المحرر موضوع: من قلبي ... بخديدا بلدتي (القسم الأول)  (زيارة 231 مرات)

0 الأعضاء و 1 ضيف يشاهدون هذا الموضوع.

غير متصل المونسـنيور بيوس قاشا

  • عضو فعال جدا
  • ***
  • مشاركة: 242
    • مشاهدة الملف الشخصي
    • البريد الالكتروني
من قلبي ... بخديدا بلدتي
(القسم الأول)

المونسنيور د. بيوس قاشا

     في البدء...
مرة أخرى أستميحكم عذراً حيث كنتُ قد اعتذرتُ منكم ومن القرّاء الكرام جميعاً في رسالتي الأولى إلى أبناء بخديدا الأحبة التي كانت تحت عنوان "بخديدا... أمّ الشهداء".
وكنتُ قد أدرجتُ المقال في عدة مواقع الكترونية في الثاني من شباط (فبراير) من عام 2019 ومنها مواقع أبونا وعشتار وعنكاوا، وها أنا اليوم أمامكم جميعاً ومرة أخرى، واضعاً مقالي هذا وكتاباتي تحت أنظاركم يا أبناء بخديدا الغالية – بلدتي العزيزة – وعبر مسيرتي الكهنوتية والحياتية، ولكم كل الحق بل الحقيقة بأكملها أن تقولوا ما شئتم، وما تفكر به ضمائركم، وما يطيب لكم من أوصاف، وأن تكتبوا ما هو مبتغاكم، فإنني أؤمن بأفكاركم وآرائكم وأتمنى أن أراكم كلمة وحقيقة في هذه الحياة المتعَبَة كي لا تكونوا سلعة رخيصة كما يريدونها... ليس إلا!.
نعم، أدرك جيداً أنكم تمرّون – وخاصة في هذه الأيام – بمخاطر وأزمات وكل ذلك يداهمكم وأنتم ربما أبرياء من ذلك وإنْ كنتم أنتم لستم سببها ولكنهم في ذلك شوّهوا مسيرتكم المسيحية، ففُرضت عليكم أوقات قاسية وعصيبة وكأنها كُتبت بأسمائكم لأنها تأخذ من مسيرة حياتكم. فالمخاطر أمامكم ولم تكن في البال والحسبان، وبسببها لا زال الخوف يساوركم فلا تعرفون ماذا تفعلون أو تقررون، فقد حلّ ما حلّ بكم وأنتم تسمعون وتشاهدون وربما تشاركون. ساعة تتألمون، وساعة تتأوّهون، وساعة تبكون على ما يحصل، وساعة ربما تستهزئون بما يحصل، وأخرى تقولون لماذا هذا كله يحصل وما هو سبب ذلك؟ وتبقون تسألون ولا من مجيب، فتأخذون في الصمت، وفي داخلكم تقولون: هل ضاعت أرضنا؟ هل فُقد وطننا؟ ونحن، أين محلّنا من هذا كله، وماذا يحصل؟.
أمام هذا كله اسمحوا لي أن أرافقكم عبر أسطر قليلة وفي كلمات واضحة مليئة بالمحبة والاحترام والتقدير لشخصكم إنْ كنتم كباراً أو صغاراً، ووفاءً لمدينتي بخديدا الخالدة والغالية، فأنا بينكم أخ ومن أجلكم، وإنْ كنتُ قليلاً بعيداً عنكم ولكني أتابع أخباركم وأخبار بلدتي وما يحصل فيها يوماً بيوم لا بل ساعة بساعة، أفرح لفرحكم وأطرب لغنائكم وأحزن لأحزانكم وآلامكم وإنْ كنتم (وكنتُ) يوماً مداساً للناس فكنتم وأنا مثلكم غرباء وهذا ما حصل وما عشتموه ورأيتموه مدة سنين ثلاث من داعش الإرهابي، فهذا كله ذقتُهُ معكم وفقدتُ كل شيء، نعم كل شيء، ولا زال الألم يعصر قلوبكم وقلبي وهذا كله يقودكم إلى ما لا تشاؤون كما قال ربنا يسوع لبطرس:"تمدُّ يديك وآخر يُمنطقك ويحملك حيث لا تشاء" (يو18:21)، ومع هذا أقولها: الرب يعوضكم ويعوضني، المهم أن لا نبالي إلا بمسيحنا وشعبنا ومدينتنا وفقراءنا، وقولوا مع بولس الرسول:"أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فيلبي13:4) فأنا معكم بمحبتي وكلمتي، فأنتم لي وأنا لكم وكلنا للمسيح يسوع ومن ثم للأرض والوطن.
بخديدا، وما أدراك ما بخديدا... إنها تاريخ بأكمله، كلمة مقدسة، إنها الحياة، قبلة المؤمينن والشاهدة للمسيح الحي وللمسيحية، للعطاء وعرق الجبين. عُرفت بهواها ورجالها وشبابها كما عُرفت بنسائها وأرضها. إنها أمّ الكنائس والأديرة والمزارات. أعطت ولا زالت تعطي أولادها من أجل الأرض والوطن، لا بل من أجل الإيمان والحقيقة. إنها العاصمة المسيحية بوجودها في سهل نينوى وبِساطِهِ. لذلك إليها تصبو عيون الآخرين للعيش فيها واستملاكها ومقاسمة ترابها والصراع من أجلها، لذا أرجوكم أن لا تنظروا إليها بعيون الجسد بل انظروا بعيون الروح والعقل والحقيقة، وشاهدوا وتفرسوا في مستقبل أجيالكم ووطنكم وأرضكم، فالتيجان تُغَشّ مهما كانت مرصّعة بالذهب والألماس، وكبار الزمن الغير الصادقين لا يبقى لهم أثر في الوجود، وصغار الدنيا ربما يستهزئون بكم وإنْ خسروا كل شيء. لذلك أدعوكم إلى اليقظة والفطنة في عملكم ورسالتكم ومسيرتكم، فلا تتركوا مجالاً للهواء والأقدار أن تداعبكم حسب ما تشاء ولكي لا تؤلّهوا أنفسكم فكونوا مدركين جيداً وتعلّموا كيف تستمعون وتفسرون وتفكرون بما حصل وما يحصل بينكم هذه الأيام بسبب كبار الزمن وصغار الدنيا، فكونوا كالحيات حكماء وكالحمام ودعاء كما قال الرب يسوع (متى16:10) فالحياة بالمسيح هي لكم اليوم وأمس وإلى الأبد (عبر8:13) وما تلك إلا مسيرة مؤلمة ولكن عبر مستقبل واعد لكم ولأجيالكم. فلا تجعلوا أبداً أبداً أن يستملك الشرّ في قلوبكم أو يقود مسيرتكم الإيمانية، بل احملوا مسيرة مدينتكم وأرضكم ووطنكم ومآسيها وأحزانها وقضاياها ومشاكلها، واعملوا بحكمة على التصدي لها، فالحكمة كنز، والرجل الحكيم يبني بيته على الصخر كما يقول الرب يسوع (متى24:7) معتبراً ومنتبهاً إلى العواصف والفيضانات والأعاصير كي لا يغرق ما يبني. فالمستقبل الذي تقولون عنه أنه ضائع بسبب ما يمرّ به المعبد والبلد والوطن من انقسامات وكأني بكم اليوم تتقاسمون دعوة سمعان القيرواني في حمل الصليب (مر21:15). فلا تخافوا، فمهما كانت الأهوال قاسية عليكم وتأخذ من قاماتكم فلا تيأسوا ولا تبالوا فالرب سبق وقال مرات عدّة لتلاميذه "لا تخافوا" (متى20:28) و"لا تكونوا قليلي الإيمان بكلام الرب" (متى26:8).

     الحياة في أرضكم ووطنكم وكنائسكم
انتبهوا، فالحياة تناديكم من أجل البقاء في أرضكم ووطنكم، وكنائسكم تقول لكم ذلك. فالمستقبل لكم مهما كان درب الصليب قاسياً وطويلاً ومتعِباً فلا تجعلوهم ينظرون إليكم ويحدّقون في حقائبكم وأنتم ترحلون وتهاجرون فهم في ذلك لا يفكرون إلا بالاستيلاء عليكم، فهم الذين قالوا يوماً:"لا تشتروا أراضيهم ولا بيوتهم فنحن لها، وفي المستقبل هي لنا شاءوا أم أبوا". إنهم ينظرون إليكم ليقولوا لكم "ارحلوا من أجل لمّ الشمل أو من أجل كلام الطرف الآخر في عائلاتكم. اذهبوا وتخلّصوا من هذه الأزمات في هذه الأرض"، فتذهبون وترحلون عبر المحيطات والبحار، وتتشتّتون في أصقاع الأرض بعد أن يُدخلوا إيمان العيش في قلوبكم وعلى ألسنتكم ومن أجل لقمة هنيّة وللمحافظة على أجيالكم الصاعدة فترون كل ذلك حسناً (تك31:1). فانتبهوا، فأنتم قوة للبقية الباقية، فلا ترحلوا كي تفتشوا عن الأكل والشرب وملء البطون ومن أجل راحة وهناء، وتنسون أن لكم حقيقة يجب أن تعيشوها وهي حب أرضكم وشعبكم ووطنكم وكنيستكم. وربما تقولون وتتساءلون: ماذا أعطانا الوطن ونحن قد أعطيناه كل شيء أما هو فلم يعطنا شيئاً؟ أقول لكم: إن الوطن لا يعطي أكلاً وشرباً ونوماً هنيئاً فهذه كلها يعطيها البلد الذي يفتش عن مصالحه وغاياته، أما الوطن هنا فقد أعطاك هوية وقومية، فالأرض أنتم والوطن أنتم والأجيال أنتم والكنيسة أنتم، ولا زلتم في طريق الآلام والصليب سائرون. فرغم المآسي والاحتلال لا تتهاونوا وأرجو أن تكونوا حرّاساً أوفياء لمدينتكم وجنوداً أمناء، فأنتم معروفون بغيرتكم، وإذا رحلتم أو هاجرتم ودخل المغتصبون وطنكم فلا تقولوا لماذا يدخله الغرباء والغزاة، فأنتم فتحتم لهم فكانوا من الفاتحين، وربما من الغزاة، وما ذلك إلا أمنية الكثيرين... وإلى القسم الثاني