البدء بها. ولي تجربة مريرة أثناء المرور ببوابة بغداد التي تبدأ مشكلتها من منطقة بلد والطارمية لغاية الوصول إلى جسر المثنى الرابط إلى منطقة الراشدية وحتى ساحة عدن.
إنّ مثل هذه المأساة تتطلب استنفارًا عامًا جماعيًا من جميع الجهات المعنية بما فيها وزارة الإسكان والإعمار ودوائر أمانة ومحافظة بغداد خاصةً التي تقبع في أبراجها العاجية. ويكفي جهات عديدة من هذه وغيرها في مواقع السلطة، ما نالته من عمولات واتفاقات بالباطن من الجهات التي تعهدت إنجاز ما موكل إليها باسم الشعب ولخدمة الشعب وإسفار وجه العاصمة الحبيبة. ومن المؤسف تنصلُ هذه الجهات عن تعهداتها بإنجاز هذه الواجهات من الطرق الدولية بضمير بعيد عن الصحوة الوطنية وشرف العمل والمهنة والتجارة. فما نشاهده منذ بدء الأعمال الأولية صاعقٌ حقًا بوجود نفرات معدودين من عماّل لا يتجاوزون أصابع اليد في مواقع العمل. هذا في الوقت الذي رصدنا فيه أيامًا تخلو منها هذه المواقع من أية كوادر عمالية أو هندسية أو آليّات. لذا جاء استنفار دولة رئيس الوزراء في محلّه بالطلب من الجهات الحكومية المعنية بالتواجد في مواقع العمل ومتابعة إنجاز الفقرات المطلوبة من الجهات المقاولة بفترات عمل (شفتات) متتابعة من دون انقطاع من أجل الاستعجال في تنفيذ هذه المشاريع وما سواه ممّا ينتظره الناس من خدمات في البنية التحتية بلا تحديد. فمصالح الناس لا يمكن تعطيلها بسبب طرق وشوارع وبنى تحتية معطلة ومدمّرة ومنتهية الصلاحية من أجل عيون شخص متنفذ في الدولة، أو مقاول تابع لحزب أو كتلة، أو لخاطر فاسد لا تهمّه مصالح الشعب وسمعة المدينة أو البلد. 
مثل هذه المشاريع وغيرها من تلك المتلكئة التي تقارب الخمسة آلاف مشروع بحسب مصادر إعلامية موثوقة تتطلب تحديًا صاعقًا من جانب إدارة الحكومة التي تأمَّلَ بها الشعبُ خيرًا ولو بدرجات متفاوتة من القناعة والمتابعة والرقابة والمحاسبة. وبغير هذا لن يبلغ الإنجاز المطلوب نهاياته الجميلة المرتقبة في الأداء الجيّد وكسب الوقت وطمأنة الجمهور الذي سئم واقع الحال حدَّ اليأس وقطع الأمل بإمكانية إصلاح ما أفسدته سياسات وإدارات الحكومات الفاشلة السابقة وإعمار ما دمّرته عجلة الحياة اليومية المعقدة بإهمالها وتغافلها عن الأخطاء التي تُرتكب كلّ يوم وكلّ ساعة بحق الوطن والشعب. ومن دون محاسبة قاسية وشفافة وآنيّة لن تشهد البلاد تغييرًا في المفهوم الوطني وإصلاحًا لما دّمِّرَ بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصّد أحيانًا. كما أنّ شكل هذا التحدّي لن يكون مقبولاً بإناطة عمليات المتابعة والمراقبة والمحاسبة على أيدي ذات الجهات التي كانت السبب في الفشل والدمار والفساد والإحالة، بل جزءًا من هذه الأخيرة وفق اتفاقات بالباطن مع المتنفذين في الدولة والحكومة والبرلمان والأحزاب الممسكة بقبضة الوزارات التي تديرها بشكل عقارات تمليك للتكسّب ونيل المقاولات وحصد المغانم في الموازنات التي تتدافع وتتهافت لأجل زيادة تخصيصاتها مرةً وثانيةً وثالثةً لتبقى أسيرة مقاولي هذه الأحزاب والشخصيات الفاسدة من أجل المزيد من الأرباح والغَرف من المال العام.
في ضوء ما تقدّم، لا بدّ من قرارات صادمة وصاعقة تتحدّى أدوات الفشل والإعاقة ووضع العراقيل أمام البناء الصادق للحجر والبشر عبر تكليف فريق وطني صاحب خبرة وإنجازات فعلية في الميدان يجيدُ أصول إدارة الدولة وفق استراتيجية ناضجة وواضحة في البناء الصحيح وفي محاسبة الجهة المتلكئة من دون تدخلات خارجية سياسية أو برلمانية أو حزبية خشيةً من الوقوع في فخاخ الفشل هم أيضًا. فالتركة ثقيلة ومتراكمة ولا يصحّ تجاوزها بنجاح إلاّ عبر مثل هذا الفريق المسلَّح بالحس الوطني والخبرة المهنية والعملية والهندسية، إضافة إلى صحوة الضمير وحسن النية والإرادة. فالفاسد مهما كان موقفه وتصريحُه بالرغبة بمزاولة العمل في مثل هذه المشاريع الاستراتيجية، لا يمكن أن يكون جزءًا من هذا الفريق الواعي لكونه غير قادرٍ على مغادرة قوالبه وأدواته الفاسدة. فهذا جزءٌ من المخاتلة في العمل والأداء والإنجاز الصحيح. فمَن يبني ويعمّر غيرُ مَن يدمّر ويُفسد، مع الاحترام الشديد لأصحاب الضمائر الصاحية من رجال الأعمال والمقاولين الأصلاء الذين لا يلقون عادةً الاستجابة في كسب إحالة مناقصات المشاريع الكبرى بكل سهولة من الجهات المعنية لرفضهم العمل تحت وطأة ظروف الضغط القسري في الاستجابة لأصحاب النفوس الضعيفة من المتنفذين والموظفين في الدولة بطلب تقديم الرشى والعمولات.
إزاء هذا الواقع، تكون المحاسبة على الفشل أمرًا بديهيًا ولا مفرَّ منه مهما كانت الضغوط والتهديدات وأدوات الفساد كلّما تعلّقَ الأمر بالمصلحة العامة. بالتوازي، لا بدّ للإعلام بكلّ جوانبه ومؤسساته وتفرّعاته أن يكون الحارس الأمين والعين الرقيبة على نقل الحقيقة حتى لو كانت مرّة من أجل تبيان الجيّد من الرديء في الإنجاز والأعمال والأداء، إلى جانب الفريق المهنيّ المتخصّص ليكونا الحَكمَ بدلاً من أين يكون الموظف أو المسؤول الفاسد هو الخصم والحكم. حينئذٍ يفقد مفهوم الصدمة الصاعقة مفعولَه وتعود الآلة القديمة إلى سابق عهدها في الفساد والفشل والتخريب. فمن الطبيعي جدّا "أن تُنتجَ دولةُ اللاّ عقاب دولةَ اللّا إنجاز"، كما قالها زميلٌ متمرّس في سوح العمل والبناء.