المحرر موضوع: يوم ضوضائي (مشهد من حياة مغترب)  (زيارة 349 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل jean yazdi

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 83
  • الجنس: ذكر
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
يوم ضوضائي
 (مشهد من حياة مغترب)
صباح اليوم استيقظت باكراً كغير عادتي  إذ أن الكد و العناء قد تغلبا على سكينتي فلم استطع أن اغفو بطمأنينة لأسباب أعلمها وأخرى لا تذكر ..
خرجت من غرفتي و لا اتذكر هل اغلقت باب غرفتي ام لا ..؟! تركت ضجيج فضولي خلفي و تابعت طريقي ..كنت في حالة متعبة و مُكبل بالتذمر طيلة الطريق ..ركبتُ الحافِلَةَ متجهاً نحو الساحة القديمة لهذه المدينة التي امضيت فيها اكثر أيامي تذمراً و انا أحاكي نفسي و كأن شخصٌ اخر يسألني ..لماذا ..؟ لا أدري و لا تسل ..!
كان هدفي ان اصل الى ذلك المقهى  الذى طالما كنت اتردد إليه كلما ضاقت بي ظروف الحياة
كانت الساعات الأولى من هذا الصباح باردة و باهته ..فالسكون و السكوت كانا أسياد المشهد ..لا احد يحادث أحد لا صوت في الشارع سوى وقع الاقدام فوق الاحجار البازلتية المرصصة بإتقان في الساحة القديمة ..لاحظت في بعض الوجوه الإرهاق و قد غلبها مثلي  تماماً و البعض الآخر بدى عليه التذمر ربما بسبب العمل و البعض الآخر كان مفعماً و مندفع للحياة بشهوة خيل يجوب السهول الخضراء محرر القيود ..و الشيء الوحيد الذي كان مشتركاً في جميع الوجوه كان فقط بخار الزفير في هذا الصباح البارد..كنت امشي و انا في شرودي المتقطع كأنفاس روح مرتعبة و يداي في جيوب معطفي متجهاً الى حيث أدري و كانت من المرات القلائل في حياتي و أنا اعلم اين هي وجهتي مُذ وطأت اقدامي هذه المدينة .
اخذت الزقاق المؤدي الى المقهى المترامي خلف أخرالزقاق من ساحة مركز المدينة ..مضى زمن طويل و أنا لم ازر هذا المكان المحاط بالسكنية بعيد عن ضجيج الشوارع التقليدية و بعيداً عن صخب المدينة الذي يشبه صوت عداد قنبلة موقوتة ..كانت افكاري تسبق خطواتي الى حيث مُبتغاي ، و وسط الشرود و الهدوء السائد و إذ بشخص يخرُج عن المألوف و يمط رأسه من نافذة سيارة تويوتا حمراءة اللون مادً ذراعه الى الخارج لصيح بصوت عالٍ صباح الخير علوشي صوته العالي وسط ذاك السكون أخرج جميع من في الشارع من شرودهم و انا منهم ..الشتيمة قاطعت شرودي ايضاً و كانت حاضرة بسرعة سهمٍ بعد فراق القوس ، وكما لاحظت في الوجوه التي وقع نظري عليها قد نطقوا بحرف الفاء بلغتهم النساء قبل الرجال ..علمت انه مغترب مثلي و لربما  جار بلادي الاولى ..استدار علوش مرتبكاً و خجولاً بعض الشيء ملوحاً بيدٍ لا تظهر عليها بشاشة الترحيب تابع مشيه بعد ان رمى عقب السيكارة من يده بتذمر و تلتها بصقة على ارضية الرصيف و هو يهز رأسه يميناً و يساراً و لم استطع رؤية ملامح وجهه المخفي تحت قبعة معطفه المؤطرة بالوبر.
كانت دقائق قليلة و وصلت الى المقهى ..جلست على طاولة صغيرة معزولة في ركن اضوائه خافته تطل من خلال نافذة اصغر من طاولتي على أخر الزقاق ..ما ان طلبت قهوتي و ارتشفت منها رشفتان و اذ بصوت مألوف احتل مَسمعي نعم اتذكر هذا الصوت ..نظرت الى الضيف الآتي و يتقدم بخطواته  الهشة نحو النادلة ..نعم انه هو ذلك الزبون القديم و بكلام خافت اقرب الى الصمت قلت يخرب بيتك لساتك عايش.. انه المتقاعد العجوز السيد ويلسون هذا المتقاعد المتبرم و المتذمر دائماً من كل شيء..لديه نفس الشكوى ما ان تسأله النادلة كيف حالك اليوم..? وبعد ان يزفر زفرة المتذمر يعيد تكرار قصة طفولته و كيف كان معلمه في الابتدائية يتنمر عليه ..اكثر من نصف الف قهوة ارتشفها في هذه المقهى و كلما كان السيد ويلسون حاضراً هنا و بحتمية السمع القسري و صوته العالى لثقل سمعه يسمعه الجميع ..عندها ادركت بأن نهاري لن يكون أحسن من ليلتي الظلماء و انه سيكون ضوضائي وبهدوء خالٍ من السلام غادرت المقهى  و انا في باطني اشتم ويلسون و علوش و نهاري هذا الذي داهمته الدواهي في كل  أجزائه ولا علم لي كيف سيمضي بعد ،و لا زلت أمشي في صحروات قلقي لوحدي .
جان يزدي
جان يزدي