المحرر موضوع: لمحة من تاريخ كنيسة المشرق الآشورية ( الجزء الثاني )  (زيارة 303 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل marqos yousif

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 27
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
                                                       يوآرش هيدو
في سنة(  325 ) أصدر الإمبراطور قسطنطين أمراً  بعقد
 مجمع  مسكوني في  مدينة ( نيقية)  ضم ( 318 ) اسقفاً لوضع حد للانشقاقات والهرطقات وتوحيد قانون الإيمان المسيحي وادانة وتحريم كل المهرطقين و أصحاب البدع والمعتقدات الغريبة وبترها و فصلها عن جسد المسيح ، كأعضاء فاسدة مريضة غير قابلة للشفاء.

‏بعد حوالي قرن من الزمن من انقضاء مجمع نيقية  نشب خلاف بين( قورلس )  بطريرك الإسكندرية و ( مار نسطورس )  بطريرك القسطنطينية حول طبيعة المسيح . كانت كنيسة المشرق الآشورية آنذاك قد ترسخت  كواحدة  من أكثر الطوائف الشرقية انتشارا.
‏وكان من نتائج هذا الجدال اللاهوتي  الصاق  اسم ( النسطورية ) بكنيسة المشرق.  ذلك الاسم الذي يحمل معه وصمة"الهرطقة "   التي اتهم بها  ( مار نسطورس ) ظلماً وبهتانا .
‏ولم يكن لكنيسة المشرق أية علاقة بذلك الخلاف على الإطلاق ، لا بل أن اتباع هذه الكنيسة لم يسمعوا  بهذا الخلاف الا بعد فترة طويله من انقضائه.
‏إن كنيسة المشرق(  الآشورية  ) كانت قائمة قروناً قبل إدانة  مار نسطورس .  ترى لِمَ أطلقت الكنائس الغربية ، وبصورة خاصة كنيسة روما ،  التسمية الخاطئة " النسطورية "   على كنيسة المشرق واعتبرت اتباعها هراطقة؟!!.
‏من المعروف أن مار ( يوحنا نسطورس ) لم يكن  باطريركاً للاشوريين  ولم يزر بلاد اشور ، مهد كنيسة المشرق ، قط و إن هذه الكنيسة تأسست قروناً قبل مولد نسطورس. كما أن كنيسة المشرق لم تسمع بالنزاع الدائر بين مارنسطورس  بطريرك القسطنطينية و ( كيرلس ) بطريرك الإسكندرية ولا حتى ( بمجمع افسس ) الا بعد مرور  ثلاثين عاماً ،  اي بعد  موت مار نسطورس  . فهل من الإنصاف  او المنطق  إطلاق تسمية ( النساطرة )  على اتباع كنيسة المشرق لمجرد أن هذه الكنيسة رفضت اعتبار مارنسطورس  مهرطقاً  وبالتالي رفضت تحريمه عندما طلب منها ذلك ؟!

‏تجدر الإشارة إلى أن ( قانون الإيمان النيقاوي )  لم يكن معروفاً لدى كنيسة المشرق حتى عام ( 410  ) من إقراره،  اي بعد مرور ( 85  ) عاماً ،  لكنها  اقرٌته   على الفور حينما نمى إليها خبره. ومازالت كنيسة المشرق تتلو
 ذلك القانون أثناء إقامة القداس  كما أقر في المجمع
دون أي اختلاف البتة.
ولنعد   إلى سؤالنا : ما الذي جعل  الكنائس الغربية تطلق تسمية ( النسطورية  )  على كنيسة المشرق وتصف اتباعها بالهراطقة ؟
أن واحداً من الاسباب ، بلا أدنى شك ، هو حقيقة أن التعاليم أو الآراء الحقيقية التي حملها أو آمن  بها مارنسطورس ،  لا تلك التي اتهم زوراً  وبهتاناً بأنه يؤمن
 بها ، كانت منسجمة تماماً مع تعاليم كنيسة المشرق.
‏لذلك رفضت كنيسة المشرق رفضاً قاطعاً أن تحذو حذو الكنائس الغربية في تحريم نسطورس .
‏وبما ان  تلك الكنائس قد حرمت  مار نسطورس واعتبرته  مهرطقاً ،  فإن اية كنيسة لا تؤيد  هذا التحريم وجب   التعامل معها بالطريقة ذاتها  ، حسب زعمهم ، بالطبع. وهكذا اعتبرت كنيسة المشرق مهرطقة وألصقت  بها تسمية ( النسطورية )!!.
‏إن من يطلع  على تفاصيل ما جرى في أفسس ، سيدرك مدى الجور العظيم الذي الحق  بذلك الرجل البار المستقيم الصادق ذي الإيمان القويم ،  كما سيدرك "بأن مجمع افسس ( 431 )  كان أكثر المجامع الكنسية عنفاً  واشدها طغياناً ". 
‏إن كنيسة المشرق الآشورية ما زالت إلى يومنا هذا تعرف عموماً بالكنيسة " النسطورية "  عند مسيحيي الغرب .
 أن هذه التسمية المغلوطة جعلتهم يتوهمون أن هذه الكنيسة قد أسست من قبل ( مار نسطورس ) و أنها تلقت تعاليمها من اتباعه.!
‏لقد شوه مناوئو نسطورس  و خصومه الالداء  وعلى راسهم  ( كيرلس ) الماكر ،  تعاليمه بتعمد  والصقوا به تهماً باطلة  ونسبوا  إليه أقوالاً  أوتعاليم  هو برئ  منها تماماً.
الا  أن هذه المسألة قد تصدى لها العديد من العلماء البروتستانت فضلاً  عن بعض اتباع كنيسة روما الكاثوليكية.
‏وبهذا الصدد تقول دائرة المعارف البريطانية : "  وبقدر ما يتعلق الأمر بنسطورس نفسه  ، فمن المؤكد أنه لم يعبر يوماً  عن مثل هذه التعاليم قط  ولم نعثر على أي شيء مدون ،  ولو بشكل عرضي ،  له أية  صلة بالهرطقة  التي نسبت  إليه ."
 أما فيما يتعلق بكنيسة المشرق الآشورية  ، فإنهم حافظوا على ايمانهم القويم كما تسلموه من الرسل أنفسهم . فقد  الحق الغرب بهم جوراً  فادحاً  بإطلاقه تسمية  " النساطرة "  عليهم لأن مار نسطورس لم يكن بطريركهم  كما سبق وأن ذكرنا.
لقد ظل  مار نسطورس على مدى خمسة عشر قرناً
 من الزمن موسوماً  بسمة الهرطقة  في الغرب .
 وكان هذا الموقف ثمرة ألتهم   الباطلة التي الصقت به والأقوال التي نسبت إليه زوراً وبهتاناً .
 لقد أحرقت كتبه ولم يبق منها سوى شذرات.
 وكانت صورته  في أذهان الناس خارج نطاق كنيسة المشرق ، هي الصورة المشوهة  التي رسمها خصومه الالداء . لكن الحقيقة لا يمكن أن تظل محجوبة إلى الأبد رغم الظلمة الحالكة  . ففي عام  ( 1889  ) اكتشفت مخطوطة ترجمة سريانية لكتاب ألفه مار نسطورس  باللغة  اليونانية تحت عنوان " ܬܐܓܘܪܬܐ    ܕܗܙܪܩܠܙܕܘܣ "
اي "تجارة  هيراقلايدس  " وبالانگليزية " The Bazaar of Heraclides “.
‏انه كتاب مهم جداً لانه يلقي ضوءاً ساطعاً   على شخصية نسطورس نفسه وعلى تعاليمه.  وقد يكون الاسم المستعار للكتاب هو الذي حفظه  من التلف وإليه يعود الفضل في بقاء الترجمة السريانية التي اكتشفها الدكتور ( ن . كوسن-Dr. N.   Goussen ) .
قام   ( القس بيجان )  بنشر النص السرياني  للكتاب في باريس (  1910  ) . وفي العام ذاته ظهرت ترجمة بالفرنسية قام بإنجازها ( F.Nau ) في باريس ايضاً . وفي أكسفورد ظهرت ترجمة إنگليزية  عام ( 1925  ) من قبل السيد( G.R. Driver ) .
‏لقد ازاحت  المعلومات الهامة المستقاة  من الكتاب الغشاوة عن أعين العديد من الكتاب و المؤرخين ورجال الدين في الغرب . يقول(  G.F.Bethune Baker) وهو كاهن انگليكاني في اشارة إلى الكتاب المذكور أعلاه : "  يكشف لنا الكتاب شخصية قوية و يساعدنا على معرفة الرجل (نسطورس ) وفهم تعاليمه.  انه ، أي نسطورس ، معنيّ بالإساءة البالغة التي الحقت بالايمان في ( افسس )  أكثر بما لا يقاس من اهتمامه بالأذى الذي الحق به شخصياً.  ولو علم  أن هناك شخصاً يحمل الآراء التي اتهمه بها خصومه،  لكان في طليعة من يتصدون لذلك الشخص بلا هوادة."
‏كما صرح أحد إللاهوتيين من اتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية البارزين قائلاً: "  بالرغم من الفوارق الواضحة بين مدرستي  أنطاكيا والإسكندرية اللاهوتيتين في المصطلحات و الصيغ ، إلا  انهما كانتا  مماثلتين  في الجوهر.  وربما يمكننا أن نعتبر  الأسباب التي قررت
مصير  نسطورس إلى حد كبير ، أسباباً شخصية أكثر منها لاهوتية أو عقائدية . لقد جُعل نسطورس كبش الفداء لتحقيق المصالحة بين المدرستين."

          (انتهى الجزء الثاني )