المحرر موضوع: حركة النساء تهدد استقرار نظامين دينيين في أفغانستان وإيران  (زيارة 268 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

متصل Janan Kawaja

  • اداري
  • عضو مميز متقدم
  • ***
  • مشاركة: 31641
    • مشاهدة الملف الشخصي
حركة النساء تهدد استقرار نظامين دينيين في أفغانستان وإيران
طالبان يمكنها وأد المسلحين وتعجز عن التعامل مع احتجاجات النساء.
العرب

إصرار على نيل الحقوق
تمتلك الحركة النسوية سلاحا أكثر فتكا من المسلحين، حيث يدعم كل العالم النساء في احتجاجاتهن للحصول على حقوقهن وحرياتهن، لذلك تتجنب أعتى الأنظمة الدكتاتورية مواجهتهن، وهو ما يحصل أيضا مع طالبان التي تبدو قادرة على وأد المتمردين وعاجزة عن إخماد الاحتجاجات النسوية التي تستلهم تجارب رائدة قاومت أنظمة رجعية أخرى كالنظام الإيراني.


في الوقت الذي تطلع فيه الإسلاميون السنة في أفغانستان إلى إقامة دولة تطبق المعايير الأكثر تضييقًا على الحريات العامة على غرار ما أقامه الشيعة في إيران، أتى تغيير في المشهد من منطلق إصرار النساء على نيل حقوقهن وحرياتهن في الساحتين الإيرانية والأفغانية.

ويبدو أن الأمل في التغيير الكبير من طهران إلى كابول في مواجهة سلطات قمعية تحكم باسم الرب بات معلقًا بنساء خرجن إلى الشوارع وأحرقن الحجاب وقصصن شعورهن وهتفن: المرأة، الحياة، الحرية.

بدأت آمال قطاعات كبيرة من الشعب الأفغاني تتعلق بالجهود الحثيثة التي تبذلها نخب نسوية نشطة بغرض حلحلة الجمود في مشهد التغيير العام، على ضوء ما حققته المرأة الإيرانية أخيرا من تحريك مهم للشارع وإزعاج لنظام ديني يهيمن على السلطة منذ أكثر من أربعة عقود.

وتثير تحركات ناشطات أفغانيات في مجال حقوق المرأة والإنسان مخاوف سلطة طالبان القمعية أكثر مما تثير مخاوفها حيال الحركة الدينية المسلحة الأكثر تطرفًا والمتمثلة في ولاية داعش خراسان أو حيال المقاومة الوطنية المسلحة، خاصة مع إمعان النظر في ما حققه الحراك الحقوقي السلمي في إيران مؤخرًا على خلفية مقتل الفتاة الكردية مهسا أميني في 16 سبتمبر الماضي عقب اعتقالها من قِبل شرطة الأخلاق في إيران.

ولعبت الناشطات الإيرانيات في الخارج دورا مهما في خلق ضغط دولي على الجمهورية الإسلامية بسبب قمعها للمرأة وتقييد حريتها، ولذلك يخشي قادة طالبان من تأثير مماثل لنشاط وجوه أفغانية نسوية في الخارج.

وعلى ضوء هذا النشاط، بجانب الفعاليات المستمرة التي تنظمها مجموعات نسائية في الداخل الأفغاني، كشف تقرير أعدته مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن المقرر الخاص للأمم المتحدة ريتشارد بينيت المعني بأوضاع حقوق الإنسان في أفغانستان قد أصدر الشهر الماضي تقريرًا مهما بشأن الفظائع التي ترتكبها طالبان حول الممارسات المعادية للمرأة.

وتفيد هذه النوعية من التقارير الدولية في ممارسة ضغوط مضاعفة على سلطة طالبان التي وصفت إجراءاتها القمعية بأنها جرائم ضد الإنسانية، ونموذج للفصل العنصري بين الجنسين، وحرب على النساء، وكلها توصيفات أسست على جهود بذلتها ناشطات في مجال حقوق المرأة في الخارج، بجانب نضال الأفغانيات في الداخل.

◙ قطاع واسع من الأفغانيات يجدن أن ثورة النساء الإيرانيات ضد قمع نظام ديني مشابه، هي علامة على طريق تحررهن

وقد واكب تقرير ريتشارد بينيت تصريحات لهيذر بار المدير المساعدة لحقوق المرأة في منظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بشأن استبعادها تراجع حركة طالبان عن أساليبها القمعية فيما يخص هذه القضايا بعد أن قادتها هذه الأيديولوجيا إلى النصر والتمكين.

ويعد إبقاء النساء الأفغانيات غير متعلمات ركيزة أساسية في بناء طالبان لدولتها الجديدة، فقمع المرأة متجذر في المفاهيم التقليدية للسلطة الذكورية، وحرمانها من التعليم في قلب إستراتيجيتها لجعل الأسرة جاهلة.

وإذا كان يُشار إلى أفغانستان وإيران على أنهما الأسوأ سمعة في مجال حقوق المرأة، فإن نضال الناشطات الأفغانيات في الخارج يستلهم كفاح مثيلاتهن الإيرانيات كنموذج مسيح علي نجاد التي قابلت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرًا وأطلعته على تفاصيل معاناة المرأة الإيرانية.

وطالبت نجاد التي تعبر عن معاناة الإيرانيات في الخارج بممارسة ضغوط دولية على إيران وتخفيض العلاقات معها وطرد دبلوماسييها ووضع الحرس الثوري على قوائم المنظمات الإرهابية كي يتوقف النظام الإيراني الحاكم عن قتل الناس وقمع المرأة واضطهادها.

وتروج نجاد على المستوى الدولي لقضية المرأة الإيرانية التي تعتبر انتفاضتها ضد الظلم والقهر بداية النهاية للجمهورية الإسلامية التي تحكم في القرن الحادي والعشرين بقتل الأطفال والمراهقين وطالبات المدارس بسبب الرقص أو كشف الشعر أو الغناء أو الرغبة في التمتع بحياة طبيعية.

وتردد زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي في خطاباتها فكرة مفادها أن نظام الحكم الحالي في إيران سوف يسقط عاجلًا أم آجلًا على أيدي النساء تحت قيادتهن وتأطيرهن، وأن الانتفاضة الأخيرة حدث عابر للطبقات، حيث أن تضامن النساء حشد خلفهن كل المجتمع الإيراني.

ويجد قطاع واسع من الأفغانيات أن ثورة النساء الإيرانيات ضد قمع نظام ديني مشابه، والتي حركت أطياف المجتمع، هي علامة على طريق تحررهن، ولا عائق أمامهن يحول دون قيادتهن لثورة تقود إلى التحرر من نظام يتخذ أيضًا من قمع المرأة وتهميشها وسيلة لتكريس تسلّطه واستبداده الشمولي.

ويزداد تشبث الأفغانيات بالأمل خاصة أنهن ذقن على مدار عقدين طعم الحرية، وحظين بدستور كفل حقوقهن وانهارت الثقافة الذكورية التي ميزت الرجال عن النساء من خلال الأعراف الاجتماعية وبات بإمكانهن التمتع بالموسيقى والعمل وتعليم بناتهن دون خوف من العقاب.

وإنْ لم يطرأ تغيير على حركة طالبان التي عادت أسوأ مما كانت عليه قبل عقدين خلال فترة حكمها الأولى في المدة الممتدة بين عامي 1996 و2001، فإن المرأة والشعب الأفغانييْن تغيرا طوال هذه الفترة التي لم تكن تحكم فيها الحركة المتشددة، وقد بدأت تنشأ في أفغانستان نواة مجتمع حديث أخذ يعتاد على أساليب الحياة العصرية.
ومن الصعب أن تستسلم النساء الأفغانيات لواقع يمحو كل ما تحقق قبل أن تعاود طالبان سيطرتها على السلطة في البلاد، عندما ذهبت الملايين من الفتيات إلى المدارس والجامعات وحصلت كثيرات على شهادات جامعية فتحت لهن آفاق العمل ووصلن إلى مراكز مرموقة واستطعن السفر إلى الخارج.

ومع أن العزيمة الغربية خفتت نسبيا في مجابهة الأنظمة الشمولية التي يقودها إسلاميون (سنة وشيعة) إلا أنه قد برز جيل من الإيرانيين والإيرانيات والأفغان والأفغانيات الذين تلقوا تعليمًا مدنيًا وتعرفوا على العالم ووجدوا أنهم قادرون على نقل بلدهم إلى القرن الواحد والعشرين وتمكين المرأة من الدراسة والعمل والتمتع بحقوقها وممارسة حياتها كما تريد.

ووصف الانسحاب الأميركي من أفغانستان بأنه تخل متسرع عن مهمة آتت أكلها وكانت بحاجة إلى المزيد من الصبر، كما أن مواصلة التفاوض مع النظام الإيراني بشأن الملف النووي صورة أخرى من الخذلان الغربي عبر تكريس هيمنة نظام يقمع المطالبين بالحرية والكرامة.

ولا تتواءم حاجة القوى الغربية إلى إحراز انتصارات جيوسياسية سريعة تصنع العناوين الإعلامية وتسهم في كسب المعارك الانتخابية، كما جرى بشأن الانسحاب من أفغانستان الذي أدى إلى تمكين طالبان والتفاوض بشأن الملف النووي الإيراني، مع ما يتطلبه الإسهام في تحرر الشعوب ومساعدة المرأة على نيل حقوقها من نفس طويل وصبر في مواجهة مناورات وأساليب تيار الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي.

◙ مساعدة العالم الخارجي للمرأة في كل من إيران وأفغانستان تكاد تنحصر في الدعم المعنوي والأدبي الذي تقدمه المنظمات الدولية والحقوقية

وتكاد مساعدة العالم الخارجي للمرأة في كل من إيران وأفغانستان تنحصر في الدعم المعنوي والأدبي الذي تقدمه المنظمات الدولية والحقوقية، دون أن تصل إلى مستوى التدخل لمساعدة الشعوب وانتشال نسائها من مستنقع الاضطهاد والقهر وإحياء الدولة الوطنية فيها.

ويراهن الملايين من الأشخاص في البلدين على الحراك الشعبي العام الذي استمد قوته من تضحيات ونضال المرأة لنيل حقوقها، حيث تخطت احتجاجات إيران إطار الاعتراض على الحجاب الإلزامي وشرطة الأخلاق وتحولت الشعارات بسرعة إلى المطالبة بتغيير النظام.

ويأمل قطاع واسع من الشعب الأفغاني، يقف خلف النخب النسوية المناضلة، تحريك المشهد ليصل إلى ما وصل إليه نظيره الإيراني، حيث جرى حصار السلطة الشمولية القمعية بحراك سلمي ممتد حتى بات بين نارين، لأن المزيد من القمع يعني إصرارًا مضاعفًا من المتظاهرين والحد منه يكاد يكون اعترافا بالهزيمة.

ولا يعني تراجع الاحتجاجات أن الثورة التي أشعلتها المرأة الإيرانية طُويت صفحتها خاصة أن ميزان القوى مال إلى جانب الشعب وباتت العودة إلى الوراء مستحيلة، مع الربط بين رفض إجبار النساء على ارتداء ما تراه السلطات مناسبًا والمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية.

ويشير ما جرى في إيران من وحدة شعبية بمختلف المدن إلى أن الإيرانيين من مختلف المناطق والأيديولوجيات يتحدون ضد النظام الذي أُحرقت صور رموزه وجرى الهتاف بإسقاطه، وقد صار ذلك مُلهمًا لمواصلة الطريق خلال محطات قادمة بعد أن تجاوز المجتمع مرحلة الخوف.

ويتجاوز الإلهام حدود إيران ليصبح ركيزة لنشاط الأفغانيات وتعويض خسارتهن لأغلب الحقوق التي اكتسبنها على مدار العقدين الماضيين. ويشمل الغضب والرفض كل الطبقات، حيث فقدت نساء الطبقة العليا في أفغانستان مراكزهن بعد عزل قاضيات ونائبات عامات وأكاديميات وضابطات بالقوات المسلحة والشرطة عن وظائفهن.

وتلوم النساء الفقيرات واللاتي بلا مأوى حركة طالبان على تدهور ظروفهن المعيشية وما وصل إليه حالهن من بؤس ويرون أن سياسات حكومة طالبان جعلتهن أكثر فقرًا، ولذلك يشكل مشهد نضال الأفغانيات لنيل حقوقهن تحديًا لنظام طالبان الذي جاء إلى السلطة بالقوة.

وتستطيع الحركة الأفغانية التعامل مع خطر الجماعات المسلحة الأكثر تطرفًا بمواجهتها بالسلاح والمقاتلين ونفوذ شبكة حقاني لدى الجماعات العابرة للحدود، لكنها عاجزة عن التعامل مع احتجاجات مستمرة لأشهر ممتدة لا يلتزم خلالها النساء الصمت حيال تجاهل حقوقهن الإنسانية.

وتفتقر الجماعات المسلحة المناوئة لطالبان إلى الدعم الدولي، بينما تلقى النساء المتعلمات والناشطات الاجتماعيات والمدافعات عن حقوق المرأة والمشردات دعمًا معنويا ملحوظًا من أجل استعادة حقوقهن وحرياتهن.