المحرر موضوع: تجارة الفساد والوطنية في سلّة ساسة الأغلبية  (زيارة 288 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 428
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
تجارة الفساد والوطنية في سلّة ساسة الأغلبية
لويس إقليمس
بغداد، في 16 آذار 2023
لعلّ من أتعس الصور السلبية والمشبوهة التي اتصف بها معظم ساسة العراق منذ السقوط في 2003 تكمن في ازدواجية الخطاب الموجه للذات أولاً وللناس عامة والأتباع خاصة. وسمة الازدواجية في الخطاب السياسي هذه قد نفضت عن هذه الطبقة السياسية أية مصداقية أو ثقة في الكلام والوعود والحركة والسلوك من دون خشية ولا حرج ولا عيب ممّا قد وُجّه لهم من انتقادات لاذعة أو اتهامات مباشرة أو غير مباشرة في التعبير بالسلوك الفعلي أو في العلن بغير ما يضمرون أو يخططون أو يفعلون في الدهاليز وصالات المساومات وفنادق السبعة نجوم والفلل الفاخرة داخل وخارج أسوار الوطن الجريح. وإذا كان مثل هذا الخطاب صالحًا في حالات استثنائية معدودة من أجل درء مخاطر أكبر وأكثر تأثيرًا على مصالح البلاد والعباد في حقبة زمنية استثنائية معينة، فهذا لم ولن يكون مبرّرًا لمعظم ساسة أو أشباه الساسة في ما بعد الغزو الأمريكي الظالم الذي أتى بجماعات مشتتة خالية الوفاض من أية مسحة وطنية أو شفقة على مصالح البلاد والشعب، كما أثبتت السنوات العشرين المنصرمة من حكم هذه الجماعات بحسب الأحداث والوقائع. وسمة الازدواجية في الشخصية العراقية، كما أوضحها عالم الاجتماع "علي الوردي" تقبع غريزيًا وفطريًا في الجوانح والأفكار والسلوكيات والتعابير وفي كلّ شيء وأيّ شيء.
لم تعد مثل هذه الفبركات المشبوهة ولا التصريحات الخبيثة والأحاديث أو الوعود الزائفة والاتهامات المتبادلة التي تملأ شاشات الفضائيات ومختلف وسائل التواصل الاجتماعي، تنطلي على العقلاء والحريصين على بناء الأوطان والباحثين عن العيش المشترك كما ترسمُه ملامح الأخوّة الإنسانية المطلوبة في بلدِ الحضارات العريقة والثقافات المتنوعة والإرث الثري الذي تتصف به جميع المكوّنات من دون استثناء أو تمييز. ويكفي ما مرّ من زمن الفقدان والخسارة في كلّ شيء بسبب سياسات الازدواجية التي مارسها ساستنُا وأشباهُهم ومّن تجلببَ بأيدولوجيات أحزابهم الإسلامية واستغلّها من أجل تحقيق مكاسب طائفية ومذهبية وعشائرية وفئوية وشخصية ضيقة بالضدّ من إرادة عامة الشعب البائس الذي أصابه الجبن لأسباب بدت واضحة وأخرى يتجنّبُ الدخول في تفاصيلها بسبب حيثياتها وتعقيداتها التي يدخل الدين والمذهب والولائية ضمن متعلّقاتها. وإذ تعي دول العالم التي يهمّها أمر العراق كبقعة مهمة بسبب مواردها الكثيرة وثرواتها المتعددة لخطورة ما يعانيه شعبُه، إلاّ أنها تغض الطرف عمّا يجري منذ الغزو الغاشم على ايدي أحزاب السلطة والجماعات المسلحة التي تعمل خارج القانون، ليس حبًّا بالعراقيين أو ساستهم، بل حفاظًا على المصالح القومية لبلدانها وأحزابها الحاكمة بسبب ما تدرّ عليها في أشكال التوافق والاتفاقات مع أية حكومة أو فئة تتصدّر الحكم نفاقًا ومجاملةً للحاكم وأدواته.
إلاّ أنّ جيفة الأحداث وما تمخضت عنه روايات الفساد المنتشرة أو تلك التي تداولتها هيأة النزاهة وأروقة القضاء الأعلى تأتي لتفضح هذه الشلّة الحاكمة ومّن يستغلّونهم في الواجهة من الفاسدين لتحقيق المآرب والغايات المشبوهة. وما الإحاطة الأخيرة للخالة "بلاسخارت" ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة سوى بصيصٌ من فيض ما يقع ويجري. وحديثُها يصبُّ بالتأكيد في ذات الفحوى عندما أشارت إلى انتظار وصبر العراقيين بالتطلع نحو "مستقبل أكثر عدلًا وازدهارًا"، والعيش تحت ظل "دولة ذات سيادة ترفض أن تكون ساحة للصراعات التي ليست لها علاقة بها"، بحثًا عن "إصلاح سياسي حقيقي ودائم". وهذا "يتطلب من القادة السياسيين ومكونات الشعب أن يرقوا إلى مستوى مسؤولياتهم، واضعين مصلحة البلد فوق كل اعتبار من أجل بناء القوة الداخلية وعدم تمويه الحقائق القاسية الراهنة". مثل هذه التحذيرات تأتي وسط انتهاكات واضحة وفاضحة لحقوق الإنسان في البلاد والخشية من محاسبة المتسببين بكل أنواع الفشل والفساد. ومنها ما يصيب المكوّنات الهشّة قليلة العدد في مناطق تواجدها بفعل سطوة جماعات مسلحة وميليشيات تتبع أحزابًا بمعظمها إسلامية وولائية تتحكم بمقابض السلطة برعاية أمريكية ودولية مشكوكٍ في حرصها ومواقفها! كما جاء تأكيدها في الملتقى الأخير بالسليمانية على ضرورة معالجة الفساد الإداري والمالي المستشري في دوائر الدولة، ليكون صوتًا صارخًا للصورة القاتمة التي يعيشها العراق وشعبُه وسط لا مبالاة الساسة وزعماء الأحزاب ومَن يواليهم ويساند بقاء سياسة المحاصصة التي تعتمدها المنظومة السياسية الفاسدة من دون الأمل بمغادرتها والتوجه عوضًا عنها نحو البناء الحقيقي وإعمار ما دمّره الغزو بالتشارك مع مَن قدِمَ على ظهور الدبابات الغازية وغالبية المستورَدين من بلدان الشتات. ومن المؤسف أنّ غالبية هؤلاء، قد فقدوا أية صلة بالوطن وأثبتوا أنّ جلَّ همّهم الغرف من الموازنات الانفجارية والاستفادة من سمة القرابة والمذهب والطائفة مع الحكام الجدد من أجل تحقيق مكاسب ومغانم وسرقة أموال الشعب البائس الذي اعتادَ تمجيد جلاّديه والوثوق بمَن تمنطقَ بأهداب الدين والمذهب والطائفة بحجة طاعة وليّ الأمر كفرًا وبهتانًا والتزلّف بالهتاف لأيّ كان "علي وياك علي". ويكفي ختام "بلاسخارت" كلمتها بالاعتراف بأنّ "النظام الذي تم تأسيسه بعد عام 2003 ببساطة لا يمكن أن يستمر، وإذا تُرك كما هو، فسوف يأتي بنتائج عكسية مرة أخرى".
لقد صدعت هذه النماذج من ساسة الصدفة رؤوسًنا بالحديث عن الوطنية والحرص على مكافحة أشكال الفساد، بحيث بدأت الشكوك تدبُّ في نفوس الطبقات المثقفة والحريصين على الهوية الوطنية وأفعال النزاهة من شمولهم بتهم الفساد هم أيضًا أو حتى من احتمال توجيه شيءٍ من أشكال هذه التهم إليهم من كثرة ما طرقَ أسماعَهم من أمثال هذه الأحاديث التي أصبحت حديث الشارع والبيت والدائرة والمناسبات والفعاليات الرسمية وغير الرسمية ودور المحاكم وهيئات النزاهة ولجانها واجتماعات الحكومة وما سواها. وهذا جزءٌ صارخٌ من نفاق الساسة وأشباههم ومَن يوليهم ولاءَ الطيش والعبث والانجراف بلا مبرّر أو خارجَ تحكيم العقل وتكوين رؤية صحيحة تصبُّ في خدمة البلاد والعباد وفق منظور وطنيّ لا يقبل المساومة واللعب على أوتار الطائفة والمذهب والعشيرة والعائلة. فهذه كلّها لا تبني الوطن والمواطن بقدر ما تهدم الروح وتقتل العقل وتنقل البسطاء والبؤساء من أبناء الشعب المهضوم إلى خانة العوز والفقر والمجاعة لحين أزوف ساعة ثورة الزنج العاصفة. وما أدراكَ ما ستكون عليه تلك الساعة لو أزفت!
إنها باختصار مفيد، تجارةٌ رابحة للأحزاب التي تولت الحكم بفضل الغزو وأثبتت الأحداث والوقائع حرص أدواتها جميعًا على إدامة زخم هذه المنظومة السياسية الفاسدة برمتها وعدم المساس بمكتسباتها ومغانمها وبتواصل تناول ما تبقى من الكعكة. وهي كما يبدو، ماتزال كبيرة ويسيل لها اللعاب لِمَن يلهثُ وراء تكرار لدغ أتباعه ثانية وثالثة ورابعةً من دون تعلّم الدروس من الماضي، عندما ثبت أنَّ "المجرَّبَ لا يُجرّب" في تناقض واضح بين القول والفعل وبين الوعود والأداء الميداني. فهل سنشهد تغييرًا مرتقبًا في مشروع الانتخابات المؤمَّلة في الأشهر القادمة؟ لا أعتقد ذلك، بدون وعيٍ صادق بضرورة حصول تغيير حقيقي وجذريّ في المنظومة السياسية الحالية التي تتعكّز عليها أدوات السلطة من أحزاب وكتل سياسية ولائية وأخرى تابعة ذليلة لها عزّزت من رهانها بالبقاء أطول فترة ممكنة بتمرير قانون الانتخابات الأخير وفق قراءة سانت ليغو السيّء 1,7 السيّء، بذريعة الحفاظ على مكاسب المذهب قبل مصالح الوطن والشعب.