المحرر موضوع: أمريكا في الزمن الصعب  (زيارة 223 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل لويس إقليمس

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 427
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
أمريكا في الزمن الصعب
« في: 11:07 23/06/2023 »
أمريكا في الزمن الصعب
لويس إقليمس
بغداد، في 18 نيسان 2023

يومًا بعد آخر، يشهد العالم انحدارًا متواصلاً بسمعة زعيمة القطب الواحد، أمريكا، التي فرضت هيمنتها على شعوب العالم لعقودٍ بعد اختفاء ندّها الشيوعي-الاشتراكي المتمثل بالاتحاد السوفيتي الذي تآكلَ مع الزمن بفعل الأحداث الساخنة والعديد من المؤامرات الدولية التي حيكت حينها من أجل إزاحته من أمام البلدوزر الأمريكي ليبقى الأخير مسلّطًا سوطَه على سائر الدول والمنظمات الفاعلة، وخاصة المالية منها. فقد سعت أميركا وطابورها الغربي السياسي والديني والاجتماعي لسنوات عديدات، بنسج مؤامراتها اللاّأخلاقية بهدف الإطاحة بحكم البلاشفة الذين وقفوا قطبًا ندّيًا لطموحاتها منذ انتهاء الحربين الكونيتين اللتين طحنتا الملايين من البشر وأحالتا دولاً وشعوبًا إلى حافة الفقر وإلى بروز مكامن الاستبداد والفساد والقهر ضدّ مصالح بلدان وشعوب سقطت أسيرة الفاقة والفقر والعوز بفعل فاعل. وبالتأكيد، يعي قادة الشعوب كما فلاسفة الأمم ومثقفوها وتجّارُها وعلماؤُها ومخططوها وساستُها فرصَ القيام والنهوض والتطور لدولٍ وشعوب إلى جانب نقيضها في الأفول والسقوط والتخلّف مع تقادم الأيام والسنين والأزمان. فالحضارات تسود حينًا لتفنى وتتلاشى بعد حين، حتى لو طال بها الزمن عقودًا وقرونًا وألفياتٍ. وما أكثر الحضارات التي سادت ثمّ بادت، ومنها في بلاد ما بين النهرين، وما بقي منها خيرُ شاهدٍ على عظمة فتراتها وحضورها وتأثيرها وسيادتها على شعوب ودول العالم في فتراتٍ سابقاتٍ هالكاتٍ أصبحنَ في خبر كان. فهذه لم تعد تنفع أو تشفع لأحدٍ من وارثيها أو المنادين أو المدّعين بالانتساب أو الاحتكام إليها حين التفاخر بزمن صعب بواقع حالٍ أسقطَ كلّ الذرائع إلاّ فيما تعلّمته شعوبُ الأرض والأمم من دروس الماضي، وحكمة فلاسفة الواقع، والعِبَرِ من مصائب الأحداث التي فرضت واقعًا جديدًا لأيّ شعبٍ أو أمّة أو دولة. فالأمم والشعوب بواقعها الحاضر وليس بماضيها التليد الغامر الذي اختفى ومعه اختفت كلُّ شناشيلِ الماضي وفذلكاتُه وإرهاصاتُه المغمورة، المعلنة منها والمخفية.
هكذا هي أمريكا، قوّة القطب الواحد التي فرضت هيمنتها على العالم بقدراتها المالية والصناعية والاقتصادية والتسليحية، والأكثر، المشبوهة والمدسوسة في نظر سائر الأمم والشعوب التي ضاقت ذرعًا بسلوكياتها وتناقضات أجهزتها وإداراتها على مدى السنوات التي فرضت سطوة القطبية الواحدة على دول العالم ومنظمتهم الدولية مثيرة الجدل التي تقف دومًا مع المقتدر الجبّار والظالم على حساب حقوق الأمم والشعوب المغلوبة والمقهورة التي تواصل امتداد جهلِ شعوبها وإبقائها ضمن إطار طاعة الأقوياء ومستغلّي القدرات الكامنة لبلدانها وتعدّدِ ثرواتها كي تبقى أسيرة الحاجة الخارجية التي تتكرّم بها أمريكا وأذيالُها من دول الغرب التابع الذليل لها. وبشكل هذه السياسة الاستغلالية لحاجات الشعوب الفقيرة في الإنتاج والصناعة والزراعة، ماتزالُ دولةُ القطب الواحد تُحكم سطوتَها على غيرها من الدول والشعوب تارة بحجة تقديم المساعدات الإنسانية، وطورًا بحجة إرضاعها حليبَ الديمقراطية المفقودة في بلدانها بسبب الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية التي تأتي بها للحكم باسمها واقعًا في الخفاء. لكنّ حكمة الزمن تذكّرُ البشر بدوران الدوائر لكون العالم غيرَ مستقرٍّ أو ثابتٍ لأحد أو لصالح دولة أو أمّة دون أخرى. ومهما بقي المتجبّر مستلاًّ سيفَه، ففي نهاية المطاف يأتيه السقوط والتراجع في زمن ما كي يستعيد وعيه ويتذكر قدرة عليا يمكن أن تتجبّرَ عليه بعد دوران الدوائر. والعبرة في مقولة "إذا دعتك قدرتُك على ظلم الناس، فتذكّرْ قدرةَ الله عليك"، تنطبق اليوم على معظم الدول التي تتحكم بمصائر الشعوب والدول الفقيرة التي تُستغلُّ ثرواتُها والمواد الأولية فيها لتشجيع وتنشيط صناعة الغرب الاستعماري المصرّ على صيغة الاستغلال المهينة هذه ووأد أية مساعٍ لإنعاش اقتصاد البلدان الفقيرة. بالتالي، تلكم هي مصائر البلدان المتجبّرة على غيرها بالسطوة والقتل وزرع الفتنة واستخدام نوافذ الانتقام وما فيها ومنها من موبقات السلوك السياسي الخائب. حينئذٍ لا يشفع حليفٌ ولا ينفعُ صوتُ مفتي من أشكال وعّاظ السلاطين ولا دعاءُ رجلِ دينٍ ذليلٍ مدّاحٍ ردّاحٍ يقتات على فتات موائد الساسة الفاسدين الأشرار مغتصبي حقوق الشعوب المقهورة بجبروتهم وسرقاتهم وهدرهم لأموال الفقراء وميزانيات دولهم، تمامًا كما يحصل في بلادنا.

ردّة أفعال غير رصينة
عندما أدارت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ظهرَها للعراق للأسباب التي يعلمها الجميع بحجة كسر كرامتها على أيدي رأس النظام السابق، بدأت بشنّ أشكال خبثها مستغلّة ثغراتٍ وأخطاء جسيمة اقترفتها الحاشية المقرّبة من رأس النظام السابق. وكان ذلك بردود أفعالٍ غير رصينة من جانب دولة عظمى اختلقت الأكاذيب وأشكال التزوير والتمويه لغايات انتقامية لا تليق بدولة عظمى مثل أميركا، ما عاب عليها المجتمع الدولي مثل هذا الفعل الشنيع. وفي هذا الصدد، نقول سواءً اجتازت المياه من تحت ناصية إرادة راس النظام السابق وغلبت على عنجهيته وأنَفته، فإنّه في كلّ الأحوال يتحمّلُ وزر ما آلت إليه أمور العراق والمنطقة ككلّ.
من هنا ابتدأت سلسلة من القرارات والإجراءات والعقوبات الدولية-الأمريكية في التخطيط لها في دهاليز أجهزتها الاستخبارية والمخابراتية والعسكرية بصنوفها على السواء، إلى جانب تحشيد ساسة ونواب من كلا الحزبين الرئيسيين من دون تمييز. فالحزبان اللذان تسيّدا المشهد السياسي حينها مشتركان في رسم سياسة تقرير مصير النظام في البلاد وتغييره، ضمن مخطّط شيطانيّ برسم خارطةً لشرق أوسط جديد، كما أسموه. وهكذا جاء الإيحاء بضرورة افتعال فتن بين العراق وجارته الشرقية بدفع المرشد الأعلى لاستفزاز جارته الغربية بمناوشات عسكرية هنا وهناك لغاية أن بلغ السيلُ الزبى، فوجدها رأس النظام السابق خيرٍ فترة لتلقين جارته الشرقية درسًا في احترام الدول والشعوب، ولاسيّما دول الجوار. من هنا كان الإيحاء لرأس النظام بشنّ حربِ السنوات الثمان الطاحنة، فيما لعبت السياسة الدولية، ومنها أمريكا بالذات وحلفاؤُها الغربيون دور الرقيب أحيانًا، والمنتفع بتجهيز الطرفين بمؤونة الحرب العسكرية من أسلحة وأعتدة وأجهزة ومواد حربية متنوعة في أحيانٍ أخرى لغاية نفاذ الصبر والاحتياطات واستنفاذ قوى البلدين اللذين خارا بفعل قساوة الحرب وضراوتها وصعوبة تضاريسها في أحيانٍ كثيرة. ولا يخفى عن الأذهان تشجيع بلدان الجوار والمنطقة لتواصل أتون تلك الحرب الضروس من أجل إبعاد شبح تأثيرها وقساوتها عن سلامة شعوبهم وحدود بلدانهم، فيما عُرف بحرب الوكلاء. ثم جاء الإيحاء الثاني من الجانب الأمريكي باقتراف الخطأ الأكبر الذي قصم ظهر العراق عندما ارتكب غلطته الكبرى باجتياح جارته العربية الجنوبية بالرغم من الأدوات والذرائع التي بين أيدي النظام السابق بحصول تواطؤ من نوعٍ آخر خوفًا من استئساد النظام السابق وتنّمره على ما سواه من قادة وساسة ورؤساء وملوك المنطقة والخشية من سطوة عراقية-عربية وعراقية- إسلامية على المشهد. فما كان منه إلاّ أن يقع بالفخ السياسيّ للعم "سام" كي تعمل الإدارة الأمريكية في إثرها لوضع حدودٍ قاصمة لطموحات مثيرة للجدل بإيقاع الحصار القاسي الذي قتل الحرث وجفّف الضرع وعرّضَ الحجر والأرض للصمت والسكوت لسنوات عديدات مقفرات لغاية تهيئة الأرضية للغزو الطائش في 2003 بحجج وذرائع أثبتت شهادات الشهود والوثائق المسرّبة والتي ماتزال طيّ الكتمان أنها كانت مجرّد أوهام بهدف الاقتصاص من رأس النظام وحاشيته وحزبه الذي رأوا فيه تهديدًا للصالح العام والمنطقة والعالم. فعبر أكثر من ثلاث سنوات، لم تستطع فرق البحث والمراقبة والفحص من إثبات ما ادّعت البحث عنه في كواليس البلاد ومؤسساتها ودوائرها في طول البلاد وعرضها.
لقد فعلتها أميركا نكاية برأس النظام وفريقه الوطني بدافع التملّق والتزلّف للجارة الشرقية للعراق بحجة المظلومية وبهدف كسب ودّ منظمات حقوقية دولية عبر الإتيان بنظام بديلٍ آخر ليكون تحت تصرفها الاستعماري الاستغلالي. لكنها لم تدرك إلاّ مؤخرًا خطيئتَها الكبرى بالسماح لفئات غريبة من الدخلاء ومن مزدوجي الجنسية للرضاعة من أموال العراق الضخمة والغرف من ميزانياته الانفجارية منذ السقوط ولغاية اليوم مقابل الوعود بتصدير ديمقراطية الفوضى الخلاّقة وإنصاف طائفة على حساب عموم المجتمع الرافدينيى، بالرغم من كون هذه الأخيرة كانت تعيش ضمن الإطار الوطني للمواطنة، بل وفي صفوف قيادات حزبية ومناصب عليا في الدولة. وقد زادها الحاكم المدني سيّء الصيت "بول بريمر" شرًّا وقساوةً واستهتارًا بالبلاد والعباد، عندما بدأ بسرقة أموال العراق على مرأى ومسمع من العالم ووسط تأييد مَن أتت بهم الإدارة الأمريكية كي يقودوا العراق الجديد وفق مبدأ المحاصصة التي سمحت لجميع القادمين على ظهور الدبابات الأمريكية ومعها جحافل الغرب المحتلة ليسودَ حينئذٍ مفهوم الفساد في كل ركنٍ من أركان شبه الدولة التي لم تستطع النهوض من الكبوة لغاية اليوم. فما نشهده من تناقضات في الأفكار والإرادات والنوايا على جميع الأصعدة في صفوف الساسة وزعامات الأحزاب والكتل وأدواتهم الفاسدة مازالَ لا يبشرُ بالخير، طالما بقيت ذات الوجوه التي لن يسرّها أن تشهد البلاد وشعبُ العراق نهضة وطنية صادقة وحقيقية بالتخلّص من معظم هذه الأدوات التي تحكم البلاد ولائيًا وبالوكالة عن جارتها الشرقية التي أمّنَ الجانبُ الأمريكي قيادة البلاد بأيديها وسلّمها وكالتَها تحقيقًا لمصالحه القومية. وطالما كانت الجارة الشرقية تؤدي الواجب تجاه مصالح أمريكا، فلا حرجَ في ذلك لحين اختلاف المصالح. وحينها فقط، سنقول آن الأوان للتغيير نحو البناء لوطن آمن، مستقرّ، مسالم، سيّد نفسه، متطور في صناعته وزراعته واكتفائه الذاتي ومتقدم في تقنياته وعودته لماضيه بعلمائه وفنّانيه وثقافته ومدنيته بعيدًا عن فتاوى تحلّل المحرَّم في أملاك وثروات البلاد وتسمح باستباحتها بدعوى تحليل سرقتها لكونها مالاً سائبًا للدولة وستحقُّ السرقة والسلب والاستباحة.

أميركا تشعرُ بالإرباك
لقد بدأت دوائر عديدة من داخل الإدارة الأمريكية مؤخرًا تعي فداحة الأخطاء التي وقعت فيها مع حلفائها في العراق والمنطقة بعد الإحساس الباطني بقدرة العراق على استعادة دوره الإقليمي والدولي لما يمتلكه من مقوّمات بشرية ومالية في حالة تسليمه لأدوات مشهودٍ لها بالوطنية والكفاءة الصحيحة. وهي تتحين الفرصة لتصحيح الصورة والمسيرة في اتجاه العمل على تحقيق تغيير في السلطة القائمة والمنظومة الفاشلة وتسليم أمور البلاد بأيدي أمينة تدين بالولاء للوطن وأهله والعودة للصف العروبي الذي ينتمي إليه شعبُ وادي الرافدين. كما قد تسهم التطورات العالمية الأخيرة التي لا تخرج عن نطاق هذا الإحساس الداخلي إزاء ما حصل للعراق، لا سيّما ما يتعلّق بالشؤون الاقتصادية والملية الدولية. فهذه قد تجلب الوبال على الأمة الأمريكية بعد تغوّل الدب الروسي في الأراضي الأوكرانية والتحوّل في النظرة الاقتصادية العالمية من جانب التنّين الصيني والتحالف المالي والاقتصادي لدول "البريكس" الذي يُنظرُ إليه بمثابة النظام الجديد الذي سيقف ندًّا أمام نظام القطب الواحد الذي تتسيّدُه أمريكا وحلفاؤُها الغربيون.
مؤخرًا مثلاً، بدأت مخاوف أمريكا وقيادات الحزبين الرئيسيين فيها تتضح وتتراءى بوضوح إزاء التحركات الأخيرة لدول أقرّت شكل النظام الجديد الذي يضمّ دولًا ذات اقتصاديات متنامية تضاهي ربع اقتصاديات العالم، ومنها الصين التي تتطلّع لقيادة هذا التحالف الجديد لتنهي بذلك سياسة القطب الواحد وتحرز قبولاً دوليًا باتجاه عالم ثنائيّ الأقطاب تنضوي تحت لوائه دولٌ مهمة في اقنصاها وصناعتها وإنتاجها إضافةً إلى الصين، مثل روسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا. ناهيك عن دول أعربت عن رغبتها بالانضمام لهذا القطب الجديد مثل مصر وتركيا والسعودية والجزائر، وربما العراق وإيران ودول أخرى مرشحة في مرحلة لاحقة. بالتأكيد، لن ينتهي دور أمريكا إلى هذا الحدّ بسبب قدراتها الضخمة القائمة في قيادة النظام المالي العالمي وتمتّعها باقتصاد قوي في الصناعة والتكنلوجيا والإنتاج، بل سيكون للنظام الجديد تأثيرُه الواضح في الحدّ من قدرة النظام الدولي أحاديّ القطب القائم حاليًا والذي تتمتع به أميركا وتقوده عبر تسيّد عملتها الدولارية على معظم المؤسسات المالية الرئيسة في العالم من أسواق وبنوك ومؤسسات ومنظمات لغاية الساعة. وقد بدا واضحًا مدى الارتباك والتخبّط والشكوك المتزايدة حول قدرة الولايات المتحدة الأمريكية في الحفاظ على زعامتها المالية في أعقاب تقرير دولٍ كبرى بإجازة التبادل التجاري بعملات محلية كبديلٍ محتمل في محاولة لسحب البساط من قدرة الدولار الأمريكي الذي مازالَ يسيطرَ على الأسواق العالمية والاحتياطات النقدية في النظام المالي الدولي، وبه تتمّ العمليات التجارية لما تمثله هذه الورقة النقدية من قوّة مالية في الاقتصاد العالمي.
 حقًّا، إن أميركا وحلفاءَها يعيشون في الزمن الصعب بعد فقدان الثقة بها كزعيمة رصينة بسبب تدخّلاتها السافرة بشؤون بلدان العالم بهدف فرض الهيمنة وأسلوب الحياة!