المحرر موضوع: رجاء ... ولكن بالعمل والصلاة  (زيارة 290 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
رجاء ... ولكن بالعمل والصلاة
المونسنيور د. بيوس قاشا
بمناسبة الذكرى العاشرة لصدور الإرشاد الرسولي بعد السينودس لكنائس الشرق الأوسط "شركة وشهادة"، انعقد مؤتمر في نيقوسيا قبرص للفترة من 21-23 نيسان 2023، وحضر المؤتمر أكثر من 250 ممثِّلاً عن الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط والذي انعقد تحت عنوان "متجذرون في الرجاء" والذي نظمه مجمع الكنائس الشرقية وهيئة رواكو المعنية بمساعدة الكنائس الشرقية وبحضور المطران كلاوديو غوجيروتي (عميد مجمع الكنائس الشرقية).
نعم، إنه أول مؤتمر يجمع الكنائس الكاثوليكية في الشرق الأوسط بعد أن مرّ 13 عاماً على سينودس الشرق الأوسط و10 سنوات على الإرشاد الرسولي الذي وقّعه قداسة البابا بندكتس السادس عشر في بيروت عام 2012. إنها فترة زمنية تغير فيها الشرق الأوسط بشكل كبير.
لقد كان المؤتمر صرخة واضحة، فنحن جميعاً في بلاد الشرق وليس فقط في بلد معين، وفي هذا نعلم أن كلنا معرَّضون لمرحلة خطيرة جداً من وجودنا. فالغياب في الشرق عن أرضنا هو غياب مصيري ومخيف لا بل خطير، وهو يؤثر على الكنيسة الجامعة لأن الكنيسة والمؤمنين يعودون إلى الجذور الرسولية.
وها ما يدعو الحاضر على أن نقوم جميعاً بملخص حقيقي وملموس لما تم عيشه، لذا فإن إعادة القراءة للإرشاد الرسولي الذي شكّل نوعاً ما وصية سُلّمت إلى كنائس الشرق الأوسط بالإضافة إلى ما حدث على المستوى السياسي والاجتماعي والكنسي حيث يدعو إلى الارتداد والثقة بالله لأنه من الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الأزمات والفضائح يمكنه أن ينطلق مجدَّداً لأن النداء للكنيسة الجامعة بأسرها.
نعم، إذا كان المسيحيون – قال المؤتَمِرون – يشعرون قبل ذلك بالأمان ويتمتعون بالحماية والحرية الدينية فقد أُجبروا على ترك أرض أسلافهم، ولغتهم أصبحت في السير نحو التلاشي. كما تدارس المؤتمر عدة نقاط مهمة وأهمها بعد أن تغير كل شيء ومع أن الإرشاد الرسولي جميل وذات مغزى كبير فالواقع بات مختلفاً تماماً، فلقد قُلبت الأوضاع وأدّت إلى نسيان وجود تلك الوثيقة، وهناك أسئلة أضحت اليوم تفرض نفسها الآن كضرورة عكس ما كانت مجرد إسقاط على الواقع آنذاك... ومن أهم هذه النقاط:
- لقد كانت سنوات التحدي العشرة الأخيرة والتي عاشتها الكنائس سنوات طُبِعَت بالتطرف بعد نهاية الربيع، كما تميزت بعنف داعش والحروب العديدة في سوريا والعراق واليمن ولبنان وأخرى، حيث دفعت الجماعات المسيحية لذلك ثمناً باهظاً جداً لكنها شهدت أيضاً للرجاء باستشهاد العديد من الأخوة والأخوات المؤمنين.
- نعم، هذه السنوات شهدت أيضاً وثيقة أبو ظبي للأخوّة الإنسانية وزيارات قداسة البابا فرنسيس الرسولية والتاريخية إلى العراق ثم إلى البحرين والتي تشير إلى أن الأب الأقدس يهتم بالشرق الأوسط والكنائس الشرقية والحوار المسكوني مع الأرثوذكس والحوار بين الأديان ولا سيما الأخوّة مع المسلمين كذلك مع اليهود.
ومن النقاط المهمة أيضاً التي تم تدارسها وهي:
- مشكلة السلطة: إن المشكلة ليست إلا تدخّل السلطة سلباً في إدارة الجماهير والمؤمنين لصالح منافعها. وفي الشرق الأوسط يبقى على الدوام حاضر خطر الوقوع في تجربة التحالف أو أن يصبح المرء أداة للسلطة السياسية في الزمان والمكان مما يمنعنا من أن نحافظ على الدور النبوي الذي يجب أن يكون حراً. فلا يمكن التحالف بين العرش والمذبح لأن لا العرش ينجح ولا حتى المذبح.
من هنا يجب عيش الشفافية في العلاقات الكنسية وفي المؤسسات، وما علينا إلا تصحيح أشكال الفساد في جميع أعماله لأن الخيار التفضيلي للفقراء والضعفاء لا يجعل من الكنيسة حزباً سياسياً في وقت يواجه الإيمان آفاقاً جديدة ولكنه يواجه هجمات ومشاكل عديدة من ناحية أخرى، لأن السياسيين والدول لديها أجندات ومصالح مما يجب على العالم أن يشعر بهذه المرحلة الخطيرة والتي نجتازها. وفي هذا الصدد علّق عميد دائرة الكنائس الشرقية المطران غوجيروتي: أن الغربيين يتحملون مسؤولية كبيرة في زعزعة الاستقرار للأوضاع في الشرق الأوسط، والأنكى نقل الثقافة ومطالبة الشعب بأن يكون معها. فلقد عانى عدد غير محدد من الطرفين الآثار البشعة للحرب وتداعياتها.
- مشكلة الحضور المسيحي والهوية والشهادة: يقول المطران غوجيروتي: لا يمكن للكنيسة الجامعة أن تخسر حضور المسيحيين في الشرق الأوسط وإرثهم وشهادتهم ولا سيما إيمانهم عبر استعادة الهوية المسيحية الأصيلة، لهذا السبب ستكون الكنيسة الجامعة حاضرة بمساعدة مالية وأيضاً من خلال مشاركتكم في أولياتكم وؤيتكم وتحديد دوركم في المرحلة الحالية لكي تكونوا فخورين بماضيكم المجيد إذ تملكون في تقليدكم أداة حية لولادة جديدة.
إن ذلك جهود بطولية لمسيحيي الشرق الأوسط لكي يشهدوا للإيمان والشهادة للإنجيل حتى في أوقات الضيق. فالشهداء بذار سلام ومصالحة بين الشعوب من أجل عالم أكثر إنسانية وأخوّة في انتظار أن يظهر بالكامل ملكوت السماوات عندما سيكون الله الكل في الكل (البابا فرنسيس، مقابلة الأربعاء العامة، 19 نيسان 2023). فالكنيسة تشيد بجهود أبناء الشرق البطولية لإيمانهم المشترك في المصاعب بجميع أنواعها. والشهداء اليوم أكثر عدداً في زمننا مما كانوا عليه في القرون الأولى، فلا يجوز في ذلك أن يُنظَر إلى الشهداء كأبطال تصرفوا بشكل فردي وكزهور تنبت في الصحراء وإنما كثمار ناضجة وممتازة في كرم الرب الذي هو الكنيسة بشكل خاص من خلال مشاركتهم المثابرة في الافخارستيا. فكل مسيحي مدعو لكي يشهد للحياة حتى وإن لم يصل به الأمر إلى إراقة الدماء، ولكي يجعل من نفسه عطية الله تشبّهاً بيسوع. وهؤلاء الشهداء يجعلون عنف الذين يرفضون الإعلان من أن الاستشهاد لم يُعطَ إلا لعدد قليل إنما على الكل أن يكونوا على استعداد ليعترفوا بالمسيح أمام الناس وليتبعوه على درب الصليب عبر الاضطهادات التي لا تغيب في الكنيسة أبداً، ففي ذلك يذكّرنا المجمع الفاتيكاني الثاني بأن الاستشهاد فيه يصبح التلميذ شبيهاً بمعلّمه الذي قَبِلَ الموت بكل حرية لأجل خلاص العالم.
- مشكلة العلمنة: تحاول العلمنة إلغاء المسيحية من المجتمع وإنها ظاهرة غريبة بشكل أساسي حيث تصل إلى الشرق الأوسط في نفس الوقت الذي تصل فيه الثقافة الغربية، فلا يمكن أن يكون هناك شكّ في أن العنصر الاجتماعي والديني الأكثر انفتاحاً على الثقافة الغربية هو المكوّن المسيحي.
- مشكلة الحق في الوطن: حيث للمسيحيين الحق في وطنهم، وحق فيه أن يعودوا دون خوف من أن تُستَهدَف عقيدتهم، ولهم الحق في بقاء لغتهم وثقافتهم. فالمسيحيون أعطوا الكثير لبلدانهم واليوم يدفعون ثمن سياسات غريبة وخاطئة وذلك لغياب الخدمات وفرص العمل ورؤية واضحة لمستقبلهم، فهم يحتاجون – أي المسيحيون – إلى المساعدة كي يتمكنوا من البقاء في أرضهم ولكي يعيشوا فيها كمواطنين كاملي الحقوق أسوةً بالجميع. فمن الخطر اليوم هو أن يكون المسيحيون من أقلّ الناس معرفة بأراضيهم وجذورهم وهذا ما يدعونا إلى أن نُلزم أنفسنا بطلب برامج عناية رعوية وتعليم مسيحي وتربية تشمل قراءة الإنجيل وهذا ما يساعد المؤمنين في ربطهم بإيمانهم فذلك هوية الشعور بالانتماء الديني والحق في الشعور بأن المسيحية قد ولدت في هذه الأرض وهذا تاريخ يرجع لآلاف السنين.
وربما قد لا يستطيع الصحفيون إخراج الناس من أزماتهم بيد أنهم يستطيعون مشاركة قصص هؤلاء الناس مع باقي العالم... هذا ما قاله مطران مجمع الكنائس الشرقية وهذا أمر فعّال في هذا الزمان. لذا علينا أن نضع في اعتبارنا الصلة الحيوية بين كلمة الله أي الإنجيل الذي فيه بُعثت به الحياة، فالبعد الجغرافي للإيمان - كما أطلق عليه البابا بولس السادس – هو ما يساعدنا على تجنب إغراءات تلك الهرطقة التي تجعل من الإيمان مجرد عمل فكري. فلا ننسى أهمية جغرافية الخلاص والعيش الأمينوالحق في أرضنا.
- لذا على الكرسي الرسولي دعم مسيحيي الشرق الأوسط وذلك من أولوياته لأنه مهما كانت الجهود السخية في متابعة أعضاء الكنيسة سيكون هذا الأمر أكثر فاعلية لتفادي أي اندماج ولو غير مقصود للحفاظ على شهادة الإيمان وكي يشعر مؤمنينا في الشرق بأن الكرسي الرسولي يعيش معهم معاناتهم بكل معناها وأبعادها والعمل على الخروج منها حاملين مشعل الرجاء بالرب يسوع والذي هو محور الإيمان والشركة والشهادة والحياة بأسرها. فالإنسان الذي يعمل مشيئة ربّه لا يخاف حقد الحاقدين ولا يخشى لائمة اللائمين، فمَن كان الله معه فمَن يكون عليه.
وختم المطران باتسيتا بطريرك أورشليم بالقول: أنه ليس هناك حاجة لأعمال ترميم وإنما البدء من جديد من الأسس لنكون نوراً وملحاً وخميرةً لهذا العالم. لذا من هنا يجب أن يولد التزام جديد ومتجدد يمكنه أن ينير ويضفي نكهة على الشرق الأوسط بأكمله لكي تترسخ جذورنا وحيث سنبقى من أجل الشهادة الحقة للإيمان.
ختاماً، أرجو أن لا تمرّ عشر سنوات ونعود كما كنّا بدون فائدة كما مرت العشر سنوات الماضية. فالرجاء المتجذرون به لا يكون بالسكوت والصمت بل بالعمل والصلاة ليس إلا!.