المحرر موضوع: "روح" القوش ..الرجوع بات احلى ..  (زيارة 513 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل رياض شابا

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 16
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
"روح" القوش ..الرجوع بات احلى ..
==========================

رياض شابا
========================


صيف 1958 ، و كنت في الثانية عشرة ، عندما نقل ابي من المستشفى الملكي في الموصل الى مستوصف القوش ، فاستاجر الطابق العلوي من بيت شمعون حنينا مسكنا لنا ، المطل بنوافذه الست الكبيرة و شرفته المعلقة ، على مشهد يظل محفورا في ذاكرتي ماحييت، بيوت من الجانبين و ارض خالية من الامام تنتشر فيها بيادر مسيجة بالحجارة، تشكل بداية محلة "تحتاني" التي ينحدر منها الطريق نحومحلة "خبرته"، ثم، مخترقاً السهل المستلقي باتجاه الشرفية و تلسقف و ما بعدهما حتى الموصل.
   و اما الطابق الارضي من البيت فكانت تشغله دائرة البريد يلاصقها سكن "البوستجي" موسى الريس، موزع البريد آنذاك، و الذي كنت أمر من أمامه صباح كل يوم صيفي .. ما دامت مهمتي مستمرة ..!
    كان ذلك قبل انتقالنا الى بيتنا الجديد في شارع بيت الياس جيقا، حيث يشتري السائقون و الناس حاجتهم من البنزين و "الكاز"،  فتبعثني امي معظم صباحات الصيف لابتياع مستلزمات وجبات اليوم من سوق البلدة الكبير و الوحيد، معتمدا دراجتي الصغيرة ذات العجلات الثلاث بطول متر و ارتفاع لا يزيد عن القدمين و بمقعد أمامي مرتفع "للسائق" و "حوض" خلفي يتسع لشخص بحجمي، كنت أستعمله لوضع سلة "المسواق" المصنوعة من القش أو سعف النخيل. 
   و لم اكن اخفي تذمري من حين لاخر بسبب هذا المشوار "الثقيل"، خصوصا عندما تصادفني سيارة "رغم قلتها" او جرار او عربة دفع او دابة محملة بالبضاعة.. كذلك تزعجني عيون بعض الفضوليين، التي تتابع الصبي الوحيد المتمتع بامتياز قيادة وسيلة النقل هذه في سوق بلدة يسكنها مايزيد عن خمسة الاف نسمة.
    و في طريق الذهاب" كان يتوجب" علي التوقف عند اي جار او زميل من اقراني، وكذلك مع خوالي حسقيال و ممو و احيانا بطرس "المعلم " الذي كان ينضم اليهما في بعض ايام العطلة الصيفية ، يحدثوني لدقائق رغم انهماكهم في خياطة "الشال و شبك" في "دكان" يحتل ركنا صغيرا من يسار السوق "اذ ان كل محل، كل متجر هنا يسمى ب" دكان" مهما كانت بضاعته وايا كان اختصاصه".
   بعد ذلك لا اتوقف حتى ابلغ نهاية السوق كي اشتري بعض الخضرة الطازجة من دكان او اكثر، و قليلا من اللحم من عمي يونس و شقيقه شعيا كله، اولاد عم ابي و الذي كنت ارافقه احيانا و هو ذاهب الى المستوصف صباحا، فكان يسهل علي امر التبضع و التسديد ايضا، و لاينسى ان يبدي ملاحظة هنا واخرى هناك لهذا البائع او ذاك تتعلق بالنظافة او صلاحية المواد الغذائية المعروضة، لان ذلك من صلب واجباته بحكم وظيفته الصحية. اما انا فكنت احرص على ان ابتاع بالباقي "قمع دوندرمة" من دكان حيزقيا اذا ما كانت خلطته جاهزة ! خصوصا في الايام التي يشتد فيها القيظ.
    و اذا ما كنت اجد بعض المشقة في "القيادة" في طريق الذهاب صعودا ، فان الاياب يصبح سهلا للغاية، فما ان ابلغ خان بيت بولا و دكان الياس و منصور كلة للنجارة و حنا بيلو لتصنيع وتلحيم اواني الفافون والتنك وغيرهما ، حتى اطلق العنان لدراجتي للمضي في الانحدار السلس وصولا الى البيت مخلفا ورائي ضجيج السوق و المتبضعين الباحثين عن اللوازم البيتية والكمالية من سكاير و تبغ وشخاط وصوابين و حبوب و سكر وشاي و سكاكر "قرص نعناع" و "ملبس" و "جكليت" و علك بانواعه، ناهيك عن محاصيل الصيف من بطيخ و تعروزي اشتهرت بهما حقول بلدتنا و خضراوات و فواكه بانواعها، يأتي بها أبناء القوش و البلدات المجاورة من أكراد و ايزيديين و بعض "التياريين" – جبليون مسيحيون، من القرى و البلدات المجاورة.   
   عندما ابلغ البيت اشعر بفرح حقيقي ، لانني انجزت مهمتي اليومية بنجاح و وجدت امي راضية على المسواق ، رغم اني اشعر بانني اخذلها احيانا.
   لكنني بمرور الوقت ..السنوات ، بت ادرك ان هذا السوق لم يكن مجرد مركز للتبضع فقط ، بقدر ما كان مكانا يعبر عن روح البلدة و تراثها ، حاضرها و ماضيها، و يشكل ايضا ملتقى كبيرا يتجمع فيه الناس " الذكور غالبا".. و في مقاهيه لأصحابها متيكا عوصجي و بتي دكالي و يوسف اسطيفانا و غيرهم. و في جنبات السوق، ترى أحياناً حلقات الشباب وقوفاً يكملون أحاديثهم، و يتناقلون الأخبار، امتدادا لما دار في تجمعاتهم و جولاتهم في البيادرو الطرقات.   
    و طيلة سنين ايضا لم يصدف ان صار السوق معرضا للاعمال التشكيلية او مسرحا للدبكات و الرقص و الموسيقى كما شاهدنا مؤخرا، الا عندما تمر مواكب الاعراس في طريقها الى الكنيسة لاكمال مراسيم زواج ما برفقة عازف الزرنا و ضارب الطبل.
      الا ان ما تابعته هذه الايام من تحضيرات و نشاط فني وحضور شبابي في مهرجان سوق القوش القديم، شئ مبهر، يعبر عن الاعتزاز و الوفاء لمكان يشكل ذاكرة البلدة واهلها و الاحداث التي مرت بها في حقب تاريخية متتالية .... كانت فوانيس النفط تنير ارجاءه ، و " البسمنجية " يتولون حراسته ليلا ، ويضج بحياة لا تهدا نهارا ، وسط صخب المتبضعين و الباعة و الحرفيين من خياطين ونجارين وحلاقين وقصابين و بزازين وغيرهم من الذين ادخلوا مهنا جديدة فرضتها روح العصر بمرور السنين..
    هي سنين تروي صفحات من تاريخ كان السوق شاهدا عليها على مر الزمن ، و قد بدانا ندرك ذلك بتقدم العمر و استمرار رحلة الحياة ، و هي صفحات كثيرة ليس مجالها هنا او الان.
   الا انني لا انسى اننا ذات يوم ونحن نضرب عن الدراسة ايام الثانوية و نتظاهر احتجاجا على الغاء عطلة الاحد في المدارس قبل فترة قصيرة من أحداث 8 شباط 1963، كيف أن مجاميعنا مرت من طرف هذا المكان مرددين: "لا دوام يوم الأحد من الآن الى الأبد" .. و عندها لم أتمكن من من منع ابتسامة ارتسمت على شفتي، و أنا اتذكر ذلك الصبي الذاهب الى للتسوق على دراجته التي لم يزد طولها عن المتر و ارتفاعها عن القدمين.   
    اه يارحلة العمر .. ماذا فعلت السنين فينا ؟ مالذي تخبئه الايام الاتيات ؟
   و اذا كان من كلمة لي اقولها في الختام فهي ان بوركت كل الجهود الرامية الى احياء السوق او تسعى الى الاحتفاظ به بطريقة او باخرى، باعتباره جزء من تاريخ البلدة و احد معالمها الشاخصة، رغم الصعوبات التي قد تصادف المعنيين بهذا الامر، و في الوقت عينه اسال الله تعالى الرحمة على كل الراحلين الذين وردت اسماؤهم في استذكاراتي هذه، متمنيا العمر الطويل للاحياء منهم.
=====================================================================================

اصداء في الصحافة المحلية..
لاول مرة .. مهرجان سوق القوش القديم
===========================================
"طريق الشعب" عن المطران بولس ثابت: 
خطة لاعمار السوق.. احتضان المواهب و الحرفيين
و اشاعة الثقافة الاصيلة للانسان الالقوشي
-------------------------------------------------------------------------
-------------------------------------------------------------------------
نشرت جريدة "طريق الشعب" البغدادية الغراء في عددها الصادر يوم الخميس 6 نيسان 2023 خبرا تحت عنوان .. لاول مرة مهرجان سوق القوش القديم ، جاء فيه:

متابعة ___ طريق الشعب
احتضنت ناحية القوش في محافظة نينوى، اول امس، الثلاثاء ،مهرجان سوق القوش القديم الاول، بمشاركة المئات من ابناء الناحية و مناطق سهل نينوى.
و اقيم المهرجان في سوق الناحية القديم ، بهدف تسليط الضوء على واقعه و ما تعرض له من تراجع، و السعي الى اعادة احيائه على النمط التراثي الذي عرف به.
و تضمن المهرجان الذي اقيم برعاية كنيسة القوش ،فعاليات متنوعة، منها اعادة فتح محال السوق القديمة العاملة في مجال الحرف اليدوية ، و تقديم اكلات شعبية ، و عرض مشغولات يدوية ، فضلا عن فقرات غنائبة و دبكات فولكلورية.
و في كلمة له خلال افتتاح المهرجان ، دعا راعي ابرشية القوش الكلدانية المطران بولس ثابت ،المنظمات التي تهتم بالارث الثقافي و الحضاري الى الالتفات للسوق القديم ، مبينا ان الكنيسة اعدت خطة من اجل اعمار السوق " كي يحتضن المواهب و الحرفيين و يكون مكانا خاصا لاشاعة الثقافة الاصيلة التي كان يتمتع بها الانسان الالقوشي".
                       
                                                                                                 

متصل شوكت توســـا

  • عضو مميز جدا
  • *****
  • مشاركة: 2251
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
الجار والاستاذ العزيز رياض شابا المحترم
تحيه طيبه
هاوقدأعادني وصفك القوس قزحي الى القول بألم مستحيفاعلى ماضٍ قد ذهب,لقداستمكنت منا حماقة الأيام و نكد حاكميها , فسلبتنا من كل جميل عشناه في صبانا في أزقة واروقة أماكننا العراقيه( الألقوشيه)دون ان نحس في حينها بكم جمالية تلك الايام وزهوها,لم نعد نمتلك في منافينا ما يسلّي النفس المثقله عدا متعة استذكارذلك الجميل الذي ودعناه بلا عوده,يا صاحبي هل تدري ان قدرنا قد أصبح  في حال الذي وصفه الشاعر المتنبي  مُعبّراً عن تعاسة حظه حين قال: إن حظي كدقيق بين شوك بعثروه, ثم قالوا لحفاة يوم ريح إجمعوه.
ليس من مواساة للأبوين تخفف عن ثقل ولوجهما في دائرةسنين اليأس ,اكثر من فرحتهما بتسليم العهدة لأخلافهما, وفيها قيل بان الذي خلف ما مات, واذ نحن اليوم وقد ابهرتنا مساعي الساعين الى استعادة ألق سوق القوش الى ما يشبه سابق عهده بناسه وطيبتهم, سنضيف هذا الانبهار الى مُتعتَي الاستذكار والتسليم للأخلاف آملين لهذا الجيل تحقيق ما لم يستطع تحقيقه  الجيل الذي سبقهم.
تقبل تحياتي