المحرر موضوع: لمحة من تاريخ كنيسة المشرق الآشورية ( الجزء الثالث )  (زيارة 245 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل marqos yousif

  • عضو
  • *
  • مشاركة: 27
  • منتديات عنكاوا
    • مشاهدة الملف الشخصي
                                   يوآرش هيدو

ذكرنا سابقاً ان كنيسة ألمشرق رفضت تحريم مار
‎ نسطورس بطريرك القسطنطينية عندما علمت ان تعاليمه فيما يتعلق  بطبيعة المسيح مماثلة  لتعاليمها  وبانه يقر بالمعتقد  القويم،  المعتقد القائل  بطبيعتين واقنومين في المسيح فضلاً  عن انكاره تسمية مريم العذراء ب(ثيوتوكوس ) أي "والدة الاله".
‎من المعروف أن عوامل أو أسباباً جغرافية  وسياسيةً ولغوية   أدت إلى تباعد(  كنيسة المشرق ) عن الكنائس الغربية أي الكنائس التي كانت ضمن الإمبراطورية الرومانية  . إلا  أن العامل الأقوى الذي ادى  إلى القطيعة التامة  والانفصال النهائي بين كنيسة المشرق والكنائس الغربية (  الروم والإغريق واليعاقبة ) ،  كان العامل المذهبي وذلك عندما نمى الى الشرقيين خبر إدانة نسطورس كمهرطق  وبالتالي تحريم كل من يؤمن
‎بتعاليم  مماثلة.
‏إن الجهل المطبق بتاريخ ومنجزات كنيسة المشرق لدى مسيحيي  الغرب كان من ثمار مقررات ( مجمع آفسس ) السيىء  الصيت والسياسة المتسمة بالقسوة  والأنانية التي أتبعها الأباطرة  الرومان وخلفاؤهم الذين وصموا كنيسة المشرق بالتسمية  المغلوطة "النسطورية".

‏ورغم الاضطهادات  التي تعرضت لها كنيسة المشرق الآشورية ، استمرت في النمو والانتشار والازدهار .
في عام ( 774 ) انتخب وكرًس مار خنانيشوع ( الثاني )  بطريركاً على كرسي كنيسة المشرق في ساليق وقطيسفون .  وقد  ارسل هذا البطريرك رسلاً  و مبشرين من هناك إلى بلدان الشرق الأقصى:  إلى الصين ،  منغوليا وسيبيريا وغيرها.
في عهد هذا البطريرك اقيم نصب مكتوب باللغتين السريانية والصينية تذكاراً  لهؤلاء الرسل.
 وما زال هذا النصب التذكاري قائماً  حتى يومنا هذا.
 لقد أسس رسل هذه الكنيسة العشرات من الاديرة والمدارس لنشر الثقافة والعلوم .

‏بعد أن شيد أبو جعفر المنصور مدينة بغداد وجعلها عاصمة له ، نقل البطريرك مار خنانيشوع  كرسي البطريركية من ساليق وقطيسفون  إلى المدينة الجديدة التي صارت عاصمة للعباسيين .  توفي  البطريرك  خنانيشوع  عام  ( 779  ) ودفن في كوخي.

‏بعد وفاة  مار خنانيشوع ،  انتخب ( مار  طيماثاوس الأول ) بطريركاً  سنة (  780  ) . ويعتبر  مار  طيماثاوس  واحداً  من أعظم بطاركة  كنيسة المشرق وخلال الفترة التي شغل فيها هذا المنصب (  780 _ 823 ) بلغت الكنيسة اوج مجدها  و ازدهارها. ويقال أن عدد اتباع  كنيسة المشرق في عهده بلغت الثمانين مليوناً.
 وقد دارت  بين مار  طيماثاوس و الخليفة العباسي (المهدي  ) مناظرة دينية  حول المسيحية وذلك سنة ( 781 ) .  وظل الكرسي البطريركي قائماً  في بغداد حتى ( 1282).
‏بعد احتلال بغداد من قبل المغول وزوال ملك الدولة العباسية ،  اشتدت  وطأة الاضطهاد على كنيسة المشرق.  وبهذا الصدد كتب اوستن هنري لايارد  يقول : " بعد سقوط الدولة العربية، ضعفت بأطراد سلطة البطريرك الأشوري في المشرق . وعانت الطائفة من اضطهاد الحكام المغول وتعين عليها أن تناضل ضد خصم أشد هولاً  تجلى في المبشرين الكاثوليك الذين شرعوا ينتشرون في طول آسيا وعرضها .
لكن تحولهم إلى قلة  من الهائمين على وجوههم في ( أقاليم آشور )  يجب أن يعزى إلى تيمورلنك السفاح.  لقد طاردهم  بعزم لا يلين وضراوة  لا مثيل لها ودمر كنائسهم وأحرق اديرتهم وقطع بحد السيف اعناق جميع أولئك الذين لم يحالفهم  الحظ في الهرب إلى المعاقل الجبلية التي يصعب الوصول إليها ." ( نينوى  وبقاياها:  ص 257 _ 258 ) .

‏بعد وفاة ( مار دنخا الأول )  سنة  ( 1281 ) ، خلفه على الكرسي البطريركي  لكنيسة المشرق المطرافوليط (  مار يهبالاها  الثالث  ) الذي كرس بطريركاً في ساليق  و قطيسفون   بعد إتمام مراسيم دفن البطريرك الراحل مباشرة  ، على يد سبعة مطارنة   وخمسة عشر أسقفاً. وبعد انتهاء مراسم التكريس  عاد البطريرك الجديد إلى مقره  في بغداد.  نقل ( ماريهبالاها الثالث ) الكرسي البطريركي من بغداد إلى ( أربيل ) ومن ثم إلى ( مراغا )  في أذربيجان .
توفي ( مار يهبالاها الثالث ) سنة ( 1318 ) وخلفه ( مارطيماثاوس   الثاني ) الذي نقل الكرسي البطريركي  إلى ( الموصل ) بعد سنتين من تسنمه  منصب البطريرك.  ومع اشتداد الاضطهادات  انتقل الكرسي من مكان إلى آخر بحثا عن الأمان .
فمن الموصل انتقل إلى  ( كرمليس ) ومنها إلى دير  ( الربان هرمزد )  الشهير القريب من ( القوش ) .  ومن(  القوش ) إلى ( اورميا )  ومن هناك إلى( ديزن ) في هكاري  ومن ديزن الى ( قودشانيس )   حيث استقر حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى.
‏بعد احد عشر  قرناً من التوسع والانتشار والازدهار تقلصت هذه الكنيسة العظيمة وتضاءل عدد إتباعها لتنحصر في المنطقة الاصلية التي فيها كان منشؤها وبخاصة في المنطقة المحصورة بين ( الموصل ) و(  وأن ) ومن (اورميا )  إلى ( بوتان)  فضلا عن كرسي أسقفي في ( كيرالا )  بجنوب الهند .
كان النظام المتبع في كنيسة المشرق هو أن ينتخب البطريرك او الأسقف انتخاباً  من قبل المجامع الكنسية،  لكن هذا التقليد انهار على نحو تعذر  اجتنابه وسط المخاطر التي حاقت بالكنيسة. " ولا سيما بعد الاعصار المدمر  المتمثل  في الجزار  تيمورلنك  الذي اقترف  مذابح  واهوالاً  يندى لها جبين البشرية " ضد اتباع كنيسة المشرق من سكان بلاد مابين النهرين  الاصليين المسالمين" .  لذلك قرر البطريرك   ( مار شمعون الباصيدي )   الذي شغل المنصب من ( 1437_ 1439 )  ،  جعل البطريركية وراثية أي أن يظل الكرسي البطريركي محفوظاً  في الأسرة ذاتها وينتقل من العم  إلى ابن أخيه  وأحياناً  إلى أخيه الأصغر . وسرعان ما أصبحت خلافة المطارنة والأساقفة وراثية أيضا.
‏وكان السبب الرئيسي لاتخاذ هذا القرار هو صعوبة اجتماع المطارنة والأساقفة للانتخاب بسبب قسوة الاضطهادات .  "ان النكبة الشاملة  التي حلت بكنيسة المشرق هي التي ارغمت شمعون الباصيدي 
‏على تشريع قانون النظام الوراثي الذي كان هدفه المحافظة على الكنيسة وتهيئة العوامل التي تجعلها قادرة على الاستمرار تحت ظروف غاية في الصعوبة… وبكل تأكيد لولا ذلك القانون لما كان هناك اليوم شيء اسمه الكنيسة الكلدانية. " (  انظر  هرمز أبونا صفحات مطوية  في تاريخ الكنيسة الكلدانية ص 53 _ 54 ) .
في منتصف القرن السادس عشر وتحديدا في ( 1552 ) حدث انشقاق في كنيسة المشرق قاده  عدد من الأساقفة ومؤيديهم متخذين من النظام الوراثي المتبع في الكنيسة ذريعة  لانشقاقهم وانتخبوا  الراهب ( يوخنا سولاقا بلو )  من أهالي عقرا  وأرسلوه  إلى روما ليرسم بطريركاً في 20 من شهر شباط ( 1553 ) على يد ( يوليوس الثالث ) بابا روما وارسل إلى (آمد ) بتركيا .
وهكذا تأسس الكرسي البطريركي  لما سمي بالكنيسة الكلدانية.
‏كان هذا الانشقاق حدثاً  كارثياً بالنسبة لكنيسة المشرق لأن المنشقين الذين تذرعوا بالنظام الوراثي في انشقاقهم ، لم يحافظوا  على تقاليد كنيسة المشرق وتعاليمها  وعقائدها  ومقررات مجامعها الكنسية بل اسسوا  كنيسة منضوية تحت رئاسة كرسي بابا روما وتنكروا لتعاليم   كنيستهم  الأم .وشرعوا بأضطهاد  اتباع كنيسة المشرق و مضايقتهم بالتعاون مع المبشرين الكاثوليك الغربيين . وبوسائل ملتوية  عديدة كالرشوة والتهديد والوعيد ، استطاع  المنشقون أن يحولوا  أعدادا كبيرة من اتباع كنيسة المشرق إلى الكاثوليكية.

‏إن طغيان الحكومة التركية ومكائد  مبعوثي الكنيسة الكاثوليكية عجل بتحول أشوريي  قرى وقصبات  السهول إلى المذهب الكاثوليكي ، فضلاً عن معظم قرى  منطقة(صپنا ) .إلا  ان كنيسة المشرق الآشورية ظلت محافظة على النظام الوراثي حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي على أثر وفاة البطريرك العظيم ( مار ايشاي شمعون ) . لقد كان لكنيسة المشرق في اوج مجدها و انتشارها اكثر من خمس وعشرين أبرشية ، فضلاً  عن الابرشية  البطريركية، وكل ابرشية  كان يديرها مطران أي رئيس اساقفة يعاونه في إدارة الابرشية عدد من الأساقفة . وبعد ما يقارب احد عشر  قرناً من التوسع والانتشار ، تقلصت هذه الكنيسة العظيمة التي  كانت تضم اجناساً وشعوباً مختلفة ،  آشوريين،  فرساً ،  عرباً ، مغولاً ،   وأتراك ومن اقوام أخرى عديدة،  لتنحصر في جزءٍ  من الشعب الأشوري ( وقد اتخذ الآشوريون الذين انضووا   تحت لواء بابا روما اسم " الكلدان " ) .

‏وبسبب النظام الوراثي للمناصب الدينية العالية وانحصار هذه المناصب في اسر معينة ، غدا النظام الكنسي متداخلاً مع التركيبة  العشائرية . وجرياً على  النظام القديم ، كان البطريرك يجمع بين السلطتين الدينية والدنيوية  في آن معاً. لقد عاشت كنيسة المشرق تحت سلطان الفرثيين  والفرس والعرب والمغول والأتراك،  وتعرضت على مر العصور إلى اضطهادات  فظيعة و مذابح مهولة  لكنها استطاعت أن تصمد بوجه كل الأعاصير والعواصف الهوجاء إلى يومنا هذا .
يعيش اتباع هذه الكنيسة اليوم في موطن نشوئها الأصلي ،  بلاد ما بين النهرين التي سكنها  أجدادهم منذ  آلاف السنين وفي بلدان أخرى عديدة .