" ضعف الوعي القومي لدى الكلدان أدى الى فوز البطريرك ساكو كزعيم ديني ودنيوي "
إن حقيقة ضعف الوعي القومي لدى دعاة الكلدنية أمر مسلّم بهِ والكثير من الأقوام الأخرى يعتقدون أنهم عرب مسيحيين أو يُعدونهم أعراباً بسبب ثقافتهم العربية الى درجة يصعب تمييزهم عن باقي الأعراب لأنهم يفضلون التحدث بالعربية وهم تحت سقوف بيوتهم ، أي أنهم يعشقون العربية طواعيةً دون ضغطٍ أو إكراه . الكثير منهم يُطلقون على أبناءهم أسماء عربية إسلامية لا يعلمون معانيها ويتباهون بها منها على سبيل المثال ستّار ، عمّار ، ياسر ، صُهيب وأسم شائع جداً في أوساط الكلدان هو " خالد " القائد العربي الإسلامي الذي ذبح 70,000 مسيحي في معركة " نهر الدم " وسُميّت بهذا الأسم لأن لون ماء النهر تحوّل الى إلى لون الدم .. وخالد إبن الوليد هذا ، لقبهُ رسول الإسلام بِ سيف الله المسلول وقال الخليفة أبو بكر الصديق في مدح خالد " عقمْنّ النساء أن يلدن مثل خالد " .( أرجو أن لا يفكر أحد أن تسمية خالد مشتقة أو لها علاقة بمفردة "الخلود" لأن الكثير من الذين إسمهم خالد أطلقوا أسم وليد على أحد أبناءهم ) .
بالنسبة للمثقفين من أبناء الكنيسة الكلدانية وكل المُلمين بتاريخ حضارة وادي الرافدين يعلمون جيداً أن أبناء كنيستنا ليسوا عرباً بأي شكل من الأشكال حتى وإن قال البعض عن أنفسهم أنهم عرباً ! والشيء الذي يبقيهم متميزيون عن باقي الاقوام هو اللغة التي يتحدثون بها وكذلك لغة طقوس الكنيسة المتوارثة و المتعارف عليها والى الستينيات من القرن المنصرم الى أن غزت العربية كنيستنا لِتطغى على لغة الطقوس الآرامية والسورث الدارجة في بعض المدن الكبرى كبغداد والبصرة والموصل دون أن نرى مَن يقف بالضد من هذا المد المستهجن والمقيت وأكرر المقيت لأن مسألة التعريب هو بمثابة نسف الركن الأهم من أركان القومية والسمة الابرز في تحديد الهوية القومية .
إستمر الوضع في التدهور دون أن يُعير الكهنة والرهبان والقوميين والسياسيون ومعظم الشعب خطورة هذا المنحى وقامت قيادات الكنيسة الكلدانية بالتعتيم الكامل وعَمدت على عدم التطرق الى الموضوع ولا حتى بالتلميح بهِ . ولكن الحق نقولهُ دائماً ان البطاركة الأجلاء تركوا أمر لغة الطقوس كل حسب الموقع الجغرافي وتحت تصرف الكاهن المسؤول عن الأبرشية .. الى أن تسّلم البطريرك ساكو رئاسة الكنيسة الكلدانية ، الرجل الأكثرعداءً وحقداً لِلغة وتراث الكنيسة الذي يرقى الى درجة الإبادة الثقافية والدليل واضح وجلي فهو يرفض التحدث بغير لغة الضاد أينما كان وأينما حل في بغداد أو في أربيل أو في القوش أو في مَنكَيش أو في بلاد الشتات وربما إذا حل في (الملبار) بلاد السند والهند سوف لن يقبل دون العربية لغةً ينطق بها .
أمّا فيما يخص موضوع التسمية المُوّحدة وقفت الأحزاب المنظمات الكلدانية والبطريرك ساكو دائماً بالضد حتى أن الأخير إستهزأ بالتسمية (الكلدوآشوريةالسريانية) ووصفها بالقطارية والحقيقة أنها غير مفضلة ولكن الذي أقرها كالمجلس الشعبي أُضطر أن يتبنى هذهِ التسمية لتكون شاملة لهذهِ الإثنيات الثلاث إن صح التعبير . إرتضى البطريرك ساكو بتسمية المكوّن المسيحي لدى حكومة المركز بينما طالب حكومة الإقليم برفع (الواوات) وإدراج الكلدان كقومية مستقلة في دستور الأقليم المذكور .
أسس الرابطة الكلدانية التي لا تشبه الرابطة المارونية أو السريانية وهي سياسية بدليل ترشيح أسماء ليدخلوا مجلس النواب أو ليصبحوا وزراء و وظائف أخرى في الدولة . ولا تصدقوا أن البطريرك ساكو أسسها ولم يتدخل في شؤونها لأنهُ يبقى الأب الروحي لها .
هذا البطريرك السياسي رقص جذلاً عندما تحقق طموحهُ بإلغاء التسمية القومية وتبني التسمية الدينية ( المكوّن المسيحي) التي لا تُليق بأمةً عريقة وعلى أرضها التاريخية ، أمة تمتد جذورها الى آلاف السنين بَنت حضارة يقّر العالم و يعترف بعظمتها والآثار والتاريخ والمتاحف خير شاهد .
التسمية الدينية جاءت كهدية مقدمة للبطريرك ساكو على طبق من ذهب ، لأنهُ طموحهِ السياسي وعشقهُ للشهرة والظهور الإعلامي غير إعتيادي رغم أنهُ رئيس كنيسة وليس رئيس دولة ولا فنان إستعراضي ،
هو الذي سمّى نفسهُ بالمرجعية رغم أن المرجعية هو مصطلح إسلامي ولا وجود لهُ في أدبيات الكنيسة في جميع مراحلها التاريخية .
ولكن الحق يجب أن يُقال ، وأقولها بمرارة أن بقية أبناء أمتنا رضخوا للأمر الواقع من آشوريون وسريان ولم يعترضوا على تسميتنا بالأسم الديني وليس القومي ولكن يبقى العتب على أبناء الكنيسة الكلدانية أشدّهُ كونهم يشكلون نسبة عددية أكبر .. ولو كانوا على درجة كافية من الوعي القومي لما سمحوا للبطريرك ساكو أن يُجرد عنوان كنيستهم من أسم بابل التاريخي ولما قبلوا بتسمية "المكون الميسحي" !
أعتقد أنها مهمة الباحثين عن الهوية أن يهتموا بمستقبل الأجيال القادمة وذلك من خلال التوعية والتصميم على تجاوز الخطوط الحمراء عندما يُحاول أيٍ كان و مهما بَلغت درجتهُ ومقامهُ النيل من حقوقهم وعزتهم وكرامتهم .
بقي أن نقول أن سلطة الدين والدولة في المجتمعات المسيحية فاشلة وخير مثال : تاريخ أوروبا وما آل إليهِ حكم رجال الدين ولا نذهب بعيداً ، فتجربة سورما خاتون التي تشبثت بالقيادة الدينية والدنيوية فشلت ولو كانت القيادة أنيطت الى الجنرال آغا بطرس ربما كان الوضع الأن أفضل بكثير .